الشاعر أبو رواحة الموري
12-17-2010, 12:41 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاةوالسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
أما بعد :
فهذا بحث مختصر في حديث الإدلاء الحديث الذي يحتج به المعطلة على الموحدين لإيجاب التأويل
نص الحديث
بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه ، إذ أتى عليهم سحاب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هل تدرون ما هذا ؟قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هذا العنان ، هذه روايا الأرض يسوقه الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ، ثم قال : هل تدرون ما فوقكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإنها الرقيع سقف محفوظ ، وموج مكفوف . ثم قال : هل تدرون كم بينكم وبينها ؟قالوا الله ورسوله أعلم . قال : بينكم وبينها مسيرة خمسمائة سنة . ثم قال : هلتدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإن فوق ذلك سماءين ، مابينهما مسيرة خمسمائة عام ، حتى عد سبع سماوات ، ما بين كل سماءين ما بين السماءوالأرض ، ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإن فوقذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين ثم قال : هل تدرون ما الذي تحتكم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإنها الأرض . ثم قال : هل تدرون ما الذي تحتذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإن تحتها أرضا أخرى ، بينهما مسيرةخمسمائة سنة حتى عد سبع أرضين ، بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة ، ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم [ رجلا ] بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله . ثمقرأ { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } .
تخريج الحديث
رواه الترمذي في كتاب التفسير (3298 ) من حديث أبي هريرة وقال((غريب من هذا الوجه))
ولا أجد داعياً لذكر بقية المصادر التي فيها هذه الرواية فإن رواية الترمذي أقواها
والترمذي ضعفها كما ترى
وعلتها الإنقطاع بين الحسن البصري وأبي هريرة
قال الحافظ ابن حجر في ترجمة الحسن البصر من تهذيب تهذيب((ووقع في سنن النسائي من طريق أيوب عن الحسن عن أبي هريرة في المختلعات قال الحسن لم أسمع من أبي هريرة غير هذا الحديث أخرجة عن إسحاق بن راهويه عن المغيرة بن سلمة عن وهيب عن أيوب وهذا إسناد لا مطعن من أحد في رواته وهو يؤيدانه سمع من أبي هريرة في الجملة))
وبهذه العلة أعل الجوزقاني هذه الرواية في كتابه العجاب((الأباطيل والمناكير والصحاح المشاهير)) (1/201)
ولرواية أبي هريرة شاهدمن حديث أبي ذر عند البيهقي في الأسماء والصفات (ص401) باب ما جاء في العرش والكرسي وابن الجوزي في العلل (1/11_12)
وخبر أبي ذر استنكره الذهبي في العلو فقال(ص22) (( أبو نصر (الراوي عن أبي ذر ) مجهول والخبر منكر))
ولكن الحافظ ابن حجر ذهب إلى أن أبا نصر هذا هو حميد بن هلال البصري الثقة
ولكن السند لايزال معلولاً
لأن حميد لم يسمع من أبي ذر كما قال البزار _ انظر التهذيب(3/52) _
فإن قال قائل ألا يرتقي الحديث بهذين الطريقين إلى الحسن لغيره
قلت : هناك مانعان من هذا
الأول : نكارة المتن وقد أحسن الجوزقاني حيث جعل هذا الحديث حديثاً باطلاً مخالفاً لأحاديث العلو
وتابعه على ذلك الحافظ الذهبي
الثاني: أن هناك احتمال عود الطريقين إلى طريقٍ واحدة فإن الإنقطاع في الطريقين موجودٌ في نفس المكان بين التابعي والصحابي
والتابعيان بصريان فيحتمل أنهما أخذا من ضعيف اضطرب فيه جعله تارةً من مسند أبي هريرة وأخرى من مسندأبي ذر رضي الله عنهما
أقوال العلماء في الحديث
1_الترمذي قال((غريب من هذا الوجه))
2_الجوزقاني قال عنه (( باطل )) كما في الأباطيلوالمناكير (1/201)
3_الذهبي وقد تقدم النقل عنه
4_ابن العربي صححه في العارضة (6/356 ) وقال (( منقطع الحسن كمتصله صحيح المعاني وكل حرف منه مستند منطرق صحاح))
قلت: هذا كلام ساقط يخالف حكم الترمذي والجوزقاني ثم أين هي هذه الطرق الصحاح التي تعضد هذا الخبر ؟
وقد تكلم جماعة من العلما في مراسيل ومنقطعاته ، ولو كان منقطعه كمتصله لما أنفق المحدثون الوقت الكثيير في بحث سماعه من جمع من الصحابة
قال الإمام الذهبي في الموقظة : ويوجد في المراسيل موضوعات.
نعم وإن صح الإسناد إلى تابعي متوسط الطبقة، كمراسيل مجاهد، وإبراهيم، والشعبي، فهو مرسل جيد لا بأس به، يقبله قوم ويرده آخرون.
ومن أوهَى المراسيل عندهم مراسيل الحسن.
