بنت العمدة - أم الشيماء
04-03-2010, 02:57 PM
يقول العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- :
انظر إلى إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما جاءته الملائكة ضيوفاً ماذا صنع ؟
قالوا : سلاماً .
قال : سلام .
قال العلماء : وقول إبراهيم سلامٌ
أبلغ من قول الملائكة سلاماً ، لأن قول الملائكة سلاماً يعني نسلم سلاماً ، وهو جملة فعلية تدل على التجدد والحدوث .
وقول إبراهيم : سلامٌ جملة اسمية تدل على الثبوت والاستمرار فهو أبلغ .
وماذا صنع عليه الصلاة والسلام ؟
راغ إلى أهله فجاء بعجل سمين .
(فراغ ) : قال العلماء : معناه انصرف مسرعاً بخفية ، وهذا من حسن الضيافة ، ذهب مسرعاً لئلا يمنعوه ، أو يقولوا : انتظر ما نريد شيئاً ( فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) (الذاريات:26) ، وفي الآية الأخرى : ( بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ) (هود:69) .
حنيذ يعني مشوياً ، ومعلوم أن اللحم المشوي أطعم من اللحم المطبوخ ، لأن طعمه يكون باقياً فيه
(فَجَاءَ بِعِجْلٍ ) والعلماء يقولون : إن العجل من أفضل أنواع اللحم ، لأن للحمه ليناً وطعماً .
ثم قال تعالى: ( فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ) ما وضعه في مكان بعيد وقال لهم اذهبوا إلى مكان الطعام وإنما قربه إليهم .
ثم قال : ( أَلا تَأْكُلُونَ) ولم يقل لهم : كلوا . و( ألا ) أداة عرض يعني عرض عليهم الأكل ولم يأمرهم .
ولكن الملائكة لم يأكلوا ، فهم لا يأكلون ، ليس لهم أجواف ، بل خلقهم الله من نور جسراً واحداً : ( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) (الأنبياء:20) ، دائماً يقولون : سبحان الله ، سبحان الله ، فلم يأكلوا لهذا السبب .
( فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ) لأنهم لم يأكلوا ، يقولون : أنه من عادة العرب أن الضيف إذا لم يأكل فقد تأبط شراً ، ولهذا فمن عادتنا إلى الآن أنه إذا جاء الضيف ولم يأكل قالوا : مالح ، يعني ذق من طعامنا ، فإذا لم يمالح قالوا إن هذا الرجل قد نوى بنا شراً .
فنكرهم إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأوجس منهم خيفة
( قَالُوا لا تَخَفْ )ثم بينوا له الأمر
( قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) وكان قد كبر، وكانت امرأته قد كبرت.
(فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ ) لما سمعت البشرى
( فِي صَرَّةٍ ) أي في صيحة
( فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ) عجباً ،
( وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) ، يعني أألد وأنا عجوز عقيم ؟ قالت الملائكة : ( كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ ) الرب عز وجل يفعل ما يشاء إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون .
ثم قال تعالى : ( إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيم ُ) ، وهنا قدم الحكيم على العليم ، وفي آيات كثيرة يقدم العليم على الحكيم ، والسبب أن هذه المسألة ، أي كونها تلد وهي عجوز خرجت عن نظائرها ، ما لها نظير إلا نادراً ، فبدأ بالحكيم الدال على الحكمة ، يعني أن الله حكيم أن تلدي وأنت عجوز .
المهم أن إبراهيم ـ عليه الصلاة السلام ـ قد ضرب المثل في حسن الضيافة ، وحسن الضيافة من المعروف ، وكل معروف صدقة ، فاصنع للناس خيراً ومعروفاً ، واعلم أن هذه صدقة تثاب عليها ثواب الصدقة . والله الموفق .
****
من:
شرح رياض الصالحين
لابن عثيمين رحمه الله
المجلد الأول
باب بيان كثرة طرق الخير
انظر إلى إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما جاءته الملائكة ضيوفاً ماذا صنع ؟
قالوا : سلاماً .
قال : سلام .
قال العلماء : وقول إبراهيم سلامٌ
أبلغ من قول الملائكة سلاماً ، لأن قول الملائكة سلاماً يعني نسلم سلاماً ، وهو جملة فعلية تدل على التجدد والحدوث .
وقول إبراهيم : سلامٌ جملة اسمية تدل على الثبوت والاستمرار فهو أبلغ .
وماذا صنع عليه الصلاة والسلام ؟
راغ إلى أهله فجاء بعجل سمين .
(فراغ ) : قال العلماء : معناه انصرف مسرعاً بخفية ، وهذا من حسن الضيافة ، ذهب مسرعاً لئلا يمنعوه ، أو يقولوا : انتظر ما نريد شيئاً ( فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) (الذاريات:26) ، وفي الآية الأخرى : ( بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ) (هود:69) .
حنيذ يعني مشوياً ، ومعلوم أن اللحم المشوي أطعم من اللحم المطبوخ ، لأن طعمه يكون باقياً فيه
(فَجَاءَ بِعِجْلٍ ) والعلماء يقولون : إن العجل من أفضل أنواع اللحم ، لأن للحمه ليناً وطعماً .
ثم قال تعالى: ( فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ) ما وضعه في مكان بعيد وقال لهم اذهبوا إلى مكان الطعام وإنما قربه إليهم .
ثم قال : ( أَلا تَأْكُلُونَ) ولم يقل لهم : كلوا . و( ألا ) أداة عرض يعني عرض عليهم الأكل ولم يأمرهم .
ولكن الملائكة لم يأكلوا ، فهم لا يأكلون ، ليس لهم أجواف ، بل خلقهم الله من نور جسراً واحداً : ( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) (الأنبياء:20) ، دائماً يقولون : سبحان الله ، سبحان الله ، فلم يأكلوا لهذا السبب .
( فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ) لأنهم لم يأكلوا ، يقولون : أنه من عادة العرب أن الضيف إذا لم يأكل فقد تأبط شراً ، ولهذا فمن عادتنا إلى الآن أنه إذا جاء الضيف ولم يأكل قالوا : مالح ، يعني ذق من طعامنا ، فإذا لم يمالح قالوا إن هذا الرجل قد نوى بنا شراً .
فنكرهم إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأوجس منهم خيفة
( قَالُوا لا تَخَفْ )ثم بينوا له الأمر
( قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) وكان قد كبر، وكانت امرأته قد كبرت.
(فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ ) لما سمعت البشرى
( فِي صَرَّةٍ ) أي في صيحة
( فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ) عجباً ،
( وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) ، يعني أألد وأنا عجوز عقيم ؟ قالت الملائكة : ( كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ ) الرب عز وجل يفعل ما يشاء إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون .
ثم قال تعالى : ( إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيم ُ) ، وهنا قدم الحكيم على العليم ، وفي آيات كثيرة يقدم العليم على الحكيم ، والسبب أن هذه المسألة ، أي كونها تلد وهي عجوز خرجت عن نظائرها ، ما لها نظير إلا نادراً ، فبدأ بالحكيم الدال على الحكمة ، يعني أن الله حكيم أن تلدي وأنت عجوز .
المهم أن إبراهيم ـ عليه الصلاة السلام ـ قد ضرب المثل في حسن الضيافة ، وحسن الضيافة من المعروف ، وكل معروف صدقة ، فاصنع للناس خيراً ومعروفاً ، واعلم أن هذه صدقة تثاب عليها ثواب الصدقة . والله الموفق .
****
من:
شرح رياض الصالحين
لابن عثيمين رحمه الله
المجلد الأول
باب بيان كثرة طرق الخير