أكرم بن نجيب التونسي
05-14-2010, 04:43 PM
مَكَانَةُ الصَّلاَةِ فِي الإِسْلاَمِ وَآثَارُهَا الطَّيِّبَةُ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فإن للصلاة شأناً عظيماً في الإسلام ومكانة رفيعة عند الله ورسله والمؤمنين، إذ هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين.
عن ابن عمر- رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ».
وقد حث الله المؤمنين على إقامتها في آيات كثيرة، منها، قوله تعالى:
﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ سورة الروم، (31/32).
وقال تعالى:
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ سورة البينة، الآية(5).
وقال تعالى: ﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ ﴾ سورة إبراهيم(31).
ومن دعاء خليل الرحمن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ سورة إبراهيم(40).
فرضها الله على كل مسلم بالغ عاقل.
وشرع تربية الصغار عليها « علموا أولادكم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ».
وأمر بصلاتها في جماعة في بيوت الله ألا وهي المساجد ، وأشاد بذكر المصلين فيها وذكر صفاتهم الحميدة وما أعده لهم من الجزاء العظيم، قال تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ سورة النور(36-37-38).
وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ التوبة(18).
وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾ الأعراف(29).
فأمر عباده بالقسط وهو العدل والاستقامة واستقبال القبلة في أي مسجد كان.
وقال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾.
والمراد بالزينة ما يستر العورة في الصلاة جماعة في المساجد كانت أو غير جماعة، بل ستر العورة واجب في كل حال « والله أحق أن يستحيا منه ».
والشاهد من هذه الآيات كلها بيان أهمية المساجد التي أمر الله برفعها للصلاة فيها جماعة، فالمساجد من أعظم شعائر الإسلام، والصلاة فيها جماعة والنداء لها من أعظم شعائر الإسلام، والتخلف عن إقامتها في الجماعة من علامات النفاق والعياذ بالله.
قال تعالى عن الصلاة:
﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ سورة البقرة(45-46).
عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال:قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: « إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر لو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم الحطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ».متفق عليه، أخرجه البخاري في فضل صلاة العشاء في جماعة، حديث (657)، ومسلم في المساجد، حديث (651).
وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- قال: (( لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة))، وقال: (( إن رسول الله علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه" أخرجه مسلم في المساجد ))، حديث(654).
وبيَّن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فضل الصلاة في جماعة، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « تفضل صلاة الجميع على صلاة الرجل وحده خمساً وعشرين درجة » ، قال: « ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر ». قال أبو هريرة – رضي الله عنه - : اقرأوا إن شئتم: ﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ ،أخرجه مسلم في المساجد حديث(649)، وأخرجه البخاري نحوه، حديث(648).
وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال:« صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة » متفق عليه، أخرجه البخاري في فضل صلاة الجماعة، حديث(645)، ومسلم في المساجد، حديث(650).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: « صَلاةُ الرَّجُلِ في الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ على صَلاتِهِ في بَيْتِهِ وفي سُوقِهِ خمسة وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إذا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إلى الْمَسْجِدِ لا يُخْرِجُهُ إلا الصَّلاةُ لم يَخْطُ خَطْوَةً إلا رُفِعَتْ له بها دَرَجَةٌ وَحُطَّ عنه بها خَطِيئَةٌ فإذا صلى لم تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عليه ما دَامَ في مُصَلاهُ اللهم صَلِّ عليه اللهم ارْحَمْهُ ولا يَزَالُ أحدكم في صَلاةٍ ما انْتَظَرَ الصَّلاةَ » متفق عليه، أخرجه البخاري في فضل صلاة الجماعة، حديث(647)، ومسلم في المساجد، حديث(649).
والصلاة تكفر بها الخطايا، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: « أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ » قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال:: « فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا » أخرجه البخاري، حديث(528) ومسلم، حديث(667).
وعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات » أخرجه مسلم، حديث(668)، وأحمد(2/426) من حديث جابر وأبي هريرة - رضي الله عنهما- .
إِطْلاَقُ اسْمِ الكُفْرِ عَلَى مَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ
عن جابر بن عبد الله الأنصاري- رضي الله عنه-قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: « إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة » أخرجه مسلم في الإيمان، حديث (82)، وأبو داود في كتاب السنة، حديث (4678) بلفظ: « بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ».
وأخرجه الترمذي في أبواب الإيمان، حديث (2618) بلفظ: « بين الكفر والإيمان ترك الصلاة » ، وحديث (2619) بلفظ: « بين العبد وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة ».
وأخرجه ابن ماجة بلفظ: « بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة » حديث (1078).
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ». أخرجه الترمذي في أبواب الإيمان، حديث (2621)، وقال عقبه: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وفي إسناده حسين بن واقد وثقه ابن معين وتكلم فيه الإمام أحمد، وقال الحافظ: ثقة له أوهام فحديثه حسن.
وأخرج هذا الحديث من هذا الوجه ابن ماجة في الصلاة، حديث (1079)، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/346) والنسائي في الصلاة، حديث (463).
واختلف العلماء في المراد بكفره، فمنهم من يرى أنه الكفر الأكبر المخرج من الملة، وحجة من كفره هذا الحديث وقول عبد الله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله لا يرون شيئا من العمل تركه كفر إلا الصلاة وأدلة أخرى.
ومنهم من يرى أنه الكفر الأصغر الذي لا يخرج صاحبه من الملة إلا إذا استحل تركها فإنه يكفر الكفر الأكبر بالإجماع، وحجة من لا يكفره قول الله تعالى: ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ وعمومات أخرى.
والجماهير من السلف والخلف أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
وذهب أبو حنيفة وبعض العلماء إلى أنه لا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي.
وُجُوبُ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فِي الصَّلاَةِ وَسَدِّ الخَلَلِ فِيهَا
قال الإمام أحمد في مسنده (2/97) حديث رقم( 5724): ثنا هَارُونُ بن مَعْرُوفٍ ثنا عبد اللَّهِ بن وَهْبٍ عن مُعَاوِيَةَ بن صَالِحٍ عن أبي الزَّاهِرِيَّةِ عن كَثِيرِ بن مُرَّةَ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: « أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنَّمَا تَصُفُّونَ بِصُفُوفِ الْمَلاَئِكَةِ وَحَاذُوا بين الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا في أيدي إِخْوَانِكُمْ وَلاَ تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ الله ».
وقال – رحمه الله- في مسنده ( 5/262): ثنا هَاشِمٌ ثنا فَرَجٌ ثنا لُقْمَانُ عن أبي أُمَامَةَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « إن اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ على الصَّفِّ الأَوَّلِ » قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَى الثاني، قال: « إن اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ على الصَّفِّ الأَوَّلِ » قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَى الثاني، قال: « وَعَلَى الثاني »
قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « سَوُّوا صُفُوفَكُمْ وَحَاذُوا بين مَنَاكِبِكُمْ وَلِينُوا في أيدي إِخْوَانِكُمْ وَسُدُّوا الْخَلَلَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ بَيْنَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْحَذَفِ » يَعْنِى أَوْلاَدَ الضَّأْنِ الصِّغَارَ، حسن بشواهده.
وقال الإمام أبو داود في سننه (1/178) حديث(666): حدثنا عِيسَى بن إبراهيم الْغَافِقِيُّ ثنا ابن وَهْبٍ ح وحدثنا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ ثنا اللَّيْثُ وَحَدِيثُ ابن وَهْبٍ أَتَمُّ عن مُعَاوِيَةَ بن صَالِحٍ عن أبي الزَّاهِرِيَّةِ عن كَثِيرِ بن مُرَّةَ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ قال قُتَيْبَةُ عن أبي الزَّاهِرِيَّةِ عن أبي شَجَرَةَ -لم يذكر ابن عُمَرَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال « أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بين الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ لم يَقُلْ عِيسَى بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ ولا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ الله وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ الله » ، قال أبو دَاوُد أبو شَجَرَةَ كَثِيرُ بن مُرَّةَ، قال أبو دَاوُد وَمَعْنَى « وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ »
إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه فينبغي أن يلين له كل رجل منكبيه حتى يدخل في الصف "، صحيح بشواهده .
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه- أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: « سوّوا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة » أخرجه أحمد (3/177)، والبخاري(732) ومسلم (433) وغيرهم.
وعنه – رضي الله عنه- قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- « يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول: تراصوا واعتدلوا » متفق عليه.
وعن النعمان بن بشير، قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- « يسوي صفوفنا كأنما يسوي بها القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد أن يكبر، فرأى رجلا باديا صدره من الصف، فقال عباد الله لتسوّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم »، رواه الجماعة إلا البخاري، فإن له منه « لتسوّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم » ولأحمد وأبي داود في رواية قال: (( فرأيت الرجل يلزق كعبه بكعب صاحبه وركبته بركبته ومنكبه بمنكبه )) المنتقى للمجد ابن تيمية، حديث(1479) والحديث أخرجه أحمد(4/276) ومسلم حديث(436) والترمذي(2027) وأبو داود(663) والنسائي(810).
وعن جابر بن سمرة- رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: « ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ » فقلنا: يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: « يتمون الصف الأول ويتراصون في الصف » رواه أحمد في مسنده (5/106) ومسلم(430) وأبو داود (661) والنسائي(816).
وعن أبي مسعود – رضي الله عنه-، قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- « يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشد اختلافا ».
وعن ابن مسعود – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : « ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم( ثلاثا) وإياكم وهيشات الأسواق » رواهما مسلم، حديث(432)، وحديث ابن مسعود في الترمذي(228).
وختاماً أقول:
إن من آثار الصلاة التي تقام على الوجه المشروع والتي يتوفر فيها الإخلاص وتستكمل فيها شروطها وأركانها وخشوعها الفلاح وهو الفوز بالمطلوب الأعظم عند الله، قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴾.
ومن آثار هذه الصلاة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وأن يذكرك الله في الملأ الأعلى، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
وقصدي من هذا المقال تذكير إخواني المسلمين بأهمية هذه الصلاة العظيمة ومكانتها في الإسلام، وحثهم على إقامتها في بيوت الله، وحثهم على ما أرى أن كثيراً من المسلمين المصلين أئمة(1) ومأمومين لا يهتمون به ألا وهو تسوية الصفوف، وإلصاق المناكب بالمناكب، والكعاب بالكعاب، وسد الفرج التي يتخللها الشيطان، الأمور التي كان يلتزمها أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- تنفيذاً لأوامره وتوجيهاته، فلقد رأيت كثيراً من المصلين يتساهلون في هذه الأمور، ولا يدركون ما يترتب على التساهل فيها، وهو ما حذر منه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بقوله: « لتسوّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم »، وهذه النتيجة المرة ملموسة في حياة المسلمين بما يبثه بينهم الشيطان من التقاطع والتدابر والتباغض والتفرق.
ومن أهم الأسباب لهذه المعضلات مخالفتهم لهديه –صلى الله عليه وسلم- وهدي أصحابه في إقامة الصلاة على الوجه الذي بينه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وحذَّر من مخالفته.
أسأل الله أن يوفق المسلمين للتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم والسير في منهج السلف الصالح في عقائدهم وعباداتهم وسائر شئوون حياتهم، وأن يجعلنا من المفلحين الذين تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر، إن ربي لسميع الدعاء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
ربيع بن هادي عمير المدخلي
24/11/ 1428هـ
ــــــــــــــــــــ
حواشي:
(1) وذلك أن كثيراً من الأئمة يكتفون بقولهم: " استووا، سووا صفوفكم" ونحو هذا، ولا يُذكرون المصلين بما كان يقوله- صلى الله عليه وسلم- : " لتسونَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم"، ولا يؤكدون على سد الخلل إلى آخره.
لتحميل الملف:
http://www.rabee.net/show_des.aspx?pid=3&id=238 (http://www.rabee.net/show_des.aspx?pid=3&id=238)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فإن للصلاة شأناً عظيماً في الإسلام ومكانة رفيعة عند الله ورسله والمؤمنين، إذ هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين.
عن ابن عمر- رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ».
وقد حث الله المؤمنين على إقامتها في آيات كثيرة، منها، قوله تعالى:
﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ سورة الروم، (31/32).
وقال تعالى:
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ سورة البينة، الآية(5).
وقال تعالى: ﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ ﴾ سورة إبراهيم(31).
ومن دعاء خليل الرحمن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ سورة إبراهيم(40).
فرضها الله على كل مسلم بالغ عاقل.
وشرع تربية الصغار عليها « علموا أولادكم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ».
وأمر بصلاتها في جماعة في بيوت الله ألا وهي المساجد ، وأشاد بذكر المصلين فيها وذكر صفاتهم الحميدة وما أعده لهم من الجزاء العظيم، قال تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ سورة النور(36-37-38).
وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ التوبة(18).
وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾ الأعراف(29).
فأمر عباده بالقسط وهو العدل والاستقامة واستقبال القبلة في أي مسجد كان.
وقال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾.
والمراد بالزينة ما يستر العورة في الصلاة جماعة في المساجد كانت أو غير جماعة، بل ستر العورة واجب في كل حال « والله أحق أن يستحيا منه ».
والشاهد من هذه الآيات كلها بيان أهمية المساجد التي أمر الله برفعها للصلاة فيها جماعة، فالمساجد من أعظم شعائر الإسلام، والصلاة فيها جماعة والنداء لها من أعظم شعائر الإسلام، والتخلف عن إقامتها في الجماعة من علامات النفاق والعياذ بالله.
قال تعالى عن الصلاة:
﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ سورة البقرة(45-46).
عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال:قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: « إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر لو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم الحطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ».متفق عليه، أخرجه البخاري في فضل صلاة العشاء في جماعة، حديث (657)، ومسلم في المساجد، حديث (651).
وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- قال: (( لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة))، وقال: (( إن رسول الله علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه" أخرجه مسلم في المساجد ))، حديث(654).
وبيَّن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فضل الصلاة في جماعة، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « تفضل صلاة الجميع على صلاة الرجل وحده خمساً وعشرين درجة » ، قال: « ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر ». قال أبو هريرة – رضي الله عنه - : اقرأوا إن شئتم: ﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ ،أخرجه مسلم في المساجد حديث(649)، وأخرجه البخاري نحوه، حديث(648).
وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال:« صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة » متفق عليه، أخرجه البخاري في فضل صلاة الجماعة، حديث(645)، ومسلم في المساجد، حديث(650).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: « صَلاةُ الرَّجُلِ في الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ على صَلاتِهِ في بَيْتِهِ وفي سُوقِهِ خمسة وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إذا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إلى الْمَسْجِدِ لا يُخْرِجُهُ إلا الصَّلاةُ لم يَخْطُ خَطْوَةً إلا رُفِعَتْ له بها دَرَجَةٌ وَحُطَّ عنه بها خَطِيئَةٌ فإذا صلى لم تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عليه ما دَامَ في مُصَلاهُ اللهم صَلِّ عليه اللهم ارْحَمْهُ ولا يَزَالُ أحدكم في صَلاةٍ ما انْتَظَرَ الصَّلاةَ » متفق عليه، أخرجه البخاري في فضل صلاة الجماعة، حديث(647)، ومسلم في المساجد، حديث(649).
والصلاة تكفر بها الخطايا، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: « أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ » قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال:: « فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا » أخرجه البخاري، حديث(528) ومسلم، حديث(667).
وعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات » أخرجه مسلم، حديث(668)، وأحمد(2/426) من حديث جابر وأبي هريرة - رضي الله عنهما- .
إِطْلاَقُ اسْمِ الكُفْرِ عَلَى مَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ
عن جابر بن عبد الله الأنصاري- رضي الله عنه-قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: « إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة » أخرجه مسلم في الإيمان، حديث (82)، وأبو داود في كتاب السنة، حديث (4678) بلفظ: « بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ».
وأخرجه الترمذي في أبواب الإيمان، حديث (2618) بلفظ: « بين الكفر والإيمان ترك الصلاة » ، وحديث (2619) بلفظ: « بين العبد وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة ».
وأخرجه ابن ماجة بلفظ: « بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة » حديث (1078).
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ». أخرجه الترمذي في أبواب الإيمان، حديث (2621)، وقال عقبه: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وفي إسناده حسين بن واقد وثقه ابن معين وتكلم فيه الإمام أحمد، وقال الحافظ: ثقة له أوهام فحديثه حسن.
وأخرج هذا الحديث من هذا الوجه ابن ماجة في الصلاة، حديث (1079)، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/346) والنسائي في الصلاة، حديث (463).
واختلف العلماء في المراد بكفره، فمنهم من يرى أنه الكفر الأكبر المخرج من الملة، وحجة من كفره هذا الحديث وقول عبد الله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله لا يرون شيئا من العمل تركه كفر إلا الصلاة وأدلة أخرى.
ومنهم من يرى أنه الكفر الأصغر الذي لا يخرج صاحبه من الملة إلا إذا استحل تركها فإنه يكفر الكفر الأكبر بالإجماع، وحجة من لا يكفره قول الله تعالى: ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ وعمومات أخرى.
والجماهير من السلف والخلف أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
وذهب أبو حنيفة وبعض العلماء إلى أنه لا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي.
وُجُوبُ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فِي الصَّلاَةِ وَسَدِّ الخَلَلِ فِيهَا
قال الإمام أحمد في مسنده (2/97) حديث رقم( 5724): ثنا هَارُونُ بن مَعْرُوفٍ ثنا عبد اللَّهِ بن وَهْبٍ عن مُعَاوِيَةَ بن صَالِحٍ عن أبي الزَّاهِرِيَّةِ عن كَثِيرِ بن مُرَّةَ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: « أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنَّمَا تَصُفُّونَ بِصُفُوفِ الْمَلاَئِكَةِ وَحَاذُوا بين الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا في أيدي إِخْوَانِكُمْ وَلاَ تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ الله ».
وقال – رحمه الله- في مسنده ( 5/262): ثنا هَاشِمٌ ثنا فَرَجٌ ثنا لُقْمَانُ عن أبي أُمَامَةَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « إن اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ على الصَّفِّ الأَوَّلِ » قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَى الثاني، قال: « إن اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ على الصَّفِّ الأَوَّلِ » قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَى الثاني، قال: « وَعَلَى الثاني »
قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « سَوُّوا صُفُوفَكُمْ وَحَاذُوا بين مَنَاكِبِكُمْ وَلِينُوا في أيدي إِخْوَانِكُمْ وَسُدُّوا الْخَلَلَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ بَيْنَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْحَذَفِ » يَعْنِى أَوْلاَدَ الضَّأْنِ الصِّغَارَ، حسن بشواهده.
وقال الإمام أبو داود في سننه (1/178) حديث(666): حدثنا عِيسَى بن إبراهيم الْغَافِقِيُّ ثنا ابن وَهْبٍ ح وحدثنا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ ثنا اللَّيْثُ وَحَدِيثُ ابن وَهْبٍ أَتَمُّ عن مُعَاوِيَةَ بن صَالِحٍ عن أبي الزَّاهِرِيَّةِ عن كَثِيرِ بن مُرَّةَ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ قال قُتَيْبَةُ عن أبي الزَّاهِرِيَّةِ عن أبي شَجَرَةَ -لم يذكر ابن عُمَرَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال « أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بين الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ لم يَقُلْ عِيسَى بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ ولا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ الله وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ الله » ، قال أبو دَاوُد أبو شَجَرَةَ كَثِيرُ بن مُرَّةَ، قال أبو دَاوُد وَمَعْنَى « وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ »
إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه فينبغي أن يلين له كل رجل منكبيه حتى يدخل في الصف "، صحيح بشواهده .
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه- أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: « سوّوا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة » أخرجه أحمد (3/177)، والبخاري(732) ومسلم (433) وغيرهم.
وعنه – رضي الله عنه- قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- « يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول: تراصوا واعتدلوا » متفق عليه.
وعن النعمان بن بشير، قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- « يسوي صفوفنا كأنما يسوي بها القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد أن يكبر، فرأى رجلا باديا صدره من الصف، فقال عباد الله لتسوّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم »، رواه الجماعة إلا البخاري، فإن له منه « لتسوّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم » ولأحمد وأبي داود في رواية قال: (( فرأيت الرجل يلزق كعبه بكعب صاحبه وركبته بركبته ومنكبه بمنكبه )) المنتقى للمجد ابن تيمية، حديث(1479) والحديث أخرجه أحمد(4/276) ومسلم حديث(436) والترمذي(2027) وأبو داود(663) والنسائي(810).
وعن جابر بن سمرة- رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: « ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ » فقلنا: يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: « يتمون الصف الأول ويتراصون في الصف » رواه أحمد في مسنده (5/106) ومسلم(430) وأبو داود (661) والنسائي(816).
وعن أبي مسعود – رضي الله عنه-، قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- « يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشد اختلافا ».
وعن ابن مسعود – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : « ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم( ثلاثا) وإياكم وهيشات الأسواق » رواهما مسلم، حديث(432)، وحديث ابن مسعود في الترمذي(228).
وختاماً أقول:
إن من آثار الصلاة التي تقام على الوجه المشروع والتي يتوفر فيها الإخلاص وتستكمل فيها شروطها وأركانها وخشوعها الفلاح وهو الفوز بالمطلوب الأعظم عند الله، قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴾.
ومن آثار هذه الصلاة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر وأن يذكرك الله في الملأ الأعلى، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
وقصدي من هذا المقال تذكير إخواني المسلمين بأهمية هذه الصلاة العظيمة ومكانتها في الإسلام، وحثهم على إقامتها في بيوت الله، وحثهم على ما أرى أن كثيراً من المسلمين المصلين أئمة(1) ومأمومين لا يهتمون به ألا وهو تسوية الصفوف، وإلصاق المناكب بالمناكب، والكعاب بالكعاب، وسد الفرج التي يتخللها الشيطان، الأمور التي كان يلتزمها أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- تنفيذاً لأوامره وتوجيهاته، فلقد رأيت كثيراً من المصلين يتساهلون في هذه الأمور، ولا يدركون ما يترتب على التساهل فيها، وهو ما حذر منه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بقوله: « لتسوّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم »، وهذه النتيجة المرة ملموسة في حياة المسلمين بما يبثه بينهم الشيطان من التقاطع والتدابر والتباغض والتفرق.
ومن أهم الأسباب لهذه المعضلات مخالفتهم لهديه –صلى الله عليه وسلم- وهدي أصحابه في إقامة الصلاة على الوجه الذي بينه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وحذَّر من مخالفته.
أسأل الله أن يوفق المسلمين للتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم والسير في منهج السلف الصالح في عقائدهم وعباداتهم وسائر شئوون حياتهم، وأن يجعلنا من المفلحين الذين تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر، إن ربي لسميع الدعاء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
ربيع بن هادي عمير المدخلي
24/11/ 1428هـ
ــــــــــــــــــــ
حواشي:
(1) وذلك أن كثيراً من الأئمة يكتفون بقولهم: " استووا، سووا صفوفكم" ونحو هذا، ولا يُذكرون المصلين بما كان يقوله- صلى الله عليه وسلم- : " لتسونَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم"، ولا يؤكدون على سد الخلل إلى آخره.
لتحميل الملف:
http://www.rabee.net/show_des.aspx?pid=3&id=238 (http://www.rabee.net/show_des.aspx?pid=3&id=238)