وأوهى من ذلك مراسيل الزهري وقتادة وحميد الطويل من صغار التابعين
وغالب المحققين يعدون مراسيل هؤلاء معضلات ومنقطعات؛ فإن غالب روايات هؤلاء عن تابعي كبير، عن صحابي، قد ظنوا بمرسله أنه أسقط من إسناده اثنين ))
يقول ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار مسند علي (113) (( مراسيل الحسن أكثرها صحف غير سماع وأنه إذا وصلت الأخبار فأكثر روايته عن مجاهيل لا يعرفون ومن كان كذلك فيما يروي من الأخبار وجب عندنا التثبت في مراسيله ))
وقال عبدالحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (3/341) (( مراسيل الحسن ضعافٌ جداً عندهم ))
5_ ياقوت الحموي حيث صححه في معجم البلدان (1/30) ولم يكن رحمه الله من أهل هذا الشأن
6_ الإمام الألباني وقد ضعفه في ضعيف سنن الترمذي
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه عبد الله الخليفي
قال شيخ الإسلام :
وَ " حَدِيثُ الْإِدْلَاءِ " الَّذِي رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ يُقَوِّيه حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْمَرْفُوعُ ؛ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَمَعْنَاهُ مُوَافِقٌ لِهَذَا ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ : { لَوْ أُدْلِيَ أَحَدُكُمْ بِحَبْلِ لَهَبَطَ عَلَى اللَّهِ } إنَّمَا هُوَ تَقْدِيرٌ مَفْرُوضٌ ؛ أَيْ لَوْ وَقَعَ الْإِدْلَاءُ لَوَقَعَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْلِيَ أَحَدٌ عَلَى اللَّهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ عَالٍ بِالذَّاتِ وَإِذَا أُهْبِطَ شَيْءٌ إلَى جِهَةِ الْأَرْضِ وَقَفَ فِي الْمَرْكَزِ وَلَمْ يَصْعَدْ إلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى لَكِنْ بِتَقْدِيرِ فَرْضِ الْإِدْلَاءِ يَكُونُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْجَزَاءِ . فَهَكَذَا مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ : إذَا قُدِّرَ أَنَّ الْعَبْدَ يَقْصِدُهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ كَانَ هُوَ سُبْحَانَهُ يَسْمَعُ كَلَامَهُ وَكَانَ مُتَوَجِّهًا إلَيْهِ بِقَلْبِهِ لَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَمْنَعُ مِنْهُ الْفِطْرَةُ ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الشَّيْءِ الْقَصْدَ التَّامَّ يُنَافِي قَصْدَ ضِدِّهِ ؛ فَكَمَا أَنَّ الْجِهَةَ الْعُلْيَا بِالذَّاتِ تُنَافِي الْجِهَةَ السُّفْلَى فَكَذَلِكَ قَصْدُ الْأَعْلَى بِالذَّاتِ يُنَافِي قَصْدَهُ مِنْ أَسْفَلَ وَكَمَا أَنَّ مَا يَهْبِطُ إلَى جَوْفِ الْأَرْضِ يَمْتَنِعُ صُعُودُهُ إلَى تِلْكَ النَّاحِيَةِ - لِأَنَّهَا عَالِيَةٌ - فَتَرُدُّ الْهَابِطَ بِعُلُوِّهَا كَمَا أَنَّ الْجِهَةَ الْعُلْيَا مِنْ عِنْدِنَا تَرُدُّ مَا يَصْعَدُ إلَيْهَا مِنْ الثَّقِيلِ فَلَا يَصْعَدُ الثَّقِيلُ إلَّا بِرَافِعِ يَرْفَعُهُ يُدَافِعُ بِهِ مَا فِي قُوَّتِهِ مِنْ الْهُبُوطِ فَكَذَلِكَ مَا يَهْبِطُ مِنْ أَعْلَى الْأَرْضِ إلَى أَسْفَلِهَا - وَهُوَ الْمَرْكَزُ - لَا يَصْعَدُ مِنْ هُنَاكَ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ إلَّا بِرَافِعِ يَرْفَعُهُ يُدَافِعُ بِهِ مَا فِي قُوَّتِهِ مِنْ الْهُبُوطِ إلَى الْمَرْكَزِ فَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ الدَّافِعَ أَقْوَى كَانَ صَاعِدًا بِهِ إلَى الْفَلَكِ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَصَعِدَ بِهِ إلَى اللَّهِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى هُبُوطًا بِاعْتِبَارِ مَا فِي أَذْهَانِ الْمُخَاطَبِينَ أَنَّ مَا يُحَاذِي أَرْجُلَهُمْ يَكُونُ هَابِطًا وَيُسَمَّى هُبُوطًا مَعَ تَسْمِيَةِ إهْبَاطِهِ إدْلَاءً وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ إدْلَاءً حَقِيقِيًّا إلَى الْمَرْكَزِ وَمِنْ هُنَاكَ إنَّمَا يَكُونُ مَدًّا لِلْحَبْلِ وَالدَّلْوِ لَا إدْلَاءَ لَهُ لَكِنَّ الْجَزَاءَ وَالشَّرْطَ مُقَدَّرَانِ لَا مُحَقَّقَانِ .
