فتحي العلي
01-06-2011, 09:42 PM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .
أما بعد:
قال العلامة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي - رحمه الله-:
{.....
أولاً: أن الحزبية بدعة منكرة لما سبرناه من النهي عنها في القرآن الكريم والسنة المطهرة وكلام السلف رضوان الله عليهم.
ثانياً: ذم الله عزوجل الحزبية والتحزب وذمها رسوله صلى الله عليه وسلم وذمها سلف الأمة الذين عرفوا الإسلام معرفة حقيقية لأنها خروج على وحدة الأمة الإٍسلامية التي أمرها الله عزوجل أن تكون أمة واحدة فقال: {وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}(1 ) وانقسام منها وتجزأة لها ومساهمة في إضعافها.
ثالثاً: أن المنتمين إلى الحزبيات والأحزاب يجعلون حزبهم هو محور الولاء والبراء والحب والعداء وذلك مشاقة لله ولرسوله ومحادة لله ولرسوله حيث جعل الله عزوجل محور الولاء والبراء هو الإيمان بالله ورسوله قال تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}(2 ).
ثم يأتي قائد جماعة في فكر معاصر فيقعد قاعدة تتنافى مع هذه الآية وما في معناها من آيات الولاء والبراء فيقول: (نجتمع فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه) قال الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد في حكم الانتماء: ((وهذا تقعيد حادث فاسد إذ لا عذر لمن خالف في قواطع الأحكام فإنه بإجماع المسلمين لا يسوغ العذر ولا التنازل عن مسلمات الاعتقاد، وكم من فرقة تنبذ أصلاً شرعياً وتجادل دونه بالباطل)) اهـ
قلت: هذا هو الفهم للإسلام لا ما سلكه بعض الزعماء في العمل الإسلامي من سياسة التجميع والتكثير لقوم عقائدهم مختلفة واتجاهاتهم متباية وقناعاتهم متضادة فماذا كان إنهم مازالوا منذ ما يقارب تسعين سنة يدورون في حلقة مفرغة.
رابعاً: يلزم من الحزبية اتخاذ المبتدعين أئمة يحتذى قولهم ويقتدى بأفعالهم ويتخذون قدوة وأسوة، ويكون قولهم وتقعيدهم وتنظيرهم مسلماً، وإن خالف الحق، وتلك هي قاصمة الظهر والله.
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم}(3 ) وسبب نزول هذه الآية وما بعدها: أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما تماريا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم وفد تميم فيمن يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فأشار أبو بكر بالأقرع بن حابس وأشار عمر بالقعقاع بن معبد بن زرارة فقال أبو بكر لعمر ما اردت إلا خلافي، وقال عمر ما أردت خلافك، فتماريا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهما فأنزل الله عزوجل: {يا أيها الذين آمنوالا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم، يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}.
فأدب الله عزوجل عباده المؤمنين أن يتقدموا بين يدي رسوله.
روى البخاري في صحيحه عن مجاهد تعليقاً: "لا تقدموا: لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقضي الله على لسانه. قال الحافظ وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد"اهـ.
وقد أدب الله عباده المؤمنين أن يقدموا آرائهم على حكمه وأقوالهم على قوله أو يقدموا أحداً سوى أنفسهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقدموا حكمه على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قوله على قوله أو هديه على هديه وقد توعد الله عزوجل من فعل ذلك بإحباط العمل لهذا فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن أبي مليكة أنه قال كاد الخيران أن يهلكا.
قلت: ليت من يتخذون فلاناً وعلاناً قدوة لهم يأخذون أقوالهم بلا دليل ويجعلونها أصولاً يبنى عليها يراجعون أمرهم قبل فوات الأوان وقبل أن يأتي تأويل قوله تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً}(4) وهاتين الآيتين وإن كانت قد نزلت فيمن رفض شرعه رفضاً كلياً إلا أن من رفض بعض شرعه رفضاً جزئياً سيناله نصيب منها ولا سيما إذا كان المرفوض هو من أصول الدين وقواعده أو قل: هي الأسس والقواعد التي يكون منها المبدأ وعليها المدار ومن خلالها المنطلق. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وبإلقاء نظرة على الفئات المبتدعة نراهم جميعاً قد اتفقوا كلهم على شئ واحد وإن اختلفت مشاربهم وتباينت عقائدهم اتفقوا كلهم على نبذهم الكتاب والسنة التي أمر الله باتباعها وجعل النجاة في اقتفائها، فقال جل من قائل: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنواعنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين}( 5).
فأصحاب الحزبيات والعقائد المبتدعة قد اتفقوا على نبذ السنن وجعلوا تأصيلات شيوخهم هي الأصل فمثلاً المعتزلة قد عطلوا القدر وأنكروا رؤية الله في الآخرة وزعموا أن القرآن مخلوق مستندين في ذلك إلى ما أصله شيوخهم.
