أبو السنابل الليبي
09-21-2010, 02:44 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمَّدٍ وآله وصحبه أجمعين، وبعدُ:
فقَدْ كُنْتُ كَتَبْتُ مَقالاً في هَذه الشَّبكة- شَبَكة سحاب السَّلفية- المباركة إنْ شَاء الله، بعُنْوَان (نداءُ نَاصِحٍ مُصْلِحٍ) فِي 27/ 12/ 1429هـ، ومضمونُهُ التَّرْهِيب عَن القَولِ عَلى الله بِغَيْرِ عِلْمٍ، وكانَ البَاعثُ عليه مَا رأيتُه مِنْ كتَابَاتٍ نُشِرت في مَواقع شتَّى، فيْهَا افْتِيَاتٌ علَى الشَّرع الْمُطَهَّر، يَدُلُّ على خُروجٍ بيِّنٍ عَنْ مَسَالِكِ أهْلِ العِلْمِ وطُلاَّبه، وقد أفْصَحْتُ عنْ بَعض أوجه ذلك الافْتِيَات فِي مَقالي الْمُشَارِ إليهِ بِمَا يُغْنِي عَنْ تِكْرارهِ هُنا.
لكنْ كأنِّي بالأَمْرِ يَتَجدَّد، وَ بِصُورٍ أكْثَر- ولا حَولَ ولاَ قُوَّة إلا بالله-؛ فَمِنْ ذَلِكَ نَشْرُ بَعضهم كِتَاباتٍ وَمَقَالاتٍ حَمَلت هزَالاً عِلميَّاً، وبُعْدَاً عَنِ الرَّصَانَةِ الدَّالة عَلى أَصَالَةٍ وَقُوَّة علميَّة، ومَعَ الأسفِ تُسوَّق على أنَّها ذَات طَابعٍ عِلميٍّ أَصيلٍ رَصينٍ، تَحْمِلُ الْحُجَّة والبُرْهَان- زَعَمُوا-!
وبالنَّظرِ فيها يظهرُ للمنْصِفِ – بِجلاءٍ- تَجَذُّر هَذا الدَّاء العُضَال، أعني الافتيات على الشَّرع، مَعَ الدَّعاوى العريضة و البهْرِج المزيَّف، يُصَاحبه عُجبٌ مُهْلِكٌ!! وَخُلُّوِهَا مِنَ الرَّصانة العلميَّة فضلاً عَن الأصالةِ! أمَّا الحجَّة والبرهان فهو مِن جنْس الدَّعاوى العريضة، تَهويلاً لا غَير، إذْ مِنَ الْمَعْلُوم أنَّ: الدَّعاوى يَسْتَطِيعُهَا كُلّ أحدٍ، لكنْ هَلْ الكُلّ يَستطيعُ أنْ يُثْبتَ صِحَّتها بِبُرْهَانٍ ثَابِتٍ، وفَهْمٍ صَحيحٍ مبني على التَّجرُّد التَّامِّ والعِلْمِ الرَّاسخ، على سَنَنِ الرَّاسخين فِي العِلْمِ!!
قالَ شيخُ الإسلام ابن تيميَّة في (الرَّد على البكري) (2 / 729) :" العِلْمُ شَيئان: إمَّا نقلٌ مُصَدَّقٌ، وإمَّا بَحْثٌ مُحقَّقٌ، ومَا سِوَى ذَلِكَ فَهَذَياَنٌ مُزَوَّقٌ".
وقال تلميذه شيخُ الإسلام ابن القيم في (اجتماع الجيوش الإسلامية)(ص 45-46):"..فَليسَ العِلْمُ كَثرة النَّقْلِ وَالبَحثِ وَ الكَلامِ، ولكنْ نُورٌ يُمَيِّزُ بِه صَحِيْح الأَقْوَالِ مِنْ سَقِيْمهَا وَحَقّها مِنْ بَاطِلهَا، وَ مَا هُو مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ مِمَّا هُو مِنْ آرَاءِ الرِّجَالِ، وَ يُمَيِّزُ النَّقْدَ الَّذي عَليهِ سكَّة أهْلِ الْمَدينَةِ النَّبويَّةِ؛ الَّذي لا يَقْبَلُ الله عَزَّ وجلَّ ثَمناً لِجَنَّتهِ سِوَاهُ مِنَ النَّقدِ الَّذي عليهِ سكَّة جِنْكِسخَان وَنُوابهُ مِنَ الفَلاسِفَةِ وَ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزلَةِ، وَ كُلّ مَن اتَّخذَ لِنَفْسهِ سكَّةً وَ ضَرباً وَ نَقداً يُرَوِّجهُ بَيْن العَالَمِ، فَهذه الأَثْمَانُ كُلّهَا زُيُوفٌ لاَ يَقْبَلُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعالَى فِي ثَمَنِ جَنَّتهِ شَيئاً مِنْهَا، بَل تُردُّ عَلى عَامِلهَا أَحْوَج مَا يَكُون إليْهَا، وَ تَكُونُ مِنَ الأْعَمَالِ الَّتي قَدِمَ اللهَ تَعالَى عَليْهَا فَجَعَلهَا هَباءً مَنْثُوراً.." إلى آخر كلامهِ المهمِّ، فانظرهُ غير مأمورٍ.
وبعدَ هذا التَّمهيد، أَقُولُ:
إنَّه قَد سَألني بعضُ طلبتي- طلبة العِلْم الشَّرعي- بالمدينة النبوية عَنْ لَفْظَةٍ وردت في حديثِ أنسِ بنِ مَالكٍ رضي الله عنه، هَلْ هِي ثَابتة أم لا؟
فكانَ أنْ كتبتُ هذه الدِّراسة حولها، وبالله التَّوفيق:
الكلامُ عن لفظةٍ وردت في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه
أولاً: نصُّ الحديث:
عن أنسٍ رضي الله عنه قالَ:إنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم دخلَ نَخْلاً لِبَنِي النَّجَّار فَسَمِعَ صَوتاً فَفَزِعَ، فَقَالَ: (مَنْ أَصْحَابُ هَذه القُبُورِ ؟).
قَالُوا يَا رَسُولَ الله: نَاسٌ مَاتُوا فِي الْجَاهِليَّةِ. فَقَالَ: ( تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ).
قَالُوا: وَمِمَّ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: (إنَّ الْمُؤْمنَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرهِ أتَاهُ مَلَكٌ فَيَقَولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟ فَإنِ اللهُ هَدَاهُ قَالَ: كُنْتُ أَعْبُدُ اللهَ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: هُو عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَمَا يُسْأَلُ عَنْ شَيءٍ غَيَرْهَا، فَيُنْطَلَقُ بِهِ إلَى بَيْتٍ كانَ لَهُ فِي النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا بَيْتُكَ كَانَ لَكَ فِي النَّارِ، وَلِكنَّ اللهَ عَصَمَكَ وَرَحِمَكَ فَأَبْدَلَكَ بِهِ بَيْتَا فِي الْجَنَّةِ.