فَإِنَّهُ قَالَ : لَوْ أَدْلَى لَهَبَطَ ؛ أَيْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ هُنَاكَ إدْلَاءً لَفُرِضَ أَنَّ هُنَاكَ هُبُوطًا وَهُوَ يَكُونُ إدْلَاءً وَهُبُوطًا إذَا قُدِّرَ أَنَّ السَّمَوَاتِ تَحْتَ الْأَرْضِ وَهَذَا التَّقْدِيرُ مُنْتَفٍ ؛ وَلَكِنَّ فَائِدَتَهُ بَيَانُ الْإِحَاطَةِ وَالْعُلُوِّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَهَذَا الْمَفْرُوضُ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّنَا لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُدْلِيَ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَهْبِطَ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ لَكِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْرُقَ مِنْ هُنَا إلَى هُنَاكَ بِحَبْلِ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ فِي حَقِّهِ إدْلَاءً فَلَا يَكُونُ فِي حَقِّهِ هُبُوطًا عَلَيْهِ . كَمَا لَوْ خَرَقَ بِحَبْلِ مِنْ الْقُطْبِ إلَى الْقُطْبِ أَوْ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إلَى مَغْرِبِهَا وَقَدَّرْنَا أَنَّ الْحَبْلَ مَرَّ فِي وَسَطِ الْأَرْضِ فَإِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَا فَرْقَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مِنْ أَنْ يَخْرُقَ مِنْ جَانِبِ الْيَمِينِ مِنَّا إلَى جَانِبِ الْيَسَارِ أَوْ مِنْ جِهَةِ أَمَامِنَا إلَى جِهَةِ خَلْفِنَا أَوْ مِنْ جِهَةِ رُءُوسِنَا إلَى جِهَةِ أَرْجُلِنَا إذَا مَرَّ الْحَبْلُ بِالْأَرْضِ فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ قَدْ خَرَقَ بِالْحَبْلِ مِنْ جَانِبِ الْمُحِيطِ إلَى جَانِبِهِ الْآخَرِ مَعَ خَرْقِ الْمَرْكَزِ وَبِتَقْدِيرِ إحَاطَةِ قَبْضَتِهِ بِالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَالْحَبْلُ الَّذِي قُدِّرَ أَنَّهُ خَرَقَ بِهِ الْعَالَمَ وَصَلَ إلَيْهِ وَلَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ إدْلَاءً وَلَا هُبُوطًا . وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا فَإِنَّ مَا تَحْتَ أَرْجُلِنَا تَحْتٌ لَنَا وَمَا فَوْقَ رُءُوسِنَا فَوْقٌ لَنَا وَمَا نُدْلِيهِ مِنْ نَاحِيَةِ رُءُوسِنَا إلَى نَاحِيَةِ أَرْجُلِنَا نَتَخَيَّلُ
أَنَّهُ هَابِطٌ فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ أَحَدَنَا أَدْلَى بِحَبْلِ كَانَ هَابِطًا عَلَى مَا هُنَاكَ لَكِنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّنَا وَالْمَقْصُودُ بِهِ بَيَانُ إحَاطَةِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا بَيَّنَ أَنَّهُ يَقْبِضُ السَّمَوَاتِ وَيَطْوِي الْأَرْضَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ بَيَانُ إحَاطَتِهِ بِالْمَخْلُوقَاتِ . وَلِهَذَا قَرَأَ فِي تَمَامِ هَذَا الْحَدِيثِ { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .
وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَإِنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمَّا رَوَاهُ قَالَ : وَفَسَّرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ هَبَطَ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ وَبَعْضُ الْحُلُولِيَّةِ والاتحادية يَظُنُّ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِمْ الْبَاطِلِ ؛ وَهُوَ أَنَّهُ حَالٌّ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَأَنَّ وُجُودَهُ وُجُودُ الْأَمْكِنَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ . وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ ثَابِتًا فَإِنَّ قَوْلَهُ : { لَوْ أَدْلَى بِحَبْلِ لَهَبَطَ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُدْلِي وَلَا فِي الْحَبْلِ وَلَا فِي الدَّلْوِ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ ؛ وَكَذَلِكَ تَأْوِيلُهُ بِالْعِلْمِ تَأْوِيلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ مَنْ جِنْسِ تَأْوِيلَاتِ الجهمية ؛ بَلْ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ يَكُونُ دَالًّا عَلَى الْإِحَاطَةِ . وَالْإِحَاطَةُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَيْهَا وَعُلِمَ أَنَّهَا تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة وَلَيْسَ فِي إثْبَاتِهَا فِي الْجُمْلَةِ مَا يُخَالِفُ الْعَقْلَ وَلَا الشَّرْعَ ؛ لَكِنْ لَا نَتَكَلَّمُ إلَّا بِمَا نَعْلَمُ وَمَا لَا نَعْلَمُهُ أَمْسَكْنَا عَنْهُ وَمَا كَانَ مُقَدِّمَةُ دَلِيلِهِ مَشْكُوكًا فِيهَا عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَشُكَّ فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ وَإِلَّا فَلْيَسْكُتْ عَمَّا لَمْ يَعْلَمْ .
قال أسامة بن عطايا العتيبي مستنتجا بعض الفوائد من حديث الإدلاء
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فهذه فوائد تتعلق بمعنى حديث الإدلاء بما تكلم به الراسخون في العلم من القدماء والمعاصرين :
1- قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو ضمن كلام طويل في بيان تلبيس الجهمية-المجلد الرابع من المحققة من أوله، و(ص/34، 39، وغيرها)، وكذلك نحوه في مجموع الفتاوى(6/571) وقد نقل بعضه الأخ حمزة وفقه الله
2- ذكر ابن القيم في الصواعق كما في مختصرة(2/626-631) في آخر كلامه عن المثال التاسع في المعية كلاماً طويلاً حول هذا الحديث سنداً ومتناً فكان مما قاله: [فقوله " لو دليتم بحبل لهبط على الله " اذا هبط في قبضته المحيطة بالعالم فقد هبط عليه
والعالم في قبضته وهو فوق عرشه
ولو ان احدنا امسك بيده او برجله كرة قبضتها يده من جميع جوانبها ثم وقعت حصاة من اعلى الكرة الى اسفلها لوقعت في يده وهبطت عليه , ولم يلزم من ذلك ان تكون الكرة والحصاة فوقه وهو تحتها ,
ولله المثل الاعلى
وانما يؤتى الرجل من سوء فهمه او من سوء قصده [أو] من كليهما , فاذا هما اجتمعا كمل نصيبه من الضلال.
