عبد الغني بن عيسى الجزائري
09-29-2010, 12:40 AM
http://smiles.al-wed.com/smiles/60/0148.gif
http://akhawat.islamway.com/forum/uploads/post-38853-1201898787.gif
الحَسَاسِيَّةُ الجَدِيدَةُ...!
مَنْهَجِيَّةٌ وَلَيْسَتْ عُضْوِيَّة !!
الحمد لله فالِق الإصباح، وبارئ النّسَمة، له الصِّفات العُلى والأسماء الحسنى؛ هو الإله الحق المستحقّ للعبادة بحق، والصّلاة والسلامُ على نبيِّنا محمّدٍ المصطفىَ؛ خير وأفضل من خُلَق.
أمـّا بعدُ:
فقد فرّغتُ كلمةَ الشيخِ عبد اللهِ بن عبد الرّحيمِ البخاريِّ -رعاه الله- من مادةٍ صوتيّةٍ كانت نُشِرت في بعضِ منتدياتِ أهلِ السنّةِ -ولعلَّ من بينها (شبكة سحاب) في ما أذكر-؛ حيث كانَ السؤالُ إذَّاكَ:
قالَ أنَّ بعضَهُم يتحسّسُ من لفظةِ (الجرح) ويصفُ العلماءَ المشتغلين بالغلاةِ (!!)؛ نريدُ إزالةَ هذهِ الشُّبهة؟
وقد أضفتُ -بتقصِيري لِقُصُوري - مُمَثِّلاً على بعض عبارات الشيخ؛ من باب التوضيح وزيادة الاستيعاب لمن تقعُ تحت عينيه هاته الأسطر اليسيرة -وحالهُ كحالِ كاتبِها-؛ فكان كلامُ الشيخِ هو الأعلى مُفرَّغاً، ومتبوعاً بكُلَيْمَاتٍ من العبد المذنبِ دونَهُ -وهي دونه!-.
جوابُ الشيخِ عبد الله بن عبد الرحيم البخاري -سلّمهُ الله-:
«على كلّ حال، التّحسّس! يتحسّس من كلمة (جرح)؟! والتحذير يقبل؟ يقبل تحذير؟ ما يحسّس من تحذير، من بيان، من ذَبٍّ عن السنّة؟!
إيش هذه التّحسسات!!! ما لها داعي.
قبلها أئمّةُ أهل السنّة؛ لابد أن تكون مُسَلِّماً.
جاء في «الحلية» لأبي نُعيمٍ عن الإمام سفيان الثَّورِي -رحمه الله- قال [يقول لأحد أصحابه]: «إنّ الرجل إذا أحببتهُ في الله، ثمّ أحدثَ حدَثاً؛ فلم تبغضهُ في الله؛ فإنّك لم تُحبَّهُ في الله»!! لأنّ هذا عنده ولاء، ما عنده براء(1)، ولا يجوز إلاّ الجمعُ بينهُما: (ولاءٌ وبراءٌ).
فالإسلام ليس ولاءً محضاً، ولا براءً محضاً(2)؛ بل يجمعُ بينَ الولاء والبراء.
فالعلماء -الجرح والتعديل- خرجوا به لماذا كعلم، وفن، وتقنين؟ تحذيراً للأمّةِ؛ أليس كذلك؟ خلص؛ حتّى لا يتحسّس هذا المُتحسِّس!! نعم، نقولُ: هذا تحذير للأمّة، ونُصحٌ للأمّة. ثمّ الوصف بأنّ المشتغلين بهذا البيان -ماذا؟!- بأنّهم غُلاة!!
السُّؤال(3): على أيِّ أساس بَنَيْتَ هذا الحُكم؟
الذي عند أئمّةِ الحديث: جرحٌ متشدّدٌ، ومتساهلٌ، ومُعتدل(4). كلّها دائرة تحت أي عنوان؟
ذكرُ من يعتمدُ قولُهُ -في إيش؟- في الجرح والتّعديل.
فلماذا تطّرحُ أنت الذين تعُدُّهم من المتشدِّدين؟ أو الغُلاة -على تعبيرهِ-؟
الغلوُّ مرفوضٌ؛ لأنِّي أنا أقول بنى الغلوَّ على أنّه متشدِّدٌ في ظنِّهِ؛ فكلُّهُ ذكر من يُعتَمَدُ قولُهُ في الجرح وماذا؟
إذا كان في عهدِ الأئمّة الذين كتَبُوا وبيَّنُوا وقنَّنوا؛ يوجد معتدل، ويوجد متشدّد، ويوجد متساهل؛ ففي هذه القسمة الحادثة لا يوجد إلاّ متشدّد، ومتعقِّل -أو قل معتدل-! ما فيه متساهل؟! هذا الزمن ما فيه متساهل؛ أَمَا حذركم (ابن ناصر الدين(5)، والحافظ ابن حجر) فيما قرأنا في: «النُّزهة» من التّساهُل؟؟
إذا على هذه القسمة: مندفعٌ، ومتعقِّلٌ؟! أنا ما أقول: فيه متساهل؛ أقول: يوجد متسيِّبٌ في الأحكام؛ واضح؟
... هذا التقسيم لأهل العلم متشدِّدٌ ومعتدلٌ ومتساهل، قام به من؟
آحادُ النّاسِ، أم علماء؟ خبروا وسبروا ونظروا؛ صحيح؟ فهل أنت منهم؟! هذا المقسّم؛ هل هو منهم؟! معدودٌ في جملتهم؟ عالم عارف بأسباب الجرح والتّعديل، وكيف يصنِّفُ الحُفّاظ في أيّ طبقة، والعلماء في أيّ طبقة يكونون(6)؟!
