بنت العمدة - أم الشيماء
03-18-2010, 06:14 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
التوبة وفوائدها- خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله، خلق الله الإنسان، وجعل فيه نازعاً للخير، ونازعاً للشر: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا *قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)، (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)، ومن سعة رحمة الله بعبده أن شرع له التوبة، ذلك أن النسيان والخطأ ممكن من بني البشر؛ فأبو البشر -أبونا آدم- أسكنه الله الجنة، وأباح له كل ما فيها من سائر النعم إلا شجرة واحدة عينها له، عرفها وزوجته، ومازال الشيطان يغوي ويوسوس حتى أكل آدم -عليه السلام-، من تلكم الشجرة التي نهاه الله عنها: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)، ولكنه -عليه السلام- تاب إلى الله وندم وذل لله، وقال الله عنه: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى).
أيها المسلم، إن الله تعالى شرع التوبة لكل من أرادها؛ فهو يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، يسر التوبة لكل من أرادها؛ فهو يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ)، وقال: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً).
أيها المسلم، والتوبة حقيقتها: إقلاعك من الذنب الذي علمت خطأه، وأن ارتكابه معصية لله؛ فتقلع عن ذلك الذنب الذي استبان لك خطره، وعلمت ضرره، وأنه معصية لله ورسوله، ندمك على ما مضى منك، عزمك الصادق ألا تعود إليه إلا إذا قدرت عليه، تدارك لما مضى من الأعمال، وقضاءاً لما فات من الفرائض، طاعة لله، وابتغاء ثوابه وخوفاً من عقابه.
أيها المسلم، إن التوبة واجبة على كل مسلم، أن يتوب إلى الله من صغائر الذنوب وكبائرها، مما يعلمه ومما خفي عليه علمه؛ فالتوبة خلق المؤمنين دائما وأبدا، وقد أمرهم الله بها فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا)، ونبينا -صلى الله عليه وسلم-، المغفور له ما تقدم من ذنبه، هو أكثر الخلق توبة واستغفاراً لربه، يقول عبدالله بن عمر أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أيها الناس: توبوا إلى الله فإني أتوبوا في اليوم مئة مرة"، وقال أبو هريرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة"، فتب إلى الله بالإقلاع من الذنب إخلاصاً لله؛ فالتوبة لله لا لغيره، علمك الناس أمراً يعلمه، ليس لأجل الناس استقامة، ولكن توبة إلى الله لعلمك بأن الله يبغض ذلك الذنب ويمقته، وأنت تحب ما يرضي عنك لا ما يسخطها عليك إخلاصاً لله إقلاعاً وندما وعزماً ألا تعود، وإن كانت طاعة قصرت فيها فعد إلى الصواب ومعصية؛ فتب إلى الله وحقوق الخلق؛ فردها إلى أهلها، لتلقى الله سالماً من التبعات.
أيها المسلم، إن التوبة إلى الله نعمة من الله أن شرعها لنا، لنمحو بها ما عسى أن يكون من خطايانا وسيئاتنا؛ فمهما عظمت الذنوب، ومهما كثرت الذنوب، ومهما تعددت المعاصي والأخطاء؛ فتوبة إلى الله تهدم جميع ذلك، يقول الله جل وعلا: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، فالله جل وعلا لا يتعاظمه فضلا أن يعطيه، ولا يتعاظمه أن يغفره، مهما عظمت الذنوب، في الحديث القدسي، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "يا بن آدم لو بلغ ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك".