واما تأويل الترمذي وغيره له بالعلم فقال شيخنا : هو ظاهر الفساد من جنس تأويلات الجهمية بل بتقدير ثبوته , فانما يدل على الاحاطة , والاحاطة ثابتة عقلا ونقلا وفطرة كما تقدم.. ]
3- في مجموع فتاوى ورسائل شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( 1/ 89)
(60) وسئل: عن صحة حديث "لو دليتم بحبل إلى الأرض السابعة لوقع على الله " ؟ وما معناه؟
فأجاب بقوله:
[هذا الحديث اختلف العلماء في تصحيحه، والذين قالوا : إنه صحيح يقولون : إن معنى الحديث لو أدليتم بحبل لوقع على الله عز وجل لأن الله تعالى محيط بكل شيء، فكل شيء هو في قبضة الله سبحانه وتعالى وكل شيء فإنه لا يغيب عن الله تعالى، حتى إن السماوات السبع والأرضين السبع في كف الرحمن عز وجل كخردلة في يد أحدنا يقول : الله تعالى في القرآن الكريم: (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون).
ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون دالاً على أن الله سبحانه وتعالى في كل مكان، أو على أن الله تعالى في أسفل الأرض السابعة فإن هذا ممتنع شرعاً، وعقلاً، وفطرة، لأن علو الله سبحانه وتعالى قد دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع، والعقل، والفطرة.
فمن الكتاب: قوله تعالى: (وهو القاهر فوق عباده). وقوله: (سبح اسم ربك الأعلى) والآيات في هذه كثيرة جداً في كتاب الله فكل آية تدل على صعود الشيء إلى الله، أو رفع الشيء إلى الله، أو نزول الشيء من الله فإنها تدل على علو الله عز وجل.
وأما السنة: فإنها متواترة على علو الله عز وجل والسنة دلت على علو الله عز وجل من قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله وإقراره. قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء " . فهذا قول منه صلى الله عليه وسلم يدل على علو الله عز وجل وخطب النبيصلى الله عليه وسلم في أمته يوم عرفة فقال لهم: " ألا هل بلغت" ؟ قالوا: نعم. فرفع إصبعه إلى السماء يقول :: " اللهم اشهد". فهذا فعل منه صلى الله عليه وسلم يدل على علو الله عز وجل وإقراره حين سأل الجارية "أين الله " قالت : في السماء . قال : " أعتقها فإنها مؤمنة ".
وأما الإجماع: فقد أجمع الصحابة والتابعون لهم بإحسان من أئمة هذه الأمة وعلمائها على أن الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء، ولم ينقل عنهم حرف واحد أن الله ليس في السماء، أو أنه مختلط بالخلق أو أنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل، ولا منفصل، ولا مباين، ولا محاذٍ، بل النصوص عنهم كلها متفقة على أن الله تعالى في العلو وفوق كل شيء.
أما العقل: فقد دل على علو الله بأن نقول : هل العلو صفة كمال أو السفل؟ الجواب بالعلو والله عز وجل قد قال في كتابه: ( ولله المثل الأعلى) فكل وصف أكمل فهو الله عز وجل وإذا كان العقل يدل على أن العلو كمال وجب أن يثبت العلو لله عز وجل وتقرير ذلك أن يقال : : إن الله عز وجل إما أن يكون في الأعلى، أو في الأسفل، أو في المحاذي ففي الأسفل مستحيل لنقصه، وفي المحاذي مستحيل أيضاً لنقصه، لأنه يلزم أن يكون مساوياً للمخلوق، فلم يبق إلا العلو فالله عال فوق كل شيء.
أما الفطرة: فإن كل إنسان مفطور على أن الله تعالى في السماء تجد الإنسان يقول : : يا الله ويتجه إلى السماء فما يجد في قلبه ضرورة إلا إلى العلو. إذاً فنحن نقول: إن الله تعالى فوق كل شيء، وإذا كان فوق كل شيء فإنه لا يمكن أن يكون المراد بهذا الحديث "لو دليتم بحبل إلى الأرض السابعة لوقع على الله" أن الله في الأرض فإن قيل: هل قوله تعالى:( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم) يقتضي أن الله في الأرض كما هو في السماء؟
فالجواب: لا لأن الله تعالى يخبر عن الألوهية، ولا يخبر عن مكانه أنه في السماء والأرض، لكن يخبر أنه إله في السماء وإله في الأرض، كما تقول : فلان أمير في مكة وأمير في المدينة، فالمعنى أن إمارته ثابتة في مكة وفي المدينة وإن كان هو قطعاً في أحد البلدين وليس فيهما جميعاً. فهذه الآية تدل على أن ألوهية الله ثابتة في الأرض وفي السماء، وإن كان هو سبحانه وتعالى في السماء]
فهذه أقوال أئمة راسخين في العلم وهناك غيرهم لم أنقل كلامهم بعدُ تكلموا في شرح هذه الأثر شرحاً سلفياً ذكرت خلاصته في شرحي لمقدمة ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله..
فبعض الشباب استغربوا كلامي مع أنه كلام أئمة أهل السنة ، وبعضهم حاول التشغيب هنا وهناك هداه الله واصلحه ولا أعني به الأخ أبا الفداء ..
فهل في كلام شيخ الإسلام وابن القيم وابن عثيمين تشبيه أو ضرب الأمثال لله وخاصة في كلام ابن القيم؟!!
أرجو إيصال كلام الأئمة للشيخ الفاضل فلاح إسماعيل حفظه الله ..
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه..
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
منقول من سحاب بتصرف
الحمد لله والصلاةوالسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
أما بعد :
فهذا بحث مختصر في حديث الإدلاء الحديث الذي يحتج به المعطلة على الموحدين لإيجاب التأويل
نص الحديث
بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه ، إذ أتى عليهم سحاب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هل تدرون ما هذا ؟قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هذا العنان ، هذه روايا الأرض يسوقه الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ، ثم قال : هل تدرون ما فوقكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإنها الرقيع سقف محفوظ ، وموج مكفوف . ثم قال : هل تدرون كم بينكم وبينها ؟قالوا الله ورسوله أعلم . قال : بينكم وبينها مسيرة خمسمائة سنة . ثم قال : هلتدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإن فوق ذلك سماءين ، مابينهما مسيرة خمسمائة عام ، حتى عد سبع سماوات ، ما بين كل سماءين ما بين السماءوالأرض ، ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإن فوقذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين ثم قال : هل تدرون ما الذي تحتكم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإنها الأرض . ثم قال : هل تدرون ما الذي تحتذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإن تحتها أرضا أخرى ، بينهما مسيرةخمسمائة سنة حتى عد سبع أرضين ، بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة ، ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم [ رجلا ] بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله . ثمقرأ { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } .
تخريج الحديث
رواه الترمذي في كتاب التفسير (3298 ) من حديث أبي هريرة وقال((غريب من هذا الوجه))
ولا أجد داعياً لذكر بقية المصادر التي فيها هذه الرواية فإن رواية الترمذي أقواها
والترمذي ضعفها كما ترى
وعلتها الإنقطاع بين الحسن البصري وأبي هريرة
قال الحافظ ابن حجر في ترجمة الحسن البصر من تهذيب تهذيب((ووقع في سنن النسائي من طريق أيوب عن الحسن عن أبي هريرة في المختلعات قال الحسن لم أسمع من أبي هريرة غير هذا الحديث أخرجة عن إسحاق بن راهويه عن المغيرة بن سلمة عن وهيب عن أيوب وهذا إسناد لا مطعن من أحد في رواته وهو يؤيدانه سمع من أبي هريرة في الجملة))
وبهذه العلة أعل الجوزقاني هذه الرواية في كتابه العجاب((الأباطيل والمناكير والصحاح المشاهير)) (1/201)
ولرواية أبي هريرة شاهدمن حديث أبي ذر عند البيهقي في الأسماء والصفات (ص401) باب ما جاء في العرش والكرسي وابن الجوزي في العلل (1/11_12)
وخبر أبي ذر استنكره الذهبي في العلو فقال(ص22) (( أبو نصر (الراوي عن أبي ذر ) مجهول والخبر منكر))
ولكن الحافظ ابن حجر ذهب إلى أن أبا نصر هذا هو حميد بن هلال البصري الثقة
ولكن السند لايزال معلولاً
لأن حميد لم يسمع من أبي ذر كما قال البزار _ انظر التهذيب(3/52) _
فإن قال قائل ألا يرتقي الحديث بهذين الطريقين إلى الحسن لغيره
قلت : هناك مانعان من هذا
الأول : نكارة المتن وقد أحسن الجوزقاني حيث جعل هذا الحديث حديثاً باطلاً مخالفاً لأحاديث العلو
وتابعه على ذلك الحافظ الذهبي
الثاني: أن هناك احتمال عود الطريقين إلى طريقٍ واحدة فإن الإنقطاع في الطريقين موجودٌ في نفس المكان بين التابعي والصحابي
والتابعيان بصريان فيحتمل أنهما أخذا من ضعيف اضطرب فيه جعله تارةً من مسند أبي هريرة وأخرى من مسندأبي ذر رضي الله عنهما
أقوال العلماء في الحديث
1_الترمذي قال((غريب من هذا الوجه))
2_الجوزقاني قال عنه (( باطل )) كما في الأباطيلوالمناكير (1/201)
3_الذهبي وقد تقدم النقل عنه
4_ابن العربي صححه في العارضة (6/356 ) وقال (( منقطع الحسن كمتصله صحيح المعاني وكل حرف منه مستند منطرق صحاح))
قلت: هذا كلام ساقط يخالف حكم الترمذي والجوزقاني ثم أين هي هذه الطرق الصحاح التي تعضد هذا الخبر ؟
وقد تكلم جماعة من العلما في مراسيل ومنقطعاته ، ولو كان منقطعه كمتصله لما أنفق المحدثون الوقت الكثيير في بحث سماعه من جمع من الصحابة
قال الإمام الذهبي في الموقظة : ويوجد في المراسيل موضوعات.
نعم وإن صح الإسناد إلى تابعي متوسط الطبقة، كمراسيل مجاهد، وإبراهيم، والشعبي، فهو مرسل جيد لا بأس به، يقبله قوم ويرده آخرون.
ومن أوهَى المراسيل عندهم مراسيل الحسن.