ما هذا بعُشُّكِ فأدرجي؛ فارحم نفسك لا تهلكها. وَضَح؟
إذن؛ الذين تكلّموا في هذا الباب علماء، وأنت لست كذلك؛ فارحَمِ النّفسَ ولا تُهلِكها.
على كلِّ حالٍ، هذا الغالي أو المتشدِّد إذا قلنا بأنّه قد تشدّد، بِناءً على أي أساسٍ بُنِيَ تشدُّدَهُ، أو بنيت الحكم بتشدُّدِهِ؟ غَلِطَ في كم مسألةٍ في ظنِّك؟ عشرة؟ تكلّم في مئة مسألة، وحذّر من مئة شخصٍ؛ نعم. حذّر من هذا الجمع؛ أصاب في تسعين، في ثمانين، وغلِطَ في عشرين؛ هل قوله كلّهُ مُطَّرَح(7)؟! ما يجوزُ لك هذا الإطِّراح.
ثم؛ هل سبرتَ هذه الأقوال، ومن الذي تشدّد، ومن الذي لم يُوَفَّق إليه؟
ثمّ؛ هل الذين وصفوه بالتّشدُّدِ -أو وُصِفُوا بالتّشدُّد- الذين في المقابل، أمَا رجعوا إلى قول المتشدِّدين بعد أن تبَيَّنَ لهم(8)؟!
إذن؛ التشدُّد لا وجه له؛ إنّما هو الغُموضُ والخفاء عند من؟ عند من تساهلَ ابتداءً؛ وَضَح؟
إذن حتّى هذا المتساهل -أو المُتعقِّل في ظنِّك!-، أنظر إلى أقواله التي تعقّبَ فيها؛ ففي أيِّها أصاب الحقَّ؟ فإن كان في مئة مسألة؛ أصاب عشرة وأخطأ في تسعين؛ فلا هو بمتعقّلٍ، ولا هو بمتشدِّدٍ، ولا هو بمتساهل؛ لا يُعتبرُ في زُمرةِ المتكلِّمين في هذا الباب(9).
فعلى كلِّ حال؛ نحن ننقادُ للحق، ونبحث عنه، ونطلبهُ بِبَيِّنَتِهِ وبُرهانه(10).
بارك الله فيكم» انتهى كلامهُ.
بَعْضُ تَعْلِيقٍ: __________________________________
(1) ويظهر حال هذا جليّا لكل ذي عينين، وأنّ من أنشأ هذا (الولاء) الأحول الأوحل، أو سَعى في إرسائهِ بعده إلاّ للدفاع على المجروحين والمخالفين تحت اسمٍ ظاهرُهُ الرّحمة؛ بقبولِ كلِّ من هبَّ ودبّ زاعماً أنّه على منهج الرسول -صلى الله عليه وسلّم-؛ فقُلْ -ومن غير تردُّدٍ-: هو الولاءُ من غير براءٍ –في الغالِبِ الأعم-، كقاعدة: «المعذرة والتعاون» الإخوانيّة! وهي -بدورها- إن لم تكن أمُّ (منهج الموازنات)؛ فابنةُ عمِّهِ من النَّسبِ؛ أختُهُ بالرَّضاعةِ!!
(2) و(البراء) المحضُ -أي: من غير ولاءٍ؛ وإن كان فقليلٌ جدّاً- هو عند غلاة الخوارج؛ ممّن يرون المُفاصلة، أو العزلة الشعوريّة عن المسلمين ومجتمعاتهم؛ لاعتقادهم أن الديار ليست دياراً إسلامية؛ لأنّهم يتبرّؤون منهم بعد أن يكفِّروا الأرض والطُّوب الذي عليها. ومن مَثَّلَ –ولازال يُمثِّلُ- هذا المنهج المُعْوَج في هذا العصر هم: القطبيُّون، وجماعة الهجرة والتّكفير... وكل خارجي مارق بأيِّ اسم تسمّى، ولأيِّ شِعارٍ تبنى. وأمّا الولاء فعزيزٌ عندهم -كالذهب الأحمر!-؛ يشحُّون به إلاّ على من كان على منهجهم الضال المُضِل.
(3) السؤالُ -هنا- مُوَجَّهٌ من الشيخ البخاري إلى مَن جاءَ السؤالُ بِخُصُوصِهِم بدايةً؛ لـ: من يتحسّسُ من لفظةِ (الجرح)؛ لتنبيه المعني بالجواب عن سؤاله هُوَ، وتوجيهه له توجيهاً علميّاً منهجياًّ لأهميّته، والله أعلم.
(4) ومثال المتشدد في سلفنا: شعبة بن الحجاج، ويحي بن سعيد القطّان، ومالك، وابن معينٍ...
والمعتدل: كسفيان الثوري، أحمد بن حنبل، البخاري، أبي زرعة، عبد الرحمن بن مهدي..
والمتساهل: كأبي عيسى الترمذي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، والدار قطني في بعض الأوقات...