فَيَقُولُ: دَعُونِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُبَشِرَّ أَهْلِي. فَيُقالُ لَهُ: اسْكُنْ.
وَإنَّ الكَافِرَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهرَهُ فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ ؟ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي. فَيُقُالُ لَهُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ. فَيُقُالُ لَهُ: فَمَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَيَقُولُ: كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيَضْرِبُهُ بِمِطْرَاقٍ مِنْ حَديدٍ بَيْنَ أُذُنَيهِ، فَيَصِيْحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا الْخَلْقُ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ).
ثانياً: لفظةُ الاستشكالِ:
هي قوله (فما يُسألُ عن شيءٍ غيرها).
ثالثاً: التَّخريجُ والكلامُ عليه.
الحديثُ أخْرجَهُ أبوداود في (السُّنن)(5 / 112 / رقم 4751) وأحمدُ فِي (الْمُسْنَد) (21 / 119 / رقم 13447) وابنُه عبدالله في (السُّنَّةِ)(229 / رقم 1403- ط الرازحي) والبيهقي في (عذاب القبر ونعيمه)(29 / رقم 18 و19) كلُّهم من طريق عبدالوهَّاب بن عطَاء الخفَّاف عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنسٍ به.
الحديثُ سكتَ عنْه أبوداود.
وصحَّحه الألباني فِي (صحيح الجامع)(رقم 1930)، وفي (الصَّحيحة)(3 / تحت رقم 1344) وقال بأنَّه "على شرط مسلمٍ".
وخولفَ فيهِ عبدُالوهاب الخفاف، مِنْ:
1- يَزيدُ بْنُ زُرَيْعٍ؛ فرواهُ عَنْ سَعيد عن قَتَادة عن أنس به، ولَيْسَت فيه هَذه الْجُمْلَة.
أخرجه البُخَاري فِي (الصحيح)(3 / رقم 1338- فتح) ومسلمٌ في (الصحيح)(4 / 71 / رقم 2870)- مختصراً- والبيهقي في (عذاب القبر) (21 / رقم 31)- مطولاً- كلاهما من طريق ابنِ زريع به.
ولَفْظُ البخاريِّ: ( العَبْدُ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرهِ وَتَولَّى وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ، حَتَّى إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذا الرَّجُلِ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ؟ فيقولُ: أَشْهدُ أنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فيُقَالُ: انْظُرْ إلَى مَقْعَدِكَ فِي النَّارِ أَبْدَلَكَ اللهُ بهِ مَقْعَداً مِنَ الْجَنَّةِ. قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلّم: فَيَراهُمَا جَمِيْعَاً، وَأمَّا الكَافِرُ أو الْمُنَافِقُ فَيَقولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمْطَرَقَةٍ مِنْ حَديدٍ ضَربةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيْحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيَهُ إلاَّ الثَّقَلين(.
قال البيهقيُّ:" هذا حديثُ الفريابي، رواه البخاري في (الصَّحيح)، فقال: وقال لي خليفة: ثنا يزيد بن زريع... فذكره، ورواه مسلمٌ عن محمد بن المنهال مختصراً".
قُلتُ: ويزيدُ بن زُرَيْع هو البَصريُّ، يقال لَهُ: رَيْحَانَةُ البَصْرَة، ثِقَةٌ ثَبْتٌ، أخرج له الجماعة، كما في (التقريب)(رقم 7764).
2- عبدالأعلى بن عبدالأعلى؛ فَرَواهُ عَنْ سَعيد عَنْ قَتَادة عَن أنسٍ بهِ، وليستْ فيْه هَذه الْجُمْلة.
أخرجَهُ البُخَاريُّ في (الصَّحيح)(3 / رقم 1374- فتح) عن عيَّاش بن الوليد ثنا عبدالأعلى به، ولفظه: ( إنَّ العَبْدَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرهِ وَتَولَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وإنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولاَنِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي الرَّجُلِ؟ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلَّم.
فَأمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَرَاهُمَا جَمِيْعَاً).
قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفسَحُ لَهُ فَي قَبْرهِ.
ثُمَّ رَجَعَ إلَى حَديثِ أَنَسٍ قَالَ: ( وأمَّا الْمُنَافِقُ وَالكَافِرُ فَيُقُالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذا الرَّجُلِ ؟ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقولُ مَا يَقولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيْدٍ ضَرْبَةً، فَيَصِيْحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيْهِ غَيرَ الثَّقَلينِ).
قُلتُ: و عبدُالأعلى بن عبدالأعلى هُو السَّامي البصري،ثِقَةٌ، أخرجَ لَهُ الْجَمَاعَةُ، كما في (التقريب)(رقم 3758).
قَالَ الْحَافظُ ابنُ عديٍّ:" أَرْوَاهُم عنْهُ عَبْدُالأعلى السَّامي، والبَعْضُ مِنْهَا عَنْ شُعَيب بن إسْحاق وَ عَبْدة بن سُليمان و عَبدالوهَّاب الْخفَّاف.
وأثْبَتُ النَّاسِ فيْه يَزُيد بن زُريع وخَالد بن الْحَارث ويحيى بن سعيد وَنُظَرائهم قَبْل الاخْتِلاَطِ.
وَرَوى الأصْنَافَ كُلَّها لِسَعيدِ بنِ أَبِي عَروبَة عَبْدُالوهَّاب بن عطاء الْخَفَّاف" نقلاً من حاشية (الكواكب النيرات)(ص 196)، فقد أخذه من نسخة خطية لـ(الكامل) لابن عدي، ونحوه في (الكواكب)، وهذا النصُّ غير موجود في (المطبوع) من (الكامل)!
فظهر بهذا أنَّ يزيداً مع ثقته وتثبته، مُقَدَّمٌ في سعيد عَلى غَيره،ِ وَ عَبْدُالأعلى أرواهم عنْهُ، وكِلاَهُما لَمْ يَذْكُرا هَذه الَّلفظة، وتفرَّد بها دونهما عبدالوهَّاب؛ لذا فهَذه اللفظة مُنْكَرةٌ؛ لتفرُّد عبدالوهاب الخفَّاف بِها دُونَ سَائرِ أصْحَابِ سَعيدِ بْن أبِي عَروبة، ومِثْلُه لاَ يُحْتَمَلُ تَفرُّده.
