الشاعر أبو رواحة الموري
05-18-2010, 03:19 PM
البحث في لفظة " لعمري "
بـقلم: فضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري
المدرس بالجامعة الإسلامية
( مجلة الجامعة الإسلامية / العدد 26 (
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.وبعد:
فلقد جرى بيني وبين بعض الإخوان بحث مهم حول زعم النحويين إن كلمة" لعمري" نص في اليمين كما قال ابن مالك في ألفيته :
وبعد لولا غالباً حذف الخبر * * *وفي نص يمين ذا استقر
وأثارت هذه الدعوى بيننا استشكالاً عميقاً لأنها لا تتلاءم مع نهي الشارع عن الحلف بغير الله على القول بأنها يمين شرعاً ، لما ثبت في :
1-حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عند الشيخين ، قال البخاري : حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يسير في ركب يحلف بأبيه ، فقال: (( ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)) .
2-وعند ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق عكرمة، قال : قال عمر: ((حدثت قوماً حديثاً فقلت " لا وأبي " . فقال رجل من خلف : " لا تحلفوا بآبائكم"،فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( لو أن أحدكم حلف بالمسيح هلك والمسيح خير من آبائكم)) .
قال الحافظ : وهذا مرسل يتقوى بشواهده .
3-وعند الترمذي من وجه آخر عن ابن عمر : أنه سمع رجلاً يقول : " لا والكعبة " فقال: لا تحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) .
قال الترمذي : حسن وصححه الحاكم .
4- وقال النووي :قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( لأن أحلف بالله مائة مرة فآثم خير من أن أحلف بغيره فأبر) .
5- وروى عبد الرزاق عن الثوري عن أبي سلمة عن وبرة قال: قال عبدالله : - لا أدري ابن مسعود أو ابن عمر - : ( لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقاً ) . اهـ ( ج8 ص469 من المنصف )91.
قال الهيثمي : ورواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. ( ج4 ص )177.
وقال العلماء: السر في النهي عن الحلف بغير الله ؛ أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده .
وقال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز لأحد الحلف بها وجزم غيره بالتفصيل فقال فإن اعتقد في المحلوف به من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به وكان بذلك كافراً وعلى هذا يتنزل حديث الترمذي المذكور .
وأما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه .
قال الماوردي : لا يجوز لأحد أن يحلف أحدا بغير الله لا بطلاق ولا عتاق ولا نذر وإذا حلف الحاكم أحداً بشيء من ذلك وجب عزله لجهله . اهـ
وهذا هو سبب الاستشكال المذكور آنفاً حول كلمة "لعمري" وفي ضمن البحث قلت : إن لفظ "لعمري" ليس يميناً شرعياً ، بل هو يمين لغوية :
أ- لخلوه من حروف القسم المعروفة المحصورة في الواو والباء والتاء.
ب- ولعدم الكفارة على من أقسم بها .
هذا مع ثبوت الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم نطق بها ، وصح عن بعض أصحابه رضي الله عنهم التفوه بها ، منهم :
ابن عباس ، وعثمان ابن أبي العاص ، وعائشة أم المؤمنين ، وأسماء بنت أبي بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة ابن الجراح ، وغيرهم رضي الله عنهم ،
وكذلك صح عن التابعين لهم بإحسان استعمالها ، منهم : عطاء ، وقتادة ، وغيرهما كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى ،
ولم يثبت عن أحد حسب الاستقراء مخالفتهم ، إلا ما حُكي عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي .
قال عبد الرزاق :اخبرنا معمر عن مغيرة عن إبراهيم أنه كان يكره "لعمرك" ولا يرى بـ"لعمري " بأساً.
قال معمر : وكان الحسن يقول : لا بأس بـ"وأيم الله"، ويقول قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأيم الذي نفسي بيده" .اهـ ( ج8 ص469- 471).
وهما محجوجان بالنصوص الواردة في جوازالتكلم بها إن لم نحمل قولهما على عدم بلوغ النصوص إليهما ، وهذا هو الأظهر المظنون بمثلهما أو على أنهم امنعا ذلك سداً للذريعة .
وأما قياس إبراهيم النخعي هذه الكلمة "لعمري"على قولك لإنسان "وحياتي" فقياس مع فارق ، وهو باطل - كما هو معروف في فن الأصول - ؛ لأن الأخيرة معها واحد من حروف القسم التي أجمع على أنها صريحة في اليمين بخلاف تلك أي " لعمري "فإن اللام فيه ليست من أدوات القسم لما تقدم. بل مثل هذه اللفظة تعتبر جرياً على رسم اللغة تذكر لتأكيد مضمون الكلام وترويجه فقط لأنه أقوى من سائر المؤكدات وأسلم من التأكيد بالقسم بالله لوجوب البر به , وليس الغرض فيه اليمين الشرعي ، فصورة القسم على هذا الوجه المذكور لا بأس به ، ولهذا شاع بين المسلمين استعمالها.
وقد قال النووي في شرحه على حديث مسلم والدارمي وأبي داود ؛أعني حديث إسماعيل بن جعفر قال مسلم النيسابوري القشيري في صحيحه : حدثني يحيى بن جعفر ، قال مسلم النيسابوري القشيري في صحيحه : حدثني يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد جميعاً عن إسماعيل بن جعفر ، عن أبي سهيل عن أبيه ، واسم أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ، ونافع هذا عم مالك بن أنس الإمام وهو تابعي سمى أنس بن مالك عن طلحة بن عبيد الله: (( أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دويَّ صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خمس صلوات في اليوم والليلة ، فقال: هل عليّ غيرهن ؟ قال : لا إلا أن تطوع ، وصيام شهر رمضان , فقال : هل عليّ غيره ؟ قال : لا إلا أن تطوع ، وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة ،فقال : هل عليّ غيرها ؟ قال : لا إلا أن تطوع , فأدبر الرجل وهو يقول : لا أزيد على هذا ولا أنقص منه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح وأبيه أو دخل الجنة وأبيه إن صدق)) .
وقال الحافظ محيى الدين النووي في شرحه : هذا مما جرت عادتهم أن يسألوا عن الجواب عنه مع قوله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ))
وجوابه أن قوله صلى الله عليه وسلم: (( أفلح وأبيه )) ليس حلفاً إنما هوكلمة جرت عادة العرب أن تدخلها في كلامها غير قاصدة بها حقيقة الحلف ، والنهي إنما ورد فيمن قصد حقيقة الحلف لما فيه من إعظام المحلوف به ومضاهاته به ومضاهاته به الله سبحانه وتعالى فهذا هو الجواب المرضي ، وقيل : يحتمل أن يكون هذا قبل النهي عن الحلف بغير الله تعالى والله أعلم . اهـ
وقد نقل الحافظ ابن حجر كلام النووي هذا وزاد :" ولأبي داود مثل رواية مسلم لكن بحذف (أو) في قوله: " أفلح وأبيه إن صدق ودخل الجنة وأبيه إن صدق ".
ثم قال: " إن هذه كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف كما جرت على لسانهم
(عقرى وحلقى) وما أشبه ذلك أو فيه إضمار اسم الرب. وكأنه قال ورب أبيه , وقيل : هو خاص به صلى الله عليه وسلم ويحتاج هذا القول إلى دليل وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه قال هو تصحيف ، وإنما كان والله فقصرت اللامان واستنكر القرطبي هذا وقال إنه يجزم الثقة بالرواية الصحيحة وغفل القرافي فادعى أن الرواية بلفظ " وأبيه " لم تصح لأنها ليست في الموطأ وكأنه لم يرتض الجواب فعدل إلى رد الخبر وهو صحيح لا مرية فيه " .
قال البيهقي: " وأما الذي روينا في كتاب الصلاة عن طلحة بن عبيد الله في قصة الأعرابي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أفلح وأبيه إن صدق ". فيحتمل أن يكون هذا القول منه صلى الله عليه وسلم قبل النهي , ويحتمل أن يكون جرى ذلك منه على عادة الكلام الجاري على الألسن وهو لا يقصد به القسم كلغو اليمين المعفو عنه . ويحتمل أن يكون النهي إنما وقع عنه إذا كان منه على وجه التوقير والتعظيم لحقه دون ما كان بخلافه ولم يكن ذلك منه على وجه التعظيم بل كان على وجه التوكيد .
ويحتمل أنه كان صلى الله عليه وسلم أضمر فيه اسم الله تعالى كأنه قال لا ورب أبيه وغيره لا يضمر بل يذهب فيه مذهب التعظيم لأبيه ". قال السهيلي في روض الأنف ج6 ص548 غزوة خيبر حول شرح " فاغفر فداء لك ما أبقينا " بعنوان " استعمال الكلمة في غير موضعها " قال في ذلك" : فرب كلمة ترك أصلها واستعملت كالمثل في غير ما وضعت له أولا كما جاءوا بلفظ القسم في غير موضع القسم إذا أرادوا تعجباً واستعظاماً لأمر كقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الأعرابي من رواية إسماعيل بن جعفر: "أفلح وأبيه إن صدق" ومحال أن يقصد صلى الله عليه وسلم القسم بغير الله تبارك وتعالى لا سيما برجل مات عليه الكفر وإنما هو تعجب من قول الأعرابي والمتعجب منه مستعظم ولفظ القسم في أصل وضعه لما يعظم فاتسع في اللفظ على هذا الوجه قال الشاعر:
فإن تك ليلى استودعتني أمانة * * * فلا وأبي أعدائها لا أخونها
لم يرد أن يقسم بأبي أعدائها ولكنه ضرب من التعجب وقد ذهب أكثر شراح الحديث إلى النسخ في قوله : " أفلح وأبيه " قالوا نسخه قوله : " لا تحلفوا بآبائكم " وهذا قول لا يصح لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحلف قبل النسخ بغير الله ويقسم بقوم كفار وما أبعد هذا من شيمته صلى الله عليه وسلم تالله مافعل هذا قط ولا كان له بخلق، وقال قوم رواية إسماعيل بن جعفر مصحفة وإنما هو "أفلح والله إن صدق"وهذا أيضاً منكر من القول واعتراض على الإثبات العدول فيما حفظوا. وقدخرج مسلم في كتاب الزكاة قوله عليه الصلاة والسلام لرجل سأله أي الصدقة أفضل فقال :"وأبيك لأنبئنك أو قال لأخبرنك "وذكر الحديث. وخرج في كتاب البر والصلة قوله لرجل سأله: "من أحق الناس بأن أبره؟ أو قال: "أصله فقال وأبيك لأنبئك صل أمك " الحديث .
فقال: " في هذه الأحاديث كما ترى "وأبيك" فلم يأت إسماعيل بن جعفر إذا في روايته بشيء أمر ولا بقول بدع. وقد حمل عليه في روايته رجل من علماء بلادنا وعظماء محدثيها يعني الحافظ بن عبد البر وغفل عفا الله عنه عن الحديثين اللذين تقدم ذكرهما وقد خرجهما مسلم بن الحجاج وفي تراجم أبي داود في كتاب الإيمان في مصنفه ما يدل على أنه كان يذهب إلى قول من قال بالنسخ وأن القسم بالآباء كان جائزاً. والذي ذكرناه ليس في باب الحلف بالآباء كما قدمنا ولا قال في الحديث وأبي،وإنما قال وأبيه أو وأبيك بالإضافة إلى ضمير المخاطب أو الغائب وبهذا الشرط يخرج عن معنى الحلف إلى معنى التعجب الذي ذكرناه هكذا في الروض الآنف ج6 ص548 في غزوة خيبر الطبعة الأخيرة .
وقال الحافظ: "وأقوى الأجوبة الأولان وهما أن هذا كان قبل النهي أو أنها كلمة جارية على اللسان كما تقدم في كلام النووي. وكونه منسوخاً أصح لحديث عمر وابنه " .
فصلٌ في ذكر بعض ما ورد في هذه الكلمة مرفوعاً وموقوفاً ومقطوعاً
فهاك أيها القارئ الطالب للحق بعض ما ورد في هذه الكلمة مرفوعاً أسرده لك بعدما مهدت به على هذه المسألة ولقد فتشت وسألت عمن ألف في خصوصيتها فلم أجد من قرع بابها قبل قلمي هذا .
فأقول وبالله التوفيق : (الأحاديث المرفوعة) في المسألة قولاً وتقريراً من الشارع صلى الله عليه وسلم:
1-قال أبو داود سليمان بن الأشعث في سننه : حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي ثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن خارجة بن الصلت عن عمه بن صحار التميمي أنه مر بقوم فأتوه فقالوا إنك جئت من عند هذا الرجل بخير فارْقِ لنا هذا الرجل فأتوه برجل معتوه في القيود فرقاه بأم القرآن ثلاثة أيام غدوة وعشية وكلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل فكأنما أنشط من عقال فأعطوه شيئاً ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسل :
(( كل ، فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق)) .
2- وقال أبو داود أيضا في سننه : حدثنا عبد الله بن مسلمة عبد مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال :
نزلت وأنا وأهلي ببقيع الغرقد ، فقال لي أهلي : اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله لنا شيئاً نأكله ، فجعلوا يذكرون من حاجتهم ، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلاً يسأله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( لا أجد ما أعطيك )) فتولى الرجل وهو مغضب وهو يقول : " لعمري إنك لتعطي من شئت " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يغضب عليّ أن لا أجد ما أعطيه، من سأل منكم وله أوقية أو عد لها فقد سأل إلحافا)) .
قال الأسدي : فقلت للقحة لنا خير من أوقية ، - والأوقية أربعون درهماً - ، قال : فرجعت ولم أسأله فقدم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شعير أو زبيب فقسم لنا منه أو كما قال حتى أغنانا الله عز وجل .
قال أبو داود : هكذا روى الثوري كما قال مالك . اهـ
بـقلم: فضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري
المدرس بالجامعة الإسلامية
( مجلة الجامعة الإسلامية / العدد 26 (
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.وبعد:
فلقد جرى بيني وبين بعض الإخوان بحث مهم حول زعم النحويين إن كلمة" لعمري" نص في اليمين كما قال ابن مالك في ألفيته :
وبعد لولا غالباً حذف الخبر * * *وفي نص يمين ذا استقر
وأثارت هذه الدعوى بيننا استشكالاً عميقاً لأنها لا تتلاءم مع نهي الشارع عن الحلف بغير الله على القول بأنها يمين شرعاً ، لما ثبت في :
1-حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عند الشيخين ، قال البخاري : حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يسير في ركب يحلف بأبيه ، فقال: (( ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)) .
2-وعند ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق عكرمة، قال : قال عمر: ((حدثت قوماً حديثاً فقلت " لا وأبي " . فقال رجل من خلف : " لا تحلفوا بآبائكم"،فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( لو أن أحدكم حلف بالمسيح هلك والمسيح خير من آبائكم)) .
قال الحافظ : وهذا مرسل يتقوى بشواهده .
3-وعند الترمذي من وجه آخر عن ابن عمر : أنه سمع رجلاً يقول : " لا والكعبة " فقال: لا تحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) .
قال الترمذي : حسن وصححه الحاكم .
4- وقال النووي :قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( لأن أحلف بالله مائة مرة فآثم خير من أن أحلف بغيره فأبر) .
5- وروى عبد الرزاق عن الثوري عن أبي سلمة عن وبرة قال: قال عبدالله : - لا أدري ابن مسعود أو ابن عمر - : ( لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقاً ) . اهـ ( ج8 ص469 من المنصف )91.
قال الهيثمي : ورواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. ( ج4 ص )177.
وقال العلماء: السر في النهي عن الحلف بغير الله ؛ أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده .
وقال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز لأحد الحلف بها وجزم غيره بالتفصيل فقال فإن اعتقد في المحلوف به من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به وكان بذلك كافراً وعلى هذا يتنزل حديث الترمذي المذكور .
وأما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه .
قال الماوردي : لا يجوز لأحد أن يحلف أحدا بغير الله لا بطلاق ولا عتاق ولا نذر وإذا حلف الحاكم أحداً بشيء من ذلك وجب عزله لجهله . اهـ
وهذا هو سبب الاستشكال المذكور آنفاً حول كلمة "لعمري" وفي ضمن البحث قلت : إن لفظ "لعمري" ليس يميناً شرعياً ، بل هو يمين لغوية :
أ- لخلوه من حروف القسم المعروفة المحصورة في الواو والباء والتاء.
ب- ولعدم الكفارة على من أقسم بها .
هذا مع ثبوت الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم نطق بها ، وصح عن بعض أصحابه رضي الله عنهم التفوه بها ، منهم :
ابن عباس ، وعثمان ابن أبي العاص ، وعائشة أم المؤمنين ، وأسماء بنت أبي بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة ابن الجراح ، وغيرهم رضي الله عنهم ،
وكذلك صح عن التابعين لهم بإحسان استعمالها ، منهم : عطاء ، وقتادة ، وغيرهما كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى ،
ولم يثبت عن أحد حسب الاستقراء مخالفتهم ، إلا ما حُكي عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي .
قال عبد الرزاق :اخبرنا معمر عن مغيرة عن إبراهيم أنه كان يكره "لعمرك" ولا يرى بـ"لعمري " بأساً.
قال معمر : وكان الحسن يقول : لا بأس بـ"وأيم الله"، ويقول قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأيم الذي نفسي بيده" .اهـ ( ج8 ص469- 471).
وهما محجوجان بالنصوص الواردة في جوازالتكلم بها إن لم نحمل قولهما على عدم بلوغ النصوص إليهما ، وهذا هو الأظهر المظنون بمثلهما أو على أنهم امنعا ذلك سداً للذريعة .
وأما قياس إبراهيم النخعي هذه الكلمة "لعمري"على قولك لإنسان "وحياتي" فقياس مع فارق ، وهو باطل - كما هو معروف في فن الأصول - ؛ لأن الأخيرة معها واحد من حروف القسم التي أجمع على أنها صريحة في اليمين بخلاف تلك أي " لعمري "فإن اللام فيه ليست من أدوات القسم لما تقدم. بل مثل هذه اللفظة تعتبر جرياً على رسم اللغة تذكر لتأكيد مضمون الكلام وترويجه فقط لأنه أقوى من سائر المؤكدات وأسلم من التأكيد بالقسم بالله لوجوب البر به , وليس الغرض فيه اليمين الشرعي ، فصورة القسم على هذا الوجه المذكور لا بأس به ، ولهذا شاع بين المسلمين استعمالها.
وقد قال النووي في شرحه على حديث مسلم والدارمي وأبي داود ؛أعني حديث إسماعيل بن جعفر قال مسلم النيسابوري القشيري في صحيحه : حدثني يحيى بن جعفر ، قال مسلم النيسابوري القشيري في صحيحه : حدثني يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد جميعاً عن إسماعيل بن جعفر ، عن أبي سهيل عن أبيه ، واسم أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ، ونافع هذا عم مالك بن أنس الإمام وهو تابعي سمى أنس بن مالك عن طلحة بن عبيد الله: (( أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دويَّ صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خمس صلوات في اليوم والليلة ، فقال: هل عليّ غيرهن ؟ قال : لا إلا أن تطوع ، وصيام شهر رمضان , فقال : هل عليّ غيره ؟ قال : لا إلا أن تطوع ، وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة ،فقال : هل عليّ غيرها ؟ قال : لا إلا أن تطوع , فأدبر الرجل وهو يقول : لا أزيد على هذا ولا أنقص منه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح وأبيه أو دخل الجنة وأبيه إن صدق)) .
وقال الحافظ محيى الدين النووي في شرحه : هذا مما جرت عادتهم أن يسألوا عن الجواب عنه مع قوله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ))
وجوابه أن قوله صلى الله عليه وسلم: (( أفلح وأبيه )) ليس حلفاً إنما هوكلمة جرت عادة العرب أن تدخلها في كلامها غير قاصدة بها حقيقة الحلف ، والنهي إنما ورد فيمن قصد حقيقة الحلف لما فيه من إعظام المحلوف به ومضاهاته به ومضاهاته به الله سبحانه وتعالى فهذا هو الجواب المرضي ، وقيل : يحتمل أن يكون هذا قبل النهي عن الحلف بغير الله تعالى والله أعلم . اهـ
وقد نقل الحافظ ابن حجر كلام النووي هذا وزاد :" ولأبي داود مثل رواية مسلم لكن بحذف (أو) في قوله: " أفلح وأبيه إن صدق ودخل الجنة وأبيه إن صدق ".
ثم قال: " إن هذه كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف كما جرت على لسانهم
(عقرى وحلقى) وما أشبه ذلك أو فيه إضمار اسم الرب. وكأنه قال ورب أبيه , وقيل : هو خاص به صلى الله عليه وسلم ويحتاج هذا القول إلى دليل وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه قال هو تصحيف ، وإنما كان والله فقصرت اللامان واستنكر القرطبي هذا وقال إنه يجزم الثقة بالرواية الصحيحة وغفل القرافي فادعى أن الرواية بلفظ " وأبيه " لم تصح لأنها ليست في الموطأ وكأنه لم يرتض الجواب فعدل إلى رد الخبر وهو صحيح لا مرية فيه " .
قال البيهقي: " وأما الذي روينا في كتاب الصلاة عن طلحة بن عبيد الله في قصة الأعرابي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أفلح وأبيه إن صدق ". فيحتمل أن يكون هذا القول منه صلى الله عليه وسلم قبل النهي , ويحتمل أن يكون جرى ذلك منه على عادة الكلام الجاري على الألسن وهو لا يقصد به القسم كلغو اليمين المعفو عنه . ويحتمل أن يكون النهي إنما وقع عنه إذا كان منه على وجه التوقير والتعظيم لحقه دون ما كان بخلافه ولم يكن ذلك منه على وجه التعظيم بل كان على وجه التوكيد .
ويحتمل أنه كان صلى الله عليه وسلم أضمر فيه اسم الله تعالى كأنه قال لا ورب أبيه وغيره لا يضمر بل يذهب فيه مذهب التعظيم لأبيه ". قال السهيلي في روض الأنف ج6 ص548 غزوة خيبر حول شرح " فاغفر فداء لك ما أبقينا " بعنوان " استعمال الكلمة في غير موضعها " قال في ذلك" : فرب كلمة ترك أصلها واستعملت كالمثل في غير ما وضعت له أولا كما جاءوا بلفظ القسم في غير موضع القسم إذا أرادوا تعجباً واستعظاماً لأمر كقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الأعرابي من رواية إسماعيل بن جعفر: "أفلح وأبيه إن صدق" ومحال أن يقصد صلى الله عليه وسلم القسم بغير الله تبارك وتعالى لا سيما برجل مات عليه الكفر وإنما هو تعجب من قول الأعرابي والمتعجب منه مستعظم ولفظ القسم في أصل وضعه لما يعظم فاتسع في اللفظ على هذا الوجه قال الشاعر:
فإن تك ليلى استودعتني أمانة * * * فلا وأبي أعدائها لا أخونها
لم يرد أن يقسم بأبي أعدائها ولكنه ضرب من التعجب وقد ذهب أكثر شراح الحديث إلى النسخ في قوله : " أفلح وأبيه " قالوا نسخه قوله : " لا تحلفوا بآبائكم " وهذا قول لا يصح لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحلف قبل النسخ بغير الله ويقسم بقوم كفار وما أبعد هذا من شيمته صلى الله عليه وسلم تالله مافعل هذا قط ولا كان له بخلق، وقال قوم رواية إسماعيل بن جعفر مصحفة وإنما هو "أفلح والله إن صدق"وهذا أيضاً منكر من القول واعتراض على الإثبات العدول فيما حفظوا. وقدخرج مسلم في كتاب الزكاة قوله عليه الصلاة والسلام لرجل سأله أي الصدقة أفضل فقال :"وأبيك لأنبئنك أو قال لأخبرنك "وذكر الحديث. وخرج في كتاب البر والصلة قوله لرجل سأله: "من أحق الناس بأن أبره؟ أو قال: "أصله فقال وأبيك لأنبئك صل أمك " الحديث .
