أبوزرعه محمد الانصاري
09-01-2010, 11:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم اعلم- علمني الله وإياك- أن الله -عز وجل- فرّق بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، وبين أهل كُلٍَّ.
وأن الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فرّق بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال وبين أهل كُلٍَّ.
وأن عباد الله المؤمنين، وأتباع رسوله الأمين، فرقوا بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، وبين أهل كُلٍَّ من لدن عهده وزمنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إلى زمننا هذا.
فمن رام جمع ما فرق اللهُ ورسولُه وأتباع رسوله فهو كمن رام تفريق ما جمع الله -عز وجل- ولاشك أن من كان هذا شأنه وحاله، فقد ضاد الله في حكمه وشرعه، وشاقّ الرسول في أمره وهديه، واتبع غير سبيل المؤمنين، وقد قال -تعالى-:
{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}
ومعلوم -قطعًا ويقينًا- أن أهل السنة على الحق، وأن مخالفيهم بما فيهم الشيعة على الباطل -لا محالة- لم لا؟! وهم شيعة الشيطان، ومن شر من مس الحصى، ووطئ الثرى؟! وقد قال الله –عز وجل-:
{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ}؟!
فمن رام تقريبًا بين السنة -أي أهل السنة- والشيعة بحيث يتنازل أو يتخلى أهل السنة عن شيء من دينهم ومعتقدهم ومنهجهم، فقد نشد وحدة الأمة بسبيل تفريقها، وبغى إطفاء النار بالنار، وداوى الداء بالداء.
ومثل هذا ما هو إلا شيطان مريد، وجاهل عنيد، وضال مضل، وهو وأخوه الداعي إلى وحدة الأديان أخوا سوء وشر، وداعيان إلى الإفساد في البحر والبر، ومحدثان في الإسلام حدثًا يستحق صاحبه ومن آواه وأعان عليه اللعن من كل فاجر وبر؛ إذ إنهما قد سلكا سبيل الشيطان، وجانبا سبيل الهدى والإيمان وصراط ربنا الرحمن.
ولقد كان سلفنا الصالح من البدع محذرين، ولأهلها مهينين، ولعباد الله ناصحين.
ولم يزل هذا دأب المسلمين خلفًا عن سلف، حتى نبتت نابتة في الإسلام زُين لها سوء عملها، فرأت رأيًا تقر به عين أولياء الشيطان، وتسخن به عين أوليا الرحمن، لم لا؟! وهذا الرأي صادر من أعمى أو أعور، قد ترك سبيل الاستقامة الأنور.
فأراد هذا الرائي -وبئس ما رأى- أن يقرب بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
ولم يكن له في إبراهيم خليل الرحمن ومَنْ معه من المؤمنين في البراءة من أهل الباطل أسوة حسنة، قال -تعالى-:
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}
وقال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ}
وقد جبه الخليل إبراهيم أباه بنسبته ونسبة قومه إلى الضلال المبين، قال -تعالى-:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}
وقال -تعالى-: {قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}
وقال: { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}
إلى أن قال سبحانه-: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}
وقال -عز وجل-: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}
إلى أن قال عز من قائلِ:
{ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}
إلى غير ذلك من الآيات التي تبين بدلالتها أن دعاة التقريب بين الأديان، ودعاة التقريب بين السنة والشيعة، ودعاة التقريب بين الفرق والأحزاب الإسلامية المسماة بالجماعات بدعوى أن كلاً منها -أي الأحزاب- يخدم الإسلام، ويعمل لصالحه، فحشدوا لذلك القواعد الباطلة والتأصيلات الفاسدة، ومما أحدثوه لأجل ذلك ما يسمى بمنهج الموازنات للدفاع عن أهل الأهواء وحمايتهم، والدفاع عن تلك الأحزاب،أقول:
هذه الآيات وغيرها تبين أن جميع هؤلاء الدعاة على ضلالة، وأنهم محدثون في الإسلام حدثًا لم يسبقوا إليه، إلا أن يكون ممن هو على شاكلتهم في الضلال.
وإن دعوة لا يتقدمها العلماء، ولا يؤيدونها، لدعوة فرقة وشقاق وغي وضلال؛ إذ إننا لم نجد أحدًا يدندن حول هذا التقريب إلا من خذله الله وأعماه، وعن سبيل الهدى أقصاه، وفي سبيل الغواية والضلالة أرداه، فتجد هذا الداعي إلى ذاك التقريب مع الرافضة الخبثاء حنونًا ودودًا، وشفوقًا عطوفًا، ملتمسًا لهم المعاذير، وتجده مع أهل السنة الأتقياء عدوًا لدودًا، وشيطاناَ مريدًا، يهمزهم بسبابه، ويعضهم بأنيابه، وينبحهم بصوته، ولو قدر لضربهم بسوطه، ويُجْلِبُ عليهم بما يملك من أسلحة الكذب والتشويه والتدليس والتلبيس والمكر والخداع، فابتلي بهم الصغير والكبير وعامة الناس وطلبة العلم والأئمة النحارير.
ولما ترك هؤلاء سبيل الصالحين وصحبة المصلحين، وكلوا إلى سبيل الغاوين، والاقتران بالشياطين، عدلاً من الله العزيز الحكيم، قال -تعالى-:
{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }
وقد قيل: أعط أخاك تمرة، فإن أبى فأعطه جمرة
ولو كان هذا الداعي إلى ذاك التقريب من أهل العقل والعلم لكف عن تلكم الدعوة، وأمسك عليه لسانه، وأوجب على كل مخالف للكتاب والسنة الرجوع إلى الكتاب والسنة، ونصح لهم، وحذر من ضلالاتهم ومخالفاتهم.
وكان يسعه السكوت والبعد عن سلوك سبيل الغواية والضلالة، ولكن شأنه كما قيل: فاقد الشيء لا يعطيه، فلما كان من أهل الجهالة كان عليه ألا يسلك سبيل الافتيات على أهل العلم، والتقدم بين أيديهم، وكان عليه أن يعطي القوس باريها، وأن يسأل أهل الذكر عما لا علم له به قبل أن يقدم على أمر يصير به ضالاً في نفسه، مضلاً لغيره ممن هم من أتباع كل ناعق، وكان عليه هو أن يقترب من أهل السنة، بل كان عليه أن يسلك مسلكهم، ويحذو حذوهم، ويشد عضدهم وأزرهم، وأن يسعى في مجاهدة أهل الأهواء من شيعة وغيرهم ببيان ما هم عليه من الباطل والضلال في أصول معتقداتهم ومناهجهم، وأن يُحذر من تلك الأصول والمناهج الخبيثة، وأن يدعوهم إلى الدخول في السنة، والانتظام في صفوف أهل السنة ونظامهم وعقيدتهم ومنهجهم.
