أكرم بن نجيب التونسي
06-28-2010, 10:33 PM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال الإمام البخاري[ ح 1934 ] حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال : أخبرني أخي ، عن سليمان، عن محمد بن أبي عتيق، عن ابن شهاب، عن علي بن الحسين رضي الله عنهما : أن صفية أخبرته. وحدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان قال: سمعت الزهري يخبر عن علي بن الحسين:
أن صفية رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، فلما رجعت مشى معها، فأبصره رجل من الأنصار، فلما أبصره دعاه، فقال: [ تعال، هي صفية ]. وربما قال سفيان: [ هذه صفية ، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ]. قلت لسفيان: أتته ليلا؟. قال: وهل هو إلا ليل.
قال الحافظ في الفتح [ 4/280] : " وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن والاحتفاظ من كيد الشيطان والاعتذار"
أقول : وكذا قال العيني في عمدة القاري ، والنووي في المنهاج .
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم يدرأ عن نفسه سوء الظن ، وصحابته هم أطهر أتباع الأنبياء قلوباً وأبعدهم عن إساءة الظن في أنبيائهم ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال .
فكيف بمن يعرض نفسه للريبة بصحبته لأهل البدع والأصل هجرانهم واجتناب صحبتهم فهذه مفسدة عظيمة لا يتنبه لها كثيرون ممن اقتحم هذا المسلك الوعر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى [ 15/ 376]:"وجاء حسن بن الرازي إلى أحمد ومعه غلام حسن الوجه فتحدث معه ساعة فلما أراد أن ينصرف قال له أحمد يا أبا علي لا تمش مع هذا الغلام في طريق فقال يا أبا عبد الله أنه ابن أختي . قال وإن كان لا يأثم الناس فيك ".
أقول: أرادالإمام أحمد بقوله : " لا يأثم الناس فيك " ، أي لا يراك العامة تصاحب هذا الحدث فيستدلوا على جواز ذلك بفعلك لأنك من أهل العلم فيفعلونه على وجهٍ غير مشروع ، وإن كنت أنت في نفسك فعلته على وجهٍ تحسب أنه مشروع.
وهذا فقهٌ عميق من هذا الإمام ، والشيء من معدنه لا يستغرب ، ومثل هذا من يجالس أهل البدع على وجهٍ يرى أنه لا يأثم فيه لأنه يناصحهم ويرى أن عنده القدرة العلمية على ذلك ،ولكنه إن لم يظهر هذه المناصحة للعامة اغتر الناس بمخالطته لهذا المبتدع فخالطوه ،فلا بد هنا من ترجيح المصالح وتطويح القبائح ، وخصوصاً أن مصلحة المناصحة يمكن تحصيلها بالمكاتبة وهذه طريقة سالمةٌ من المفاسد .
أو أنه أراد [ لا يغتابك الناس حيث رأوك في موطن ريبة ] ، وهذا التفسير يشترك مع التفسير الأول في اعتبار المفسدة المتوقعة إذا كانت قوية الورود فأي التفسيرين اخترت فإنه دالٌ على أخيه من جهة الإشتراك في المعنى.
وقال العلامة ابن عثيمين في شرح حلية طالب العلم [ ص127 ط دار الضياء ] : "ربما يكون العالم عنده اتقان وعنده سعة علم وعنده قدرة على التفريع وعلى التقسيم وعلى كل شيء ، ولكن ليس عنده أمانة ، فربما أضلك من حيث لا تشعر " .
قلت : هذا وصف أهل البدع فمن يأتمنهم على دينه ، فليتفطن لهذا من يوصي المبتدئين الذين لا يحفظون ثلاثة الأصول بالدراسة عند أهل البدع !.
وأما الذي بلغ مبلغاً من العلم فبالغالب يكون قد أغناه الله عز وجل عنهم بعلماء أهل السنة.