وأوهى من ذلك مراسيل الزهري وقتادة وحميد الطويل من صغار التابعين
وغالب المحققين يعدون مراسيل هؤلاء معضلات ومنقطعات؛ فإن غالب روايات هؤلاء عن تابعي كبير، عن صحابي، قد ظنوا بمرسله أنه أسقط من إسناده اثنين ))
يقول ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار مسند علي (113) (( مراسيل الحسن أكثرها صحف غير سماع وأنه إذا وصلت الأخبار فأكثر روايته عن مجاهيل لا يعرفون ومن كان كذلك فيما يروي من الأخبار وجب عندنا التثبت في مراسيله ))
وقال عبدالحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (3/341) (( مراسيل الحسن ضعافٌ جداً عندهم ))
5_ ياقوت الحموي حيث صححه في معجم البلدان (1/30) ولم يكن رحمه الله من أهل هذا الشأن
6_ الإمام الألباني وقد ضعفه في ضعيف سنن الترمذي
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه عبد الله الخليفي
قال شيخ الإسلام :
وَ " حَدِيثُ الْإِدْلَاءِ " الَّذِي رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ يُقَوِّيه حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْمَرْفُوعُ ؛ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَمَعْنَاهُ مُوَافِقٌ لِهَذَا ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ : { لَوْ أُدْلِيَ أَحَدُكُمْ بِحَبْلِ لَهَبَطَ عَلَى اللَّهِ } إنَّمَا هُوَ تَقْدِيرٌ مَفْرُوضٌ ؛ أَيْ لَوْ وَقَعَ الْإِدْلَاءُ لَوَقَعَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْلِيَ أَحَدٌ عَلَى اللَّهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ عَالٍ بِالذَّاتِ وَإِذَا أُهْبِطَ شَيْءٌ إلَى جِهَةِ الْأَرْضِ وَقَفَ فِي الْمَرْكَزِ وَلَمْ يَصْعَدْ إلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى لَكِنْ بِتَقْدِيرِ فَرْضِ الْإِدْلَاءِ يَكُونُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْجَزَاءِ . فَهَكَذَا مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ : إذَا قُدِّرَ أَنَّ الْعَبْدَ يَقْصِدُهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ كَانَ هُوَ سُبْحَانَهُ يَسْمَعُ كَلَامَهُ وَكَانَ مُتَوَجِّهًا إلَيْهِ بِقَلْبِهِ لَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَمْنَعُ مِنْهُ الْفِطْرَةُ ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الشَّيْءِ الْقَصْدَ التَّامَّ يُنَافِي قَصْدَ ضِدِّهِ ؛ فَكَمَا أَنَّ الْجِهَةَ الْعُلْيَا بِالذَّاتِ تُنَافِي الْجِهَةَ السُّفْلَى فَكَذَلِكَ قَصْدُ الْأَعْلَى بِالذَّاتِ يُنَافِي قَصْدَهُ مِنْ أَسْفَلَ وَكَمَا أَنَّ مَا يَهْبِطُ إلَى جَوْفِ الْأَرْضِ يَمْتَنِعُ صُعُودُهُ إلَى تِلْكَ النَّاحِيَةِ - لِأَنَّهَا عَالِيَةٌ - فَتَرُدُّ الْهَابِطَ بِعُلُوِّهَا كَمَا أَنَّ الْجِهَةَ الْعُلْيَا مِنْ عِنْدِنَا تَرُدُّ مَا يَصْعَدُ إلَيْهَا مِنْ الثَّقِيلِ فَلَا يَصْعَدُ الثَّقِيلُ إلَّا بِرَافِعِ يَرْفَعُهُ يُدَافِعُ بِهِ مَا فِي قُوَّتِهِ مِنْ الْهُبُوطِ فَكَذَلِكَ مَا يَهْبِطُ مِنْ أَعْلَى الْأَرْضِ إلَى أَسْفَلِهَا - وَهُوَ الْمَرْكَزُ - لَا يَصْعَدُ مِنْ هُنَاكَ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ إلَّا بِرَافِعِ يَرْفَعُهُ يُدَافِعُ بِهِ مَا فِي قُوَّتِهِ مِنْ الْهُبُوطِ إلَى الْمَرْكَزِ فَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ الدَّافِعَ أَقْوَى كَانَ صَاعِدًا بِهِ إلَى الْفَلَكِ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَصَعِدَ بِهِ إلَى اللَّهِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى هُبُوطًا بِاعْتِبَارِ مَا فِي أَذْهَانِ الْمُخَاطَبِينَ أَنَّ مَا يُحَاذِي أَرْجُلَهُمْ يَكُونُ هَابِطًا وَيُسَمَّى هُبُوطًا مَعَ تَسْمِيَةِ إهْبَاطِهِ إدْلَاءً وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ إدْلَاءً حَقِيقِيًّا إلَى الْمَرْكَزِ وَمِنْ هُنَاكَ إنَّمَا يَكُونُ مَدًّا لِلْحَبْلِ وَالدَّلْوِ لَا إدْلَاءَ لَهُ لَكِنَّ الْجَزَاءَ وَالشَّرْطَ مُقَدَّرَانِ لَا مُحَقَّقَانِ .