وَ لِمَزيدٍ بَيانٍ أقولُ:
أ/ إنَّ عَبدَالوهَّاب مُتَكلَّمٌ في ضَبْطهِ وَحِفْظهِ، وَليس هُو فِي دَرجة الثِّقَاتِ فَضْلاً عن الْحُفَّاظ الأثباتِ اللذين يُحتملُ تفرُّدهم كيزيد بن زريع ويحي القطَّان وأضرابهما، قال المرُّوذي في (العلل ومعرفة الرجال)(59 / رقم 48 ):" قلتُ – أي لأبِي عبدالله-: عبدالوهاب ثقةٌ؟ قالَ: تدري ما تَقول؟! إنَّما الثِّقَةُ يَحيى القطَّان".
وأخرجه مُسنداً عنْهُ الخطيب في (تاريخ بغداد)(11 / 23).
وقالَ الإمام أحمد أيضاً:" ضعيفُ الْحَديثِ، مُضْطَربٌ" (العلل ومعرفة الرجال) للمروذي (359 / رقم 201).
وقال يَحيى بنُ مَعينٍ:" لَيْسَ بِه بَأْسٌ" (تاريخ الدارمي)(رقم 519) و(الجرح والتعديل)(6 / رقم 372).
ووثَّقه ابن معين مرَّة كما في (تاريخ الدوري)(2 / 379)، وقالَ مرَّةً:" يُكْتَبُ حَديثُهُ" (تاريخ بغداد)(11 / 24).
وقال السَّاجي:" صَدوقٌ ليسَ بِالقَويِّ عِنْدَهُم، خرجَ إلَى بَغْدَاد مِنَ البَصْرَةِ فَكَتَبُوا عنْهُ، فَكَتَب إلَى أخيهِ: إنِّي قَدْ حَدَّثتُ بِبَغْداد فَصَدَّقوني، وأنَا أحمدُ الله على ذلك" (المصدر السابق).
وقال الإمامُ البُخاري:" ليس بِالقَويِّ عِنْدَهُم، وهُو يُحتملُ" (الضعفاء الصغير)(رقم 233).
وقال أيضاً:" يُكتبُ حَديثه، قيلَ لَه: يُحْتَجُّ به؟ قال: أرْجُو إلاَّ أنَّه كان يدلِّس عن ثورٍ وأقوام أحاديث مناكير" (تهذيب التهذيب)(6 / 452).
وقال النَّسائي:" ليس بالقوي" (الضعفاء والمتروكين) (رقم 374)، ومرة قال:" ليس به بأس" (تهذيب التهذيب)(6 / 453).
وقال ابنُ أبي حاتِمٍ:" سألتُ أبي عنه؟ فقال: يُكتب حَديثه، مَحَلُّهُ الصِّدْق.
قلتُ: هو أحب إليك أو أبو زيد النَّحوي في ابن أبي عروبة؟ فقال: عبدالوهَّاب، وليس عنْدَهُم بِقويٍّ في الْحَديثِ" (الجرح والتعديل)(6 / رقم 372).
وذكر الأسديُّ أنَّ الخفاف روى حديثاً في فضل العباس، ونقل عن الإمام يحيى بن معين قوله:" هذا موضوعٌ، وعبدالوهاب لم يقل فيه (حدثنا ثور)، ولعله دلَّس فيه، وهو ثقة" (تاريخ بغداد)(11 / 23-24).
وقال ابن نُمَيرٍ:" ليس به بأسٌ" (الجرح والتعديل)(6 / رقم 372)، وفي موطن قال:" حدَّث عنْهُ أصْحَابنا، وكانَ أَصْحَابُ الْحَديثِ يَقُولونَ: إنَّه سَمِعَ مِن سَعيدٍ بِآخِرَةٍ، كانَ شِبْهَ الْمَتْرُوكِ" (تقدمة الجرح والتعديل)(324) و(شرح علل الترمذي) (2 / 747).
وقالَ البزَّار:" ليس بِقَويٍّ، وقد احْتَمَل أهْلُ العِلْم حَديثه" (تهذيب التهذيب)(6 / 453).
ووثَّقه الدارقطني – (تاريخ بغداد)(11 / 24)- والحسنُ بنُ سُفْيَان- (تهذيب التهذيب)-، وذَكَرهُ ابنُ حِبَّان فِي (الثِّقَاتِ) (7 / 133).
وقال الذَّهبي في (الميزان)(2 / ص 681):" صَدُوقٌ "، وذكره في (المغني في الضعفاء)(1 / 585).
وقال ابنُ حجر:" صَدوقٌ رُبَّما أَخْطَأ، أنْكَرُوا عليه حَدِيثاً فِي فَضْلِ العَبَّاسِ، يُقال: دلَّسه عَنْ ثَورٍ" (التقريب)(4290 / رقم 633).
الخلاصةُ: أنَّ الرَّجلَ ليس بضابطٍ، ولا بالقويِّ، ومنْ كانَ هَذا حالُهُ فَلا يُحتملُ تفرُّده، وسيأتي بحوله تعالى ما يدلُّ على عَدَمِ ضَبْطهِ.
ب/ أنَّ مِنَ الْمُتَقرِّر لدى أهلِ العِلْمِ بالْحَديثِ أنَّ الإمامَ سعيد بن أبي عروبة قَد اخْتَلَطَ سنَةَ 142هـ، وقيل: 145هـ، كما نصَّ على ذلك الأئمة كيحيى بن معين وغيره، ينظر:
(سؤالات أبي داود لأحمد بن حنبل)(2 / 157-158) و (العلل ومعرفة الرجال) للمروذي (58 / رقم 47) و (تاريخ أبي زرعة الدمشقي) (1 / رقم 1139) و(الكامل) (3 / 1230) و(الثقات) (6 / 360) و(معرفة أنواع علم الحديث) لابن الصلاح (ص 393) و(الكواكب النيرات) لابن الكيال (ص 193).
فهل سماع عبدالوهَّاب الْخَفَّاف منْهُ قَبْل أم بعد اختلاطه؟
من أهل العلم من عدَّ سماعه منه قبل الاختلاط، كابن عديٍّ (الكواكب النيرات)(ص 196).
وخالفه غيرهُ كما ذكرنا فيما مضى عن ابن نُميرٍ قوله:" وكان أصحاب الحديث يقولون: إنَّه سمع من سعيد بآخرة".
وقال الإمام يحيى معين:" قلتُ: لعبدالوهاب: سمعتَ من سعيد في الاختلاط؟ قال: سمعتُ منه في الاختلاط وغير الاختلاط، فليس أميزُ بين هذا وهذا" (شرح علل الترمذي)(2/747)، وينظر (العلل) للمروذي (47 / رقم 58-59).