أيها المسلم، من تأمل الكتاب والسنة وجد أن الذنوب كلها مطلوب منها التوبة، مهما تعددت الذنوب؛ فلقد عرض الله التوبة على أكبر خلقه، قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، يقول عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- عرض الله التوبة على القائلين: إن عيسى هو الله، والقائلين: أنه ابن الله، والقائلين: أنه ثالث ثلاثة والقائلين أن عزير ابن الله، والقائلين: إن الله فقير ونحن أغنياء، والقائلين: يد الله مغلولة كل أولئك، قال الله: (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، لقد عرض الله التوبة على عموم المشركين، قال تعالى في عقب غزوة بدر: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ)، وعرض الله التوبة على الذين قتلوا أوليائه، وأهل طاعته: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)،وعرضها على المنافقين الذين آمنت ألسنتهم، وكفرت قلوبهم: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً)، عرض الله التوبة على قاتل النفس بغير حق، وعلى الزاني، وعلى المشرك، قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً)، وعرض الله التوبة على قطاع الطرق، المحاربين لله ورسوله: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وعرضها على السارق: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، جاء بالسنة لما قطع النبي يد المخزومية السارقة، كانت تأتي لعائشة؛ فترفع لها حاجتها؛ فترفعها لرسول الله، وقال: "بشريها بأن يدها أمامها في الجنة"، ولما رجم الزاني، وتاب من توبته، قال لما رجم الزانية: "لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين لوسعتهم"، كل هذا من فضل الله، وكرمه، وعرض التوبة على قاذف النفس المحصن بلا حق: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
أيها المسلم، كل الذنوب والخطايا مهما عظمت؛ فالتوبة تمحوها وتجبها، جاء بالحديث: " أن رجلا ممن قبلنا قتل تسع وتسعين؛ فسأل عن عالم فدل عليه؛ فقال: هل لي من توبة، فقال: لا، فقتله؛ فكمل به المئة، ثم سأل عن عالم آخر؛ فدل عليه؛ فقال: هل لي من توبة؟، قال: ومن يحول بينك وبين التوبة، إلا أنك في أرض ليس فيها خير وصلاح؛ فأذهب إلى أرض كذا ... الحديث"، فالمهم أن الله جل وعلا تاب عليه؛ فالتوبة تمحو ما قبلها مع الصدق والإخلاص والإنابة إلى الله، نسأله تعالى أن يتوب علينا بفضله وكرمه، وأن يمن علينا بالاستقامة على الهدى إنه ولي ذلك والقادر عليه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأِشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، إن للتوبة فضائل عدة؛ فمن فضائل التوبة: حصول الفلاح بالدنيا للتائب، قال جل وعلا: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، ومن فوائدها: محو الخطايا والسيئات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)، ومن فوائدها: أن سيئاتك تنقلب لك حسنات، تلك السيئات العظام، والمساوئ الكبار برحمة أرحم الراحمين: (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)، ومن فوائد التوبة: المتاع الحسن، وحصول الخير والقوة: (وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)، وقال هودا -عليه السلام-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)، ومن فوائد التوبة: أن الله يحب التائب: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، ومن فوائدها: فرح الله بتوبة التائب إذا تاب عليه: " فالله أشد فرح بتوبة عبده إذا تاب عليه من صاحب راحلة عليها طعامه وشرابه، أيس منها في صحراء؛ فأيقن بالموت؛ فإذا هي فوق رأسه؛ فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من عظم الفرح".
أيها المسلم، تب إلى الله فيما بينك وبين الله، من فرائض ضيعتها، صلوات أديتها، صيام ما صمته، زكاة ما أخرجتها، حجاً ما أديته أو أديت فيه خللا تب إلى الله؛ فيما بينك وبين ربك، تب إلى الله فيما أسأت لوالديك، وفيما لم تقم بحقهما، تب إلى الله فيما أسأت لزوجتك من ظلمك إياها أو أخذك مالها بلا حق ولا رضى؛ فتب إلى الله وأرجع لها حقوقها، تب إلى الله أيها المسلم، إن كنت ممن توليت تأجير العقار للناس وربما دخلت عليك نقودا ليست لك؛ فتخلص منها وردها إلى أهلها؛ فقد يغفل عنها أهلها، ولكن لا يسامحونك إن علموا؛ فرد للناس حقوقهم، إن كنت من صاحب الشركات والمساهمات العامة؛ فخلص نفسك وأعطي كل ذي حق حقه، إن كنت ممن توليت الوصايا والأوقاف؛ فنفذها وما دخل عليك بغير حق؛ فأرجعه إلى أهله، إن كنت ممن توليت الأمور العامة؛ فدخل عليك مالا بغير حقك؛ فهناك الرقم الحسابي لإبراء الذمة لتتخلص وتسلم جميع ما في ذمتك، لتلقى الله سالماً من التبعات.
