عبدالله التميمي
05-08-2010, 05:42 AM
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
فهذا [ تفريغ ] لمحاضرة بعنوان (مشروعية رد الصغير على الكبير ) للشيخ الفاضل / أحمد السبيعي – وفقه الله تعالى - وقد قمت بتفريغها لما فيها من فوائد غزيرة ونصائح طيبة - فجزاه الله عنا وعن المسلمين كل خير - وقد عدلت بعض الأخطاء التي تصدر من أي شخص مثلاً : ( قوله عبد الله بن مطرف – والصواب : مطرف بن عبد الله وأضفت رحمه الله - رضي الله عنه - في بعض المواضع... وهكذا )
وأرجو الله تعالى أن لا يكون به أخطاء مطبعية كثيرة .
- وفقنا الله وإياكم لكل خير -.
قال الشيخ / أحمد :
الحمد لله رب العالمين , والعاقبة للمتقين , ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً أما بعد :
فإن المكلف المسلم بين أمرين اثنين لا ثالث لهما : أمر دين , وأمر دنيا .
وأمر الدين هو ما كان في التنزيل والوحي في كلام الله وفي كلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم , فالدين هو ما كان بين الدفتين ( المصحف ) ثم ما بعث به النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
والأمر الذي متعلقه الدنيا هو هذه الحياة التي يعيش فيها الناس وبما فيها من موجودات وبما حصل فيها من ماجريات.
واللبيب العاقل المؤمن التقي هو الذي يجعل أصل حياته مبني على الدين لان الله تبارك وتعالى إنما خلق هذه الدنيا من أجل الدين , كما قال ربنا تبارك وتعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا لعبدون } وقال الله تبارك وتعالى : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا } وقال تعالى – في الحديث القدسي -: { إنما أنزلت المال , لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولا يملئ في ابن آدم إلا التراب , ويتوب الله على من تاب } .
فاللبيب العاقل هو الذي يبني أصل أمره في هذه الحياة على الإيمان والدين , ثم ما يعرض عليه في هذه الحياة يرجعه أيضاً إلى الدين , إذا كان أمراً متعلقه العقيدة , أو أمراً متعلقه العبادة .
وأما المعاملات أو العادات فالأصل فيها من فضل الله تبارك وتعالى ورحمة : الإباحة , فالأصل في العادات الإباحة , والأصل في المعاملات الإباحة .
ومن هنا شدد أهل العلم النكير تبعاً لما جاء في بعض الآثار من أن أشد الناس إثماً عند الله رجلاً حرم شيء بسبب مسألته , أي أنه يسأل عن أمر يكون للناس فيه فسحه ويكون للناس فيه سعة , فيتنطع هذا المتنطع ويبحث في أمر لم يذكره أهل العلم فيحرم من أجل مسألته فيكون سبباً في حصول شر أو تضييق .
ومن هنا اعتنى أهل العلم بهذه المسألة وهو أن السؤال إنما يشرع عندما يكون مقتضاه كاملاً , فرجل يدخل في بيع أو شراء , والأصل في أن المسلم لا يدخل في البيع والشراء إلا إذا عنده العلم الشرعي في أصل البيع والشراء ما يخوله إلى معرفة الأصل في المعاملات وما يصح وما يحرم فيعرف ما حرمه الله ويعرف ما أباحة الله تبارك وتعالى , ومن هنا قال عمر رضي الله عنه وأرضاه : { لا يبيع في سوقنا إلا من يعرف الحلال من الحرام } . أو بما معناه : الأصل في المسلم إذا دخل في شيء أن يكون قد تحقق علماً من هذا الشيء قبل الدخول فيه ومن هنا قال الإمام البخاري رحمه الله : { باب العلم قبل القول والعمل } .
فالمقصود : أن الأمر الذي يجري من أمر الدنيا يجب على الإنسان أن لا يسارع إلى التفتيش عنه والبحث فيه قبل أن يحتكم احتكاماً وتعم به البلوى عموماً , بحيث يحتاج المسلمون إلى معرفة الحكم الشرعي في هذا الشيء المعين فهنا يحصل الرجوع إلى أهل العلم كما أمر الله تبارك وتعالى في مثل قوله : { فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } . وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم : { ألا سألوا إن لم يعلموا , فإنما شفاء العي السؤال } فالشيء حين يسأل عنه وقد اكتمل المقتضى الشرعي للسؤال , فاكتمال المقتضى الشرعي يكون معه السائل سائلاً بالفعل كما يعنيه , كما يتعلق به الخطاب الشرعي .
وإلا فإن كثرة السؤال منهي عنها كما لا يخفاكم حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم : { إن الله كره لكم ثلاث ... فذكر منها صلى الله عليه وآله وسلم : وكثرة السؤال } وقال صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري : { إنما هلك من كان قبلكم بكثرة اختلافهم ومسائلهم } أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم .
فالسؤال حين يبدر من المكلف عن شيء لم يستحكم ولم يخاطب هو به أو لم يرتبط به معنىً أكيد , فإن سؤاله هذا قد يحصل بسببه شر .
فالذي ينبغي على المسلم أن يوطن نفسه على أن لا يسأل إلا بعد اكتمال المقتضى الشرعي للسؤال , وأن يكون سؤال بقصد حسن , يقصد أن يعرف حكم الله عز وجل المتعلق به فيحصل النفع والواجب على العالم أو طالب العلم أن لا يتكلم في مسألة لم يحط بها علماً والعلم يكون كما قلنا في أمر متعلقه الدين .
