الحاج الخديم البورقيقي
11-10-2009, 06:32 PM
ثباتُ الداعي إلى الله ووضوحُه بصفاءِ منهجِه
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين كالخوارج المارقين، والمرجئة المفرطين، ودعاة الحزبية الزائغين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فالدين الإسلامي كامل غير منقوص، وسالم من التبديل والتغيير والتحريف، فحُقَّ لأهل السنة أن يشكروا الله على هذه النعمة، وأن يعتزوا بعقيدتهم، ويتمسكوا بها، ويدعوا الناس إليها، ويردوا عنها شطاحات أهل الأهواء، وتلبيسات دعاة الباطل وناقلي الوباء.
وحتى يتمكن الداعي إلى الله من نشر الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وينفي عنه شبهات أهل الباطل يجب في حقه أن يكون واضحا في سلوكه وسيره إلى الله، ومتصفا بصفاء المنهج والنقاء
قلت:أحوال مقلقة لا تليق بمن يحمل منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، فأردت من خلال هذه الشبكة الطيبة أن أذكر نفسي المقصرة وباقي إخواني الدعاة إلى الله بضرورة صفاء المنهج ونقائه من كل ما يشوبه ويسيء إليه من أقوال وأفعال وأحوال، حتى تستبين سبل المجرمين، ويتضح سبيل الحق.
ماهو الصفاء؟
((الصفاء هو الخلاص من الكدر الذي يجمع الطيب بالخبيث، وسقوط التلون والتردد والتذبذب))
وصدق من قال:
كل يوم تتلون **** ترك هذا بك أجمل
كيف يتحصل الداعي على صفاء المنهج ووضوح المواقف؟.
إذا ارتوى الداعي إلى الله من العلم الصافي، المتلقى من مشكاة النبوة على فهم السلف الأخيار، تهذب سلوكه للسير على طريق العبودية واتضح حاله للموالي والمعادي، وأمارة ذلك التأدبُ بآداب الإسلام، والوقوفُ مع الحق وتحكيمُه ظاهرا وباطنا، والمسيُر معه حيث سار به، والاعتدالُ والاتزانُ في الأقوال والأفعال والأحوال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في القواعد النورانية(ص49ط دار الفتح الشارقة): ( فمتابعة الآثار فيها الاعتدال والائتلاف والتوسط الذي هو أفضل الأمور)
وأما والعياذ بالله إذا كان حالُ الداعي الخلطَ في التلقي، والتغذي بكل ما يجد من خبيث أو جيد، والاحتكاك بالمعافى والأجرب، فإن الأمر سيؤول به إلى فساد الحال والطبع، والوقوع في الكدر، والاتصاف بالتلون، وفقدان الصفاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاقتضاء(1/485ط الرشد) بعد ما بيّـن خطورة التشبه بالمجرمين في أحوالهم وأعيادهم:( ...و الشرائع هي غذاء القلوب وقوتها كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ويرويه مرفوعا((إنّ كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته وإنّ مأدبة الله هي القرآن))[والأثر فيه مقال] ومن شأن الجسد إذا كان جائعا فأخذ من الطعام حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة وتجشم، وربما ضره أكله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته قلَّت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع، فإنه تعظم محبته له، ومنفعته به، ويتم دينه، ويكمل إسلامه، ولذا تجد من أكثر سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه، ومن كثر من السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة، ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم، لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه الاهتمام ونظير هذا كثير)) اهـ
وله كلام في ما بقي من الصفحات يكتب بماء الذهب لنفاسته فعلى الطالب باقتنائه.
وقال رحمه الله في درء التعارض(1/20) بعد ما بين أن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتم إلا بدفع المعارض العقلي((فإن الغذاء لا ينفعه-أي المريض- مع وجود الأخلاط الفاسدة التي تفسد الغذاء...))
قلت: وكل طالب علم اعتاد مجالسة أهل الباطل والاحتكاك بهم، والاختلاط بالعوام على الدوام مع مجاراتهم على سلوكهم النازل، والخوف من الرد على المنحرفين لكسب جانب من أتباعهم وأنصارهم، والاعتداد بالنفس ورفعها إلى مقام المرجعية الشرعية مع خوائها والأخلاط التي تحملها، ولّد فيه التلون والكدر والتنقل من حال إلى حال.
بعض ثمار صفاء المنهج المتلقى من الكتاب وصحيح السنة على فهم السلف.
-إن صفاء المنهج يصحح همة طالب العلم، ومتى صحت الهمة علت وارتفعت، فإن سقوط الهمة ودناءتها من علتها وسقمها، وإلا فهي كالنار تطلب الصعود والارتفاع ما لم تمنع كما قال ابن قيم رحمه الله.
- وصفاء المنهج يولد في طالب العلم رجولة فيدور مع الحق حيث دار، ومواقف مشرفة عند الفتن والإحن، فلا يخذل أهل السنة في أحلك المواقف. ولا يناصر المبطل لحاجة في النفس، بل تراه ثابتا كالجبل الأشم.
- وصفاء المنهج يرفع صاحبه إلى مقام التمكن، وهو ظفر العبد بنفسه، والإستقرار على الحق، فكم من طالب علم تائه من كثرة أخلاطه، ضائع بين الشواغل والغفلات، تائه مع أهل البطالات.
والحمد لله رب العالمين.
وكتبه أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين كالخوارج المارقين، والمرجئة المفرطين، ودعاة الحزبية الزائغين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فالدين الإسلامي كامل غير منقوص، وسالم من التبديل والتغيير والتحريف، فحُقَّ لأهل السنة أن يشكروا الله على هذه النعمة، وأن يعتزوا بعقيدتهم، ويتمسكوا بها، ويدعوا الناس إليها، ويردوا عنها شطاحات أهل الأهواء، وتلبيسات دعاة الباطل وناقلي الوباء.
وحتى يتمكن الداعي إلى الله من نشر الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وينفي عنه شبهات أهل الباطل يجب في حقه أن يكون واضحا في سلوكه وسيره إلى الله، ومتصفا بصفاء المنهج والنقاء
قلت:أحوال مقلقة لا تليق بمن يحمل منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، فأردت من خلال هذه الشبكة الطيبة أن أذكر نفسي المقصرة وباقي إخواني الدعاة إلى الله بضرورة صفاء المنهج ونقائه من كل ما يشوبه ويسيء إليه من أقوال وأفعال وأحوال، حتى تستبين سبل المجرمين، ويتضح سبيل الحق.
ماهو الصفاء؟
((الصفاء هو الخلاص من الكدر الذي يجمع الطيب بالخبيث، وسقوط التلون والتردد والتذبذب))
وصدق من قال:
كل يوم تتلون **** ترك هذا بك أجمل
كيف يتحصل الداعي على صفاء المنهج ووضوح المواقف؟.
إذا ارتوى الداعي إلى الله من العلم الصافي، المتلقى من مشكاة النبوة على فهم السلف الأخيار، تهذب سلوكه للسير على طريق العبودية واتضح حاله للموالي والمعادي، وأمارة ذلك التأدبُ بآداب الإسلام، والوقوفُ مع الحق وتحكيمُه ظاهرا وباطنا، والمسيُر معه حيث سار به، والاعتدالُ والاتزانُ في الأقوال والأفعال والأحوال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في القواعد النورانية(ص49ط دار الفتح الشارقة): ( فمتابعة الآثار فيها الاعتدال والائتلاف والتوسط الذي هو أفضل الأمور)
وأما والعياذ بالله إذا كان حالُ الداعي الخلطَ في التلقي، والتغذي بكل ما يجد من خبيث أو جيد، والاحتكاك بالمعافى والأجرب، فإن الأمر سيؤول به إلى فساد الحال والطبع، والوقوع في الكدر، والاتصاف بالتلون، وفقدان الصفاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاقتضاء(1/485ط الرشد) بعد ما بيّـن خطورة التشبه بالمجرمين في أحوالهم وأعيادهم:( ...و الشرائع هي غذاء القلوب وقوتها كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ويرويه مرفوعا((إنّ كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته وإنّ مأدبة الله هي القرآن))[والأثر فيه مقال] ومن شأن الجسد إذا كان جائعا فأخذ من الطعام حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة وتجشم، وربما ضره أكله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته قلَّت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع، فإنه تعظم محبته له، ومنفعته به، ويتم دينه، ويكمل إسلامه، ولذا تجد من أكثر سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه، ومن كثر من السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة، ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم، لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه الاهتمام ونظير هذا كثير)) اهـ
وله كلام في ما بقي من الصفحات يكتب بماء الذهب لنفاسته فعلى الطالب باقتنائه.
وقال رحمه الله في درء التعارض(1/20) بعد ما بين أن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتم إلا بدفع المعارض العقلي((فإن الغذاء لا ينفعه-أي المريض- مع وجود الأخلاط الفاسدة التي تفسد الغذاء...))
قلت: وكل طالب علم اعتاد مجالسة أهل الباطل والاحتكاك بهم، والاختلاط بالعوام على الدوام مع مجاراتهم على سلوكهم النازل، والخوف من الرد على المنحرفين لكسب جانب من أتباعهم وأنصارهم، والاعتداد بالنفس ورفعها إلى مقام المرجعية الشرعية مع خوائها والأخلاط التي تحملها، ولّد فيه التلون والكدر والتنقل من حال إلى حال.
بعض ثمار صفاء المنهج المتلقى من الكتاب وصحيح السنة على فهم السلف.
-إن صفاء المنهج يصحح همة طالب العلم، ومتى صحت الهمة علت وارتفعت، فإن سقوط الهمة ودناءتها من علتها وسقمها، وإلا فهي كالنار تطلب الصعود والارتفاع ما لم تمنع كما قال ابن قيم رحمه الله.
- وصفاء المنهج يولد في طالب العلم رجولة فيدور مع الحق حيث دار، ومواقف مشرفة عند الفتن والإحن، فلا يخذل أهل السنة في أحلك المواقف. ولا يناصر المبطل لحاجة في النفس، بل تراه ثابتا كالجبل الأشم.
- وصفاء المنهج يرفع صاحبه إلى مقام التمكن، وهو ظفر العبد بنفسه، والإستقرار على الحق، فكم من طالب علم تائه من كثرة أخلاطه، ضائع بين الشواغل والغفلات، تائه مع أهل البطالات.
والحمد لله رب العالمين.
وكتبه أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي