أبوأنس بن سلة بشير
01-11-2011, 04:02 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب:70-71].
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أمابعد :
فإن الاشتغال بالعلم النافع المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والعمل بهذا العلم هو سبيل الفلاح وسبب السعادة في الدنيا والآخرة لأن هذا العلم هو ميراث النبوة الذي من أخذ به أخذ بحظ وافر ولأن العمل بهذا العلم مبني على جادة قويمة وصراط مستقيم والعلم نور والعمل به سير إلى الله على ومحجة واضحة
ومن أهم الوسائل لتحصيل العلم النافع : شغل الوقت بالتعلم والتعليم ودوام المذكرة في العلم وكثرة القراءة في الكتب النافعة وتدوين الفوائد منها لا سيما عند قراءة الكتب الإصلاح الداعية للرجوع إلى الكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم على فهم سلفنا الصالح ، المبينة لمواقع الأمراض والخلل في مجتمعات الأمة الإسلامية مع توضيح كيفية العلاج هذه الأمراض بالعقل والحكمة على مامشى عليه وسار أئمة أهل الحديث أهل الإصلاح والاجتماع وتمسك بالسنة
ومن أهم الكتب التي وقفت عليها واطلعت فيها في هذا الباب ، باب الإصلاح والدعوة إلى الله بالحكمة والعقل الصحيح السليم من لوثة الحزبية وعلوم الكلامية ، كتاب ( الأمن وحاجة البشرية إليه في عبادتها لربها ونمو اقتصادها وطرق المحافظة عليه ) لشيخنا الفاضل المفضال المصلح السلفي الأثري أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري ـ حفظه الله ـ
ومؤلفه ذو باع طويل واطلاع واسع في العلوم المختلفة وقد أبان وأظهر بضاعته العلمية السلفية القوية المتينة في كتابه ( الأمن وحاجة البشرية إليه في عبادتها لربها ونمو اقتصادها وطرق المحافظة عليه)
فكان كتاب كافيا شافيا وافيا جمع فيه من الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة ما تشد إليه الرحال وتتناقله الأجيال لكثرة فوائده وحسن ترتيبه وشمولية أبوابه وعذوبة ألفاظه وجودة صناعته ولزوم العدل في أحكامه وسهولة فهمه مع جزالة ألفاظه وقوة عباراته فقد أجاد وأفاد ووفى بالمراد لله دره
فالشيخ حفظه الله قد شخص الداء وبين الدواء لمن أراد الله به الشفاء ولا شك أنه قد بذل في جمع هذا الكتاب المبارك جهدا كبيرا نسأل الله أن يرفع قدره ويعظم أجره
وأؤكد أنه إذا اهتم طلبة العلم بخاصة وأهل الإسلام بصفة عامة بقراءة هذا الكتاب وأمثاله وسلموا من التعبئة الخاطئة فإن ذلك سيكون مبعدا من الفتن بإذن الله جل وعلا
ولهذا كان جديرا بالعناية وبأن يوصف بأنه كتاب العلم والدعوة والإصلاح وأن يكون مرجعا لأهل الإسلام في باب الإصلاح والدعوة إلى الله
أما شخصية الشيخ عبد الحميد العربي ـ حفظه الله ـ وبطاقته العليمة الدعوية فالشيخ معروف في ميدان العلم والدعوة ولست من الذين يزكيه ويظهره ويبينه ، ولكن لغربة العلم وحملته وكثرة الجهل وازدراء حقوق أهل الفضل وعدم تنزيل الناس منازلهم فأقول معرفا مبينا مكانة الشيخ في الأمة وعند الأئمة
فالشيخ هو: حميد أحمد العربي الجزائري المكنى بأبي عبد الباري، والمشهور بعبد الحميد العربي من مواليد سنة1964ميلادية بولاية تيبازة، درس القرآن في صغره على الطريقة المعروفة في الجزائر في أحد المساجد، ودرس النحو والصرف، وأصول الفقه على بعض المشايخ في الجزائر، ثم زاول دارسته التعليمة، وتحصل على شهادة الكفاءة العليا في التربية، ومارس رسالة التعليم، فدرّس مادة الفيزياء والتكنولوجيا في المرحلة المتوسطة، ثم انتقل إلى تدريس مادة اللغة العربية في المرحلة الابتدائية.
وبالموازاة مع التعليم كان مصرحا له من طرف وزارة الشؤون الدينية للتدريس في المساجد لتمكنه في الفقه المالكي، فالشيخ حميد أحمد العربي ملمٌ بالمذهب المالكي وله دراسات وبحوث فيه، فكان حفظه الله يلقي دروسا تعليمية في بعض مساجد ولاية تيبازة، ثم انتقل بعد ذلك إلى ولاية البليدة وصار إماما بها تابعا لوزارة الشؤون الدينية يلقي خطبة الجمعة ودروس العلم على عامة المسلمين.
ولم يكن الشيخ حفظه الله ولله الحمد والمنّة منخرطا في أي حزب إسلامي، بل كان يرى وفّقه الله أن التحزب الذي لم يسبقه علم ووعي فوضى وشتات، وتمزق بين أفراد المجتمع الواحد.
وفي بداية التسعينات، وبعد ظهور بواد الفتنة -حيث صارت مجالس العلم لا قيمة لها، وغاب العقل الواعي، وعُوض بالهباء والهرج والمرج، وهُمِّش العلماء وطلاب العلم-، حزم الشيخ متاعه ورحل للازدياد من العلم على طريقة العلماء القدامى، فرحل أولاً إلى المملكة العربية السعودية، وجلس فيها مدة معتبرة، درس فيها على يدي كبار مشايخها، فأخذ عن:
العلاّمة الدكتور ربيع بن الهادي بن عمير المدخلي رئيس قسم السنة بالجامعة الإسلامية بالمدينة سابقا.
والعلاّمة الدكتور: عبد المحسن العباد البدر، رئيس الجامعة سابقا، فأخذ عنه فصولا من سنن الإمام النسائي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والدكتور: يوسف الدخيل المدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة، حيث درس عليه فصولا من فتح الباري، وأجزاء أخرى في الحديث.
والدكتور: علي بن ناصر الفقيهي رئيس قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، حيث درس عليه فصولا من كتاب السنة لابن أبي عاصم.
والدكتور صالح العبود رئيس الجامعة الإسلامية، حيث درس عليه شرح تيسير العزيز الحميد لكتاب التوحيد.
وجالس الشيخ محمد آمان الجامي رحمه الله، واستفاد منه فصولا طيبة في العقيدة.
وجوّد قسطا من القرآن على يدّ الشيخ عبيد الله الأفغاني السعودي بالمسجد النبوي بالمدينة النبوية.
وكان الشيخ يحضر بعض دروس الشيخ محمد بن هادي بن علي المدخلي التي كان يلقيها في مسجد القبلتين.
وكان للشيخ صحبة متينة مع الشيخ الدكتور عبد السلام البرجس رحمه الله، حيث له معه لقاءات كثيرة ومجالس علم عديدة في مدينة الرياض وأبو ظبي.
وقد جالس الشيخُ باقي علماء المملكة وأساتذتها واستفاد منهم، ومن هؤلاء:
العلامة الوالد: الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
والعلاّمة الوالد: الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
والعلاّمة الشيخ: صالح الفوزان الفوزان حفظه الله.
والعلاّمة المفتي الشيخ: عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله.
والعلامة المحدث الشيخ: حماد الأنصاري المدني رحمه الله
والشيخ الدكتور: إبراهيم بن عامر الرحيلي حفظه الله.
والشيخ الفاضل: سعد الحصين حفظه الله.
والشيخ الدكتور: صالح بن حامد الرفاعي، حيث عرض عليه الشيخ أبو عبد الباري كتابه ضوابط الجرح والتعديل.
ولماّ لم يتيسر للشيخ زيارة اليمن فإن الله تعالى يسر له اللقاء ببعض مشايخها في المملكة العربية السعودية.
فقد التقى بالشيخ العلاّمة محدث اليمن الشيخ مقبل بن هادي الوادي رحمه الله بمكة المكرمة، وبالشيخ محمد الوصابي اليمني بمكة المكرمة، وبالشيخ محمد الإمام اليمني بالمدينة النبوية.
ولما كان الشيخ أبو عبد الباري حميد أحمد العربي مولعا بعلم الحديث ومتمكنا فيه، وبارعا في باب العلل فإنه عزم على لقاء العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وكان للشيخ عبد الحميد ما أراد بتوفيق الله، فقد التقى الشيخ أبو عبد الباري بالعلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في عمان البلقاء عاصمة مملكة الأردن الهاشمية في سنة1994، وكان لقاء علميا مثمرا، سجل فيه الشيخ شريطا مع العلامة الألباني في مسائل الزكاة الشائكة، وقد بسط الشيخ أبو عبد الباري الحديث عن هذا اللقاء في جزء خاص أسماه (رحلتي إلى الشام)
قلت: وبعد أن أخذ الشيخ رغبته من علماء المملكة العربية السعودية رحل إلى الشام المحروسة، ونزل بدمشق وبالتحديد في ركن الدين بجبل قاسيون مكان المقادسة، ثم سجل نفسه بمعهد الفتح الإسلامي فرع الأزهر دراسات عليا تخصص، وفي الشام أخذ على يد بعض مشايخها، ومنهم:
الشيخ: أديب كَلاّس، أخذ عنه الفقه الحنفي.
والشيخ: مصطفى البغا أخذ عنه فقه الكتاب العزيز.
والشيخ المقرئ: أبو الحسن محي الدين الكردي، جوّد عليه قراءة حفص، وبعض أحكام القراءات.
والشيخ: الشُووَا أخذ عنه علم النحو.
والشيخ: مصطفى الخن أخذ عنه علم أصول الفقه.
والشيخ: حسام فرفور أخذ عنه كتاب التفتزاني في الأصول.
والشيخ: عبد الفتاح البزم أخذ عنه كتاب الرسالة القشيرية.
وبعد ما استفاد الشيخ من مشايخ الشام جاءه عرض بأن يكون مديرا لشركة زيدكوا للتكنولوجيا والابتكار والاختراع بأبو ظبي، فرحل إلى أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات وعمل في منصب مدير للابتكار ثلاث سنوات، ثم رخص له من وزارة الأوقاف وعمل كخطيب ومدرس في مساجد أبو ظبي، وقد كان للشيخ لقاءات في إذاعة وتلفزيون أبو ظبي الرسمي.
بعض كتب الشيخ:
1 بريق المهو في أحكام سجود السهو. طبع
2 إبلاغ الفهامة بفوائد الحجامة. طبع
3 المرشد الأمين في كيفية الوقاية من العين. طبع
4 وقفات منهجية في الذب عن السلفية (يرد فيه الشيخ على دعاة الخروج والإرهاب). طبع
5 تحقيقه لكتاب/ الطريقة المثلى في ذم التقليد واتباع ما هو أولى. طبع.
6 الأمن وحاجة البشرية إليه في عبادتها لربها ونموّ اقتصاديه وطرق المحافظة عليه/ طبع وقد قرظه جمع من أهل العلم منهم الشيخ محمد البنا عالم من أقران العلامة محمد ناصر الدين الألباني، وهي سلسلة من عدة أجزاء يعالج فيها الشيخ مسائل منهجية وتاريخية هامة أصابت الجزائر على الخصوص وشمال إفريقيا على العموم.( وهو المقصود ببحثنا)
7 سنى الأضواء في حكم مسّ المصحف للمحدث والجنب والحائض والنفساء/ طبع.
8 تحقيق لكتاب ابن العطار(الاعتقاد الخالص) يأتي في مجلدين/ على أبواب الطبع.
9المدارج النورانية في ما يلحق المسلم من ثواب بعد المنية/ على مشارف الطبع.
10 الإذاعة في أن التنطع والغلو والخروج على أئمة الجور محرم في ميزان أهل السنة والجماعة/ على أبواب الطبع.
11المجموع الحسن في الرد على دعاة الغلو والفتن.
12العشرية في حقوق الراعي والراعية.
13 الأقوال الواضحات في حكم الإضراب والاعتصام بالشوارع والمسيرات.
14جهود علماء المالكية في خدمة العقيدة الإسلامية
15غاية الأماني في شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني.
16فوائد وأحكام من موطأ مالك الإمام.
17 -النكت الحديثية والفقهية من سنن أبي دواد السجستاني.
19- خير الأنباء في أحكام الدماء عند النساء.
20- العدوان الصهيوني على لبنان؛ حقائق ومواقف. طبع
21- دعوة إلى الحكمة والتعقل. طبع
22-تحقيق شرح سنن أبي داود لابن رسلان الشافعي، ويأتي في أكثر من عشرة مجلدت.
وكتب أخرى وبحوث يسر الله إتمامها.
ولقد أثنى جمع من المشايخ على شيخنا أبي عبد الباري حميد أحمد العربي، ووصفوه بالمتانة في العلم، وسلامة العقيدة والمنهج:
قال عنه العلامة المحدث ربيع بن هادي في تزكية مكتوبة: (إنّ عبد الحميد من خيرة السلفيين عقيدة ومنهجا).
وقال الشيخ ربيع في مكالمة هاتفية مسجلة سميت بالتزكية الذهبية: (بارك الله فيكم والله أنا أرى أنه تلميذ نجيب، وأرى أنه عنده قدرة على الكتابة والكلام والبحث، رجل فاضل إن شاء الله وهو سلفي إن شاء الله لا يرتاب في سلفيته)
وقال كذلك حفظه الله: (بارك الله فيكم، وعرفته في كل فتنة يقف مع الحق،في أيام عدنان عرعور ردّ عليه وجاء أبو الحسن رد عليه والحين جاءت هذا الفتنة ووقف مع الحق، فالرجل ثابت إن شاء الله وَفَاهِمٌ)
وقال كذلك: (هو سلفي بارك الله فيكم). وقال عنه أخيرا لما قام بعض الدعاة السلفيين يشوشون عليه: (الرجل عنده دعوة عريضة في الجزائر يجب أن تتعاونوا معه)
وأثنى عليه الشيخ محمد باي بالعالم القبلوي الساهلي التواتي الجزائري رحمه الله وهو إمام مسجد وقائم على مدرسة بأولف ولاية أدرار، وكان الثناء على الشيخ أبي عبد الباري في مدينة ورقلة، وقال عنه بخطه: (الشيخ العلاّمة...).
وقد أثنى عليه كل من: الشيخ محمد بن هادي، والشيخ عبيد الجابري، والشيخ عبد السلام البرجس، وكان يصفه بقوة في الاستدلال، وأثنى عليه الدكتور يوسف الدخيل، وكان يقدمه في المجالس، وأثنى عليه الدكتور عبد الباري حماد الأنصاري، والدكتور صالح بن حامد الرفاعي، وأثنى عليه عبد المالك رمضاني في تزكية خطية كتبها بيده في مكتبة الحرم المدني وقال عنه: (من خيرة السلفيين الذين خبرتهم في طيبة الطيبة).
وقد أثنى عليه فضيلة الشيخ حسن عبد الوهَّاب البنا حفظه الله عند تقريظه لكتاب[دعوة إلى الحكمة والتعقل] لشيخنا عبد الحميد العربي حفظه الله
فقال عنه ((فإن الأخ في الله الشيخ أبو عبد البارئ عبد الحميد أحمد المسلم ديانة، والسلفي منهجًا، والجزائري وطنًا -سلمه الله-)) وقال ((ولا يفوتنا أن ننبه إلى أن فضيلة الشيخ المصنِّف –جزاه الله خيرًا- أتى بأدلة صحيحة وصريحة عن أئمة السلف محتّجين بالكتاب والسنة))
قلت ( أبوأنس ) :هذا يعتضد ويصدق قول الشيخ العالم عبد السلام البرجس رحمه الله إذا وصفه بقوة الاستدلال وشهادة العلامة المحدث ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تدل على هذا إذا قال: وأرى أنه عنده قدرة على الكتابة والكلام والبحث
وفق الله شيخنا أبا عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري الأثري إلى خدمة الإسلام والمسلمين، وجعله من العلماء العالمين، ورزقه البصيرة في الدعوة إلى الله، وأيده بالمخلصين من أبناء الأمة للنهوض بعبء تربية الجيل، وحمايته من الأفكار المدمرة، والوافدة على قيمنا وأعرافنا، وعصمه من دعاة الفتن والتشويش والحاسدين، وأبعد عنه كيد الماكرين، ونصره على مناوئيه بالحق المبين وما ذلك على الله بمتين. (من منتديات أهل الحديث السلفية بتصرف).
الغرض الأسمى من تأليف الكتاب
قال الشيخ حفظه الباري في الهامش ص 06
((وأصدرت الملخص في حينه نصرةً لمبدأ الصّلح والحوار الذي أراه سبيلا شرعيا لتضييق الخلاف، وفَهمِ منهجية المخالف، وتجفيف منابع العنف والتطرف، وكشف مخططات دعاة الإقصاء والتغريب، والدَّفعِ بدفة الاقتصاد نحو الأحسن والأسلم، ولم أصدره ولله الحمد والمنّة رداء وردءً للديمقراطية الغربية، أو تسترا على أصحاب الجرائم الجماعية كما سعت بعض الأطراف المغرضة والملوّثة بكفر التمرد إلى إظهاره، والله تعالى يعلم المصلح من المفسد.
كما إنني أُشهد اللهَ وملائكتَه، وكلَّ من وقف على هذا السِّفر من الإنس والجن: أنني أُبغض المنكرات الصادرة من الحكام والمحكومين، وأعوذ بالله من أن أجادل عن حُكّامٍ لا يحكمون بشِرعة الله، أو أحآج عن أقوام لا يرجون لله وقارًا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم سلمة الذي أخرجه الإمام مسلم: (ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرَف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع)، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلّوا).
ولأن الرضا بالمنكرات الصادرة من الحكّام ليس من صفات طالب العلم الرّزين الذي يسير على منهج أهل الحديث والأثر، كما بيَّن ذلك العلامةُ الشوكاني في جزئه أدب الطلب (ص106)، ولكنني زبرت ما سبكت في هذا الكتاب نُصرة لمنهج أهل الحديث الأبرار، وتبرئةً له مما ألصق به عنوة من عار، ونُسب إليه قسرا عبر وسائل الإعلام من غلو وتطرف وتشدد مقيت وشنار، رغبةً في إرضاء ربّ الأرباب، ودفاعا عن أئمة السُنَّة أساطين الإسلام أولي الألباب، وكلّ هذا جريا وراء الأجور من الباري جل وعلا لأنال بعونه تعالى تجارة لن تبور، فالنفس الشريفة دائما ترغب في اقتناص شوارد الأجور، والله تعالى ناصري فنعم المولى ونعم النّصير.))
وقال في نفس الصفحة ((لقد أصدرتُ ملخصًا لطيفًا لكتابنا هذا قبل أن يبديَ الشّعبُ الجزائريُ المسلمُ برأيه في الصُّلح الذي طرحَهُ حاكمُ البلادِ -أيّده الله بالحقّ- لجمعِ كلمة المسلمين، وتطهيرِ المجتمع من عوامل الدّمار، ورفع الضّغائن عنهم، بعد ما عصفت بهم الفتن، ومزقت روابطَهم الإحنُ، وطمعت فيهم دُوَّلُ الشرّ بعلة محاربة الإرهاب، ونشرِ الديمقراطية على تصورهم الغربيّ الكافر.
وبادرتُ بعون الله إلى إخراجِ الملخص في ذلك الوقت تغذيةً لعقولِ بعضِ الناّس التي ارتابت في مسألة الصّلح بين المسلمين بضوابطه الشرعية، وإزالة لشيء من الغشاوة عنها، ولفاتا لانتباهها إلى قيمة الصّلح وعلوِّ منزلته عند الله تعالى، وأنّه ضرورةٌ مُلِحّةٌ في عهد نخر الخلافُ المفتعلُ هيبةَ الأمةِ الإسلامية، واستنزف طاقاتِها، وأذهب بريحها، وأحدث فيها فجواتٍ عدةً تسرَّب من خلالها العفنُ إلى صرحها المهزوز، وصيَّره إلى كتلةِ نارٍ ملتهبةٍ، قال الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.))
من المستفيد من الكتاب ولمن ؟
قال في ص 07
أهديه إلى كلّ مخلص ومشفق على أمته، وحكيم في تعامله مع القضايا الشّائكة، وبصيرٍ بمنهج أهل الحديث في باب استفاء الحقوق واسترجاعها إذا غُصبت، ومدركٍ لعلم المصالح والمفاسد، وعارف بفقه المآلات، وخبيرٍ بخطورة ما يحاك لهذه الأمة في الظلام، وما يخطط لها في الخفاء كي تكون لقمة سائغة في أيدي دُوَّلِ الشرّ
حبَّ الوطن غريزةٌ متأصلة في النُّفوس السّليمة وإن سعى الفرق الحزبية إلى طمسها وإماتتها
إنّ حبَّ الوطن غريزةٌ متأصلة في النُّفوس السّليمة، وفطرةٌ جُبل عليها الخلق، تجعل المرء العاقل يستريح حين يعيش فيه، ويحن إليه عندما يغيب عنه، ويدافع عنه إذا هاجمه عدو صائل، ويغضب له إذا انتقصه المبطلون، ويصيبه الحزن والأسى حين يرى نيران الفتن تمزقُ أطرافه، والأفكار الفاسدة تلوث عقول أبنائه، والإرهاب الأعمى يقوض بنيانه، وينخر ويدمر اقتصاده، والطفيليون تحت غطاء المنصب يبتزون أمواله، ويَعدلون باقتصاده عن مساره الشرعي والوطني إلى فيافِي الرشوة وقفار الفقر، ويتألم حين يجد القوانين الوضعية والجائرة والخاطئة تنافس الشريعة الغراء وتزاحمها، وتضر بمآل الفرد في عاجل أمره ويوم مِعاده، وحملات اليهود والنصارى المسمومة تُشين سمعته، وتَطعن في ثوابته، وتسعى إلى غرس بذور الفتن في ربوعه، كما هو الشأن في الشرق الأوسط والعراق الجريح.
أقول (أبوأنس ) : ولهم أيادي تساعدهم على مخططاتهم المسمومة المدمرة في أراضي الإسلام من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا تحت غطاء الأحزاب (1) : إسلامية كانت أو علمانية-؛ سَعت بقصد أو بغير قصد وأحلاهما مرّ -من خلال مشاريعها المخرومة- إلى طمس وإماتة الغريزة الطيّبة التي خلقها اللهُ في العباد اتجاه أوطانهم، فنمَّت في عقول بعض الشّباب فكرة التمرد، والمعارضة من أجل المعارضة، والمخالفة من أجل الظهور، وغرست فيهم الحسّ بالغربة في الوطن الأم، والعزلة الشعورية، والتنكّر لكل ما هو أصيل، فتجد الشابَ الغارقَ في أفكار حزبٍ من الأحزاب يمر على أقوام قائمين على إفساد مشروع حضاري يعود نفعه على الجميع، وكلّف الدولة الـملايين من الدولارات، أو يمر على جمع من النّاس يطوفون بقبر ويذبحون عند عتبته القرابين؛ فيسلم عليهم!، وقد يقول لهم بلهجة أهل البلد: (الله يعينكم)!، ولا تتحرك له شعرة مِن خُبث ما يصنع القوم، ولا يفكر بالاتصال بالجهات المسئولة عن قمع أمثال هؤلاء، فوالله لو تَركَ الأحزابُ الناسَ على فطرتهم السليمة لكانت كافية إن شاء الله في حماية الوطن من الشّرك، والإلحاد، والبدعة، والأفكار المتطرفة، والإرهاب، والتنصير، وفكر الاستئصال، والعنف الأعمى، والجريمة المنظمة، وترويج المخدرات، وغيرها من الأعمال السيئة والباطلة.
وقال بارك الله فيه في ص 21ـ 23 :
وإنني لاحظت بعد سبر وتأمل أنّ كثيرا من شَّبابنا المساكين؛ -الذين كانوا على فطرة سليمة، وطبعٍ قابلٍ لحمل الحق ونصرته، وهمة عديمة النظير في طلب العلم الشرعي وما يوازيه من الكوني، وتطلع مُشرق لبناء أوطانهم، ورفع الجهل عنها-، هلكوا حين خالطوا أهل الشُّبهات والهواجس، وسلّموا سمعَهم لكلّ مُتكلم ومدلِّس، وأضحوا عاكفين على شرائط الفيديو للأحداث الأفغانية الزائفة والملفقة، والمعارك الشيشانية والخاصة بإقليمهم والآنية، والفتن العراقية الدامية، والمكسوّة بلباس الطائفية النتنة، وغدوا من المتصفحين للمجلاَّت الهالكة في طرحها، ومواقع التكفيريين والروافض الأنجاس، والإباحيين الأرجاس على شبكة الإنترنت العالمية، ومن الساهرين على مطالعة كتب أهل الفكر المنحرف، ككتب سيد قطب المصري، وأبي قتادة الفلسطيني، وأبي بصير الخارجي، وأبي محمد المقدسي الأردني، ومصطفى شكري المصري، وعمر عبد الرحمن المصري، وكتب الشيعة الضلال، وكلّ ثورِيٍ ثائر وضيق الصدر على أُمته الضعيفة، والنّاس أسراب طير يتبع بعضها بعضا، حتى ولو ظهر لهؤلاء الشّباب المساكين من يدّعي النبوةَ مع اعترافهم بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، أو من يدّعي الربوبية لوجدت على ذلك أتباعا وأشياعا والله المستعان، ولما أضحى حال الشباب كما عرفت فسد طبعُهم، وتغير مزاجُهم، وقلصت أنفسهم عن طلب الحقّ، وتغيرت فطرتهم، وقفست فيهم الغيرة على الأوطان إلا من رحم الرحمن، وصاروا ولا حول ولا قوة إلا بالله كالشاة العائرة يتململون بين الحق والباطل، وأمسوا بعد ما تلوثت فطرُهم بفكر دعاة الخروج والعصيان المدني يغمزون في علماء أهل الحديث والأثر بعبارات خفيّة وسامّة وجارحة، ويُجهدون أنفسهم كلّ الجُهد في جمع عرفيج أهل الباطل والأهواء في أهل الحق ليسقطوا هيبتهم، ويشوِّشوا على أنصارهم من طلاّب العلم النجباء بالأضمات والأباطيل، بل؛ وكأنّهم حُقنوا بمصل البغض والحقد على أهلّ الحديث والأثر وحُكّامهم المسلمين، وجُنِّدوا لمحاربة كلّ حكيم وعاقل يخاف على ثوابت أمته أن يُعبث بها، أو أن تصير في أيدي أهل الشّرور والفتن يوظفونها في خدمة إبليس وأعوانه، والله العاصم من كيد أهل الضلال.
وصدق ابنُ قيّم الجوزية رحمه الله حين قال: (إنّ العبدَ إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله، أكسبه ذلك تحريفا للحقّ عن مواضعه) إغاثة اللهفان 1/55
ـ الطريق والسبيل أنجع وأنفع للنجاة من سبل الحزبية الماكرة الخداعة
قال الشيخ الناصح الأمين في ص 20ـ 21
إنّ الواجبَ على من أراد لنفسه السّلامة من كُلّ داءٍ وعاهةٍ الحذرُ كلّ الحذر من الأسباب التي تصده عن قبول الحق والانقياد له؛ فإن الحفاظ على نقاوة الفطرة من كل خادش، والتي هي الشّاهد على البيّنة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم مكسبٌ عظيم للمسلم، وعلامةُ فوزه ونجاحه في الدنيا، لأنّ العبد إذا بقي مطبوعا على قصد الحق فإنّه بإذن الله تعالى سيؤثره على غيره من الهواجس البشرية التي لا دليل يدل على صدقها ونفعها للإنسانية.
قال أبو محمد بن حزم رحمه الله: (أفضل نعم الله على العبد أن يطبعه على العدل وحبه، وعلى الحق وإيثاره).جزء مداواة النفوس ص 31
وقال ابنُ قيّم الجوزية رحمه الله: (فإنّ الكمال الإنساني مدارُه على أصلين: معرفة الحق من الباطل، وإيثاره عليه، وما تفاوت منازل الخلق عند الله تعالى في الدنيا والآخرة إلا بقدر تفاوت منازلهم في هذين الأمرين، وهما اللذان أثنى الله سبحانه على أنبيائه بهما في قوله تعالى: "وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ"، فالأيدي: القوة في تنفيذ الحق، والأبصار: البصائر في الدين، فوصفهم بكمال إدراك الحق، وكمال تنفيذه) الجواب الكافي ص 139
وقال في ص23 ـ 24 : ولهذا يجب على شباب الأمّة الإسلامية جميعا أن يتجنَّبوا عوامل فساد الفطرة، وأن يبتعدوا عن بؤر أهل الأهواء من الخوارج والروافض وأذنابهم، وأن يرتووا من العلم الشرعي الصّافي من الشوائب والعلائق، والمغذي للفطرة السليمة، والمأخوذ من مشكاة النبوة على فهم السّلف الأخيار، كي يتهذب سلوكُهم للسّير على طريق العبودية بإذن الله تعالى، ويتضح حالُهم المشرقُ للموالي والمعادي، وتقوى هممهم لبناء أوطانهم على أساس العلم النافع والعمل الصالح، وأمارة ذلك التأدبُ بآداب الإسلام، والوقوفُ مع الحق وتحكيمُه ظاهرا وباطنا، والمسيُر معه حيث سار بهم ركابُه، والاعتدالُ والاتزانُ في الأقوال والأفعال والأحوال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فمتابعة الآثار فيها الاعتدال والائتلاف والتوسط الذي هو أفضل الأمور) القواعد النورانية ص 49
قال العلاّمة محمدُ البشير الإبراهيمي رحمه الله تعالى كما في عيون البصائر (2/291): (2) (أوصيكم بالابتعاد عن هذه الحزبيات التي نجمَ بالشرّ ناجمُها، وهجمَ -ليفتك بالخير والعلم-، هاجمُها، وسجم على الوطن بالملح الأُجاج ساجمُها، إنّ هذه الأحزاب كالميزاب؛ جمع الماء كدرا وفرقه هدرا، فلا الزّلال جمع، ولا الأرض نفع).
ولاء المسلم لوطنه يكون من أجل الإسلام الذي فيه لا للقومية الجاهلية ولا لأي طائفة الحزبية ،ومن لوازم هذا الولاء الصحيح النقي السني السلفي السعي في بناء هذا الوطن الإسلامي
قال الشيخ حفظه الله في ص 12
إنّ الوطنيةَ صفةٌ قائمةٌ بكلّ حريص على وطنه، وهي: العاطفة المنضبطة بالشّرع الحكيم والعقل السليم التي تُعبِّر عن ولاء المرء لبلده، والمقصود هنا أن يكون ولاء المرء المسلم لبلده من أجل كلمة التوحيد الظاهرة، وشرائع الدين المطبقة من صلاة وصوم وزكاة، وإن كان يعتري وطنَه بعضُ النّقص، وظهرت فيه بعض الكبائر؛ اجتهد بالعلم والحكمة في تكميل النّقص، ورفع الجهل عن أبنائه، وتحذير أبناء الأمة من أضرار البدع والمعاصي على اقتصادها وأخلاقها وقيمها، مجنبا وطنه كُلّ أسباب الضَعف والفُرقة، مراعيا مقصد الشّرع من جلب المصالح ودفع المفاسد، بعيدا عن أسلوب التهييج والعصيان المدني، بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وقال في ص 14 : ومن لوازم محبّة الوطن، أن يُشارك الجميعُ في بنائِه، وتعليمِ أبنائه، وتوجيههم الوجهة الشرعية المستقاة من الكتاب والسّنة على فــــهم السّلف الصّالح.
فالمُعلمُ مسؤولٌ عن التّعليم والتّوجيه في ميدان عمله، سواء كان يعمل في المرحلة الابتدائية، أو في غيرها، ومُوَّكلٌ بالإبداع في تطوير البرامج التعليمية، ومُثابرٌ في تنمية ملكة الطلاب، وتحسين ذكائهم.
وطلبةُ العلم الشرعي عليهم مسؤولية ثقيلة في نشر العلم الصحيح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعلم والحلم، والموعظة الحسنة، وتوجيه الأمّة الوِجهة الصّحيحة، ووعظهم بالحسنى للتي هي أحسن وأقوم.
وأئمة المساجد مطالبون أولاً: برفع مستواهم العلمي حتى يتسنى لهم تربية الجيل تربية روحية متينة، عمودها الكتاب والسنّة على فهم السّلف، فإنني وللأسف الشديد أصلي أحيانا وراء بعض أئمة المساجد فأجد الإمامَ الخطيبَ في وادٍ، والمصلين هائمين في واد آخر، وآلف خطبته سيئة للغاية لا تحمل علما ولا هدفا، وأجده ضعيفا في حفظ القرآن، وهزيلا في اللغة العربية، وغائبا عن قضايا أمته الهامّة، لا يفرق بين حديث صحيح وآخر ضعيف، وناشطا في إيقاد نار الفتنة بين طلاب العلم وكبار السّن، وغارقا في البدع وبعض الشركيَّات، وأجده يتقوَّتُ من كتابة التمائم البدعية والتدليس على النّاس، وهذه الحالة المؤلمة والمزرية لا تخدم الأمة، ولا ترفع عنها الغمّة، بل تزيدها ارتكاسا في الباطل، وبعدا عن جادّة الصّواب، فعلى أئمة المساجد-وفقهم الله إلى نفع المسلمين- أن يُنَمُّوا مادتهم العلمية بالمثابرة على قراءة كتب السّلف في جميع الفنون، وأن يجتهدوا في مزاحمة العلماء بالركب إذا سنحت لهم الفرصة؛ إذا أرادوا رفعَ الجهل عن أنفسهم وأبناءِ أمتهم، وبناءَ أوطانِهم بناء متينا.
وأصحابُ القلمِ في الصُّحف والمجلات، ورُوّادُ التأليف وصُنّاعُ الكتابة، لهم وظيفة كبرى، وهامّة في تعليم الأمة، وحمايتها من الأفكار الوافدة
إلى أن قال ص 16 : ولا أنسى جُهد التّاجرِ ورجلِ الأعمال، إذ المال له نصيبٌ بالغٌ في بناء الأوطان، وعِزّةِ أهله، ونشرِ الكلمة الطيبة، وذلك بالمساهمة في طبع الكتب النافعة وتوزيعها على الفقراء والمساكين، وبالاعتناء بطلبة العلم النجباء وتفريغهم للبحث والدراسة والدعوة إلى الله، وبجلب مختلف ولا أنسى جُهد التّاجرِ ورجلِ الأعمال، إذ المال له نصيبٌ بالغٌ في بناء الأوطان، وعِزّةِ أهله، ونشرِ الكلمة الطيبة، وذلك بالمساهمة في طبع الكتب النافعة وتوزيعها على الفقراء والمساكين، وبالاعتناء بطلبة العلم النجباء وتفريغهم للبحث والدراسة والدعوة إلى الله، وبجلب مختلف
فائدة في بيان المقصود بالوطنية: قال في ص 12: إنّ الوطنيةَ صفةٌ قائمةٌ بكلّ حريص على وطنه، وهي: العاطفة المنضبطة بالشّرع الحكيم والعقل السليم التي تُعبِّر عن ولاء المرء لبلده
وقال في ص 13: فالوطنية إذا هي: قيامُ الفرد المسلم بحقوق وطنه المشروعة في الإسلام بدافع الشّرع والفطرة.
ـ لا يتم هذا البناء ويعلو وينمو ويستقر له قرار إلا بالتحلي بالرحمة والتسامح والعفو والتواصي أهل الإيمان فيما بينهم على ذلك
قال الشيخ ص 50 ـ 53
إنّ الرحمةَ في الإنسان رقةٌ تقتضي الإحسانَ إلى المرحوم، والنعمة على المحتاج، والحنوّ على المسكين، وهي كذا عاملٌ للتخلص من جميع أنواع الآفات والأمراض، من حقد، وحسد، وكره، وبغضاء، وحبٍ للانتقام، ومطالبة بالثأر على طريقة أهل الجاهلية، ومَن وقف على سيرة النبيّ صلى الله عليه وسلم بصورة علمية وإخلاص خلَّص نفسه من هذه الشرور، ورباها على معالي الأمور، فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه بسنده إلى أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبيّ صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ قال صلى الله عليه وسلم: (لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عَرضتُ نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلاّ وأنا بقرن الثّعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال: إنّ الله عزّ وجلّ قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلّم ثمّ قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا).
رحمةٌ، وأملٌ، وعفوٌ، وانشراحُ صدر،... هذا هو منهجُ الأنبياء في الصّبر على الخلق ولو كانوا مشركين، والرحمة بهم، مليء بالأمل وبُعد النظر، وبعيد عن حب الانتقام، والرغبة في الإبادة الجماعية.
فأين من ضاق أفقهم هداهم الله، وقست قلوبهم فصارت كالحجارة أو أشدّ قسوة حين كفّروا أبناء المسلمين بالكبائر و ما توهموه أنه من نقوض الإسلام، ثم ذبّحوهم وقتّلوهم من فقه هذا الحديث العظيم؟.وأين الذين أبادوا قرى وبيوتا بالشّبه والأهواء؟.
وأين الذين اتخذوا التفجيرات الجماعية في ديار المسلمين وسيلة من وسائل الجهاد؟ وإذا سئلوا عن الأبرياء من المسلمين الذين لا ناقة لهم ولا جمل بأي ذنب مزقت أشلاؤهم؟، قالوا: يبعثون يوم القيامة على نياتهم!، والله المستعان.
وأين دعاة الإقصاء والتغريب باسم الوطنية، والهيمنة على الأخضر واليابس من أنوار هذا الحديث الشريف، ومن مبدأ التراحم والتّواد، وتجاوز الخلافات المفتعلة، والاقتناع بأن الجزائر الغراء حررها الجميع وسيبنيها الجميع ويعيش فيها الجميع، في جوّ من التوافق والتناصر، والتحاور بالعلم والحكمة، بعيدا عن سياسة فرض الرأي الاجتهادي بقوة الكرسي والمنصب، وإسكات أفواه أهل الحق من منطلق العنجرية، والنظرة الأحادية من غير فقه، ولا فهم ولا وعي ولا رويّة؟.
وقال في ص 202 ـ 203
فعلى كل مسلم أن يكون دائما مشاركا في هذه الحياة بنفع إخوانه، مسابقا في ميادين الإصلاح والعمل المثمر، مسارعا إلى ما يؤلِّف القلوب ويرفع عنهم البغضاء والشحناء، مثابرا على رفع مستوى أمته لتكون خير أمة أخرجت للناس، وبذلك يسمو بين الورى بحسن الثناء ويسعد في آخرته عند الله بالأعمال الصالحات، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، وصدق الشاعر حين قال:
لا تزهد الدهر في عرف بدأت به * كل امرئ سوف يجزى بالذي فعلا
إنّ الثناء ليحيي ذكـر صاحبـه * كالغيث يُحيي نداه السهل والجبلا
وعلى الـمُصلِح أن يكون الإخلاصُ هو الدافع له على الصّلح وجمع كلمة المسلمين، لقوله تعالى: (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا"، وأن يكون صلحه سائرا تحت لواء الشريعة الغراء فلا ضرر ولا ضرار، فلا ينفذ صلحا مخالفا للسنة أو قائما على دعائم الظلم والجور، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم المؤمنين عائشة: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم، فصلحٌ هذا وصفه يكون مردودا على صاحبه، لعدم صحته، وقد ردّ صلى الله عليه وسلم الصّلحَ الباطل في قصة العسيف حيث قال صلى الله عليه وسلم: (أما الوليدة والغنم (التي اصطلحتم عليه) فرد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام) رواه البخاري ومسلم.
فيا أيها المسلم الحذق الذي وقع في مشكلة مع أخيه المسلم، أو مع دولته، أو مع رجل ليس على ملته تمسك بالصلح العادل لما فيه من خيرٍ كثيرٍ، ومن جمع للكلمة، وحقن للدماء، وإرجاع للحقوق، وإغاظة لأعداء الله، ومن أعظم الأدلة على ذلك قصة صلح الحديبية الذي ظاهره النّقص، والضرر على المسلمين، وفي باطنه ما تجلى من المنافع العظيمة التي ظهرت لكل واحد بعد فترة قصيرة من الزمن، وأعظم ذلك فتح مكة
ـ بل ما شرع الجهاد أهل الكفر بالسنان والسيف إلا رحمة بهم
قال وفقه الله في ص 53 ـ 54
ومن النكت المليحة أنّ الإمام أبا داود السجستاني صاحب السُّنن أورد حديث عبد الله بن جعفر، وحديث سهل، وحديث أبي هريرة، في كتاب الجهاد من سننه، فقها وفهما منه رحمه الله أن الجهاد الذي شرعه الله في كتابه وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته بابٌ من أبواب الرحمة لكل ذي كبد رطبة، ووسيلة شرعية لتوسيع رقعة الإسلام والذبّ عنه، وأصل عظيم لإخراج البشرية من ظلمات الشرك والأهواء إلى نور الإسلام وسماحته، وليس كما يتصوره جمعٌ من البشر ممن امتلأت قلوبهم بالشبه والحقد على الخلق؛ أنه مجرد قتل، وذبح، وقطع للرؤوس بالفؤوس!، وتفجير لديار المسلمين؛ واعتداء على المعاهدين والمستأمنين؛ من غير سياسة شرعية حكيمة، وأهداف صالحة سطرها العلماء الأبرار، ونفذها ولاة الأمور الأخيار.
فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: (لأعطينّ الراية غدا رجلا يُفتح على يديه، يحب الله ورسولَه، ويُحبه اللهُ ورسولُه)، فبات النّاس ليلتهم: أيّهم يُعطى، فغدوا كلّهم يرجوه، فقال صلى الله عليه وسلم: (أين علي؟) فقيل يشتكي عينيه، فبصق في عينيه ودعا له فبرأ، كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال [عليّ] أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (انفُذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعوهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فو الله لأن يهدي بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم).
وفي حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم (برقم 2405)؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: (لأعطينّ الرّاية رجلا يحبُّ اللهَ ورسوله، يفتح الله على يديه)، قال عمر بن خطاب: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، فتساورت لها رجاء أن أُدعى لها، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب، فأعطاه إياها وقال: (امش، ولا تلتفت، حتى يفتح الله عليك)، قال: فسار عليٌّ شيئا ثمّ وقف ولم يلتفت، فصرخ يا رسول الله! على ماذا أقاتل الناس؟ قال صلى الله عليه وسلم: (قاتلهم حتّى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم، إلا بحقها، وحسابهم على الله).
قال الحافظ ابن حجر في الفتح عند قوله صلى الله عليه وسلم (فوالله لأن يهدي الله بك رجلا): (يؤخذ منه أنّ تألُّف الكافر حتى يسلم أولى من المبادرة إلى قتله).
إنّ الجهادَ الكريمَ عبادةٌ شُرِع لدعوة الخلق إلى شهادة أن لا إله إلا الله كما جاء في الحديث (ثم ادعوهم إلى الإسلام)، وتحذيرهم من مضار ومهالك الشّرك كما مرّ بيانه وليس القتلُ غايةً من غاياته الأسمى.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (فالمقصود بالجهاد أن لا يعبد أحدُ إلا الله، فلا يدعو غيره، ولا يصلي لغيره، ولا يسجد لغيره، ولا يعتمر ولا يحج إلا إلى بيته، ولا يذبح القرابين إلا له، ولا ينذر إلا له، ولا يحلف إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يخاف إلا إياه، ولا يتقى إلا إياه..)(مجموع الفتاوى 35/368).
ـ تنبيه : أما الجهاد البدعي التكفيري القطبي المبني على وحشية وإبادة البشرية ليس من الإسلام في شيء وأن له ذلك بل هو يخدم أعداء الإسلام من اليهود والنصارى و نظرية (هرمجيدون)
قال الشيخ ص 55 ـ 57
قلت: إنّ العناصر التي تنادي بالجهاد المقدس على مفهومها الفلسفي في الدّيار الإسلامية؛ والتي اتخذت من الجبال والمغارات قلعة لها، ومن فكر ابن لادن وأتباعه الملوثين بالشبه، والقانطين من رحمة الله منهجا وطريقا تحقق به الكرامة للبشرية، وتطهر به الأرض من رؤوس الطواغيت على مفهومهم؛ لا تفرق بين الفساد والإفساد في الأرض، ولهذا انطلق هذا النوع من الخلق في إبادة البشرية من فساد منهجهم العقدي، وبوار تصورهم للقضايا العادلة، وسوء إنزالهم للأحكام الشرعية على الخلق؛ كالحكم على الفرد بالردة والكفر لمجرد ارتدائه للهندام العسكري؛ إلى الإفساد في الأرض، وإثارة الفتن، وإزهاق أرواح الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في اتخاذ القرار وتغيير الأحوال، كما هو مشاهد وملحوظ في كثير من الدول الإسلامية، والله العاصم من لهيب أهل الشرور والفتن.
إنّ سفهاء الأحلام، وحدثاء الأسنان -هداهم الله إلى الحق- لا لشوكة الفلاسفة الأشرار كسروا، ولا لحصون الكفار فتحوا، ولا لراية الإسلام الطاهرة رفعوا ونصروا، بل مساكين! يسيرون بلا راية ولا دراية، مع جهل مطبق بأحكام الشريعة في باب السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، بلهاء! يعدُّون التعرض لشرطي مُسلم خرج من المسجد بالقتل، ولعجوز طاعنة في السن تسوق قطيعا من الغنم بالذبح؛ الجهاد الشريف!! الذي يحرر الأوطان، ويُعيد الخلافة الراشدة، ويزلزل ديوان الأمريكان!.
وقد قيل: لكلّ داءٍ دواء يستطبُّ به-- إلاّ الحماقة أعيت من يداويها.
ولو كان المغررُ بهم ومَن وراءهم أصحابَ عقول ناضجة لأدركوا أن انقسامهم على أنفسهم في الغابات والكهوف إلى فرق متناحرة، يكفر بعضها بعضا، ويقتل بعضها بعضا؛ وانتقالهم من اسم إلى اسم، وخطة سيئة إلى خطة أسوأ من الأولى؛ دليل ساطع على أن المنهج الذي يسلكونه في نصرة الإسلام ليس هو من عند الله تعالى، وأنّ الأعمال التي ارتكبوها في حقّ من حكموا عليهم بالردّة ظلما وزورا، لم ينتفع منها الإسلام والمسلمون قدر شعرة، بل؛ لو كان عندهم مِسكةٌ من عقل لأبصروا أن الطريق المظلم الذي يسيرون عليه من نتاج عقولهم الفاسدة، وفتاوى المشبوهين الكاسدة، وهو حكم بغير ما أنزل الله عينه الذي يحاربون الحكومات الإسلامية من أجله، قال تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾، وقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾.
فالله أسأل أن يُعيد للشباب المغرر بهم عقولهم، وأن يرزقهم التوبة النصوح، وأن يُنقذهم من شباك أهل الأهواء الذين يتاجرون بمصيرهم، ويتلاعبون بعقائدهم تحت شبهات عمياء، وشعارات جوفاء بعيدة عن المعقول والحقيقة، وأن يوفقهم للعلم النافع الذي به يبيدون شبهات أهل الأهواء، وبه يستظهرون بكتاب الله على كلّ ما سواه، ويفارقون المستظهرين على كتاب الله من المبتدعة والخوارج المخذولين الأشقياء.
وقال في ص 71 ـ 72
جاء في كتاب (الدين في القرار الأمريكي) لمحمد السمّاك (ص50): (كان الرئيس الأمريكي الأسبق ريغان، وهو من المحافظين يقول: إنّه يتمنى أن يمنّ الله عليه بشرف كبس الزر النووي لتحقيق إرادة الله في وقوع (هرمجيدون)، ومن ثم بعودة المسيح، والرئيس بوش الابن نفسه يقول: إنّ الحرب على العراق هي مهمة إلهية، يقوم بها مِن أجل عالَم أفضل).
والملاحظ أن السمّاك هذا متخصص في دراسة الأصولية الأمريكية، وهو مترجم لكتاب: النبوءة والسياسة، (prophecy and politics)، وكتاب: يد الله (forcing Gods Hand)، للمؤلف جريس هالسل (Grace Halseell)، والتي انتشرت في أمريكا على أنها صوت قوي في قول الحقيقة عن الأصولية الأمريكية.
إن الإيمان بحتمية معركة (هرمجيدون) التي تسبق على اعتقاد المحافظين الباطل العودة الثانية للمسيح، يعني بالضرورة عند النصارى الأشرار تعطيل كلّ ما من شأنه ينشر السلام في الأرض، ويقوي أعمدة الأمن في ساحة الأمم، ويطفئ بؤر التوترات الملتهبة في العالم، لهذا نجدهم يدفعون الشرق الأوسط بصورة مستمرة نحو الاضطراب والحروب، ويغذّون كلّ فتنة تَنبت في ديار المسلمين بتزويدها بالمال والعتاد، وإيواء قادتها المتورطين في أعمال إجرامية وتخريبية تحت مظلة "المحافظة على حقوق الإنسان"، كما هو الشأن في العراق، وبعض الدول الإفريقية، فالسّلام واستتاب الأمن، واستقرار الأنفس يعطل عند المحافظين النصارى نظرية (هرمجيدون) وبالتالي يؤخر عودة المنتظر على اعتقادهم الفاسد، وبهذه النظرية الكافرة وقع التشابه بينهم وبين الرافضة الأنجاس، ولهذا نجدهم يؤازرون جيش مقتضى الصدر في كربلاء في الخفاء للنقاط المشتركة بينهم، وإن تظاهروا بحربه في العلن، فالقوم يشربون من كنيف واحد.
إن الذي يصنعه الثوار في ديار الإسلام باسم الجهاد، وهو ليس من الجهاد في شيء؛ يخدم النظرية الأصولية للنصارى، ويقوي ركائزها، وفي المضمار نفسه يخدم عقائد الرافضة الأنجاس، التي تصب جميعا في قالب واحد: كلما كثر الهرج والمرج، وغاب السّلم والسّلام قرب ظهور المنتظر.
وأما الجهاد الشريف والشرعي الذي يتمناه كل مخلص، ويتبناه أهل السّنة والجماعة صدقا وحقا في مكانه وزمانه؛ فما أظن يعرف رؤوسُ الفتن أصولَه، ويرضى الغرب والرافضة ظهوره.
وإنني أقول والله المستعان: إنّ الذي صنعه دعاة الإرهاب في وطني الجزائر باسم الجهاد، وأشاعوا أصوله الفاسدة بين الناس؛ قد آزر ما يصنعه الأمريكان في العراق، ورسخ فكرة (هرمجيدون) في أنفس المحافظين النصارى، وشجعهم على المضي قدما للتحرش ببعض الدول الإسلامية، والله الهادي إلى سواء السبيل.