فيجب على العالم أن يكون عالماً بكتاب الله وبسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقل الإيمان في الباب الذي يقرر فيه , أو يتكلم فيه , لأن العلم واسع فالواجب عليه العلم , العلم بالشريعة التي هي حكم الله عز وجل فإذا كانت المسألة المعينة متعلقها أمراً يقع في حياة الناس فهنا يجب عليه ماذا ؟
يجب عليه أن يحيط علماً بهذا الشطر من الشيء حتى يكون حكمه الشرعي عليه صواباً , وإلا فإن حكمه عليه حين إذ يكون عرضة إما للنقص أو الخطأ , ومن هنا قالوا : { الحكم على الشيء فرع عن تصوره }
الحكم على الشيء فرع عن تصوره , فلا بد إذاً للعالم – ولا يعيب العالم – لأن الإنسان بطبعه ولا بد أنه لا يحيط بكل شيء علماً مما يجري أو يقع بل حتى أنبياء الله عز وجل لا سبيل لهم للعلم بكل شيء وإنما يعلم كل شيء الله سبحانه وتعالى : { إن الله بكل شيء عليم } : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر } فهذا الله عز وجل هو الذي بكل شيء عليم وأما الإنسان حتى ولو كان نبياً مكرماً جليلاً عند الله تبارك وتعالى , فإنه لا سبيل له بالعلم بما يجري بعيداً عنه إلا بسبب من الأسباب .
ولذلك لما سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك الجارية تقول : وفينا نبي يعلم ما في غد , أنكر عليها صلى الله عليه وآله وسلم , ويقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة : لا تدري ما أحدثوا بعدك , وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرسل العيون والعسس على أعدائه حتى يستطلع ماهية الأخبار , ولما سأل بلال رضي الله عنه وأرضاه عن بعض التمر يبيعونه أهل خيبر فقال صلى الله عليه وآله وسلم :
أكل التمر مثل هذا ؟
فاستفسر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ماهية هذا الشيء حتى يحكم عليه فلا بد من العلم بحقيقة الشيء المعين قبل أن يحكم العالم الشرعي عليه , فإذا قصر العالم بماهية الشيء يكون ملاماً شرعاً .
لماذا ؟ لأن حكمه الشرعي مرتبط بصورة هذه المسألة التي يريد الحكم عليها فإخلاله بالعلم بماهيتها إخلال بما هو مخاطب به شرعاً .
ولأضرب مثلاً على ذلك : نبي الله عز وجل سليمان صلى الله عليه وآله وسلم حين انطلق الهدهد إلى اليمن ثم استطلع من أمر أهلها ما استطلع فجاء إلى سليمان صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : { أحطت بما لم تحط به , وجئتك من سبأ بنبأ يقين} .فهذا فيه فوائد عظيمة :
فيها أن طالب العلم الصغير قد يدرك شيئاً لا يدركه طالب العلم الذي هو أكبر منه , فالعلم رحم بين أهله .
وليس في هذه غضاضة , وهذه أمثلة تزخر بها كتب العلم تقرر مثل هذه المسألة فكلنا يذكر ذلكم الأثر العظيم أثر ( مطرف بن عبد الله بن الشخير ) لما كان جالساً في مجلس زيد بن صوحان رحمه الله تعالى – إمام من أهل السنة – فكانوا جلوساً في مجلس وإذا اجتمع أهل الدين بعضهم إلى بعض وحصل بينهم من التذكير ومن المذاكرة فإن الإيمان يزيد في قلوبهم وهمتهم تنبعث إلى الحق فيودون لو أنهم ازدادوا خيراً وازدادوا انبعاثاً في الخير – وهذا الشعور كان يشعر به حتى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما حديث حنظلة منكم ببعيد ,
فكان حين يأتون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشعرون أن الإيمان يزيد ,
- وهذا من أدلة أهل السنة على زيادة الإيمان من أن الإنسان يجد ضرورة في نفسه من أنه إذا ذكر الله عز وجل فإنه يجد من نفسه أن إيمانه يزيد وهذا دليل وجودي لا يمكن دفعه ولو اجتمع أهل البدع جميعاً - .
المقصود : أنه اجتمع هؤلاء القوم عند زيد فتذاكروا في العلم وفي الإيمان فانبعثت همتهم فأرادوا أن يحافظوا على هذه الحال السوية وعلى هذه الهمة العالية وعلى هذا اليقين الذي وجدوه في قلوبهم فقالوا : لنتعاهده .
أي عهد أرادوا أن يتعاهدوه ؟ أرادوا أن يتعاهدوا على طاعة الله وعلى طاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم
وهل هناك مسلم يتخلف عن هذا الركب ؟
أو يفك يده من مثل هذا العهد ؟
كل مسلم هو في طاعة الله وفي طاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ,
فمضوا , لكن أرادوا أن يثبتوا مثل هذا العهد في قرطاس وأخذهم ما أخذهم من انبعاث الهمة فحصل عندهم غفلة في التدقيق في هذه المسألة بإرجاعها إلى أصولها وإلى ما كان عليه السلف الصالح , فبدر منهم الخطأ وهم علماء فخالفوا ,
كادوا أن يخالفوا ولكن الله عز وجل عصمهم تبارك وتعالى ,الله عز وجل عصمهم تبارك وتعالى عصمهم لأنهم اعتصموا به كما قال تبارك وتعالى :
{ ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم } .
عصمهم لأنهم اعتصموا بالكتاب والسنة وهدي السلف الصالح كما قال الله تبارك وتعالى :
{ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا }
وعصمهم بسبب شرعي وهو ذلكم الشاب , والفتى الذي هو أصغر منهم سناً , كان حاضراً في مجلسهم فاستحضر الأصل وهو الرجوع إلى ما كان عليه الناس قبل التفرق والإختلاف , فجالوا بالورقة فمرت على الأكابر ,
والله أعلم بما جرى في نفوسهم فقد يكون في نفوس بعضهم قد جرى الحديث : كيف لنا أن نوقع على هذا القرطاس ولم يسبق وأن تقدمنا أحد بمثله ؟ .
من الممكن أن يكون قد ورد في ذهنهم هذا الأمر , لكن هاجس الحق قد يجول في النفس فيمتنع الإنسان أحياناً حياءً من من هو أكبر منه , كما حصل لعبد الله بن عمر في حضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورواه البخاري حين ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم شجرة مثلها كمثل المؤمن فأراد ابن عمر أن يهم أن يقول هي النخلة , كما تعرفون الحديث المشهور , لكنه رأي القوم فيهم أكابرهم فامتنع أن يتكلم .
