أكرم بن نجيب التونسي
02-22-2010, 03:06 PM
أقسام الخلاف والتعامل مع المخالفين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، الملك الحق المبين ، العلي الحكيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ؛ وصفيه من خلقه وخليله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين - ، أما بعد :
فإن الله - عز وجل - خلقنا لطاعته وعبادته ، فقال : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " [الذاريات : 56] ، وقال تعالى : " وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً " [النساء : 36] ، وأرسل الرسل ؛ وأنزل الكتب لتحقيق هذا الأصل العظيم ، فقال : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ " [النحل : 36] ، وأمر بطاعته وطاعة رسوله فقال : " وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " [آل عمران : 132] ، وقال : " وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً [النساء : 69] ، وكان من طاعة الله - عز وجل - ؛ الحب في الله والبغض في الله ، فقد جاء في بعض ما روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وصح عنه : [ إن من أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ] والحب في الله - سبحانه وتعالى - إنما يكون لمن التزم شرع الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، واعتصم بما في الكتاب والسنة ؛ قال تعالى : " وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ " [آل عمران : 103] ، بعد قوله : " وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " [آل عمران : 101] ، وقضى الله - عز وجل - وحكم أن العباد في اختلاف إلا من رحم فقال : " وََلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ " [هود :118 - 119] .
والإختلاف على أقسام :
النوع الأول : إختلاف تنوع وهذا يحصل بسبب توارد الأدلة على نوع واحد من العبادات ! فيعمل بهذا الدليل تارة ، وبذلك أخرى ؛ كتوارد الأدلة على صفة افتتاح الصلاة ، أو صيغ التشهد ، أو صيغ الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وهذا الإختلاف لا يُذم فاعله بحال لأنه عامل بالدليل في الموطنين ، ومتبع لآثار الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، بل قد يتعين التنويع ! من باب إعمال جميع الأدلة ، وإظهار السنن ، وكذلك الترويح على النفس ، إلى غير ذلك مما هو معلوم من مقاصد الشريعة .
النوع الثاني : اختلاف أفهام ! وهذا يكون في مسألة جاء فيها النص فاختُلف في العمل بهذا النص نظرًا للإختلاف في فهم المراد ، مثل الخلاف في القرء هل هو الحيض أم الطهر؟ والإختلاف في دبر الصلاة هل هو بعد السلام أم قبل السلام ؟ وما طبّقهُ الصحابة في حديث : [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ] ، فقد فهم بعضهم من الحديث الحث على سرعة السير ويصلي حيث شاء في الوقت ! وفهم البعض الآخر تأخير الصلاة ولو لبعد ذهاب وقتها !! وهذا النوع من الخلاف أيضا يصوغ فيه العذر لأن العامل بأحدهما مأجور غير مأزور، إما أجران مع الإصابة وإما أجرٌ مع عدم الإصابة بعد بذله لجهده في الوصول إلى الحق والصواب ؛ يدل على ذلك حديث عمرو بن العاص : [ إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ؛ فإن أخطأ فله أجر ] .
النوع الثالث : اختلاف التضاد ؛ وهذا يكون في المسائل التي فيها الحق واحد وما سواه باطل ، كاختلافنا مع المعتزلة في نفيهم صفات الباري - جل وعز - ، مع أن الحق الذي عليه إجماع أهل السنة والجماعة أن الله - عز وجل - موصوف بما وصف به نفسه في كتابه ، وبما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل ، وكخلاف الخوارج لأهل السنة في الحكم على أصحاب الكبائر من أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - بالكفر ثم الخلود في النار ، أو كقول المعتزلة بأن فاعل الكبيرة في الدنيا في منزلة بين المنزلتين ! لا مؤمن ولا كافر ! وفي الآخرة وافقوا الخوارج في الحكم بخلوده في النار ! ، وهذا خلاف ما عليه السلف الصالح رضوان الله - عز وجل - عليهم ؛ بأن مرتكب الكبيرة فيما خلا الشرك بالله عز وجل مؤمن بإيمانه فاسق بمعصيته ؛ وغير ذلك مما خالف فيه أهل الباطل من أهل البدع ؛ كالرافضة والمعتزلة والأشاعرة والخوارج والمرجئة والقدرية والجهمية ؛ وغيرهم ؛ أهل الحق والأثر الطائفة المنصورة ؛ الفرقة الناجية السلفيين ، فالمحالف لأهل السنة في مسائل الإيمان والإعتقاد والأسماء والصفات مبتدعة ضلال لأنهم يخالفون النص الصريح والعقل الصحيح بشبهات عند مناقشتها أوهى من خيط العنكبوت ! وهذه الشبهات التي يتخذونها دينًا قد حذرنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من سماع مروجِيها بقوله لعائشة - رضي الله - عنها : [ فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَى الله فاحذروهم ] ، ثم تلا قوله تعالى : " فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ " [آل عمران : 7] ، ومع هذا الخلاف أيضا مخالفة الإخوان المسلمين ؛ والسرورية ؛ وأصحاب الجمعيات ؛ لأهل الحديث والأثر والفقه والنظر ؛ الذين هم لكتاب الله متبعون وبسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - معتصمون ؛ وبهدي السلف آخذون ، فذهب من أذكر لك من المبطلين إلى الولاء والبراء الضيق ! يوالون من كان معهم ! ولو كان من فساق المسلمين ، ويعادون أهل السنة ( !! ) مع أنهم بكتاب الله معتصمين وبهدي رسوله متمسكين .