والجهمية عطلوا الصفات الثابتة في الكتاب والسنة فراراً من لزوم المشابهة بين الخالق والمخلوق كما زعموا، وقل في لأشاعرة وفي سائر الطوائف المبتدعة مثل ذلك، وإذا نظرت إلى السبب الذي من أجله ردوا النصوص تجد أنها هي الشبهة التي أخذوها عن شيوخهم وزعمهم أن شيوخهم أعلم بالحق منهم وهكذا الأحزاب المعاصرة إذا سبرنا حالهم نجد أن السبب عندهم هو السبب الذي حمل المعتزلة والخوارج والجهمية والأشعرية على أخذهم تقعيد شيوخهم على أنه هو الأصل وما عداه فمشكوك فيه يتبين ذلك من الاتي:
خامساً: أن الحزبية تقوم على التسليم بآراء الجماعة وتوزيعها ونشرها وجعلها قطعية الثبوت غير قابلة للنقد ولا للنقاش، فالمؤسسون لها أجل من أن ينتقدوا، وأكبر من أن يخطئوا في نظر أتباعهم فيتخذونهم بذلك أرباباً ومشرعين وينطبق عليهم قول الله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}( 1).
وفي حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنق عدي صليب من فضة ـ وذلك حين قدم عليه أول قدمة ـ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله...} قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم. قال: بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فتلك عبادتهم إياهم)(2 )
ولقد خبرنا أصحاب الحزبيات خبرة تجربة ومعرفة لواقعهم بسبب احتكاكنا بهم فوجدناهم يأخذون ما جاء من قادة حزبهم ومؤسسيه والمنظرين فيه بمنظار الحصانة عن النقد ولو انتقد أحد من خارج حزبهم عادوه وجعلوا نقده ظلماً وتجنياً حتى ولو كان نقداً في الصميم، وأذكر بهذه المناسبة أنه لما انتشر كتاب (وقفات مع كتاب للدعاة فقط) لمحمد بن سيف العجمي أخذت نسخة منه وأعطيتها لواحد من المنتمين إلى جماعة الإخوان رجاء أن يتأثر به ويرى ما فيه من نقد للاتجاه الإخواني مدعماً بأرقام من كتبهم، ولما ناولته علقت عليه تعليقة بسيطة مثنياً على صاحب الكتاب أنه بذل جهداً في تتبع أخطاء الإخوان من كتبهم وبالأخص الأخطاء في العقيدة مبيناً اسم الكتاب الذي وردت فيه ورقم الصفحة، لكن الرجل عبس وبسر، وقلب في النظر، مستغرباً للأمر الذي بدر، وأخذ يحاورني في المنهج الإخواني قليلاً ثم ذهب.. وبعد بضع سنوات ظهر كتاب (جلسات) لجاسم مهلهل فوصلت إليَّ نسخة منه فقرأتها متأملاً ومستغرباً هل سيرد على العجمي شيئاً من ذلك الكلام، وتلك الأرقام ويكذبه فيه، ولكني بعد أن قرأت كتاب جلسات من فاتحته إلى خاتمته لم أره رد شيئاً من الحقائق التي ساقها محمد بن سيف العجمي جزاه الله خيراً.
وبعد ذلك لقيت صاحبي الذي شمخر من كتاب وقفات لكونه نقد رؤسائهم فيما كتبوا وبيده بضع نسخ من كتاب جلسات يوزعها فناولني نسخة منها وهو يضحك فرحاً وسروراً يكاد يطير فرحاً، وظن أنها لم تصلني، وحسب أنهم انتصروا على العجمي، فقلت في نفسي: قاتل الله الجهل.
أقول: هذا وأنا لا أعرف العجمي ولا المهلهل، ولكني عرفت الحق والحمد لله.
وقد أخبرني رئيسه فيما بعد ولم يسمه، فقال أعطيت أحد الإخوان نسخة من كتاب (وقفات) فجاء بها إلي وقال: هذا الكتاب أعطاني فلان ولم أقرأه وأُأَكد أن الرئيس والمرؤوس كلاهما من طلابي فبدل ما يأخذون كتاب العجمي والمهلهل ويأتون بهما إلي ويستشيروني فيهما بدلاً من هذا وقفوا من كتاب العجمي موقف العداء، لأول مرة وأخذوا كتاب المهلهل على أنه الحق الذي لا شك فيه، وإذا نظرنا في السبب الحامل لهم على ذلك لا نجد شيئاً سوى أن هذا يتخاطب معهم من داخل دائرة الحزب، وذلك يتخاطب معهم من خارجها، وما جاء من داخل الحزب فهو الحق عندهم الذي لا شك فيه يجب أن نغمض أعيننا ونأخذه كما نأخذ الدواء معتقدين فيه النفع وإن كان مراً، فالحزبية تجعل المر حلواً، والباطل حقاً، وهذا أكبر دليل على أن الحزبية شر وأي شر.
وليعلم الذين يقولون: إن الإخوانيين في المملكة غير الإخوانيين في مصر والشام وغيرهما لأن هؤلاء درسوا التوحيد في المدارس والمعاهد والكليات منذ نعومة أظفارهم وإلى أن تخرجوا، وقد كنا نصدق هذا الكلام إلى حد كبير، ونقول إن الذين غذوا بالتوحيد من الصغر لا يمكن أن يفرطوا فيه مهما كان الأمر، ولكن لما رأينا موقف الإخوانيين من كتاب الوقفات الذي جمعه صاحبه من بطون كتب الإخوان غيرة على التوحيد وغيرة على الدعوة أن يتبناها من هو غارق في الشركيات والبدعيات ويغتر الناس به نظن ظناً يشبه اليقين أن هذه هي الدوافع إلى ما كتب وبدلاً من أن يشكره هؤلاء الموحدون ويثنوا عليه بعمله العظيم وجهده المضني من أجل بيان الحق بدلاً من ذلك تنكروا له وأبغضوا حتى من وزع كتابه وإن كان له عليهم حق الأستاذية والمربي فحسبنا الله ونعم الوكيل.
ومع أن أخطاء هؤلاء في العقيدة ؛ بل بعضها يهدم الإسلام بالكلية كمن يستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن يزعم أن دعوة أصحاب الأضرحة والاستغاثة بهم تذوق ومن يثني على الطريقة الرفاعية ويقول: إن المنتمين إليها يضرب أحدهم بالشيش من ظهره حتى يخرج من صدره فلا يضره، سبحان الله. النبي الكريم وخاتم الرسل وأفضل الخلق عند الله وأقربهم إليه وسيلة وأعلاهم عنده مقاماً يضرب يوم أحد على رأسه فتغوص حلقتا المغفر في وجنتيه فسال الدم وقال كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم فأنزل الله عزوجل: {ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}(3 ).
أما أصحاب الطريقة الرفاعية فيضرب بالشيش في ظهره حتى ينفذ من صدره فلا يضره أهذا منطق داعية ومؤلف ومنظر أو منطق شيطان مضل يريد أن يضل الناس يفضل أصحاب الطرق المنحرفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول أين الغيرة على التوحيد من هؤلاء الذين درسوه منذ نعومة أظفارهم وأين الولاء والبراء الذي هو من أسس الإيمان وقواعده حتى نفي الله عزوجل الإيمان عمن يوالي أعداءه ويوادهم، وأتوقع أن الذين يعتنقون المنهج الإخواني سيقولون أن الذين نتولاهم من خيرة المسلمين، فقد بذلوا جهداً مضنياً في الدعوة إلى الله فوقفوا في وجه المد الشيوعي الناصري رغم ما لاقوه من تعذيب وقتل وتشريد، وأقول إن أي دعوة لا تكون مبنية على الأسس والقواعد التي سنها الرسول صلى الله عليه وسلم فهي غير مرضية عند الله عزوجل حسب ما علمنا من شرعه المطهر الذي جاءت به المصادر الشرعية من كتاب وسنة، وقد قال عزوجل منوهاً بذلك في كتابه {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}( 4).
فالضمير في {قل} يعود على النبي صلى الله عليه وسلم قل يا محمد هذه سبيلي هذه طريقي فالإشارة إلى ما كان يسير عليه في دعوته وهي طريقته التي مشى عليها في دعوته حيث دعا إلى نبذ جميع الآلهة التي تعبد مع الله عزوجل.
قال ابن جرير في تفسير هذه الآية من تفسيره: ((يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {قل } يا محمد {هذه} الدعوة التي أدعوا إليها والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته {سبيلي} وطريقتي ودعوتي {أدعوا إلى الله } وحده لا شريك له {على بصيرة} بذلك ويقين علم مني {أنا و} يدعوا إليه على بصيرة أيضاً {من اتبعني} وصدقني وآمن بي))( 5) اهـ.
فتبين من هذا أن الإشارة إلى الطريقة التي سار عليها في دعوته صلى الله عليه وسلم من نبذ جميع الآلهة التي تعبد مع الله عزوجل فمن اتخذ لنفسه طريقاً غير طريقة النبي صلى الله عليه وسلم فتغاضى عن الوثنية القائمة وظن أن من يتطوفون بالأضرحة ويذبحون لها ويدعون أصحابها معتقدين فيهم القدرة على مالا يقدر عليه إلا الله عزوجل فاعتقد أنهم مسلمون فإن دعوته هذه باطلة من أساسها ومردودة عليه، دليلنا على ذلك قول الله {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً }(6 ).
وقوله: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله}( 7) إن أول شئ يجب أن يطاع فيه هي طريقة الدعوة إلى الله وكم في القرآن من آيات عالجت الشرك وفندت مزاعم المشركين وبينت بطلانها.