وهؤلاء ممّن تقدّموا، وللمتأخرين سلفٌ بالأوّلين.
(5) هو شمس الدِّين محمّد بن عبد الله، المعروف بـ: ابن ناصر الدين الدمشقي؛ من طبقة: ابن حجر العسقلاني؛ ومِنَ العلماء مَنْ عَدَّهُ في طبقة: (ابن تيميّة، العلائي، ابن رجب الحنبلي، ومحمود بن أحمد العيني،...)؛ توفي سنة (842هـ)
(6) «الطَّبقة في الاصطلاح: قومٌ تقاربوا في السِّن والإسناد، أو في الإسناد فقط، بأن يكون شُيُوخ هذا هُم شيوخُ الآخَرِ، أو يُقارِبوا شُيوخهُ»[1].
والذَّهبيُّ -رحمه الله- جعلها -أي: الطَّبقة- تساوي عِقداً من الزَّمن؛ فمثلاً:
-الطّبقة الأولى: شُعبةُ بن الحجَّاجِ (أبو بِسطام، شعبة الخير)؛ (ت 160 هـ)، والأوزاعي إمامُ أهل الشام (ت 157 هـ).
-الطّبقة التي تليها: عبد الله بن المبارك (181هـ)، وهُشيم بن بُشَير (183هـ).
-والطبقة التي بعدها: عبد الرحمن بن مهدي (198هـ)، ومحمد بن إدريس الشافعي (204هـ).
وهكذا... إلى من بعدهم عبر القرون...
(7) ويكفي أن ننقُلَ ما جاء عن عبد الخالق بن منصور؛ حيثُ قال: سمعت ابن الرومي يقول: ما رأيت أحدا قط يقول الحق في المشايخ غير يحيى، وغيره كان يتحامل بالقول.
قال الذهبي -رحمه الله تعالى- معقبا:
«قلتُ: هذا القول من عبد الله بن الرومي غير مقبول، وإنما قاله باجتهاده، ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل، لكن هم أكثر الناس صوابا، وأندرهم خطأ، وأشدهم إنصافا، وأبعدهم عن التحامل. وإذا اتفقوا على تعديل أو جرح، فتمسك به، وأعضض عليه بناجذيك، ولا تتجاوزه، فتندم. ومن شذ منهم، فلا عبرة به. فخل عنك العناء، وأعط القوس باريها، فوالله لولا الحفاظ الأكابر، لخطبت الزنادقة على المنابر، ولئن خطب خاطب من أهل البدع، فإنما هو بسيف الإسلام وبلسان الشريعة، وبجاه السنة وبإظهار متابعة ما جاءبه الرسول، فنعوذ بالله من الخذلان»[2].
(8) ونضربُ أمثلةً من واقعنا غير بعيدةٍ عنّا، في رجوع بعض علماء أهل السنة عن بعض ما دافعوا، أو -على الأقل- أحسنوا الظّنَّ به لحدٍّ ما من قبلُ.
ثم لا يُفهمُ كلامي على أنّ الإمامَ الألباني -أو غيرهُ- متساهلٌ، أو أنّه رمى من سأذكر بالتّشدد والغلوِّ كما قال الشيخ البخاري -أعلاهُ-: «هل الذين وصفوه بالتّشدُّدِ -أو وُصِفُوا بالتّشدُّد- الذين في المقابل، أمَا رجعوا إلى قول المتشدِّدين بعد أن تبَيَّنَ لهم؟!»، وإنّما هي من وجهٍ واحدٍ؛ ألا وهي الرجوع دون وصفٍ بالتّشدّد للمُقابِل له. والصفتان الآنفتا الذِّكرِ صدرتا ممّن هو معادٍ لمنهج الألباني نفسه وإن أظهر ما أظهر، ولْنترك الكلامَ على سجيّتهِ ووضوحه؛ حيثُ قال الشيخ أبو عمر أسامة العتيبي -حفظه الله-:
«الشيخ الألباني -خاصة- في تلك الأيّام كان الشيخ الألباني مازال في ظنِّي أنّهُ يحسِنُ ظنّهُ بسفرٍ وسلمان، والشيخ أعرف منه، الشيخ ربيع أعرف من الشيخ الألباني بسفر وسلمان؛ لذلك الشيخ الألباني -رحمه الله- في الأخير رجع إلى قول الشيخ ربيع -حفظه الله-، وأثنى عليه؛ بل زكّاه تزكية لم يُطلقها الشيخ الألباني على أحد في هذا الزّمان إلى أن مات -رحمه الله-؛ وهو حامِلُ راية الجرح والتّعديل، أو حامل لواء الجرح والتّعديل»[3].
ولا ننسى الشيخ سعد الحصيّن-حفظه الله- وما كان عليه مع جماعة الدّعوة والتّبليغ من دفاع، ثم رجوعه لِمَا عليه أهل السنّة الذين جرحوا الجماعة؛ مبدِّعين لهل -وأنّها فرقة مبتدعة صوفيّة عصريّة...-، وبيّنَ بمؤلَّفٍ محذراً منهم ومن ضلالهم؛ قال الشيخ صالح بن فوزان -حفظه الله-: «... من أشهرهم فضيلة الشيخ سعد الحصيِّن -جزاه الله خيراً-؛ فإنّهُ كان في الأوّلِ متفانياً معهم، وكان يُدافع عنهم؛ لكن لمَّا تبيَّنَ له حقيقة أمرهم؛ دعاه دينه وإخلاصه وعقيدته الصحيحة إلى الإنكار عليهم؛ وهذا هو الواجب»[4].