فقال: " في هذه الأحاديث كما ترى "وأبيك" فلم يأت إسماعيل بن جعفر إذا في روايته بشيء أمر ولا بقول بدع. وقد حمل عليه في روايته رجل من علماء بلادنا وعظماء محدثيها يعني الحافظ بن عبد البر وغفل عفا الله عنه عن الحديثين اللذين تقدم ذكرهما وقد خرجهما مسلم بن الحجاج وفي تراجم أبي داود في كتاب الإيمان في مصنفه ما يدل على أنه كان يذهب إلى قول من قال بالنسخ وأن القسم بالآباء كان جائزاً. والذي ذكرناه ليس في باب الحلف بالآباء كما قدمنا ولا قال في الحديث وأبي،وإنما قال وأبيه أو وأبيك بالإضافة إلى ضمير المخاطب أو الغائب وبهذا الشرط يخرج عن معنى الحلف إلى معنى التعجب الذي ذكرناه هكذا في الروض الآنف ج6 ص548 في غزوة خيبر الطبعة الأخيرة .
وقال الحافظ: "وأقوى الأجوبة الأولان وهما أن هذا كان قبل النهي أو أنها كلمة جارية على اللسان كما تقدم في كلام النووي. وكونه منسوخاً أصح لحديث عمر وابنه " .
فصلٌ في ذكر بعض ما ورد في هذه الكلمة مرفوعاً وموقوفاً ومقطوعاً
فهاك أيها القارئ الطالب للحق بعض ما ورد في هذه الكلمة مرفوعاً أسرده لك بعدما مهدت به على هذه المسألة ولقد فتشت وسألت عمن ألف في خصوصيتها فلم أجد من قرع بابها قبل قلمي هذا .
فأقول وبالله التوفيق : (الأحاديث المرفوعة) في المسألة قولاً وتقريراً من الشارع صلى الله عليه وسلم:
1-قال أبو داود سليمان بن الأشعث في سننه : حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي ثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن خارجة بن الصلت عن عمه بن صحار التميمي أنه مر بقوم فأتوه فقالوا إنك جئت من عند هذا الرجل بخير فارْقِ لنا هذا الرجل فأتوه برجل معتوه في القيود فرقاه بأم القرآن ثلاثة أيام غدوة وعشية وكلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل فكأنما أنشط من عقال فأعطوه شيئاً ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسل :
(( كل ، فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق)) .
2- وقال أبو داود أيضا في سننه : حدثنا عبد الله بن مسلمة عبد مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال :
نزلت وأنا وأهلي ببقيع الغرقد ، فقال لي أهلي : اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله لنا شيئاً نأكله ، فجعلوا يذكرون من حاجتهم ، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلاً يسأله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( لا أجد ما أعطيك )) فتولى الرجل وهو مغضب وهو يقول : " لعمري إنك لتعطي من شئت " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يغضب عليّ أن لا أجد ما أعطيه، من سأل منكم وله أوقية أو عد لها فقد سأل إلحافا)) .
قال الأسدي : فقلت للقحة لنا خير من أوقية ، - والأوقية أربعون درهماً - ، قال : فرجعت ولم أسأله فقدم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شعير أو زبيب فقسم لنا منه أو كما قال حتى أغنانا الله عز وجل .
قال أبو داود : هكذا روى الثوري كما قال مالك . اهـ