ـ من صور التسامح والعفو والإصلاح ما دعا إليه فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ـ وفقه الله لكل خير ـ حاكم بلاد الجزائر الحبيبة من الصلح وأعانه على ذلك المصلحون من أهل الوطن وتبناه الشعب الجزائري المسلم بأغلبية ساحقة
قال فضيلة الشيخ عبدالحميد ـ حفظه الباري ـ مبينا موضحا شارحا فقه هذا الصلح بعلم وعدل الدال على فقه ومعرفة الشيخ بالواقع أحداث الجزائر لله دره
قال في ص 61 ـ 64
إنّ المصالحة الوطنية، والصّلح الذي دعا إليه حاكم البلاد حفظه الله، والمصلحون من أهل الوطن، وتبناه الشّعبُ الجزائري المسلم بأغلبية ساحقة، مشروعٌ بلا ريب ولا نزاع ولا اضطراب، على غرار ما تُروِّج له بعض الجهات من الشكوك والظنون، وعلى خلاف قولِ بعض النّاس أن في المصالحة تعطيلا للحدود، وإقرارا لمنهج الخوارج؛ وتسترا على أصحاب الجرائم الجماعية، وإهدارا لحقوق الإنسان، وحُكما بغير ما أنزل الله، وتكريسا لمبادئ الديمقراطية الكافرة، فهذا شيء غير وارد في أصل الصّلح الذي نحن في صدد تحرير أبوابه بشيء من الإيجاز، ولم يقل به أحدٌ من العقلاء، ولم يرد تأييده في جزئنا ولو بأدنى إشارة، بل؛ الحدود معطلة قبل المصالحة بأحقاب، ولعلها لا تطبق بعد المصالحة إلا أن يشاء الله، ومنهج الخوارج كلاب النار منبوذ وباطل إلى قيام الساعة، وأن الحكم لله تعالى في الشؤون كلها لقوله جلّ وعلا في سورة الأنعام: ﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾، ولقوله سبحانه وتعالى من نفس السّورة: ﴿ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ ولقوله تعالى في سورة يوسف: ﴿وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ ولقوله تعالى من نفس السورة: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾، ولقوله تعالى في سورة القصص: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، وأن الديمقراطية الشمطاء والانتخابات العمياء ليست ميزانا منضبطا لمعرفة الحق، وتقديم الصالح، ودرء المفاسد وجلب المصالح، وأن العودة في القضايا المصيرية والحوادث النازلة إلى أهل الفضل من العلماء، وأن أبناء الأمة من الشعب تبع لهم فيها؛ وغاية ما في الأمر أن حاكم البلاد حفظه الله أراد وضع حدّ لمأساة عفنة، وشائكة، ومتشابكة الأطراف، ومشبوهة الأهداف؛ بمشروع شرعي لا يدّعي فيه الكمال، وهي المصالحة بين الدولة المسلمة والمتمثلة في مؤسساتها الثابتة وبين المغرّّر بهم والمتأولين الذين اتخذوا العمل المسلح وسيلة لقيام دولة الإسلام على تصورهم الخاطئ، أو لاسترجاع ما كسبوه من بوابة الديمقراطية في التسعينات، وهذا المشروع الذي طرحه حاكم البلاد لا ينازع فيه إلا أخرق، ولا يرفضه إلا بليد ضيق النظر والصدر، لا تهمُّه مصلحة الأمة، وسُمعة الإسلام في خضمّ الصراعات الدولية، والتُّهم المتسلسلة للأمة الإسلامية.
وقد جاء تأييدي لمشروع حاكم البلاد على ما فيه من نقص من باب التعاون على البر والتقوى، والتناصر لتقليل الشر ما أمكن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في سياق كلامه على نوعي التعامل مع الولاة من مجموع الفتاوى (28/283-284): (الأول: تعاونٌ على البر والتقوى: من الجهاد، وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وإعطاء المستحقين، فهذا مما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن أمسك عنه خشية أن يكون من أعوان الظلمة؛ فقد ترك فرضًا على الأعيان، أو على الكفاية، متوهمًا أنه متورع، وما أكثر ما يشتبه الجبن والفشل والورع، إذْ كلُ منهما كَفٌّ وإمساك...[إلى أن قال رحمه الله]: فإن مدار الشريعة على قوله تعالى ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ المفسر لقوله: ﴿ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾؛ وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) أخرجاه في الصحيحين، وعلى أنّ الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع المفسدتين مع احتمال أدناهما: هو المشروع).
وقال رحمه الله في منهاج السنة (6/118 تحقيق محمد رشاد سالم): (فالأقَلُّ ظلمًا ينبغي أن يعاون على الأكثر ظلمًا، فإنّ الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، ومعرفة خير الخيرين، وشر الشرين، حتى يُقَدَّم عند التزاحم خير الخيرين، ويُدْفَع شر الشرين، ومعلوم أن شرّ الكفار، والمرتدين، والخوارج: أعظم من شر الظالم).
وأما ما يتعلق بتفاصيل المصالحة الدقيقة، وكيفية استيفاء الحقوق فهذا أمر يعود إلى ولي أمر البلاد ومن اصطفاهم من أهل الحلّ والعقد من علماء الشريعة والقانون، والله ولي التوفيق.
تنبيه لابد منه: قد تحفّظ بعض رجال القانون وحقوق الإنسان من مشروع المصالحة وقالوا: ينبغي أولا؛ تحديد المسؤول عن أسباب الأزمة التي عصفت بالبلاد، وأن المصالحة لا تكون إلا بالمكاشفة والمصارحة، وعلى معطياتها تكون المصالحة، وذلك حتى لا تتكرر المأساة مرة أخرى، ونضع حدا نهائيا للفوضى التي عصفت بالديار.
أقول وبالله التوفيق: لقد نظرت في مراجع بعض رجال القانون فوجدتهم يقيسون محنة الجزائر على بعض الحروب الأهلية والعرقية التي مزقت بعض الدول، كما هو الحال في جنوب إفريقيا، وعليها سنوا ميثاق المصالحة والحقيقة، وقد اعترف كثير من البيض بجرائمهم في حق السود، إلاّ أن نلسن منديلا قد حثّ المظلومين إلى تجاوز الخلاف، وبناء دولة قوية يسودها القانون، وكذلك ما حدث في أمريكا اللاتينية؛ كدولتي البرازيل، والبيرو، وهذه الأخيرة التي عاصمتها ليما قد مرت بها إحن، نجم عنها ألاف من المفقودين والقتلى، وكانت رحى الحرب تدور بين حركة الدرب المضيء، وسلطة مكافحة الإرهاب، وبلدة سوكوس شاهدة على حجم الدمار الذي أصاب الشعب البيروفي، ولكن الذي فات بعض رجال القانون أن ما دار في هاتين الدولتين ودول أخرى نصرانية يختلف جذريا عن محنة الجزائر المسلمة، سواء من حيث طبيعتُها، أو أسبابُها، ودوافعُها، ولهذا لا يعقل أن نقيس الجزائر المسلمة على البيرو النصرانية مع تباين العلل، واختلاف الأسباب.
هذا أولا، وثانيا: لا يمكن أن يبقى الشعب الجزائري المسلم في دوامة تقاذف التهم، والبحث عن الجاني الأول، ودماء المسلمين تسيل كشلال منهمر، ونار الفتنة تعربد من تحت أقدامهم، والدولة بمؤسساتها سائرة إلى الهاوية، والدول العظمى الكافرة تتربص بها الدوائر، والطفيليون يبتزون أموال الأمة، و... وعليه: فالعاقل الفطن يسعى أولا: إلى حقن دماء المسلمين، وإطفاء نار الفتنة بشتى الأساليب الصالحة، ولو مع شيء من التنازل عن الحقوق، مكسوة بالتسامح والرحمة، وفي نفس الوقت يُعدّ مشروعا متكاملا لمنع من تكرار ما حدث، ويجتهد في دراسة الأسباب التي دفعت بأبناء الأمة إلى التساقط في أحضان دعاة الغلو والخروج، وزجت بهم إلى اعتناق فكر رؤوس الاستئصال وصناعة الإرهاب، مع البحث عن الحلول الناجعة لمعالجة هذه الظواهر الخطيرة بالاستعانة بالله ثم بعلماء الأمة، ومفكريها، والمصلحين من أبنائها، والله تعالى يتولى الصالحين من عباده.
أقول الفقير إلى الله أبوأنس : لله دره ما أفقهه وأنصحه فقد صدق ونصح وبين ووضح ورب الكعبة
ألا يكفي فيما نحن فيه من الأمن والسكينة والإطمئنان بعد هذا الصلح الذي هو فضل ورحمة ونعمة من نعم الله عزوجل التي توجب منا الشكر والحمد
كيف لو زدنا على ما يترتب على هذا الصلح من الدعوات التي ذكرها الشيخ الفقيه الناصح المصلح عبدالحميد في ص 61 ـ 68 ساردا لها بقوله :
فالمكان يفضل غيره من الأمكنة لما يودع الله فيه من الأمن والسكينة، ليتمكن الخلق من عبادة ربهم في جوّ من الراحة والوقار، ولكي يتسنى لهم عُمارة الأرض وبناءها، وإحياءها بالنور الذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو المقصد الذي يسمو إليه حاكم البلاد أيده الله وسدد خطاه، ورزقه البطانة الصالحة التي تأمره بالبر وعن الشرّ تنهاه، من دعوته إلى المصالحة الوطنية بين أبناء الجزائر
- دعوة جريئة؛ لو يدرك الخلق مزاياها وأهدافها لأتوا لنصرتها ولو حبوا، لما تضمنته من خير وسعادة للبشرية، ومن حقن للدماء وجمع للكلمة.
- دعوة تضم بين أكنافها الإخاء، والتعاون على البر والتقوى.
- دعوة تسمو إلى أن تجعل دولة من دوّل الإسلام واحة من واحات الأمن والسكينة، من زارها لم يبغ عنها حولا.
- دعوة فيها قهرٌ لأعداء الله الذين يتسللون للأذى من ثقوب الفتن التي تعربد من تحت أقدام المسلمين إلى صرح الأمة المتين، وقطعٌ لألسنتهم الحداد التي لوثت منزلة الإسلام وسمعة المسلمين.
- دعوة فيها تبرئة للإسلام من جُرم الإرهاب والتطرف والغلو(3)، الذي يسعى الغربُ بكل قواه لإلصاقه بديننا الحنيف.
- دعوة تطوي صفحات من الحُزن مخلوطة بالدّمع والدماء، والتي عاش إبّانها الشعب الجزائري برمته أحلك أيامه وساعاته.
- دعوة تفوِّت على الطفيليين للتلاعب بمكاسب الأمة، واستنزاف خيراتها في مشاريع وهمية وخيالية، مستغلين ضعف الأمة بسبب ضياع الأمن وغياب الرقابة.
- دعوة تكشف عوار الظلم والجور، وخلط المفاهيم باسم محاربة الإرهاب؛ فقد رأينا المرء يحارب، ويهان إما لشكله أو للباسه، أو لاستعماله السواك!، والله المستعان.
- دعوة تُغمّد في أكنافها الجروح، وتواسى فيها المشاعر، ويجبر فيها الكسر.
- دعوة تتيح المجال للتنافس في نشر الفضيلة والخير، بإنشاء الجمعيات الخيرية، والمدارس الشرعية، وإقامة الدورات العلمية لتطهير عقول أبناء الأمة من الأفكار الفاسدة، والمناهج الكاسدة، والعاقبة للمتقين.
- دعوةٌ تمكن المُغرّر بهم والمتأولين من استعمال عقولهم، ومراجعة حساباتهم، واللجوء إلى الله بصدق ليدلهم على سبيل الرشاد، والقيام لله مثنى وفرادى ثم يتفكرون، ويسألون أهل العلم بحقٍ عن أعمالهم التي ارتكبوها ويرتكبونها في حق إخوانهم من المسلمين؛ سواء كانوا من الشّعب، أو من رجال الأمن، ويبحثون عن الحقيقة من مصادرها، ويجتهدون للخروج من مربع الأوهام والخيالات، والشجاعة الزائفة، ويقفون مع النفس في ثلث الليل الأخير، ويسألونها: هل ما يقومون به من أعمال القتل والاغتيالات، وتخريب المنشآت يوصلهم إلى قارب النجاة، وينجيهم يوم الدين، ويقيم لهم دولة أساسها الكتاب والسنة؟.
ـ حاجة البشرية إلى الأمن الذي به تتم الصالحات وبفقدانه تختل الحياة
قال الشيخ ص 78 ـ 81
وإن النفوسَ تتوحَّد وتتصالح بالإيمان والأمن، والحياة تزدهِر ويشملها عفو الله بهما، والأرزاق تُغدَق على الخلق، والتعارف ينتشر بين الناس، والعلوم تُتَلقَّى من منابعها الصافية، والحبل الوثيق بين الأمة وعلمائها يزدادُ متانة، والروابط تتوثّق بين أفراد المجتمع، والكلمة تتوحَّد، والجميع يأنس بالصلح والأمن، والناس يتبادلون المنافع، و الشعائر تُقام بطمأنينة، وحدود الله في أرض الله على عباد الله تقُام بكل سكينة، كل هذه النعم وغيرها يتفيأ المسلم ظلالها إذا حلّ في ربوع وطنه الأمن والإيمان.
وأما إذا اختلَّ الأمنُ تبدَّل الحالُ، ولم يهنأ أحدٌ براحةِ بال، فيلحقُ الناسَ الفزعُ في عبادتهم، فتُهجَر المساجد، وتتقطع حبال التواصل، ويعمّ الخوف وتزول الطمأنينة، وحينها يعسر على المسلم إظهار شعائر دينه، قال الله سبحانه: "فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ" [يونس:83]، وتُعاق سُبُلُ الدعوة، وينضَب وُصول الخير إلى الآخرين، وينقطع تحصيلُ العلم وملازمة العلماء، ولا توصَل الأرحام، ويئنُّ المريض فلا دواءَ ولا طبيب، وتختلُّ المعايش، وتهجَر الديار، وتفارَق الأوطان، وتتفرَّق الأسَر، وتنقَضُ عهودٌ ومواثيق، وتبور التجارة، ويتعسَّر طلبُ الرزق، وتتبدَّل طباعُ الخَلق، فيظهرُ الكَذِب ويُلقَى الشحّ ويبادَر إلى تصديق الخبَر المخوف وتكذيب خبر الأمن.
باختلال الأمن تُقتَل نفوسٌ بريئة، وترمَّل نساء، ويُيتَّم أطفال، وتفتقد أنفس، وإذا سُلِبت نعمةُ الأمن فشا الجهلُ وشاع الظلم وسلبتِ الممتلكات، وإذا حلَّ الخوفُ أُذيق المجتمعُ لباسَ الفقر والجوع، قال سبحانه: "فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ" [النحل:112].
قال القرطبي رحمه الله: (سمَّى الله الجوعَ والخوفَ لباسًا لأنه يظهِر عليهم من الهُزال وشحوبةِ اللون وسوءِ الحال ما هو كاللباس).الجامع لأحكام القرآن 10/194
إن الخوف يجلِب الغمَّ والهم والأمراض، وهو قرين الحزن، قال تعالى: "إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا" [التوبة:40].
ويقول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: (إيّاكم والفتنةَ، فلا تهمّوا بها، فإنها تفسِد المعيشةَ، وتكدِّر النِّعمة، وتورثُ الاستئصال)
وقال ابن تيمية رحمه الله: (والفتنة إذا ثارت عَجَزَ الحكماء عن إطفاء نارها). منهاج السنة 4/367
قلت: صدق معاوية رضي الله عنه وأرضاه؛ إن الفتن لتورثُ في القلوب مرض الاستئصال والإقصاء، وتغير وقائع التاريخ، وتمحو بعض صوره المشرقة، وتؤخر الشريف وتقدم الوضيع، فالفتن تجعل دعاة التغريب يحكمون على الناس بدءً من الشكل والمظهر، ويَقيسون أعمال الخلق انطلاقا من الأيديولوجية التي تربوا عليها؛ قد تكون اشتراكية ماركسية، أو شيوعية ملحدة تنظر إلى المستقيم من أبناء المسلمين بأنه رجعي متخلف ضد الحضارة، ولا يصلح أن يتقلد المناصب العليا، أو أن يكون في الواجهة.
ولهذا كم من مُسلم أُوذي، وظُلم بسبب ارتدائه للقميص الأبيض، وإرخائه للحية، مع أنه غاية في حبّ الوطن، وقمة في الأخلاق، وشعلة في بناء وازدهار الوطن، وكم من طالب عِلمٍ مُتمكن أُبعد عن مناصب التعليم والإرشاد، وهُمِّش وغُرب لمحافظته على هندام أجداده، ولإحيائه لبعض سنن نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكن دعاة التغريب ضاق أفقهم، وتكمش عطنهم، وذهب عقلهم، فراحوا يرخون الستور، ويحفرون القبور لكل من يخالفهم، ولو كان من أبرّ الناس، وأتقاهم، وأزكاهم عند الله تعالى.
إن صاحب العقل السليم إذا قلَّب بصرَه في الآفاقِ وجد أن الأمنَ ضرورة في كلّ شأن، ولن تصلَ الأمة إلى غايةِ كمالِ أمرٍ إلا بالأمن والاستقرار، بل لن تجدَ مجتمعًا ناهضًا وحبال الخوف تهزّ كيانَه، والإرهاب الأعمى يمزق أحشاء أبنائه، والفتنة تعربد من تحت أقدامه، وما حال العراق الجريح عنا ببعيد.
إنّ نعمةَ الأمن من أعظم نعَم الله حقًّا وصدقا على الخلق، حقيقٌ بأن تُذكَر ويذكَّر بها، وأن يُحافَظ عليها، وأن تهيأ أسباب بقائها، وتشال عوامل ذهابها، قال الله سبحانه وتعالى: "وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ" [الأنفال:26].
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب:70-71].
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أمابعد :
فإن الاشتغال بالعلم النافع المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والعمل بهذا العلم هو سبيل الفلاح وسبب السعادة في الدنيا والآخرة لأن هذا العلم هو ميراث النبوة الذي من أخذ به أخذ بحظ وافر ولأن العمل بهذا العلم مبني على جادة قويمة وصراط مستقيم والعلم نور والعمل به سير إلى الله على ومحجة واضحة
ومن أهم الوسائل لتحصيل العلم النافع : شغل الوقت بالتعلم والتعليم ودوام المذكرة في العلم وكثرة القراءة في الكتب النافعة وتدوين الفوائد منها لا سيما عند قراءة الكتب الإصلاح الداعية للرجوع إلى الكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم على فهم سلفنا الصالح ، المبينة لمواقع الأمراض والخلل في مجتمعات الأمة الإسلامية مع توضيح كيفية العلاج هذه الأمراض بالعقل والحكمة على مامشى عليه وسار أئمة أهل الحديث أهل الإصلاح والاجتماع وتمسك بالسنة
ومن أهم الكتب التي وقفت عليها واطلعت فيها في هذا الباب ، باب الإصلاح والدعوة إلى الله بالحكمة والعقل الصحيح السليم من لوثة الحزبية وعلوم الكلامية ، كتاب ( الأمن وحاجة البشرية إليه في عبادتها لربها ونمو اقتصادها وطرق المحافظة عليه ) لشيخنا الفاضل المفضال المصلح السلفي الأثري أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري ـ حفظه الله ـ
ومؤلفه ذو باع طويل واطلاع واسع في العلوم المختلفة وقد أبان وأظهر بضاعته العلمية السلفية القوية المتينة في كتابه ( الأمن وحاجة البشرية إليه في عبادتها لربها ونمو اقتصادها وطرق المحافظة عليه)
فكان كتاب كافيا شافيا وافيا جمع فيه من الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة ما تشد إليه الرحال وتتناقله الأجيال لكثرة فوائده وحسن ترتيبه وشمولية أبوابه وعذوبة ألفاظه وجودة صناعته ولزوم العدل في أحكامه وسهولة فهمه مع جزالة ألفاظه وقوة عباراته فقد أجاد وأفاد ووفى بالمراد لله دره
فالشيخ حفظه الله قد شخص الداء وبين الدواء لمن أراد الله به الشفاء ولا شك أنه قد بذل في جمع هذا الكتاب المبارك جهدا كبيرا نسأل الله أن يرفع قدره ويعظم أجره
وأؤكد أنه إذا اهتم طلبة العلم بخاصة وأهل الإسلام بصفة عامة بقراءة هذا الكتاب وأمثاله وسلموا من التعبئة الخاطئة فإن ذلك سيكون مبعدا من الفتن بإذن الله جل وعلا
ولهذا كان جديرا بالعناية وبأن يوصف بأنه كتاب العلم والدعوة والإصلاح وأن يكون مرجعا لأهل الإسلام في باب الإصلاح والدعوة إلى الله
أما شخصية الشيخ عبد الحميد العربي ـ حفظه الله ـ وبطاقته العليمة الدعوية فالشيخ معروف في ميدان العلم والدعوة ولست من الذين يزكيه ويظهره ويبينه ، ولكن لغربة العلم وحملته وكثرة الجهل وازدراء حقوق أهل الفضل وعدم تنزيل الناس منازلهم فأقول معرفا مبينا مكانة الشيخ في الأمة وعند الأئمة
فالشيخ هو: حميد أحمد العربي الجزائري المكنى بأبي عبد الباري، والمشهور بعبد الحميد العربي من مواليد سنة1964ميلادية بولاية تيبازة، درس القرآن في صغره على الطريقة المعروفة في الجزائر في أحد المساجد، ودرس النحو والصرف، وأصول الفقه على بعض المشايخ في الجزائر، ثم زاول دارسته التعليمة، وتحصل على شهادة الكفاءة العليا في التربية، ومارس رسالة التعليم، فدرّس مادة الفيزياء والتكنولوجيا في المرحلة المتوسطة، ثم انتقل إلى تدريس مادة اللغة العربية في المرحلة الابتدائية.
وبالموازاة مع التعليم كان مصرحا له من طرف وزارة الشؤون الدينية للتدريس في المساجد لتمكنه في الفقه المالكي، فالشيخ حميد أحمد العربي ملمٌ بالمذهب المالكي وله دراسات وبحوث فيه، فكان حفظه الله يلقي دروسا تعليمية في بعض مساجد ولاية تيبازة، ثم انتقل بعد ذلك إلى ولاية البليدة وصار إماما بها تابعا لوزارة الشؤون الدينية يلقي خطبة الجمعة ودروس العلم على عامة المسلمين.
ولم يكن الشيخ حفظه الله ولله الحمد والمنّة منخرطا في أي حزب إسلامي، بل كان يرى وفّقه الله أن التحزب الذي لم يسبقه علم ووعي فوضى وشتات، وتمزق بين أفراد المجتمع الواحد.
وفي بداية التسعينات، وبعد ظهور بواد الفتنة -حيث صارت مجالس العلم لا قيمة لها، وغاب العقل الواعي، وعُوض بالهباء والهرج والمرج، وهُمِّش العلماء وطلاب العلم-، حزم الشيخ متاعه ورحل للازدياد من العلم على طريقة العلماء القدامى، فرحل أولاً إلى المملكة العربية السعودية، وجلس فيها مدة معتبرة، درس فيها على يدي كبار مشايخها، فأخذ عن:
العلاّمة الدكتور ربيع بن الهادي بن عمير المدخلي رئيس قسم السنة بالجامعة الإسلامية بالمدينة سابقا.
والعلاّمة الدكتور: عبد المحسن العباد البدر، رئيس الجامعة سابقا، فأخذ عنه فصولا من سنن الإمام النسائي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والدكتور: يوسف الدخيل المدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة، حيث درس عليه فصولا من فتح الباري، وأجزاء أخرى في الحديث.
والدكتور: علي بن ناصر الفقيهي رئيس قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، حيث درس عليه فصولا من كتاب السنة لابن أبي عاصم.
والدكتور صالح العبود رئيس الجامعة الإسلامية، حيث درس عليه شرح تيسير العزيز الحميد لكتاب التوحيد.
وجالس الشيخ محمد آمان الجامي رحمه الله، واستفاد منه فصولا طيبة في العقيدة.
وجوّد قسطا من القرآن على يدّ الشيخ عبيد الله الأفغاني السعودي بالمسجد النبوي بالمدينة النبوية.
وكان الشيخ يحضر بعض دروس الشيخ محمد بن هادي بن علي المدخلي التي كان يلقيها في مسجد القبلتين.
وكان للشيخ صحبة متينة مع الشيخ الدكتور عبد السلام البرجس رحمه الله، حيث له معه لقاءات كثيرة ومجالس علم عديدة في مدينة الرياض وأبو ظبي.
وقد جالس الشيخُ باقي علماء المملكة وأساتذتها واستفاد منهم، ومن هؤلاء:
العلامة الوالد: الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
والعلاّمة الوالد: الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
والعلاّمة الشيخ: صالح الفوزان الفوزان حفظه الله.
والعلاّمة المفتي الشيخ: عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله.
والعلامة المحدث الشيخ: حماد الأنصاري المدني رحمه الله
والشيخ الدكتور: إبراهيم بن عامر الرحيلي حفظه الله.
والشيخ الفاضل: سعد الحصين حفظه الله.
والشيخ الدكتور: صالح بن حامد الرفاعي، حيث عرض عليه الشيخ أبو عبد الباري كتابه ضوابط الجرح والتعديل.
ولماّ لم يتيسر للشيخ زيارة اليمن فإن الله تعالى يسر له اللقاء ببعض مشايخها في المملكة العربية السعودية.
فقد التقى بالشيخ العلاّمة محدث اليمن الشيخ مقبل بن هادي الوادي رحمه الله بمكة المكرمة، وبالشيخ محمد الوصابي اليمني بمكة المكرمة، وبالشيخ محمد الإمام اليمني بالمدينة النبوية.
ولما كان الشيخ أبو عبد الباري حميد أحمد العربي مولعا بعلم الحديث ومتمكنا فيه، وبارعا في باب العلل فإنه عزم على لقاء العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وكان للشيخ عبد الحميد ما أراد بتوفيق الله، فقد التقى الشيخ أبو عبد الباري بالعلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في عمان البلقاء عاصمة مملكة الأردن الهاشمية في سنة1994، وكان لقاء علميا مثمرا، سجل فيه الشيخ شريطا مع العلامة الألباني في مسائل الزكاة الشائكة، وقد بسط الشيخ أبو عبد الباري الحديث عن هذا اللقاء في جزء خاص أسماه (رحلتي إلى الشام)
قلت: وبعد أن أخذ الشيخ رغبته من علماء المملكة العربية السعودية رحل إلى الشام المحروسة، ونزل بدمشق وبالتحديد في ركن الدين بجبل قاسيون مكان المقادسة، ثم سجل نفسه بمعهد الفتح الإسلامي فرع الأزهر دراسات عليا تخصص، وفي الشام أخذ على يد بعض مشايخها، ومنهم:
الشيخ: أديب كَلاّس، أخذ عنه الفقه الحنفي.
والشيخ: مصطفى البغا أخذ عنه فقه الكتاب العزيز.
والشيخ المقرئ: أبو الحسن محي الدين الكردي، جوّد عليه قراءة حفص، وبعض أحكام القراءات.
والشيخ: الشُووَا أخذ عنه علم النحو.
والشيخ: مصطفى الخن أخذ عنه علم أصول الفقه.
والشيخ: حسام فرفور أخذ عنه كتاب التفتزاني في الأصول.
والشيخ: عبد الفتاح البزم أخذ عنه كتاب الرسالة القشيرية.
وبعد ما استفاد الشيخ من مشايخ الشام جاءه عرض بأن يكون مديرا لشركة زيدكوا للتكنولوجيا والابتكار والاختراع بأبو ظبي، فرحل إلى أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات وعمل في منصب مدير للابتكار ثلاث سنوات، ثم رخص له من وزارة الأوقاف وعمل كخطيب ومدرس في مساجد أبو ظبي، وقد كان للشيخ لقاءات في إذاعة وتلفزيون أبو ظبي الرسمي.
بعض كتب الشيخ:
1 بريق المهو في أحكام سجود السهو. طبع
2 إبلاغ الفهامة بفوائد الحجامة. طبع
3 المرشد الأمين في كيفية الوقاية من العين. طبع
4 وقفات منهجية في الذب عن السلفية (يرد فيه الشيخ على دعاة الخروج والإرهاب). طبع
5 تحقيقه لكتاب/ الطريقة المثلى في ذم التقليد واتباع ما هو أولى. طبع.
6 الأمن وحاجة البشرية إليه في عبادتها لربها ونموّ اقتصاديه وطرق المحافظة عليه/ طبع وقد قرظه جمع من أهل العلم منهم الشيخ محمد البنا عالم من أقران العلامة محمد ناصر الدين الألباني، وهي سلسلة من عدة أجزاء يعالج فيها الشيخ مسائل منهجية وتاريخية هامة أصابت الجزائر على الخصوص وشمال إفريقيا على العموم.( وهو المقصود ببحثنا)
7 سنى الأضواء في حكم مسّ المصحف للمحدث والجنب والحائض والنفساء/ طبع.
8 تحقيق لكتاب ابن العطار(الاعتقاد الخالص) يأتي في مجلدين/ على أبواب الطبع.
9المدارج النورانية في ما يلحق المسلم من ثواب بعد المنية/ على مشارف الطبع.
10 الإذاعة في أن التنطع والغلو والخروج على أئمة الجور محرم في ميزان أهل السنة والجماعة/ على أبواب الطبع.
11المجموع الحسن في الرد على دعاة الغلو والفتن.
12العشرية في حقوق الراعي والراعية.
13 الأقوال الواضحات في حكم الإضراب والاعتصام بالشوارع والمسيرات.
14جهود علماء المالكية في خدمة العقيدة الإسلامية
15غاية الأماني في شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني.
16فوائد وأحكام من موطأ مالك الإمام.
17 -النكت الحديثية والفقهية من سنن أبي دواد السجستاني.
19- خير الأنباء في أحكام الدماء عند النساء.
20- العدوان الصهيوني على لبنان؛ حقائق ومواقف. طبع
21- دعوة إلى الحكمة والتعقل. طبع
22-تحقيق شرح سنن أبي داود لابن رسلان الشافعي، ويأتي في أكثر من عشرة مجلدت.
وكتب أخرى وبحوث يسر الله إتمامها.
ولقد أثنى جمع من المشايخ على شيخنا أبي عبد الباري حميد أحمد العربي، ووصفوه بالمتانة في العلم، وسلامة العقيدة والمنهج:
قال عنه العلامة المحدث ربيع بن هادي في تزكية مكتوبة: (إنّ عبد الحميد من خيرة السلفيين عقيدة ومنهجا).
وقال الشيخ ربيع في مكالمة هاتفية مسجلة سميت بالتزكية الذهبية: (بارك الله فيكم والله أنا أرى أنه تلميذ نجيب، وأرى أنه عنده قدرة على الكتابة والكلام والبحث، رجل فاضل إن شاء الله وهو سلفي إن شاء الله لا يرتاب في سلفيته)
وقال كذلك حفظه الله: (بارك الله فيكم، وعرفته في كل فتنة يقف مع الحق،في أيام عدنان عرعور ردّ عليه وجاء أبو الحسن رد عليه والحين جاءت هذا الفتنة ووقف مع الحق، فالرجل ثابت إن شاء الله وَفَاهِمٌ)
وقال كذلك: (هو سلفي بارك الله فيكم). وقال عنه أخيرا لما قام بعض الدعاة السلفيين يشوشون عليه: (الرجل عنده دعوة عريضة في الجزائر يجب أن تتعاونوا معه)
وأثنى عليه الشيخ محمد باي بالعالم القبلوي الساهلي التواتي الجزائري رحمه الله وهو إمام مسجد وقائم على مدرسة بأولف ولاية أدرار، وكان الثناء على الشيخ أبي عبد الباري في مدينة ورقلة، وقال عنه بخطه: (الشيخ العلاّمة...).
وقد أثنى عليه كل من: الشيخ محمد بن هادي، والشيخ عبيد الجابري، والشيخ عبد السلام البرجس، وكان يصفه بقوة في الاستدلال، وأثنى عليه الدكتور يوسف الدخيل، وكان يقدمه في المجالس، وأثنى عليه الدكتور عبد الباري حماد الأنصاري، والدكتور صالح بن حامد الرفاعي، وأثنى عليه عبد المالك رمضاني في تزكية خطية كتبها بيده في مكتبة الحرم المدني وقال عنه: (من خيرة السلفيين الذين خبرتهم في طيبة الطيبة).
وقد أثنى عليه فضيلة الشيخ حسن عبد الوهَّاب البنا حفظه الله عند تقريظه لكتاب[دعوة إلى الحكمة والتعقل] لشيخنا عبد الحميد العربي حفظه الله
فقال عنه ((فإن الأخ في الله الشيخ أبو عبد البارئ عبد الحميد أحمد المسلم ديانة، والسلفي منهجًا، والجزائري وطنًا -سلمه الله-)) وقال ((ولا يفوتنا أن ننبه إلى أن فضيلة الشيخ المصنِّف –جزاه الله خيرًا- أتى بأدلة صحيحة وصريحة عن أئمة السلف محتّجين بالكتاب والسنة))
قلت ( أبوأنس ) :هذا يعتضد ويصدق قول الشيخ العالم عبد السلام البرجس رحمه الله إذا وصفه بقوة الاستدلال وشهادة العلامة المحدث ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تدل على هذا إذا قال: وأرى أنه عنده قدرة على الكتابة والكلام والبحث
وفق الله شيخنا أبا عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري الأثري إلى خدمة الإسلام والمسلمين، وجعله من العلماء العالمين، ورزقه البصيرة في الدعوة إلى الله، وأيده بالمخلصين من أبناء الأمة للنهوض بعبء تربية الجيل، وحمايته من الأفكار المدمرة، والوافدة على قيمنا وأعرافنا، وعصمه من دعاة الفتن والتشويش والحاسدين، وأبعد عنه كيد الماكرين، ونصره على مناوئيه بالحق المبين وما ذلك على الله بمتين. (من منتديات أهل الحديث السلفية بتصرف).
الغرض الأسمى من تأليف الكتاب
قال الشيخ حفظه الباري في الهامش ص 06
((وأصدرت الملخص في حينه نصرةً لمبدأ الصّلح والحوار الذي أراه سبيلا شرعيا لتضييق الخلاف، وفَهمِ منهجية المخالف، وتجفيف منابع العنف والتطرف، وكشف مخططات دعاة الإقصاء والتغريب، والدَّفعِ بدفة الاقتصاد نحو الأحسن والأسلم، ولم أصدره ولله الحمد والمنّة رداء وردءً للديمقراطية الغربية، أو تسترا على أصحاب الجرائم الجماعية كما سعت بعض الأطراف المغرضة والملوّثة بكفر التمرد إلى إظهاره، والله تعالى يعلم المصلح من المفسد.
كما إنني أُشهد اللهَ وملائكتَه، وكلَّ من وقف على هذا السِّفر من الإنس والجن: أنني أُبغض المنكرات الصادرة من الحكام والمحكومين، وأعوذ بالله من أن أجادل عن حُكّامٍ لا يحكمون بشِرعة الله، أو أحآج عن أقوام لا يرجون لله وقارًا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم سلمة الذي أخرجه الإمام مسلم: (ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرَف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع)، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلّوا).
ولأن الرضا بالمنكرات الصادرة من الحكّام ليس من صفات طالب العلم الرّزين الذي يسير على منهج أهل الحديث والأثر، كما بيَّن ذلك العلامةُ الشوكاني في جزئه أدب الطلب (ص106)، ولكنني زبرت ما سبكت في هذا الكتاب نُصرة لمنهج أهل الحديث الأبرار، وتبرئةً له مما ألصق به عنوة من عار، ونُسب إليه قسرا عبر وسائل الإعلام من غلو وتطرف وتشدد مقيت وشنار، رغبةً في إرضاء ربّ الأرباب، ودفاعا عن أئمة السُنَّة أساطين الإسلام أولي الألباب، وكلّ هذا جريا وراء الأجور من الباري جل وعلا لأنال بعونه تعالى تجارة لن تبور، فالنفس الشريفة دائما ترغب في اقتناص شوارد الأجور، والله تعالى ناصري فنعم المولى ونعم النّصير.))
وقال في نفس الصفحة ((لقد أصدرتُ ملخصًا لطيفًا لكتابنا هذا قبل أن يبديَ الشّعبُ الجزائريُ المسلمُ برأيه في الصُّلح الذي طرحَهُ حاكمُ البلادِ -أيّده الله بالحقّ- لجمعِ كلمة المسلمين، وتطهيرِ المجتمع من عوامل الدّمار، ورفع الضّغائن عنهم، بعد ما عصفت بهم الفتن، ومزقت روابطَهم الإحنُ، وطمعت فيهم دُوَّلُ الشرّ بعلة محاربة الإرهاب، ونشرِ الديمقراطية على تصورهم الغربيّ الكافر.
وبادرتُ بعون الله إلى إخراجِ الملخص في ذلك الوقت تغذيةً لعقولِ بعضِ الناّس التي ارتابت في مسألة الصّلح بين المسلمين بضوابطه الشرعية، وإزالة لشيء من الغشاوة عنها، ولفاتا لانتباهها إلى قيمة الصّلح وعلوِّ منزلته عند الله تعالى، وأنّه ضرورةٌ مُلِحّةٌ في عهد نخر الخلافُ المفتعلُ هيبةَ الأمةِ الإسلامية، واستنزف طاقاتِها، وأذهب بريحها، وأحدث فيها فجواتٍ عدةً تسرَّب من خلالها العفنُ إلى صرحها المهزوز، وصيَّره إلى كتلةِ نارٍ ملتهبةٍ، قال الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.))
من المستفيد من الكتاب ولمن ؟
قال في ص 07
أهديه إلى كلّ مخلص ومشفق على أمته، وحكيم في تعامله مع القضايا الشّائكة، وبصيرٍ بمنهج أهل الحديث في باب استفاء الحقوق واسترجاعها إذا غُصبت، ومدركٍ لعلم المصالح والمفاسد، وعارف بفقه المآلات، وخبيرٍ بخطورة ما يحاك لهذه الأمة في الظلام، وما يخطط لها في الخفاء كي تكون لقمة سائغة في أيدي دُوَّلِ الشرّ
حبَّ الوطن غريزةٌ متأصلة في النُّفوس السّليمة وإن سعى الفرق الحزبية إلى طمسها وإماتتها
إنّ حبَّ الوطن غريزةٌ متأصلة في النُّفوس السّليمة، وفطرةٌ جُبل عليها الخلق، تجعل المرء العاقل يستريح حين يعيش فيه، ويحن إليه عندما يغيب عنه، ويدافع عنه إذا هاجمه عدو صائل، ويغضب له إذا انتقصه المبطلون، ويصيبه الحزن والأسى حين يرى نيران الفتن تمزقُ أطرافه، والأفكار الفاسدة تلوث عقول أبنائه، والإرهاب الأعمى يقوض بنيانه، وينخر ويدمر اقتصاده، والطفيليون تحت غطاء المنصب يبتزون أمواله، ويَعدلون باقتصاده عن مساره الشرعي والوطني إلى فيافِي الرشوة وقفار الفقر، ويتألم حين يجد القوانين الوضعية والجائرة والخاطئة تنافس الشريعة الغراء وتزاحمها، وتضر بمآل الفرد في عاجل أمره ويوم مِعاده، وحملات اليهود والنصارى المسمومة تُشين سمعته، وتَطعن في ثوابته، وتسعى إلى غرس بذور الفتن في ربوعه، كما هو الشأن في الشرق الأوسط والعراق الجريح.
أقول (أبوأنس ) : ولهم أيادي تساعدهم على مخططاتهم المسمومة المدمرة في أراضي الإسلام من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا تحت غطاء الأحزاب (1) : إسلامية كانت أو علمانية-؛ سَعت بقصد أو بغير قصد وأحلاهما مرّ -من خلال مشاريعها المخرومة- إلى طمس وإماتة الغريزة الطيّبة التي خلقها اللهُ في العباد اتجاه أوطانهم، فنمَّت في عقول بعض الشّباب فكرة التمرد، والمعارضة من أجل المعارضة، والمخالفة من أجل الظهور، وغرست فيهم الحسّ بالغربة في الوطن الأم، والعزلة الشعورية، والتنكّر لكل ما هو أصيل، فتجد الشابَ الغارقَ في أفكار حزبٍ من الأحزاب يمر على أقوام قائمين على إفساد مشروع حضاري يعود نفعه على الجميع، وكلّف الدولة الـملايين من الدولارات، أو يمر على جمع من النّاس يطوفون بقبر ويذبحون عند عتبته القرابين؛ فيسلم عليهم!، وقد يقول لهم بلهجة أهل البلد: (الله يعينكم)!، ولا تتحرك له شعرة مِن خُبث ما يصنع القوم، ولا يفكر بالاتصال بالجهات المسئولة عن قمع أمثال هؤلاء، فوالله لو تَركَ الأحزابُ الناسَ على فطرتهم السليمة لكانت كافية إن شاء الله في حماية الوطن من الشّرك، والإلحاد، والبدعة، والأفكار المتطرفة، والإرهاب، والتنصير، وفكر الاستئصال، والعنف الأعمى، والجريمة المنظمة، وترويج المخدرات، وغيرها من الأعمال السيئة والباطلة.
وقال بارك الله فيه في ص 21ـ 23 :
وإنني لاحظت بعد سبر وتأمل أنّ كثيرا من شَّبابنا المساكين؛ -الذين كانوا على فطرة سليمة، وطبعٍ قابلٍ لحمل الحق ونصرته، وهمة عديمة النظير في طلب العلم الشرعي وما يوازيه من الكوني، وتطلع مُشرق لبناء أوطانهم، ورفع الجهل عنها-، هلكوا حين خالطوا أهل الشُّبهات والهواجس، وسلّموا سمعَهم لكلّ مُتكلم ومدلِّس، وأضحوا عاكفين على شرائط الفيديو للأحداث الأفغانية الزائفة والملفقة، والمعارك الشيشانية والخاصة بإقليمهم والآنية، والفتن العراقية الدامية، والمكسوّة بلباس الطائفية النتنة، وغدوا من المتصفحين للمجلاَّت الهالكة في طرحها، ومواقع التكفيريين والروافض الأنجاس، والإباحيين الأرجاس على شبكة الإنترنت العالمية، ومن الساهرين على مطالعة كتب أهل الفكر المنحرف، ككتب سيد قطب المصري، وأبي قتادة الفلسطيني، وأبي بصير الخارجي، وأبي محمد المقدسي الأردني، ومصطفى شكري المصري، وعمر عبد الرحمن المصري، وكتب الشيعة الضلال، وكلّ ثورِيٍ ثائر وضيق الصدر على أُمته الضعيفة، والنّاس أسراب طير يتبع بعضها بعضا، حتى ولو ظهر لهؤلاء الشّباب المساكين من يدّعي النبوةَ مع اعترافهم بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، أو من يدّعي الربوبية لوجدت على ذلك أتباعا وأشياعا والله المستعان، ولما أضحى حال الشباب كما عرفت فسد طبعُهم، وتغير مزاجُهم، وقلصت أنفسهم عن طلب الحقّ، وتغيرت فطرتهم، وقفست فيهم الغيرة على الأوطان إلا من رحم الرحمن، وصاروا ولا حول ولا قوة إلا بالله كالشاة العائرة يتململون بين الحق والباطل، وأمسوا بعد ما تلوثت فطرُهم بفكر دعاة الخروج والعصيان المدني يغمزون في علماء أهل الحديث والأثر بعبارات خفيّة وسامّة وجارحة، ويُجهدون أنفسهم كلّ الجُهد في جمع عرفيج أهل الباطل والأهواء في أهل الحق ليسقطوا هيبتهم، ويشوِّشوا على أنصارهم من طلاّب العلم النجباء بالأضمات والأباطيل، بل؛ وكأنّهم حُقنوا بمصل البغض والحقد على أهلّ الحديث والأثر وحُكّامهم المسلمين، وجُنِّدوا لمحاربة كلّ حكيم وعاقل يخاف على ثوابت أمته أن يُعبث بها، أو أن تصير في أيدي أهل الشّرور والفتن يوظفونها في خدمة إبليس وأعوانه، والله العاصم من كيد أهل الضلال.
وصدق ابنُ قيّم الجوزية رحمه الله حين قال: (إنّ العبدَ إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله، أكسبه ذلك تحريفا للحقّ عن مواضعه) إغاثة اللهفان 1/55
ـ الطريق والسبيل أنجع وأنفع للنجاة من سبل الحزبية الماكرة الخداعة
قال الشيخ الناصح الأمين في ص 20ـ 21
إنّ الواجبَ على من أراد لنفسه السّلامة من كُلّ داءٍ وعاهةٍ الحذرُ كلّ الحذر من الأسباب التي تصده عن قبول الحق والانقياد له؛ فإن الحفاظ على نقاوة الفطرة من كل خادش، والتي هي الشّاهد على البيّنة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم مكسبٌ عظيم للمسلم، وعلامةُ فوزه ونجاحه في الدنيا، لأنّ العبد إذا بقي مطبوعا على قصد الحق فإنّه بإذن الله تعالى سيؤثره على غيره من الهواجس البشرية التي لا دليل يدل على صدقها ونفعها للإنسانية.
قال أبو محمد بن حزم رحمه الله: (أفضل نعم الله على العبد أن يطبعه على العدل وحبه، وعلى الحق وإيثاره).جزء مداواة النفوس ص 31
وقال ابنُ قيّم الجوزية رحمه الله: (فإنّ الكمال الإنساني مدارُه على أصلين: معرفة الحق من الباطل، وإيثاره عليه، وما تفاوت منازل الخلق عند الله تعالى في الدنيا والآخرة إلا بقدر تفاوت منازلهم في هذين الأمرين، وهما اللذان أثنى الله سبحانه على أنبيائه بهما في قوله تعالى: "وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ"، فالأيدي: القوة في تنفيذ الحق، والأبصار: البصائر في الدين، فوصفهم بكمال إدراك الحق، وكمال تنفيذه) الجواب الكافي ص 139
وقال في ص23 ـ 24 : ولهذا يجب على شباب الأمّة الإسلامية جميعا أن يتجنَّبوا عوامل فساد الفطرة، وأن يبتعدوا عن بؤر أهل الأهواء من الخوارج والروافض وأذنابهم، وأن يرتووا من العلم الشرعي الصّافي من الشوائب والعلائق، والمغذي للفطرة السليمة، والمأخوذ من مشكاة النبوة على فهم السّلف الأخيار، كي يتهذب سلوكُهم للسّير على طريق العبودية بإذن الله تعالى، ويتضح حالُهم المشرقُ للموالي والمعادي، وتقوى هممهم لبناء أوطانهم على أساس العلم النافع والعمل الصالح، وأمارة ذلك التأدبُ بآداب الإسلام، والوقوفُ مع الحق وتحكيمُه ظاهرا وباطنا، والمسيُر معه حيث سار بهم ركابُه، والاعتدالُ والاتزانُ في الأقوال والأفعال والأحوال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فمتابعة الآثار فيها الاعتدال والائتلاف والتوسط الذي هو أفضل الأمور) القواعد النورانية ص 49
قال العلاّمة محمدُ البشير الإبراهيمي رحمه الله تعالى كما في عيون البصائر (2/291): (2) (أوصيكم بالابتعاد عن هذه الحزبيات التي نجمَ بالشرّ ناجمُها، وهجمَ -ليفتك بالخير والعلم-، هاجمُها، وسجم على الوطن بالملح الأُجاج ساجمُها، إنّ هذه الأحزاب كالميزاب؛ جمع الماء كدرا وفرقه هدرا، فلا الزّلال جمع، ولا الأرض نفع).
ولاء المسلم لوطنه يكون من أجل الإسلام الذي فيه لا للقومية الجاهلية ولا لأي طائفة الحزبية ،ومن لوازم هذا الولاء الصحيح النقي السني السلفي السعي في بناء هذا الوطن الإسلامي
قال الشيخ حفظه الله في ص 12
إنّ الوطنيةَ صفةٌ قائمةٌ بكلّ حريص على وطنه، وهي: العاطفة المنضبطة بالشّرع الحكيم والعقل السليم التي تُعبِّر عن ولاء المرء لبلده، والمقصود هنا أن يكون ولاء المرء المسلم لبلده من أجل كلمة التوحيد الظاهرة، وشرائع الدين المطبقة من صلاة وصوم وزكاة، وإن كان يعتري وطنَه بعضُ النّقص، وظهرت فيه بعض الكبائر؛ اجتهد بالعلم والحكمة في تكميل النّقص، ورفع الجهل عن أبنائه، وتحذير أبناء الأمة من أضرار البدع والمعاصي على اقتصادها وأخلاقها وقيمها، مجنبا وطنه كُلّ أسباب الضَعف والفُرقة، مراعيا مقصد الشّرع من جلب المصالح ودفع المفاسد، بعيدا عن أسلوب التهييج والعصيان المدني، بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وقال في ص 14 : ومن لوازم محبّة الوطن، أن يُشارك الجميعُ في بنائِه، وتعليمِ أبنائه، وتوجيههم الوجهة الشرعية المستقاة من الكتاب والسّنة على فــــهم السّلف الصّالح.
فالمُعلمُ مسؤولٌ عن التّعليم والتّوجيه في ميدان عمله، سواء كان يعمل في المرحلة الابتدائية، أو في غيرها، ومُوَّكلٌ بالإبداع في تطوير البرامج التعليمية، ومُثابرٌ في تنمية ملكة الطلاب، وتحسين ذكائهم.
وطلبةُ العلم الشرعي عليهم مسؤولية ثقيلة في نشر العلم الصحيح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعلم والحلم، والموعظة الحسنة، وتوجيه الأمّة الوِجهة الصّحيحة، ووعظهم بالحسنى للتي هي أحسن وأقوم.
وأئمة المساجد مطالبون أولاً: برفع مستواهم العلمي حتى يتسنى لهم تربية الجيل تربية روحية متينة، عمودها الكتاب والسنّة على فهم السّلف، فإنني وللأسف الشديد أصلي أحيانا وراء بعض أئمة المساجد فأجد الإمامَ الخطيبَ في وادٍ، والمصلين هائمين في واد آخر، وآلف خطبته سيئة للغاية لا تحمل علما ولا هدفا، وأجده ضعيفا في حفظ القرآن، وهزيلا في اللغة العربية، وغائبا عن قضايا أمته الهامّة، لا يفرق بين حديث صحيح وآخر ضعيف، وناشطا في إيقاد نار الفتنة بين طلاب العلم وكبار السّن، وغارقا في البدع وبعض الشركيَّات، وأجده يتقوَّتُ من كتابة التمائم البدعية والتدليس على النّاس، وهذه الحالة المؤلمة والمزرية لا تخدم الأمة، ولا ترفع عنها الغمّة، بل تزيدها ارتكاسا في الباطل، وبعدا عن جادّة الصّواب، فعلى أئمة المساجد-وفقهم الله إلى نفع المسلمين- أن يُنَمُّوا مادتهم العلمية بالمثابرة على قراءة كتب السّلف في جميع الفنون، وأن يجتهدوا في مزاحمة العلماء بالركب إذا سنحت لهم الفرصة؛ إذا أرادوا رفعَ الجهل عن أنفسهم وأبناءِ أمتهم، وبناءَ أوطانِهم بناء متينا.
وأصحابُ القلمِ في الصُّحف والمجلات، ورُوّادُ التأليف وصُنّاعُ الكتابة، لهم وظيفة كبرى، وهامّة في تعليم الأمة، وحمايتها من الأفكار الوافدة
إلى أن قال ص 16 : ولا أنسى جُهد التّاجرِ ورجلِ الأعمال، إذ المال له نصيبٌ بالغٌ في بناء الأوطان، وعِزّةِ أهله، ونشرِ الكلمة الطيبة، وذلك بالمساهمة في طبع الكتب النافعة وتوزيعها على الفقراء والمساكين، وبالاعتناء بطلبة العلم النجباء وتفريغهم للبحث والدراسة والدعوة إلى الله، وبجلب مختلف ولا أنسى جُهد التّاجرِ ورجلِ الأعمال، إذ المال له نصيبٌ بالغٌ في بناء الأوطان، وعِزّةِ أهله، ونشرِ الكلمة الطيبة، وذلك بالمساهمة في طبع الكتب النافعة وتوزيعها على الفقراء والمساكين، وبالاعتناء بطلبة العلم النجباء وتفريغهم للبحث والدراسة والدعوة إلى الله، وبجلب مختلف
فائدة في بيان المقصود بالوطنية: قال في ص 12: إنّ الوطنيةَ صفةٌ قائمةٌ بكلّ حريص على وطنه، وهي: العاطفة المنضبطة بالشّرع الحكيم والعقل السليم التي تُعبِّر عن ولاء المرء لبلده
وقال في ص 13: فالوطنية إذا هي: قيامُ الفرد المسلم بحقوق وطنه المشروعة في الإسلام بدافع الشّرع والفطرة.
ـ لا يتم هذا البناء ويعلو وينمو ويستقر له قرار إلا بالتحلي بالرحمة والتسامح والعفو والتواصي أهل الإيمان فيما بينهم على ذلك
قال الشيخ ص 50 ـ 53
إنّ الرحمةَ في الإنسان رقةٌ تقتضي الإحسانَ إلى المرحوم، والنعمة على المحتاج، والحنوّ على المسكين، وهي كذا عاملٌ للتخلص من جميع أنواع الآفات والأمراض، من حقد، وحسد، وكره، وبغضاء، وحبٍ للانتقام، ومطالبة بالثأر على طريقة أهل الجاهلية، ومَن وقف على سيرة النبيّ صلى الله عليه وسلم بصورة علمية وإخلاص خلَّص نفسه من هذه الشرور، ورباها على معالي الأمور، فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه بسنده إلى أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبيّ صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ قال صلى الله عليه وسلم: (لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عَرضتُ نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلاّ وأنا بقرن الثّعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال: إنّ الله عزّ وجلّ قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلّم ثمّ قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا).
رحمةٌ، وأملٌ، وعفوٌ، وانشراحُ صدر،... هذا هو منهجُ الأنبياء في الصّبر على الخلق ولو كانوا مشركين، والرحمة بهم، مليء بالأمل وبُعد النظر، وبعيد عن حب الانتقام، والرغبة في الإبادة الجماعية.
فأين من ضاق أفقهم هداهم الله، وقست قلوبهم فصارت كالحجارة أو أشدّ قسوة حين كفّروا أبناء المسلمين بالكبائر و ما توهموه أنه من نقوض الإسلام، ثم ذبّحوهم وقتّلوهم من فقه هذا الحديث العظيم؟.وأين الذين أبادوا قرى وبيوتا بالشّبه والأهواء؟.
وأين الذين اتخذوا التفجيرات الجماعية في ديار المسلمين وسيلة من وسائل الجهاد؟ وإذا سئلوا عن الأبرياء من المسلمين الذين لا ناقة لهم ولا جمل بأي ذنب مزقت أشلاؤهم؟، قالوا: يبعثون يوم القيامة على نياتهم!، والله المستعان.
وأين دعاة الإقصاء والتغريب باسم الوطنية، والهيمنة على الأخضر واليابس من أنوار هذا الحديث الشريف، ومن مبدأ التراحم والتّواد، وتجاوز الخلافات المفتعلة، والاقتناع بأن الجزائر الغراء حررها الجميع وسيبنيها الجميع ويعيش فيها الجميع، في جوّ من التوافق والتناصر، والتحاور بالعلم والحكمة، بعيدا عن سياسة فرض الرأي الاجتهادي بقوة الكرسي والمنصب، وإسكات أفواه أهل الحق من منطلق العنجرية، والنظرة الأحادية من غير فقه، ولا فهم ولا وعي ولا رويّة؟.
وقال في ص 202 ـ 203
فعلى كل مسلم أن يكون دائما مشاركا في هذه الحياة بنفع إخوانه، مسابقا في ميادين الإصلاح والعمل المثمر، مسارعا إلى ما يؤلِّف القلوب ويرفع عنهم البغضاء والشحناء، مثابرا على رفع مستوى أمته لتكون خير أمة أخرجت للناس، وبذلك يسمو بين الورى بحسن الثناء ويسعد في آخرته عند الله بالأعمال الصالحات، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، وصدق الشاعر حين قال:
لا تزهد الدهر في عرف بدأت به * كل امرئ سوف يجزى بالذي فعلا
إنّ الثناء ليحيي ذكـر صاحبـه * كالغيث يُحيي نداه السهل والجبلا
وعلى الـمُصلِح أن يكون الإخلاصُ هو الدافع له على الصّلح وجمع كلمة المسلمين، لقوله تعالى: (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا"، وأن يكون صلحه سائرا تحت لواء الشريعة الغراء فلا ضرر ولا ضرار، فلا ينفذ صلحا مخالفا للسنة أو قائما على دعائم الظلم والجور، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم المؤمنين عائشة: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم، فصلحٌ هذا وصفه يكون مردودا على صاحبه، لعدم صحته، وقد ردّ صلى الله عليه وسلم الصّلحَ الباطل في قصة العسيف حيث قال صلى الله عليه وسلم: (أما الوليدة والغنم (التي اصطلحتم عليه) فرد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام) رواه البخاري ومسلم.
فيا أيها المسلم الحذق الذي وقع في مشكلة مع أخيه المسلم، أو مع دولته، أو مع رجل ليس على ملته تمسك بالصلح العادل لما فيه من خيرٍ كثيرٍ، ومن جمع للكلمة، وحقن للدماء، وإرجاع للحقوق، وإغاظة لأعداء الله، ومن أعظم الأدلة على ذلك قصة صلح الحديبية الذي ظاهره النّقص، والضرر على المسلمين، وفي باطنه ما تجلى من المنافع العظيمة التي ظهرت لكل واحد بعد فترة قصيرة من الزمن، وأعظم ذلك فتح مكة
ـ بل ما شرع الجهاد أهل الكفر بالسنان والسيف إلا رحمة بهم
قال وفقه الله في ص 53 ـ 54
ومن النكت المليحة أنّ الإمام أبا داود السجستاني صاحب السُّنن أورد حديث عبد الله بن جعفر، وحديث سهل، وحديث أبي هريرة، في كتاب الجهاد من سننه، فقها وفهما منه رحمه الله أن الجهاد الذي شرعه الله في كتابه وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته بابٌ من أبواب الرحمة لكل ذي كبد رطبة، ووسيلة شرعية لتوسيع رقعة الإسلام والذبّ عنه، وأصل عظيم لإخراج البشرية من ظلمات الشرك والأهواء إلى نور الإسلام وسماحته، وليس كما يتصوره جمعٌ من البشر ممن امتلأت قلوبهم بالشبه والحقد على الخلق؛ أنه مجرد قتل، وذبح، وقطع للرؤوس بالفؤوس!، وتفجير لديار المسلمين؛ واعتداء على المعاهدين والمستأمنين؛ من غير سياسة شرعية حكيمة، وأهداف صالحة سطرها العلماء الأبرار، ونفذها ولاة الأمور الأخيار.
فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: (لأعطينّ الراية غدا رجلا يُفتح على يديه، يحب الله ورسولَه، ويُحبه اللهُ ورسولُه)، فبات النّاس ليلتهم: أيّهم يُعطى، فغدوا كلّهم يرجوه، فقال صلى الله عليه وسلم: (أين علي؟) فقيل يشتكي عينيه، فبصق في عينيه ودعا له فبرأ، كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال [عليّ] أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (انفُذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعوهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فو الله لأن يهدي بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم).
وفي حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم (برقم 2405)؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: (لأعطينّ الرّاية رجلا يحبُّ اللهَ ورسوله، يفتح الله على يديه)، قال عمر بن خطاب: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، فتساورت لها رجاء أن أُدعى لها، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب، فأعطاه إياها وقال: (امش، ولا تلتفت، حتى يفتح الله عليك)، قال: فسار عليٌّ شيئا ثمّ وقف ولم يلتفت، فصرخ يا رسول الله! على ماذا أقاتل الناس؟ قال صلى الله عليه وسلم: (قاتلهم حتّى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم، إلا بحقها، وحسابهم على الله).
قال الحافظ ابن حجر في الفتح عند قوله صلى الله عليه وسلم (فوالله لأن يهدي الله بك رجلا): (يؤخذ منه أنّ تألُّف الكافر حتى يسلم أولى من المبادرة إلى قتله).
إنّ الجهادَ الكريمَ عبادةٌ شُرِع لدعوة الخلق إلى شهادة أن لا إله إلا الله كما جاء في الحديث (ثم ادعوهم إلى الإسلام)، وتحذيرهم من مضار ومهالك الشّرك كما مرّ بيانه وليس القتلُ غايةً من غاياته الأسمى.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (فالمقصود بالجهاد أن لا يعبد أحدُ إلا الله، فلا يدعو غيره، ولا يصلي لغيره، ولا يسجد لغيره، ولا يعتمر ولا يحج إلا إلى بيته، ولا يذبح القرابين إلا له، ولا ينذر إلا له، ولا يحلف إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يخاف إلا إياه، ولا يتقى إلا إياه..)(مجموع الفتاوى 35/368).
ـ تنبيه : أما الجهاد البدعي التكفيري القطبي المبني على وحشية وإبادة البشرية ليس من الإسلام في شيء وأن له ذلك بل هو يخدم أعداء الإسلام من اليهود والنصارى و نظرية (هرمجيدون)
قال الشيخ ص 55 ـ 57
قلت: إنّ العناصر التي تنادي بالجهاد المقدس على مفهومها الفلسفي في الدّيار الإسلامية؛ والتي اتخذت من الجبال والمغارات قلعة لها، ومن فكر ابن لادن وأتباعه الملوثين بالشبه، والقانطين من رحمة الله منهجا وطريقا تحقق به الكرامة للبشرية، وتطهر به الأرض من رؤوس الطواغيت على مفهومهم؛ لا تفرق بين الفساد والإفساد في الأرض، ولهذا انطلق هذا النوع من الخلق في إبادة البشرية من فساد منهجهم العقدي، وبوار تصورهم للقضايا العادلة، وسوء إنزالهم للأحكام الشرعية على الخلق؛ كالحكم على الفرد بالردة والكفر لمجرد ارتدائه للهندام العسكري؛ إلى الإفساد في الأرض، وإثارة الفتن، وإزهاق أرواح الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في اتخاذ القرار وتغيير الأحوال، كما هو مشاهد وملحوظ في كثير من الدول الإسلامية، والله العاصم من لهيب أهل الشرور والفتن.
إنّ سفهاء الأحلام، وحدثاء الأسنان -هداهم الله إلى الحق- لا لشوكة الفلاسفة الأشرار كسروا، ولا لحصون الكفار فتحوا، ولا لراية الإسلام الطاهرة رفعوا ونصروا، بل مساكين! يسيرون بلا راية ولا دراية، مع جهل مطبق بأحكام الشريعة في باب السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، بلهاء! يعدُّون التعرض لشرطي مُسلم خرج من المسجد بالقتل، ولعجوز طاعنة في السن تسوق قطيعا من الغنم بالذبح؛ الجهاد الشريف!! الذي يحرر الأوطان، ويُعيد الخلافة الراشدة، ويزلزل ديوان الأمريكان!.
وقد قيل: لكلّ داءٍ دواء يستطبُّ به-- إلاّ الحماقة أعيت من يداويها.
ولو كان المغررُ بهم ومَن وراءهم أصحابَ عقول ناضجة لأدركوا أن انقسامهم على أنفسهم في الغابات والكهوف إلى فرق متناحرة، يكفر بعضها بعضا، ويقتل بعضها بعضا؛ وانتقالهم من اسم إلى اسم، وخطة سيئة إلى خطة أسوأ من الأولى؛ دليل ساطع على أن المنهج الذي يسلكونه في نصرة الإسلام ليس هو من عند الله تعالى، وأنّ الأعمال التي ارتكبوها في حقّ من حكموا عليهم بالردّة ظلما وزورا، لم ينتفع منها الإسلام والمسلمون قدر شعرة، بل؛ لو كان عندهم مِسكةٌ من عقل لأبصروا أن الطريق المظلم الذي يسيرون عليه من نتاج عقولهم الفاسدة، وفتاوى المشبوهين الكاسدة، وهو حكم بغير ما أنزل الله عينه الذي يحاربون الحكومات الإسلامية من أجله، قال تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾، وقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾.
فالله أسأل أن يُعيد للشباب المغرر بهم عقولهم، وأن يرزقهم التوبة النصوح، وأن يُنقذهم من شباك أهل الأهواء الذين يتاجرون بمصيرهم، ويتلاعبون بعقائدهم تحت شبهات عمياء، وشعارات جوفاء بعيدة عن المعقول والحقيقة، وأن يوفقهم للعلم النافع الذي به يبيدون شبهات أهل الأهواء، وبه يستظهرون بكتاب الله على كلّ ما سواه، ويفارقون المستظهرين على كتاب الله من المبتدعة والخوارج المخذولين الأشقياء.
وقال في ص 71 ـ 72
جاء في كتاب (الدين في القرار الأمريكي) لمحمد السمّاك (ص50): (كان الرئيس الأمريكي الأسبق ريغان، وهو من المحافظين يقول: إنّه يتمنى أن يمنّ الله عليه بشرف كبس الزر النووي لتحقيق إرادة الله في وقوع (هرمجيدون)، ومن ثم بعودة المسيح، والرئيس بوش الابن نفسه يقول: إنّ الحرب على العراق هي مهمة إلهية، يقوم بها مِن أجل عالَم أفضل).
والملاحظ أن السمّاك هذا متخصص في دراسة الأصولية الأمريكية، وهو مترجم لكتاب: النبوءة والسياسة، (prophecy and politics)، وكتاب: يد الله (forcing Gods Hand)، للمؤلف جريس هالسل (Grace Halseell)، والتي انتشرت في أمريكا على أنها صوت قوي في قول الحقيقة عن الأصولية الأمريكية.
إن الإيمان بحتمية معركة (هرمجيدون) التي تسبق على اعتقاد المحافظين الباطل العودة الثانية للمسيح، يعني بالضرورة عند النصارى الأشرار تعطيل كلّ ما من شأنه ينشر السلام في الأرض، ويقوي أعمدة الأمن في ساحة الأمم، ويطفئ بؤر التوترات الملتهبة في العالم، لهذا نجدهم يدفعون الشرق الأوسط بصورة مستمرة نحو الاضطراب والحروب، ويغذّون كلّ فتنة تَنبت في ديار المسلمين بتزويدها بالمال والعتاد، وإيواء قادتها المتورطين في أعمال إجرامية وتخريبية تحت مظلة "المحافظة على حقوق الإنسان"، كما هو الشأن في العراق، وبعض الدول الإفريقية، فالسّلام واستتاب الأمن، واستقرار الأنفس يعطل عند المحافظين النصارى نظرية (هرمجيدون) وبالتالي يؤخر عودة المنتظر على اعتقادهم الفاسد، وبهذه النظرية الكافرة وقع التشابه بينهم وبين الرافضة الأنجاس، ولهذا نجدهم يؤازرون جيش مقتضى الصدر في كربلاء في الخفاء للنقاط المشتركة بينهم، وإن تظاهروا بحربه في العلن، فالقوم يشربون من كنيف واحد.
إن الذي يصنعه الثوار في ديار الإسلام باسم الجهاد، وهو ليس من الجهاد في شيء؛ يخدم النظرية الأصولية للنصارى، ويقوي ركائزها، وفي المضمار نفسه يخدم عقائد الرافضة الأنجاس، التي تصب جميعا في قالب واحد: كلما كثر الهرج والمرج، وغاب السّلم والسّلام قرب ظهور المنتظر.
وأما الجهاد الشريف والشرعي الذي يتمناه كل مخلص، ويتبناه أهل السّنة والجماعة صدقا وحقا في مكانه وزمانه؛ فما أظن يعرف رؤوسُ الفتن أصولَه، ويرضى الغرب والرافضة ظهوره.
وإنني أقول والله المستعان: إنّ الذي صنعه دعاة الإرهاب في وطني الجزائر باسم الجهاد، وأشاعوا أصوله الفاسدة بين الناس؛ قد آزر ما يصنعه الأمريكان في العراق، ورسخ فكرة (هرمجيدون) في أنفس المحافظين النصارى، وشجعهم على المضي قدما للتحرش ببعض الدول الإسلامية، والله الهادي إلى سواء السبيل.
ـ من صور التسامح والعفو والإصلاح ما دعا إليه فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ـ وفقه الله لكل خير ـ حاكم بلاد الجزائر الحبيبة من الصلح وأعانه على ذلك المصلحون من أهل الوطن وتبناه الشعب الجزائري المسلم بأغلبية ساحقة
قال فضيلة الشيخ عبدالحميد ـ حفظه الباري ـ مبينا موضحا شارحا فقه هذا الصلح بعلم وعدل الدال على فقه ومعرفة الشيخ بالواقع أحداث الجزائر لله دره
قال في ص 61 ـ 64
إنّ المصالحة الوطنية، والصّلح الذي دعا إليه حاكم البلاد حفظه الله، والمصلحون من أهل الوطن، وتبناه الشّعبُ الجزائري المسلم بأغلبية ساحقة، مشروعٌ بلا ريب ولا نزاع ولا اضطراب، على غرار ما تُروِّج له بعض الجهات من الشكوك والظنون، وعلى خلاف قولِ بعض النّاس أن في المصالحة تعطيلا للحدود، وإقرارا لمنهج الخوارج؛ وتسترا على أصحاب الجرائم الجماعية، وإهدارا لحقوق الإنسان، وحُكما بغير ما أنزل الله، وتكريسا لمبادئ الديمقراطية الكافرة، فهذا شيء غير وارد في أصل الصّلح الذي نحن في صدد تحرير أبوابه بشيء من الإيجاز، ولم يقل به أحدٌ من العقلاء، ولم يرد تأييده في جزئنا ولو بأدنى إشارة، بل؛ الحدود معطلة قبل المصالحة بأحقاب، ولعلها لا تطبق بعد المصالحة إلا أن يشاء الله، ومنهج الخوارج كلاب النار منبوذ وباطل إلى قيام الساعة، وأن الحكم لله تعالى في الشؤون كلها لقوله جلّ وعلا في سورة الأنعام: ﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾، ولقوله سبحانه وتعالى من نفس السّورة: ﴿ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ ولقوله تعالى في سورة يوسف: ﴿وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ ولقوله تعالى من نفس السورة: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾، ولقوله تعالى في سورة القصص: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، وأن الديمقراطية الشمطاء والانتخابات العمياء ليست ميزانا منضبطا لمعرفة الحق، وتقديم الصالح، ودرء المفاسد وجلب المصالح، وأن العودة في القضايا المصيرية والحوادث النازلة إلى أهل الفضل من العلماء، وأن أبناء الأمة من الشعب تبع لهم فيها؛ وغاية ما في الأمر أن حاكم البلاد حفظه الله أراد وضع حدّ لمأساة عفنة، وشائكة، ومتشابكة الأطراف، ومشبوهة الأهداف؛ بمشروع شرعي لا يدّعي فيه الكمال، وهي المصالحة بين الدولة المسلمة والمتمثلة في مؤسساتها الثابتة وبين المغرّّر بهم والمتأولين الذين اتخذوا العمل المسلح وسيلة لقيام دولة الإسلام على تصورهم الخاطئ، أو لاسترجاع ما كسبوه من بوابة الديمقراطية في التسعينات، وهذا المشروع الذي طرحه حاكم البلاد لا ينازع فيه إلا أخرق، ولا يرفضه إلا بليد ضيق النظر والصدر، لا تهمُّه مصلحة الأمة، وسُمعة الإسلام في خضمّ الصراعات الدولية، والتُّهم المتسلسلة للأمة الإسلامية.
وقد جاء تأييدي لمشروع حاكم البلاد على ما فيه من نقص من باب التعاون على البر والتقوى، والتناصر لتقليل الشر ما أمكن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في سياق كلامه على نوعي التعامل مع الولاة من مجموع الفتاوى (28/283-284): (الأول: تعاونٌ على البر والتقوى: من الجهاد، وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وإعطاء المستحقين، فهذا مما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن أمسك عنه خشية أن يكون من أعوان الظلمة؛ فقد ترك فرضًا على الأعيان، أو على الكفاية، متوهمًا أنه متورع، وما أكثر ما يشتبه الجبن والفشل والورع، إذْ كلُ منهما كَفٌّ وإمساك...[إلى أن قال رحمه الله]: فإن مدار الشريعة على قوله تعالى ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ المفسر لقوله: ﴿ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾؛ وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) أخرجاه في الصحيحين، وعلى أنّ الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع المفسدتين مع احتمال أدناهما: هو المشروع).
وقال رحمه الله في منهاج السنة (6/118 تحقيق محمد رشاد سالم): (فالأقَلُّ ظلمًا ينبغي أن يعاون على الأكثر ظلمًا، فإنّ الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، ومعرفة خير الخيرين، وشر الشرين، حتى يُقَدَّم عند التزاحم خير الخيرين، ويُدْفَع شر الشرين، ومعلوم أن شرّ الكفار، والمرتدين، والخوارج: أعظم من شر الظالم).
وأما ما يتعلق بتفاصيل المصالحة الدقيقة، وكيفية استيفاء الحقوق فهذا أمر يعود إلى ولي أمر البلاد ومن اصطفاهم من أهل الحلّ والعقد من علماء الشريعة والقانون، والله ولي التوفيق.
تنبيه لابد منه: قد تحفّظ بعض رجال القانون وحقوق الإنسان من مشروع المصالحة وقالوا: ينبغي أولا؛ تحديد المسؤول عن أسباب الأزمة التي عصفت بالبلاد، وأن المصالحة لا تكون إلا بالمكاشفة والمصارحة، وعلى معطياتها تكون المصالحة، وذلك حتى لا تتكرر المأساة مرة أخرى، ونضع حدا نهائيا للفوضى التي عصفت بالديار.
أقول وبالله التوفيق: لقد نظرت في مراجع بعض رجال القانون فوجدتهم يقيسون محنة الجزائر على بعض الحروب الأهلية والعرقية التي مزقت بعض الدول، كما هو الحال في جنوب إفريقيا، وعليها سنوا ميثاق المصالحة والحقيقة، وقد اعترف كثير من البيض بجرائمهم في حق السود، إلاّ أن نلسن منديلا قد حثّ المظلومين إلى تجاوز الخلاف، وبناء دولة قوية يسودها القانون، وكذلك ما حدث في أمريكا اللاتينية؛ كدولتي البرازيل، والبيرو، وهذه الأخيرة التي عاصمتها ليما قد مرت بها إحن، نجم عنها ألاف من المفقودين والقتلى، وكانت رحى الحرب تدور بين حركة الدرب المضيء، وسلطة مكافحة الإرهاب، وبلدة سوكوس شاهدة على حجم الدمار الذي أصاب الشعب البيروفي، ولكن الذي فات بعض رجال القانون أن ما دار في هاتين الدولتين ودول أخرى نصرانية يختلف جذريا عن محنة الجزائر المسلمة، سواء من حيث طبيعتُها، أو أسبابُها، ودوافعُها، ولهذا لا يعقل أن نقيس الجزائر المسلمة على البيرو النصرانية مع تباين العلل، واختلاف الأسباب.
هذا أولا، وثانيا: لا يمكن أن يبقى الشعب الجزائري المسلم في دوامة تقاذف التهم، والبحث عن الجاني الأول، ودماء المسلمين تسيل كشلال منهمر، ونار الفتنة تعربد من تحت أقدامهم، والدولة بمؤسساتها سائرة إلى الهاوية، والدول العظمى الكافرة تتربص بها الدوائر، والطفيليون يبتزون أموال الأمة، و... وعليه: فالعاقل الفطن يسعى أولا: إلى حقن دماء المسلمين، وإطفاء نار الفتنة بشتى الأساليب الصالحة، ولو مع شيء من التنازل عن الحقوق، مكسوة بالتسامح والرحمة، وفي نفس الوقت يُعدّ مشروعا متكاملا لمنع من تكرار ما حدث، ويجتهد في دراسة الأسباب التي دفعت بأبناء الأمة إلى التساقط في أحضان دعاة الغلو والخروج، وزجت بهم إلى اعتناق فكر رؤوس الاستئصال وصناعة الإرهاب، مع البحث عن الحلول الناجعة لمعالجة هذه الظواهر الخطيرة بالاستعانة بالله ثم بعلماء الأمة، ومفكريها، والمصلحين من أبنائها، والله تعالى يتولى الصالحين من عباده.
أقول الفقير إلى الله أبوأنس : لله دره ما أفقهه وأنصحه فقد صدق ونصح وبين ووضح ورب الكعبة
ألا يكفي فيما نحن فيه من الأمن والسكينة والإطمئنان بعد هذا الصلح الذي هو فضل ورحمة ونعمة من نعم الله عزوجل التي توجب منا الشكر والحمد
كيف لو زدنا على ما يترتب على هذا الصلح من الدعوات التي ذكرها الشيخ الفقيه الناصح المصلح عبدالحميد في ص 61 ـ 68 ساردا لها بقوله :
فالمكان يفضل غيره من الأمكنة لما يودع الله فيه من الأمن والسكينة، ليتمكن الخلق من عبادة ربهم في جوّ من الراحة والوقار، ولكي يتسنى لهم عُمارة الأرض وبناءها، وإحياءها بالنور الذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو المقصد الذي يسمو إليه حاكم البلاد أيده الله وسدد خطاه، ورزقه البطانة الصالحة التي تأمره بالبر وعن الشرّ تنهاه، من دعوته إلى المصالحة الوطنية بين أبناء الجزائر
- دعوة جريئة؛ لو يدرك الخلق مزاياها وأهدافها لأتوا لنصرتها ولو حبوا، لما تضمنته من خير وسعادة للبشرية، ومن حقن للدماء وجمع للكلمة.
- دعوة تضم بين أكنافها الإخاء، والتعاون على البر والتقوى.
- دعوة تسمو إلى أن تجعل دولة من دوّل الإسلام واحة من واحات الأمن والسكينة، من زارها لم يبغ عنها حولا.
- دعوة فيها قهرٌ لأعداء الله الذين يتسللون للأذى من ثقوب الفتن التي تعربد من تحت أقدام المسلمين إلى صرح الأمة المتين، وقطعٌ لألسنتهم الحداد التي لوثت منزلة الإسلام وسمعة المسلمين.
- دعوة فيها تبرئة للإسلام من جُرم الإرهاب والتطرف والغلو(3)، الذي يسعى الغربُ بكل قواه لإلصاقه بديننا الحنيف.
- دعوة تطوي صفحات من الحُزن مخلوطة بالدّمع والدماء، والتي عاش إبّانها الشعب الجزائري برمته أحلك أيامه وساعاته.
- دعوة تفوِّت على الطفيليين للتلاعب بمكاسب الأمة، واستنزاف خيراتها في مشاريع وهمية وخيالية، مستغلين ضعف الأمة بسبب ضياع الأمن وغياب الرقابة.
- دعوة تكشف عوار الظلم والجور، وخلط المفاهيم باسم محاربة الإرهاب؛ فقد رأينا المرء يحارب، ويهان إما لشكله أو للباسه، أو لاستعماله السواك!، والله المستعان.
- دعوة تُغمّد في أكنافها الجروح، وتواسى فيها المشاعر، ويجبر فيها الكسر.
- دعوة تتيح المجال للتنافس في نشر الفضيلة والخير، بإنشاء الجمعيات الخيرية، والمدارس الشرعية، وإقامة الدورات العلمية لتطهير عقول أبناء الأمة من الأفكار الفاسدة، والمناهج الكاسدة، والعاقبة للمتقين.
- دعوةٌ تمكن المُغرّر بهم والمتأولين من استعمال عقولهم، ومراجعة حساباتهم، واللجوء إلى الله بصدق ليدلهم على سبيل الرشاد، والقيام لله مثنى وفرادى ثم يتفكرون، ويسألون أهل العلم بحقٍ عن أعمالهم التي ارتكبوها ويرتكبونها في حق إخوانهم من المسلمين؛ سواء كانوا من الشّعب، أو من رجال الأمن، ويبحثون عن الحقيقة من مصادرها، ويجتهدون للخروج من مربع الأوهام والخيالات، والشجاعة الزائفة، ويقفون مع النفس في ثلث الليل الأخير، ويسألونها: هل ما يقومون به من أعمال القتل والاغتيالات، وتخريب المنشآت يوصلهم إلى قارب النجاة، وينجيهم يوم الدين، ويقيم لهم دولة أساسها الكتاب والسنة؟.
ـ حاجة البشرية إلى الأمن الذي به تتم الصالحات وبفقدانه تختل الحياة
قال الشيخ ص 78 ـ 81
وإن النفوسَ تتوحَّد وتتصالح بالإيمان والأمن، والحياة تزدهِر ويشملها عفو الله بهما، والأرزاق تُغدَق على الخلق، والتعارف ينتشر بين الناس، والعلوم تُتَلقَّى من منابعها الصافية، والحبل الوثيق بين الأمة وعلمائها يزدادُ متانة، والروابط تتوثّق بين أفراد المجتمع، والكلمة تتوحَّد، والجميع يأنس بالصلح والأمن، والناس يتبادلون المنافع، و الشعائر تُقام بطمأنينة، وحدود الله في أرض الله على عباد الله تقُام بكل سكينة، كل هذه النعم وغيرها يتفيأ المسلم ظلالها إذا حلّ في ربوع وطنه الأمن والإيمان.
وأما إذا اختلَّ الأمنُ تبدَّل الحالُ، ولم يهنأ أحدٌ براحةِ بال، فيلحقُ الناسَ الفزعُ في عبادتهم، فتُهجَر المساجد، وتتقطع حبال التواصل، ويعمّ الخوف وتزول الطمأنينة، وحينها يعسر على المسلم إظهار شعائر دينه، قال الله سبحانه: "فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ" [يونس:83]، وتُعاق سُبُلُ الدعوة، وينضَب وُصول الخير إلى الآخرين، وينقطع تحصيلُ العلم وملازمة العلماء، ولا توصَل الأرحام، ويئنُّ المريض فلا دواءَ ولا طبيب، وتختلُّ المعايش، وتهجَر الديار، وتفارَق الأوطان، وتتفرَّق الأسَر، وتنقَضُ عهودٌ ومواثيق، وتبور التجارة، ويتعسَّر طلبُ الرزق، وتتبدَّل طباعُ الخَلق، فيظهرُ الكَذِب ويُلقَى الشحّ ويبادَر إلى تصديق الخبَر المخوف وتكذيب خبر الأمن.
باختلال الأمن تُقتَل نفوسٌ بريئة، وترمَّل نساء، ويُيتَّم أطفال، وتفتقد أنفس، وإذا سُلِبت نعمةُ الأمن فشا الجهلُ وشاع الظلم وسلبتِ الممتلكات، وإذا حلَّ الخوفُ أُذيق المجتمعُ لباسَ الفقر والجوع، قال سبحانه: "فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ" [النحل:112].
قال القرطبي رحمه الله: (سمَّى الله الجوعَ والخوفَ لباسًا لأنه يظهِر عليهم من الهُزال وشحوبةِ اللون وسوءِ الحال ما هو كاللباس).الجامع لأحكام القرآن 10/194
إن الخوف يجلِب الغمَّ والهم والأمراض، وهو قرين الحزن، قال تعالى: "إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا" [التوبة:40].
ويقول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: (إيّاكم والفتنةَ، فلا تهمّوا بها، فإنها تفسِد المعيشةَ، وتكدِّر النِّعمة، وتورثُ الاستئصال)
وقال ابن تيمية رحمه الله: (والفتنة إذا ثارت عَجَزَ الحكماء عن إطفاء نارها). منهاج السنة 4/367
قلت: صدق معاوية رضي الله عنه وأرضاه؛ إن الفتن لتورثُ في القلوب مرض الاستئصال والإقصاء، وتغير وقائع التاريخ، وتمحو بعض صوره المشرقة، وتؤخر الشريف وتقدم الوضيع، فالفتن تجعل دعاة التغريب يحكمون على الناس بدءً من الشكل والمظهر، ويَقيسون أعمال الخلق انطلاقا من الأيديولوجية التي تربوا عليها؛ قد تكون اشتراكية ماركسية، أو شيوعية ملحدة تنظر إلى المستقيم من أبناء المسلمين بأنه رجعي متخلف ضد الحضارة، ولا يصلح أن يتقلد المناصب العليا، أو أن يكون في الواجهة.
ولهذا كم من مُسلم أُوذي، وظُلم بسبب ارتدائه للقميص الأبيض، وإرخائه للحية، مع أنه غاية في حبّ الوطن، وقمة في الأخلاق، وشعلة في بناء وازدهار الوطن، وكم من طالب عِلمٍ مُتمكن أُبعد عن مناصب التعليم والإرشاد، وهُمِّش وغُرب لمحافظته على هندام أجداده، ولإحيائه لبعض سنن نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكن دعاة التغريب ضاق أفقهم، وتكمش عطنهم، وذهب عقلهم، فراحوا يرخون الستور، ويحفرون القبور لكل من يخالفهم، ولو كان من أبرّ الناس، وأتقاهم، وأزكاهم عند الله تعالى.
إن صاحب العقل السليم إذا قلَّب بصرَه في الآفاقِ وجد أن الأمنَ ضرورة في كلّ شأن، ولن تصلَ الأمة إلى غايةِ كمالِ أمرٍ إلا بالأمن والاستقرار، بل لن تجدَ مجتمعًا ناهضًا وحبال الخوف تهزّ كيانَه، والإرهاب الأعمى يمزق أحشاء أبنائه، والفتنة تعربد من تحت أقدامه، وما حال العراق الجريح عنا ببعيد.
إنّ نعمةَ الأمن من أعظم نعَم الله حقًّا وصدقا على الخلق، حقيقٌ بأن تُذكَر ويذكَّر بها، وأن يُحافَظ عليها، وأن تهيأ أسباب بقائها، وتشال عوامل ذهابها، قال الله سبحانه وتعالى: "وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ" [الأنفال:26].