أم جابر السلفية
07-20-2010, 12:21 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(وَاحْفَظُوا أَيّمَانَكُمْ )
خطبة جمعة لسماحة العلامة الوالد عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله تعالى
جامع الإمام تركي بن عبد الله بتاريخ\19\3\1424ه
ملخص الخطبة
الأمر بحفظ اليمين
كيفية حفظ اليمين
الكذب في اليمين من الكبائر
اليمين الغموس
التحذير من أخذ حق الغير باليمين الكاذبة
التحذير من الحلف في البيع والشراء
مفاسد الأيمان الفاجرة
الكذب في اليمين من صفات المنافقين ؟!
تورع السلف من اليمين
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، يقول الله جل وعلا: http://alminbar.al-islam.com/images/start-icon.gifوَٱحْفَظُواْ أَيْمَـٰنَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَhttp://alminbar.al-islam.com/images/end-icon.gif [المائدة:89]، أمر الله عباده بحفظ الأيمان.
حفظُ الأيمان يكون بأمور، فمِن حفظ اليمين ألا تكون متسرعاً فيها، ولا تُوقع اليمينَ إلا على أمرٍ أنت مضطرّ إليه، وعظِّم تلك اليمين بالله تعظيمَ المؤمن حقاً لها، وإذا وقع منك يمين قابلة للكفارة فحافظ على اليمين بأن تؤدي الكفارة إذا أردت مخالفة ما حلفت عليه، يقول http://alminbar.al-islam.com/images/salla-icon.gif: ((إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير))[1] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftn1).
ومن المحافظة على اليمين أن تكون صادقاً في يمينك، بعيداً عن الكذب فيها، وقد ألزم الله المسلمين بالصدق في أيمانهم، وألزم قبول يمين من حلف إذا لم يستبن كذبُه وباطله، يقول صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بالله فليصدُق، ومن حُلِف له بالله فليرضَ، ومن لم يرض فليس منا))[2] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftn2).
أيها المسلمون، إن الكذبَ في الأيمان كبيرة من كبائر الذنوب، موجبةٌ لسخط الله، متوعَّد من أقدم عليها بالنار وحرمان الجنة والعياذ بالله، يقول الله جل وعلا: http://alminbar.al-islam.com/images/start-icon.gifإِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا أُوْلَـئِكَ لاَ خَلَـٰقَ لَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ وَلاَ يُكَلّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَلاَ يُزَكّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌhttp://alminbar.al-islam.com/images/end-icon.gif [آل عمران:77].
أيها المسلم، إذا أردتَ أن تحلفَ فتأكَّد من يمينك، احذر أن تكون يمينُك يمينَ غموس، يمينَ كذبٍ وفجور، يمينَ باطل. إن اليمينَ تعظيمٌ لله، وهل يليق بك أن تعظِّم الله جل وعلا على أمر لا حقيقة له؟! على أمر كذب وافتراء وباطل؟! هذا غير لائق بك ـ أيها المسلم ـ وأنت تعظِّم الله جل وعلا في قلبك، فلا تعظّم الله وأنت فاجر في يمينك، اتق الله في هذه اليمين، لا تستحلَّ بها مالَ امرئ مسلم، لا تنكِر بها حقاً، ولا تؤيِّد بها باطلاً، ولا تنتصر فيها لهوى، وإنما اجعل اليمينَ بالله على الصدق والوضوح، وابتعد عن الكذب والباطل.
والنبي صلى الله عليه وسلم عدَّ اليمينَ الغموس من كبائر الذنوب، فيقول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الكبائر قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس))3 فقرنها بالشرك وعقوق الوالدين، مما يدعو المسلم إلى النفرة عن هذه اليمين الباطلة، وأن تكون يمينه يميناً صادقة.
النبي http://alminbar.al-islam.com/images/salla-icon.gif يقول في اليمين أيضاً: ((من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان))، وتلا النبي http://alminbar.al-islam.com/images/salla-icon.gif هذه الآية: http://alminbar.al-islam.com/images/start-icon.gifإِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا أُوْلَـئِكَ لاَ خَلَـٰقَ لَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ وَلاَ يُكَلّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَلاَ يُزَكّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌhttp://alminbar.al-islam.com/images/end-icon.gif [آل عمران:77] ، هكذا حدث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. دخل الأشعث بن قيس على عبد الله وأصحابه قال: ماذا حدثكم عبد الله؟ فأخبروه فقال: صدق عبد الله، كان بيني وبين رجل خصومة في بئر، فقال النبي http://alminbar.al-islam.com/images/salla-icon.gif: ((شاهداك أو يمينه))، قلت: إذًا ـ يا رسول الله ـ يحلف ولا يبالي، قال: ((من حلف على يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان))[4] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftn4).