(9) قلتُ: وعلماء هذا الفن -أي: علماء الجرح والتعديل- يردُّون من جَرَحَ وجَرْحَهُ إذا كان غير عارِفٍ بأسبابِ الجرح، كما هي الحالة الذي تكلَّم عنها الشيخ البخاري. أو يكون الجارح ضعيفاً؛ قال ابن حجر حول الجرح غير المقبول: «وأشدُّ من ذلك تضعيف من ضعَّفَ من هو أوثقُ منه أو أعلى قدراً أو أعرفُ بالحديث، فكل هذا لا يُعتبَرُ به»[5].
(10) أي نعم؛ فالحق يُعرف بالدّليل والبرهان؛ فـَ«...كُنْ متحررَ العقل، مُتفتِّحَ الذهن، باحثا عن الحق أنّى مالت مضاربُهُ، وأنّى استقلّت رَواحلُه.
كن باحثا عن الحق بعقلٍ متجرّد وفكرٍ وثّاب؛ فإن الله –جلّ وعلا- يهدي من طلب الهُدى؛ (فاستهدوني أهدِكُم). لا تكن باحثاً عن دليل لمُعتقدٍ قد سَبَق؛ فهذا شأنُ أهلِ البِدَع وأهل الهوى! هو يُنشئ المعتقد أوّلاً ثم يذهب يبحث عن الأدلّة!! هذا خطأ؛ وإنّما يتجرّد المرءُ بين يَدَيْ ربِّه... وإلاّ فهو على سبيل ضلالة، فإذا أضلّ غيره؛ فهذا هو الخسران المبين.
فعلى المرءِ أن يكون مُحرِّراً، مُتثَبِّتاً، واعياً، والله يهدينا جميعاً إلى سواء الصراط المستقيم، إنّهُ على كلِّ شيءٍ قدير، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلّم-»[6].
كما -لا ننسى- نُوَجِّهُ نصيحةً مَليحةً لمن كان يُعاني من هذه الحساسيّة!! فهي بمثابة الكبسولة أو الجرعة الدّوائيّة للعليل بها؛ تُؤخذُ بكميّة يُحدِّدُها الطّبيبُ المُختص –وهو كذلك حفظه الله-؛ فلا يُزادُ عليها فَيُلْحِق ببدنه الضَّرر، ولا يُنقِص منها زاهداً فيها فيبقى يعانيها.
قال الشيخ أبو محمّد ربيع بن هادي –أعَزّهُ اللهُ ونَصَرهُ-: «وأرى في هذا الوقت أنه ينبغي للشباب أن يُعنَوا بكتب الرُّدود؛ لأنّ البدع انتشرت، والترويج لها والإعلام لها لا حُدودَ له، لا حدود له؛ لأنّ أهل الباطل لهم إمكانيات ماديِّة، وعندهم إعلام خطير، وعندهم دِعايات؛ تبهر عقول الشباب وتَسلُب عُقولهم؛ فيجعلون الحق باطلا والباطل حقًّا فينقاد لهم الشباب؛ لشدَّة تأثير هذا الإعلام الشيطاني.
فالذي يريدُ له الله الهداية ويسمع النصيحة؛ يقرأ في كتب الرُّدود ويُعطي بعض الوقت لها، لا كل الوقت، وبعض الوقت هذا -اللّي أقولُه- يكفي للإلمامِ بكتُبِ الردود؛ فلو كان -يعني- يصرف من وقتِهِ في تحصيل العلم عشر ساعات في طلب العلم؛ ساعة في كتب الرُّدود»[7].
... هذا والله أعلم، وصلِّ اللَّهُم وسَلّم على النّبي الخاتم، وعلى آلِهِ، وأصحابهِ، وإخوانهِ.
كتبهُ في ربيعٍ الآخر إحدى وثلاثينَ وأربع مِئةٍ وألفٍ هِجرية
الموافق –بقدر الله تعالى- لمارسٍ من العامِ العاشرِ بعدَ الألفِ الثانية من ميلادِ المسيحِ عيسى بن مريم
في باتنة -الأوراس الأشم-:
عبد الغني بن ميلود الجزائري
-عفا الله عنه-
______________________
[1] «قواعد في علم الحديث» للتّهانوي (ص 47).
[2] «سير أعلام النُّبلاء» للذهبي (11/82).
[3] قاله في الدرس الأول من لقائه بِغُرفتَيْ (البيضاء العلميّة، ومنهاج السنة النبوية) في تعليقه على «مقدمة فتح المجيد»؛ على الشبكة الدّوليّة العنكبوتيّة.
[4] شريط «جماعة التبليغ والعلماء» للشيخ عبد العزيز الرّيِّس -حفظه الله-.
[5] «هديُ الساري»؛ (ص 546).
[6] قاله الشيخ رسلان -حفظه الله- في (الشريط السادس -ضوابط الرمي بالبدعة-) تحت عنوان: «هل نحتاج إلى الجرح والتعديل في هذا العصر؟»؛ ألقى هذا الدرس يوم الثلاثاء 5 من شعبان 1427هـ.