وإن ثناء المؤسس للمنهج الإخواني على المرغني وهو أحد أقطاب الصوفية القائلين بوحدة الوجود وتغاضيه عن الأضرحة القائمة في مصر، بل ومحاضرته في بعضها وتبنيه لدعوة التقريب بين أهل السنة والشيعة لأعظم دليل على أن دعوته بعيدة كل البعد عن نهج النبي صلى الله عليه وسلم ؛ بل يجب أن نقول إنها مناقضة لها وسأنقل في المآخذ على الإخوان ما يبين ذلك.
وأخيراً فإن إقرار الوثنية أمر يهدم كل عمل ويجعل كل جهد ولو كان محاربة للشيوعية غير مقبول عند الله لأن الله لا يقبل من أعمال العباد إلا ما كان خالصاً له صواباً على طريقة نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً}( 8).
فهل فهم هؤلاء أنهم قد أعطوا قيادهم لمن لا يجوز أن يعطوه له وبالله التوفيق.
سادساً: وإذا كانت الحزبية سبباً للفرقة والفرقة أول معول يضرب في وحدة الأمة وتماسكها فإن تعدد الأحزاب سبب في تعدد مناهجها الفكرية وتعدد المناهج الفكرية سبب في اضطراب الأحزاب، والاضطراب سبب في الهزائم التي تحل بالمسلمين، وهل يمكن لأمة منقسمة على نفسها أن تصمد أمام العدو؟.
سابعاً: ومن مضار الحزبية أن أداء الشعائر التعبدية المأمور بها شرعاً يتحول الأداء فيها من واجب تعبدي إلى واجب حزبي فيخدش الإخلاص إن لم يهدمه ويكون الملاحظ في الأداء هو إرضاء الحزب لا إرضاء الله.
ثامناً: أنه إذا أمر قائد الحزب بالحرص على أي عمل مستحب وأكد عليه بالغ التابعون حتى يحولوه إلى واجب فيصير المستحب واجباً عند المتحزبين فيه وبذلك يكونون قد جعلوا له حكماً غير الحكم الشرعي الذي وضعه الله ورسوله.
تاسعاً: ومن مساوئ الحزبية الإنقسام، فربما انقسم الحزب إلى حزبين أو أحزاباً كما يقال عن الجرثومة أنها تنشطر، ثم الشطر ينشطر وهكذا، أما الجماعة السلفية أتباع السنة المحمدية فهم مازالوا منذ بزوغ فجر الإسلام على عقيدة واحدة إلى يومنا هذا، أما الاختلاف في الفروع فهو أمر مسلم به وقد حصل بين الصحابة والتابعين ولم يؤد إلى خلاف ولا تباغض ولا تناحر ولا تقاتل، فافهم رعاك الله وحماك من شر الحزبية ووفقك للأخذ بالطريقة السلفية فهي النجاة، نسأل الله أن يثبتنا عليها حتى نلقاه ونحن إمامنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجه واقتفى أثره من أئمة الهدى وحملة الحديث رضي الله عنهم أجمعين.
-----------------------------------------------------------------
(1 ) سورة المؤمنون( آية: 52)
(2 ) سورة المجادلة (آية: 22)
( 3) سورة الحجرات (آية: 1)
(4 ) سورة الفرقان( آية: 27,28)
(5 ) سورة الجاثية (آية: 19,18)
(6) سورة التوبة( آية: 31).
(7 ) تفسير ابن كثير (2/349) تفسيرالآية: 31 من سورة التوبة وعزى الحديث إلى أحمد والترمذي وابن جرير الطبري.
وهو عندهم ، ففي الترمذي (5/278،ح:3095)، وفي تفسير الطبري (10/354)، وفي التاريخ الكبير للبخاري (7/106رقم 471)، والمعجم الكبير للطبراني (17/92،ح:219,18، والسنن الكبرى للبيهقي (10/116)، وتهذيب الكمال للمزي (23/119،ح :4695)، ونسبته للمسند وهم ، فليس هو فيه ولا في أطرافه للحافظ ابن حجر المسمى (اطراف المُسنِد المعتلى بأطراف المسند الحنبلي) ولما أورده الحافظ السيوطي في الدر المنثور (4/174) ولم يعزه لمسند أحمد. محمد بن هادي
(8) سورة آل عمران(آية: 128).
(9) سورة يوسف(آية: 108).
(10 ) تفسير الطبري (13 / 79).
(11) سورة النساء(آية: 80).
(12) سورة النساء(آية: 64).
(13 ) سورة الكهف(آية 110)
المصدر :المورد العذب الزلال فيما انتقد على بعض المناهج الدعوية من العقائد والأعمال
ص(132,131,130,129,128.127.126.125,124,123,122,121) .
للعلامة الشيخ / أحمد بن يحيى النجمي - رحمه الله-.
منقول
أما بعد:
قال العلامة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي - رحمه الله-:
{.....
أولاً: أن الحزبية بدعة منكرة لما سبرناه من النهي عنها في القرآن الكريم والسنة المطهرة وكلام السلف رضوان الله عليهم.
ثانياً: ذم الله عزوجل الحزبية والتحزب وذمها رسوله صلى الله عليه وسلم وذمها سلف الأمة الذين عرفوا الإسلام معرفة حقيقية لأنها خروج على وحدة الأمة الإٍسلامية التي أمرها الله عزوجل أن تكون أمة واحدة فقال: {وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}(1 ) وانقسام منها وتجزأة لها ومساهمة في إضعافها.
ثالثاً: أن المنتمين إلى الحزبيات والأحزاب يجعلون حزبهم هو محور الولاء والبراء والحب والعداء وذلك مشاقة لله ولرسوله ومحادة لله ولرسوله حيث جعل الله عزوجل محور الولاء والبراء هو الإيمان بالله ورسوله قال تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}(2 ).
ثم يأتي قائد جماعة في فكر معاصر فيقعد قاعدة تتنافى مع هذه الآية وما في معناها من آيات الولاء والبراء فيقول: (نجتمع فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه) قال الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد في حكم الانتماء: ((وهذا تقعيد حادث فاسد إذ لا عذر لمن خالف في قواطع الأحكام فإنه بإجماع المسلمين لا يسوغ العذر ولا التنازل عن مسلمات الاعتقاد، وكم من فرقة تنبذ أصلاً شرعياً وتجادل دونه بالباطل)) اهـ
قلت: هذا هو الفهم للإسلام لا ما سلكه بعض الزعماء في العمل الإسلامي من سياسة التجميع والتكثير لقوم عقائدهم مختلفة واتجاهاتهم متباية وقناعاتهم متضادة فماذا كان إنهم مازالوا منذ ما يقارب تسعين سنة يدورون في حلقة مفرغة.
رابعاً: يلزم من الحزبية اتخاذ المبتدعين أئمة يحتذى قولهم ويقتدى بأفعالهم ويتخذون قدوة وأسوة، ويكون قولهم وتقعيدهم وتنظيرهم مسلماً، وإن خالف الحق، وتلك هي قاصمة الظهر والله.
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم}(3 ) وسبب نزول هذه الآية وما بعدها: أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما تماريا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم وفد تميم فيمن يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم فأشار أبو بكر بالأقرع بن حابس وأشار عمر بالقعقاع بن معبد بن زرارة فقال أبو بكر لعمر ما اردت إلا خلافي، وقال عمر ما أردت خلافك، فتماريا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهما فأنزل الله عزوجل: {يا أيها الذين آمنوالا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم، يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}.
فأدب الله عزوجل عباده المؤمنين أن يتقدموا بين يدي رسوله.
روى البخاري في صحيحه عن مجاهد تعليقاً: "لا تقدموا: لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقضي الله على لسانه. قال الحافظ وصله عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد"اهـ.
وقد أدب الله عباده المؤمنين أن يقدموا آرائهم على حكمه وأقوالهم على قوله أو يقدموا أحداً سوى أنفسهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقدموا حكمه على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قوله على قوله أو هديه على هديه وقد توعد الله عزوجل من فعل ذلك بإحباط العمل لهذا فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن أبي مليكة أنه قال كاد الخيران أن يهلكا.
قلت: ليت من يتخذون فلاناً وعلاناً قدوة لهم يأخذون أقوالهم بلا دليل ويجعلونها أصولاً يبنى عليها يراجعون أمرهم قبل فوات الأوان وقبل أن يأتي تأويل قوله تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً}(4) وهاتين الآيتين وإن كانت قد نزلت فيمن رفض شرعه رفضاً كلياً إلا أن من رفض بعض شرعه رفضاً جزئياً سيناله نصيب منها ولا سيما إذا كان المرفوض هو من أصول الدين وقواعده أو قل: هي الأسس والقواعد التي يكون منها المبدأ وعليها المدار ومن خلالها المنطلق. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وبإلقاء نظرة على الفئات المبتدعة نراهم جميعاً قد اتفقوا كلهم على شئ واحد وإن اختلفت مشاربهم وتباينت عقائدهم اتفقوا كلهم على نبذهم الكتاب والسنة التي أمر الله باتباعها وجعل النجاة في اقتفائها، فقال جل من قائل: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنواعنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين}( 5).
فأصحاب الحزبيات والعقائد المبتدعة قد اتفقوا على نبذ السنن وجعلوا تأصيلات شيوخهم هي الأصل فمثلاً المعتزلة قد عطلوا القدر وأنكروا رؤية الله في الآخرة وزعموا أن القرآن مخلوق مستندين في ذلك إلى ما أصله شيوخهم.