فقد يكون جرى مثل هذا البحث في نفوس بعضهم إلا أنهم - إما حياءً وإما غفلة - والإنسان قد يغفل هذا عمر رضي الله عنه وأرضاه بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم غفل عن آية فيها ذكر موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
{ أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم }
فهم وشهر سيفه وقال : من حدث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد مات قتلته , فقام الصديق رضي الله عنه وأرضاه فافتتح الخطبة وبين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد مات وتلا الآية فخر عمر رضي الله عنه وأرضاه على ركبتيه ,
فالعالم قد يقع في غفلة عن الدليل وقد يحتاج إلى من يذكره به بل هؤلاء القوم غفلوا عن مسألة مهمة وهي الحكم في حكم الإجتماع وما يبنى عليه الإجتماع الشرعي .
فالشاهد : أن هذا القرطاس دار حتى جاء إلى هذا الشاب فقال : ألا يكفينا العهد الذي أخذه الله علينا في كتابه ؟ ( لماذا عهود زائدة ) ( ليش كلام زايد ) ( ما يكفينا ) فأراد البعض أن ينزوي عنه , لكنهم أهل علم وأهل إيمان وأهل إنصاف وإخلاص وقصدهم الحق أن ينصر وأن يظهر على أي لسان جرى ومن أي جهة جاء . قال كلمته , فقالوا : إمهلو , ثم رجعوا كلهم عما كتبوه في هذا القرطاس .
وأنا إنما سقت هذا الأثر كشاهد إلى أن الصغير قد يعرف بعض الحق مما لا يعرفه الكبير ,
وليس في ذلك إنزال من منزلة الكبير ,وليس في ذلك تعدياً عليه .
فهذه الهدهد يقول : { أحطت بما لم تحط به } يخاطب نبي الله عز وجل سليمان صلى الله عليه وآله وسلم
لم يقل سليمان : اقتلوه , لم يقل .., ولكن أخذ ما عنده من العلم .
فالشاهد : أن نبي الله عز وجل سليمان صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد أن يغزوا أو أن يرسل رسالة لولائك القوم الكفار أحتاج إلى بعض العلم فيما يتعلق بشأنهم .
وهذه نقطة ومسألة لا يجادل عليها السلفيون كما يزعم أهل دعاة ما يمسى بـ ( فقه الواقع ) لكن الفرق بين السلفيين وبين دعاة هذا المذهب الفاسد الكاسد أن السلفيين يقولون : مثل هذه الوظائف إنما يتولاها من هو مخاطب بها شرعاً , ولا يخاطب بها كل الناس ويخوضون فيها كل الناس , وكذلك فإن السلفيين يقولون إن مثل هذه المسألة ليست هي الأصل فيما يبني عليه المكلف دينه .
أما هؤلاء القوم فيقولون أن أصل التدين يجب معه أن يتابع الإنسان ما يجري , وان يتعامل مع حوادث الواقع . ففرق بين قول السلفيين بالحق وبين استثمار هؤلاء لهذا الشبه بالحق وإدخالهم مناهجهم ومذاهبهم المنحرفة السياسية التي يريدون من ورائها ما يريدون .
فالمقصود : أن هذا هدهد ( طير ) أحاط بما لم يحط به نبي ,
والشاهد كما قلت : أن الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم أنفسهم مفتقرون إلى بعض الأخبار التي تأتيهم فيما يتعلق بالأمور التي يحكمون فيها وهذا أمر بديهي في العقول : { الحكم على الشيء فرع من تصوره }
هل تستطيع أن تحكم على شيء من غير أن تتصوره ؟ الآن الناس تتساءل ما حكم بيع ( البطاقات المدنية ) إنسان , طالب علم شرعي يريد أن يتكلم في هذه المسألة وأن يعرف حكم الله عز وجل فيها : إذا ما يعرف ماهية المسألة نفسها هل يجوز له شرعاً أن يتكلم فيها ؟ : حرام , يأثم , يأثم أشد من إثم هذا الذي يعمل بغير جهل إذ أن القول على الله جل وعلا بغير علم أمر عظيم ومنكر كبير .
والمقصود من كلامي كله : أن أقول أن تقدير بعض الأمور بقدرها كما هي واقعة , يمكن العاقل التقي المؤمن من أن يعرف مقدار الشر الموجود فيزيله كما هي القاعدة الشرعية العظيمة : { الضرر يزال }
الضرر يزال , إذا وجد ضرر فالذي تزيله الضرر وغير الضرر أم تزيل الضرر فقط ؟ بل تزيل الضرر .
فالمقصود : أن الناس في هذه الأيام يلوكون ويخوضون خوضاً باطلاً أن السلفيين قد وقعوا في التشدد , وأن السلفيين قد وقعوا في الغلو , وأن السلفيين قد تجاوزا الحد في أحكامهم على من يخالفهم وعلى من ينتقدونه !
هذا الكلام كلام فيه ظلم عظيم للسلفيين وفيه ظلم كبير لهذه الدعوة العظيمة المباركة , فالسلفيون كلهم عندما تكلموا في هذه المسائل تكلموا بعلم وبما نرجو من الله جلا وعلا أن مشايخنا ونجزم ولا نزكي على الله أحداً أنهم أيضاً تكلموا بقصد حسن وتكلموا كذلك بعدل , ولذلك لما كان كلامهم بهذه المثابة من استيفاء الشروط الشرعية , حصل من البركة العظيمة والنفع العميم ما يجده كل أحد اليوم , فبفضل الله جلا وعلا ثم بفضل جهاد الشيوخ السلفيين حصل ما حصل من انكشاف كثير من الظلام الذي كاد يخيم على السنة , أو كاد يقرب من أن يضر دعوة أهل السنة والجماعة السلفية .
فببركة الله جل وعلا ثم بجهاد الشيوخ السلفيين وبجهاد المشايخ الكبار مثل الشيخ ابن عثيمين والألباني والشيخ عبد العزيز بن باز - رحمهم الله تعالى – فقد كان المجاهدون من مشايخ السلفيين كالشيخ محمد أمان رحمه الله تعالى والشيخ ربيع بن هادي حفظه الله تعالى وغيرهم من المشايخ , فلما تكلم هؤلاء هل وجدوا من هؤلاء العلماء الكبار نهياً أم تأييداً ونصرا ؟
وجدوا التأييد والنصر والمباركة , وجمعت هذه الدعوة المباركة الكثير من الأقطار وتجنبت كثيراً من الشرور وكثيراً من الشبه , وقمعت كثيراً من الباطل , حتى صار بعض الأسماء اللامعة التي كان الناس يتشوقون لسماع كلامهم , صار الناس اليوم لا يحبون ذكر أسمائهم لما يرون من أنهم رموز على الباطل والدعوات الفاسدة أعني كـ ( سيد قطب ) و ( عبد الرحمن عبد الخالق ) ونحوهم .
فصار الرجل حتى يعطي من البرهان – جمعية إحياء التراث اليوم حتى تعطي البرهان على أنها سلفية مثلاً ماذا تصنع ؟
تقول لك :.. لا نحن مذهب سيد قطب ليس لنا به علاقة ونحن نرده , ولا شأن لنا به , وعبد الرحمن عبد الخالق حجرناه وحجمناه , حتى يحظوا على أن يكونوا سلفيين .
طيب ما الذي جعل هؤلاء الدعاة المشهورين المصنفين مثل ( البعير الأجرب ) يستعر الناس من أن يقربوهم أو كأنما من فيه ( كلف ) لا يريد الناس أن يقربوا منه ! اليس هذا ثمرة شرعية عظيمة مباركة للجهاد الشرعي العظيم المبارك لأئمة ومشايخ الدعوة السلفية ؟
إذا فحين يأتي آت ويصف ويسم كل هذه الدعوة العظيمة المباركة بالشدة أو بالغلو أو بغير ذلك , هل يكون عادلاً ومنصفا ؟
أبداً , إن هذا من الظلم المبين لهذه الدعوة وإن كانت سنة الله جلا وعلا في الحياة وفي الخلق , أن هذه الدعوة منذ أبد الآبدين وهي تتهم بهذه التهمة الباطلة .
شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - وسم بالحدة ووصفه الذهبي بما وصفه به .
شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – أيضاً وصف بأن دعوته فيها تكفير وشدة , فكل دعوة حقه تقوم على أصول السنة لا يملك من يعاديها إلا أن يصفها بأوصاف , لكن العاقل الشاب المتدبر الذي يريد أن يكون على علم وعلى بصيرة إذا أراد أن يحكم في مثل هذه الأجناس من المسائل – بل حتى العلماء – يجب عليه أن يحيط علماً بالشيء الذي يريد الحكم عليه .
هذه كتابات الشيخ / ربيع – حفظه الله - , هذه ردوده على سيد هذا رده على سلمان وهو أول من افتتح الباب في الرد على سلمان العودة – بتقديم الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله تعالى - وبمباركته .
هذا هو رد الشيخ محمد أمان - رحمه الله تعالى - أيضاً بمباركة المشايخ وتأييدهم .
فالإنسان ينظر إلى المادة العلمية وينظر إلى ما عليه الكلام العلم الحق فيزن الأمور بموازينها .
وأما وجود بعض الشبيبة الذين يعدون على أصبع اليد الواحدة هنا أو هناك قابعين في بيوت أمهاتهم خلف الإنترنت , فأمثال هؤلاء موضع ملاحظة من أهل العلم والمشايخ منذ زمن , لكن دعوتنا السلفية دعوة إصلاحية تسع الناس جميعاً وفيها النصح لكل أصناف الناس حتى يهتدوا إلى الحق ويتدينوا لله تبارك وتعالى بالسنة , فأمثال هؤلاء كانوا موضع عناية وملاحظة , ولأنهم معدودين على الأصابع ولهم سيما تخصهم , فبعد أن استفحل الضرر من بعضهم قام المشايخ ولم يزالوا بمحاصرتهم والنصيحة لهم وقمعهم في أماكنهم , لا يجوز أن تفخم صورتهم أو تعظم , بحيث تصور الدعوة السلفية كلها بناء على هؤلاء الشذاذ هناك أو هناك .
هل هذا من العدل الذي يرضى به الله تبارك وتعالى ؟
هذا من الظلم , وهذا حرام , وهذا لا يجوز , لا يجوز أن تظلم هذه الدعوة العظيمة المباركة السلفية بنماذج إنما هي تمثل أنفسها , فليس بين السلفيين عهد , وليس بين السلفيين تنظيم في المعنى الذي عليه الأحزاب .
إنما تجمعهم السنة , يجتمعون عليها ولا يفرقهم إلا ما خالف الكتاب والسنة .
فالمقصود : من أراد أن يدرس هذه الدعوة وأراد أن يعرف حقيقتها فعليه أن يُقْبل على النتاج العلمي لأهل العلم فيها , ولينظر في تأريخها , ولينظر في أمرها , نظر المنصف العادل الذي يريد أن يتدين لله تبارك وتعالى بالحق , وأنا على يقين أن المكلف إذا جاء بقلب صادق وفهم ثاقب , وفتح قلبه ودرس هذه الدعوة السلفية النقية دراسة واعية فإنه لن يسعه إلا أن يكون من جنودها ومن مؤيديها , ومن مناصريها , هذا إذا أكرمه الله عز وجل ووفقه وإلا فإن سبيل الهلكة كبير .
نسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكل إخواننا المسلمين العافية والسلامة , وأسال الله تبارك وتعالى أن يعلي كلمته وأن يوفقنا وإياكم جميعاً إلى أن نكون هداةً مهتدين , وأسأله تبارك وتعالى أن يشرح صدورنا للحق وأن يهدينا لإتباعه , وأن يسددنا في كل شأن من شؤوننا , وأسأله تبارك وتعالى أن ينصر الدعوة السلفية الحقة نصراً مؤزراً مبينا بكرمه وفضله فإننا نتطلع إلى ربنا معترفين بالنقص , ومعترفين بالعجز , ومعترفين بالفقر إليه , ونسأله تبارك وتعالى أن يدفع عنها الظلم الذي ما زال ولا يزال يقع عليها بغير حق , وبغير علم .
هذا والله أعلم .
وصلى الله على محمد وآله وسلم .
أ هــ ( بتصرف يسير ) .....
فهذا [ تفريغ ] لمحاضرة بعنوان (مشروعية رد الصغير على الكبير ) للشيخ الفاضل / أحمد السبيعي – وفقه الله تعالى - وقد قمت بتفريغها لما فيها من فوائد غزيرة ونصائح طيبة - فجزاه الله عنا وعن المسلمين كل خير - وقد عدلت بعض الأخطاء التي تصدر من أي شخص مثلاً : ( قوله عبد الله بن مطرف – والصواب : مطرف بن عبد الله وأضفت رحمه الله - رضي الله عنه - في بعض المواضع... وهكذا )
وأرجو الله تعالى أن لا يكون به أخطاء مطبعية كثيرة .
- وفقنا الله وإياكم لكل خير -.
قال الشيخ / أحمد :
الحمد لله رب العالمين , والعاقبة للمتقين , ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً أما بعد :
فإن المكلف المسلم بين أمرين اثنين لا ثالث لهما : أمر دين , وأمر دنيا .
وأمر الدين هو ما كان في التنزيل والوحي في كلام الله وفي كلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم , فالدين هو ما كان بين الدفتين ( المصحف ) ثم ما بعث به النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
والأمر الذي متعلقه الدنيا هو هذه الحياة التي يعيش فيها الناس وبما فيها من موجودات وبما حصل فيها من ماجريات.
واللبيب العاقل المؤمن التقي هو الذي يجعل أصل حياته مبني على الدين لان الله تبارك وتعالى إنما خلق هذه الدنيا من أجل الدين , كما قال ربنا تبارك وتعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا لعبدون } وقال الله تبارك وتعالى : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا } وقال تعالى – في الحديث القدسي -: { إنما أنزلت المال , لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولا يملئ في ابن آدم إلا التراب , ويتوب الله على من تاب } .
فاللبيب العاقل هو الذي يبني أصل أمره في هذه الحياة على الإيمان والدين , ثم ما يعرض عليه في هذه الحياة يرجعه أيضاً إلى الدين , إذا كان أمراً متعلقه العقيدة , أو أمراً متعلقه العبادة .
وأما المعاملات أو العادات فالأصل فيها من فضل الله تبارك وتعالى ورحمة : الإباحة , فالأصل في العادات الإباحة , والأصل في المعاملات الإباحة .
ومن هنا شدد أهل العلم النكير تبعاً لما جاء في بعض الآثار من أن أشد الناس إثماً عند الله رجلاً حرم شيء بسبب مسألته , أي أنه يسأل عن أمر يكون للناس فيه فسحه ويكون للناس فيه سعة , فيتنطع هذا المتنطع ويبحث في أمر لم يذكره أهل العلم فيحرم من أجل مسألته فيكون سبباً في حصول شر أو تضييق .
ومن هنا اعتنى أهل العلم بهذه المسألة وهو أن السؤال إنما يشرع عندما يكون مقتضاه كاملاً , فرجل يدخل في بيع أو شراء , والأصل في أن المسلم لا يدخل في البيع والشراء إلا إذا عنده العلم الشرعي في أصل البيع والشراء ما يخوله إلى معرفة الأصل في المعاملات وما يصح وما يحرم فيعرف ما حرمه الله ويعرف ما أباحة الله تبارك وتعالى , ومن هنا قال عمر رضي الله عنه وأرضاه : { لا يبيع في سوقنا إلا من يعرف الحلال من الحرام } . أو بما معناه : الأصل في المسلم إذا دخل في شيء أن يكون قد تحقق علماً من هذا الشيء قبل الدخول فيه ومن هنا قال الإمام البخاري رحمه الله : { باب العلم قبل القول والعمل } .
فالمقصود : أن الأمر الذي يجري من أمر الدنيا يجب على الإنسان أن لا يسارع إلى التفتيش عنه والبحث فيه قبل أن يحتكم احتكاماً وتعم به البلوى عموماً , بحيث يحتاج المسلمون إلى معرفة الحكم الشرعي في هذا الشيء المعين فهنا يحصل الرجوع إلى أهل العلم كما أمر الله تبارك وتعالى في مثل قوله : { فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } . وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم : { ألا سألوا إن لم يعلموا , فإنما شفاء العي السؤال } فالشيء حين يسأل عنه وقد اكتمل المقتضى الشرعي للسؤال , فاكتمال المقتضى الشرعي يكون معه السائل سائلاً بالفعل كما يعنيه , كما يتعلق به الخطاب الشرعي .
وإلا فإن كثرة السؤال منهي عنها كما لا يخفاكم حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم : { إن الله كره لكم ثلاث ... فذكر منها صلى الله عليه وآله وسلم : وكثرة السؤال } وقال صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري : { إنما هلك من كان قبلكم بكثرة اختلافهم ومسائلهم } أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم .
فالسؤال حين يبدر من المكلف عن شيء لم يستحكم ولم يخاطب هو به أو لم يرتبط به معنىً أكيد , فإن سؤاله هذا قد يحصل بسببه شر .
فالذي ينبغي على المسلم أن يوطن نفسه على أن لا يسأل إلا بعد اكتمال المقتضى الشرعي للسؤال , وأن يكون سؤال بقصد حسن , يقصد أن يعرف حكم الله عز وجل المتعلق به فيحصل النفع والواجب على العالم أو طالب العلم أن لا يتكلم في مسألة لم يحط بها علماً والعلم يكون كما قلنا في أمر متعلقه الدين .
فيجب على العالم أن يكون عالماً بكتاب الله وبسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقل الإيمان في الباب الذي يقرر فيه , أو يتكلم فيه , لأن العلم واسع فالواجب عليه العلم , العلم بالشريعة التي هي حكم الله عز وجل فإذا كانت المسألة المعينة متعلقها أمراً يقع في حياة الناس فهنا يجب عليه ماذا ؟
يجب عليه أن يحيط علماً بهذا الشطر من الشيء حتى يكون حكمه الشرعي عليه صواباً , وإلا فإن حكمه عليه حين إذ يكون عرضة إما للنقص أو الخطأ , ومن هنا قالوا : { الحكم على الشيء فرع عن تصوره }
الحكم على الشيء فرع عن تصوره , فلا بد إذاً للعالم – ولا يعيب العالم – لأن الإنسان بطبعه ولا بد أنه لا يحيط بكل شيء علماً مما يجري أو يقع بل حتى أنبياء الله عز وجل لا سبيل لهم للعلم بكل شيء وإنما يعلم كل شيء الله سبحانه وتعالى : { إن الله بكل شيء عليم } : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر } فهذا الله عز وجل هو الذي بكل شيء عليم وأما الإنسان حتى ولو كان نبياً مكرماً جليلاً عند الله تبارك وتعالى , فإنه لا سبيل له بالعلم بما يجري بعيداً عنه إلا بسبب من الأسباب .
ولذلك لما سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك الجارية تقول : وفينا نبي يعلم ما في غد , أنكر عليها صلى الله عليه وآله وسلم , ويقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة : لا تدري ما أحدثوا بعدك , وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرسل العيون والعسس على أعدائه حتى يستطلع ماهية الأخبار , ولما سأل بلال رضي الله عنه وأرضاه عن بعض التمر يبيعونه أهل خيبر فقال صلى الله عليه وآله وسلم :
أكل التمر مثل هذا ؟
فاستفسر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ماهية هذا الشيء حتى يحكم عليه فلا بد من العلم بحقيقة الشيء المعين قبل أن يحكم العالم الشرعي عليه , فإذا قصر العالم بماهية الشيء يكون ملاماً شرعاً .
لماذا ؟ لأن حكمه الشرعي مرتبط بصورة هذه المسألة التي يريد الحكم عليها فإخلاله بالعلم بماهيتها إخلال بما هو مخاطب به شرعاً .
ولأضرب مثلاً على ذلك : نبي الله عز وجل سليمان صلى الله عليه وآله وسلم حين انطلق الهدهد إلى اليمن ثم استطلع من أمر أهلها ما استطلع فجاء إلى سليمان صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : { أحطت بما لم تحط به , وجئتك من سبأ بنبأ يقين} .فهذا فيه فوائد عظيمة :
فيها أن طالب العلم الصغير قد يدرك شيئاً لا يدركه طالب العلم الذي هو أكبر منه , فالعلم رحم بين أهله .
وليس في هذه غضاضة , وهذه أمثلة تزخر بها كتب العلم تقرر مثل هذه المسألة فكلنا يذكر ذلكم الأثر العظيم أثر ( مطرف بن عبد الله بن الشخير ) لما كان جالساً في مجلس زيد بن صوحان رحمه الله تعالى – إمام من أهل السنة – فكانوا جلوساً في مجلس وإذا اجتمع أهل الدين بعضهم إلى بعض وحصل بينهم من التذكير ومن المذاكرة فإن الإيمان يزيد في قلوبهم وهمتهم تنبعث إلى الحق فيودون لو أنهم ازدادوا خيراً وازدادوا انبعاثاً في الخير – وهذا الشعور كان يشعر به حتى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما حديث حنظلة منكم ببعيد ,
فكان حين يأتون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشعرون أن الإيمان يزيد ,
- وهذا من أدلة أهل السنة على زيادة الإيمان من أن الإنسان يجد ضرورة في نفسه من أنه إذا ذكر الله عز وجل فإنه يجد من نفسه أن إيمانه يزيد وهذا دليل وجودي لا يمكن دفعه ولو اجتمع أهل البدع جميعاً - .
المقصود : أنه اجتمع هؤلاء القوم عند زيد فتذاكروا في العلم وفي الإيمان فانبعثت همتهم فأرادوا أن يحافظوا على هذه الحال السوية وعلى هذه الهمة العالية وعلى هذا اليقين الذي وجدوه في قلوبهم فقالوا : لنتعاهده .
أي عهد أرادوا أن يتعاهدوه ؟ أرادوا أن يتعاهدوا على طاعة الله وعلى طاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم
وهل هناك مسلم يتخلف عن هذا الركب ؟
أو يفك يده من مثل هذا العهد ؟
كل مسلم هو في طاعة الله وفي طاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ,
فمضوا , لكن أرادوا أن يثبتوا مثل هذا العهد في قرطاس وأخذهم ما أخذهم من انبعاث الهمة فحصل عندهم غفلة في التدقيق في هذه المسألة بإرجاعها إلى أصولها وإلى ما كان عليه السلف الصالح , فبدر منهم الخطأ وهم علماء فخالفوا ,
كادوا أن يخالفوا ولكن الله عز وجل عصمهم تبارك وتعالى ,الله عز وجل عصمهم تبارك وتعالى عصمهم لأنهم اعتصموا به كما قال تبارك وتعالى :
{ ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم } .
عصمهم لأنهم اعتصموا بالكتاب والسنة وهدي السلف الصالح كما قال الله تبارك وتعالى :
{ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا }
وعصمهم بسبب شرعي وهو ذلكم الشاب , والفتى الذي هو أصغر منهم سناً , كان حاضراً في مجلسهم فاستحضر الأصل وهو الرجوع إلى ما كان عليه الناس قبل التفرق والإختلاف , فجالوا بالورقة فمرت على الأكابر ,
والله أعلم بما جرى في نفوسهم فقد يكون في نفوس بعضهم قد جرى الحديث : كيف لنا أن نوقع على هذا القرطاس ولم يسبق وأن تقدمنا أحد بمثله ؟ .
من الممكن أن يكون قد ورد في ذهنهم هذا الأمر , لكن هاجس الحق قد يجول في النفس فيمتنع الإنسان أحياناً حياءً من من هو أكبر منه , كما حصل لعبد الله بن عمر في حضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورواه البخاري حين ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم شجرة مثلها كمثل المؤمن فأراد ابن عمر أن يهم أن يقول هي النخلة , كما تعرفون الحديث المشهور , لكنه رأي القوم فيهم أكابرهم فامتنع أن يتكلم .
فقد يكون جرى مثل هذا البحث في نفوس بعضهم إلا أنهم - إما حياءً وإما غفلة - والإنسان قد يغفل هذا عمر رضي الله عنه وأرضاه بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم غفل عن آية فيها ذكر موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
{ أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم }
فهم وشهر سيفه وقال : من حدث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد مات قتلته , فقام الصديق رضي الله عنه وأرضاه فافتتح الخطبة وبين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد مات وتلا الآية فخر عمر رضي الله عنه وأرضاه على ركبتيه ,
فالعالم قد يقع في غفلة عن الدليل وقد يحتاج إلى من يذكره به بل هؤلاء القوم غفلوا عن مسألة مهمة وهي الحكم في حكم الإجتماع وما يبنى عليه الإجتماع الشرعي .
فالشاهد : أن هذا القرطاس دار حتى جاء إلى هذا الشاب فقال : ألا يكفينا العهد الذي أخذه الله علينا في كتابه ؟ ( لماذا عهود زائدة ) ( ليش كلام زايد ) ( ما يكفينا ) فأراد البعض أن ينزوي عنه , لكنهم أهل علم وأهل إيمان وأهل إنصاف وإخلاص وقصدهم الحق أن ينصر وأن يظهر على أي لسان جرى ومن أي جهة جاء . قال كلمته , فقالوا : إمهلو , ثم رجعوا كلهم عما كتبوه في هذا القرطاس .
وأنا إنما سقت هذا الأثر كشاهد إلى أن الصغير قد يعرف بعض الحق مما لا يعرفه الكبير ,
وليس في ذلك إنزال من منزلة الكبير ,وليس في ذلك تعدياً عليه .
فهذه الهدهد يقول : { أحطت بما لم تحط به } يخاطب نبي الله عز وجل سليمان صلى الله عليه وآله وسلم
لم يقل سليمان : اقتلوه , لم يقل .., ولكن أخذ ما عنده من العلم .
فالشاهد : أن نبي الله عز وجل سليمان صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد أن يغزوا أو أن يرسل رسالة لولائك القوم الكفار أحتاج إلى بعض العلم فيما يتعلق بشأنهم .
وهذه نقطة ومسألة لا يجادل عليها السلفيون كما يزعم أهل دعاة ما يمسى بـ ( فقه الواقع ) لكن الفرق بين السلفيين وبين دعاة هذا المذهب الفاسد الكاسد أن السلفيين يقولون : مثل هذه الوظائف إنما يتولاها من هو مخاطب بها شرعاً , ولا يخاطب بها كل الناس ويخوضون فيها كل الناس , وكذلك فإن السلفيين يقولون إن مثل هذه المسألة ليست هي الأصل فيما يبني عليه المكلف دينه .
أما هؤلاء القوم فيقولون أن أصل التدين يجب معه أن يتابع الإنسان ما يجري , وان يتعامل مع حوادث الواقع . ففرق بين قول السلفيين بالحق وبين استثمار هؤلاء لهذا الشبه بالحق وإدخالهم مناهجهم ومذاهبهم المنحرفة السياسية التي يريدون من ورائها ما يريدون .
فالمقصود : أن هذا هدهد ( طير ) أحاط بما لم يحط به نبي ,
والشاهد كما قلت : أن الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم أنفسهم مفتقرون إلى بعض الأخبار التي تأتيهم فيما يتعلق بالأمور التي يحكمون فيها وهذا أمر بديهي في العقول : { الحكم على الشيء فرع من تصوره }
هل تستطيع أن تحكم على شيء من غير أن تتصوره ؟ الآن الناس تتساءل ما حكم بيع ( البطاقات المدنية ) إنسان , طالب علم شرعي يريد أن يتكلم في هذه المسألة وأن يعرف حكم الله عز وجل فيها : إذا ما يعرف ماهية المسألة نفسها هل يجوز له شرعاً أن يتكلم فيها ؟ : حرام , يأثم , يأثم أشد من إثم هذا الذي يعمل بغير جهل إذ أن القول على الله جل وعلا بغير علم أمر عظيم ومنكر كبير .
والمقصود من كلامي كله : أن أقول أن تقدير بعض الأمور بقدرها كما هي واقعة , يمكن العاقل التقي المؤمن من أن يعرف مقدار الشر الموجود فيزيله كما هي القاعدة الشرعية العظيمة : { الضرر يزال }
الضرر يزال , إذا وجد ضرر فالذي تزيله الضرر وغير الضرر أم تزيل الضرر فقط ؟ بل تزيل الضرر .
فالمقصود : أن الناس في هذه الأيام يلوكون ويخوضون خوضاً باطلاً أن السلفيين قد وقعوا في التشدد , وأن السلفيين قد وقعوا في الغلو , وأن السلفيين قد تجاوزا الحد في أحكامهم على من يخالفهم وعلى من ينتقدونه !
هذا الكلام كلام فيه ظلم عظيم للسلفيين وفيه ظلم كبير لهذه الدعوة العظيمة المباركة , فالسلفيون كلهم عندما تكلموا في هذه المسائل تكلموا بعلم وبما نرجو من الله جلا وعلا أن مشايخنا ونجزم ولا نزكي على الله أحداً أنهم أيضاً تكلموا بقصد حسن وتكلموا كذلك بعدل , ولذلك لما كان كلامهم بهذه المثابة من استيفاء الشروط الشرعية , حصل من البركة العظيمة والنفع العميم ما يجده كل أحد اليوم , فبفضل الله جلا وعلا ثم بفضل جهاد الشيوخ السلفيين حصل ما حصل من انكشاف كثير من الظلام الذي كاد يخيم على السنة , أو كاد يقرب من أن يضر دعوة أهل السنة والجماعة السلفية .
فببركة الله جل وعلا ثم بجهاد الشيوخ السلفيين وبجهاد المشايخ الكبار مثل الشيخ ابن عثيمين والألباني والشيخ عبد العزيز بن باز - رحمهم الله تعالى – فقد كان المجاهدون من مشايخ السلفيين كالشيخ محمد أمان رحمه الله تعالى والشيخ ربيع بن هادي حفظه الله تعالى وغيرهم من المشايخ , فلما تكلم هؤلاء هل وجدوا من هؤلاء العلماء الكبار نهياً أم تأييداً ونصرا ؟
وجدوا التأييد والنصر والمباركة , وجمعت هذه الدعوة المباركة الكثير من الأقطار وتجنبت كثيراً من الشرور وكثيراً من الشبه , وقمعت كثيراً من الباطل , حتى صار بعض الأسماء اللامعة التي كان الناس يتشوقون لسماع كلامهم , صار الناس اليوم لا يحبون ذكر أسمائهم لما يرون من أنهم رموز على الباطل والدعوات الفاسدة أعني كـ ( سيد قطب ) و ( عبد الرحمن عبد الخالق ) ونحوهم .
فصار الرجل حتى يعطي من البرهان – جمعية إحياء التراث اليوم حتى تعطي البرهان على أنها سلفية مثلاً ماذا تصنع ؟
تقول لك :.. لا نحن مذهب سيد قطب ليس لنا به علاقة ونحن نرده , ولا شأن لنا به , وعبد الرحمن عبد الخالق حجرناه وحجمناه , حتى يحظوا على أن يكونوا سلفيين .
طيب ما الذي جعل هؤلاء الدعاة المشهورين المصنفين مثل ( البعير الأجرب ) يستعر الناس من أن يقربوهم أو كأنما من فيه ( كلف ) لا يريد الناس أن يقربوا منه ! اليس هذا ثمرة شرعية عظيمة مباركة للجهاد الشرعي العظيم المبارك لأئمة ومشايخ الدعوة السلفية ؟
إذا فحين يأتي آت ويصف ويسم كل هذه الدعوة العظيمة المباركة بالشدة أو بالغلو أو بغير ذلك , هل يكون عادلاً ومنصفا ؟
أبداً , إن هذا من الظلم المبين لهذه الدعوة وإن كانت سنة الله جلا وعلا في الحياة وفي الخلق , أن هذه الدعوة منذ أبد الآبدين وهي تتهم بهذه التهمة الباطلة .
شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - وسم بالحدة ووصفه الذهبي بما وصفه به .
شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – أيضاً وصف بأن دعوته فيها تكفير وشدة , فكل دعوة حقه تقوم على أصول السنة لا يملك من يعاديها إلا أن يصفها بأوصاف , لكن العاقل الشاب المتدبر الذي يريد أن يكون على علم وعلى بصيرة إذا أراد أن يحكم في مثل هذه الأجناس من المسائل – بل حتى العلماء – يجب عليه أن يحيط علماً بالشيء الذي يريد الحكم عليه .
هذه كتابات الشيخ / ربيع – حفظه الله - , هذه ردوده على سيد هذا رده على سلمان وهو أول من افتتح الباب في الرد على سلمان العودة – بتقديم الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله تعالى - وبمباركته .
هذا هو رد الشيخ محمد أمان - رحمه الله تعالى - أيضاً بمباركة المشايخ وتأييدهم .
فالإنسان ينظر إلى المادة العلمية وينظر إلى ما عليه الكلام العلم الحق فيزن الأمور بموازينها .
وأما وجود بعض الشبيبة الذين يعدون على أصبع اليد الواحدة هنا أو هناك قابعين في بيوت أمهاتهم خلف الإنترنت , فأمثال هؤلاء موضع ملاحظة من أهل العلم والمشايخ منذ زمن , لكن دعوتنا السلفية دعوة إصلاحية تسع الناس جميعاً وفيها النصح لكل أصناف الناس حتى يهتدوا إلى الحق ويتدينوا لله تبارك وتعالى بالسنة , فأمثال هؤلاء كانوا موضع عناية وملاحظة , ولأنهم معدودين على الأصابع ولهم سيما تخصهم , فبعد أن استفحل الضرر من بعضهم قام المشايخ ولم يزالوا بمحاصرتهم والنصيحة لهم وقمعهم في أماكنهم , لا يجوز أن تفخم صورتهم أو تعظم , بحيث تصور الدعوة السلفية كلها بناء على هؤلاء الشذاذ هناك أو هناك .
هل هذا من العدل الذي يرضى به الله تبارك وتعالى ؟
هذا من الظلم , وهذا حرام , وهذا لا يجوز , لا يجوز أن تظلم هذه الدعوة العظيمة المباركة السلفية بنماذج إنما هي تمثل أنفسها , فليس بين السلفيين عهد , وليس بين السلفيين تنظيم في المعنى الذي عليه الأحزاب .
إنما تجمعهم السنة , يجتمعون عليها ولا يفرقهم إلا ما خالف الكتاب والسنة .
فالمقصود : من أراد أن يدرس هذه الدعوة وأراد أن يعرف حقيقتها فعليه أن يُقْبل على النتاج العلمي لأهل العلم فيها , ولينظر في تأريخها , ولينظر في أمرها , نظر المنصف العادل الذي يريد أن يتدين لله تبارك وتعالى بالحق , وأنا على يقين أن المكلف إذا جاء بقلب صادق وفهم ثاقب , وفتح قلبه ودرس هذه الدعوة السلفية النقية دراسة واعية فإنه لن يسعه إلا أن يكون من جنودها ومن مؤيديها , ومن مناصريها , هذا إذا أكرمه الله عز وجل ووفقه وإلا فإن سبيل الهلكة كبير .
نسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكل إخواننا المسلمين العافية والسلامة , وأسال الله تبارك وتعالى أن يعلي كلمته وأن يوفقنا وإياكم جميعاً إلى أن نكون هداةً مهتدين , وأسأله تبارك وتعالى أن يشرح صدورنا للحق وأن يهدينا لإتباعه , وأن يسددنا في كل شأن من شؤوننا , وأسأله تبارك وتعالى أن ينصر الدعوة السلفية الحقة نصراً مؤزراً مبينا بكرمه وفضله فإننا نتطلع إلى ربنا معترفين بالنقص , ومعترفين بالعجز , ومعترفين بالفقر إليه , ونسأله تبارك وتعالى أن يدفع عنها الظلم الذي ما زال ولا يزال يقع عليها بغير حق , وبغير علم .
هذا والله أعلم .
وصلى الله على محمد وآله وسلم .
أ هــ ( بتصرف يسير ) .....