[7] شريط «الرَّد على المُخالِف من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» لفضيلة الشيخ: ربيع بن هادي.
http://akhawat.islamway.com/forum/uploads/post-38853-1201898787.gif
الحَسَاسِيَّةُ الجَدِيدَةُ...!
مَنْهَجِيَّةٌ وَلَيْسَتْ عُضْوِيَّة !!
الحمد لله فالِق الإصباح، وبارئ النّسَمة، له الصِّفات العُلى والأسماء الحسنى؛ هو الإله الحق المستحقّ للعبادة بحق، والصّلاة والسلامُ على نبيِّنا محمّدٍ المصطفىَ؛ خير وأفضل من خُلَق.
أمـّا بعدُ:
فقد فرّغتُ كلمةَ الشيخِ عبد اللهِ بن عبد الرّحيمِ البخاريِّ -رعاه الله- من مادةٍ صوتيّةٍ كانت نُشِرت في بعضِ منتدياتِ أهلِ السنّةِ -ولعلَّ من بينها (شبكة سحاب) في ما أذكر-؛ حيث كانَ السؤالُ إذَّاكَ:
قالَ أنَّ بعضَهُم يتحسّسُ من لفظةِ (الجرح) ويصفُ العلماءَ المشتغلين بالغلاةِ (!!)؛ نريدُ إزالةَ هذهِ الشُّبهة؟
وقد أضفتُ -بتقصِيري لِقُصُوري - مُمَثِّلاً على بعض عبارات الشيخ؛ من باب التوضيح وزيادة الاستيعاب لمن تقعُ تحت عينيه هاته الأسطر اليسيرة -وحالهُ كحالِ كاتبِها-؛ فكان كلامُ الشيخِ هو الأعلى مُفرَّغاً، ومتبوعاً بكُلَيْمَاتٍ من العبد المذنبِ دونَهُ -وهي دونه!-.
جوابُ الشيخِ عبد الله بن عبد الرحيم البخاري -سلّمهُ الله-:
«على كلّ حال، التّحسّس! يتحسّس من كلمة (جرح)؟! والتحذير يقبل؟ يقبل تحذير؟ ما يحسّس من تحذير، من بيان، من ذَبٍّ عن السنّة؟!
إيش هذه التّحسسات!!! ما لها داعي.
قبلها أئمّةُ أهل السنّة؛ لابد أن تكون مُسَلِّماً.
جاء في «الحلية» لأبي نُعيمٍ عن الإمام سفيان الثَّورِي -رحمه الله- قال [يقول لأحد أصحابه]: «إنّ الرجل إذا أحببتهُ في الله، ثمّ أحدثَ حدَثاً؛ فلم تبغضهُ في الله؛ فإنّك لم تُحبَّهُ في الله»!! لأنّ هذا عنده ولاء، ما عنده براء(1)، ولا يجوز إلاّ الجمعُ بينهُما: (ولاءٌ وبراءٌ).
فالإسلام ليس ولاءً محضاً، ولا براءً محضاً(2)؛ بل يجمعُ بينَ الولاء والبراء.
فالعلماء -الجرح والتعديل- خرجوا به لماذا كعلم، وفن، وتقنين؟ تحذيراً للأمّةِ؛ أليس كذلك؟ خلص؛ حتّى لا يتحسّس هذا المُتحسِّس!! نعم، نقولُ: هذا تحذير للأمّة، ونُصحٌ للأمّة. ثمّ الوصف بأنّ المشتغلين بهذا البيان -ماذا؟!- بأنّهم غُلاة!!
السُّؤال(3): على أيِّ أساس بَنَيْتَ هذا الحُكم؟
الذي عند أئمّةِ الحديث: جرحٌ متشدّدٌ، ومتساهلٌ، ومُعتدل(4). كلّها دائرة تحت أي عنوان؟
ذكرُ من يعتمدُ قولُهُ -في إيش؟- في الجرح والتّعديل.
فلماذا تطّرحُ أنت الذين تعُدُّهم من المتشدِّدين؟ أو الغُلاة -على تعبيرهِ-؟
الغلوُّ مرفوضٌ؛ لأنِّي أنا أقول بنى الغلوَّ على أنّه متشدِّدٌ في ظنِّهِ؛ فكلُّهُ ذكر من يُعتَمَدُ قولُهُ في الجرح وماذا؟
إذا كان في عهدِ الأئمّة الذين كتَبُوا وبيَّنُوا وقنَّنوا؛ يوجد معتدل، ويوجد متشدّد، ويوجد متساهل؛ ففي هذه القسمة الحادثة لا يوجد إلاّ متشدّد، ومتعقِّل -أو قل معتدل-! ما فيه متساهل؟! هذا الزمن ما فيه متساهل؛ أَمَا حذركم (ابن ناصر الدين(5)، والحافظ ابن حجر) فيما قرأنا في: «النُّزهة» من التّساهُل؟؟
إذا على هذه القسمة: مندفعٌ، ومتعقِّلٌ؟! أنا ما أقول: فيه متساهل؛ أقول: يوجد متسيِّبٌ في الأحكام؛ واضح؟
... هذا التقسيم لأهل العلم متشدِّدٌ ومعتدلٌ ومتساهل، قام به من؟
آحادُ النّاسِ، أم علماء؟ خبروا وسبروا ونظروا؛ صحيح؟ فهل أنت منهم؟! هذا المقسّم؛ هل هو منهم؟! معدودٌ في جملتهم؟ عالم عارف بأسباب الجرح والتّعديل، وكيف يصنِّفُ الحُفّاظ في أيّ طبقة، والعلماء في أيّ طبقة يكونون(6)؟!