أم عجز عن ذلك ولم يقدر إلا على دعوة أهل السنة للتخلي عما أنعم الله به عليهم، وأعزهم به، ورفعهم به من طاعة الله وطاعة رسوله، واتباع مذهب سلف الأمة الذي ضل عنه الشيعة الكذابون الأفاكون أهل التقية والنفاق، وأهل الطعن في الكتاب، وأهل التحريف لتفسيره، وأصحاب دعوى عصمة الأئمة، وأهل الكذب على رسول الله وآل بيته، وأصحاب الطعن في خيار هذه الأمة، ألا وهم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وفي مقدمتهم الصديق الأكبر والفاروق، أبو بكر وعمر صاحبا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ورضي الله عنهما وعن جميع صحبه، وقبح الله الشيعة أصحاب البدع والمحدثات، وأصحاب الشركيات وعبادة الأموات، وأصحاب التعطيل لصفات رب البريات، وأصحاب الطعن في إحدى أمهات المؤمنين والمؤمنات، ألا وهي العفيفة الطاهرة الصديقة بنت الصديق أم عبدالله عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضى الله عنهما- وزوج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأحب النساء إليه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهي المبرأة في عدة آيات منزلات من فوق سبع سمـوات والتي من اتهمها بما برأها الله منه فقد كذَّب الله وكفر؟!
وقد قال فيها حسان –رضي الله عنه-:
حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَنُّ بريبة وتصبح غَرْثَى من لحوم الغوافل
أي لا تتهم بريبة، ولا تغتاب المحصنات الغافلات المؤمنات.
إننا -والحق يقال- ما سمعنا بأحد يدعو إلى مثل ذاك التقريب إلا وهو مغموص عليه في الضلالة كالإخوان المسلمين.
وإذا كان الشيعة ينصرون أهل الكفر من اليهود والنصارى والمشركين على المسلمين، فإن دعوة الإخوان المسلمين إلى التقريب معهم، لمما يؤكد اجتماعهم مع كل مخالف للدعوة السلفية والمنهج السلفي على المنهج السلفي وأهله، فأياديهم مع أهل السنة سوداء شحيحة على الخير.
وإنا قائلون لدعاة التقريب: لو سكت الشيعة عن أهل السنة -ولن يسكتوا، وما علمنا منهم ذلك في ماضي الزمان وحاضره- ما سكت عن بيان ضلالهم وزيغهم أهل السنة، ولاعن التحذير من شرهم كما هو شأن أهل السنة مع جميع خصوم السنة وأهلها وخصوم المنهج السلفي وأهله، سواء انتظم هؤلاء الخصوم مع الشيعة في نظامهم أم لم ينتظموا.
وما ذلك إلا لأن أهل السنة -حفظهم الله وبارك فيهم- يقومون بواجب النصح والبيان والبلاغ، ويحرصون على الخروج من عهدة الكتمان، فافعلوا ما شئتم يا معشر الإخوان المسلمين، فإن أهل السنة بتلبيسكم بصراء، وعن تقريبكم أغنياء، ولا خير في شيء لا يوافقكم عليه السلفيون، وها نحن نجدكم مع الشيعة متعاونين، ولهم مهنئين، وبهم مخدوعين، ونجدكم مع أهل السنة طاعنين، وعنهم متباعدين.
إن مجرد عنوان التقريب بين أهل السنة والشيعة لمما يفرح الشيعة ويغضب أهل السنة؛ وما ذاك إلا لأن الشيعة يؤملون من دعاة التقريب هؤلاء المنتسيبين إلى السنة، يؤملون منهم تنازلهم عن شيء أو أشياء من دينهم -على الأقل- إن لم نقل عن السنة كلها، ولا شك أن هذا مما يغضب أهل السنة، أما الشيعة -إن تنازلوا عن شيء من معتقداتهم وأصولهم الفاسدة، ولا إخالهم يتنازلون أو يتخلون عن ذلك- فهم أمة ضلال من قبل ومن بعد؛ لأن مخالفتهم -ولو في أصل واحد من أصول أهل السنة- كفيلة بنظمهم في سلك ونظام أهل البدع والأهواء !! فكيف إذا كان الشيعة غير مأمونين في تنازلهم وتخليهم ذاك -لو تنازلوا- لإيمانهم بالتقية التي هي أصل من أصول المنافقين حيث يبطنون ما لا يظهرون، ويظهرون ما لا يبطنون؟!
وكيف إذا كان الشيعة يدورون بين أمور أحلاها مر؟!
فهم إن نجوا من الكفر والإلحاد ، فقد أركسوا في فتن البدع والضلالات والأكاذيب والافتراءات الكفيلة بجعلهم من شر أهل البدع إن لم يكونوا شرهم بإطلاق .
أقول: إن الشيعة ليؤملون تنازل دعاة التقريب هؤلاء المنتسيبين إلى السنة عن شيء أو أشياء من دينهم -إن لم يؤملوا تنازلهم عن السنة كلها- وإلا لما كان لدعوة دعاة التقريب عندهم معنى، وها قد وجدوا منكم بعض ما يؤملون وبعض ما يسرهم، فأنتم سلم لهم حرب على أهل السنة.
أخزى الله أعداء السنة وأهلها من الشيعة الروافض ومن صدقهم بكذبهم وأعانهم على باطلهم.
إنه لا يكاد يسلك أهل السنة فجًا إلا سلك الشيعة فجًا غير فجهم، ولا يكاد يسلك أهل السنة فجًا إلا سلك الإخوان المسلمون المرذولون فجًا غير فجهم، بل هم أضر على دعوة أهل السنة من الشيعة؛ لأنهم يعيشون بين ظَهرانَي أهل السنة، ويسلكون مسلك الخداع والمكر والتدليس والتلبيس بانتسابهم إلى أهل السنة، وإن كانوا -على التحقيق- ليسوا من أهل السنة ولاهم عند السنة، فأمرهم أخفى من أمر الشيعة، وضررهم أعظم، وخطرهم أشد على دعوة أهل السنة والجماعة، فلزم ووجب الحذر منهم والتحذير من مناهجهم وخلاياهم الخبيثة المستشرية في الناس.
وإنا نقول للشيعة: إن الذين يحملون دعوة التقريب بين السنة والشيعة من أمثال الإخوان المسلمين، لا يمثلون السنة، ولا أهل السنة وما أنابهم أهل السنة في هذا الأمر ولا في غيره، ولا وكلوا أمرًا من أمورهم إليهم.
فإن كنتم يا معشر الشيعة تؤمنون بفكرة التقريب تلك -تلك الفكرة الشيطانية- فاعلموا أنكم تقتربون من أشباهكم ونظرائكم، وأن أشباهكم ونظراءكم يقتربون منكم، والطيور على أشكالها تقع.
أما أهل السنة الذين هم أهل السنة فبينهم وبينكم أبعد مما بين المشرق والمغرب، ولن يرضوا منكم إلا الرجوع إلى جميع أصول السنة واعتقادات أهل السنة اعتقادًا اعتقادًا وأصلاً أصلاً.
وإذا كان أهل السنة لا يرضَون دعوة التقريب بين الأحزاب والفرق الإسلامية المسماة بالجماعات المنتسبة إلى أهل السنة فكيف يرضون بتقريبٍ مع من لم ينتسب إلى السنة أصلاً، بل هو عدوها متبرئ منها ومن أهلها؟!
وهل يمكن أن يكون بينهم تقريب وبين أهل الملل والنحل المخالفة لدين الإسلام أصلاً؟!