وقال http://alminbar.al-islam.com/images/salla-icon.gif في أحد أيام منى وهو بين الجمرتين: ((من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين هو فيها فاجر فقد أوقجب الله له النار)) أو قال: ((فليتبوأ مقعده من النار))، وفي لفظ أنه قال: ((من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق أوجب الله عليه النار وحرم عليه الجنة))، قالوا: يا رسول الله، ولو يسيراً؟! قال: ((ولو قضيباً من أراك))[5] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftn5).
أيها المسلم، يضعف إيمانُ بعض الناسِ أمام هذه اليمين الفاجرة، فيقدم عليها طمعاً في دنيا، وانتصاراً لموقف، ودفاعاً عن إنسان أو قريب أو صديق، يقدم على هذه الأيمان الفاجرة فيظلم نفسه، ويظلم ذلك المسلم، وفوق هذا كذبٌ وافتراء على الله.
أيها المسلم، لا تخدعنَّك الدنيا فتأتي باليمين الفاجرة، فإن النبيصلى الله عليه وسلم يقول: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، ورجلٌ جعل اللهَ بضاعتَه لا يبيع إلا بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه)) 6، بمعنى أنه يحلف على السلعة وهو كاذب: إنَّ قيمتها كذا، هذا إن باع، وإن اشترى حلف أن قيمتَها ليست كذلك، يعني يحلف البائع على قيمة سلعةٍ هو فيها كاذب، ويحلف المشتري أحياناً ضدَّ البائع بيمين هو فيها فاجر، فكلٌ منهما إذا حلف على يمين كذباً وزوراً فإنه داخل في الثلاثة الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
أيها المسلم، اتق الله في اليمين، وإياك أن يضعف إيمانُك أمام هذه اليمين فتطلقها بلا حق وأنت تعلم كذبَ نفسك، لتنصر نفسَك في أي موقف من المواقف. هبْ أنك نلت هذا الأمر وظفرت بهذا الأمر، ولكن من ينجيك من عذاب الله؟! من يخلصك من عذاب الله! (يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلأعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ) [غافر:19]، الخلق يمكن أن يروج عليهم باطلُك، ويخدعهم كذبُك، ويظنون فيك الصدقَ فيما تحلف، ولكن من ينجيك ممن يعلم سرَّك وعلانيتك، ولا يخفى عليه شيء من أمرك؟! فأين الخلاص وربك عالم بكل شيء؟! http://alminbar.al-islam.com/images/start-icon.gifقُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌhttp://alminbar.al-islam.com/images/end-icon.gif [آل عمران:29].
إن الأيمان الفاجرة منفقةٌ للسلعة ممحَقَة للبركة، إنها تضعف الإيمان، إنها سببٌ لحلول العقوبات والنقمات من رب العالمين، فالكاذب الفاجر في يمينه وإن فاز بها وقتاً فلا بد أن تدركه العقوبة وأن يحلَّ به من المصائب ما الله به عليم.
فلنتق الله في أيماننا، ولنحافظ عليها، ولا نجعل الله عرضةً لأيماننا، بأن نمتنع عن خير وفعل خير، بل يجب أن نتقي الله، ونعظم هذه اليمين التعظيم اللائق بها، فإنها تعظيمٌ لله. إذا قلت: والله العظيم إن هذا غير واقع، والله العظيم كذا وكذا، وأنت كاذب في يمينك، تعظِّم الله وأنت كاذب فاجر، تعلم من نفسك كذبك وبهتانك وباطلك، فاتق الله، وتخلص في هذه الدنيا قبل أن تلقى الله بالتبعات يوم القيامة، وتتمنى الخلاص ولا ينفعك ذلك.
أيها المسلم، كن صادقاً في يمينك، وابتعد عن الكذب فيها مهما كانت الأحوال، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة، ومن لزم الصدق جعل الله له من كل همٍّ فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ويسَّر أمورَه، ومن لزم الكذب محق الكذبُ بركةَ رزقه وعمره وعمله، وصار عند الله من الكذابين يوم القيامة.
أيها المسلمون، اتقوا الله في أيمانكم، وحافظوا عليها رحمكم الله، ولا تستخفوا بالأيمان بالله، فالمستخفّ بها [استخفافه] دليل على نقص إيمانه، ضعف إيمانه ورقة ديانته؛ إذ لو كان خوفه من الله حقاً لما أقدم على يمين كاذبة فاجرة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، يقول الله جل وعلا: http://alminbar.al-islam.com/images/start-icon.gifلاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِى أَيْمَـٰنِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌhttp://alminbar.al-islam.com/images/end-icon.gif [البقرة:225].
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل، إنه على كل شيء قدير
..................
أخرجه البخاري في الأيمان، باب: قول الله تعالى: http://alminbar.al-islam.com/images/start-icon.gifلا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكمhttp://alminbar.al-islam.com/images/end-icon.gif (6623)، ومسلم في الأيمان، باب: ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها (1649) من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
[2] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftnref2) أخرجه ابن ماجه في الكفارات، باب: من حلف له بالله فليرض (2101) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: ((فليس من الله)). قال البوصيري: "رجال إسناده ثقات"، وحسنه الحافظ في الفتح (11/536)، والألباني في صحيح الترغيب (2951).
[3] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftnref3) أخرجه البخاري في الأيمان، باب: اليمين الغموس (6675)، وفي استتابة المرتدين، باب: إثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[4] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftnref4) أخرجه البخاري في الأيمان، باب: قول الله: http://alminbar.al-islam.com/images/start-icon.gifإن الذين يشترون بعهد اللهhttp://alminbar.al-islam.com/images/end-icon.gif (6676)، ومسلم في الإيمان (138) بنحوه.
[5] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftnref5) أخرجه مسلم في الإيمان (137) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه بنحوه، وليس فيه أن ذلك كان في أيام منى.
[6] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftnref6) أخرجه مسلم في الإيمان (106) من حديث أبي ذر رضي الله عنه بلفظ: ((والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)).
يتبعها الخطبة الثانية إن شاء الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(وَاحْفَظُوا أَيّمَانَكُمْ )
خطبة جمعة لسماحة العلامة الوالد عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله تعالى
جامع الإمام تركي بن عبد الله بتاريخ\19\3\1424ه
ملخص الخطبة
الأمر بحفظ اليمين
كيفية حفظ اليمين
الكذب في اليمين من الكبائر
اليمين الغموس
التحذير من أخذ حق الغير باليمين الكاذبة
التحذير من الحلف في البيع والشراء
مفاسد الأيمان الفاجرة
الكذب في اليمين من صفات المنافقين ؟!
تورع السلف من اليمين
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، يقول الله جل وعلا: http://alminbar.al-islam.com/images/start-icon.gifوَٱحْفَظُواْ أَيْمَـٰنَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَhttp://alminbar.al-islam.com/images/end-icon.gif [المائدة:89]، أمر الله عباده بحفظ الأيمان.
حفظُ الأيمان يكون بأمور، فمِن حفظ اليمين ألا تكون متسرعاً فيها، ولا تُوقع اليمينَ إلا على أمرٍ أنت مضطرّ إليه، وعظِّم تلك اليمين بالله تعظيمَ المؤمن حقاً لها، وإذا وقع منك يمين قابلة للكفارة فحافظ على اليمين بأن تؤدي الكفارة إذا أردت مخالفة ما حلفت عليه، يقول http://alminbar.al-islam.com/images/salla-icon.gif: ((إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير))[1] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftn1).
ومن المحافظة على اليمين أن تكون صادقاً في يمينك، بعيداً عن الكذب فيها، وقد ألزم الله المسلمين بالصدق في أيمانهم، وألزم قبول يمين من حلف إذا لم يستبن كذبُه وباطله، يقول صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بالله فليصدُق، ومن حُلِف له بالله فليرضَ، ومن لم يرض فليس منا))[2] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftn2).
أيها المسلمون، إن الكذبَ في الأيمان كبيرة من كبائر الذنوب، موجبةٌ لسخط الله، متوعَّد من أقدم عليها بالنار وحرمان الجنة والعياذ بالله، يقول الله جل وعلا: http://alminbar.al-islam.com/images/start-icon.gifإِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا أُوْلَـئِكَ لاَ خَلَـٰقَ لَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ وَلاَ يُكَلّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَلاَ يُزَكّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌhttp://alminbar.al-islam.com/images/end-icon.gif [آل عمران:77].
أيها المسلم، إذا أردتَ أن تحلفَ فتأكَّد من يمينك، احذر أن تكون يمينُك يمينَ غموس، يمينَ كذبٍ وفجور، يمينَ باطل. إن اليمينَ تعظيمٌ لله، وهل يليق بك أن تعظِّم الله جل وعلا على أمر لا حقيقة له؟! على أمر كذب وافتراء وباطل؟! هذا غير لائق بك ـ أيها المسلم ـ وأنت تعظِّم الله جل وعلا في قلبك، فلا تعظّم الله وأنت فاجر في يمينك، اتق الله في هذه اليمين، لا تستحلَّ بها مالَ امرئ مسلم، لا تنكِر بها حقاً، ولا تؤيِّد بها باطلاً، ولا تنتصر فيها لهوى، وإنما اجعل اليمينَ بالله على الصدق والوضوح، وابتعد عن الكذب والباطل.
والنبي صلى الله عليه وسلم عدَّ اليمينَ الغموس من كبائر الذنوب، فيقول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الكبائر قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس))3 فقرنها بالشرك وعقوق الوالدين، مما يدعو المسلم إلى النفرة عن هذه اليمين الباطلة، وأن تكون يمينه يميناً صادقة.
النبي http://alminbar.al-islam.com/images/salla-icon.gif يقول في اليمين أيضاً: ((من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان))، وتلا النبي http://alminbar.al-islam.com/images/salla-icon.gif هذه الآية: http://alminbar.al-islam.com/images/start-icon.gifإِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَـٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيًلا أُوْلَـئِكَ لاَ خَلَـٰقَ لَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ وَلاَ يُكَلّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَلاَ يُزَكّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌhttp://alminbar.al-islam.com/images/end-icon.gif [آل عمران:77] ، هكذا حدث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. دخل الأشعث بن قيس على عبد الله وأصحابه قال: ماذا حدثكم عبد الله؟ فأخبروه فقال: صدق عبد الله، كان بيني وبين رجل خصومة في بئر، فقال النبي http://alminbar.al-islam.com/images/salla-icon.gif: ((شاهداك أو يمينه))، قلت: إذًا ـ يا رسول الله ـ يحلف ولا يبالي، قال: ((من حلف على يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان))[4] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftn4).
وقال http://alminbar.al-islam.com/images/salla-icon.gif في أحد أيام منى وهو بين الجمرتين: ((من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين هو فيها فاجر فقد أوقجب الله له النار)) أو قال: ((فليتبوأ مقعده من النار))، وفي لفظ أنه قال: ((من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق أوجب الله عليه النار وحرم عليه الجنة))، قالوا: يا رسول الله، ولو يسيراً؟! قال: ((ولو قضيباً من أراك))[5] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftn5).
أيها المسلم، يضعف إيمانُ بعض الناسِ أمام هذه اليمين الفاجرة، فيقدم عليها طمعاً في دنيا، وانتصاراً لموقف، ودفاعاً عن إنسان أو قريب أو صديق، يقدم على هذه الأيمان الفاجرة فيظلم نفسه، ويظلم ذلك المسلم، وفوق هذا كذبٌ وافتراء على الله.
أيها المسلم، لا تخدعنَّك الدنيا فتأتي باليمين الفاجرة، فإن النبيصلى الله عليه وسلم يقول: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، ورجلٌ جعل اللهَ بضاعتَه لا يبيع إلا بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه)) 6، بمعنى أنه يحلف على السلعة وهو كاذب: إنَّ قيمتها كذا، هذا إن باع، وإن اشترى حلف أن قيمتَها ليست كذلك، يعني يحلف البائع على قيمة سلعةٍ هو فيها كاذب، ويحلف المشتري أحياناً ضدَّ البائع بيمين هو فيها فاجر، فكلٌ منهما إذا حلف على يمين كذباً وزوراً فإنه داخل في الثلاثة الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
أيها المسلم، اتق الله في اليمين، وإياك أن يضعف إيمانُك أمام هذه اليمين فتطلقها بلا حق وأنت تعلم كذبَ نفسك، لتنصر نفسَك في أي موقف من المواقف. هبْ أنك نلت هذا الأمر وظفرت بهذا الأمر، ولكن من ينجيك من عذاب الله؟! من يخلصك من عذاب الله! (يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلأعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ) [غافر:19]، الخلق يمكن أن يروج عليهم باطلُك، ويخدعهم كذبُك، ويظنون فيك الصدقَ فيما تحلف، ولكن من ينجيك ممن يعلم سرَّك وعلانيتك، ولا يخفى عليه شيء من أمرك؟! فأين الخلاص وربك عالم بكل شيء؟! http://alminbar.al-islam.com/images/start-icon.gifقُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌhttp://alminbar.al-islam.com/images/end-icon.gif [آل عمران:29].
إن الأيمان الفاجرة منفقةٌ للسلعة ممحَقَة للبركة، إنها تضعف الإيمان، إنها سببٌ لحلول العقوبات والنقمات من رب العالمين، فالكاذب الفاجر في يمينه وإن فاز بها وقتاً فلا بد أن تدركه العقوبة وأن يحلَّ به من المصائب ما الله به عليم.
فلنتق الله في أيماننا، ولنحافظ عليها، ولا نجعل الله عرضةً لأيماننا، بأن نمتنع عن خير وفعل خير، بل يجب أن نتقي الله، ونعظم هذه اليمين التعظيم اللائق بها، فإنها تعظيمٌ لله. إذا قلت: والله العظيم إن هذا غير واقع، والله العظيم كذا وكذا، وأنت كاذب في يمينك، تعظِّم الله وأنت كاذب فاجر، تعلم من نفسك كذبك وبهتانك وباطلك، فاتق الله، وتخلص في هذه الدنيا قبل أن تلقى الله بالتبعات يوم القيامة، وتتمنى الخلاص ولا ينفعك ذلك.
أيها المسلم، كن صادقاً في يمينك، وابتعد عن الكذب فيها مهما كانت الأحوال، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة، ومن لزم الصدق جعل الله له من كل همٍّ فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ويسَّر أمورَه، ومن لزم الكذب محق الكذبُ بركةَ رزقه وعمره وعمله، وصار عند الله من الكذابين يوم القيامة.
أيها المسلمون، اتقوا الله في أيمانكم، وحافظوا عليها رحمكم الله، ولا تستخفوا بالأيمان بالله، فالمستخفّ بها [استخفافه] دليل على نقص إيمانه، ضعف إيمانه ورقة ديانته؛ إذ لو كان خوفه من الله حقاً لما أقدم على يمين كاذبة فاجرة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، يقول الله جل وعلا: http://alminbar.al-islam.com/images/start-icon.gifلاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِى أَيْمَـٰنِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌhttp://alminbar.al-islam.com/images/end-icon.gif [البقرة:225].
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل، إنه على كل شيء قدير
..................
أخرجه البخاري في الأيمان، باب: قول الله تعالى: http://alminbar.al-islam.com/images/start-icon.gifلا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكمhttp://alminbar.al-islam.com/images/end-icon.gif (6623)، ومسلم في الأيمان، باب: ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها (1649) من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
[2] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftnref2) أخرجه ابن ماجه في الكفارات، باب: من حلف له بالله فليرض (2101) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: ((فليس من الله)). قال البوصيري: "رجال إسناده ثقات"، وحسنه الحافظ في الفتح (11/536)، والألباني في صحيح الترغيب (2951).
[3] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftnref3) أخرجه البخاري في الأيمان، باب: اليمين الغموس (6675)، وفي استتابة المرتدين، باب: إثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[4] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftnref4) أخرجه البخاري في الأيمان، باب: قول الله: http://alminbar.al-islam.com/images/start-icon.gifإن الذين يشترون بعهد اللهhttp://alminbar.al-islam.com/images/end-icon.gif (6676)، ومسلم في الإيمان (138) بنحوه.
[5] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftnref5) أخرجه مسلم في الإيمان (137) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه بنحوه، وليس فيه أن ذلك كان في أيام منى.
[6] (http://alminbar.al-islam.com/Default.aspx?Action=SpeachDetails&mediaItURL=6436&subsubID=#_ftnref6) أخرجه مسلم في الإيمان (106) من حديث أبي ذر رضي الله عنه بلفظ: ((والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)).
يتبعها الخطبة الثانية إن شاء الله