أم جابر السلفية
05-05-2010, 12:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأسباب التي يقوى بها الإيمان
وأما قوله: فالأسباب التي يقوى بها الإيمان إلى أن يكمل على ترتيبها، هل يبدأ بالزهد؟ أو بالعلم، أو بالعبادة؟ أم يجمع بين ذلك على حسب طاقته؟
فيقال له: لابد من الإيمان الواجب، والعبادة الواجبة، والزهد الواجب، ثم الناس يتفاضلون في الإيمان، كتفاضلهم في شعبه، وكل إنسان يطلب ما يمكنه طلبه، ويقدم ما يقدر على تقديمه من الفاضل.
والناس يتفاضلون في هذا الباب، فمنهم من يكون العلم أيسر عليه من الزهد، ومنهم من يكون الزهد أيسر عليه، ومنهم من تكون العبادة أيسر عليه منهما، فالمشروع لكل إنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير، كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ}وإذا ازدحمت شعب الإيمان قدم ما كان أرضى لله وهو عليه أقدر، فقد يكون على المفضول أقدر منه على الفاضل، ويحصل له أفضل مما يحصل من الفاضل، فالأفضل لهذا أن يطلب ما هو أنفع له، وهو في حقه أفضل، ولا يطلب ما هو أفضل مطلقًا، إذا كان متعذرًا في حقه أو متعسرا يفوته ما هو أفضل له وأنفع، كمن يقرأ القرآن بالليل فيتدبره وينتفع بتلاوته، والصلاة تثقل عليه، ولا ينتفع منها بعمل، أو ينتفع بالذكر أعظم مما ينتفع بالقراءة.
فأي عمل كان له أنفع ولله أطوع أفضل في حقه من تكلف عمل لا يأتي به على وجهه بل على وجه ناقص، ويفوته به ما هو أنفع له، ومعلوم أن الصلاة آكد من قراءة القرآن، وقراءة القرآن أفضل من الذكر والدعاء، ومعلوم أيضا أن الذكر في فعله الخاص كالركوع والسجود أفضل من قراءة القرآن في ذلك المحل، وأن الذكر والقراءة والدعاء عند طلوع الشمس وغروبها خير من الصلاة.
والزهد هو ضد الرغبة، وهو كالبغض المخالف للمحبة، والكراهة المخالفة للإرادة، وكل من الإرادة والكراهة له أقسام في نفسه، وفي متعلقه، فالزهد فيه انقسام إلى: المزهود فيه، وإلى نفس الزهد.
أما الأول: فإن الزهد. . . وأما نفس الزهد الذي هو ضد الرغبة، وهو الكراهة والبغض فحقيقة المشروع منه، أن يكون كراهة العبد وبغضه وحبه تابعًا لحب الله وبغضه ورضاه وسخطه، فيحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله، ويرضى ما يرضاه، ويسخط ما يسخطه الله، بحيث لا يكون تابعًا هواه، بل لأمر مولاه، فإن كثيرًا من الزهاد في الحياة الدنيا أعرضوا عن فضولها، ولم يقبلوا على ما يحبه الله ورسوله، وليس مثل هذا الزهد يأمر الله به ورسوله، ولهذا كان في المشركين زهاد، وفي أهل الكتاب زهاد، وفي أهل البدع زهاد.
ومن الناس من يزهد لطلب الراحة من تعب الدنيا ومنهم من يزهد لمسألة أهلها والسلامة من أذاهم، ومنهم من يزهد في المال لطلب الراحة، إلى أمثال هذه الأنواع التي لا يأمر الله بها ولا رسوله، وإنما يأمر الله ورسوله أن يزهد فيما لا يحبه الله ورسوله، ويرغب فيما يحبه الله ورسوله، فيكون زهده هو الإعراض عما لا يأمر الله به ورسوله، أمر إيجاب ولا أمر استحباب، سواء كان محرما أو مكروها أو مباحا مستوى الطرفين في حق العبد، ويكون مع ذلك مقبلا على ما أمر الله به ورسوله، وإلا فترك المكروه بدون فعل المحبوب ليس بمطلوب، وغنما المطلوب بالمقصود الأول فعل ما يحبه الله ورسوله وترك المكروه متعين كذلك به تزكو النفس؛ فإن الحسنات إذا انتفت عنها السيئات زكت فبالزكاة تطيب النفس من الخبائث، وتعظم في الطاعات، كما أن الزرع إذا أزيل عنه الدغل زكا وظهر وعظم.
مجموع فتاوى شيخ الإسلام
المجلد السابع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأسباب التي يقوى بها الإيمان
وأما قوله: فالأسباب التي يقوى بها الإيمان إلى أن يكمل على ترتيبها، هل يبدأ بالزهد؟ أو بالعلم، أو بالعبادة؟ أم يجمع بين ذلك على حسب طاقته؟
فيقال له: لابد من الإيمان الواجب، والعبادة الواجبة، والزهد الواجب، ثم الناس يتفاضلون في الإيمان، كتفاضلهم في شعبه، وكل إنسان يطلب ما يمكنه طلبه، ويقدم ما يقدر على تقديمه من الفاضل.
والناس يتفاضلون في هذا الباب، فمنهم من يكون العلم أيسر عليه من الزهد، ومنهم من يكون الزهد أيسر عليه، ومنهم من تكون العبادة أيسر عليه منهما، فالمشروع لكل إنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير، كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ}وإذا ازدحمت شعب الإيمان قدم ما كان أرضى لله وهو عليه أقدر، فقد يكون على المفضول أقدر منه على الفاضل، ويحصل له أفضل مما يحصل من الفاضل، فالأفضل لهذا أن يطلب ما هو أنفع له، وهو في حقه أفضل، ولا يطلب ما هو أفضل مطلقًا، إذا كان متعذرًا في حقه أو متعسرا يفوته ما هو أفضل له وأنفع، كمن يقرأ القرآن بالليل فيتدبره وينتفع بتلاوته، والصلاة تثقل عليه، ولا ينتفع منها بعمل، أو ينتفع بالذكر أعظم مما ينتفع بالقراءة.
فأي عمل كان له أنفع ولله أطوع أفضل في حقه من تكلف عمل لا يأتي به على وجهه بل على وجه ناقص، ويفوته به ما هو أنفع له، ومعلوم أن الصلاة آكد من قراءة القرآن، وقراءة القرآن أفضل من الذكر والدعاء، ومعلوم أيضا أن الذكر في فعله الخاص كالركوع والسجود أفضل من قراءة القرآن في ذلك المحل، وأن الذكر والقراءة والدعاء عند طلوع الشمس وغروبها خير من الصلاة.
والزهد هو ضد الرغبة، وهو كالبغض المخالف للمحبة، والكراهة المخالفة للإرادة، وكل من الإرادة والكراهة له أقسام في نفسه، وفي متعلقه، فالزهد فيه انقسام إلى: المزهود فيه، وإلى نفس الزهد.
أما الأول: فإن الزهد. . . وأما نفس الزهد الذي هو ضد الرغبة، وهو الكراهة والبغض فحقيقة المشروع منه، أن يكون كراهة العبد وبغضه وحبه تابعًا لحب الله وبغضه ورضاه وسخطه، فيحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله، ويرضى ما يرضاه، ويسخط ما يسخطه الله، بحيث لا يكون تابعًا هواه، بل لأمر مولاه، فإن كثيرًا من الزهاد في الحياة الدنيا أعرضوا عن فضولها، ولم يقبلوا على ما يحبه الله ورسوله، وليس مثل هذا الزهد يأمر الله به ورسوله، ولهذا كان في المشركين زهاد، وفي أهل الكتاب زهاد، وفي أهل البدع زهاد.
ومن الناس من يزهد لطلب الراحة من تعب الدنيا ومنهم من يزهد لمسألة أهلها والسلامة من أذاهم، ومنهم من يزهد في المال لطلب الراحة، إلى أمثال هذه الأنواع التي لا يأمر الله بها ولا رسوله، وإنما يأمر الله ورسوله أن يزهد فيما لا يحبه الله ورسوله، ويرغب فيما يحبه الله ورسوله، فيكون زهده هو الإعراض عما لا يأمر الله به ورسوله، أمر إيجاب ولا أمر استحباب، سواء كان محرما أو مكروها أو مباحا مستوى الطرفين في حق العبد، ويكون مع ذلك مقبلا على ما أمر الله به ورسوله، وإلا فترك المكروه بدون فعل المحبوب ليس بمطلوب، وغنما المطلوب بالمقصود الأول فعل ما يحبه الله ورسوله وترك المكروه متعين كذلك به تزكو النفس؛ فإن الحسنات إذا انتفت عنها السيئات زكت فبالزكاة تطيب النفس من الخبائث، وتعظم في الطاعات، كما أن الزرع إذا أزيل عنه الدغل زكا وظهر وعظم.
مجموع فتاوى شيخ الإسلام
المجلد السابع