قُلتُ: وهذا النَّصُّ منه يُظهر بجلاء عدم تمييزه لحديث سعيدٍ الذي تحمَّله عنه، وما كان كذلك فليس محلاً للجدال في قبوله، ونَقْطَعُ جَزْمَاً أَنَّ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي (صَحيحهِ) مِن روايته عَنْهُ أنَّه مِمَّا تَبيَّن لَهُ تَمْييزهُ.
ج/ لا يردُ علَى مَا سبقَ ما قَد يَذْكُرهُ بَعْضهمْ مِنْ أنَّ عبدالوهَّاب الْخَفَّاف قالَ فيه الإمامُ أحمد:" كان عَالِمَاً بسعيدٍ" (تاريخ بغداد)(11 / 23)، وقولهُ :" كان عبدالوهَّاب بن عطاء منْ أعلم النَّاس بحديث سعيد بن أبي عروبة" (المصدر السابق).
لأنَّ هذهِ العِبَارات لا تدلُّ علَى ضَبْطهِ لِحَديثِ سَعيدٍ، وقَدْ تَقدَّم أنَّ الإمامَ أحمد وصفه بالضَّعف والاضطراب، والمتأملُ في كلام الحافظِ ابن عديٍّ المسطَّر أعلاه يُدركُ تَمَامَاً معنى كلمة الإمام أحمد هذه؛ فَهِيَ تَدُلُّ على أنَّ عبدالوهاب قد روى الأصناف كلَّها التي حُملت عنه بعد وقبل اختلاط سَعيدِ بنِ أَبِي عَروبة؛ لذا فهو عالم به، لكنَّه غير مميزٍ لها كما مرَّ من قوله نفسهِ!.
د/ أنَّ الحديثَ قد رواه عبدالوهاب الخفَّاف بدون الزيادة، موافقاً يزيد بن زريع وعبدالأعلى، مما يدلُّ على أنَّ هذه الرواية عنه هي المعروفة، وما خالفها منكرة، فقد جاء عند مسلمٌ في (الصحيح)(4 / 72 / رقم 2870) ما نصُّه: (حدثني عمرو بن زرارة أخبرنا عبدالوهاب يعني ابن عطاء عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: (إنَّ العبدَ إذا وضعَ في قبرهِ، وتولَّى عنه أصحابه)، فذكرَ بمثل حديث شيبان عن قتادة) انتهى.
قلتُ: قول مسلمٍ:" فذكر بمثل حديث شيبان عن قتادة" يعني أنَّ رواية عبدالوهاب عن سعيد عن قتادة هذه بمثل رواية شيبان عن قتادة، والمثلية هنا في اللفظ قطعاً، وبالنَّظر في لفظ شيبان نجده قد ساقه رحمه الله في (صحيحه)(4 / 72 / رقم 2870) - وليست فيه هذه الجملة (فما يسأل عن شيء غيرها) - فقَال: حَدَّثَنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ حَدَّثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنا شَيْبَانُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ قَتَادَةَ حدَّثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم: (إنَّ العَبْدَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرهِ وَتَولَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، قَالَ: يَأْتِيْهِ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ قَالَ: فَأمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَ رَسُولُهُ.
قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِنَ الْجَنَّةِ، قَالَ نبيُّ اللهِ r: فَيَراهُمَا جَمِيْعَاً.
قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لنَا أنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرهِ سَبْعُونَ ذِرَاعَاً، وَيُمْلأُ عَليهِ خَضِراً إلَى يَومِ يُبْعَثُونَ).
إيرادٌ:قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ:
إنَّ عبْدَالوهَّاب لَمْ يَتَفرَّد بِهَذهِ الَّلفظة، فَقَدْ أَخْرج الآجريُّ في (الشريعة)(3 / رقم 857- ط دار الوطن) فقَالَ: حدَّثنا الفريابِي قال: حدَّثنا صَفْوان بنُ صَالِحٍ قالَ: حدَّثنا الوَليدُ بنُ مُسْلمٍ قالَ: حدَّثنا خُلَيْدُ بْنُ دَعْلَجٍ عنْ قَتَادة عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعاً.
ولَفْظُه قَريْبٌ مِنْ لَفْظِ (عَبْدِالوهَّاب) فِي حَديثِ البَابِ عِنْدنَا، وفيه قَولهُ (فَمَا يَسْأَلهُ عَنْ شَيءٍ غَيْرَهَا )، فالوليدُ بن مسلمٍ متابعٌ له متابعة قاصرة.
فَالْجَوابُ: هَذهِ الْمُتَابَعَةُ لاَ يُفْرَحُ بِها؛ إذْ هِيَ مُنْكَرةٌ أيْضَاً، فَالرَّاوي لَهَا عَنْ قَتَادة هو: خُليد بنُ دَعْلَجٍ السَّدوسي البصريُّ، قَالَ الإمَامَان أَحْمَدُ وابنُ مَعينٍ:" ضعيفُ الحديث" (الجرح والتعديل)(3 / رقم 1759).
وقال ابنُ مَعينٍ مرَّةً:" ليس بشيءٍ"(التاريخ) للدوري (2 / 149).
وقال النَّسَائيُّ في (الضُّعفاء) له (رقم 175):" ليسَ بِثِقَةٍ "، وقالَ أَبو حَاتِمٍ الرَّازي في (الجرح والتعديل)(3 / رقم 1759): "صَالِحٌ لَيْسَ بِالْمَتِيْنِ فِي الْحَديثِ، حَدَّثَ عَنْ قَتَادة أحَادِيْثَ بَعْضهَا مُنْكَرة".
وقَال أبوداود:" ضَعِيفٌ" (سؤالات أبي عبيد الآجري)(رقم 253)، وقالَ ابنُ حِبَّان فِي (الْمَجْرُوحين)(1 / 285):" كانَ كَثيرَ الْخَطأ فِيْمَا يَرْوي عَنْ قتَادَة وغيره، يَعْجبني التَّنكب عنْ حَديثه إذَا انْفَردَ"، وقَالَ الذَّهبي في (المغني)(1 / رقم 1947):" لَيْسَ بِقَويٍّ، ضعَّفه أحمد وغيره"، وقال ابنُ حَجرٍ في (التَّقريب)(رقم 1750):"ضَعِيْفٌ".
فخُلاَصَةُ حَالهِ: أنَّه ضَعِيْفٌ غَيْرُ مَتِينٍ، وروايتُهُ عَنْ قَتادة فيْهَا كَلامٌ، فَمِثْلهُ لاَ تُحْتَمَلُ رِوايتهُ، وهِي فِي عِدَادِ الْمُنْكَرَاتِ، والْمُنْكَرُ لاَ يُقَويّ الْمُنْكَرَ، والله أعلم.
وكتبه
عبدالله بن عبدالرحيم البخاري
المدينة النَّبويَّة
11/ 10/ 1431هـ
ــــــــــــ
منقول من سحاب
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمَّدٍ وآله وصحبه أجمعين، وبعدُ:
فقَدْ كُنْتُ كَتَبْتُ مَقالاً في هَذه الشَّبكة- شَبَكة سحاب السَّلفية- المباركة إنْ شَاء الله، بعُنْوَان (نداءُ نَاصِحٍ مُصْلِحٍ) فِي 27/ 12/ 1429هـ، ومضمونُهُ التَّرْهِيب عَن القَولِ عَلى الله بِغَيْرِ عِلْمٍ، وكانَ البَاعثُ عليه مَا رأيتُه مِنْ كتَابَاتٍ نُشِرت في مَواقع شتَّى، فيْهَا افْتِيَاتٌ علَى الشَّرع الْمُطَهَّر، يَدُلُّ على خُروجٍ بيِّنٍ عَنْ مَسَالِكِ أهْلِ العِلْمِ وطُلاَّبه، وقد أفْصَحْتُ عنْ بَعض أوجه ذلك الافْتِيَات فِي مَقالي الْمُشَارِ إليهِ بِمَا يُغْنِي عَنْ تِكْرارهِ هُنا.
لكنْ كأنِّي بالأَمْرِ يَتَجدَّد، وَ بِصُورٍ أكْثَر- ولا حَولَ ولاَ قُوَّة إلا بالله-؛ فَمِنْ ذَلِكَ نَشْرُ بَعضهم كِتَاباتٍ وَمَقَالاتٍ حَمَلت هزَالاً عِلميَّاً، وبُعْدَاً عَنِ الرَّصَانَةِ الدَّالة عَلى أَصَالَةٍ وَقُوَّة علميَّة، ومَعَ الأسفِ تُسوَّق على أنَّها ذَات طَابعٍ عِلميٍّ أَصيلٍ رَصينٍ، تَحْمِلُ الْحُجَّة والبُرْهَان- زَعَمُوا-!
وبالنَّظرِ فيها يظهرُ للمنْصِفِ – بِجلاءٍ- تَجَذُّر هَذا الدَّاء العُضَال، أعني الافتيات على الشَّرع، مَعَ الدَّعاوى العريضة و البهْرِج المزيَّف، يُصَاحبه عُجبٌ مُهْلِكٌ!! وَخُلُّوِهَا مِنَ الرَّصانة العلميَّة فضلاً عَن الأصالةِ! أمَّا الحجَّة والبرهان فهو مِن جنْس الدَّعاوى العريضة، تَهويلاً لا غَير، إذْ مِنَ الْمَعْلُوم أنَّ: الدَّعاوى يَسْتَطِيعُهَا كُلّ أحدٍ، لكنْ هَلْ الكُلّ يَستطيعُ أنْ يُثْبتَ صِحَّتها بِبُرْهَانٍ ثَابِتٍ، وفَهْمٍ صَحيحٍ مبني على التَّجرُّد التَّامِّ والعِلْمِ الرَّاسخ، على سَنَنِ الرَّاسخين فِي العِلْمِ!!
قالَ شيخُ الإسلام ابن تيميَّة في (الرَّد على البكري) (2 / 729) :" العِلْمُ شَيئان: إمَّا نقلٌ مُصَدَّقٌ، وإمَّا بَحْثٌ مُحقَّقٌ، ومَا سِوَى ذَلِكَ فَهَذَياَنٌ مُزَوَّقٌ".
وقال تلميذه شيخُ الإسلام ابن القيم في (اجتماع الجيوش الإسلامية)(ص 45-46):"..فَليسَ العِلْمُ كَثرة النَّقْلِ وَالبَحثِ وَ الكَلامِ، ولكنْ نُورٌ يُمَيِّزُ بِه صَحِيْح الأَقْوَالِ مِنْ سَقِيْمهَا وَحَقّها مِنْ بَاطِلهَا، وَ مَا هُو مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ مِمَّا هُو مِنْ آرَاءِ الرِّجَالِ، وَ يُمَيِّزُ النَّقْدَ الَّذي عَليهِ سكَّة أهْلِ الْمَدينَةِ النَّبويَّةِ؛ الَّذي لا يَقْبَلُ الله عَزَّ وجلَّ ثَمناً لِجَنَّتهِ سِوَاهُ مِنَ النَّقدِ الَّذي عليهِ سكَّة جِنْكِسخَان وَنُوابهُ مِنَ الفَلاسِفَةِ وَ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزلَةِ، وَ كُلّ مَن اتَّخذَ لِنَفْسهِ سكَّةً وَ ضَرباً وَ نَقداً يُرَوِّجهُ بَيْن العَالَمِ، فَهذه الأَثْمَانُ كُلّهَا زُيُوفٌ لاَ يَقْبَلُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعالَى فِي ثَمَنِ جَنَّتهِ شَيئاً مِنْهَا، بَل تُردُّ عَلى عَامِلهَا أَحْوَج مَا يَكُون إليْهَا، وَ تَكُونُ مِنَ الأْعَمَالِ الَّتي قَدِمَ اللهَ تَعالَى عَليْهَا فَجَعَلهَا هَباءً مَنْثُوراً.." إلى آخر كلامهِ المهمِّ، فانظرهُ غير مأمورٍ.
وبعدَ هذا التَّمهيد، أَقُولُ:
إنَّه قَد سَألني بعضُ طلبتي- طلبة العِلْم الشَّرعي- بالمدينة النبوية عَنْ لَفْظَةٍ وردت في حديثِ أنسِ بنِ مَالكٍ رضي الله عنه، هَلْ هِي ثَابتة أم لا؟
فكانَ أنْ كتبتُ هذه الدِّراسة حولها، وبالله التَّوفيق:
الكلامُ عن لفظةٍ وردت في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه
أولاً: نصُّ الحديث:
عن أنسٍ رضي الله عنه قالَ:إنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم دخلَ نَخْلاً لِبَنِي النَّجَّار فَسَمِعَ صَوتاً فَفَزِعَ، فَقَالَ: (مَنْ أَصْحَابُ هَذه القُبُورِ ؟).
قَالُوا يَا رَسُولَ الله: نَاسٌ مَاتُوا فِي الْجَاهِليَّةِ. فَقَالَ: ( تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ).
قَالُوا: وَمِمَّ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: (إنَّ الْمُؤْمنَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرهِ أتَاهُ مَلَكٌ فَيَقَولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟ فَإنِ اللهُ هَدَاهُ قَالَ: كُنْتُ أَعْبُدُ اللهَ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: هُو عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَمَا يُسْأَلُ عَنْ شَيءٍ غَيَرْهَا، فَيُنْطَلَقُ بِهِ إلَى بَيْتٍ كانَ لَهُ فِي النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا بَيْتُكَ كَانَ لَكَ فِي النَّارِ، وَلِكنَّ اللهَ عَصَمَكَ وَرَحِمَكَ فَأَبْدَلَكَ بِهِ بَيْتَا فِي الْجَنَّةِ.
فَيَقُولُ: دَعُونِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُبَشِرَّ أَهْلِي. فَيُقالُ لَهُ: اسْكُنْ.
وَإنَّ الكَافِرَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهرَهُ فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ ؟ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي. فَيُقُالُ لَهُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ. فَيُقُالُ لَهُ: فَمَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَيَقُولُ: كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيَضْرِبُهُ بِمِطْرَاقٍ مِنْ حَديدٍ بَيْنَ أُذُنَيهِ، فَيَصِيْحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا الْخَلْقُ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ).
ثانياً: لفظةُ الاستشكالِ:
هي قوله (فما يُسألُ عن شيءٍ غيرها).
ثالثاً: التَّخريجُ والكلامُ عليه.
الحديثُ أخْرجَهُ أبوداود في (السُّنن)(5 / 112 / رقم 4751) وأحمدُ فِي (الْمُسْنَد) (21 / 119 / رقم 13447) وابنُه عبدالله في (السُّنَّةِ)(229 / رقم 1403- ط الرازحي) والبيهقي في (عذاب القبر ونعيمه)(29 / رقم 18 و19) كلُّهم من طريق عبدالوهَّاب بن عطَاء الخفَّاف عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنسٍ به.
الحديثُ سكتَ عنْه أبوداود.
وصحَّحه الألباني فِي (صحيح الجامع)(رقم 1930)، وفي (الصَّحيحة)(3 / تحت رقم 1344) وقال بأنَّه "على شرط مسلمٍ".
وخولفَ فيهِ عبدُالوهاب الخفاف، مِنْ:
1- يَزيدُ بْنُ زُرَيْعٍ؛ فرواهُ عَنْ سَعيد عن قَتَادة عن أنس به، ولَيْسَت فيه هَذه الْجُمْلَة.
أخرجه البُخَاري فِي (الصحيح)(3 / رقم 1338- فتح) ومسلمٌ في (الصحيح)(4 / 71 / رقم 2870)- مختصراً- والبيهقي في (عذاب القبر) (21 / رقم 31)- مطولاً- كلاهما من طريق ابنِ زريع به.
ولَفْظُ البخاريِّ: ( العَبْدُ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرهِ وَتَولَّى وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ، حَتَّى إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذا الرَّجُلِ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ؟ فيقولُ: أَشْهدُ أنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فيُقَالُ: انْظُرْ إلَى مَقْعَدِكَ فِي النَّارِ أَبْدَلَكَ اللهُ بهِ مَقْعَداً مِنَ الْجَنَّةِ. قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلّم: فَيَراهُمَا جَمِيْعَاً، وَأمَّا الكَافِرُ أو الْمُنَافِقُ فَيَقولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمْطَرَقَةٍ مِنْ حَديدٍ ضَربةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيْحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيَهُ إلاَّ الثَّقَلين(.
قال البيهقيُّ:" هذا حديثُ الفريابي، رواه البخاري في (الصَّحيح)، فقال: وقال لي خليفة: ثنا يزيد بن زريع... فذكره، ورواه مسلمٌ عن محمد بن المنهال مختصراً".
قُلتُ: ويزيدُ بن زُرَيْع هو البَصريُّ، يقال لَهُ: رَيْحَانَةُ البَصْرَة، ثِقَةٌ ثَبْتٌ، أخرج له الجماعة، كما في (التقريب)(رقم 7764).
2- عبدالأعلى بن عبدالأعلى؛ فَرَواهُ عَنْ سَعيد عَنْ قَتَادة عَن أنسٍ بهِ، وليستْ فيْه هَذه الْجُمْلة.
أخرجَهُ البُخَاريُّ في (الصَّحيح)(3 / رقم 1374- فتح) عن عيَّاش بن الوليد ثنا عبدالأعلى به، ولفظه: ( إنَّ العَبْدَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرهِ وَتَولَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وإنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولاَنِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي الرَّجُلِ؟ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلَّم.
فَأمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَرَاهُمَا جَمِيْعَاً).
قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفسَحُ لَهُ فَي قَبْرهِ.
ثُمَّ رَجَعَ إلَى حَديثِ أَنَسٍ قَالَ: ( وأمَّا الْمُنَافِقُ وَالكَافِرُ فَيُقُالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذا الرَّجُلِ ؟ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقولُ مَا يَقولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيْدٍ ضَرْبَةً، فَيَصِيْحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيْهِ غَيرَ الثَّقَلينِ).
قُلتُ: و عبدُالأعلى بن عبدالأعلى هُو السَّامي البصري،ثِقَةٌ، أخرجَ لَهُ الْجَمَاعَةُ، كما في (التقريب)(رقم 3758).
قَالَ الْحَافظُ ابنُ عديٍّ:" أَرْوَاهُم عنْهُ عَبْدُالأعلى السَّامي، والبَعْضُ مِنْهَا عَنْ شُعَيب بن إسْحاق وَ عَبْدة بن سُليمان و عَبدالوهَّاب الْخفَّاف.
وأثْبَتُ النَّاسِ فيْه يَزُيد بن زُريع وخَالد بن الْحَارث ويحيى بن سعيد وَنُظَرائهم قَبْل الاخْتِلاَطِ.
وَرَوى الأصْنَافَ كُلَّها لِسَعيدِ بنِ أَبِي عَروبَة عَبْدُالوهَّاب بن عطاء الْخَفَّاف" نقلاً من حاشية (الكواكب النيرات)(ص 196)، فقد أخذه من نسخة خطية لـ(الكامل) لابن عدي، ونحوه في (الكواكب)، وهذا النصُّ غير موجود في (المطبوع) من (الكامل)!
فظهر بهذا أنَّ يزيداً مع ثقته وتثبته، مُقَدَّمٌ في سعيد عَلى غَيره،ِ وَ عَبْدُالأعلى أرواهم عنْهُ، وكِلاَهُما لَمْ يَذْكُرا هَذه الَّلفظة، وتفرَّد بها دونهما عبدالوهَّاب؛ لذا فهَذه اللفظة مُنْكَرةٌ؛ لتفرُّد عبدالوهاب الخفَّاف بِها دُونَ سَائرِ أصْحَابِ سَعيدِ بْن أبِي عَروبة، ومِثْلُه لاَ يُحْتَمَلُ تَفرُّده.
وَ لِمَزيدٍ بَيانٍ أقولُ:
أ/ إنَّ عَبدَالوهَّاب مُتَكلَّمٌ في ضَبْطهِ وَحِفْظهِ، وَليس هُو فِي دَرجة الثِّقَاتِ فَضْلاً عن الْحُفَّاظ الأثباتِ اللذين يُحتملُ تفرُّدهم كيزيد بن زريع ويحي القطَّان وأضرابهما، قال المرُّوذي في (العلل ومعرفة الرجال)(59 / رقم 48 ):" قلتُ – أي لأبِي عبدالله-: عبدالوهاب ثقةٌ؟ قالَ: تدري ما تَقول؟! إنَّما الثِّقَةُ يَحيى القطَّان".
وأخرجه مُسنداً عنْهُ الخطيب في (تاريخ بغداد)(11 / 23).
وقالَ الإمام أحمد أيضاً:" ضعيفُ الْحَديثِ، مُضْطَربٌ" (العلل ومعرفة الرجال) للمروذي (359 / رقم 201).
وقال يَحيى بنُ مَعينٍ:" لَيْسَ بِه بَأْسٌ" (تاريخ الدارمي)(رقم 519) و(الجرح والتعديل)(6 / رقم 372).
ووثَّقه ابن معين مرَّة كما في (تاريخ الدوري)(2 / 379)، وقالَ مرَّةً:" يُكْتَبُ حَديثُهُ" (تاريخ بغداد)(11 / 24).
وقال السَّاجي:" صَدوقٌ ليسَ بِالقَويِّ عِنْدَهُم، خرجَ إلَى بَغْدَاد مِنَ البَصْرَةِ فَكَتَبُوا عنْهُ، فَكَتَب إلَى أخيهِ: إنِّي قَدْ حَدَّثتُ بِبَغْداد فَصَدَّقوني، وأنَا أحمدُ الله على ذلك" (المصدر السابق).
وقال الإمامُ البُخاري:" ليس بِالقَويِّ عِنْدَهُم، وهُو يُحتملُ" (الضعفاء الصغير)(رقم 233).
وقال أيضاً:" يُكتبُ حَديثه، قيلَ لَه: يُحْتَجُّ به؟ قال: أرْجُو إلاَّ أنَّه كان يدلِّس عن ثورٍ وأقوام أحاديث مناكير" (تهذيب التهذيب)(6 / 452).
وقال النَّسائي:" ليس بالقوي" (الضعفاء والمتروكين) (رقم 374)، ومرة قال:" ليس به بأس" (تهذيب التهذيب)(6 / 453).
وقال ابنُ أبي حاتِمٍ:" سألتُ أبي عنه؟ فقال: يُكتب حَديثه، مَحَلُّهُ الصِّدْق.
قلتُ: هو أحب إليك أو أبو زيد النَّحوي في ابن أبي عروبة؟ فقال: عبدالوهَّاب، وليس عنْدَهُم بِقويٍّ في الْحَديثِ" (الجرح والتعديل)(6 / رقم 372).
وذكر الأسديُّ أنَّ الخفاف روى حديثاً في فضل العباس، ونقل عن الإمام يحيى بن معين قوله:" هذا موضوعٌ، وعبدالوهاب لم يقل فيه (حدثنا ثور)، ولعله دلَّس فيه، وهو ثقة" (تاريخ بغداد)(11 / 23-24).
وقال ابن نُمَيرٍ:" ليس به بأسٌ" (الجرح والتعديل)(6 / رقم 372)، وفي موطن قال:" حدَّث عنْهُ أصْحَابنا، وكانَ أَصْحَابُ الْحَديثِ يَقُولونَ: إنَّه سَمِعَ مِن سَعيدٍ بِآخِرَةٍ، كانَ شِبْهَ الْمَتْرُوكِ" (تقدمة الجرح والتعديل)(324) و(شرح علل الترمذي) (2 / 747).
وقالَ البزَّار:" ليس بِقَويٍّ، وقد احْتَمَل أهْلُ العِلْم حَديثه" (تهذيب التهذيب)(6 / 453).
ووثَّقه الدارقطني – (تاريخ بغداد)(11 / 24)- والحسنُ بنُ سُفْيَان- (تهذيب التهذيب)-، وذَكَرهُ ابنُ حِبَّان فِي (الثِّقَاتِ) (7 / 133).
وقال الذَّهبي في (الميزان)(2 / ص 681):" صَدُوقٌ "، وذكره في (المغني في الضعفاء)(1 / 585).
وقال ابنُ حجر:" صَدوقٌ رُبَّما أَخْطَأ، أنْكَرُوا عليه حَدِيثاً فِي فَضْلِ العَبَّاسِ، يُقال: دلَّسه عَنْ ثَورٍ" (التقريب)(4290 / رقم 633).
الخلاصةُ: أنَّ الرَّجلَ ليس بضابطٍ، ولا بالقويِّ، ومنْ كانَ هَذا حالُهُ فَلا يُحتملُ تفرُّده، وسيأتي بحوله تعالى ما يدلُّ على عَدَمِ ضَبْطهِ.
ب/ أنَّ مِنَ الْمُتَقرِّر لدى أهلِ العِلْمِ بالْحَديثِ أنَّ الإمامَ سعيد بن أبي عروبة قَد اخْتَلَطَ سنَةَ 142هـ، وقيل: 145هـ، كما نصَّ على ذلك الأئمة كيحيى بن معين وغيره، ينظر:
(سؤالات أبي داود لأحمد بن حنبل)(2 / 157-158) و (العلل ومعرفة الرجال) للمروذي (58 / رقم 47) و (تاريخ أبي زرعة الدمشقي) (1 / رقم 1139) و(الكامل) (3 / 1230) و(الثقات) (6 / 360) و(معرفة أنواع علم الحديث) لابن الصلاح (ص 393) و(الكواكب النيرات) لابن الكيال (ص 193).
فهل سماع عبدالوهَّاب الْخَفَّاف منْهُ قَبْل أم بعد اختلاطه؟
من أهل العلم من عدَّ سماعه منه قبل الاختلاط، كابن عديٍّ (الكواكب النيرات)(ص 196).
وخالفه غيرهُ كما ذكرنا فيما مضى عن ابن نُميرٍ قوله:" وكان أصحاب الحديث يقولون: إنَّه سمع من سعيد بآخرة".
وقال الإمام يحيى معين:" قلتُ: لعبدالوهاب: سمعتَ من سعيد في الاختلاط؟ قال: سمعتُ منه في الاختلاط وغير الاختلاط، فليس أميزُ بين هذا وهذا" (شرح علل الترمذي)(2/747)، وينظر (العلل) للمروذي (47 / رقم 58-59).
قُلتُ: وهذا النَّصُّ منه يُظهر بجلاء عدم تمييزه لحديث سعيدٍ الذي تحمَّله عنه، وما كان كذلك فليس محلاً للجدال في قبوله، ونَقْطَعُ جَزْمَاً أَنَّ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي (صَحيحهِ) مِن روايته عَنْهُ أنَّه مِمَّا تَبيَّن لَهُ تَمْييزهُ.
ج/ لا يردُ علَى مَا سبقَ ما قَد يَذْكُرهُ بَعْضهمْ مِنْ أنَّ عبدالوهَّاب الْخَفَّاف قالَ فيه الإمامُ أحمد:" كان عَالِمَاً بسعيدٍ" (تاريخ بغداد)(11 / 23)، وقولهُ :" كان عبدالوهَّاب بن عطاء منْ أعلم النَّاس بحديث سعيد بن أبي عروبة" (المصدر السابق).
لأنَّ هذهِ العِبَارات لا تدلُّ علَى ضَبْطهِ لِحَديثِ سَعيدٍ، وقَدْ تَقدَّم أنَّ الإمامَ أحمد وصفه بالضَّعف والاضطراب، والمتأملُ في كلام الحافظِ ابن عديٍّ المسطَّر أعلاه يُدركُ تَمَامَاً معنى كلمة الإمام أحمد هذه؛ فَهِيَ تَدُلُّ على أنَّ عبدالوهاب قد روى الأصناف كلَّها التي حُملت عنه بعد وقبل اختلاط سَعيدِ بنِ أَبِي عَروبة؛ لذا فهو عالم به، لكنَّه غير مميزٍ لها كما مرَّ من قوله نفسهِ!.
د/ أنَّ الحديثَ قد رواه عبدالوهاب الخفَّاف بدون الزيادة، موافقاً يزيد بن زريع وعبدالأعلى، مما يدلُّ على أنَّ هذه الرواية عنه هي المعروفة، وما خالفها منكرة، فقد جاء عند مسلمٌ في (الصحيح)(4 / 72 / رقم 2870) ما نصُّه: (حدثني عمرو بن زرارة أخبرنا عبدالوهاب يعني ابن عطاء عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: (إنَّ العبدَ إذا وضعَ في قبرهِ، وتولَّى عنه أصحابه)، فذكرَ بمثل حديث شيبان عن قتادة) انتهى.
قلتُ: قول مسلمٍ:" فذكر بمثل حديث شيبان عن قتادة" يعني أنَّ رواية عبدالوهاب عن سعيد عن قتادة هذه بمثل رواية شيبان عن قتادة، والمثلية هنا في اللفظ قطعاً، وبالنَّظر في لفظ شيبان نجده قد ساقه رحمه الله في (صحيحه)(4 / 72 / رقم 2870) - وليست فيه هذه الجملة (فما يسأل عن شيء غيرها) - فقَال: حَدَّثَنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ حَدَّثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنا شَيْبَانُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ قَتَادَةَ حدَّثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم: (إنَّ العَبْدَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرهِ وَتَولَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، قَالَ: يَأْتِيْهِ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ قَالَ: فَأمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَ رَسُولُهُ.
قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِنَ الْجَنَّةِ، قَالَ نبيُّ اللهِ r: فَيَراهُمَا جَمِيْعَاً.
قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لنَا أنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرهِ سَبْعُونَ ذِرَاعَاً، وَيُمْلأُ عَليهِ خَضِراً إلَى يَومِ يُبْعَثُونَ).
إيرادٌ:قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ:
إنَّ عبْدَالوهَّاب لَمْ يَتَفرَّد بِهَذهِ الَّلفظة، فَقَدْ أَخْرج الآجريُّ في (الشريعة)(3 / رقم 857- ط دار الوطن) فقَالَ: حدَّثنا الفريابِي قال: حدَّثنا صَفْوان بنُ صَالِحٍ قالَ: حدَّثنا الوَليدُ بنُ مُسْلمٍ قالَ: حدَّثنا خُلَيْدُ بْنُ دَعْلَجٍ عنْ قَتَادة عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعاً.
ولَفْظُه قَريْبٌ مِنْ لَفْظِ (عَبْدِالوهَّاب) فِي حَديثِ البَابِ عِنْدنَا، وفيه قَولهُ (فَمَا يَسْأَلهُ عَنْ شَيءٍ غَيْرَهَا )، فالوليدُ بن مسلمٍ متابعٌ له متابعة قاصرة.
فَالْجَوابُ: هَذهِ الْمُتَابَعَةُ لاَ يُفْرَحُ بِها؛ إذْ هِيَ مُنْكَرةٌ أيْضَاً، فَالرَّاوي لَهَا عَنْ قَتَادة هو: خُليد بنُ دَعْلَجٍ السَّدوسي البصريُّ، قَالَ الإمَامَان أَحْمَدُ وابنُ مَعينٍ:" ضعيفُ الحديث" (الجرح والتعديل)(3 / رقم 1759).
وقال ابنُ مَعينٍ مرَّةً:" ليس بشيءٍ"(التاريخ) للدوري (2 / 149).
وقال النَّسَائيُّ في (الضُّعفاء) له (رقم 175):" ليسَ بِثِقَةٍ "، وقالَ أَبو حَاتِمٍ الرَّازي في (الجرح والتعديل)(3 / رقم 1759): "صَالِحٌ لَيْسَ بِالْمَتِيْنِ فِي الْحَديثِ، حَدَّثَ عَنْ قَتَادة أحَادِيْثَ بَعْضهَا مُنْكَرة".
وقَال أبوداود:" ضَعِيفٌ" (سؤالات أبي عبيد الآجري)(رقم 253)، وقالَ ابنُ حِبَّان فِي (الْمَجْرُوحين)(1 / 285):" كانَ كَثيرَ الْخَطأ فِيْمَا يَرْوي عَنْ قتَادَة وغيره، يَعْجبني التَّنكب عنْ حَديثه إذَا انْفَردَ"، وقَالَ الذَّهبي في (المغني)(1 / رقم 1947):" لَيْسَ بِقَويٍّ، ضعَّفه أحمد وغيره"، وقال ابنُ حَجرٍ في (التَّقريب)(رقم 1750):"ضَعِيْفٌ".
فخُلاَصَةُ حَالهِ: أنَّه ضَعِيْفٌ غَيْرُ مَتِينٍ، وروايتُهُ عَنْ قَتادة فيْهَا كَلامٌ، فَمِثْلهُ لاَ تُحْتَمَلُ رِوايتهُ، وهِي فِي عِدَادِ الْمُنْكَرَاتِ، والْمُنْكَرُ لاَ يُقَويّ الْمُنْكَرَ، والله أعلم.
وكتبه
عبدالله بن عبدالرحيم البخاري
المدينة النَّبويَّة
11/ 10/ 1431هـ
ــــــــــــ
منقول من سحاب