عبدالله حمود الرشيدي
01-06-2010, 11:52 AM
الإيمان يماني والحكمة يمانية
الحمد لله المنعم الوهاب والصلاة والسلام على النبي محمد وعلى آله والأصحاب وبعد:
اختص الله بعض الأماكن بمزية عن غيرها وتفضل الله على أقوام دون آخرين، ومن ذلك ما جاء في الأحاديث النبوية الدالة على الثناء على أهل اليمن.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوباً وأرق أفئدة والحكمة يمانية والفقه يماني، رأس الكفر قِبَل المشرق" [رواه مسلم].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا"، قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله، قال: "اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا" قالوا: ونجدنا، فأظنه قال في الثالثة هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان. [رواه البخاري].
وعن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني لَبِعُقْرِ حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض لهم" [رواه مسلم].
ومعناه يزيح الناس بعصاه ليرد أهل اليمن، وقيل سميت باليمن لأنها يمين الكعبة. ومن اليمن ينحدر أصل أكثر القبائل العربية، ومن أهل اليمن من وَفِدَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ونال شرف الصحبة كالصحابي الجليل عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري، الذي روى لنا كثيراً من الأحاديث النبوية. وعرفت بلاد اليمن بعلماء الشريعة مثل عبد الرزاق بن معمر الصنعاني الذي رحل الأمام أحمد إلى اليمن لأجل الرواية عنه، ومن علماء اليمن محمد بن علي الشوكاني صاحب المصنفات الكثيرة في شتى فنون العلم، ففي التفسير له كتاب ( فتح القدير)، وهو من أفضل كتب التفسير لأنه جمع بين فني الرواية والدراية، وله في الحديث كتاب (نيل الأوطار). وللشوكاني اهتمام بعلم الحديث.
ومن علماء اليمن محمد بن إسماعيل الصنعاني مؤلف كتاب (سبل السلام )، والصنعاني عاصر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأعجب بالدعوة السلفية الداعية إلى الاهتمام بالتوحيد ونبذ الشرك والبدع والخرافات والتحذير من الاستغاثة بالأموات، أو صرف أي شيء من أنواع العبادة لغير الله، وأرسل الصنعاني قصيدة يثني فيها على الدعوة الإصلاحية في نجد وهذه أبيات من القصيدة:
سلام على نجد ومن حل في نجد
وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
لقد صدرت من صفح صنعا سقا الحيا
رباها وحياها بقهقهة الرعد
سرت من أسير ينشد الريح إن سرت
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد
يذكرني مسراك نجداً وأهله
لقد زادني مسراك وجداً على وجد
ومن علماء اليمن في العصر الحاضر العلامة المحدث الشيخ مقبل بن هادي الوادعي الذي توفي قبل بضع سنوات، والشيخ مقبل قام بعمل إصلاحي في اليمن، وأخذ على عاتقه نشر السنة النبوية في اليمن. وقد خلف طلبة علم نشروا السنة في بلاد اليمن وجعلوا لهم حِلَقاً علمية لتدريس العلم الشرعي في كثير من المساجد في قرى اليمن، وقد حصل لنا الالتقاء بالشيخ مقبل في سفرة لنا إلى اليمن مع بعض الأخوة وكانت النوايا مختلفة في الغرض من تلك السفرة، فمنا من سافر ليرجع إلى أهله حيث يسكنون في اليمن، ومنا من سافر بقصد الزواج، ومنا من سافر بقصد السياحة، وكان الخير في لقائنا مع العلامة الشيخ مقبل في قرية دماج بمحافظة صعدا.
والسفر سمي سفراً لأنه يسفر عن الوجوه، ويكشف عن الأخلاق، وللسفر فوائد كثيرة. قال الشافعي:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج هم واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجد
حكم السفر للسياحة
الأصل في السفر الإباحة إلا إذا كان لطلب معصية فهو سفر محرم، فمن ضرب في أرض المسلمين للتنزه والتفكر في مخلوقات الله فلا حرج عليه، وله أن يرفه عن نفسه ما لم يخرج عن حدود المباح أو الإسراف المذموم.
أما السفر إلى بلاد الكفار فإن له شروطاً وضوابط. يقول شيخنا محمد العثيمين- رحمه الله- عند كلامه عن السفر للسياحة في بلاد الكفار: (لا يجوز للإنسان أن يسافر إلى بلاد الكفر إلا بشروط ثلاثة:
1- أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات لأن الكفار يوردون على المسلمين شبهاً في دينهم وفي رسولهم وفي كتابهم وفي أخلاقهم في كل شيء يورد الشبهة ليبقى الإنسان شاكاً متذبذباً وفي المعلوم أن الإنسان إذا شك في الأمور التي يجب فيها اليقين فإنه لم يقم بالواجب، فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره يجب أن يكون يقيناً فإن شك الإنسان في شيء من ذلك فهو كافر.
2- أن يكون عنده دين يحميه من الشهوات لأن الإنسان الذي ليس عنده دين إذا ذهب إلى بلاد الكفر انغمس لأنه يجد زهرة الدنيا هناك من خمر وزنا ولواط وغير ذلك.
3- أن يكون محتاجاً إلى ذلك، مثل أن يكون مريضاً يحتاج إلى السفر إلى بلاد الكفر للاستشفاء، أو يكون محتاجاً إلى علم لا يوجد في بلاد الإسلام تخصص فيه فيذهب إلى هناك، أو يكون الإنسان محتاجاً إلى التجارة يذهب ويتجر ويرجع المهم أن يكون هناك حاجة.
ولهذا أرى أن الذين يسافرون إلى بلاد الكفر لأجل السياحة فقط أرى أنهم آثمون وأن كل قرش يصرفونه لهذا السفر فإنه حرام عليهم وإضاعة لمالهم فسيحاسبون عليه يوم القيامة حين لا يجدون مكاناً يتفسحون فيه أو يتنزهون فيه) أ.هـ
[كتاب: شرح رياض الصالحين لابن عثيمين].
فعلى المسلم أن يحرص على دينه فهو أعز ما يملك في هذه الدنيا، وليبتعد عن مواطن الشبهات والشهوات حتى يسلم، فإن القلب ربما علقت به شبهة فأفسدته وأخلت بالعقيدة وربما تعرض الشخص إلى إثارة شهوة فوقع في الحرام فأصبح من النادمين، فليحذر المسلم من إطلاق العنان لنفسه وليلجمها بلجام الحق حتى يصل إلى بر الأمان في جنة الخلد.
وللموضوع تكملة إن شاء الله.
عبد الرحمن بن ندى العتيبي
تاريخ النشر 03/08/2009
جريدة الوطن (الكويت)
__________________
الحمد لله المنعم الوهاب والصلاة والسلام على النبي محمد وعلى آله والأصحاب وبعد:
اختص الله بعض الأماكن بمزية عن غيرها وتفضل الله على أقوام دون آخرين، ومن ذلك ما جاء في الأحاديث النبوية الدالة على الثناء على أهل اليمن.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوباً وأرق أفئدة والحكمة يمانية والفقه يماني، رأس الكفر قِبَل المشرق" [رواه مسلم].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا"، قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله، قال: "اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا" قالوا: ونجدنا، فأظنه قال في الثالثة هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان. [رواه البخاري].
وعن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني لَبِعُقْرِ حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض لهم" [رواه مسلم].
ومعناه يزيح الناس بعصاه ليرد أهل اليمن، وقيل سميت باليمن لأنها يمين الكعبة. ومن اليمن ينحدر أصل أكثر القبائل العربية، ومن أهل اليمن من وَفِدَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ونال شرف الصحبة كالصحابي الجليل عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري، الذي روى لنا كثيراً من الأحاديث النبوية. وعرفت بلاد اليمن بعلماء الشريعة مثل عبد الرزاق بن معمر الصنعاني الذي رحل الأمام أحمد إلى اليمن لأجل الرواية عنه، ومن علماء اليمن محمد بن علي الشوكاني صاحب المصنفات الكثيرة في شتى فنون العلم، ففي التفسير له كتاب ( فتح القدير)، وهو من أفضل كتب التفسير لأنه جمع بين فني الرواية والدراية، وله في الحديث كتاب (نيل الأوطار). وللشوكاني اهتمام بعلم الحديث.
ومن علماء اليمن محمد بن إسماعيل الصنعاني مؤلف كتاب (سبل السلام )، والصنعاني عاصر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأعجب بالدعوة السلفية الداعية إلى الاهتمام بالتوحيد ونبذ الشرك والبدع والخرافات والتحذير من الاستغاثة بالأموات، أو صرف أي شيء من أنواع العبادة لغير الله، وأرسل الصنعاني قصيدة يثني فيها على الدعوة الإصلاحية في نجد وهذه أبيات من القصيدة:
سلام على نجد ومن حل في نجد
وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
لقد صدرت من صفح صنعا سقا الحيا
رباها وحياها بقهقهة الرعد
سرت من أسير ينشد الريح إن سرت
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد
يذكرني مسراك نجداً وأهله
لقد زادني مسراك وجداً على وجد
ومن علماء اليمن في العصر الحاضر العلامة المحدث الشيخ مقبل بن هادي الوادعي الذي توفي قبل بضع سنوات، والشيخ مقبل قام بعمل إصلاحي في اليمن، وأخذ على عاتقه نشر السنة النبوية في اليمن. وقد خلف طلبة علم نشروا السنة في بلاد اليمن وجعلوا لهم حِلَقاً علمية لتدريس العلم الشرعي في كثير من المساجد في قرى اليمن، وقد حصل لنا الالتقاء بالشيخ مقبل في سفرة لنا إلى اليمن مع بعض الأخوة وكانت النوايا مختلفة في الغرض من تلك السفرة، فمنا من سافر ليرجع إلى أهله حيث يسكنون في اليمن، ومنا من سافر بقصد الزواج، ومنا من سافر بقصد السياحة، وكان الخير في لقائنا مع العلامة الشيخ مقبل في قرية دماج بمحافظة صعدا.
والسفر سمي سفراً لأنه يسفر عن الوجوه، ويكشف عن الأخلاق، وللسفر فوائد كثيرة. قال الشافعي:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج هم واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجد
حكم السفر للسياحة
الأصل في السفر الإباحة إلا إذا كان لطلب معصية فهو سفر محرم، فمن ضرب في أرض المسلمين للتنزه والتفكر في مخلوقات الله فلا حرج عليه، وله أن يرفه عن نفسه ما لم يخرج عن حدود المباح أو الإسراف المذموم.
أما السفر إلى بلاد الكفار فإن له شروطاً وضوابط. يقول شيخنا محمد العثيمين- رحمه الله- عند كلامه عن السفر للسياحة في بلاد الكفار: (لا يجوز للإنسان أن يسافر إلى بلاد الكفر إلا بشروط ثلاثة:
1- أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات لأن الكفار يوردون على المسلمين شبهاً في دينهم وفي رسولهم وفي كتابهم وفي أخلاقهم في كل شيء يورد الشبهة ليبقى الإنسان شاكاً متذبذباً وفي المعلوم أن الإنسان إذا شك في الأمور التي يجب فيها اليقين فإنه لم يقم بالواجب، فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره يجب أن يكون يقيناً فإن شك الإنسان في شيء من ذلك فهو كافر.
2- أن يكون عنده دين يحميه من الشهوات لأن الإنسان الذي ليس عنده دين إذا ذهب إلى بلاد الكفر انغمس لأنه يجد زهرة الدنيا هناك من خمر وزنا ولواط وغير ذلك.
3- أن يكون محتاجاً إلى ذلك، مثل أن يكون مريضاً يحتاج إلى السفر إلى بلاد الكفر للاستشفاء، أو يكون محتاجاً إلى علم لا يوجد في بلاد الإسلام تخصص فيه فيذهب إلى هناك، أو يكون الإنسان محتاجاً إلى التجارة يذهب ويتجر ويرجع المهم أن يكون هناك حاجة.
ولهذا أرى أن الذين يسافرون إلى بلاد الكفر لأجل السياحة فقط أرى أنهم آثمون وأن كل قرش يصرفونه لهذا السفر فإنه حرام عليهم وإضاعة لمالهم فسيحاسبون عليه يوم القيامة حين لا يجدون مكاناً يتفسحون فيه أو يتنزهون فيه) أ.هـ
[كتاب: شرح رياض الصالحين لابن عثيمين].
فعلى المسلم أن يحرص على دينه فهو أعز ما يملك في هذه الدنيا، وليبتعد عن مواطن الشبهات والشهوات حتى يسلم، فإن القلب ربما علقت به شبهة فأفسدته وأخلت بالعقيدة وربما تعرض الشخص إلى إثارة شهوة فوقع في الحرام فأصبح من النادمين، فليحذر المسلم من إطلاق العنان لنفسه وليلجمها بلجام الحق حتى يصل إلى بر الأمان في جنة الخلد.
وللموضوع تكملة إن شاء الله.
عبد الرحمن بن ندى العتيبي
تاريخ النشر 03/08/2009
جريدة الوطن (الكويت)
__________________