وهذا لأن الأصل كل خيرٍ في غير أهل الحديث فهو فيهم أعظم .
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى [18/52] : " لكنهم - يعني أهل الحديث - بالنسبة إلى غيرهم في ذلك كالمسلمين بالنسبة إلى بقية الملل فكل شر في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعظم وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم"
قال مروان بن محمد الطاطري [ كما في ترتيب المدارك للقاضي عياض ] : " ثلاثة لا يؤتمنون في دين: الصوفي والقصاص ومبتدع يرد على أهل الأهواء"
قلت : فكيف بمبتدع يدرس المتون وربما أدخل فيها ما أدخل من سمومه .
وقال العلامةابن عثيمين في [ شرح الحلية 208 ط دار الضياء ]: " ظاهر كلام الشيخ - يعني بكر - أننا لا نجلس إليه - يعني المبتدع - لأن ذلك يوجب مفسدتين:
المفسدةالأولى : اغتراره بنفسه ، فيحسب أنه على حق.
المفسدةالثانية : اغترار الناس به ، حيث يتوارد عليه الناس وطلبة العلم ويتلقون منه ،والعامي لا يفرق بين علم النحو وعلم العقيدة.
لهذا نرى أن الإنسان لا يجلس إلى أهل البدع والأهواء مطلقاً ، حتى إن كان لا يجد علم العربية والبلاغة والصرف إلا فيهم ، فسيجعل الله له خيراً منه ، لأننا كوننا نأتي لهؤلاءونتردد إليهم لا شك أنه يوجب غرورهم واغترار الناس بهم "
أقول : هذا هو فقه تقدير المصالح والمفاسد كما ينبغي لا فقه الغلاة في المصلحة الذين إذا رأوا ما فيه مصلحة سارعوا إلى القول بمشروعيته دون النظر لما يقترن بذلك من المفاسد ، ثم يسمون ذلك [ ترجيح المصالح] !.
وقال عبدالرزاق في [ المصنف 20436] عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : أول من أتهم بالأمر القبيح تعني عمل قوم لوط على عهد عمر فأمر عمر بعض شباب قريش ألا يجالسوه .
أقول : في هذا الأثر الصحيح ، أمر من يتضرر بمجالسة بعض الناس بترك مجالستهم وإن لم يكونوا من الذين يجب على الجميع هجرهم بل إن الأمر تناول [ بعض شباب قريش ] لأنهم قد يتضررون بصحبته، وفيه أيضاً أن الإتهام وإن لم يثبت فيه العقوبة الشرعية قضاءً ، إلى انه إذا كان قوياً فإنه يعمل به في باب المعاملة ، وفيه التفريق بين الهجر الوقائي والهجرالتعزيري فإن هذا الرجل ليس في الأثر ما يدل على أن ذلك ثبت عنه حتى يعزر بل غايةما فيه أنه [ اتهم].
فأين هذا الفقه العمري العميق ، من فقه من يخاطب الشباب السلفي بالدارسة عند المخالفين دونما قيودٍ وضوابط؟!
قال الإمام مسلم في [ مقدمة صحيحه 1/20]: حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح حدثنا إسماعيل بن زكرياء عن عاصم الأحول عن ابن سيرين قال لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلايؤخذ حديثهم.
أقول : في هذا أن علم الجرح والتعديل ، إنما ظهر أول ما ظهر في أهل البدع ، وكان لإخماد ذكرهم ،ولهذا تجد عامة المصنفين في الضعفاء يذكرون أهل البدع وإن كانوا في أنفسهم مستقيمي الرواية.