ويكفي في بطلان دعوة التقريب تلك أنها دعوة محدثة وليدة هذه العصور من أناس مخذولين مرذولين ليسوا في العير ولا في النفير، ولقد كان الشيعة موجودين من زمن قديم فما سمعنا بمثل تلك الدعوة من التقريب بين السنة والشيعة.
بل كان اليهود والنصارى موجودين من زمن أقدم من ولادة الشيعة، وما سمعنا بمثل تلك الدعوة من التقريب بينهم وبين المسلمين.
ولقد كان السلف ومن تبعهم قبلنا أتقى لله منا، وأعلم بدين الله منا.
فلو كان دعوة التقريب هذه خيرًا لسبقوا إليها، وكانوا أسرع الناس إليها لوجود المقتضي لذلك، وهو حرصهم على الخير، وما كانت لتخفى عليهم أو يغفلوا عنها، وتظهر لهؤلاء المُحْدِثين المبدلين ويفطنوا إليها.
فهؤلاء المحدثون لهذه الدعوة إما أنهم على ملة أهدى من ملة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعلى طريقة خير من طريقة سلف هذه الأمة، وإما أنهم مفتتحوا باب ضلالة، ولما كان الفرض الأول معلوم البطلان ضرورة، ما بقي إلا الثاني، وهو أنهم أهل ضلالة داعون إلى ضلالة ومحدثة وبدعة تنثني وتنطوي على محدثات لا يحصيها إلا الله -سبحانه وتعالى-.
ثم إنه إذا كان يجب على الشيعة أو على غيرهم من الفرق الضالة التخلي عن أصولهم ومعتقداتهم الباطلة، فإن أهل السنة لا يجوز لهم التخلي عن شيء من دينهم لا عن فتيل منه ولا نقير ولا قطمير حال كونهم طائعين مختارين.
وليعلم أن الشيعة إن كانوا لا يرضون عن تنازلهم عن أصول باطلة إلا بتنازل أهل السنة عن أصول صحيحة -وكل أصولهم صحيحة- فإن هذا مما ينبغي أن يوجب النفرة منهم، ويوجب التأكيد على أنهم أهل أهواء -حقًا- وأنهم ليسوا عند الخضوع للحق، والإذعان له، والتسليم له، وإنما هو التحكم في دين الله من غير برهان ولا نور من الله، لينالوا من أهل السنة نيلاً، ويغمسوهم في مثل ضلالتهم، كما أنه ينبغي أن يوجب التأكيد على أن دعاة التقريب -والشأن ما ذكر- أضل من الحمر.
وما أحسن ما قاله الشيخ الإمام عبدالرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- في تفسيره المسمي بـ (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) مما يناسب هذا المقام حيث قال في تفسير سورة العنكبوت، عند قوله-تعالى-:{وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} قال ما نصه: (أي: واعترض هؤلاء الظالمون المكذبون للرسول، ولما جاء به، واقترحوا عليه، نزول آيات، عينوها كما قال الله عنهم :{وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً} الآيات. فتعيين الآيات، ليس عندهم، ولا عند الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، فإنه في ذلك تدابير، مع الله وأنه لو كان كذا، وينبغي أن يكون كذا، وليس لأحد من الأمر شيء.
ولهذا قال: {قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ} إن شاء أنزلها أو منعها {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} وليس لي مرتبة، فوق هذه المرتبة وإذا كان القصد بيان الحق من الباطل، فإذا حصل المقصود- بأي طريق – كان اقتراح الآيات المعينات على ذلك، ظلمًا وجورًا، وتكبرًا على الله، وعلى الحق .
بل لو قدر أن تنزل تلك الآيات، ويكون في قلوبهم أنهم لا يؤمنون بالحق إلا بها كان ذلك ليس بإيمان، وإنما ذلك شيء وافق أهواءهم فآمنوا، لا لأنه حق بل لتلك الآيات.
فأي فائدة حصلت في إنزالها على التقدير الفرضي؟!)
انتهى كلامه-رحمه الله-.( 1)
أقول: ومما سبق يتبين لنا ويتأكد أن دعاة التقريب في ضلال مبين وأنهم أضل من الحمر.
ثم أقول: ما أكثر أصول الشيعة الباطلة!! وما أكثر الضلال عندهم!!
فمنها الطعن في نبوة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ومنها الغلو في علي بن أبي طالب وآل البيت، ومنها الطعن في القرآن، ومنها التحريف لتفسيره، ومنها سب الصحابة -إلا نفرًا يسيرًا- بل تكفيرهم وخصوصًا الصديق والفاروق، ومنها القول بعصمة الأئمة، ومنها مهديُّهم المزعوم المعدوم الذي لا وجود له ولا حقيقة له -وهو صاحب سردابهم المزعوم- أضف إلى ذلك بغضهم للسنة وأهل السنة وعلماء السنة وكتب السنة، واعتمادهم على الأحاديث والحكايات الموضوعة والمكذوبة، واعتمادهم للكذابين والوضاعين، وكثرة افترائهم وكذبهم.
بل إن غلوهم في علي وآل بيته والكذب على عليًّ وآل بيته لمما يعود بالطعن على علىّ -وآل بيته- رضي الله عنهم- وقد برأهم الله من غلو وكذب الشيعة، أضف إلى ذلك خروجهم عن مذهب أهل السنة في باب توحيد الألوهية وباب توحيد الأسماء والصفات، هذا إن سلموا من مخالفة توحيد الربوبية الذي كان يقر به المشركون.
أضف إلى ذلك طعنهم في عائشة -رضى الله عنها- وغير ذلك من بدعهم ومحدثاتهم وأباطيلهم وضلالاتهم وكفرياتهم وشركياتهم وإفكهم وكذبهم وغير ذلك مما يخرج -عادة- عن حد القدرة على العد والحصر والاستقصاء.
وإن لم تكن هذه الأمور المذكورة وأشباهها ونظائرها مجتمعة في جميعهم فردًا فردًا إلا أنها موجودة في جملتهم.
فنقول لمعشر دعاة التقريب: أيُّ أصل تطالبون الشيعة بالتخلي عنه والتنازل عنه -أو السكوت عنه- على الأقل-؟!
وأي أصل ستقرونهم عليه أو تسكتون عن طرحه عليهم وعن ذكره أمامهم حال التقريب المزعوم المشئوم؟! يا لها من فضيحة.
إنني أقول: إن أهل الأهواء جميعًا يجب عليهم أن يقتربوا من أهل السنة، بل يجب عليهم أن يقتربوا من أهل السنة، بل يجب عليهم أن يتخلوا عن كل ما يخالف معتقد أهل السنة ومنهجهم بما فيهم دعاة التقريب أنفسهم، سواء كانوا من الطرفين أو من طرف واحد، وإلا، فإن أهل السنة لا يرضون من الشيعة بقاءهم على أصل فاسد واستمساكهم به، فضلاً عن بقائهم على سائر أصولهم الفاسدة، ولو رجعوا عن سائر معتقداتهم الفاسدة، بل يرون ضلال من اعتقد الضلال وكُفر من اعتقد الكفر، أيّا مّا كان نوع ذلك الضلال، وأياما كان نوع ذاك الكفر.