وكذلك اعتقادهم لمعتقدات مخالفة لهدي السلف مع تفاوتٍ في أفرادهم وجماعاتهم من حيث التكفير والخروج والبيعة والسرية والعصبية الجاهلية وغير ذلك ؛ مما هو مدون عليهم في غير ما كتاب منشور ؛ وما هو مسموع ومسطور ؛ فهذا الصنف الذي ذُكر ، والذي عن طريقة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهدية بُتر ينبغي لكل صاحب حق أن يحذِّر من طَرْقِهم وسبلهم ، فسبيل الله - عز وجل - واحد وما سواه باطل ، قال تعالى : " وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن " [الأنعام : 153] ، والكلام في هذا الصنف من المخالفين جهاد في سبيل الله - عز وجل - لأن الجهاد يكون بالسٍنان ؛ ويكون بالحجة والبرهان ، وقد قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - : " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ " [التوبة : 73] ، وكان جهاد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - للمنافقين باللسان ، وما ورد أنه قاتلهم بالسِنان ! وإنما بيّن عوارهم ؛ وأخمد نارهم ! بذكر صفاتهم وشرِّهم حتى يحذرهم الناس فلنكن لسبيله آخذين ؛ وبسنته معتصمين ؛ ولمن خالف هديه وطريقه وسبيله مجاهدين ؛ ولأفكارهم نابذين ،حتى يعلو دين الله الحق وتُنكس راية الشيطان وأعوانه .
هذا وليُعلم لدى القاصي والداني ؛ والعالم والجاهل ؛ والموافق والمخالف أن الله - عز وجل - لما أنزل قوله تعالى : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً " [المائدة : 3] ، مبينًا أن الدين الذي يحب الأخذ به والمخالفة لغيره هو الدين الذي أكمله برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو الذي قال عنه : " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " [آل عمران : 85] ، الدين الكامل الشامل التام ، فكل قول أو فعل أو اعتقاد ليس من دين الله - عز وجل - وإن كان في نظر صاحبه حسنًا فهو دين باطل ! وطريق معوج وسبب للخسارة ليُعلم هذا : [ فكم من مريد للخير لم يدركه ] ، والعمل وحده ليس بكافٍ إذا كان مبنيا على الضلالة والمخالفة ، فقد روى الشيخان من حديث علي بم أبي طالب - رضي الله عنه - في وصف الخوارج : [ قومٌ أحداث الأسنان سفهاء الأحلام ليست صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء ! ولا قراءتكم إلى قراءتهم بشيء يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ] ، وسمّاهم في موطن آخر [ كلاب النار ] ، كما في حديث أبي أمامة عند أحمد وغيره ، فالدين الحق والسنة الواضحة والطريق اللاحب هو وسط بين الغلو والجفاء ، والتشديد والتمييع فليتنبه لهذا الأمر .
والأمر كما قال الله - عز وجل - : " لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ " [الملك : 2] ، وكما قال تعالى : " نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان : 2] ، فلن يخرج من الابتلاء كالذهب الأحمر ! إلا من لازم طاعة الله - عز وجل - وسار على سنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الصغير والكبير والقليل والكثير ، وإلا فكلٌ هالك ! أصحاب الغلو في الدين فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : [ هلك المتنطعون ] ثلاثا ، كما في مسلم من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وكذلك أصحاب التمييع والجفاء من أصحاب البدع والمعاصي من زنا وفجور وتبرج وسفور وشرب خمور ! وممن أصبحت آذانهم مستنقع للماجنين والماجنات من الأقيان والقينات ، لحديث : [ فمن كانت فترته إلى سنتي فقد رشد ؛ ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك ] ، والناظر الآن في حال كثير من المسلمين يرى كل مشين ! في الأخلاق والمعاملات والاعتقادات والعبادات ! ثم بعد ذلك نرى كثيرًا منهم يرجون النصر والتمكين والعز المبين !! وهيهات هيهات لأن النصر مشروط بالنصر ( !! ) : " إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ " [محمد : 7] ، ليَعلم هذا كل من بقي لديه مُزعة من عقل يسترشد به أو وازع من دين ينقاد له .
وما وصلت إليه الأمة من الإنحطاط والخذلان ؛ والذلة والهوان إلا بسبب ما تقدم ذكره من المخالفات الشرعية وسلوك غير السبيل المرضية ؛ وهذه النتيجة كانت مقدمتها والممهدة لها ؛الجهل بدين الله ربّ العالمين ، ولما كان الجهل بهذه المنزلة كانت دعوة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - دعوة علم كما قال الله - عز وجل - : " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ " [العلق : 1] ، فمبدأ النبوة الدعوة إلى العلم ! ، وأوسطها : " َقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً " [طه : 114] ، وآخرها التحذير من رفع العلم والإخبار بأن إرث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هو العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ، والأمل في الله عظيم أن يرد هذه الأمة إلى رشدها ، ويرفع عنها ما هي فيه من البلاء ، والله المستعان ؛ وعليه التكلان ؛ والحمد لله ربّ العالمين .
وكتب
أبو محمد عبد الحميد الحجوري
- القاهرة –
12 / ربيع الثاني / 1430 هـ
منقول من موقع الشيخ (http://alzoukory.com/play.php?catsmktba=44)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، الملك الحق المبين ، العلي الحكيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ؛ وصفيه من خلقه وخليله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين - ، أما بعد :
فإن الله - عز وجل - خلقنا لطاعته وعبادته ، فقال : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " [الذاريات : 56] ، وقال تعالى : " وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً " [النساء : 36] ، وأرسل الرسل ؛ وأنزل الكتب لتحقيق هذا الأصل العظيم ، فقال : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ " [النحل : 36] ، وأمر بطاعته وطاعة رسوله فقال : " وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " [آل عمران : 132] ، وقال : " وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً [النساء : 69] ، وكان من طاعة الله - عز وجل - ؛ الحب في الله والبغض في الله ، فقد جاء في بعض ما روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وصح عنه : [ إن من أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ] والحب في الله - سبحانه وتعالى - إنما يكون لمن التزم شرع الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، واعتصم بما في الكتاب والسنة ؛ قال تعالى : " وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ " [آل عمران : 103] ، بعد قوله : " وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " [آل عمران : 101] ، وقضى الله - عز وجل - وحكم أن العباد في اختلاف إلا من رحم فقال : " وََلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ " [هود :118 - 119] .
والإختلاف على أقسام :
النوع الأول : إختلاف تنوع وهذا يحصل بسبب توارد الأدلة على نوع واحد من العبادات ! فيعمل بهذا الدليل تارة ، وبذلك أخرى ؛ كتوارد الأدلة على صفة افتتاح الصلاة ، أو صيغ التشهد ، أو صيغ الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وهذا الإختلاف لا يُذم فاعله بحال لأنه عامل بالدليل في الموطنين ، ومتبع لآثار الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، بل قد يتعين التنويع ! من باب إعمال جميع الأدلة ، وإظهار السنن ، وكذلك الترويح على النفس ، إلى غير ذلك مما هو معلوم من مقاصد الشريعة .
النوع الثاني : اختلاف أفهام ! وهذا يكون في مسألة جاء فيها النص فاختُلف في العمل بهذا النص نظرًا للإختلاف في فهم المراد ، مثل الخلاف في القرء هل هو الحيض أم الطهر؟ والإختلاف في دبر الصلاة هل هو بعد السلام أم قبل السلام ؟ وما طبّقهُ الصحابة في حديث : [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ] ، فقد فهم بعضهم من الحديث الحث على سرعة السير ويصلي حيث شاء في الوقت ! وفهم البعض الآخر تأخير الصلاة ولو لبعد ذهاب وقتها !! وهذا النوع من الخلاف أيضا يصوغ فيه العذر لأن العامل بأحدهما مأجور غير مأزور، إما أجران مع الإصابة وإما أجرٌ مع عدم الإصابة بعد بذله لجهده في الوصول إلى الحق والصواب ؛ يدل على ذلك حديث عمرو بن العاص : [ إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ؛ فإن أخطأ فله أجر ] .
النوع الثالث : اختلاف التضاد ؛ وهذا يكون في المسائل التي فيها الحق واحد وما سواه باطل ، كاختلافنا مع المعتزلة في نفيهم صفات الباري - جل وعز - ، مع أن الحق الذي عليه إجماع أهل السنة والجماعة أن الله - عز وجل - موصوف بما وصف به نفسه في كتابه ، وبما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل ، وكخلاف الخوارج لأهل السنة في الحكم على أصحاب الكبائر من أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - بالكفر ثم الخلود في النار ، أو كقول المعتزلة بأن فاعل الكبيرة في الدنيا في منزلة بين المنزلتين ! لا مؤمن ولا كافر ! وفي الآخرة وافقوا الخوارج في الحكم بخلوده في النار ! ، وهذا خلاف ما عليه السلف الصالح رضوان الله - عز وجل - عليهم ؛ بأن مرتكب الكبيرة فيما خلا الشرك بالله عز وجل مؤمن بإيمانه فاسق بمعصيته ؛ وغير ذلك مما خالف فيه أهل الباطل من أهل البدع ؛ كالرافضة والمعتزلة والأشاعرة والخوارج والمرجئة والقدرية والجهمية ؛ وغيرهم ؛ أهل الحق والأثر الطائفة المنصورة ؛ الفرقة الناجية السلفيين ، فالمحالف لأهل السنة في مسائل الإيمان والإعتقاد والأسماء والصفات مبتدعة ضلال لأنهم يخالفون النص الصريح والعقل الصحيح بشبهات عند مناقشتها أوهى من خيط العنكبوت ! وهذه الشبهات التي يتخذونها دينًا قد حذرنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من سماع مروجِيها بقوله لعائشة - رضي الله - عنها : [ فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَى الله فاحذروهم ] ، ثم تلا قوله تعالى : " فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ " [آل عمران : 7] ، ومع هذا الخلاف أيضا مخالفة الإخوان المسلمين ؛ والسرورية ؛ وأصحاب الجمعيات ؛ لأهل الحديث والأثر والفقه والنظر ؛ الذين هم لكتاب الله متبعون وبسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - معتصمون ؛ وبهدي السلف آخذون ، فذهب من أذكر لك من المبطلين إلى الولاء والبراء الضيق ! يوالون من كان معهم ! ولو كان من فساق المسلمين ، ويعادون أهل السنة ( !! ) مع أنهم بكتاب الله معتصمين وبهدي رسوله متمسكين .
وكذلك اعتقادهم لمعتقدات مخالفة لهدي السلف مع تفاوتٍ في أفرادهم وجماعاتهم من حيث التكفير والخروج والبيعة والسرية والعصبية الجاهلية وغير ذلك ؛ مما هو مدون عليهم في غير ما كتاب منشور ؛ وما هو مسموع ومسطور ؛ فهذا الصنف الذي ذُكر ، والذي عن طريقة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهدية بُتر ينبغي لكل صاحب حق أن يحذِّر من طَرْقِهم وسبلهم ، فسبيل الله - عز وجل - واحد وما سواه باطل ، قال تعالى : " وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن " [الأنعام : 153] ، والكلام في هذا الصنف من المخالفين جهاد في سبيل الله - عز وجل - لأن الجهاد يكون بالسٍنان ؛ ويكون بالحجة والبرهان ، وقد قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - : " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ " [التوبة : 73] ، وكان جهاد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - للمنافقين باللسان ، وما ورد أنه قاتلهم بالسِنان ! وإنما بيّن عوارهم ؛ وأخمد نارهم ! بذكر صفاتهم وشرِّهم حتى يحذرهم الناس فلنكن لسبيله آخذين ؛ وبسنته معتصمين ؛ ولمن خالف هديه وطريقه وسبيله مجاهدين ؛ ولأفكارهم نابذين ،حتى يعلو دين الله الحق وتُنكس راية الشيطان وأعوانه .
هذا وليُعلم لدى القاصي والداني ؛ والعالم والجاهل ؛ والموافق والمخالف أن الله - عز وجل - لما أنزل قوله تعالى : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً " [المائدة : 3] ، مبينًا أن الدين الذي يحب الأخذ به والمخالفة لغيره هو الدين الذي أكمله برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو الذي قال عنه : " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " [آل عمران : 85] ، الدين الكامل الشامل التام ، فكل قول أو فعل أو اعتقاد ليس من دين الله - عز وجل - وإن كان في نظر صاحبه حسنًا فهو دين باطل ! وطريق معوج وسبب للخسارة ليُعلم هذا : [ فكم من مريد للخير لم يدركه ] ، والعمل وحده ليس بكافٍ إذا كان مبنيا على الضلالة والمخالفة ، فقد روى الشيخان من حديث علي بم أبي طالب - رضي الله عنه - في وصف الخوارج : [ قومٌ أحداث الأسنان سفهاء الأحلام ليست صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء ! ولا قراءتكم إلى قراءتهم بشيء يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ] ، وسمّاهم في موطن آخر [ كلاب النار ] ، كما في حديث أبي أمامة عند أحمد وغيره ، فالدين الحق والسنة الواضحة والطريق اللاحب هو وسط بين الغلو والجفاء ، والتشديد والتمييع فليتنبه لهذا الأمر .
والأمر كما قال الله - عز وجل - : " لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ " [الملك : 2] ، وكما قال تعالى : " نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان : 2] ، فلن يخرج من الابتلاء كالذهب الأحمر ! إلا من لازم طاعة الله - عز وجل - وسار على سنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الصغير والكبير والقليل والكثير ، وإلا فكلٌ هالك ! أصحاب الغلو في الدين فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : [ هلك المتنطعون ] ثلاثا ، كما في مسلم من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وكذلك أصحاب التمييع والجفاء من أصحاب البدع والمعاصي من زنا وفجور وتبرج وسفور وشرب خمور ! وممن أصبحت آذانهم مستنقع للماجنين والماجنات من الأقيان والقينات ، لحديث : [ فمن كانت فترته إلى سنتي فقد رشد ؛ ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك ] ، والناظر الآن في حال كثير من المسلمين يرى كل مشين ! في الأخلاق والمعاملات والاعتقادات والعبادات ! ثم بعد ذلك نرى كثيرًا منهم يرجون النصر والتمكين والعز المبين !! وهيهات هيهات لأن النصر مشروط بالنصر ( !! ) : " إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ " [محمد : 7] ، ليَعلم هذا كل من بقي لديه مُزعة من عقل يسترشد به أو وازع من دين ينقاد له .
وما وصلت إليه الأمة من الإنحطاط والخذلان ؛ والذلة والهوان إلا بسبب ما تقدم ذكره من المخالفات الشرعية وسلوك غير السبيل المرضية ؛ وهذه النتيجة كانت مقدمتها والممهدة لها ؛الجهل بدين الله ربّ العالمين ، ولما كان الجهل بهذه المنزلة كانت دعوة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - دعوة علم كما قال الله - عز وجل - : " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ " [العلق : 1] ، فمبدأ النبوة الدعوة إلى العلم ! ، وأوسطها : " َقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً " [طه : 114] ، وآخرها التحذير من رفع العلم والإخبار بأن إرث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هو العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ، والأمل في الله عظيم أن يرد هذه الأمة إلى رشدها ، ويرفع عنها ما هي فيه من البلاء ، والله المستعان ؛ وعليه التكلان ؛ والحمد لله ربّ العالمين .
وكتب
أبو محمد عبد الحميد الحجوري
- القاهرة –
12 / ربيع الثاني / 1430 هـ
منقول من موقع الشيخ (http://alzoukory.com/play.php?catsmktba=44)