قال الإمام البخاري في [ الضعفاء له ] : "أيوب بن عائذ الطائي سمع الشعبي وقيس بن مسلم روى عنه بن عيينة كان يرى الإرجاء وهو صدوق "
قلت : فانظركيف ذكره في الضعفاء مع أنه صدوق ، لبدعةٍ كانت فيه ، وقد خرج له حديثاً واحداً في الصحيح.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد :
قال الإمام البخاري[ ح 1934 ] حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال : أخبرني أخي ، عن سليمان، عن محمد بن أبي عتيق، عن ابن شهاب، عن علي بن الحسين رضي الله عنهما : أن صفية أخبرته. وحدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان قال: سمعت الزهري يخبر عن علي بن الحسين:
أن صفية رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، فلما رجعت مشى معها، فأبصره رجل من الأنصار، فلما أبصره دعاه، فقال: [ تعال، هي صفية ]. وربما قال سفيان: [ هذه صفية ، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ]. قلت لسفيان: أتته ليلا؟. قال: وهل هو إلا ليل.
قال الحافظ في الفتح [ 4/280] : " وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن والاحتفاظ من كيد الشيطان والاعتذار"
أقول : وكذا قال العيني في عمدة القاري ، والنووي في المنهاج .
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم يدرأ عن نفسه سوء الظن ، وصحابته هم أطهر أتباع الأنبياء قلوباً وأبعدهم عن إساءة الظن في أنبيائهم ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال .
فكيف بمن يعرض نفسه للريبة بصحبته لأهل البدع والأصل هجرانهم واجتناب صحبتهم فهذه مفسدة عظيمة لا يتنبه لها كثيرون ممن اقتحم هذا المسلك الوعر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى [ 15/ 376]:"وجاء حسن بن الرازي إلى أحمد ومعه غلام حسن الوجه فتحدث معه ساعة فلما أراد أن ينصرف قال له أحمد يا أبا علي لا تمش مع هذا الغلام في طريق فقال يا أبا عبد الله أنه ابن أختي . قال وإن كان لا يأثم الناس فيك ".
أقول: أرادالإمام أحمد بقوله : " لا يأثم الناس فيك " ، أي لا يراك العامة تصاحب هذا الحدث فيستدلوا على جواز ذلك بفعلك لأنك من أهل العلم فيفعلونه على وجهٍ غير مشروع ، وإن كنت أنت في نفسك فعلته على وجهٍ تحسب أنه مشروع.
وهذا فقهٌ عميق من هذا الإمام ، والشيء من معدنه لا يستغرب ، ومثل هذا من يجالس أهل البدع على وجهٍ يرى أنه لا يأثم فيه لأنه يناصحهم ويرى أن عنده القدرة العلمية على ذلك ،ولكنه إن لم يظهر هذه المناصحة للعامة اغتر الناس بمخالطته لهذا المبتدع فخالطوه ،فلا بد هنا من ترجيح المصالح وتطويح القبائح ، وخصوصاً أن مصلحة المناصحة يمكن تحصيلها بالمكاتبة وهذه طريقة سالمةٌ من المفاسد .
أو أنه أراد [ لا يغتابك الناس حيث رأوك في موطن ريبة ] ، وهذا التفسير يشترك مع التفسير الأول في اعتبار المفسدة المتوقعة إذا كانت قوية الورود فأي التفسيرين اخترت فإنه دالٌ على أخيه من جهة الإشتراك في المعنى.
وقال العلامة ابن عثيمين في شرح حلية طالب العلم [ ص127 ط دار الضياء ] : "ربما يكون العالم عنده اتقان وعنده سعة علم وعنده قدرة على التفريع وعلى التقسيم وعلى كل شيء ، ولكن ليس عنده أمانة ، فربما أضلك من حيث لا تشعر " .
قلت : هذا وصف أهل البدع فمن يأتمنهم على دينه ، فليتفطن لهذا من يوصي المبتدئين الذين لا يحفظون ثلاثة الأصول بالدراسة عند أهل البدع !.
وأما الذي بلغ مبلغاً من العلم فبالغالب يكون قد أغناه الله عز وجل عنهم بعلماء أهل السنة.
وهذا لأن الأصل كل خيرٍ في غير أهل الحديث فهو فيهم أعظم .