إنني أجزم أو أكاد أجزم بأن الشيعة لو رجعوا عن جميع أصولهم الفاسدة غير أنهم يسبون دعاة التقريب من الإخوان المسلمين لما رضي الإخوان المسلمون منهم ذلك، مع أن فيهم -أعنى الإخوان المسلمين- ما يقتضى سبهم والطعن فيهم وبغضهم؛ إذ إنهم يحملون في جعبة منهجهم وحقيبة دعوتهم ما هو أخطر على الإسلام وأهله من الثعابين والحيات والعقارب، بل أخطر من وقع الدبابات والصواريخ وقذائف الطائرات، وما ذاك إلا لتعلق ما يحملونه ويبثونه وينشرونه في الناس بالدين حيث يفسدونه على أهله،ولاشك في أن هذا من باب المعائب التى تضر العبد في دينه ودنياه ومعاشه ومعاده، بخلاف تلك المذكورات فإنها من باب المصائب التى هي خير للمؤمن وحده.
وإنا قائلون لدعاة التقريب: وهل ترك الشيعة أصولهم الفاسدة ومناهجهم البائرة الكاسدة في غابر الزمان وماضيه حتى يتركوها لكم اليوم؟!
هل تركوها في زمن قوة الإسلام وعزته وتمكينه حتى يتركوها لكم اليوم؟!
إنكم –والله- كالظمآن الذي يتبع السراب يحسبه ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا.
يا معشر دعاة التقريب المغفلين: ود الشيعة لو تضلون كما ضلوا، أو تكفرون كما كفر من كفر منهم.
فلا تجهدوا أنفسكم فيما لا طائل تحته، وادعوا الشيعة -لو أردتم طاعة الله ورسوله- إلى الاعتصام بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وادعوهم إلى وجوب ترك ما هم عليه من الباطل والمنكر والزور، واحذروا مصايدهم وشباكهم وفخاخهم التى ينصبونها لأمثالكم من ضعاف العقل والعلم، وقولوا:
يا معشر الشيعة تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله، وألا نرد- حال التنازع- إلا إلى الله والرسول، وقولوا لهم:
تعالوا نتل ما حرم ربكم عليكم من الشرك به وعبادة غيره والتحريف لآياته، والإحداث في الدين، ودعوى عصمة الأئمة، ورفع منزلتهم فوق النبي المرسل والملك المقرب، وسب الصحابة، وسب أهل السنة، والإلحاد في صفات الله، إلى غير ذلك مما حرمه الله ورسوله عليكم، هذا هو الواجب، أما أن تَشغلوا -أعني دعاة التقريب- الناس بما يسمى بالتقريب، فإن هذا مما يعود بالضرر عليكم، ويعود بموالاتكم لأهل الأهواء وبغضكم لأهل السنة فوق ما أنتم عليه من البغض لهم اليوم.
واعلموا أن الشيعة من أشد الناس مكرًا، وأخبثهم كيدًا للإسلام وأهله، وللسنة وأهلها، وكيف يصدق من كان صاحب تقية؟!
بل كيف يُؤْمَنُ من كان عونًا لأهل الكفر على أهل الإسلام؟!
وخبروني كم أصلاً باطلاً تركه الشيعة مع كثرة فراقع وجعاجع دعاة التقريب ومع رفع أصواتهم وتوالي صيحاتهم بذلك؟!
واعلموا -معشر دعاة التقريب- أنه كما أن الواجب هو دعوة الكفار إلى الإسلام وإلى ترك كفرهم، ودعوة المبتدعة إلى ترك بدعهم، والتحذير منها، ودعوة العصاة إلى ترك معاصيهم، فإن الواجب على هؤلاء جميعًا هو فعل ما أوجبه الله ورسوله عليهم من ذلك، والانتهاء عما حرم الله عليهم من ذلك، ولا يقال: إن مذاهب الشيعة وأصولهم الباطلة واعتقاداتهم الفاسدة قد عفا عليها مرور الأيام وكرور الليالي، واندرست وتلاشت وذهبت وذهبت أيامها، ولا يقال: إن إثارة مثل تلك المسائل والأمور هو من باب إثارة المدفون؛ لأن من قال هذا أو ذاك فقد نادى على نفسه بالجهل، وإلا، فهو من أعداء السنن وأهلها، ومن أهل الأهواء، إن نجا من الإلحاد ومن قَصْدِ إفساد دين الإسلام من حيث هو، إذ كيف يتعامى عن وجود تلك الأصول الباطلة والمناهج الفاسدة التى هي موجودة بوجود الشيعة وبوجود مساجدهم وكتبهم ومؤلفاتهم؟!
وكيف يتعامى عن وجود دولة إيران الشيعية الرافضية التى ترعى التشيع وتدعمه في غير ما بقعة خارج ديارها(2 )؟!
إِنْ تعامى غيرنا عن ذلك أو هون من خطر الشيعة على الإسلام وأهله والسنة وأهلها، فلن نتعامى نحن عن حقيقة الشيعة الذين ينشرون باطلهم ويفسدون في ديار الإسلام -حفظها الله من كيدهم-.
لن نتعامى عن خطورتهم.
أنتعامى حتى يفجأونا ويبغتونا بباطلهم في عقر دارنا؟! إنها -والله- لإحدى الكبر.
إن أهل التشيع متجلدون في البقاء على تشيعهم.
ونقول لهم ولأذنابهم: إن أهل السنة متجلدون في البقاء على السنة.
فاحذروا -معشر أهل السنة- من مكايد الشيعة ودسائسهم ووساوسهم، ومن مكايد أذنابهم والمحامين عنهم والمهونين من أمرهم وخطرهم وضررهم؟
واحذروا فساد دعوة التقريب الذي يضر بالإسلام وأهله والسنة وأهلها، وينعش الباطل وأهله، والبدعة أهلها.
واعلموا أن دعاة التقريب أسود على أهل السنة، نعام على غيرهم.
فلتحذروا -رحمكم الله- هؤلاء الجهلاء والسفهاء، ولا تتبعوا كل ناعق، فإن من الناس من ينعق بالباطل ويلبس الحق بالباطل ليصرف الناس عن الحق.
وقد قال الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في أهل الأهواء:
(( ... فاحذروهم))
وفي ختام هذا الموجز عن أمر التقريب المزعوم المذموم المشئوم، أسأل الله أن يوفقنا وإخواننا أهل السنة للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يرد كيد الكائدين للإسلام وأهله وللسنة وأهلها في نحورهم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليمًا.
تم تسويده في أوائل شهر الله المحرم لسنة ثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية.(3 )
وكتب
أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة
أبو عبدالله.
1-ج4، ص72، طبعة دار التقوى للطباعة والنشر والتوزيع، راجعه وقدم له طه عبد الرءوف سعد.
تنبيه: تصرفنا بحذف بعض الفصلات غير المناسبة.
2- قال نحوًا من هذا بعض أهل العلم، والواقع يؤكده.
3- تمت المراجعة والتعديل في ليلة الأحد، الموافق التاسع عشر من شهر رمضان، لسنة إحدى وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية.
وأن الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-فرّق بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال وبين أهل كُلٍَّ.
وأن عباد الله المؤمنين، وأتباع رسوله الأمين، فرقوا بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، وبين أهل كُلٍَّ من لدن عهده وزمنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إلى زمننا هذا.
فمن رام جمع ما فرق اللهُ ورسولُه وأتباع رسوله فهو كمن رام تفريق ما جمع الله -عز وجل- ولاشك أن من كان هذا شأنه وحاله، فقد ضاد الله في حكمه وشرعه، وشاقّ الرسول في أمره وهديه، واتبع غير سبيل المؤمنين، وقد قال -تعالى-:
{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}
ومعلوم -قطعًا ويقينًا- أن أهل السنة على الحق، وأن مخالفيهم بما فيهم الشيعة على الباطل -لا محالة- لم لا؟! وهم شيعة الشيطان، ومن شر من مس الحصى، ووطئ الثرى؟! وقد قال الله –عز وجل-:
{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ}؟!
فمن رام تقريبًا بين السنة -أي أهل السنة- والشيعة بحيث يتنازل أو يتخلى أهل السنة عن شيء من دينهم ومعتقدهم ومنهجهم، فقد نشد وحدة الأمة بسبيل تفريقها، وبغى إطفاء النار بالنار، وداوى الداء بالداء.
ومثل هذا ما هو إلا شيطان مريد، وجاهل عنيد، وضال مضل، وهو وأخوه الداعي إلى وحدة الأديان أخوا سوء وشر، وداعيان إلى الإفساد في البحر والبر، ومحدثان في الإسلام حدثًا يستحق صاحبه ومن آواه وأعان عليه اللعن من كل فاجر وبر؛ إذ إنهما قد سلكا سبيل الشيطان، وجانبا سبيل الهدى والإيمان وصراط ربنا الرحمن.
ولقد كان سلفنا الصالح من البدع محذرين، ولأهلها مهينين، ولعباد الله ناصحين.
ولم يزل هذا دأب المسلمين خلفًا عن سلف، حتى نبتت نابتة في الإسلام زُين لها سوء عملها، فرأت رأيًا تقر به عين أولياء الشيطان، وتسخن به عين أوليا الرحمن، لم لا؟! وهذا الرأي صادر من أعمى أو أعور، قد ترك سبيل الاستقامة الأنور.
فأراد هذا الرائي -وبئس ما رأى- أن يقرب بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
ولم يكن له في إبراهيم خليل الرحمن ومَنْ معه من المؤمنين في البراءة من أهل الباطل أسوة حسنة، قال -تعالى-:
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}
وقال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ}
وقد جبه الخليل إبراهيم أباه بنسبته ونسبة قومه إلى الضلال المبين، قال -تعالى-:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}
وقال -تعالى-: {قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}
وقال: { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}
إلى أن قال سبحانه-: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}
وقال -عز وجل-: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}
إلى أن قال عز من قائلِ:
{ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}
إلى غير ذلك من الآيات التي تبين بدلالتها أن دعاة التقريب بين الأديان، ودعاة التقريب بين السنة والشيعة، ودعاة التقريب بين الفرق والأحزاب الإسلامية المسماة بالجماعات بدعوى أن كلاً منها -أي الأحزاب- يخدم الإسلام، ويعمل لصالحه، فحشدوا لذلك القواعد الباطلة والتأصيلات الفاسدة، ومما أحدثوه لأجل ذلك ما يسمى بمنهج الموازنات للدفاع عن أهل الأهواء وحمايتهم، والدفاع عن تلك الأحزاب،أقول:
هذه الآيات وغيرها تبين أن جميع هؤلاء الدعاة على ضلالة، وأنهم محدثون في الإسلام حدثًا لم يسبقوا إليه، إلا أن يكون ممن هو على شاكلتهم في الضلال.
وإن دعوة لا يتقدمها العلماء، ولا يؤيدونها، لدعوة فرقة وشقاق وغي وضلال؛ إذ إننا لم نجد أحدًا يدندن حول هذا التقريب إلا من خذله الله وأعماه، وعن سبيل الهدى أقصاه، وفي سبيل الغواية والضلالة أرداه، فتجد هذا الداعي إلى ذاك التقريب مع الرافضة الخبثاء حنونًا ودودًا، وشفوقًا عطوفًا، ملتمسًا لهم المعاذير، وتجده مع أهل السنة الأتقياء عدوًا لدودًا، وشيطاناَ مريدًا، يهمزهم بسبابه، ويعضهم بأنيابه، وينبحهم بصوته، ولو قدر لضربهم بسوطه، ويُجْلِبُ عليهم بما يملك من أسلحة الكذب والتشويه والتدليس والتلبيس والمكر والخداع، فابتلي بهم الصغير والكبير وعامة الناس وطلبة العلم والأئمة النحارير.
ولما ترك هؤلاء سبيل الصالحين وصحبة المصلحين، وكلوا إلى سبيل الغاوين، والاقتران بالشياطين، عدلاً من الله العزيز الحكيم، قال -تعالى-:
{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }
وقد قيل: أعط أخاك تمرة، فإن أبى فأعطه جمرة
ولو كان هذا الداعي إلى ذاك التقريب من أهل العقل والعلم لكف عن تلكم الدعوة، وأمسك عليه لسانه، وأوجب على كل مخالف للكتاب والسنة الرجوع إلى الكتاب والسنة، ونصح لهم، وحذر من ضلالاتهم ومخالفاتهم.
وكان يسعه السكوت والبعد عن سلوك سبيل الغواية والضلالة، ولكن شأنه كما قيل: فاقد الشيء لا يعطيه، فلما كان من أهل الجهالة كان عليه ألا يسلك سبيل الافتيات على أهل العلم، والتقدم بين أيديهم، وكان عليه أن يعطي القوس باريها، وأن يسأل أهل الذكر عما لا علم له به قبل أن يقدم على أمر يصير به ضالاً في نفسه، مضلاً لغيره ممن هم من أتباع كل ناعق، وكان عليه هو أن يقترب من أهل السنة، بل كان عليه أن يسلك مسلكهم، ويحذو حذوهم، ويشد عضدهم وأزرهم، وأن يسعى في مجاهدة أهل الأهواء من شيعة وغيرهم ببيان ما هم عليه من الباطل والضلال في أصول معتقداتهم ومناهجهم، وأن يُحذر من تلك الأصول والمناهج الخبيثة، وأن يدعوهم إلى الدخول في السنة، والانتظام في صفوف أهل السنة ونظامهم وعقيدتهم ومنهجهم.
أم عجز عن ذلك ولم يقدر إلا على دعوة أهل السنة للتخلي عما أنعم الله به عليهم، وأعزهم به، ورفعهم به من طاعة الله وطاعة رسوله، واتباع مذهب سلف الأمة الذي ضل عنه الشيعة الكذابون الأفاكون أهل التقية والنفاق، وأهل الطعن في الكتاب، وأهل التحريف لتفسيره، وأصحاب دعوى عصمة الأئمة، وأهل الكذب على رسول الله وآل بيته، وأصحاب الطعن في خيار هذه الأمة، ألا وهم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وفي مقدمتهم الصديق الأكبر والفاروق، أبو بكر وعمر صاحبا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ورضي الله عنهما وعن جميع صحبه، وقبح الله الشيعة أصحاب البدع والمحدثات، وأصحاب الشركيات وعبادة الأموات، وأصحاب التعطيل لصفات رب البريات، وأصحاب الطعن في إحدى أمهات المؤمنين والمؤمنات، ألا وهي العفيفة الطاهرة الصديقة بنت الصديق أم عبدالله عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضى الله عنهما- وزوج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأحب النساء إليه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهي المبرأة في عدة آيات منزلات من فوق سبع سمـوات والتي من اتهمها بما برأها الله منه فقد كذَّب الله وكفر؟!
وقد قال فيها حسان –رضي الله عنه-:
حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَنُّ بريبة وتصبح غَرْثَى من لحوم الغوافل
أي لا تتهم بريبة، ولا تغتاب المحصنات الغافلات المؤمنات.
إننا -والحق يقال- ما سمعنا بأحد يدعو إلى مثل ذاك التقريب إلا وهو مغموص عليه في الضلالة كالإخوان المسلمين.
وإذا كان الشيعة ينصرون أهل الكفر من اليهود والنصارى والمشركين على المسلمين، فإن دعوة الإخوان المسلمين إلى التقريب معهم، لمما يؤكد اجتماعهم مع كل مخالف للدعوة السلفية والمنهج السلفي على المنهج السلفي وأهله، فأياديهم مع أهل السنة سوداء شحيحة على الخير.
وإنا قائلون لدعاة التقريب: لو سكت الشيعة عن أهل السنة -ولن يسكتوا، وما علمنا منهم ذلك في ماضي الزمان وحاضره- ما سكت عن بيان ضلالهم وزيغهم أهل السنة، ولاعن التحذير من شرهم كما هو شأن أهل السنة مع جميع خصوم السنة وأهلها وخصوم المنهج السلفي وأهله، سواء انتظم هؤلاء الخصوم مع الشيعة في نظامهم أم لم ينتظموا.
وما ذلك إلا لأن أهل السنة -حفظهم الله وبارك فيهم- يقومون بواجب النصح والبيان والبلاغ، ويحرصون على الخروج من عهدة الكتمان، فافعلوا ما شئتم يا معشر الإخوان المسلمين، فإن أهل السنة بتلبيسكم بصراء، وعن تقريبكم أغنياء، ولا خير في شيء لا يوافقكم عليه السلفيون، وها نحن نجدكم مع الشيعة متعاونين، ولهم مهنئين، وبهم مخدوعين، ونجدكم مع أهل السنة طاعنين، وعنهم متباعدين.
إن مجرد عنوان التقريب بين أهل السنة والشيعة لمما يفرح الشيعة ويغضب أهل السنة؛ وما ذاك إلا لأن الشيعة يؤملون من دعاة التقريب هؤلاء المنتسيبين إلى السنة، يؤملون منهم تنازلهم عن شيء أو أشياء من دينهم -على الأقل- إن لم نقل عن السنة كلها، ولا شك أن هذا مما يغضب أهل السنة، أما الشيعة -إن تنازلوا عن شيء من معتقداتهم وأصولهم الفاسدة، ولا إخالهم يتنازلون أو يتخلون عن ذلك- فهم أمة ضلال من قبل ومن بعد؛ لأن مخالفتهم -ولو في أصل واحد من أصول أهل السنة- كفيلة بنظمهم في سلك ونظام أهل البدع والأهواء !! فكيف إذا كان الشيعة غير مأمونين في تنازلهم وتخليهم ذاك -لو تنازلوا- لإيمانهم بالتقية التي هي أصل من أصول المنافقين حيث يبطنون ما لا يظهرون، ويظهرون ما لا يبطنون؟!
وكيف إذا كان الشيعة يدورون بين أمور أحلاها مر؟!
فهم إن نجوا من الكفر والإلحاد ، فقد أركسوا في فتن البدع والضلالات والأكاذيب والافتراءات الكفيلة بجعلهم من شر أهل البدع إن لم يكونوا شرهم بإطلاق .
أقول: إن الشيعة ليؤملون تنازل دعاة التقريب هؤلاء المنتسيبين إلى السنة عن شيء أو أشياء من دينهم -إن لم يؤملوا تنازلهم عن السنة كلها- وإلا لما كان لدعوة دعاة التقريب عندهم معنى، وها قد وجدوا منكم بعض ما يؤملون وبعض ما يسرهم، فأنتم سلم لهم حرب على أهل السنة.
أخزى الله أعداء السنة وأهلها من الشيعة الروافض ومن صدقهم بكذبهم وأعانهم على باطلهم.
إنه لا يكاد يسلك أهل السنة فجًا إلا سلك الشيعة فجًا غير فجهم، ولا يكاد يسلك أهل السنة فجًا إلا سلك الإخوان المسلمون المرذولون فجًا غير فجهم، بل هم أضر على دعوة أهل السنة من الشيعة؛ لأنهم يعيشون بين ظَهرانَي أهل السنة، ويسلكون مسلك الخداع والمكر والتدليس والتلبيس بانتسابهم إلى أهل السنة، وإن كانوا -على التحقيق- ليسوا من أهل السنة ولاهم عند السنة، فأمرهم أخفى من أمر الشيعة، وضررهم أعظم، وخطرهم أشد على دعوة أهل السنة والجماعة، فلزم ووجب الحذر منهم والتحذير من مناهجهم وخلاياهم الخبيثة المستشرية في الناس.
وإنا نقول للشيعة: إن الذين يحملون دعوة التقريب بين السنة والشيعة من أمثال الإخوان المسلمين، لا يمثلون السنة، ولا أهل السنة وما أنابهم أهل السنة في هذا الأمر ولا في غيره، ولا وكلوا أمرًا من أمورهم إليهم.
فإن كنتم يا معشر الشيعة تؤمنون بفكرة التقريب تلك -تلك الفكرة الشيطانية- فاعلموا أنكم تقتربون من أشباهكم ونظرائكم، وأن أشباهكم ونظراءكم يقتربون منكم، والطيور على أشكالها تقع.
أما أهل السنة الذين هم أهل السنة فبينهم وبينكم أبعد مما بين المشرق والمغرب، ولن يرضوا منكم إلا الرجوع إلى جميع أصول السنة واعتقادات أهل السنة اعتقادًا اعتقادًا وأصلاً أصلاً.
وإذا كان أهل السنة لا يرضَون دعوة التقريب بين الأحزاب والفرق الإسلامية المسماة بالجماعات المنتسبة إلى أهل السنة فكيف يرضون بتقريبٍ مع من لم ينتسب إلى السنة أصلاً، بل هو عدوها متبرئ منها ومن أهلها؟!
وهل يمكن أن يكون بينهم تقريب وبين أهل الملل والنحل المخالفة لدين الإسلام أصلاً؟!
ويكفي في بطلان دعوة التقريب تلك أنها دعوة محدثة وليدة هذه العصور من أناس مخذولين مرذولين ليسوا في العير ولا في النفير، ولقد كان الشيعة موجودين من زمن قديم فما سمعنا بمثل تلك الدعوة من التقريب بين السنة والشيعة.
بل كان اليهود والنصارى موجودين من زمن أقدم من ولادة الشيعة، وما سمعنا بمثل تلك الدعوة من التقريب بينهم وبين المسلمين.
ولقد كان السلف ومن تبعهم قبلنا أتقى لله منا، وأعلم بدين الله منا.
فلو كان دعوة التقريب هذه خيرًا لسبقوا إليها، وكانوا أسرع الناس إليها لوجود المقتضي لذلك، وهو حرصهم على الخير، وما كانت لتخفى عليهم أو يغفلوا عنها، وتظهر لهؤلاء المُحْدِثين المبدلين ويفطنوا إليها.
فهؤلاء المحدثون لهذه الدعوة إما أنهم على ملة أهدى من ملة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعلى طريقة خير من طريقة سلف هذه الأمة، وإما أنهم مفتتحوا باب ضلالة، ولما كان الفرض الأول معلوم البطلان ضرورة، ما بقي إلا الثاني، وهو أنهم أهل ضلالة داعون إلى ضلالة ومحدثة وبدعة تنثني وتنطوي على محدثات لا يحصيها إلا الله -سبحانه وتعالى-.
ثم إنه إذا كان يجب على الشيعة أو على غيرهم من الفرق الضالة التخلي عن أصولهم ومعتقداتهم الباطلة، فإن أهل السنة لا يجوز لهم التخلي عن شيء من دينهم لا عن فتيل منه ولا نقير ولا قطمير حال كونهم طائعين مختارين.
وليعلم أن الشيعة إن كانوا لا يرضون عن تنازلهم عن أصول باطلة إلا بتنازل أهل السنة عن أصول صحيحة -وكل أصولهم صحيحة- فإن هذا مما ينبغي أن يوجب النفرة منهم، ويوجب التأكيد على أنهم أهل أهواء -حقًا- وأنهم ليسوا عند الخضوع للحق، والإذعان له، والتسليم له، وإنما هو التحكم في دين الله من غير برهان ولا نور من الله، لينالوا من أهل السنة نيلاً، ويغمسوهم في مثل ضلالتهم، كما أنه ينبغي أن يوجب التأكيد على أن دعاة التقريب -والشأن ما ذكر- أضل من الحمر.
وما أحسن ما قاله الشيخ الإمام عبدالرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- في تفسيره المسمي بـ (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) مما يناسب هذا المقام حيث قال في تفسير سورة العنكبوت، عند قوله-تعالى-:{وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} قال ما نصه: (أي: واعترض هؤلاء الظالمون المكذبون للرسول، ولما جاء به، واقترحوا عليه، نزول آيات، عينوها كما قال الله عنهم :{وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً} الآيات. فتعيين الآيات، ليس عندهم، ولا عند الرسول-صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، فإنه في ذلك تدابير، مع الله وأنه لو كان كذا، وينبغي أن يكون كذا، وليس لأحد من الأمر شيء.
ولهذا قال: {قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ} إن شاء أنزلها أو منعها {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} وليس لي مرتبة، فوق هذه المرتبة وإذا كان القصد بيان الحق من الباطل، فإذا حصل المقصود- بأي طريق – كان اقتراح الآيات المعينات على ذلك، ظلمًا وجورًا، وتكبرًا على الله، وعلى الحق .
بل لو قدر أن تنزل تلك الآيات، ويكون في قلوبهم أنهم لا يؤمنون بالحق إلا بها كان ذلك ليس بإيمان، وإنما ذلك شيء وافق أهواءهم فآمنوا، لا لأنه حق بل لتلك الآيات.
فأي فائدة حصلت في إنزالها على التقدير الفرضي؟!)
انتهى كلامه-رحمه الله-.( 1)
أقول: ومما سبق يتبين لنا ويتأكد أن دعاة التقريب في ضلال مبين وأنهم أضل من الحمر.
ثم أقول: ما أكثر أصول الشيعة الباطلة!! وما أكثر الضلال عندهم!!
فمنها الطعن في نبوة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ومنها الغلو في علي بن أبي طالب وآل البيت، ومنها الطعن في القرآن، ومنها التحريف لتفسيره، ومنها سب الصحابة -إلا نفرًا يسيرًا- بل تكفيرهم وخصوصًا الصديق والفاروق، ومنها القول بعصمة الأئمة، ومنها مهديُّهم المزعوم المعدوم الذي لا وجود له ولا حقيقة له -وهو صاحب سردابهم المزعوم- أضف إلى ذلك بغضهم للسنة وأهل السنة وعلماء السنة وكتب السنة، واعتمادهم على الأحاديث والحكايات الموضوعة والمكذوبة، واعتمادهم للكذابين والوضاعين، وكثرة افترائهم وكذبهم.
بل إن غلوهم في علي وآل بيته والكذب على عليًّ وآل بيته لمما يعود بالطعن على علىّ -وآل بيته- رضي الله عنهم- وقد برأهم الله من غلو وكذب الشيعة، أضف إلى ذلك خروجهم عن مذهب أهل السنة في باب توحيد الألوهية وباب توحيد الأسماء والصفات، هذا إن سلموا من مخالفة توحيد الربوبية الذي كان يقر به المشركون.
أضف إلى ذلك طعنهم في عائشة -رضى الله عنها- وغير ذلك من بدعهم ومحدثاتهم وأباطيلهم وضلالاتهم وكفرياتهم وشركياتهم وإفكهم وكذبهم وغير ذلك مما يخرج -عادة- عن حد القدرة على العد والحصر والاستقصاء.
وإن لم تكن هذه الأمور المذكورة وأشباهها ونظائرها مجتمعة في جميعهم فردًا فردًا إلا أنها موجودة في جملتهم.
فنقول لمعشر دعاة التقريب: أيُّ أصل تطالبون الشيعة بالتخلي عنه والتنازل عنه -أو السكوت عنه- على الأقل-؟!
وأي أصل ستقرونهم عليه أو تسكتون عن طرحه عليهم وعن ذكره أمامهم حال التقريب المزعوم المشئوم؟! يا لها من فضيحة.
إنني أقول: إن أهل الأهواء جميعًا يجب عليهم أن يقتربوا من أهل السنة، بل يجب عليهم أن يقتربوا من أهل السنة، بل يجب عليهم أن يتخلوا عن كل ما يخالف معتقد أهل السنة ومنهجهم بما فيهم دعاة التقريب أنفسهم، سواء كانوا من الطرفين أو من طرف واحد، وإلا، فإن أهل السنة لا يرضون من الشيعة بقاءهم على أصل فاسد واستمساكهم به، فضلاً عن بقائهم على سائر أصولهم الفاسدة، ولو رجعوا عن سائر معتقداتهم الفاسدة، بل يرون ضلال من اعتقد الضلال وكُفر من اعتقد الكفر، أيّا مّا كان نوع ذلك الضلال، وأياما كان نوع ذاك الكفر.
إنني أجزم أو أكاد أجزم بأن الشيعة لو رجعوا عن جميع أصولهم الفاسدة غير أنهم يسبون دعاة التقريب من الإخوان المسلمين لما رضي الإخوان المسلمون منهم ذلك، مع أن فيهم -أعنى الإخوان المسلمين- ما يقتضى سبهم والطعن فيهم وبغضهم؛ إذ إنهم يحملون في جعبة منهجهم وحقيبة دعوتهم ما هو أخطر على الإسلام وأهله من الثعابين والحيات والعقارب، بل أخطر من وقع الدبابات والصواريخ وقذائف الطائرات، وما ذاك إلا لتعلق ما يحملونه ويبثونه وينشرونه في الناس بالدين حيث يفسدونه على أهله،ولاشك في أن هذا من باب المعائب التى تضر العبد في دينه ودنياه ومعاشه ومعاده، بخلاف تلك المذكورات فإنها من باب المصائب التى هي خير للمؤمن وحده.
وإنا قائلون لدعاة التقريب: وهل ترك الشيعة أصولهم الفاسدة ومناهجهم البائرة الكاسدة في غابر الزمان وماضيه حتى يتركوها لكم اليوم؟!
هل تركوها في زمن قوة الإسلام وعزته وتمكينه حتى يتركوها لكم اليوم؟!
إنكم –والله- كالظمآن الذي يتبع السراب يحسبه ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا.
يا معشر دعاة التقريب المغفلين: ود الشيعة لو تضلون كما ضلوا، أو تكفرون كما كفر من كفر منهم.
فلا تجهدوا أنفسكم فيما لا طائل تحته، وادعوا الشيعة -لو أردتم طاعة الله ورسوله- إلى الاعتصام بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وادعوهم إلى وجوب ترك ما هم عليه من الباطل والمنكر والزور، واحذروا مصايدهم وشباكهم وفخاخهم التى ينصبونها لأمثالكم من ضعاف العقل والعلم، وقولوا:
يا معشر الشيعة تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله، وألا نرد- حال التنازع- إلا إلى الله والرسول، وقولوا لهم:
تعالوا نتل ما حرم ربكم عليكم من الشرك به وعبادة غيره والتحريف لآياته، والإحداث في الدين، ودعوى عصمة الأئمة، ورفع منزلتهم فوق النبي المرسل والملك المقرب، وسب الصحابة، وسب أهل السنة، والإلحاد في صفات الله، إلى غير ذلك مما حرمه الله ورسوله عليكم، هذا هو الواجب، أما أن تَشغلوا -أعني دعاة التقريب- الناس بما يسمى بالتقريب، فإن هذا مما يعود بالضرر عليكم، ويعود بموالاتكم لأهل الأهواء وبغضكم لأهل السنة فوق ما أنتم عليه من البغض لهم اليوم.
واعلموا أن الشيعة من أشد الناس مكرًا، وأخبثهم كيدًا للإسلام وأهله، وللسنة وأهلها، وكيف يصدق من كان صاحب تقية؟!
بل كيف يُؤْمَنُ من كان عونًا لأهل الكفر على أهل الإسلام؟!
وخبروني كم أصلاً باطلاً تركه الشيعة مع كثرة فراقع وجعاجع دعاة التقريب ومع رفع أصواتهم وتوالي صيحاتهم بذلك؟!
واعلموا -معشر دعاة التقريب- أنه كما أن الواجب هو دعوة الكفار إلى الإسلام وإلى ترك كفرهم، ودعوة المبتدعة إلى ترك بدعهم، والتحذير منها، ودعوة العصاة إلى ترك معاصيهم، فإن الواجب على هؤلاء جميعًا هو فعل ما أوجبه الله ورسوله عليهم من ذلك، والانتهاء عما حرم الله عليهم من ذلك، ولا يقال: إن مذاهب الشيعة وأصولهم الباطلة واعتقاداتهم الفاسدة قد عفا عليها مرور الأيام وكرور الليالي، واندرست وتلاشت وذهبت وذهبت أيامها، ولا يقال: إن إثارة مثل تلك المسائل والأمور هو من باب إثارة المدفون؛ لأن من قال هذا أو ذاك فقد نادى على نفسه بالجهل، وإلا، فهو من أعداء السنن وأهلها، ومن أهل الأهواء، إن نجا من الإلحاد ومن قَصْدِ إفساد دين الإسلام من حيث هو، إذ كيف يتعامى عن وجود تلك الأصول الباطلة والمناهج الفاسدة التى هي موجودة بوجود الشيعة وبوجود مساجدهم وكتبهم ومؤلفاتهم؟!
وكيف يتعامى عن وجود دولة إيران الشيعية الرافضية التى ترعى التشيع وتدعمه في غير ما بقعة خارج ديارها(2 )؟!
إِنْ تعامى غيرنا عن ذلك أو هون من خطر الشيعة على الإسلام وأهله والسنة وأهلها، فلن نتعامى نحن عن حقيقة الشيعة الذين ينشرون باطلهم ويفسدون في ديار الإسلام -حفظها الله من كيدهم-.
لن نتعامى عن خطورتهم.
أنتعامى حتى يفجأونا ويبغتونا بباطلهم في عقر دارنا؟! إنها -والله- لإحدى الكبر.
إن أهل التشيع متجلدون في البقاء على تشيعهم.
ونقول لهم ولأذنابهم: إن أهل السنة متجلدون في البقاء على السنة.
فاحذروا -معشر أهل السنة- من مكايد الشيعة ودسائسهم ووساوسهم، ومن مكايد أذنابهم والمحامين عنهم والمهونين من أمرهم وخطرهم وضررهم؟
واحذروا فساد دعوة التقريب الذي يضر بالإسلام وأهله والسنة وأهلها، وينعش الباطل وأهله، والبدعة أهلها.
واعلموا أن دعاة التقريب أسود على أهل السنة، نعام على غيرهم.
فلتحذروا -رحمكم الله- هؤلاء الجهلاء والسفهاء، ولا تتبعوا كل ناعق، فإن من الناس من ينعق بالباطل ويلبس الحق بالباطل ليصرف الناس عن الحق.
وقد قال الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في أهل الأهواء:
(( ... فاحذروهم))
وفي ختام هذا الموجز عن أمر التقريب المزعوم المذموم المشئوم، أسأل الله أن يوفقنا وإخواننا أهل السنة للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يرد كيد الكائدين للإسلام وأهله وللسنة وأهلها في نحورهم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليمًا.
تم تسويده في أوائل شهر الله المحرم لسنة ثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية.(3 )
وكتب
أبو بكر بن ماهر بن عطية بن جمعة
أبو عبدالله.
1-ج4، ص72، طبعة دار التقوى للطباعة والنشر والتوزيع، راجعه وقدم له طه عبد الرءوف سعد.
تنبيه: تصرفنا بحذف بعض الفصلات غير المناسبة.
2- قال نحوًا من هذا بعض أهل العلم، والواقع يؤكده.
3- تمت المراجعة والتعديل في ليلة الأحد، الموافق التاسع عشر من شهر رمضان، لسنة إحدى وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية.