أبو الزبير عبد الحليم الإدريسي
08-18-2010, 04:21 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه " عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين " :
الباب الحادي عشر
الفرق بين صبر الكرام وصبر اللئام
" كل أحد لابد أن يصبر على بعض مايكره ، إما اختيارا وإما اضطرارا فالكريم يصبر اختيارا لعلمه بحسن عاقبة الصبر ، وأنه يحمد عليه و يذم على الجزع ، وأنه إن لم يصبر لم يرد الجزع عليه فائتا ، ولم ينتزع عنه مكروها ، وأن المقدور لا حيلة في دفعه ومالم يقدر لا حيلة في تحصيله فالجزع ضره أقرب من نفعه ، قال بعض العقلاء " العاقل عند نزول المصيبة يفعل مايفعله الأحمق بعد شهر " كما قيل :
وأن الأمر يفضي إلى آخر // فيصير آخره أولا
فإذا كان آخر الأمر الصبر والعبد غير محمود فما أحسن به أن يستقبل الأمر في أوله بما يستدبره الأحمق في آخره ، وقال بعض العقلاء : " من لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم " فالكريم ينظر إلى المصيبة ، فإن رأى الجزع يردها و يدفعها فهذا قد ينفعه الجزع ، وإن كان الجزع لاينفعه فإنه يجعل المصيبة مصيبتين .
( فصل )
وأما اللئيم فإن يصبر اضطرار ، فإنه يحوم حول ساحة الجزع فلا يراها تجدي عليه شيئا فيصبر صبر الموثق للضرب ، وأيضا فالكريم يصبر في طاعة الرحمن واللئيم يصبر في طاعة الشيطان ، فاللئام أصبر الناس في طاعة أهوائهم وشهواتهم ، وأقل الناس صبرا في طاعة ربهم فيصبر على البذل في طاعة الشيطان أتم صبر ، ولايصبر على البذل في طاعة الله في أيسر شيئ ، و يصبر في تحمل المشاق لهوى نفسه في مرضاة عدوه ، و لايصبر على أذأا المشاق في مرضاة ربه ، ويصبر على ما يقال في عرضه في المعصية ولايصبر على مايقال في عرضه إذا أوذي في الله بل يفر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خشية أن يتكلم في عرضه في ذات الله ومرضاته صابرا على مايقال فيه ، وكذلك يصبر على التبذل بنفسه وجاهه في هوى نفسه ومراده ، ولايصبر شيئ على التبذل في طاعة الشيطان ومراد النفس ، وأعجز شيئ عن الصبر على ذلك في الله .
وهذا أعظم اللؤم ، ولايكون صاحبه كريما عند الله ، ولا يقوم مع أهل الكرم إذا نودي بهم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد ليعلم أهل الجمع من أولى بالكرم اليوم ، أين المتقون ؟. " انتهى كلامه رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه " عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين " :
الباب الحادي عشر
الفرق بين صبر الكرام وصبر اللئام
" كل أحد لابد أن يصبر على بعض مايكره ، إما اختيارا وإما اضطرارا فالكريم يصبر اختيارا لعلمه بحسن عاقبة الصبر ، وأنه يحمد عليه و يذم على الجزع ، وأنه إن لم يصبر لم يرد الجزع عليه فائتا ، ولم ينتزع عنه مكروها ، وأن المقدور لا حيلة في دفعه ومالم يقدر لا حيلة في تحصيله فالجزع ضره أقرب من نفعه ، قال بعض العقلاء " العاقل عند نزول المصيبة يفعل مايفعله الأحمق بعد شهر " كما قيل :
وأن الأمر يفضي إلى آخر // فيصير آخره أولا
فإذا كان آخر الأمر الصبر والعبد غير محمود فما أحسن به أن يستقبل الأمر في أوله بما يستدبره الأحمق في آخره ، وقال بعض العقلاء : " من لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم " فالكريم ينظر إلى المصيبة ، فإن رأى الجزع يردها و يدفعها فهذا قد ينفعه الجزع ، وإن كان الجزع لاينفعه فإنه يجعل المصيبة مصيبتين .
( فصل )
وأما اللئيم فإن يصبر اضطرار ، فإنه يحوم حول ساحة الجزع فلا يراها تجدي عليه شيئا فيصبر صبر الموثق للضرب ، وأيضا فالكريم يصبر في طاعة الرحمن واللئيم يصبر في طاعة الشيطان ، فاللئام أصبر الناس في طاعة أهوائهم وشهواتهم ، وأقل الناس صبرا في طاعة ربهم فيصبر على البذل في طاعة الشيطان أتم صبر ، ولايصبر على البذل في طاعة الله في أيسر شيئ ، و يصبر في تحمل المشاق لهوى نفسه في مرضاة عدوه ، و لايصبر على أذأا المشاق في مرضاة ربه ، ويصبر على ما يقال في عرضه في المعصية ولايصبر على مايقال في عرضه إذا أوذي في الله بل يفر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خشية أن يتكلم في عرضه في ذات الله ومرضاته صابرا على مايقال فيه ، وكذلك يصبر على التبذل بنفسه وجاهه في هوى نفسه ومراده ، ولايصبر شيئ على التبذل في طاعة الشيطان ومراد النفس ، وأعجز شيئ عن الصبر على ذلك في الله .
وهذا أعظم اللؤم ، ولايكون صاحبه كريما عند الله ، ولا يقوم مع أهل الكرم إذا نودي بهم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد ليعلم أهل الجمع من أولى بالكرم اليوم ، أين المتقون ؟. " انتهى كلامه رحمه الله