ما هذا بعُشُّكِ فأدرجي؛ فارحم نفسك لا تهلكها. وَضَح؟
إذن؛ الذين تكلّموا في هذا الباب علماء، وأنت لست كذلك؛ فارحَمِ النّفسَ ولا تُهلِكها.
على كلِّ حالٍ، هذا الغالي أو المتشدِّد إذا قلنا بأنّه قد تشدّد، بِناءً على أي أساسٍ بُنِيَ تشدُّدَهُ، أو بنيت الحكم بتشدُّدِهِ؟ غَلِطَ في كم مسألةٍ في ظنِّك؟ عشرة؟ تكلّم في مئة مسألة، وحذّر من مئة شخصٍ؛ نعم. حذّر من هذا الجمع؛ أصاب في تسعين، في ثمانين، وغلِطَ في عشرين؛ هل قوله كلّهُ مُطَّرَح(7)؟! ما يجوزُ لك هذا الإطِّراح.
ثم؛ هل سبرتَ هذه الأقوال، ومن الذي تشدّد، ومن الذي لم يُوَفَّق إليه؟
ثمّ؛ هل الذين وصفوه بالتّشدُّدِ -أو وُصِفُوا بالتّشدُّد- الذين في المقابل، أمَا رجعوا إلى قول المتشدِّدين بعد أن تبَيَّنَ لهم(8)؟!
إذن؛ التشدُّد لا وجه له؛ إنّما هو الغُموضُ والخفاء عند من؟ عند من تساهلَ ابتداءً؛ وَضَح؟
إذن حتّى هذا المتساهل -أو المُتعقِّل في ظنِّك!-، أنظر إلى أقواله التي تعقّبَ فيها؛ ففي أيِّها أصاب الحقَّ؟ فإن كان في مئة مسألة؛ أصاب عشرة وأخطأ في تسعين؛ فلا هو بمتعقّلٍ، ولا هو بمتشدِّدٍ، ولا هو بمتساهل؛ لا يُعتبرُ في زُمرةِ المتكلِّمين في هذا الباب(9).
فعلى كلِّ حال؛ نحن ننقادُ للحق، ونبحث عنه، ونطلبهُ بِبَيِّنَتِهِ وبُرهانه(10).
بارك الله فيكم» انتهى كلامهُ.
بَعْضُ تَعْلِيقٍ: __________________________________
(1) ويظهر حال هذا جليّا لكل ذي عينين، وأنّ من أنشأ هذا (الولاء) الأحول الأوحل، أو سَعى في إرسائهِ بعده إلاّ للدفاع على المجروحين والمخالفين تحت اسمٍ ظاهرُهُ الرّحمة؛ بقبولِ كلِّ من هبَّ ودبّ زاعماً أنّه على منهج الرسول -صلى الله عليه وسلّم-؛ فقُلْ -ومن غير تردُّدٍ-: هو الولاءُ من غير براءٍ –في الغالِبِ الأعم-، كقاعدة: «المعذرة والتعاون» الإخوانيّة! وهي -بدورها- إن لم تكن أمُّ (منهج الموازنات)؛ فابنةُ عمِّهِ من النَّسبِ؛ أختُهُ بالرَّضاعةِ!!
(2) و(البراء) المحضُ -أي: من غير ولاءٍ؛ وإن كان فقليلٌ جدّاً- هو عند غلاة الخوارج؛ ممّن يرون المُفاصلة، أو العزلة الشعوريّة عن المسلمين ومجتمعاتهم؛ لاعتقادهم أن الديار ليست دياراً إسلامية؛ لأنّهم يتبرّؤون منهم بعد أن يكفِّروا الأرض والطُّوب الذي عليها. ومن مَثَّلَ –ولازال يُمثِّلُ- هذا المنهج المُعْوَج في هذا العصر هم: القطبيُّون، وجماعة الهجرة والتّكفير... وكل خارجي مارق بأيِّ اسم تسمّى، ولأيِّ شِعارٍ تبنى. وأمّا الولاء فعزيزٌ عندهم -كالذهب الأحمر!-؛ يشحُّون به إلاّ على من كان على منهجهم الضال المُضِل.
(3) السؤالُ -هنا- مُوَجَّهٌ من الشيخ البخاري إلى مَن جاءَ السؤالُ بِخُصُوصِهِم بدايةً؛ لـ: من يتحسّسُ من لفظةِ (الجرح)؛ لتنبيه المعني بالجواب عن سؤاله هُوَ، وتوجيهه له توجيهاً علميّاً منهجياًّ لأهميّته، والله أعلم.
(4) ومثال المتشدد في سلفنا: شعبة بن الحجاج، ويحي بن سعيد القطّان، ومالك، وابن معينٍ...
والمعتدل: كسفيان الثوري، أحمد بن حنبل، البخاري، أبي زرعة، عبد الرحمن بن مهدي..
والمتساهل: كأبي عيسى الترمذي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، والدار قطني في بعض الأوقات...
وهؤلاء ممّن تقدّموا، وللمتأخرين سلفٌ بالأوّلين.
(5) هو شمس الدِّين محمّد بن عبد الله، المعروف بـ: ابن ناصر الدين الدمشقي؛ من طبقة: ابن حجر العسقلاني؛ ومِنَ العلماء مَنْ عَدَّهُ في طبقة: (ابن تيميّة، العلائي، ابن رجب الحنبلي، ومحمود بن أحمد العيني،...)؛ توفي سنة (842هـ)
(6) «الطَّبقة في الاصطلاح: قومٌ تقاربوا في السِّن والإسناد، أو في الإسناد فقط، بأن يكون شُيُوخ هذا هُم شيوخُ الآخَرِ، أو يُقارِبوا شُيوخهُ»[1].
والذَّهبيُّ -رحمه الله- جعلها -أي: الطَّبقة- تساوي عِقداً من الزَّمن؛ فمثلاً:
-الطّبقة الأولى: شُعبةُ بن الحجَّاجِ (أبو بِسطام، شعبة الخير)؛ (ت 160 هـ)، والأوزاعي إمامُ أهل الشام (ت 157 هـ).
-الطّبقة التي تليها: عبد الله بن المبارك (181هـ)، وهُشيم بن بُشَير (183هـ).
-والطبقة التي بعدها: عبد الرحمن بن مهدي (198هـ)، ومحمد بن إدريس الشافعي (204هـ).
وهكذا... إلى من بعدهم عبر القرون...
(7) ويكفي أن ننقُلَ ما جاء عن عبد الخالق بن منصور؛ حيثُ قال: سمعت ابن الرومي يقول: ما رأيت أحدا قط يقول الحق في المشايخ غير يحيى، وغيره كان يتحامل بالقول.
قال الذهبي -رحمه الله تعالى- معقبا:
«قلتُ: هذا القول من عبد الله بن الرومي غير مقبول، وإنما قاله باجتهاده، ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل، لكن هم أكثر الناس صوابا، وأندرهم خطأ، وأشدهم إنصافا، وأبعدهم عن التحامل. وإذا اتفقوا على تعديل أو جرح، فتمسك به، وأعضض عليه بناجذيك، ولا تتجاوزه، فتندم. ومن شذ منهم، فلا عبرة به. فخل عنك العناء، وأعط القوس باريها، فوالله لولا الحفاظ الأكابر، لخطبت الزنادقة على المنابر، ولئن خطب خاطب من أهل البدع، فإنما هو بسيف الإسلام وبلسان الشريعة، وبجاه السنة وبإظهار متابعة ما جاءبه الرسول، فنعوذ بالله من الخذلان»[2].
(8) ونضربُ أمثلةً من واقعنا غير بعيدةٍ عنّا، في رجوع بعض علماء أهل السنة عن بعض ما دافعوا، أو -على الأقل- أحسنوا الظّنَّ به لحدٍّ ما من قبلُ.
ثم لا يُفهمُ كلامي على أنّ الإمامَ الألباني -أو غيرهُ- متساهلٌ، أو أنّه رمى من سأذكر بالتّشدد والغلوِّ كما قال الشيخ البخاري -أعلاهُ-: «هل الذين وصفوه بالتّشدُّدِ -أو وُصِفُوا بالتّشدُّد- الذين في المقابل، أمَا رجعوا إلى قول المتشدِّدين بعد أن تبَيَّنَ لهم؟!»، وإنّما هي من وجهٍ واحدٍ؛ ألا وهي الرجوع دون وصفٍ بالتّشدّد للمُقابِل له. والصفتان الآنفتا الذِّكرِ صدرتا ممّن هو معادٍ لمنهج الألباني نفسه وإن أظهر ما أظهر، ولْنترك الكلامَ على سجيّتهِ ووضوحه؛ حيثُ قال الشيخ أبو عمر أسامة العتيبي -حفظه الله-:
«الشيخ الألباني -خاصة- في تلك الأيّام كان الشيخ الألباني مازال في ظنِّي أنّهُ يحسِنُ ظنّهُ بسفرٍ وسلمان، والشيخ أعرف منه، الشيخ ربيع أعرف من الشيخ الألباني بسفر وسلمان؛ لذلك الشيخ الألباني -رحمه الله- في الأخير رجع إلى قول الشيخ ربيع -حفظه الله-، وأثنى عليه؛ بل زكّاه تزكية لم يُطلقها الشيخ الألباني على أحد في هذا الزّمان إلى أن مات -رحمه الله-؛ وهو حامِلُ راية الجرح والتّعديل، أو حامل لواء الجرح والتّعديل»[3].
ولا ننسى الشيخ سعد الحصيّن-حفظه الله- وما كان عليه مع جماعة الدّعوة والتّبليغ من دفاع، ثم رجوعه لِمَا عليه أهل السنّة الذين جرحوا الجماعة؛ مبدِّعين لهل -وأنّها فرقة مبتدعة صوفيّة عصريّة...-، وبيّنَ بمؤلَّفٍ محذراً منهم ومن ضلالهم؛ قال الشيخ صالح بن فوزان -حفظه الله-: «... من أشهرهم فضيلة الشيخ سعد الحصيِّن -جزاه الله خيراً-؛ فإنّهُ كان في الأوّلِ متفانياً معهم، وكان يُدافع عنهم؛ لكن لمَّا تبيَّنَ له حقيقة أمرهم؛ دعاه دينه وإخلاصه وعقيدته الصحيحة إلى الإنكار عليهم؛ وهذا هو الواجب»[4].
(9) قلتُ: وعلماء هذا الفن -أي: علماء الجرح والتعديل- يردُّون من جَرَحَ وجَرْحَهُ إذا كان غير عارِفٍ بأسبابِ الجرح، كما هي الحالة الذي تكلَّم عنها الشيخ البخاري. أو يكون الجارح ضعيفاً؛ قال ابن حجر حول الجرح غير المقبول: «وأشدُّ من ذلك تضعيف من ضعَّفَ من هو أوثقُ منه أو أعلى قدراً أو أعرفُ بالحديث، فكل هذا لا يُعتبَرُ به»[5].
(10) أي نعم؛ فالحق يُعرف بالدّليل والبرهان؛ فـَ«...كُنْ متحررَ العقل، مُتفتِّحَ الذهن، باحثا عن الحق أنّى مالت مضاربُهُ، وأنّى استقلّت رَواحلُه.
كن باحثا عن الحق بعقلٍ متجرّد وفكرٍ وثّاب؛ فإن الله –جلّ وعلا- يهدي من طلب الهُدى؛ (فاستهدوني أهدِكُم). لا تكن باحثاً عن دليل لمُعتقدٍ قد سَبَق؛ فهذا شأنُ أهلِ البِدَع وأهل الهوى! هو يُنشئ المعتقد أوّلاً ثم يذهب يبحث عن الأدلّة!! هذا خطأ؛ وإنّما يتجرّد المرءُ بين يَدَيْ ربِّه... وإلاّ فهو على سبيل ضلالة، فإذا أضلّ غيره؛ فهذا هو الخسران المبين.
فعلى المرءِ أن يكون مُحرِّراً، مُتثَبِّتاً، واعياً، والله يهدينا جميعاً إلى سواء الصراط المستقيم، إنّهُ على كلِّ شيءٍ قدير، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلّم-»[6].
كما -لا ننسى- نُوَجِّهُ نصيحةً مَليحةً لمن كان يُعاني من هذه الحساسيّة!! فهي بمثابة الكبسولة أو الجرعة الدّوائيّة للعليل بها؛ تُؤخذُ بكميّة يُحدِّدُها الطّبيبُ المُختص –وهو كذلك حفظه الله-؛ فلا يُزادُ عليها فَيُلْحِق ببدنه الضَّرر، ولا يُنقِص منها زاهداً فيها فيبقى يعانيها.
قال الشيخ أبو محمّد ربيع بن هادي –أعَزّهُ اللهُ ونَصَرهُ-: «وأرى في هذا الوقت أنه ينبغي للشباب أن يُعنَوا بكتب الرُّدود؛ لأنّ البدع انتشرت، والترويج لها والإعلام لها لا حُدودَ له، لا حدود له؛ لأنّ أهل الباطل لهم إمكانيات ماديِّة، وعندهم إعلام خطير، وعندهم دِعايات؛ تبهر عقول الشباب وتَسلُب عُقولهم؛ فيجعلون الحق باطلا والباطل حقًّا فينقاد لهم الشباب؛ لشدَّة تأثير هذا الإعلام الشيطاني.
فالذي يريدُ له الله الهداية ويسمع النصيحة؛ يقرأ في كتب الرُّدود ويُعطي بعض الوقت لها، لا كل الوقت، وبعض الوقت هذا -اللّي أقولُه- يكفي للإلمامِ بكتُبِ الردود؛ فلو كان -يعني- يصرف من وقتِهِ في تحصيل العلم عشر ساعات في طلب العلم؛ ساعة في كتب الرُّدود»[7].
... هذا والله أعلم، وصلِّ اللَّهُم وسَلّم على النّبي الخاتم، وعلى آلِهِ، وأصحابهِ، وإخوانهِ.
كتبهُ في ربيعٍ الآخر إحدى وثلاثينَ وأربع مِئةٍ وألفٍ هِجرية
الموافق –بقدر الله تعالى- لمارسٍ من العامِ العاشرِ بعدَ الألفِ الثانية من ميلادِ المسيحِ عيسى بن مريم
في باتنة -الأوراس الأشم-:
عبد الغني بن ميلود الجزائري
-عفا الله عنه-
______________________
[1] «قواعد في علم الحديث» للتّهانوي (ص 47).
[2] «سير أعلام النُّبلاء» للذهبي (11/82).
[3] قاله في الدرس الأول من لقائه بِغُرفتَيْ (البيضاء العلميّة، ومنهاج السنة النبوية) في تعليقه على «مقدمة فتح المجيد»؛ على الشبكة الدّوليّة العنكبوتيّة.
[4] شريط «جماعة التبليغ والعلماء» للشيخ عبد العزيز الرّيِّس -حفظه الله-.
[5] «هديُ الساري»؛ (ص 546).
[6] قاله الشيخ رسلان -حفظه الله- في (الشريط السادس -ضوابط الرمي بالبدعة-) تحت عنوان: «هل نحتاج إلى الجرح والتعديل في هذا العصر؟»؛ ألقى هذا الدرس يوم الثلاثاء 5 من شعبان 1427هـ.
[7] شريط «الرَّد على المُخالِف من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» لفضيلة الشيخ: ربيع بن هادي.