فَإِنَّهُ قَالَ : لَوْ أَدْلَى لَهَبَطَ ؛ أَيْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ هُنَاكَ إدْلَاءً لَفُرِضَ أَنَّ هُنَاكَ هُبُوطًا وَهُوَ يَكُونُ إدْلَاءً وَهُبُوطًا إذَا قُدِّرَ أَنَّ السَّمَوَاتِ تَحْتَ الْأَرْضِ وَهَذَا التَّقْدِيرُ مُنْتَفٍ ؛ وَلَكِنَّ فَائِدَتَهُ بَيَانُ الْإِحَاطَةِ وَالْعُلُوِّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَهَذَا الْمَفْرُوضُ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّنَا لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُدْلِيَ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَهْبِطَ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ لَكِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْرُقَ مِنْ هُنَا إلَى هُنَاكَ بِحَبْلِ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ فِي حَقِّهِ إدْلَاءً فَلَا يَكُونُ فِي حَقِّهِ هُبُوطًا عَلَيْهِ . كَمَا لَوْ خَرَقَ بِحَبْلِ مِنْ الْقُطْبِ إلَى الْقُطْبِ أَوْ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إلَى مَغْرِبِهَا وَقَدَّرْنَا أَنَّ الْحَبْلَ مَرَّ فِي وَسَطِ الْأَرْضِ فَإِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَا فَرْقَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مِنْ أَنْ يَخْرُقَ مِنْ جَانِبِ الْيَمِينِ مِنَّا إلَى جَانِبِ الْيَسَارِ أَوْ مِنْ جِهَةِ أَمَامِنَا إلَى جِهَةِ خَلْفِنَا أَوْ مِنْ جِهَةِ رُءُوسِنَا إلَى جِهَةِ أَرْجُلِنَا إذَا مَرَّ الْحَبْلُ بِالْأَرْضِ فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ قَدْ خَرَقَ بِالْحَبْلِ مِنْ جَانِبِ الْمُحِيطِ إلَى جَانِبِهِ الْآخَرِ مَعَ خَرْقِ الْمَرْكَزِ وَبِتَقْدِيرِ إحَاطَةِ قَبْضَتِهِ بِالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فَالْحَبْلُ الَّذِي قُدِّرَ أَنَّهُ خَرَقَ بِهِ الْعَالَمَ وَصَلَ إلَيْهِ وَلَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ إدْلَاءً وَلَا هُبُوطًا . وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا فَإِنَّ مَا تَحْتَ أَرْجُلِنَا تَحْتٌ لَنَا وَمَا فَوْقَ رُءُوسِنَا فَوْقٌ لَنَا وَمَا نُدْلِيهِ مِنْ نَاحِيَةِ رُءُوسِنَا إلَى نَاحِيَةِ أَرْجُلِنَا نَتَخَيَّلُ
أَنَّهُ هَابِطٌ فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ أَحَدَنَا أَدْلَى بِحَبْلِ كَانَ هَابِطًا عَلَى مَا هُنَاكَ لَكِنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّنَا وَالْمَقْصُودُ بِهِ بَيَانُ إحَاطَةِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا بَيَّنَ أَنَّهُ يَقْبِضُ السَّمَوَاتِ وَيَطْوِي الْأَرْضَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ بَيَانُ إحَاطَتِهِ بِالْمَخْلُوقَاتِ . وَلِهَذَا قَرَأَ فِي تَمَامِ هَذَا الْحَدِيثِ { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .
وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَإِنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمَّا رَوَاهُ قَالَ : وَفَسَّرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ هَبَطَ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ وَبَعْضُ الْحُلُولِيَّةِ والاتحادية يَظُنُّ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِمْ الْبَاطِلِ ؛ وَهُوَ أَنَّهُ حَالٌّ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَأَنَّ وُجُودَهُ وُجُودُ الْأَمْكِنَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ . وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ ثَابِتًا فَإِنَّ قَوْلَهُ : { لَوْ أَدْلَى بِحَبْلِ لَهَبَطَ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُدْلِي وَلَا فِي الْحَبْلِ وَلَا فِي الدَّلْوِ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ ؛ وَكَذَلِكَ تَأْوِيلُهُ بِالْعِلْمِ تَأْوِيلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ مَنْ جِنْسِ تَأْوِيلَاتِ الجهمية ؛ بَلْ بِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ يَكُونُ دَالًّا عَلَى الْإِحَاطَةِ . وَالْإِحَاطَةُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَيْهَا وَعُلِمَ أَنَّهَا تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة وَلَيْسَ فِي إثْبَاتِهَا فِي الْجُمْلَةِ مَا يُخَالِفُ الْعَقْلَ وَلَا الشَّرْعَ ؛ لَكِنْ لَا نَتَكَلَّمُ إلَّا بِمَا نَعْلَمُ وَمَا لَا نَعْلَمُهُ أَمْسَكْنَا عَنْهُ وَمَا كَانَ مُقَدِّمَةُ دَلِيلِهِ مَشْكُوكًا فِيهَا عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَشُكَّ فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ وَإِلَّا فَلْيَسْكُتْ عَمَّا لَمْ يَعْلَمْ .
قال أسامة بن عطايا العتيبي مستنتجا بعض الفوائد من حديث الإدلاء
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فهذه فوائد تتعلق بمعنى حديث الإدلاء بما تكلم به الراسخون في العلم من القدماء والمعاصرين :
1- قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو ضمن كلام طويل في بيان تلبيس الجهمية-المجلد الرابع من المحققة من أوله، و(ص/34، 39، وغيرها)، وكذلك نحوه في مجموع الفتاوى(6/571) وقد نقل بعضه الأخ حمزة وفقه الله
2- ذكر ابن القيم في الصواعق كما في مختصرة(2/626-631) في آخر كلامه عن المثال التاسع في المعية كلاماً طويلاً حول هذا الحديث سنداً ومتناً فكان مما قاله: [فقوله " لو دليتم بحبل لهبط على الله " اذا هبط في قبضته المحيطة بالعالم فقد هبط عليه
والعالم في قبضته وهو فوق عرشه
ولو ان احدنا امسك بيده او برجله كرة قبضتها يده من جميع جوانبها ثم وقعت حصاة من اعلى الكرة الى اسفلها لوقعت في يده وهبطت عليه , ولم يلزم من ذلك ان تكون الكرة والحصاة فوقه وهو تحتها ,
ولله المثل الاعلى
وانما يؤتى الرجل من سوء فهمه او من سوء قصده [أو] من كليهما , فاذا هما اجتمعا كمل نصيبه من الضلال.
واما تأويل الترمذي وغيره له بالعلم فقال شيخنا : هو ظاهر الفساد من جنس تأويلات الجهمية بل بتقدير ثبوته , فانما يدل على الاحاطة , والاحاطة ثابتة عقلا ونقلا وفطرة كما تقدم.. ]
3- في مجموع فتاوى ورسائل شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( 1/ 89)
(60) وسئل: عن صحة حديث "لو دليتم بحبل إلى الأرض السابعة لوقع على الله " ؟ وما معناه؟
فأجاب بقوله:
[هذا الحديث اختلف العلماء في تصحيحه، والذين قالوا : إنه صحيح يقولون : إن معنى الحديث لو أدليتم بحبل لوقع على الله عز وجل لأن الله تعالى محيط بكل شيء، فكل شيء هو في قبضة الله سبحانه وتعالى وكل شيء فإنه لا يغيب عن الله تعالى، حتى إن السماوات السبع والأرضين السبع في كف الرحمن عز وجل كخردلة في يد أحدنا يقول : الله تعالى في القرآن الكريم: (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون).
ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون دالاً على أن الله سبحانه وتعالى في كل مكان، أو على أن الله تعالى في أسفل الأرض السابعة فإن هذا ممتنع شرعاً، وعقلاً، وفطرة، لأن علو الله سبحانه وتعالى قد دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع، والعقل، والفطرة.
فمن الكتاب: قوله تعالى: (وهو القاهر فوق عباده). وقوله: (سبح اسم ربك الأعلى) والآيات في هذه كثيرة جداً في كتاب الله فكل آية تدل على صعود الشيء إلى الله، أو رفع الشيء إلى الله، أو نزول الشيء من الله فإنها تدل على علو الله عز وجل.
وأما السنة: فإنها متواترة على علو الله عز وجل والسنة دلت على علو الله عز وجل من قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله وإقراره. قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء " . فهذا قول منه صلى الله عليه وسلم يدل على علو الله عز وجل وخطب النبيصلى الله عليه وسلم في أمته يوم عرفة فقال لهم: " ألا هل بلغت" ؟ قالوا: نعم. فرفع إصبعه إلى السماء يقول :: " اللهم اشهد". فهذا فعل منه صلى الله عليه وسلم يدل على علو الله عز وجل وإقراره حين سأل الجارية "أين الله " قالت : في السماء . قال : " أعتقها فإنها مؤمنة ".
وأما الإجماع: فقد أجمع الصحابة والتابعون لهم بإحسان من أئمة هذه الأمة وعلمائها على أن الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء، ولم ينقل عنهم حرف واحد أن الله ليس في السماء، أو أنه مختلط بالخلق أو أنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل، ولا منفصل، ولا مباين، ولا محاذٍ، بل النصوص عنهم كلها متفقة على أن الله تعالى في العلو وفوق كل شيء.
أما العقل: فقد دل على علو الله بأن نقول : هل العلو صفة كمال أو السفل؟ الجواب بالعلو والله عز وجل قد قال في كتابه: ( ولله المثل الأعلى) فكل وصف أكمل فهو الله عز وجل وإذا كان العقل يدل على أن العلو كمال وجب أن يثبت العلو لله عز وجل وتقرير ذلك أن يقال : : إن الله عز وجل إما أن يكون في الأعلى، أو في الأسفل، أو في المحاذي ففي الأسفل مستحيل لنقصه، وفي المحاذي مستحيل أيضاً لنقصه، لأنه يلزم أن يكون مساوياً للمخلوق، فلم يبق إلا العلو فالله عال فوق كل شيء.
أما الفطرة: فإن كل إنسان مفطور على أن الله تعالى في السماء تجد الإنسان يقول : : يا الله ويتجه إلى السماء فما يجد في قلبه ضرورة إلا إلى العلو. إذاً فنحن نقول: إن الله تعالى فوق كل شيء، وإذا كان فوق كل شيء فإنه لا يمكن أن يكون المراد بهذا الحديث "لو دليتم بحبل إلى الأرض السابعة لوقع على الله" أن الله في الأرض فإن قيل: هل قوله تعالى:( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم) يقتضي أن الله في الأرض كما هو في السماء؟
فالجواب: لا لأن الله تعالى يخبر عن الألوهية، ولا يخبر عن مكانه أنه في السماء والأرض، لكن يخبر أنه إله في السماء وإله في الأرض، كما تقول : فلان أمير في مكة وأمير في المدينة، فالمعنى أن إمارته ثابتة في مكة وفي المدينة وإن كان هو قطعاً في أحد البلدين وليس فيهما جميعاً. فهذه الآية تدل على أن ألوهية الله ثابتة في الأرض وفي السماء، وإن كان هو سبحانه وتعالى في السماء]
فهذه أقوال أئمة راسخين في العلم وهناك غيرهم لم أنقل كلامهم بعدُ تكلموا في شرح هذه الأثر شرحاً سلفياً ذكرت خلاصته في شرحي لمقدمة ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله..
فبعض الشباب استغربوا كلامي مع أنه كلام أئمة أهل السنة ، وبعضهم حاول التشغيب هنا وهناك هداه الله واصلحه ولا أعني به الأخ أبا الفداء ..
فهل في كلام شيخ الإسلام وابن القيم وابن عثيمين تشبيه أو ضرب الأمثال لله وخاصة في كلام ابن القيم؟!!
أرجو إيصال كلام الأئمة للشيخ الفاضل فلاح إسماعيل حفظه الله ..
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه..
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
منقول من سحاب بتصرف