أيها المسلم، أيها المسلم، إن كنت ممن أغواك الشيطان؛ فاتجرت بالمخدرات والمسكرات؛ فتب إلى الله وتخلص من هذه الأموال القبيحة، الخبيثة، لتلقى الله سالم من التبعات، إن كنت ممن تعاملت بالمعاملات الربوية، وغرك الشيطان، وزين لك الباطل؛ فتخلص من هذه المعاملات قبل لقاء الله، وتب إلى الله، إن كنت أيها المسلم ممن يكتب ضد الإسلام وأهله، ويكتب بقلمه، وينفث به سموم ضد الإسلام وأهله؛ فتب إلى الله من هذا الذنب العظيم، واستغفر الله من هذا الخطأ العظيم، إن كنت ممن يعد المسلسلات الرمضانية، وفيها من السخرية بالإسلام وأهله، وانتقاص المسلمين، وعيبهم، وفيها من الشر والبلاء؛ فتب إلى الله من هذا المسلسل الخبيث، وخلص نفسك من عذاب الله، واحذر أن تكون ممن قال الله فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ)، وقوله عن المنافقين: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)؛ فكم من مسلسلات رمضانية، يعدها أهلها على الفجور والبلاء والخبث والعداء لله ورسوله، صور خليعة، ومناظر خبيثة، وأفلاما فيها من الخبث والبلاء؛ فليتب إلى الله أولئك، ولا يغرنهم أن مسلسلاتهم، إنما تروج بهذا الباطل، وإنما يروج سعرها وسوقها بهذا الباطل، ليحذر المسلم أن يلقى الله بهذه الأعمال السيئة الخبيثة؛ فإن كثيرا من هذه المسلسلات الرمضانية، يعدها أقوام الله أعلم بحالهم، وما يمارسونه من سوء وفساد؛ لأن هذه المسلسلات تنذر عن خبث طوية، وسوء معتقد، وقلة حياء، وعدم خوف من الله.
نسأل الله، أن يهدي الجميع لطاعته، وأن يبلغنا الشهر المبارك بخير وعافية، وأن يجعلنا ممن يستقبله بالتوبة النصوح، والإنابة إلى الله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
واعلموا -رحمكم الله-، أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ، شذ في النار.
وصلوا - رحمكم الله- على عبدالله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أأمتنا وولاة أمرنا، اللهم وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللهم وفق إمامنا إمام المسلمين عبدالله بن عبدالعزيز لكل خير، اللهم أمده بعونك وتوفيقك وتأييدك وكن له عونا ونصيرا في كل ما أهمه، اللهم اجمع به كلمة الأمة ووحد به صفوفها على الخير والهدى، اللهم شد أزره بولي عهده سلطان بن عبدالعزيز، وبارك له في عمره وعمله، ورزقه بالصحة والسلامة والعافية، اللهم وفق النائب الثاني نايف بن عبدالعزيز لكل خير وأعنه على مسؤوليته إنك على كل شيء قدير، اللهم آمنا في أوطاننا وأعذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أعذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن إنك على كل شيء قدير.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على عموم نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
التوبة وفوائدها- خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله، خلق الله الإنسان، وجعل فيه نازعاً للخير، ونازعاً للشر: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا *قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)، (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)، ومن سعة رحمة الله بعبده أن شرع له التوبة، ذلك أن النسيان والخطأ ممكن من بني البشر؛ فأبو البشر -أبونا آدم- أسكنه الله الجنة، وأباح له كل ما فيها من سائر النعم إلا شجرة واحدة عينها له، عرفها وزوجته، ومازال الشيطان يغوي ويوسوس حتى أكل آدم -عليه السلام-، من تلكم الشجرة التي نهاه الله عنها: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)، ولكنه -عليه السلام- تاب إلى الله وندم وذل لله، وقال الله عنه: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى).
أيها المسلم، إن الله تعالى شرع التوبة لكل من أرادها؛ فهو يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، يسر التوبة لكل من أرادها؛ فهو يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ)، وقال: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً).
أيها المسلم، والتوبة حقيقتها: إقلاعك من الذنب الذي علمت خطأه، وأن ارتكابه معصية لله؛ فتقلع عن ذلك الذنب الذي استبان لك خطره، وعلمت ضرره، وأنه معصية لله ورسوله، ندمك على ما مضى منك، عزمك الصادق ألا تعود إليه إلا إذا قدرت عليه، تدارك لما مضى من الأعمال، وقضاءاً لما فات من الفرائض، طاعة لله، وابتغاء ثوابه وخوفاً من عقابه.
أيها المسلم، إن التوبة واجبة على كل مسلم، أن يتوب إلى الله من صغائر الذنوب وكبائرها، مما يعلمه ومما خفي عليه علمه؛ فالتوبة خلق المؤمنين دائما وأبدا، وقد أمرهم الله بها فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا)، ونبينا -صلى الله عليه وسلم-، المغفور له ما تقدم من ذنبه، هو أكثر الخلق توبة واستغفاراً لربه، يقول عبدالله بن عمر أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أيها الناس: توبوا إلى الله فإني أتوبوا في اليوم مئة مرة"، وقال أبو هريرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة"، فتب إلى الله بالإقلاع من الذنب إخلاصاً لله؛ فالتوبة لله لا لغيره، علمك الناس أمراً يعلمه، ليس لأجل الناس استقامة، ولكن توبة إلى الله لعلمك بأن الله يبغض ذلك الذنب ويمقته، وأنت تحب ما يرضي عنك لا ما يسخطها عليك إخلاصاً لله إقلاعاً وندما وعزماً ألا تعود، وإن كانت طاعة قصرت فيها فعد إلى الصواب ومعصية؛ فتب إلى الله وحقوق الخلق؛ فردها إلى أهلها، لتلقى الله سالماً من التبعات.
أيها المسلم، إن التوبة إلى الله نعمة من الله أن شرعها لنا، لنمحو بها ما عسى أن يكون من خطايانا وسيئاتنا؛ فمهما عظمت الذنوب، ومهما كثرت الذنوب، ومهما تعددت المعاصي والأخطاء؛ فتوبة إلى الله تهدم جميع ذلك، يقول الله جل وعلا: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، فالله جل وعلا لا يتعاظمه فضلا أن يعطيه، ولا يتعاظمه أن يغفره، مهما عظمت الذنوب، في الحديث القدسي، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "يا بن آدم لو بلغ ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك".
أيها المسلم، من تأمل الكتاب والسنة وجد أن الذنوب كلها مطلوب منها التوبة، مهما تعددت الذنوب؛ فلقد عرض الله التوبة على أكبر خلقه، قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، يقول عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- عرض الله التوبة على القائلين: إن عيسى هو الله، والقائلين: أنه ابن الله، والقائلين: أنه ثالث ثلاثة والقائلين أن عزير ابن الله، والقائلين: إن الله فقير ونحن أغنياء، والقائلين: يد الله مغلولة كل أولئك، قال الله: (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، لقد عرض الله التوبة على عموم المشركين، قال تعالى في عقب غزوة بدر: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ)، وعرض الله التوبة على الذين قتلوا أوليائه، وأهل طاعته: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)،وعرضها على المنافقين الذين آمنت ألسنتهم، وكفرت قلوبهم: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً)، عرض الله التوبة على قاتل النفس بغير حق، وعلى الزاني، وعلى المشرك، قال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً)، وعرض الله التوبة على قطاع الطرق، المحاربين لله ورسوله: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وعرضها على السارق: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، جاء بالسنة لما قطع النبي يد المخزومية السارقة، كانت تأتي لعائشة؛ فترفع لها حاجتها؛ فترفعها لرسول الله، وقال: "بشريها بأن يدها أمامها في الجنة"، ولما رجم الزاني، وتاب من توبته، قال لما رجم الزانية: "لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين لوسعتهم"، كل هذا من فضل الله، وكرمه، وعرض التوبة على قاذف النفس المحصن بلا حق: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
أيها المسلم، كل الذنوب والخطايا مهما عظمت؛ فالتوبة تمحوها وتجبها، جاء بالحديث: " أن رجلا ممن قبلنا قتل تسع وتسعين؛ فسأل عن عالم فدل عليه؛ فقال: هل لي من توبة، فقال: لا، فقتله؛ فكمل به المئة، ثم سأل عن عالم آخر؛ فدل عليه؛ فقال: هل لي من توبة؟، قال: ومن يحول بينك وبين التوبة، إلا أنك في أرض ليس فيها خير وصلاح؛ فأذهب إلى أرض كذا ... الحديث"، فالمهم أن الله جل وعلا تاب عليه؛ فالتوبة تمحو ما قبلها مع الصدق والإخلاص والإنابة إلى الله، نسأله تعالى أن يتوب علينا بفضله وكرمه، وأن يمن علينا بالاستقامة على الهدى إنه ولي ذلك والقادر عليه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأِشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، إن للتوبة فضائل عدة؛ فمن فضائل التوبة: حصول الفلاح بالدنيا للتائب، قال جل وعلا: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، ومن فوائدها: محو الخطايا والسيئات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)، ومن فوائدها: أن سيئاتك تنقلب لك حسنات، تلك السيئات العظام، والمساوئ الكبار برحمة أرحم الراحمين: (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)، ومن فوائد التوبة: المتاع الحسن، وحصول الخير والقوة: (وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)، وقال هودا -عليه السلام-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)، ومن فوائد التوبة: أن الله يحب التائب: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، ومن فوائدها: فرح الله بتوبة التائب إذا تاب عليه: " فالله أشد فرح بتوبة عبده إذا تاب عليه من صاحب راحلة عليها طعامه وشرابه، أيس منها في صحراء؛ فأيقن بالموت؛ فإذا هي فوق رأسه؛ فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من عظم الفرح".
أيها المسلم، تب إلى الله فيما بينك وبين الله، من فرائض ضيعتها، صلوات أديتها، صيام ما صمته، زكاة ما أخرجتها، حجاً ما أديته أو أديت فيه خللا تب إلى الله؛ فيما بينك وبين ربك، تب إلى الله فيما أسأت لوالديك، وفيما لم تقم بحقهما، تب إلى الله فيما أسأت لزوجتك من ظلمك إياها أو أخذك مالها بلا حق ولا رضى؛ فتب إلى الله وأرجع لها حقوقها، تب إلى الله أيها المسلم، إن كنت ممن توليت تأجير العقار للناس وربما دخلت عليك نقودا ليست لك؛ فتخلص منها وردها إلى أهلها؛ فقد يغفل عنها أهلها، ولكن لا يسامحونك إن علموا؛ فرد للناس حقوقهم، إن كنت من صاحب الشركات والمساهمات العامة؛ فخلص نفسك وأعطي كل ذي حق حقه، إن كنت ممن توليت الوصايا والأوقاف؛ فنفذها وما دخل عليك بغير حق؛ فأرجعه إلى أهله، إن كنت ممن توليت الأمور العامة؛ فدخل عليك مالا بغير حقك؛ فهناك الرقم الحسابي لإبراء الذمة لتتخلص وتسلم جميع ما في ذمتك، لتلقى الله سالماً من التبعات.
أيها المسلم، أيها المسلم، إن كنت ممن أغواك الشيطان؛ فاتجرت بالمخدرات والمسكرات؛ فتب إلى الله وتخلص من هذه الأموال القبيحة، الخبيثة، لتلقى الله سالم من التبعات، إن كنت ممن تعاملت بالمعاملات الربوية، وغرك الشيطان، وزين لك الباطل؛ فتخلص من هذه المعاملات قبل لقاء الله، وتب إلى الله، إن كنت أيها المسلم ممن يكتب ضد الإسلام وأهله، ويكتب بقلمه، وينفث به سموم ضد الإسلام وأهله؛ فتب إلى الله من هذا الذنب العظيم، واستغفر الله من هذا الخطأ العظيم، إن كنت ممن يعد المسلسلات الرمضانية، وفيها من السخرية بالإسلام وأهله، وانتقاص المسلمين، وعيبهم، وفيها من الشر والبلاء؛ فتب إلى الله من هذا المسلسل الخبيث، وخلص نفسك من عذاب الله، واحذر أن تكون ممن قال الله فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ)، وقوله عن المنافقين: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)؛ فكم من مسلسلات رمضانية، يعدها أهلها على الفجور والبلاء والخبث والعداء لله ورسوله، صور خليعة، ومناظر خبيثة، وأفلاما فيها من الخبث والبلاء؛ فليتب إلى الله أولئك، ولا يغرنهم أن مسلسلاتهم، إنما تروج بهذا الباطل، وإنما يروج سعرها وسوقها بهذا الباطل، ليحذر المسلم أن يلقى الله بهذه الأعمال السيئة الخبيثة؛ فإن كثيرا من هذه المسلسلات الرمضانية، يعدها أقوام الله أعلم بحالهم، وما يمارسونه من سوء وفساد؛ لأن هذه المسلسلات تنذر عن خبث طوية، وسوء معتقد، وقلة حياء، وعدم خوف من الله.
نسأل الله، أن يهدي الجميع لطاعته، وأن يبلغنا الشهر المبارك بخير وعافية، وأن يجعلنا ممن يستقبله بالتوبة النصوح، والإنابة إلى الله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
واعلموا -رحمكم الله-، أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ، شذ في النار.
وصلوا - رحمكم الله- على عبدالله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أأمتنا وولاة أمرنا، اللهم وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللهم وفق إمامنا إمام المسلمين عبدالله بن عبدالعزيز لكل خير، اللهم أمده بعونك وتوفيقك وتأييدك وكن له عونا ونصيرا في كل ما أهمه، اللهم اجمع به كلمة الأمة ووحد به صفوفها على الخير والهدى، اللهم شد أزره بولي عهده سلطان بن عبدالعزيز، وبارك له في عمره وعمله، ورزقه بالصحة والسلامة والعافية، اللهم وفق النائب الثاني نايف بن عبدالعزيز لكل خير وأعنه على مسؤوليته إنك على كل شيء قدير، اللهم آمنا في أوطاننا وأعذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أعذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن إنك على كل شيء قدير.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على عموم نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.