والجهمية عطلوا الصفات الثابتة في الكتاب والسنة فراراً من لزوم المشابهة بين الخالق والمخلوق كما زعموا، وقل في لأشاعرة وفي سائر الطوائف المبتدعة مثل ذلك، وإذا نظرت إلى السبب الذي من أجله ردوا النصوص تجد أنها هي الشبهة التي أخذوها عن شيوخهم وزعمهم أن شيوخهم أعلم بالحق منهم وهكذا الأحزاب المعاصرة إذا سبرنا حالهم نجد أن السبب عندهم هو السبب الذي حمل المعتزلة والخوارج والجهمية والأشعرية على أخذهم تقعيد شيوخهم على أنه هو الأصل وما عداه فمشكوك فيه يتبين ذلك من الاتي:
خامساً: أن الحزبية تقوم على التسليم بآراء الجماعة وتوزيعها ونشرها وجعلها قطعية الثبوت غير قابلة للنقد ولا للنقاش، فالمؤسسون لها أجل من أن ينتقدوا، وأكبر من أن يخطئوا في نظر أتباعهم فيتخذونهم بذلك أرباباً ومشرعين وينطبق عليهم قول الله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}( 1).
وفي حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنق عدي صليب من فضة ـ وذلك حين قدم عليه أول قدمة ـ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله...} قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم. قال: بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فتلك عبادتهم إياهم)(2 )
ولقد خبرنا أصحاب الحزبيات خبرة تجربة ومعرفة لواقعهم بسبب احتكاكنا بهم فوجدناهم يأخذون ما جاء من قادة حزبهم ومؤسسيه والمنظرين فيه بمنظار الحصانة عن النقد ولو انتقد أحد من خارج حزبهم عادوه وجعلوا نقده ظلماً وتجنياً حتى ولو كان نقداً في الصميم، وأذكر بهذه المناسبة أنه لما انتشر كتاب (وقفات مع كتاب للدعاة فقط) لمحمد بن سيف العجمي أخذت نسخة منه وأعطيتها لواحد من المنتمين إلى جماعة الإخوان رجاء أن يتأثر به ويرى ما فيه من نقد للاتجاه الإخواني مدعماً بأرقام من كتبهم، ولما ناولته علقت عليه تعليقة بسيطة مثنياً على صاحب الكتاب أنه بذل جهداً في تتبع أخطاء الإخوان من كتبهم وبالأخص الأخطاء في العقيدة مبيناً اسم الكتاب الذي وردت فيه ورقم الصفحة، لكن الرجل عبس وبسر، وقلب في النظر، مستغرباً للأمر الذي بدر، وأخذ يحاورني في المنهج الإخواني قليلاً ثم ذهب.. وبعد بضع سنوات ظهر كتاب (جلسات) لجاسم مهلهل فوصلت إليَّ نسخة منه فقرأتها متأملاً ومستغرباً هل سيرد على العجمي شيئاً من ذلك الكلام، وتلك الأرقام ويكذبه فيه، ولكني بعد أن قرأت كتاب جلسات من فاتحته إلى خاتمته لم أره رد شيئاً من الحقائق التي ساقها محمد بن سيف العجمي جزاه الله خيراً.
وبعد ذلك لقيت صاحبي الذي شمخر من كتاب وقفات لكونه نقد رؤسائهم فيما كتبوا وبيده بضع نسخ من كتاب جلسات يوزعها فناولني نسخة منها وهو يضحك فرحاً وسروراً يكاد يطير فرحاً، وظن أنها لم تصلني، وحسب أنهم انتصروا على العجمي، فقلت في نفسي: قاتل الله الجهل.
أقول: هذا وأنا لا أعرف العجمي ولا المهلهل، ولكني عرفت الحق والحمد لله.
وقد أخبرني رئيسه فيما بعد ولم يسمه، فقال أعطيت أحد الإخوان نسخة من كتاب (وقفات) فجاء بها إلي وقال: هذا الكتاب أعطاني فلان ولم أقرأه وأُأَكد أن الرئيس والمرؤوس كلاهما من طلابي فبدل ما يأخذون كتاب العجمي والمهلهل ويأتون بهما إلي ويستشيروني فيهما بدلاً من هذا وقفوا من كتاب العجمي موقف العداء، لأول مرة وأخذوا كتاب المهلهل على أنه الحق الذي لا شك فيه، وإذا نظرنا في السبب الحامل لهم على ذلك لا نجد شيئاً سوى أن هذا يتخاطب معهم من داخل دائرة الحزب، وذلك يتخاطب معهم من خارجها، وما جاء من داخل الحزب فهو الحق عندهم الذي لا شك فيه يجب أن نغمض أعيننا ونأخذه كما نأخذ الدواء معتقدين فيه النفع وإن كان مراً، فالحزبية تجعل المر حلواً، والباطل حقاً، وهذا أكبر دليل على أن الحزبية شر وأي شر.
وليعلم الذين يقولون: إن الإخوانيين في المملكة غير الإخوانيين في مصر والشام وغيرهما لأن هؤلاء درسوا التوحيد في المدارس والمعاهد والكليات منذ نعومة أظفارهم وإلى أن تخرجوا، وقد كنا نصدق هذا الكلام إلى حد كبير، ونقول إن الذين غذوا بالتوحيد من الصغر لا يمكن أن يفرطوا فيه مهما كان الأمر، ولكن لما رأينا موقف الإخوانيين من كتاب الوقفات الذي جمعه صاحبه من بطون كتب الإخوان غيرة على التوحيد وغيرة على الدعوة أن يتبناها من هو غارق في الشركيات والبدعيات ويغتر الناس به نظن ظناً يشبه اليقين أن هذه هي الدوافع إلى ما كتب وبدلاً من أن يشكره هؤلاء الموحدون ويثنوا عليه بعمله العظيم وجهده المضني من أجل بيان الحق بدلاً من ذلك تنكروا له وأبغضوا حتى من وزع كتابه وإن كان له عليهم حق الأستاذية والمربي فحسبنا الله ونعم الوكيل.
ومع أن أخطاء هؤلاء في العقيدة ؛ بل بعضها يهدم الإسلام بالكلية كمن يستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن يزعم أن دعوة أصحاب الأضرحة والاستغاثة بهم تذوق ومن يثني على الطريقة الرفاعية ويقول: إن المنتمين إليها يضرب أحدهم بالشيش من ظهره حتى يخرج من صدره فلا يضره، سبحان الله. النبي الكريم وخاتم الرسل وأفضل الخلق عند الله وأقربهم إليه وسيلة وأعلاهم عنده مقاماً يضرب يوم أحد على رأسه فتغوص حلقتا المغفر في وجنتيه فسال الدم وقال كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم فأنزل الله عزوجل: {ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون}(3 ).
أما أصحاب الطريقة الرفاعية فيضرب بالشيش في ظهره حتى ينفذ من صدره فلا يضره أهذا منطق داعية ومؤلف ومنظر أو منطق شيطان مضل يريد أن يضل الناس يفضل أصحاب الطرق المنحرفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول أين الغيرة على التوحيد من هؤلاء الذين درسوه منذ نعومة أظفارهم وأين الولاء والبراء الذي هو من أسس الإيمان وقواعده حتى نفي الله عزوجل الإيمان عمن يوالي أعداءه ويوادهم، وأتوقع أن الذين يعتنقون المنهج الإخواني سيقولون أن الذين نتولاهم من خيرة المسلمين، فقد بذلوا جهداً مضنياً في الدعوة إلى الله فوقفوا في وجه المد الشيوعي الناصري رغم ما لاقوه من تعذيب وقتل وتشريد، وأقول إن أي دعوة لا تكون مبنية على الأسس والقواعد التي سنها الرسول صلى الله عليه وسلم فهي غير مرضية عند الله عزوجل حسب ما علمنا من شرعه المطهر الذي جاءت به المصادر الشرعية من كتاب وسنة، وقد قال عزوجل منوهاً بذلك في كتابه {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}( 4).
فالضمير في {قل} يعود على النبي صلى الله عليه وسلم قل يا محمد هذه سبيلي هذه طريقي فالإشارة إلى ما كان يسير عليه في دعوته وهي طريقته التي مشى عليها في دعوته حيث دعا إلى نبذ جميع الآلهة التي تعبد مع الله عزوجل.
قال ابن جرير في تفسير هذه الآية من تفسيره: ((يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {قل } يا محمد {هذه} الدعوة التي أدعوا إليها والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته {سبيلي} وطريقتي ودعوتي {أدعوا إلى الله } وحده لا شريك له {على بصيرة} بذلك ويقين علم مني {أنا و} يدعوا إليه على بصيرة أيضاً {من اتبعني} وصدقني وآمن بي))( 5) اهـ.
فتبين من هذا أن الإشارة إلى الطريقة التي سار عليها في دعوته صلى الله عليه وسلم من نبذ جميع الآلهة التي تعبد مع الله عزوجل فمن اتخذ لنفسه طريقاً غير طريقة النبي صلى الله عليه وسلم فتغاضى عن الوثنية القائمة وظن أن من يتطوفون بالأضرحة ويذبحون لها ويدعون أصحابها معتقدين فيهم القدرة على مالا يقدر عليه إلا الله عزوجل فاعتقد أنهم مسلمون فإن دعوته هذه باطلة من أساسها ومردودة عليه، دليلنا على ذلك قول الله {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً }(6 ).
وقوله: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله}( 7) إن أول شئ يجب أن يطاع فيه هي طريقة الدعوة إلى الله وكم في القرآن من آيات عالجت الشرك وفندت مزاعم المشركين وبينت بطلانها.
وإن ثناء المؤسس للمنهج الإخواني على المرغني وهو أحد أقطاب الصوفية القائلين بوحدة الوجود وتغاضيه عن الأضرحة القائمة في مصر، بل ومحاضرته في بعضها وتبنيه لدعوة التقريب بين أهل السنة والشيعة لأعظم دليل على أن دعوته بعيدة كل البعد عن نهج النبي صلى الله عليه وسلم ؛ بل يجب أن نقول إنها مناقضة لها وسأنقل في المآخذ على الإخوان ما يبين ذلك.
وأخيراً فإن إقرار الوثنية أمر يهدم كل عمل ويجعل كل جهد ولو كان محاربة للشيوعية غير مقبول عند الله لأن الله لا يقبل من أعمال العباد إلا ما كان خالصاً له صواباً على طريقة نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً}( 8).
فهل فهم هؤلاء أنهم قد أعطوا قيادهم لمن لا يجوز أن يعطوه له وبالله التوفيق.
سادساً: وإذا كانت الحزبية سبباً للفرقة والفرقة أول معول يضرب في وحدة الأمة وتماسكها فإن تعدد الأحزاب سبب في تعدد مناهجها الفكرية وتعدد المناهج الفكرية سبب في اضطراب الأحزاب، والاضطراب سبب في الهزائم التي تحل بالمسلمين، وهل يمكن لأمة منقسمة على نفسها أن تصمد أمام العدو؟.
سابعاً: ومن مضار الحزبية أن أداء الشعائر التعبدية المأمور بها شرعاً يتحول الأداء فيها من واجب تعبدي إلى واجب حزبي فيخدش الإخلاص إن لم يهدمه ويكون الملاحظ في الأداء هو إرضاء الحزب لا إرضاء الله.
ثامناً: أنه إذا أمر قائد الحزب بالحرص على أي عمل مستحب وأكد عليه بالغ التابعون حتى يحولوه إلى واجب فيصير المستحب واجباً عند المتحزبين فيه وبذلك يكونون قد جعلوا له حكماً غير الحكم الشرعي الذي وضعه الله ورسوله.
تاسعاً: ومن مساوئ الحزبية الإنقسام، فربما انقسم الحزب إلى حزبين أو أحزاباً كما يقال عن الجرثومة أنها تنشطر، ثم الشطر ينشطر وهكذا، أما الجماعة السلفية أتباع السنة المحمدية فهم مازالوا منذ بزوغ فجر الإسلام على عقيدة واحدة إلى يومنا هذا، أما الاختلاف في الفروع فهو أمر مسلم به وقد حصل بين الصحابة والتابعين ولم يؤد إلى خلاف ولا تباغض ولا تناحر ولا تقاتل، فافهم رعاك الله وحماك من شر الحزبية ووفقك للأخذ بالطريقة السلفية فهي النجاة، نسأل الله أن يثبتنا عليها حتى نلقاه ونحن إمامنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجه واقتفى أثره من أئمة الهدى وحملة الحديث رضي الله عنهم أجمعين.
-----------------------------------------------------------------
(1 ) سورة المؤمنون( آية: 52)
(2 ) سورة المجادلة (آية: 22)
( 3) سورة الحجرات (آية: 1)
(4 ) سورة الفرقان( آية: 27,28)
(5 ) سورة الجاثية (آية: 19,18)
(6) سورة التوبة( آية: 31).
(7 ) تفسير ابن كثير (2/349) تفسيرالآية: 31 من سورة التوبة وعزى الحديث إلى أحمد والترمذي وابن جرير الطبري.
وهو عندهم ، ففي الترمذي (5/278،ح:3095)، وفي تفسير الطبري (10/354)، وفي التاريخ الكبير للبخاري (7/106رقم 471)، والمعجم الكبير للطبراني (17/92،ح:219,18، والسنن الكبرى للبيهقي (10/116)، وتهذيب الكمال للمزي (23/119،ح :4695)، ونسبته للمسند وهم ، فليس هو فيه ولا في أطرافه للحافظ ابن حجر المسمى (اطراف المُسنِد المعتلى بأطراف المسند الحنبلي) ولما أورده الحافظ السيوطي في الدر المنثور (4/174) ولم يعزه لمسند أحمد. محمد بن هادي
(8) سورة آل عمران(آية: 128).
(9) سورة يوسف(آية: 108).
(10 ) تفسير الطبري (13 / 79).
(11) سورة النساء(آية: 80).
(12) سورة النساء(آية: 64).
(13 ) سورة الكهف(آية 110)
المصدر :المورد العذب الزلال فيما انتقد على بعض المناهج الدعوية من العقائد والأعمال
ص(132,131,130,129,128.127.126.125,124,123,122,121) .
للعلامة الشيخ / أحمد بن يحيى النجمي - رحمه الله-.
منقول