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى [18/52] : " لكنهم - يعني أهل الحديث - بالنسبة إلى غيرهم في ذلك كالمسلمين بالنسبة إلى بقية الملل فكل شر في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعظم وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم"
قال مروان بن محمد الطاطري [ كما في ترتيب المدارك للقاضي عياض ] : " ثلاثة لا يؤتمنون في دين: الصوفي والقصاص ومبتدع يرد على أهل الأهواء"
قلت : فكيف بمبتدع يدرس المتون وربما أدخل فيها ما أدخل من سمومه .
وقال العلامةابن عثيمين في [ شرح الحلية 208 ط دار الضياء ]: " ظاهر كلام الشيخ - يعني بكر - أننا لا نجلس إليه - يعني المبتدع - لأن ذلك يوجب مفسدتين:
المفسدةالأولى : اغتراره بنفسه ، فيحسب أنه على حق.
المفسدةالثانية : اغترار الناس به ، حيث يتوارد عليه الناس وطلبة العلم ويتلقون منه ،والعامي لا يفرق بين علم النحو وعلم العقيدة.
لهذا نرى أن الإنسان لا يجلس إلى أهل البدع والأهواء مطلقاً ، حتى إن كان لا يجد علم العربية والبلاغة والصرف إلا فيهم ، فسيجعل الله له خيراً منه ، لأننا كوننا نأتي لهؤلاءونتردد إليهم لا شك أنه يوجب غرورهم واغترار الناس بهم "
أقول : هذا هو فقه تقدير المصالح والمفاسد كما ينبغي لا فقه الغلاة في المصلحة الذين إذا رأوا ما فيه مصلحة سارعوا إلى القول بمشروعيته دون النظر لما يقترن بذلك من المفاسد ، ثم يسمون ذلك [ ترجيح المصالح] !.
وقال عبدالرزاق في [ المصنف 20436] عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : أول من أتهم بالأمر القبيح تعني عمل قوم لوط على عهد عمر فأمر عمر بعض شباب قريش ألا يجالسوه .
أقول : في هذا الأثر الصحيح ، أمر من يتضرر بمجالسة بعض الناس بترك مجالستهم وإن لم يكونوا من الذين يجب على الجميع هجرهم بل إن الأمر تناول [ بعض شباب قريش ] لأنهم قد يتضررون بصحبته، وفيه أيضاً أن الإتهام وإن لم يثبت فيه العقوبة الشرعية قضاءً ، إلى انه إذا كان قوياً فإنه يعمل به في باب المعاملة ، وفيه التفريق بين الهجر الوقائي والهجرالتعزيري فإن هذا الرجل ليس في الأثر ما يدل على أن ذلك ثبت عنه حتى يعزر بل غايةما فيه أنه [ اتهم].
فأين هذا الفقه العمري العميق ، من فقه من يخاطب الشباب السلفي بالدارسة عند المخالفين دونما قيودٍ وضوابط؟!
قال الإمام مسلم في [ مقدمة صحيحه 1/20]: حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح حدثنا إسماعيل بن زكرياء عن عاصم الأحول عن ابن سيرين قال لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلايؤخذ حديثهم.
أقول : في هذا أن علم الجرح والتعديل ، إنما ظهر أول ما ظهر في أهل البدع ، وكان لإخماد ذكرهم ،ولهذا تجد عامة المصنفين في الضعفاء يذكرون أهل البدع وإن كانوا في أنفسهم مستقيمي الرواية.
قال الإمام البخاري في [ الضعفاء له ] : "أيوب بن عائذ الطائي سمع الشعبي وقيس بن مسلم روى عنه بن عيينة كان يرى الإرجاء وهو صدوق "
قلت : فانظركيف ذكره في الضعفاء مع أنه صدوق ، لبدعةٍ كانت فيه ، وقد خرج له حديثاً واحداً في الصحيح.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم