أبوأنس بن سلة بشير
01-11-2011, 01:56 PM
إرشاد البرية إلى أن الجمعيات وسيلة من وسائل الحزبية
وفيه رد على رسالة ( الجمعيات من وسائل الدعوة إلى الله ) لبن حنفية العابدين
الحلقة الأولة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده وسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء:1] . ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتُها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ألا وإن تفرق الأمة إلى شيع وأحزاب وفرق محرمٌ بنص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة، إلا أن قدر الله الكوني نفذ، وتفرقت الأمة، وخالفت أمر الله سبحانه بالاجتماع على المنهج الحق؛ فصار لكل حزب منهج خاص به، يفارق به منهاج النبوة الذي حمله أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكل حزب بمنهجه مغرور فرح، كما قال سبحانه: { فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
ومن صور الحزبية التي استحدثت في الزمان القريب: هذه الأحزاب السياسية البدعية التي اتخذت الدين مطية لها؛ لتحقيق أغراضها وأطماعها في الرئاسة والملك.
ومن أجل هذا، فقد اجتمعت كلمة العلماء الربانيين على تحريم الانتماء إلى هذه الأحزاب المعاصرة، وعلى التحذير من مناهجها الفاسدة المبنية على أصول الفرق البدعية: القديمة الظهور، المستمرة إلى وقتنا هذا.
ولما رأى شياطين الإنس والجن، اجتماع كلمة السلفيين على منهاج النبوة، ونبذهم لهذه الأحزاب، راموا خرق هذا الاجتماع، بتزيينهم صورة جديدة من صور التفرق، لكنهم ألبسوها لباس المصلحة الدعوية، وهذه الصورة هو ما يسمَّى بـ: "الجمعيات الدعوية". تحت ستار العلم والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأعمال الخيرية.
فإذا الأيام تكشف حقيقتها وفتنتها، أنها حزبية عصرية مغلفة، فقد ضاع الشباب والدعاة وطلبة العلم بسببها، فهل من مدكر؟
فالواجب على المسلم إنكارها بل إزالتها عن أوساط المسلمين لأنها تسبب الفرقة والاختلاف الذي نهانا الله عنه في كتابه وعلى لسان رسوله.
والله تعالى يقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران:103] ويقول: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران:105] ويقول: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم/31، 32].(1)
هذا ،وقد لاحظ(2) ـ في الآونةِ الأخيرةِ ـ تفعيلاً غيرَ مرغوب فيه على الساحة الدعوية من أحد المنتسبين إلى هذه الدعوة السلفيّة ، وذلك من خلال نشاطه المستميت في تكريس مضامين رسالته الموسومة بـ: «الجمعيات من وسائل الدعوة إلى الله»! المتضمّنة تسويغ إقامة جمعيات حزبية، والنشاط تحت لوائها، وقد ساعده في ذلك ثلةٌ من أتباعه.
إن هذه الدعوة المخالفة في منهجها وانتمائها، فيها توجيه للشباب السلفي ـ تدريجيًّا ـ إلى اتخاذ مَقرَّات الجمعيات الإخوانية والجزأرية وسيلةً للدعوة إلى الله، وذلك بُغيةَ جَرِّهم إلى الانخراط في عضويتها والتحزّب تحت شعارها، وتكثير سوادها، وهي جمعيات حزبية معروفة بعدائها للمنهج السلفي، وتحمل شعاراً مُبايِناً لأهل السُّنَّة في معتقدهم، ومنافيًا للتوحيد ـ الحقّ ـ في مسلكهم، وأهدافا وغايات مفرِّقةً للجماعة في منهجهم، وهذا يتعارض مع أصل أهل السنة في وجوب موالاة أهل الحق، ومعادة أهل الأهواء والباطل.
وقد حاول الكاتبُ ـ هداه الله ـ ؛ التلبيسَ والتدليسَ على معظم شباب منطقته وغيرها من الجهات، بما تضمّنته رسالته من إجمال بلا تفصيل، وتفريع بلا تقعيد ولا تأصيل، ومن ذلك عدم التفريق بين التعاون الخيري الشرعي والتجمُّع الحزبي البدعي، والعمل بالقاعدة الميكافيلية المردودة شرعًا: «الغَايَةُ تُبَرِّرُ الوَسِيلَةَ»! وهذا منافٍ لقاعدة الشريعة: أنّ الوسائل تتبع المقاصد في أحكامها، فيعتبر خروجًا عن الصواب، وعدولاً عن الحق بلا ارتياب.
ولهذا رأيت أن أحرر هذه الكلمات وهي جهد المقل لكي أبين بعضا من مخالفات وتقعيدات وتأصيلات وأراجيف ـ التي هي من سمات الحزبيين ـ التى رجف بها بن حنفية العابدين في رسالته أنفة الذكر وذلك منه تلبيسا وغشا للأمة وإغرار بشبابها والله المستعان
وقبل البدء، هنا تنبيهان يجدر بي أن أنبه عليهما و أذكر بهما أهل الإسلام عامة وأهل السنة خاصة
ــ أن من صبر أحوال دعاة أهل البدع ومربيهم المطعون في ديانتهم لوجد أن لهم قدرة على البحث والتنقيب ولهم من الذكاء والفطنة والدهاء على أن يغيروا ويبدلوا حقائق الأمور كما يحلو لهم من جعل الباطل حقا والحق باطلا والله المستعان
فالقوم إمتازوا بالمكر والخديعة والدهاء مما جعلهم يصرفوا وجوه العامة إليهم، ولبسوا عليهم أمر دينهم وإغتر بهم من أغتر والمعصوم من عصمه الله
وهذا لا يخفى على من عرف وصبر أحوال القوم على مر العصور والتاريخ فالحذر، الحذر
قال شيخ الإسلام رحمه الله في (مجموع الفتاوى ج 5 / ص 118) المكتبة الشاملة
((ثُمَّ إنْ كَانَ قَدْ خُبِّرَ نِهَايَاتِ أَقْدَامِ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْمُتَكَلِّمِين فِي هَذَا الْبَابِ ؛ وَعَرَفَ أَنَّ غَالِبَ مَا يَزْعُمُونَهُ بُرْهَانًا هُوَ شُبْهَةٌ وَرَأَى أَنَّ غَالِبَ مَا يَعْتَمِدُونَهُ يُؤَوَّلُ إلَى دَعْوَى لَا حَقِيقَةَ لَهَا ؛ أَوْ شُبْهَةٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْ قِيَاسٍ فَاسِدٍ ؛ أَوْ قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ لَا تَصِحُّ إلَّا جُزْئِيَّةً ؛ أَوْ دَعْوَى إجْمَاعٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ؛ أَوْ التَّمَسُّكِ فِي الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلِ بِالْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ . ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ إذَا رُكِّبَ بِأَلْفَاظِ كَثِيرَةٍ طَوِيلَةٍ غَرِيبَةٍ عَمَّنْ لَمْ يَعْرِفُ اصْطِلَاحَهُمْ - أَوْهَمَتْ الْغِرَّ مَا يُوهِمُهُ السَّرَابُ لِلْعَطْشَانِ - ازْدَادَ إيمَانًا وَعِلْمًا بِمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَإِنَّ " الضِّدَّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ " وَكُلُّ مَنْ كَانَ بِالْبَاطِلِ أَعْلَمُ كَانَ لِلْحَقِّ أَشَدَّ تَعْظِيمًا وَبِقَدْرِهِ أَعْرَفَ إذَا هُدِيَ إلَيْهِ . فَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُونَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ فَيُخَافُ عَلَيْهِمْ مَا لَا يُخَافُ عَلَى مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ وَعَلَى مَنْ قَدْ أَنْهَاهُ نِهَايَتُهُ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ فَهُوَ فِي عَافِيَةٍ وَمَنْ أَنْهَاهُ فَقَدْ عَرَفَ الْغَايَةَ فَمَا بَقِيَ يَخَافُ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ عَطْشَانُ إلَيْهِ قَبْلَهُ وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ فَيَتَوَهَّمُ بِمَا يَتَلَقَّاهُ مِنْ الْمَقَالَاتِ الْمَأْخُوذَةِ تَقْلِيدًا لِمُعَظِّمَةِ هَؤُلَاءِ . وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ : أَكْثَرُ مَا يُفْسِدُ الدُّنْيَا : نِصْفٌ مُتَكَلِّمٌ وَنِصْف ٌمُتَفَقِّهٌ وَنِصْفٌ مُتَطَبِّبٌ وَنِصْفٌ نَحْوِيٌّ هَذَا يُفْسِدُ الْأَدْيَانَ وَهَذَا يُفْسِدُ الْبُلْدَانَ وَهَذَا يُفْسِدُ الْأَبْدَانَ وَهَذَا يُفْسِدُ اللِّسَانَ . وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي الْغَالِبِ( لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ) ( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ) يَعْلَمُ الذَّكِيُّ مِنْهُمْ وَالْعَاقِلُ : أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ فِيمَا يَقُولُهُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَأَنَّ حُجَّتَهُ لَيْسَتْ بِبَيِّنَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قِيلَ فِيهَا : - حُجَجٌ تهافت كَالزَّجَّاجِ تَخَالُهَا حَقًّا وَكُلُّ كَاسِرٍ مَكْسُورٌ وَيَعْلَمُ الْعَلِيمُ الْبَصِيرُ بِهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ وَجْهٍ مُسْتَحِقُّونَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ :( حُكْمِي فِي أَهْلِ الْكَلَامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَيُطَافُ بِهِمْ فِي الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ وَيُقَالُ : هَذَا جَزَاءُ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْبَلَ عَلَى الْكَلَامِ) . وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ إذَا نَظَرْت إلَيْهِمْ بِعَيْنِ الْقَدَرِ - وَالْحَيْرَةُ مُسْتَوْلِيَةٌ عَلَيْهِمْ وَالشَّيْطَانُ مُسْتَحْوِذٌ عَلَيْهِمْ - رَحِمَتْهُمْ وَتُرُفِّقْت بِهِمْ ؛ أُوتُوا ذَكَاءً وَمَا أُوتُوا ذَكَاءً وَأُعْطُوا فُهُومًا وَمَا أُعْطُوا عُلُومًا وَأُعْطُوا سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً ( فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) . وَمَنْ كَانَ عَلِيمًا بِهَذِهِ الْأُمُورِ : تَبَيَّنَ لَهُ بِذَلِكَ حِذْقُ السَّلَفِ وَعِلْمُهُمْ وَخِبْرَتُهُم ْحَيْثُ حَذَّرُوا عَنْ الْكَلَامِ وَنَهَوْا عَنْهُ وَذَمُّوا أَهْلَهُ وَعَابُوهُمْ وَعَلِمَ أَنَّ مَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَمْ يَزْدَدْ مِنْ اللَّهِ إلَّا بُعْدًا . فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَهْدِيَنَا صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ آمِينَ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَاتُهُ وَسَلَامُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ )) انتهى.
وقال أيضا في (مجموع الفتاوى ج 9 / ص 37) المكتبة الشاملة
(( وَالْقَوْمُ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذَكَاءٌ وَفِطْنَةٌ ؛ وَفِيهِمْ زُهْدٌ وَأَخْلَاقٌ - فَهَذَا الْقَدْرُ لَا يُوجِبُ السَّعَادَةَ وَالنَّجَاةَ مِنْ الْعَذَابِ إلَّا بِالْأُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ : مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ وَإِخْلَاصِ عِبَادَتِهِ ؛ وَالْإِيمَانِ بِرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ؛ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ . وَإِنَّمَا قُوَّةُ الذَّكَاءِ بِمَنْزِلَةِ قُوَّةِ الْبَدَنِ وَقُوَّةِ الْإِرَادَةِ . فَاَلَّذِي يُؤْتَى فَضَائِلَ عِلْمِيَّةً وَإِرَادِيَّةً بِدُونِ هَذِهِ الْأُصُولِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُؤْتَى قُوَّةً فِي جِسْمِهِ وَبَدَنِهِ بِدُونِ هَذِهِ الْأُصُولِ . وَأَهْلُ الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْمُلْكِ وَالْإِمَارَةِ وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ ،وَهَؤُلَاءِ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ؛ وَيُؤْمِنَ بِرُسُلِهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ . وَهَذِهِ الْأُمُورُ مُتَلَازِمَةٌ . فَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَزِمَ أَنْ يُؤْمِنَ بِرُسُلِهِ وَيُؤْمِنَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ؛ فَيَسْتَحِقَّ الثَّوَابَ وَإِلَّا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ يَخْلُدُ فِي الْعَذَابِ هَذَا إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِالرُّسُلِ . وَلَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمُلْكِ وَالْعِلْمِ قَدْ يُعَارِضُونَ الرُّسُلَ وَقَدْ يُتَابِعُونَهُمْ ؛ ذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ . فَذَكَرَ فِرْعَوْنَ ؛ وَاَلَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ لَمَّا آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْمَلَأَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْتَكْبِرِينَ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ وَذَكَرَ قَوْلَ عُلَمَائِهِمْ كَقَوْلِهِ : ( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ )( فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ) وَقَالَ تَعَالَى : ( مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ ) ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) - إلَى قَوْلِهِ – ( الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ) وَالسُّلْطَانُ هُوَ الْوَحْيُ الْمُنَزَّلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ : ( أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ) وَقَوْلِهِ : ( مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " كُلُّ سُلْطَانٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ الْحُجَّةُ " ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ . وَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ " سُورَةَ حم غَافِر " مِنْ حَالِ مُخَالِفِي الرُّسُلِ مِنْ الْمُلُوكِ وَالْعُلَمَاءِ مِثْلَ مَقُولِ الْفَلَاسِفَةِ وَعُلَمَائِهِمْ وَمُجَادَلَتِهِمْ وَاسْتِكْبَارِهِمْ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ : مِثْلُ قَوْلِهِ : ( إنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إنْ فِي صُدُورِهِمْ إلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ) وَمِثْلُ قَوْلِهِ : ( أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ ) ( الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)( إذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ) ( فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ) - إلَى قَوْلِهِ - { ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ } وَخَتَمَ السُّورَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ } . وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَالْأَعْرَافِ وَعَامَّةِ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَطَائِفَةٍ مِنْ السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ فَإِنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى خِطَابِ هَؤُلَاءِ وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ وَالْمَقَايِيسِ لَهُمْ وَذِكْرِ قِصَصِهِمْ وَقِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ مَعَهُمْ . فَقَالَ سُبْحَانَهُ : { وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } فَأَخْبَرَ بِمَا مَكَّنَهُمْ فِيهِ مِنْ أَصْنَافِ الْإِدْرَاكَاتِ وَالْحَرَكَاتِ . وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ حَيْثُ جَحَدُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَهِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي بَعَثَ بِهَا رُسُلَهُ . وَلِهَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ الشَّيْخِ الحصيري عَنْ وَالِدِهِ الشَّيْخِ الحصيري (*) - شَيْخِ الْحَنَفِيَّةِ فِي زَمَنِهِ - قَالَ : كَانَ فُقَهَاءُ بخارى يَقُولُونَ فِي ابْنِ سِينَا : كَانَ كَافِرًا ذَكِيًّا . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ } الْآيَةُ وَالْقُوَّةُ تَعُمُّ قُوَّةَ الْإِدْرَاكِ النَّظَرِيَّةَ وَقُوَّةَ الْحَرَكَةِ الْعَمَلِيَّةَ . وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : { كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ } فَأَخْبَرَ بِفَضْلِهِمْ فِي الْكَمِّ وَالْكَيْفِ وَأَنَّهُمْ أَشَدَّ فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي آثَارِهِمْ فِي الْأَرْضِ . وَقَالَ تَعَالَى : { فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } - إلَى قَوْلِهِ - { اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } . وَقَالَ تَعَالَى : { فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } - إلَى قَوْلِهِ - { وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ } .
وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ عَنْ أَتْبَاعِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْمُلْكِ وَالْعِلْمِ الْمُخَالِفِينَ لِلرُّسُلِ { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ } { وَقَالُوا رَبَّنَا إنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا } { رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ } - إلَى قَوْلِهِ - { إنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ } . وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ يُذْكَرُ فِيهِ مِنْ أَقْوَالِ أَعْدَاءِ الرُّسُلِ وَأَفْعَالِهِمْ وَمَا أُوتُوهُ مِنْ قُوَى الْإِدْرَاكَاتِ وَالْحَرَكَاتِ الَّتِي لَمْ تَنْفَعْهُمْ لَمَّا خَالَفُوا الرُّسُلَ . وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا فِي الْمُنْتَسِبِينَ إلَى أَتْبَاعِ الرُّسُلِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعِبَادِ وَالْمُلُوكِ مِنْ النِّفَاقِ وَالضَّلَالِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } . { وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا يُقَالُ : صَدَّ صُدُودًا أَيْ أَعْرَضَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا } وَيُقَالُ : صَدَّ غَيْرَهُ يَصُدُّهُ وَالْوَصْفَانِ يَجْتَمِعَانِ فِيهِمْ وَمِثْلَ قَوْلِهِ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " { مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ : طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ : طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ : رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْحَنْظَلَةِ : طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا } " فَبَيَّنَ أَنَّ فِي الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ : مُؤْمِنِينَ وَمُنَافِقِينَ )) أنتهى .
قال الإمام الحافظ شمس الدين أبوعبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي رحمه الله في (ميزان الاعتدال في نقد الرجال ج 3 / ص 340) عند ترجمة الفخر الرازي
(( الفخر بن الخطيب صاحب التصانيف رأس في الذكاء والعقليات لكنه عرى من الآثار وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث حيرة نسأل الله ان يثبت الإيمان في قلوبنا)) المكتبة الشاملة
وقال الشيخ العلامة المحقق المدقق الوالد محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في مقدمة شرح البيقونية ص 14 ط دار الأثار (( وفي الحقيقة الزمخشري ـ نسأل الله لنا وله العافية ـ معتزلي لكنه جيد عفريت من العفاريت يأتي بالكلمة من الأعتزال لا يحس الإنسان بها إطلاقا ولا يدري أي شئ تهدف إليه يقال عن ابن البلقيني أنه قال : أخرجت من الكشاف ـ وهو تفسير القرأن للزمخشري ـ اعتزاليات بالمناقيش ، وهذا يدل على أنه خفي جدا)) أنتهى
وقال فضيلة الشيخ العلامة المجاهد الوالد ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في مقدمة الكتاب (التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من الأباطيل) ص03 ـ 04 ط مجالس الهدى : (إنا أبا الحسن المصري المأربي أعجوبة من أعاجيب هذا الزمان لا أجد له نظيرا في القدرة على الثرثرة و كثرة الكلام ويتمتع بقدرة هائلة على تقليب الأمور وجعل الحق باطلا والباطل حقا
و الظالم مظلوما و المظلوم البريء ظالما و إلباس نفسه لباس التقوى و الورع وإلباس الأبرياء لباس الفجار الهدامين المفسدين الظالمين كما فعل ذلك في عدد من أشرطته
مما يدل على خبرة طويلة راسخة ومهارة نادرة في هذه الميادين إلى درجة لا يلحق فيها ولا يبلغ فيها شأوه
استمع إلى أشرطته وقرأ شيئا من كتابته فأي إنسان عنده مسكة من عقل ولمعة من الذكاء يدرك هذه الصفات ويدرك مدى رسوخه فيها إن هذا الرجل صاحب فتنة عظمة قد أعد لها العدة لعله منذ وطئت قدماه اليمن اومن قبل ذلك
ومن أهم الأمور أن من ورائه ووراء فتنته رجالا وأموالا تدفع هذه الفتنة إلى الأمام وتغذيها وتؤججها وهذه أمور ظاهرة ملموسة وكل يوم تزداد ظهورا
ولقد بدأ أبو الحسن يمهد لإعلان حربه وفتنته باللهج بالأصول والتأصيل موهما للرعاع أن الدعوة السلفية غير مؤصلة كأنها هو المنقذ لهذه الدعوة من الفوضى والضياع اللذان نزلا بها
ثم شرع يقذف بهذه الأصول التي تهدف إلى تقويض جانب مهم من أصول الدعوة السلفية التي قامت عليها منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم تضمنتها نصوص القرآن و السنة و حفتها حماية الصحابة
والتابعين لهم بإحسان و أئمة الهدى و دونت في كتب العقائد و الأصول و علوم الحديث و كتب الجرح والتعديل العام والخاص لقد عني أبو الحسن -إمعانا - في الكيد وتمهيدا للفتنة بدراسة الجرح والتعديل ليكسبوفعلا انخدع به السلفيون وبما يتظاهر به من السلفية لأن علماءهم لا يسمعون هذا الدمار في أشرطته ولأنهم يعاملونه وغيره بناءا على الظاهر ومن باب (من خدعنا بالله انخدعنا به)) أنتهى
أقول : لبن حنفية العابدين المعسكري له نصيب أوفر من الذكاء والفطنة مما جعله يلبس ويدلس حقائق الأمور، مع ما له من قوة في دمج الكلام بعضه في البعض وزخرفته بإستدلالته بالنصوص العامة ، وحيدته عن الحق بشبه واهية ، مع ما يتمتع به من بضاعة الحزبية
ولهذا أوصي شباب الأمة الحذرمن دهماء الشر ودهاته ، وعليهم وينبغي لهم الرجوع إلى علماء الأمة الذين عرفوا بالصدق وسلامة العقيدة ونصح للأمة ، عندما تعصف فتن القوم وتهب رياحهم
واعلموا رحمكم الله أن دين الله محمي محفوظ باقي ما بقت السموات والأرض إلى أن يرثى الله عزوجل الأرض ومن عليها ، وأنه لا تزال طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة ينصر الله عزوجل بهم الدين ويظهره على أيديهم ويكشف بهم زغل أهل الباطل وبهرجهم
فابشروا ياأهل الإسلام بهذا الخير العظيم الذي هو من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم ،فاحمدوا الله ، وشكروه على هذه النعمة ، وقموا بواجبها ومن أعظمها الرجوع إلى علمائكم ومعرفة قدرهم وتعظمهم ورفع من شأنهم من غير الإفراط ولا التفريط وعدم التقدم بين أيديهم والحذر، الحذرمن الإستقلالية عنهم وهى من أول علامات خذلان العبد أعوذ بالله من حَور بعد كَور
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله في كتابه ( التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ج 1 ص 47 ـ 48 ط مكتبة المعارف )
(( ولا ريب أن فيمن يتسم بإصلاح من المبتدعة وكذا من أهل السنة من يقع في الكذب إما تقحماً في الباطل ، وإما على زعم أنه لا حرج في الكذب في سبيل تثبيت الحق ، ولا يختص ذلك بالعقائد بل وقع فيما يتعلق بفروع الفقه وغيرها كما يعلم من مراجعة كتب الموضوعات ، وأعداء الإسلام ، وأعداء السنة يتشبثون بذلك في الطعن في السنة كأنهم لا يعلمون أنه لم يزل في أخبار الناس في شؤون دنياهم الصدق والكذب ، ولم تكن كثرة الكذب بمانعة من معرفة الصدق إما بيقين وإما بظن غالب يجزم به العقلاء ويبنون عليه أموراً عظاماً ، ولم يزل الناس يغشون الأشياء النفيسة ويصنعون ما يشبهها كالذهب والفضة والدر والياقوت والمسك والعنبر والسمن والعسل والحرير والخز وغيرها، ولم يحل ذلك دون معرفة الصحيح ، والخالق الذي هيأ لعباده ما يحفظون به مصالح دنياهم هو الذي شرع لهم دين الإسلام وتكفل بحفظه إلى الأبد وعنايته بحفظ الدين أشد وأكد لأنه هو المقصود بالذات من هذه النشأة الدنيا قال الله عز وجل : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } .
ومن مارس أحوال الرواية وأخبار رواة السنة وأئمتها علم أن عناية الأئمة بحفظها وحراستها ونفي الباطل عنها والكشف عن دخائل الكذابين والمتهمين كانت أضعاف عناية الناس بأخبار دنياهم ومصالحها ، وفي ( تهذيب التهذيب ) ج 1 ص 152 : (( قال إسحاق بن إبراهيم : أخذ الرشيد زنديقاً فأراد قتله فقال : أين أنت من ألف حديث وضعتها ؟ فقال له : أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلانها حرفاً حرفاً ؟ )) وقيل لابن المبارك : هذه الأحاديث المصنوعة ؟ قال : تعيش لها الجهابذة. وتلا قول الله عز وجل : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . والذكر يتناول السنة بمعناه إن لم يتناولها بلفظه ، بل يتناول العربية وكل ما يتوقف عليه معرفة الحق ، فإن المقصود من حفظ القرآن أن تبقى الحجة قائمة والهداية دائمة إلى يوم القيامة لأن محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء ، وشريعة خاتمة الشرائع ، والله عز وجل إنما خلق لعبادته فلا يقطع عنهم طريق معرفتها ، وانقطاع ذلك في هذه الحياة الدنيا وانقطاع لعلة بقائهم فيها . قال العراقي في ( شرح ألفيته ) ج 1 ص 267 : (( روينا عن سفيان قال : ما ستر الله أحداً يكذب في الحديث ، وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال : لو أن رجلا هَمَّ أن يكذب في الحديث لأسقطه الله ، وروينا عن ابن المبارك قال : لو هَمَّ رجل في السحر أن يكذب في الحديث لأصبح والناس يقولون فلان كذاب )) .أنتهى
والتنبيه الثاني : أن الملاحظ على العابدين في رسالته (الجمعيات من وسائل الدعوة إلى الله ) أنه ألبسها لباس الإجمال والعموميات وزينها بزخارف القول من الباطل في أطرافه شيء من الحق ممزوج بالشبهات فمثله مع نصوص الكتاب والسنة وما رام إليه، كمثل الجمل الأعور إذا مر بأرض المخضرة جانب منها قد أكل ورعي فلا ينظر إلا إلي هذا الجانب يقول الشيخ البارع الناقد البصير محمد بن هادي المدخلي * حفظه الله وزاده الله كل حرص * في مجلس له مع الشيخ عبد المحسن العبيكان حفظه الله ،مسجل
:( إن مثل هذا كمثل جمل الأعور الذي مر بأرض ذات ربيع وجانب منها قد أكل ورعي ولكن العين السليمة في الجانب الذي أكل ورعي فلا يرى إلا هذا ، ويترك الخير الكثير لأنه لا يراه
ورويدا...رويدا ،فكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كله ربيع، أرض مخضرة فإنه عليه الصلاة والسلام قال :(مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرض فكان منها طائفة نقية قبلت الماء فأنبتت العشب والكلاء الكثير ) فكلامه كله ربيع ولكن الأرض النقية هي القلوب من يرد عليها هذا الكلام فتنتفع في نفسها وينتفع غيرها وهذا الذي مثلناه بجمل الأعور لا يرى إلا كلام معظمه الذي يعظمهم وشبههم التي أطلقوها فذهب يتمسك بهاوهو لا يعرف ) أنتهى
قال شيخ الإسلام ابن قيم رحمه الله في״ الصواعق المرسلة ج 3 / ص 925 المكتبة الشاملة״-واصفا حال أهل البدع-
( إن هؤلاء المعارضين للكتاب والسنة بعقلياتهم التي هي في الحقيقة جهليات إنما يبنون أمرهم في ذلك على أقوال مشتبهة محتملة تحتمل معاني متعددة ويكون ما فيها من الاشتباه في المعنى والإجمال في اللفظ يوجب تناولها بحق وباطل فبما فيها من الحق يقبل من لم يحط بها علما ما فيها من الباطل لأجل الاشتباه والالتباس ثم يعارضون بما فيها من الباطل نصوص الأنبياء وهذا منشأ ضلال من ضل من الأمم قبلنا وهو منشأ البدع كلها فإن البدعة لو كانت باطلا محضا لما قبلت ولبادر كل أحد إلى ردها وإنكارها ولو كانت حقا محضا لم تكن بدعة وكانت موافقة للسنة ولكنها تشتمل على حق وباطل ويلتبس فيها الحق بالباطل كما قال الله تعالى ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ) البقرة 24فنهى عن لبس الحق بالباطل وكتمانه ولبسه به خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالآخر ومنه التلبيس وهو التدليس والغش الذي يكون باطنه خلاف ظاهره فكذلك الحق إذا لبس بالباطل يكون فاعله قد أظهر الباطل في صورة الحق وتكلم بلفظ له معنيان معنى صحيح ومعنى باطل فيتوهم السامع أنه أراد المعنى الصحيح ومراده الباطل فهذا من الإجمال في اللفظ
وأما الاشتباه في المعنى فيكون له وجهان هو حق من أحدهما وباطل من الآخر فيوهم إرادة الوجه الصحيح ويكون مراده الباطل فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة ولا سيما إذا صادفت أذهانا مخبطة فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب فسل مثبت القلوب أن يثبت قلبك على دينه وأن لا يوقعك في هذه الظلمات قال الإمام أحمد في خطبة كتابه في الرد على الجهمية:״ الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بكتاب الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من تائه ضال قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون على مخالفة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين״ وهذه الخطبة تلقاها الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب أو وافقه فيها فقد ذكرها محمد بن وضاح في أول كتابه في الحوادث والبدع فقال: حدثنا أسد ثنا رجل يقال له يوسف ثقة عن أبي عبدالله الواسطي رفعه إلى عمر بن الخطاب أنه:״ قال الحمد لله الذي امتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله أهل العمى كم من قتيل لإبليس قد أحيوه وضال تائه قد هدوه بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم وما نسيهم ربك وما كان ربك نسيا جعل قصصهم هدى وأخبر عن حسن مقالاتهم فلا تقصر عنهم فإنهم في منزلة رفيعة وإن أصابتهم الوضيعة״ اه
فقوله يتكلمون بالمتشابه من الكلام هو الذي له وجهان يخدعون به جهال الناس كما ينفق أهل الزغل النقد المغشوش الذي له وجهان يخدعون به من لم يعرفه من الناس فلا إله إلا الله كم قد ضل بذلك طوائف من بني آدم لا يحصيهم إلا الله) أنتهى
فائدة : مهما زخرف المزخرف ولبس الملبس وكتم الحق وأظهر الباطل في صورة الحق ، فالحق أحق أن يظهر ويعلو فوق الباطل ويضمحل معه الزغل وينكب أهله
قال الشيخ العلامة المفسر عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في كتابه القيم ( تيسيرالكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 553 ) عند تفسير قوله تعالى :
((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)) الفرقان(31)
((أي: من الذين لا يصلحون للخير ولا يزكون عليه يعارضونهم ويردون عليهم ويجادلونهم بالباطل.
من بعض فوائد ذلك أن يعلو الحق على الباطل وأن يتبين الحق ويتضح اتضاحا عظيما لأن معارضة الباطل للحق مما تزيده وضوحا وبيانا وكمال استدلال وأن يتبين ما يفعل الله بأهل الحق من الكرامة وبأهل الباطل من العقوبة، فلا تحزن عليهم ولا تذهب نفسك عليهم حسرات { وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا } يهديك فيحصل لك المطلوب ومصالح دينك ودنياك. { وَنَصِيرًا } ينصرك على أعدائك ويدفع عنك كل مكروه في أمر الدين والدنيا فاكتف به وتوكل عليه.)) أنتهى
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله في كتابه (القائد إلى العقائد ص 21 ـ 22 ط المكتب الإسلامي )
((وكما اقتضت أن الحكمة أن لا تكون حجج الحق مكشوفة (3) قاهرة فكذلك اقتضت أن لا تكون الشبهات غالبة ، قال الله عز و جل : [ وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ . وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ . وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ] الزخرف:33 - 35 .
وذلك انه لو كان كل من كفر بالله تعالى بذلك النعيم دون المؤمنين ، لكانت تلك شبهة غالبة توقع الناس كلهم في الكفر .
فتخلص أن حكمة الحق في الخلق اقتضت أن تكون هناك بينات و شبهات ، و أن لا تكون البينات قاهرة و لا الشبهات غالبة ، فمن جرى مع فطرته من حب الحق و رباها و نماها و آثر مقتضاها ، و تفقد مسالك الهوى إلى نفسه فاحترس منها ، لم تزل تتجلى له البينات و تتضاءل عنده الشبهات ، حتى يتجلى له الحق يقيناً فيما يطلب فيه اليقين ، و رجحاناً فيما يكفي فيه الرجحان ، و بذلك يثبت له الهدى و يستحق الفوز ، و الحمد و الكمال على ما يليق بالمخلوق ، و من اتبع الهوى و آثر الحياة الدنيا ، تبرقعت دونه البينات ، و استهوته الشبهات ، فذهبت به ( إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم )) .أنتهى
أقول بالله مستعينا:
ـ ذهب بن حنفية(4) يناضل ويصول ويجول بدعوته للعمل في الجمعيات الحزبية والإنخراط فيها بإستدلاله بالأعمال والطاعات التي شرعها الله عزوجل لعباده وأمرهم بها إما أمر وجوب أو إستحباب وحثهم على أن يتواصوا عليها أفرادا كانوا أو جماعات كل فرد على حسب حاله وإمكانيته وطاقته وهذا مما لا يختلف فيه إثنين فضلا أن يتنازعا عليه ولا أحد من أهل الإسلام ومن باب أولى السلفي يحرم العمل الجماعي المشروع القائم على منهج الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة
قال شيخنا ووالدنا العلامة الدكتور ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في كتابه (جماعة واحدة لا جماعات وصراط واحد لا عشرات) ص 49 ـ 50 ط مجالس الهدى
((أقول إني إلى يومي هذا لا أعرف أحداً من السلفيين يحرم العمل الجماعي المشروع[5] ، وأكبر دليل على هذا واقع السلفيين في كل مكان ، إذ لهم مدارس وجامعات لها إداراتها ومسؤوليها وأساتذتها وميزانياتها. ولهم جمعيات في الهند وباكستان وبنجلاديش وغيرها.
ولهم مساجد ومشاريع تقوم كلها على أعمال جماعية ، وفي السعودية لهم وزارات عديدة منها وزارة العدل يتبعها عشرات المحاكم ، ووزارة التعليم العام ووزارة التعليم العالي يتبعها الجامعات وكل ذلك يقوم على التنظيم الإداري والعلمي والمالي ، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، ووزارة الحج . . . إلى آخر الوزارات .
وقامت فيها مراكز ومكاتب لدعم الجهاد ولإغاثة المنكوبين والعون للفقراء والمساكين وغير ذلك من الأعمال الجماعية المنظمة .
ولأنصار السنة في مصر والسودان مدارس ومساجد وأعمال تقوم على العمل الجماعي ، وفي اليمن مدارس ومساجد قائمة على العمل الجماعي ، وما سمعنا من عالم أو طالب علم سلفي يحارب العمل الجماعي المشروع ويحرم ويبدع أهله .
وإذا كان القصد من العمل الجماعي هو ما ذكرناه وأشباهه فلا داعي أبداً إلى التأليف والتأصيل فيه والأخذ والرد الذي أدى إلى الطعن والتجريح وكان ضرره أكثر من نفعه وأما الأمر الثاني : فإنه كما تبين لي وكما سيظهر للقاريء ، فإنه وإن سمى من يدافع عنهم جماعات فإن مقصوده بذلك الدفاع عن فرق مزقتها الأهواء الحزبية السياسية والعقائد والمناهج البدعية .
وهذا هو الذي يرى السلفيون أنه تفرق محرم حرمه اللَّـه ورسوله ز وأطبق على تحريمه وذمه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى إلى يومنا هذا)) أنتهى
وقال حفظه الله في نفس المصدر ص 101 ـ 102
((ليس هناك نص من كتاب ولا سنة ولا قول أحد من سلف الأمة ينكر التعاون على البر والتقوى بل فيها دعوة حارة إلى التعاون على البر والتقوى وقد كان سلف الأمة قد وعى هذه التوجيهات وطبقوها فملأوا الدنيا براً وإحساناً لكنه ما كان على شكل المؤسسات والجمعيات الموجودة الآن والتي استفادتها الجمعيات والمؤسسات الحالية من أهل الغرب ومع أننا نقول بجواز هذه الجمعيات القائمة على البر والتقوى إلا أنك أنت وغيرك يعجزون عن الاتيان بأمثلة وصور من تأريخ المسلمين وتطبيقهم لأعمال البر والتقوى تشابه هذه الصور.
ثم إنني أؤكد لك ما سبق ذكره أن الإسلام بكتابه وسنته لا يجيز التفرق والتشتت والتنابز والتناحر والتهالك على المصالح والاستئثار بها والتحزب لأجلها وعلماء الإسلام كانوا ولا يزالون يحرمون هذا اللون من التفرق والتحزب مهما لبس من أشكال وألوان ومهما ادعى من الانجازات لأن ذلك على خلاف ما شرعه الله وأمر به من الاجتماع علىالكتاب والسنة والاعتصام بهما عقيدةً وشريعةً ومنهجاً ومصادم لما نهى عنه اللَّـه ورسوله من الاختلاف وتفرق الأمة شيعاً وأحزاباً ، وتفريق الدين وتمزيقه إلى ملل ونحل فإن ذلك يعرض الأمة للهلاك والعذاب في الدنيا والآخرة ويزهد أعداء الإسلام في الإسلام ويشوهه في نظر هؤلاء الأعداء فيقولون لو كان في هذا الدين خير وصلاح لما تفرق أهله فرقاً شتى يعادي بعضهم بعضاً ويهلك بعضهم بعضاً كما حصل لهذه الجماعات ، وكما هو حاصل اليوم في أفغانستان التي اعطت صورة شوهاء مزرية بالإسلام إذ صورت الحزبية فيها بتناحرها الوحشي الهمجي الإسلام في أحط صور الفوضوية والوحشية والهمجية وبرأ اللَّـه الإسلام وأهل السنة والحق منها)) أنتهى
وهنا تنبيه ولفتة حسنة ونكتة لطيفة قد نبه عليها شيخنا الناصح الأمين ربيع بن هادي المدخلى حفظه الله في نفس المصدر المنقول منه أنفا ص 95 ـ 96 حيث قال :
((لو كانت هذه الجماعات والمؤسسات كلها جماعات خيرية على منهج واحد هو المنهج الإسلامي الحق وتهدف إلى غاية واحدة هي إعلاء كلمة اللَّـه في الأرض فتبذل بسخاء وتدعو بجد إلى الحق وإلى جمع كلمة المسلمين على ذلك المنهج وإلى تحقيق تلك الغاية النبيلة لما وجدت من كل علماء السنة والتوحيد إلا التأييد المطلق والدعم المادي والمعنوي الذي لا يقف عند حد ولكن واقع هذه الجماعات ضد هذا تماماً .
فهي جماعات مختلفة المناهج والغايات والمقاصد، كل جماعة تدعو إلى منهجها، وتسعى لتحقيق غاياتها التي تضر ولا تنفع، وتغرس في نفوس أتباعها الحقد والبغضاء لكل من لا ينضوي تحت رايتها وتفتعل من الأكاذيب والشائعات التي تحطم خصومها ومخالفيها ، وكثير منها يبالغ في عدائه للمسلمين فيكفرهم ويرى سفك دمائهم واستحلال أموالهم وأعراضهم ويفعل بالمسلمين ما لا يفعله باليهود والنصارى)) أنتهى
ولهذا لا يسلم له هذا الإستدال على مشروعية العمل والإنخراط في الجمعيات الحزبية وأنى له ذلك ، وينبغي التفطن لهؤلاء الصعافقة وما يستدلون به من عموميات النصوص ليمشون بدعهم ولكي يظهرونها في مظهر السنة كفانا الله شرهم
قال أبو الحسين الجاوي الإندونيسي في رسالته(الجـمعـيّـات حركة بلا بركة)
تقديم الشيخ يحيى بن علي الحجوري وفقه الله
((إن الاحتجاج بعمومات الأدلة لا بد من المراعاة بأن تكون على وفق عمل السلف وإلا لدخل كثير من المحدثات في الدين من هذا القبيل لاندراجها تحت عموم الأدلة ولذا قال الإمام الشاطبي ~ في الموافقات (ج 3 / ص 56):
كل دليل شرعي لا يخلو أن يكون معمولا به فى السلف المتقدمين دائما أوأكثريا أولا يكون معمولا به إلا قليلا أوفي وقت ما أولا يثبت به عمل، فهذه ثلاثة أقسام:
أحدها : أن يكون معمولا به دائما أوأكثريا فلا إشكال فى الاستدلال به ولا في العمل على وفقه وهي السنة المتبعة والطريق المستقيم.
والثاني: أن لا يقع العمل به إلا قليلا أوفي وقت من الأوقات أوحال من الأحوال ووقع إيثار غيره والعمل به دائما أوأكثريا، فذلك الغير هو السنة المتبعة والطريق السابلة وأما ما لم يقع العمل عليه إلا قليلا فيجب التثبت فيه وفى العمل على وفقه والمثابرة على ما هو الأعم والأكثر فإن إدامة الأولين للعمل على مخالفة هذا الأقل إما أن يكون لمعنى شرعي أولغير معنى شرعي.
والقسم الثالث : أن لا يثبت عن الأولين أنهم عملوا به على حال ، فهو أشد مما قبله والأدلة المتقدمة جارية هنا بالأولى، وما توهمه المتأخرون من أنه دليل على ما زعموا ليس بدليل عليه ألبتة ؛ إذ لو كان دليلا عليه لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين ثم يفهمه هؤلاء فعمل الأولين كيف كان مصادم لمقتضى هذا المفهوم ومعارض له ولو كان ترك العمل فما عمل به المتأخرون من هذا القسم مخالف لإجماع الأولين وكل من خالف الإجماع فهو مخطئ وأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة فما كانوا عليه من فعل أوترك فهو السنة والأمر المعتبر وهو الهدى وليس ثم إلا صواب أوخطأ فكل من خالف السلف الأولين فهو على خطأ وهذا كاف. اهـ ملخصًا
أترون أن هذه الجمعيات عمل بها السلف دائما أوأكثريا أوفي حال من الأحوال ؟
أم لم يكن هناك عمل السلف على هذه الصورة البتة؟
فالحذر الحذر من مخالفة السلف الأولين! فلو كان ثم فضل ما، لكان الأولون أحق به والله تعالى يقول: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾[النساء:115]
ويقول: ﴿ فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾[البقرة:137]
فالأمر بالتعاون البر والتقوى مشروع بالكتاب والسنة والإجماع وعمل السلف، لكن إنشاء التعاون على هذه الصورة والهيئة لا أصل له في كتاب ولا سنة ولا عمل السلف ولا هو معروف فى تواريخ المسلمين.)) أنتهى
ومما يزيد الأمر وضوحا ويرفع اللبس ويكشف زغل القوم إن الجمعيات الدعوية قام مقتضاها في زمن النبي صلىالله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، ولم يقم مانع يمنعها، فإن فعلها بعد النبي صلى الله عليهوسلمصلى الله عليه وسلم من المحدثات
سئل شيخنا والدنا العلامة المحدث الديار اليمنية مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله
((السؤال : لو قال قائل: إن الجمعيات الدعوية قام مقتضاها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقم مانع يمنعها، فإن فعلها بعد النبي صلى الله عليه وسلم من المحدثات، فما صحة هذا القول؟
الجواب : الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن والاه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد .
السؤال الذي قدم سؤال وجيه ،ومن أجل هذا نحن من زمن قديم نقول : إن ترك الجمعيات خير من وجودها ,لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، كانوا أحوج إلى المال منا، بل كانوا أشد حاجة منا، ومع هذا لم ينشئوا جمعية، وعلى هذا فتركها خير من وجودها، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
دع عنك أنها جمعيات تكون سببا للحزبية ، ومن كان معنا ساعدناه ومن لم يكن معنا لم نساعده ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير : « مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى » وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم:« المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا,هذه الجمعيات فرقت شمل المسلمين ، بعض المغفلين يقول : مقبل لا يفرق بين الجماعات والجمعيات ، وهذه الجمعيات لابد أن تكون خاضعة لشؤون الاجتماعية وخاضعة للقوا نين الدولة والعمل الذي يتعلق بالدولة تكون بركته قليلة، إن لم يكن منزوع البركة ، بل الحكومات يعجبهم العمل الميت فيما يتعلق بالإسلام ، وأما ما يتعلق بالتطور والتقدم إلى غير ذلك ، فإذاعتهم تنعى ، وعلى ننصح بترك هذه الجمعيات التي تكون سببا لضياع حق الفقراء ، وذاك الفقير ربما لا يصل إليه شيء كما قيل، ونؤخذ باسمه الدنيا جميعا ، وما من ذلك شيء في يديه ، الذي ينبغي للتجار ننصحهم أن يتولوا توزيع زكواتهم على المحاويج فإنها قد أصبحت سببا للحزبية في كثير من البلاد الإسلامية ، والله المستعان .)) أنتهى
من شريط: الغارة الشديدة على الجمعية الجديدة , سجلت ليلة العاشر من صفر1420 هـ.
منقول من شبكة سحاب
وبهذا يتبين بأن الدعوة إلى إنشاء الجمعيات الحزبية والإنخراط فيهاطريقة محدثة مخالفة طريقة سلف الأمة
قال أبو الحسين الجاوي الإندونيسي في رسالته(الجـمعـيّـات حركة بلا بركة)
((قال الله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أويُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:63]
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء:115]
وقال الإمام البخاري رحمه الله (2697):حدثنا يعقوب حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد».
قال الإمام مسلم رحمه الله (1718) :حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد جميعا عن أبي عامر قال عبد حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري عن سعد بن إبراهيم قال سألت القاسم بن محمد عن رجل له ثلاثة مساكن فأوصى بثلث كل مسكن منها قال يجمع ذلك كله فى مسكن واحد ثم قال أخبرتنى عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ».
قال الإمام الترمذي رحمه الله(ج7ص438):حدثنا علي بن حجر حدثنا بقية بن الوليد عن بجير بن سعد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ». قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح.
[والحديث في الصحيح المسند للإمام الوادعي رحمه الله]
قال الإمام أبو داود رحمه الله(ج5ص18):حدثنا محمد بن كثير قال ثنا سفيان قال كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر ح وثنا الربيع بن سليمان المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا حماد بن دليل قال سمعت سفيان الثوري يحدثنا عن النضر ح وثنا هناد بن السري عن قبيصة قال ثنا أبو رجاء عن أبي الصلت وهذا لفظ حديث ابن كثير ومعناهم قال : كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر فكتب: أما بعد أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره (أراد التوسط بين الإفراط والتفريط) واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته وكفوا مؤنته فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أوعبرة فيها فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها ولم يقل ابن كثير " من قد علم " من الخطأ والزلل والحمق والتعمق فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم فإنهم على علم وقفوا وببصر نافذ كفوا ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى وبفضل ما كانوا فيه أولى فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه ولئن قلتم إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم فإنهم هم السابقون فقد تكلموا فيه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي فما دونهم من مقصر وما فوقهم من محسر (حسر الشيء يحسره أي كشفه) وقد قصر قوم دونهم فجفوا وطمح عنهم أقوام فغلوا وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. مختصرًا
قال العلامة الألباني :وهو أثر صحيح.
قال الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث (6):أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، قال: أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي، قال: أخبرني أبي قال،: سمعت الأوزاعي، يقول: عليك بآثار من سلف ، وإن رفضك الناس. وإياك ورأي الرجال، وإن زخرفوه بالقول. فإن الأمر ينجلي ، وأنت على طريق مستقيم.
قلت: وهوأثر صحيح .
وقال ابن أبي خيثمة رحمه الله في كتاب العلم (54) ثنا جرير عن العلاء عن حماد عن إبراهيم قال قال عبد الله اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلالة.
[ قال الألباني رحمه الله : هذا إسناد صحيح]
وفي الصارم المنكي لابن عبدالهادي رحمه الله (ص 471):قال ابن مسعود رضي الله عنه : من كان منكم مسنناً فليستن بمن قد مات ، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه ، فأعرفوا لهم حقهم ، وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ، وبسط هذا له موضع آخر .
وفي الرسالة التدمرية لابن تيمية رحمه الله (ص 96):وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما : يا معشر القراء استقيموا وخذوا طريق من كان قبلكم فو الله لئن اتبعتموهم لقد سبقتم سبها بعيدا ولئن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا.
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 158):
وما أحسن ما قال الشافعي رحمه الله في رسالته هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في فتاواه (ص250):وكل ما لم يكن عليه السلف الصالح فليس من الدين فقد كانوا أحرص على الخير من هؤلاء فلو كان فيه خير لفعلوه وقد قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:3] قال مالك بن أنس: فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا.
وقال أيضا في الموافقات (ج3ص280) :الحذر الحذر من مخالفة الأولين ! فلو كان ثم فضل ما لكان الأولون أحق به والله المستعان.ٍٍٍاهــ
وذلك لأنه لم يثبت عن أحد من السلف لا فى القرون المفضلة ولا من بعدهم قامت دعوته على هذه الطريقة وهم أحرص الناس لهدايتهم وإيصال الخير لهم وأعلم الناس بمصالح هذه الدعوة فلوكانت هذه صالحة لماتركوها مع وجود مقتضاهاوقد قال الإمام مالك: لن يصلح آخرهذه الأمة إلا ما أصلح أولها. فعلم أنها ليست فى صالح الدين ولا الدعوة ولا المجتمع بل فى إفسادها أظهر.)) أنتهى
قوله ص 08 ـ 09 ((أما الآن فلا بد من اصطناع هذهالروابط التي فرضها القانون وجعلها شرطا في الإقدام على بعض الأعمال التيلا غنى للمجتمع المسلم عنها ، ولا تقوم الرابطة بين أفراده كما ينبغي إلابها ،وأنى للمرء أن يحشر مع تلك الرفقة الطيبة إذا لم يكن على طريقها فيالدعوة الى ما دعت اليه ، وهو غير متمكن من ذلك في معظم الأعمال العامة إلابهذه الوسيلةقال تعالى{ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)}[النساء: ٦٩]
كثير من المطالب الشرعية التي تضمنتها نصوص الكتاب والسنة ومثلها في ذلك الأخبار الواردة في صفات المؤمنين كان الفرد المسلم يقوم بها وحده ، ويدعو اليها غيره ويتعاون مع إخوانه على تحقيقها أما في هذا العصر فإن كل ما يفعله الفرد هو أن يقول بلسانه ويحض بكلامه أو يقدم جهدا بمفرده وقد لا يقدر على القول بله الفعل أما أن ينتقل الى ما وراء ذلك من الفعل المؤثر الواسع فلا سبيل له إليه إلا في هيئة يعترف بها أولو الأمر ويسمحون لها بالنشاط.))
فتاوى العلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله
سئل ـ حفظه الله ـ (( زعم بعضهم أن الدعوة السلفية لا يكتب لها الانتشار إلا عن طريق الجمعيات , وعارض آخرون ومن جملة شواهدهم على ذلك ما يحصل بسببها من التفرق بين السلفيين ما تعليقكم على مثل هذه العبارة ؟.
الجواب : والله نقول :
وكل خير في اتباع من سلف ................. وكل شر في ابتداع من خلف
فإن السلف نشروا هذا الدين , وفتحوا الدنيا بالتعاون على البر والتقوى فكانوا يتعاونون في الجهاد بأموالهم وأنفسهم , لكن لا على الطريقة المنظمة المأخوذة عن الغرب , وإنما أنت تقدم نفسك ومالك وهو يقدم نفسه وماله , فالتقى جهدي مع جهدك فتعاونَّا على البر والتقوى , ودفعنا بكلمة الله إلى الأمام , وفتحنا هذا البلد وذلك البلد , وطبعا العلماء بعدهم لما فتح الله هذه الدنيا , فالعلماء رفعوا راية هذا العلم , ونشروه في العالم , هذا يدرس في مسجد , وهذا يدرس في مسجد , وتلتقي الجهود , وينشأ طالب فلان وطالب فلان على منهج واحد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , فتكون النتيجة والآثار و الثمار أفضل من هذه الجمعيات التي عجزت عن تخريج طلاب علم , فضلًا عن علماء وأضرب لكم مثلًا : الشيخ مقبل ـ رحمه الله ـ يعني كان يرفض الجمعيات , ورفض هذه الأساليب , وأنشأ له مركزًا وعلَّم طلابًا , بل خرج منهم علماء وكل واحد راح إلى بلده , وأنشأ مدرسة في بلده , وأخرجوا جيلًا جديدًا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , بينما هذه الجمعيات الآن في مشارق الأرض ومغاربها أخبرني بثمارها كم عالمًا خرجوا , لا شيء بينما هذا الرجل الضعيف الذي لا يملك مالًا ولا و لا ... بإخلاصه وجده , والله أوجد ما عجزت عنه كل هذه الجمعيات , وما عجزت عن عشر معشاره , فإنهم ما استطاعوا أن يخرجوا علماء , ثم غلب عليهم التحزب والولاء والبراء على جمعياتهم وحصل التفرق وكانت من أسباب تمزيق السلفيين في عدد من البلدان , هات لي جمعية الآن ـ إلا جمعية البر إلى الآن هذه الجمعية نسأل الله أن يحفظها , وننصحها أن تجتنب مسالك الجمعيات التي سبقتها ـ فإنها والله أرهقت الإسلام وأرهقت المنهج السلفي , ومزقت أهله وصارت بجبايتها الأموال من جيوب المسلمين تستعين بها على ضرب السلفية هنا وهناك في السودان والصومال في ارتيريا في الباكستان في الهند في أفغانستان ... تجمع هذه الأموال وتضرب بها المنهج السلفي بطرق غاية في المكر , هم يجيدون يضربون , لكن يجيدون كيف يُعلِّمون على منهج السلف الصالح هذا ما فشلوا فيه وعجزت عن النهوض به هذه الجمعيات , فنحن ننصح أن من علمه الله علما أن يأخذ مسجدا ويجمع حوله ناسا من الطيبين الذين يراهم ويعلمهم , أنا أرى لو أني أنا خرجت في المسجد عشرة علماء وأنت خرجت عشرة وهذا عشرة في بلد واحد , خرَّجنا أربعين , خمسينا عالما , والله خير من آلاف الجمعيات ومن آلا ف المعاهد التي تُنشأ هذه الجمعيات .)) أنتهى من (شريط : سلفيتنا أقوى من سلفية الألباني , شبة والرد عليها) منقول من شبكة سحاب
وسئل حفظه الله أيضا:كما هو في (شريط أسئلة شباب عدن في فتنة أبي الحسن.)
((قال السائل شيخنا مقبل رحمه الله تعالى أصل الدعوة السلفية في اليمن على العفة، وقد ألف لهم رسالة «ذم المسألة»، السؤال: بعض الدعاة ربما يسأل الناس أموالهم من أجل الدعوة، فما ضابط سؤال الناس من أجل الدعوة؟
فأجاب حفظه الله:على كل حال رحم الله الشيخ مقبل ونسأل الله أن يخلفه بخير في اليمن وفي غيرها، فإن هذا الرجل ذكرنا بزهد السلف، وبورعهم، وبعزتهم، وبشرفهم، وبإبائهم، وبشجاعتهم في قول الحق رحمه الله، وجلل مصاب الدعوة السلفية في اليمن جبرهم فيه وخلف عليهم بخير، نسأل الله أن يبارك في تلاميذه، وأن يجعل منهم من أمثاله الكثير، فإنه والله كان مثلًا في الزهد والورع، والاستهانة للدنيا، ولقد كان رجلًا بصيرًا حين كان يرفض المال ويحذر من السؤال، حتى إني أتذكر أنه شن الغارة على من يجمع المال باسمه، فما أنزهه وبارك الله فيه.
وليس بالضروري أن يتصدى الناس للسؤال باسم الدعوة فلم يفعل السلف مثل هذا، وأحمد بن حنبل رحمه الله هل كان يمد يده للأموال من أجل الدعوة؟! كان يرفض الأموال، ولقد ضرب أروع الأمثلة في الشرف والإباء حين شد الرحال إلى عبدالرزاق شد الرحال من العراق إلى صنعاء، ثم في طريقه هو ورفيقه يحيى بن معين حَجَّا، فوجدا عبدالرزاق في مكة المكرمة، فقال ابن معين لأحمد: هذا عبدالرزاق قد ساقه الله إلينا فلا نرحل، قال أحمد: لقد نويت الرحلة إلى صنعاء فلا أرجع، ثم سافر إلى صنعاء ونفد ماله رحمه الله، وعرف هذا أصدقاؤه، فقاموا يعرضون عليه المساعدة بالمال؛ فيرفضها ويحمل؛ جعل نفسه حمالًا يحمل الأثقال على ظهره لأهل الإبل البدو المساكين وهو إمام رحمه الله، رأى أن الحمل والعمل والأكل من ذات اليد أفضل آلاف المرات من أن يأخذ من الناس، لأن اليد العليا هي المعطية، واليد السفلى هي الآخذة، وأحمد لا يريد أن تكون يده سفلى رضي الله عنه، فأنا أنصح العلماء وطلاب العلم أن يعيدوا لنا سيرة شرف السلف، ويدركوا أن التهالك على المال من أخطر الأخطار على الدعوة السلفية، وبرهان ذلك أن الفتنة الآن تشتعل بسبب المال حينما –بارك الله فيكم- مد بعض الناس يده إلى هذه الجمعية وإلى تلك، فنعوذ بالله من فتنة المال، إنها والله فتنة؛ والله لعدد قليل من الطلاب يتخرجون من مسجد وهم أعفاء نبلاء شرفاء خير من ملايين الملايين من طلاب المال والمتهالكين على الدنيا، فنحن نوصي الشباب السلفي والعلماء منهم أن يعيدوا لنا سيرة السلف، كما رفعوا راية السنة فليرفعوا أيضًا راية العزة والشرف والزهد والورع والتنزه عن الركض وراء الدنيا، ووالله ما آذى الدعوة السلفية في اليمن إلا إفشاء المال واللهث وراءه فأدى إلى هذه الفتنة الآن، وكان للمال إسهامًا شديدًا في تأجيج نيران الفتن، ألا فليتوبوا إلى الله، وليعودوا إلى الله، وليتآخوا، نوصيهم بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر على كل مشاكل الحياة ﴿ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين﴾ ووالله إن السلف ما أوصلوا هذه الدعوة إلينا غضة طرية بالأموال والمراكب، وإنما أوصلوها بزهدهم وورعهم ونزاهتهم رضوان الله عليهم، فنوصي السلفيين في كل مكان وفي اليمن خاصة اليمن الذي رفع الله فيها راية السنة: أن يحافظوا على هذه الدعوة ولو جاءهم المال ليفسد بينهم فعليهم أن يركلوه بأرجلهم، ويمضوا في طريقهم أعزاء شرفاء ينشرون دعوة الله شريفة نظيفة))أنتهى
قوله ص10 ـ 11((لقد تمكن المسلمون حين نظموا أعمالهم في هيآت معتمدة أن يكون لهم محاكمشرعية في دول كافرة ، فهذه مملكة بريطانيا تسمح للمسلمين بإقامة عشراتالمحاكم الشرعية في ترابها ، ويتعدى اختصاص تلك المحاكم الأحوال الشخصيةالى غيرها، فيتحاكم إليها من شاء من المسلمين في تلك البلاد ، وليس من شكأن غرض الإنجليز من هذا وغيره ليس خدمة للإسلام ورعاية أحكامه ، وقد خدمتهذه الدولة اقتصادها بإقامة مصارف يقال إنها غير ربوية لتستقطب أموالالمسلمين فتتمكن من مراقبة حركتها والتعرف على مصادرها وتدمجها فيالاستثمارات وقد ينضم الى ذلك كسب الأصوات في الانتخابات فلم لا تفعل ذلككثير من حكومات المسلمين في أرض الإسلام ؟ ولم لا يسعى في تحقيق هذا الأمرمع أنه من الأمور العظيمة الأهيمة وقد ذكرت شيئا من هذا في كتابي عنالحزبية "واني لأتوقع لهذه الجمعيات فيأوطان المسلمين خاصة ووطنهم عامة ، متى كان لها ثقل علمي واجتماعي وقادهاأهل البصيرة الشرعية والاستقامة والأناة والتدرج أن يؤدي وجودها إن شاءالله الى تحقيق شيئ من هذا فتعود بعض أحكام الشرع للحياة العامة، وإلا فكيف يعجز المسلمين في ديار الإسلام عن تحقيق ما حققه المسلمون في ديار الكفر ؟ .))
أقول
ـإني لأعجب من إفتخار بن حنفية ببريطانيا وتشييد بهاوبحكومتها ورفعها على بلده ، بل أدهى من ذلك تنقيص للولاة أمره والطعن فيهم بطريقة مكرة خفية
بقوله ص 12 (( فكيف يكون الحال بعد أن غاب عن حياة المسلمين الحاكم الذي يقيم شرع الله ويصلح الدنيا بالدين في هذه الحال يأتي دور جماعة المسلمين كما كان العلماء يسمونها من قبل ويعطونها الصلاحية التي للإمام في غيبته أما اليوم فيجب أن تنشأ لتمارس بعض تلك الصلاحية مع وجوده لأنه تخلى عنها فالسعي في تأسيسها واجب لتقيم من الإصلاح ما تيسر))
ونسي أو تناسى مسكين قوله عزوجل﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾.البقرة 120
قال العلامة المفسر عبد الرحمن السعدي رحمه الله في كتابه التفسير عند التفسير هذه الأية ((يخبر تعالى رسوله، أنه لا يرضى منه اليهود ولا النصارى، إلا باتباعه دينهم، لأنهم دعاة إلى الدين الذي هم عليه، ويزعمون أنه الهدى)) أنتهى
وقال الله تعالى ﴿فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾ القلم 08 ـ09
قال الشيخ الهمام السعدي رحمه الله
((يقول الله تعالى، لنبيه صلى الله عليه وسلم: { فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ } الذين كذبوك وعاندوا الحق، فإنهم ليسوا أهلا لأن يطاعوا، لأنهم لا يأمرون إلا بما يوافق أهواءهم، وهم لا يريدون إلا الباطل، فالمطيع لهم مقدم على ما يضره، وهذا عام في كل مكذب، وفي كل طاعة ناشئة عن التكذيب، وإن كان السياق في شيء خاص، وهو أن المشركين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسكت عن عيب آلهتهم ودينهم، ويسكتوا عنه، ولهذا قال: { وَدُّوا } أي: المشركون { لَوْ تُدْهِنُ } أي: توافقهم على بعض ما هم عليه، إما بالقول أو الفعل أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه، { فَيُدْهِنُونَ } ولكن اصدع بأمر الله، وأظهر دين الإسلام، فإن تمام إظهاره، بنقض ما يضاده، وعيب ما يناقضه.)) أنتهى
فأين بن حنفية من هذا التوجيه والتحذير من رب العالمين ‼
وزيادة على هذا ذهب يموه ويدلس أمر الجماعات والجمعيات الحزبية الموجودة في بلاد الكفرومن بينها الموجودة في البريطانيا وصورها في صورة المحاكم الشرعية ، أين صدق الحديث والأمانة يا هذا ‼؟
نقول ما رأينا هذا الأسلوب الماكر في أبرز الدعاة إلى الجماعات والجمعيات الحزبية في زماننا هذا، ألا وهو عبد الرحمن عبد الخالق، وقد ألف فيها ومع ذلك كان صريح في دعوته إليها ومن ذلك قوله في كتابه (الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي ص32 ـ 33 ) :
(( وأما حكم التعدد للجماعات الإسلامية فالحق أنه راجع لطبيعة الجماعات وأعمالها وظروف المجتمعات التي تعيش فيها فالمصلحة الشرعية تحتم أحيانا التعدد في المجتمع الواحد وتحتم أحيانا التوحد والاجتماع وتجيزه أحيانا أخرى ويحدد هذا النظر الشرعي الصحيح المبني على دراسة وافية للنصوص الشرعية وطبيعة المجتمعات والدعوات القائمة والمهمات المنوطة بها . . . حدثني الشيخ داود أحمد فيصل الداعية المسلم في نيويورك وصاحب جماعة الدعوة إلى الإسلام هناك قال :
في نيويورك وحدها أكثر من أربعين جماعة تدعوا إلى الإسلام ، ولكن كل جماعة تدعوا إلى إسلام غير إسلام الجماعة الأخرى ، فمن يقول بجواز التعدد إذا كان علىهذا النحو من الفساد والبلبلة والصد عن سبيل الله))[6])
فرد عليه شيخنا ووالدنا قامع البدعة وناصر السنة المجاهد حامل اللواء الجرح والتعديل ذهبي زمانه ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في كتابه (جماعة واحدة لا جماعات ص 65 ـ 66)
((أقول :هذه الطوام وهذا العدد كله في مدينة واحدة فكم يبلغ أعداد الجماعات في باقي المدن الأمريكية وكندا وأمريكا الجنوبية وفي دول أوروبا: بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا وقارة استراليا ولا يبتعد أن يكون واقعها وأحوالها في هذه المدن مثل واقع الجماعات في نيويورك .
أقول لعبدالرحمن : ألا ترى أن أيدي وخطط أمريكا وسائر الدول الصليبية العدوة اللدود من وراء هذا الكم الهائل من الجماعات وأنها تشجع وتمول وتدرب هذه الجماعات على مصارعة بعضهم البعض ولعن بعضهم بعضا ولعل بعضهم يلعن دين البعض الآخر ويشوهه ؟!
أفرأيت أن لو رأت هذه الدول الكافرة أن المسلمين الموجودين في بلدانهم على دين الإسلام الحق وأن هذا الدين يجمعهم وهم حريصون على الاجتماع عليه وعلى أن يكونوا أمة واحدة أكانت هذه الدول تحتضنهم في بلدانها وتعطي لهم حرية الدعوة الصحيحة إلى التوحيد الحق والعبادات الصحيحة والعقائد الصحيحة والجهاد الإسلامي الصحيح ؟! كلا ثم كلا بل ستطاردهم من بلدانها وستغلق أبواب الهجرة إليها في وجوههم لأنهم يرون أن معنى هذا العمل إنما هو الانتحار والسعي لأنفسهم في الهلاك والدمار .
أما هذا التعدد الذي يرعونه في ديارهم ويغذونه بأموالهم وخططهم ومكرهم ودهائهم الذي يوهمون به هذه الجماعات ذات المناهج والعقائد المتعددة اللابسة لباس الإسلام ـ كما يقول فيصل ـ بأن بلادهم بلاد الحرية وأنهم يعيشون فيها أحراراً فإنما هو لصالحهم ولتحقيق مصالحهم وأهدافهم وغاياتهم التي تضمن لهم سحق الإسلام وإذلال أهله واستعبادهم عن طريق هذا التفرق والتمزق الذي نجحوا فيه غاية النجاح على قاعدتهم (فرِّق تَسُد) وكان في هذا الواقع السئ ما يوقف عبدالرحمن عن غلوائه في الدعوة إلى تعدد الجماعات ، وما يوقف هجومه على السلفيين الداعين لأمة الإسلام أن تكون أمة واحدة ذات عقيدة واحدة ومنهج واحد ، ولكنه مع الأسف استمر في هذا المضمار بعد علمه فلا حول ولا قوة إلا باللَّـه .)) أنتهى
تنبيه: يلاحظ من العابدين في رسالته هذه أنه يدعو إلى قراءة الكتب التالية
1ـ كتاب منهج السلف الصالح في ترجيح المصالح لعلي حسن الحلبي
2ـ كتاب هل الحزبية وسيلة إلى الحكم بما أنزل الله من تأليفه
3ـ كتاب العجالة في شرح الرسالة من تأليفه
4ـ كتاب المخرج من تحريف المنهج من تأليفه
ولا يخفى على من اطلع على هذه الكتب ووقف على حقيقة أمرها علم أنها تحوي في طياتها البلايا والطامات والخزعبلات والتأصيلات البدعية و التقعيدات الفاسدة الهدامة لأصول السنة السلفية ، فحذاري ، حذاري ياأهل الإسلام من الدعاة الحزبية، فالقوم لهم حيل وأساليب وطرق خفية فتنبهوا لذلك
(1) الجـمعـيّـات حركة بلا بركة /تقديم شيخنا العلامة أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله ورعاه. /تأليف أبي الحسين الجاوي الإندونيسي
علق على بعضها أبو تراب الجاوي دار الحديث بدماج
(2) تنبيهٌ وتحذيرٌ حول رسالة «الجمعيات من وسائل الدعوة إلى الله»
لكاتبها: بن حنفية العابدين سحاب
(3)قال الشيخ الألباني في الهامش : الحق أن حجج الله تعالى التي سماها بينات هي مكشوفة واضحة لا خفاء بها و إنما تحفى على من في قلبه كن و في أذنيه وقر و على بصره غشاوة من هواه و أخلاقه و ما اعتاد . م ع
(4) كما هو في مقدمة الرسالة من ص 3إلى ص 8 ط مكتبة الرشاد للطباعة والنشر والتوزيع ـ الجزائر
([5])قاله الشيخ في الهامش: القائم على منهج الكتاب والسنة وما عليه المسلمون قديماً وحديثاً .
(6) قال الشيخ في الهامش: لا يحصل التعدد إلا بسبب الاختلاف في الاعتقاد أو الاختلاف في المطامع والأهداف، وهذا هو واقع ما يسمى بالجماعات الإسلامية اليوم .
وأما إذا صلحت العقيدة وسلم الهدف فإنه لا يحصل تعدد ولا اختلاف كما هي حال سلف هذه الأمة وإن حصل اختلاف في المسائل الفقهية الاجتهادية فإنه لا يوجب العداوة والبغضاء
.............يتبع إن شاء الله
وفيه رد على رسالة ( الجمعيات من وسائل الدعوة إلى الله ) لبن حنفية العابدين
الحلقة الأولة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده وسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء:1] . ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتُها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ألا وإن تفرق الأمة إلى شيع وأحزاب وفرق محرمٌ بنص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة، إلا أن قدر الله الكوني نفذ، وتفرقت الأمة، وخالفت أمر الله سبحانه بالاجتماع على المنهج الحق؛ فصار لكل حزب منهج خاص به، يفارق به منهاج النبوة الذي حمله أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكل حزب بمنهجه مغرور فرح، كما قال سبحانه: { فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
ومن صور الحزبية التي استحدثت في الزمان القريب: هذه الأحزاب السياسية البدعية التي اتخذت الدين مطية لها؛ لتحقيق أغراضها وأطماعها في الرئاسة والملك.
ومن أجل هذا، فقد اجتمعت كلمة العلماء الربانيين على تحريم الانتماء إلى هذه الأحزاب المعاصرة، وعلى التحذير من مناهجها الفاسدة المبنية على أصول الفرق البدعية: القديمة الظهور، المستمرة إلى وقتنا هذا.
ولما رأى شياطين الإنس والجن، اجتماع كلمة السلفيين على منهاج النبوة، ونبذهم لهذه الأحزاب، راموا خرق هذا الاجتماع، بتزيينهم صورة جديدة من صور التفرق، لكنهم ألبسوها لباس المصلحة الدعوية، وهذه الصورة هو ما يسمَّى بـ: "الجمعيات الدعوية". تحت ستار العلم والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأعمال الخيرية.
فإذا الأيام تكشف حقيقتها وفتنتها، أنها حزبية عصرية مغلفة، فقد ضاع الشباب والدعاة وطلبة العلم بسببها، فهل من مدكر؟
فالواجب على المسلم إنكارها بل إزالتها عن أوساط المسلمين لأنها تسبب الفرقة والاختلاف الذي نهانا الله عنه في كتابه وعلى لسان رسوله.
والله تعالى يقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران:103] ويقول: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران:105] ويقول: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم/31، 32].(1)
هذا ،وقد لاحظ(2) ـ في الآونةِ الأخيرةِ ـ تفعيلاً غيرَ مرغوب فيه على الساحة الدعوية من أحد المنتسبين إلى هذه الدعوة السلفيّة ، وذلك من خلال نشاطه المستميت في تكريس مضامين رسالته الموسومة بـ: «الجمعيات من وسائل الدعوة إلى الله»! المتضمّنة تسويغ إقامة جمعيات حزبية، والنشاط تحت لوائها، وقد ساعده في ذلك ثلةٌ من أتباعه.
إن هذه الدعوة المخالفة في منهجها وانتمائها، فيها توجيه للشباب السلفي ـ تدريجيًّا ـ إلى اتخاذ مَقرَّات الجمعيات الإخوانية والجزأرية وسيلةً للدعوة إلى الله، وذلك بُغيةَ جَرِّهم إلى الانخراط في عضويتها والتحزّب تحت شعارها، وتكثير سوادها، وهي جمعيات حزبية معروفة بعدائها للمنهج السلفي، وتحمل شعاراً مُبايِناً لأهل السُّنَّة في معتقدهم، ومنافيًا للتوحيد ـ الحقّ ـ في مسلكهم، وأهدافا وغايات مفرِّقةً للجماعة في منهجهم، وهذا يتعارض مع أصل أهل السنة في وجوب موالاة أهل الحق، ومعادة أهل الأهواء والباطل.
وقد حاول الكاتبُ ـ هداه الله ـ ؛ التلبيسَ والتدليسَ على معظم شباب منطقته وغيرها من الجهات، بما تضمّنته رسالته من إجمال بلا تفصيل، وتفريع بلا تقعيد ولا تأصيل، ومن ذلك عدم التفريق بين التعاون الخيري الشرعي والتجمُّع الحزبي البدعي، والعمل بالقاعدة الميكافيلية المردودة شرعًا: «الغَايَةُ تُبَرِّرُ الوَسِيلَةَ»! وهذا منافٍ لقاعدة الشريعة: أنّ الوسائل تتبع المقاصد في أحكامها، فيعتبر خروجًا عن الصواب، وعدولاً عن الحق بلا ارتياب.
ولهذا رأيت أن أحرر هذه الكلمات وهي جهد المقل لكي أبين بعضا من مخالفات وتقعيدات وتأصيلات وأراجيف ـ التي هي من سمات الحزبيين ـ التى رجف بها بن حنفية العابدين في رسالته أنفة الذكر وذلك منه تلبيسا وغشا للأمة وإغرار بشبابها والله المستعان
وقبل البدء، هنا تنبيهان يجدر بي أن أنبه عليهما و أذكر بهما أهل الإسلام عامة وأهل السنة خاصة
ــ أن من صبر أحوال دعاة أهل البدع ومربيهم المطعون في ديانتهم لوجد أن لهم قدرة على البحث والتنقيب ولهم من الذكاء والفطنة والدهاء على أن يغيروا ويبدلوا حقائق الأمور كما يحلو لهم من جعل الباطل حقا والحق باطلا والله المستعان
فالقوم إمتازوا بالمكر والخديعة والدهاء مما جعلهم يصرفوا وجوه العامة إليهم، ولبسوا عليهم أمر دينهم وإغتر بهم من أغتر والمعصوم من عصمه الله
وهذا لا يخفى على من عرف وصبر أحوال القوم على مر العصور والتاريخ فالحذر، الحذر
قال شيخ الإسلام رحمه الله في (مجموع الفتاوى ج 5 / ص 118) المكتبة الشاملة
((ثُمَّ إنْ كَانَ قَدْ خُبِّرَ نِهَايَاتِ أَقْدَامِ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْمُتَكَلِّمِين فِي هَذَا الْبَابِ ؛ وَعَرَفَ أَنَّ غَالِبَ مَا يَزْعُمُونَهُ بُرْهَانًا هُوَ شُبْهَةٌ وَرَأَى أَنَّ غَالِبَ مَا يَعْتَمِدُونَهُ يُؤَوَّلُ إلَى دَعْوَى لَا حَقِيقَةَ لَهَا ؛ أَوْ شُبْهَةٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْ قِيَاسٍ فَاسِدٍ ؛ أَوْ قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ لَا تَصِحُّ إلَّا جُزْئِيَّةً ؛ أَوْ دَعْوَى إجْمَاعٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ؛ أَوْ التَّمَسُّكِ فِي الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلِ بِالْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ . ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ إذَا رُكِّبَ بِأَلْفَاظِ كَثِيرَةٍ طَوِيلَةٍ غَرِيبَةٍ عَمَّنْ لَمْ يَعْرِفُ اصْطِلَاحَهُمْ - أَوْهَمَتْ الْغِرَّ مَا يُوهِمُهُ السَّرَابُ لِلْعَطْشَانِ - ازْدَادَ إيمَانًا وَعِلْمًا بِمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَإِنَّ " الضِّدَّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ " وَكُلُّ مَنْ كَانَ بِالْبَاطِلِ أَعْلَمُ كَانَ لِلْحَقِّ أَشَدَّ تَعْظِيمًا وَبِقَدْرِهِ أَعْرَفَ إذَا هُدِيَ إلَيْهِ . فَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُونَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ فَيُخَافُ عَلَيْهِمْ مَا لَا يُخَافُ عَلَى مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ وَعَلَى مَنْ قَدْ أَنْهَاهُ نِهَايَتُهُ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ فَهُوَ فِي عَافِيَةٍ وَمَنْ أَنْهَاهُ فَقَدْ عَرَفَ الْغَايَةَ فَمَا بَقِيَ يَخَافُ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ عَطْشَانُ إلَيْهِ قَبْلَهُ وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ فَيَتَوَهَّمُ بِمَا يَتَلَقَّاهُ مِنْ الْمَقَالَاتِ الْمَأْخُوذَةِ تَقْلِيدًا لِمُعَظِّمَةِ هَؤُلَاءِ . وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ : أَكْثَرُ مَا يُفْسِدُ الدُّنْيَا : نِصْفٌ مُتَكَلِّمٌ وَنِصْف ٌمُتَفَقِّهٌ وَنِصْفٌ مُتَطَبِّبٌ وَنِصْفٌ نَحْوِيٌّ هَذَا يُفْسِدُ الْأَدْيَانَ وَهَذَا يُفْسِدُ الْبُلْدَانَ وَهَذَا يُفْسِدُ الْأَبْدَانَ وَهَذَا يُفْسِدُ اللِّسَانَ . وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي الْغَالِبِ( لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ) ( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ) يَعْلَمُ الذَّكِيُّ مِنْهُمْ وَالْعَاقِلُ : أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ فِيمَا يَقُولُهُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَأَنَّ حُجَّتَهُ لَيْسَتْ بِبَيِّنَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قِيلَ فِيهَا : - حُجَجٌ تهافت كَالزَّجَّاجِ تَخَالُهَا حَقًّا وَكُلُّ كَاسِرٍ مَكْسُورٌ وَيَعْلَمُ الْعَلِيمُ الْبَصِيرُ بِهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ وَجْهٍ مُسْتَحِقُّونَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ :( حُكْمِي فِي أَهْلِ الْكَلَامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَيُطَافُ بِهِمْ فِي الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ وَيُقَالُ : هَذَا جَزَاءُ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْبَلَ عَلَى الْكَلَامِ) . وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ إذَا نَظَرْت إلَيْهِمْ بِعَيْنِ الْقَدَرِ - وَالْحَيْرَةُ مُسْتَوْلِيَةٌ عَلَيْهِمْ وَالشَّيْطَانُ مُسْتَحْوِذٌ عَلَيْهِمْ - رَحِمَتْهُمْ وَتُرُفِّقْت بِهِمْ ؛ أُوتُوا ذَكَاءً وَمَا أُوتُوا ذَكَاءً وَأُعْطُوا فُهُومًا وَمَا أُعْطُوا عُلُومًا وَأُعْطُوا سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً ( فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) . وَمَنْ كَانَ عَلِيمًا بِهَذِهِ الْأُمُورِ : تَبَيَّنَ لَهُ بِذَلِكَ حِذْقُ السَّلَفِ وَعِلْمُهُمْ وَخِبْرَتُهُم ْحَيْثُ حَذَّرُوا عَنْ الْكَلَامِ وَنَهَوْا عَنْهُ وَذَمُّوا أَهْلَهُ وَعَابُوهُمْ وَعَلِمَ أَنَّ مَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَمْ يَزْدَدْ مِنْ اللَّهِ إلَّا بُعْدًا . فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَهْدِيَنَا صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ آمِينَ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَاتُهُ وَسَلَامُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ )) انتهى.
وقال أيضا في (مجموع الفتاوى ج 9 / ص 37) المكتبة الشاملة
(( وَالْقَوْمُ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذَكَاءٌ وَفِطْنَةٌ ؛ وَفِيهِمْ زُهْدٌ وَأَخْلَاقٌ - فَهَذَا الْقَدْرُ لَا يُوجِبُ السَّعَادَةَ وَالنَّجَاةَ مِنْ الْعَذَابِ إلَّا بِالْأُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ : مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ وَإِخْلَاصِ عِبَادَتِهِ ؛ وَالْإِيمَانِ بِرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ؛ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ . وَإِنَّمَا قُوَّةُ الذَّكَاءِ بِمَنْزِلَةِ قُوَّةِ الْبَدَنِ وَقُوَّةِ الْإِرَادَةِ . فَاَلَّذِي يُؤْتَى فَضَائِلَ عِلْمِيَّةً وَإِرَادِيَّةً بِدُونِ هَذِهِ الْأُصُولِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُؤْتَى قُوَّةً فِي جِسْمِهِ وَبَدَنِهِ بِدُونِ هَذِهِ الْأُصُولِ . وَأَهْلُ الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْمُلْكِ وَالْإِمَارَةِ وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ ،وَهَؤُلَاءِ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ؛ وَيُؤْمِنَ بِرُسُلِهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ . وَهَذِهِ الْأُمُورُ مُتَلَازِمَةٌ . فَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَزِمَ أَنْ يُؤْمِنَ بِرُسُلِهِ وَيُؤْمِنَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ؛ فَيَسْتَحِقَّ الثَّوَابَ وَإِلَّا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ يَخْلُدُ فِي الْعَذَابِ هَذَا إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ بِالرُّسُلِ . وَلَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمُلْكِ وَالْعِلْمِ قَدْ يُعَارِضُونَ الرُّسُلَ وَقَدْ يُتَابِعُونَهُمْ ؛ ذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ . فَذَكَرَ فِرْعَوْنَ ؛ وَاَلَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ لَمَّا آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْمَلَأَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْتَكْبِرِينَ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ وَذَكَرَ قَوْلَ عُلَمَائِهِمْ كَقَوْلِهِ : ( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ )( فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ) وَقَالَ تَعَالَى : ( مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ ) ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) - إلَى قَوْلِهِ – ( الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ) وَالسُّلْطَانُ هُوَ الْوَحْيُ الْمُنَزَّلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ : ( أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ) وَقَوْلِهِ : ( مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " كُلُّ سُلْطَانٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ الْحُجَّةُ " ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ . وَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ " سُورَةَ حم غَافِر " مِنْ حَالِ مُخَالِفِي الرُّسُلِ مِنْ الْمُلُوكِ وَالْعُلَمَاءِ مِثْلَ مَقُولِ الْفَلَاسِفَةِ وَعُلَمَائِهِمْ وَمُجَادَلَتِهِمْ وَاسْتِكْبَارِهِمْ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ : مِثْلُ قَوْلِهِ : ( إنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إنْ فِي صُدُورِهِمْ إلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ) وَمِثْلُ قَوْلِهِ : ( أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ ) ( الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)( إذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ) ( فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ) - إلَى قَوْلِهِ - { ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ } وَخَتَمَ السُّورَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ } . وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَالْأَعْرَافِ وَعَامَّةِ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَطَائِفَةٍ مِنْ السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ فَإِنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى خِطَابِ هَؤُلَاءِ وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ وَالْمَقَايِيسِ لَهُمْ وَذِكْرِ قِصَصِهِمْ وَقِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ مَعَهُمْ . فَقَالَ سُبْحَانَهُ : { وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } فَأَخْبَرَ بِمَا مَكَّنَهُمْ فِيهِ مِنْ أَصْنَافِ الْإِدْرَاكَاتِ وَالْحَرَكَاتِ . وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ حَيْثُ جَحَدُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَهِيَ الرِّسَالَةُ الَّتِي بَعَثَ بِهَا رُسُلَهُ . وَلِهَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ الشَّيْخِ الحصيري عَنْ وَالِدِهِ الشَّيْخِ الحصيري (*) - شَيْخِ الْحَنَفِيَّةِ فِي زَمَنِهِ - قَالَ : كَانَ فُقَهَاءُ بخارى يَقُولُونَ فِي ابْنِ سِينَا : كَانَ كَافِرًا ذَكِيًّا . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ } الْآيَةُ وَالْقُوَّةُ تَعُمُّ قُوَّةَ الْإِدْرَاكِ النَّظَرِيَّةَ وَقُوَّةَ الْحَرَكَةِ الْعَمَلِيَّةَ . وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : { كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ } فَأَخْبَرَ بِفَضْلِهِمْ فِي الْكَمِّ وَالْكَيْفِ وَأَنَّهُمْ أَشَدَّ فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي آثَارِهِمْ فِي الْأَرْضِ . وَقَالَ تَعَالَى : { فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } - إلَى قَوْلِهِ - { اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } . وَقَالَ تَعَالَى : { فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } - إلَى قَوْلِهِ - { وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ } .
وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ عَنْ أَتْبَاعِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْمُلْكِ وَالْعِلْمِ الْمُخَالِفِينَ لِلرُّسُلِ { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ } { وَقَالُوا رَبَّنَا إنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا } { رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ } - إلَى قَوْلِهِ - { إنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ } . وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ يُذْكَرُ فِيهِ مِنْ أَقْوَالِ أَعْدَاءِ الرُّسُلِ وَأَفْعَالِهِمْ وَمَا أُوتُوهُ مِنْ قُوَى الْإِدْرَاكَاتِ وَالْحَرَكَاتِ الَّتِي لَمْ تَنْفَعْهُمْ لَمَّا خَالَفُوا الرُّسُلَ . وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا فِي الْمُنْتَسِبِينَ إلَى أَتْبَاعِ الرُّسُلِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعِبَادِ وَالْمُلُوكِ مِنْ النِّفَاقِ وَالضَّلَالِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } . { وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا يُقَالُ : صَدَّ صُدُودًا أَيْ أَعْرَضَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا } وَيُقَالُ : صَدَّ غَيْرَهُ يَصُدُّهُ وَالْوَصْفَانِ يَجْتَمِعَانِ فِيهِمْ وَمِثْلَ قَوْلِهِ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " { مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ : طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ : طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ : رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْحَنْظَلَةِ : طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا } " فَبَيَّنَ أَنَّ فِي الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ : مُؤْمِنِينَ وَمُنَافِقِينَ )) أنتهى .
قال الإمام الحافظ شمس الدين أبوعبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي رحمه الله في (ميزان الاعتدال في نقد الرجال ج 3 / ص 340) عند ترجمة الفخر الرازي
(( الفخر بن الخطيب صاحب التصانيف رأس في الذكاء والعقليات لكنه عرى من الآثار وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث حيرة نسأل الله ان يثبت الإيمان في قلوبنا)) المكتبة الشاملة
وقال الشيخ العلامة المحقق المدقق الوالد محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في مقدمة شرح البيقونية ص 14 ط دار الأثار (( وفي الحقيقة الزمخشري ـ نسأل الله لنا وله العافية ـ معتزلي لكنه جيد عفريت من العفاريت يأتي بالكلمة من الأعتزال لا يحس الإنسان بها إطلاقا ولا يدري أي شئ تهدف إليه يقال عن ابن البلقيني أنه قال : أخرجت من الكشاف ـ وهو تفسير القرأن للزمخشري ـ اعتزاليات بالمناقيش ، وهذا يدل على أنه خفي جدا)) أنتهى
وقال فضيلة الشيخ العلامة المجاهد الوالد ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في مقدمة الكتاب (التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من الأباطيل) ص03 ـ 04 ط مجالس الهدى : (إنا أبا الحسن المصري المأربي أعجوبة من أعاجيب هذا الزمان لا أجد له نظيرا في القدرة على الثرثرة و كثرة الكلام ويتمتع بقدرة هائلة على تقليب الأمور وجعل الحق باطلا والباطل حقا
و الظالم مظلوما و المظلوم البريء ظالما و إلباس نفسه لباس التقوى و الورع وإلباس الأبرياء لباس الفجار الهدامين المفسدين الظالمين كما فعل ذلك في عدد من أشرطته
مما يدل على خبرة طويلة راسخة ومهارة نادرة في هذه الميادين إلى درجة لا يلحق فيها ولا يبلغ فيها شأوه
استمع إلى أشرطته وقرأ شيئا من كتابته فأي إنسان عنده مسكة من عقل ولمعة من الذكاء يدرك هذه الصفات ويدرك مدى رسوخه فيها إن هذا الرجل صاحب فتنة عظمة قد أعد لها العدة لعله منذ وطئت قدماه اليمن اومن قبل ذلك
ومن أهم الأمور أن من ورائه ووراء فتنته رجالا وأموالا تدفع هذه الفتنة إلى الأمام وتغذيها وتؤججها وهذه أمور ظاهرة ملموسة وكل يوم تزداد ظهورا
ولقد بدأ أبو الحسن يمهد لإعلان حربه وفتنته باللهج بالأصول والتأصيل موهما للرعاع أن الدعوة السلفية غير مؤصلة كأنها هو المنقذ لهذه الدعوة من الفوضى والضياع اللذان نزلا بها
ثم شرع يقذف بهذه الأصول التي تهدف إلى تقويض جانب مهم من أصول الدعوة السلفية التي قامت عليها منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم تضمنتها نصوص القرآن و السنة و حفتها حماية الصحابة
والتابعين لهم بإحسان و أئمة الهدى و دونت في كتب العقائد و الأصول و علوم الحديث و كتب الجرح والتعديل العام والخاص لقد عني أبو الحسن -إمعانا - في الكيد وتمهيدا للفتنة بدراسة الجرح والتعديل ليكسبوفعلا انخدع به السلفيون وبما يتظاهر به من السلفية لأن علماءهم لا يسمعون هذا الدمار في أشرطته ولأنهم يعاملونه وغيره بناءا على الظاهر ومن باب (من خدعنا بالله انخدعنا به)) أنتهى
أقول : لبن حنفية العابدين المعسكري له نصيب أوفر من الذكاء والفطنة مما جعله يلبس ويدلس حقائق الأمور، مع ما له من قوة في دمج الكلام بعضه في البعض وزخرفته بإستدلالته بالنصوص العامة ، وحيدته عن الحق بشبه واهية ، مع ما يتمتع به من بضاعة الحزبية
ولهذا أوصي شباب الأمة الحذرمن دهماء الشر ودهاته ، وعليهم وينبغي لهم الرجوع إلى علماء الأمة الذين عرفوا بالصدق وسلامة العقيدة ونصح للأمة ، عندما تعصف فتن القوم وتهب رياحهم
واعلموا رحمكم الله أن دين الله محمي محفوظ باقي ما بقت السموات والأرض إلى أن يرثى الله عزوجل الأرض ومن عليها ، وأنه لا تزال طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة ينصر الله عزوجل بهم الدين ويظهره على أيديهم ويكشف بهم زغل أهل الباطل وبهرجهم
فابشروا ياأهل الإسلام بهذا الخير العظيم الذي هو من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم ،فاحمدوا الله ، وشكروه على هذه النعمة ، وقموا بواجبها ومن أعظمها الرجوع إلى علمائكم ومعرفة قدرهم وتعظمهم ورفع من شأنهم من غير الإفراط ولا التفريط وعدم التقدم بين أيديهم والحذر، الحذرمن الإستقلالية عنهم وهى من أول علامات خذلان العبد أعوذ بالله من حَور بعد كَور
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله في كتابه ( التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ج 1 ص 47 ـ 48 ط مكتبة المعارف )
(( ولا ريب أن فيمن يتسم بإصلاح من المبتدعة وكذا من أهل السنة من يقع في الكذب إما تقحماً في الباطل ، وإما على زعم أنه لا حرج في الكذب في سبيل تثبيت الحق ، ولا يختص ذلك بالعقائد بل وقع فيما يتعلق بفروع الفقه وغيرها كما يعلم من مراجعة كتب الموضوعات ، وأعداء الإسلام ، وأعداء السنة يتشبثون بذلك في الطعن في السنة كأنهم لا يعلمون أنه لم يزل في أخبار الناس في شؤون دنياهم الصدق والكذب ، ولم تكن كثرة الكذب بمانعة من معرفة الصدق إما بيقين وإما بظن غالب يجزم به العقلاء ويبنون عليه أموراً عظاماً ، ولم يزل الناس يغشون الأشياء النفيسة ويصنعون ما يشبهها كالذهب والفضة والدر والياقوت والمسك والعنبر والسمن والعسل والحرير والخز وغيرها، ولم يحل ذلك دون معرفة الصحيح ، والخالق الذي هيأ لعباده ما يحفظون به مصالح دنياهم هو الذي شرع لهم دين الإسلام وتكفل بحفظه إلى الأبد وعنايته بحفظ الدين أشد وأكد لأنه هو المقصود بالذات من هذه النشأة الدنيا قال الله عز وجل : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } .
ومن مارس أحوال الرواية وأخبار رواة السنة وأئمتها علم أن عناية الأئمة بحفظها وحراستها ونفي الباطل عنها والكشف عن دخائل الكذابين والمتهمين كانت أضعاف عناية الناس بأخبار دنياهم ومصالحها ، وفي ( تهذيب التهذيب ) ج 1 ص 152 : (( قال إسحاق بن إبراهيم : أخذ الرشيد زنديقاً فأراد قتله فقال : أين أنت من ألف حديث وضعتها ؟ فقال له : أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلانها حرفاً حرفاً ؟ )) وقيل لابن المبارك : هذه الأحاديث المصنوعة ؟ قال : تعيش لها الجهابذة. وتلا قول الله عز وجل : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . والذكر يتناول السنة بمعناه إن لم يتناولها بلفظه ، بل يتناول العربية وكل ما يتوقف عليه معرفة الحق ، فإن المقصود من حفظ القرآن أن تبقى الحجة قائمة والهداية دائمة إلى يوم القيامة لأن محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء ، وشريعة خاتمة الشرائع ، والله عز وجل إنما خلق لعبادته فلا يقطع عنهم طريق معرفتها ، وانقطاع ذلك في هذه الحياة الدنيا وانقطاع لعلة بقائهم فيها . قال العراقي في ( شرح ألفيته ) ج 1 ص 267 : (( روينا عن سفيان قال : ما ستر الله أحداً يكذب في الحديث ، وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال : لو أن رجلا هَمَّ أن يكذب في الحديث لأسقطه الله ، وروينا عن ابن المبارك قال : لو هَمَّ رجل في السحر أن يكذب في الحديث لأصبح والناس يقولون فلان كذاب )) .أنتهى
والتنبيه الثاني : أن الملاحظ على العابدين في رسالته (الجمعيات من وسائل الدعوة إلى الله ) أنه ألبسها لباس الإجمال والعموميات وزينها بزخارف القول من الباطل في أطرافه شيء من الحق ممزوج بالشبهات فمثله مع نصوص الكتاب والسنة وما رام إليه، كمثل الجمل الأعور إذا مر بأرض المخضرة جانب منها قد أكل ورعي فلا ينظر إلا إلي هذا الجانب يقول الشيخ البارع الناقد البصير محمد بن هادي المدخلي * حفظه الله وزاده الله كل حرص * في مجلس له مع الشيخ عبد المحسن العبيكان حفظه الله ،مسجل
:( إن مثل هذا كمثل جمل الأعور الذي مر بأرض ذات ربيع وجانب منها قد أكل ورعي ولكن العين السليمة في الجانب الذي أكل ورعي فلا يرى إلا هذا ، ويترك الخير الكثير لأنه لا يراه
ورويدا...رويدا ،فكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كله ربيع، أرض مخضرة فإنه عليه الصلاة والسلام قال :(مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرض فكان منها طائفة نقية قبلت الماء فأنبتت العشب والكلاء الكثير ) فكلامه كله ربيع ولكن الأرض النقية هي القلوب من يرد عليها هذا الكلام فتنتفع في نفسها وينتفع غيرها وهذا الذي مثلناه بجمل الأعور لا يرى إلا كلام معظمه الذي يعظمهم وشبههم التي أطلقوها فذهب يتمسك بهاوهو لا يعرف ) أنتهى
قال شيخ الإسلام ابن قيم رحمه الله في״ الصواعق المرسلة ج 3 / ص 925 المكتبة الشاملة״-واصفا حال أهل البدع-
( إن هؤلاء المعارضين للكتاب والسنة بعقلياتهم التي هي في الحقيقة جهليات إنما يبنون أمرهم في ذلك على أقوال مشتبهة محتملة تحتمل معاني متعددة ويكون ما فيها من الاشتباه في المعنى والإجمال في اللفظ يوجب تناولها بحق وباطل فبما فيها من الحق يقبل من لم يحط بها علما ما فيها من الباطل لأجل الاشتباه والالتباس ثم يعارضون بما فيها من الباطل نصوص الأنبياء وهذا منشأ ضلال من ضل من الأمم قبلنا وهو منشأ البدع كلها فإن البدعة لو كانت باطلا محضا لما قبلت ولبادر كل أحد إلى ردها وإنكارها ولو كانت حقا محضا لم تكن بدعة وكانت موافقة للسنة ولكنها تشتمل على حق وباطل ويلتبس فيها الحق بالباطل كما قال الله تعالى ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ) البقرة 24فنهى عن لبس الحق بالباطل وكتمانه ولبسه به خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالآخر ومنه التلبيس وهو التدليس والغش الذي يكون باطنه خلاف ظاهره فكذلك الحق إذا لبس بالباطل يكون فاعله قد أظهر الباطل في صورة الحق وتكلم بلفظ له معنيان معنى صحيح ومعنى باطل فيتوهم السامع أنه أراد المعنى الصحيح ومراده الباطل فهذا من الإجمال في اللفظ
وأما الاشتباه في المعنى فيكون له وجهان هو حق من أحدهما وباطل من الآخر فيوهم إرادة الوجه الصحيح ويكون مراده الباطل فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة ولا سيما إذا صادفت أذهانا مخبطة فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوى وتعصب فسل مثبت القلوب أن يثبت قلبك على دينه وأن لا يوقعك في هذه الظلمات قال الإمام أحمد في خطبة كتابه في الرد على الجهمية:״ الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بكتاب الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من تائه ضال قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون على مخالفة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين״ وهذه الخطبة تلقاها الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب أو وافقه فيها فقد ذكرها محمد بن وضاح في أول كتابه في الحوادث والبدع فقال: حدثنا أسد ثنا رجل يقال له يوسف ثقة عن أبي عبدالله الواسطي رفعه إلى عمر بن الخطاب أنه:״ قال الحمد لله الذي امتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله أهل العمى كم من قتيل لإبليس قد أحيوه وضال تائه قد هدوه بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم وما نسيهم ربك وما كان ربك نسيا جعل قصصهم هدى وأخبر عن حسن مقالاتهم فلا تقصر عنهم فإنهم في منزلة رفيعة وإن أصابتهم الوضيعة״ اه
فقوله يتكلمون بالمتشابه من الكلام هو الذي له وجهان يخدعون به جهال الناس كما ينفق أهل الزغل النقد المغشوش الذي له وجهان يخدعون به من لم يعرفه من الناس فلا إله إلا الله كم قد ضل بذلك طوائف من بني آدم لا يحصيهم إلا الله) أنتهى
فائدة : مهما زخرف المزخرف ولبس الملبس وكتم الحق وأظهر الباطل في صورة الحق ، فالحق أحق أن يظهر ويعلو فوق الباطل ويضمحل معه الزغل وينكب أهله
قال الشيخ العلامة المفسر عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في كتابه القيم ( تيسيرالكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 553 ) عند تفسير قوله تعالى :
((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)) الفرقان(31)
((أي: من الذين لا يصلحون للخير ولا يزكون عليه يعارضونهم ويردون عليهم ويجادلونهم بالباطل.
من بعض فوائد ذلك أن يعلو الحق على الباطل وأن يتبين الحق ويتضح اتضاحا عظيما لأن معارضة الباطل للحق مما تزيده وضوحا وبيانا وكمال استدلال وأن يتبين ما يفعل الله بأهل الحق من الكرامة وبأهل الباطل من العقوبة، فلا تحزن عليهم ولا تذهب نفسك عليهم حسرات { وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا } يهديك فيحصل لك المطلوب ومصالح دينك ودنياك. { وَنَصِيرًا } ينصرك على أعدائك ويدفع عنك كل مكروه في أمر الدين والدنيا فاكتف به وتوكل عليه.)) أنتهى
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله في كتابه (القائد إلى العقائد ص 21 ـ 22 ط المكتب الإسلامي )
((وكما اقتضت أن الحكمة أن لا تكون حجج الحق مكشوفة (3) قاهرة فكذلك اقتضت أن لا تكون الشبهات غالبة ، قال الله عز و جل : [ وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ . وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ . وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ] الزخرف:33 - 35 .
وذلك انه لو كان كل من كفر بالله تعالى بذلك النعيم دون المؤمنين ، لكانت تلك شبهة غالبة توقع الناس كلهم في الكفر .
فتخلص أن حكمة الحق في الخلق اقتضت أن تكون هناك بينات و شبهات ، و أن لا تكون البينات قاهرة و لا الشبهات غالبة ، فمن جرى مع فطرته من حب الحق و رباها و نماها و آثر مقتضاها ، و تفقد مسالك الهوى إلى نفسه فاحترس منها ، لم تزل تتجلى له البينات و تتضاءل عنده الشبهات ، حتى يتجلى له الحق يقيناً فيما يطلب فيه اليقين ، و رجحاناً فيما يكفي فيه الرجحان ، و بذلك يثبت له الهدى و يستحق الفوز ، و الحمد و الكمال على ما يليق بالمخلوق ، و من اتبع الهوى و آثر الحياة الدنيا ، تبرقعت دونه البينات ، و استهوته الشبهات ، فذهبت به ( إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم )) .أنتهى
أقول بالله مستعينا:
ـ ذهب بن حنفية(4) يناضل ويصول ويجول بدعوته للعمل في الجمعيات الحزبية والإنخراط فيها بإستدلاله بالأعمال والطاعات التي شرعها الله عزوجل لعباده وأمرهم بها إما أمر وجوب أو إستحباب وحثهم على أن يتواصوا عليها أفرادا كانوا أو جماعات كل فرد على حسب حاله وإمكانيته وطاقته وهذا مما لا يختلف فيه إثنين فضلا أن يتنازعا عليه ولا أحد من أهل الإسلام ومن باب أولى السلفي يحرم العمل الجماعي المشروع القائم على منهج الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة
قال شيخنا ووالدنا العلامة الدكتور ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في كتابه (جماعة واحدة لا جماعات وصراط واحد لا عشرات) ص 49 ـ 50 ط مجالس الهدى
((أقول إني إلى يومي هذا لا أعرف أحداً من السلفيين يحرم العمل الجماعي المشروع[5] ، وأكبر دليل على هذا واقع السلفيين في كل مكان ، إذ لهم مدارس وجامعات لها إداراتها ومسؤوليها وأساتذتها وميزانياتها. ولهم جمعيات في الهند وباكستان وبنجلاديش وغيرها.
ولهم مساجد ومشاريع تقوم كلها على أعمال جماعية ، وفي السعودية لهم وزارات عديدة منها وزارة العدل يتبعها عشرات المحاكم ، ووزارة التعليم العام ووزارة التعليم العالي يتبعها الجامعات وكل ذلك يقوم على التنظيم الإداري والعلمي والمالي ، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، ووزارة الحج . . . إلى آخر الوزارات .
وقامت فيها مراكز ومكاتب لدعم الجهاد ولإغاثة المنكوبين والعون للفقراء والمساكين وغير ذلك من الأعمال الجماعية المنظمة .
ولأنصار السنة في مصر والسودان مدارس ومساجد وأعمال تقوم على العمل الجماعي ، وفي اليمن مدارس ومساجد قائمة على العمل الجماعي ، وما سمعنا من عالم أو طالب علم سلفي يحارب العمل الجماعي المشروع ويحرم ويبدع أهله .
وإذا كان القصد من العمل الجماعي هو ما ذكرناه وأشباهه فلا داعي أبداً إلى التأليف والتأصيل فيه والأخذ والرد الذي أدى إلى الطعن والتجريح وكان ضرره أكثر من نفعه وأما الأمر الثاني : فإنه كما تبين لي وكما سيظهر للقاريء ، فإنه وإن سمى من يدافع عنهم جماعات فإن مقصوده بذلك الدفاع عن فرق مزقتها الأهواء الحزبية السياسية والعقائد والمناهج البدعية .
وهذا هو الذي يرى السلفيون أنه تفرق محرم حرمه اللَّـه ورسوله ز وأطبق على تحريمه وذمه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى إلى يومنا هذا)) أنتهى
وقال حفظه الله في نفس المصدر ص 101 ـ 102
((ليس هناك نص من كتاب ولا سنة ولا قول أحد من سلف الأمة ينكر التعاون على البر والتقوى بل فيها دعوة حارة إلى التعاون على البر والتقوى وقد كان سلف الأمة قد وعى هذه التوجيهات وطبقوها فملأوا الدنيا براً وإحساناً لكنه ما كان على شكل المؤسسات والجمعيات الموجودة الآن والتي استفادتها الجمعيات والمؤسسات الحالية من أهل الغرب ومع أننا نقول بجواز هذه الجمعيات القائمة على البر والتقوى إلا أنك أنت وغيرك يعجزون عن الاتيان بأمثلة وصور من تأريخ المسلمين وتطبيقهم لأعمال البر والتقوى تشابه هذه الصور.
ثم إنني أؤكد لك ما سبق ذكره أن الإسلام بكتابه وسنته لا يجيز التفرق والتشتت والتنابز والتناحر والتهالك على المصالح والاستئثار بها والتحزب لأجلها وعلماء الإسلام كانوا ولا يزالون يحرمون هذا اللون من التفرق والتحزب مهما لبس من أشكال وألوان ومهما ادعى من الانجازات لأن ذلك على خلاف ما شرعه الله وأمر به من الاجتماع علىالكتاب والسنة والاعتصام بهما عقيدةً وشريعةً ومنهجاً ومصادم لما نهى عنه اللَّـه ورسوله من الاختلاف وتفرق الأمة شيعاً وأحزاباً ، وتفريق الدين وتمزيقه إلى ملل ونحل فإن ذلك يعرض الأمة للهلاك والعذاب في الدنيا والآخرة ويزهد أعداء الإسلام في الإسلام ويشوهه في نظر هؤلاء الأعداء فيقولون لو كان في هذا الدين خير وصلاح لما تفرق أهله فرقاً شتى يعادي بعضهم بعضاً ويهلك بعضهم بعضاً كما حصل لهذه الجماعات ، وكما هو حاصل اليوم في أفغانستان التي اعطت صورة شوهاء مزرية بالإسلام إذ صورت الحزبية فيها بتناحرها الوحشي الهمجي الإسلام في أحط صور الفوضوية والوحشية والهمجية وبرأ اللَّـه الإسلام وأهل السنة والحق منها)) أنتهى
وهنا تنبيه ولفتة حسنة ونكتة لطيفة قد نبه عليها شيخنا الناصح الأمين ربيع بن هادي المدخلى حفظه الله في نفس المصدر المنقول منه أنفا ص 95 ـ 96 حيث قال :
((لو كانت هذه الجماعات والمؤسسات كلها جماعات خيرية على منهج واحد هو المنهج الإسلامي الحق وتهدف إلى غاية واحدة هي إعلاء كلمة اللَّـه في الأرض فتبذل بسخاء وتدعو بجد إلى الحق وإلى جمع كلمة المسلمين على ذلك المنهج وإلى تحقيق تلك الغاية النبيلة لما وجدت من كل علماء السنة والتوحيد إلا التأييد المطلق والدعم المادي والمعنوي الذي لا يقف عند حد ولكن واقع هذه الجماعات ضد هذا تماماً .
فهي جماعات مختلفة المناهج والغايات والمقاصد، كل جماعة تدعو إلى منهجها، وتسعى لتحقيق غاياتها التي تضر ولا تنفع، وتغرس في نفوس أتباعها الحقد والبغضاء لكل من لا ينضوي تحت رايتها وتفتعل من الأكاذيب والشائعات التي تحطم خصومها ومخالفيها ، وكثير منها يبالغ في عدائه للمسلمين فيكفرهم ويرى سفك دمائهم واستحلال أموالهم وأعراضهم ويفعل بالمسلمين ما لا يفعله باليهود والنصارى)) أنتهى
ولهذا لا يسلم له هذا الإستدال على مشروعية العمل والإنخراط في الجمعيات الحزبية وأنى له ذلك ، وينبغي التفطن لهؤلاء الصعافقة وما يستدلون به من عموميات النصوص ليمشون بدعهم ولكي يظهرونها في مظهر السنة كفانا الله شرهم
قال أبو الحسين الجاوي الإندونيسي في رسالته(الجـمعـيّـات حركة بلا بركة)
تقديم الشيخ يحيى بن علي الحجوري وفقه الله
((إن الاحتجاج بعمومات الأدلة لا بد من المراعاة بأن تكون على وفق عمل السلف وإلا لدخل كثير من المحدثات في الدين من هذا القبيل لاندراجها تحت عموم الأدلة ولذا قال الإمام الشاطبي ~ في الموافقات (ج 3 / ص 56):
كل دليل شرعي لا يخلو أن يكون معمولا به فى السلف المتقدمين دائما أوأكثريا أولا يكون معمولا به إلا قليلا أوفي وقت ما أولا يثبت به عمل، فهذه ثلاثة أقسام:
أحدها : أن يكون معمولا به دائما أوأكثريا فلا إشكال فى الاستدلال به ولا في العمل على وفقه وهي السنة المتبعة والطريق المستقيم.
والثاني: أن لا يقع العمل به إلا قليلا أوفي وقت من الأوقات أوحال من الأحوال ووقع إيثار غيره والعمل به دائما أوأكثريا، فذلك الغير هو السنة المتبعة والطريق السابلة وأما ما لم يقع العمل عليه إلا قليلا فيجب التثبت فيه وفى العمل على وفقه والمثابرة على ما هو الأعم والأكثر فإن إدامة الأولين للعمل على مخالفة هذا الأقل إما أن يكون لمعنى شرعي أولغير معنى شرعي.
والقسم الثالث : أن لا يثبت عن الأولين أنهم عملوا به على حال ، فهو أشد مما قبله والأدلة المتقدمة جارية هنا بالأولى، وما توهمه المتأخرون من أنه دليل على ما زعموا ليس بدليل عليه ألبتة ؛ إذ لو كان دليلا عليه لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين ثم يفهمه هؤلاء فعمل الأولين كيف كان مصادم لمقتضى هذا المفهوم ومعارض له ولو كان ترك العمل فما عمل به المتأخرون من هذا القسم مخالف لإجماع الأولين وكل من خالف الإجماع فهو مخطئ وأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تجتمع على ضلالة فما كانوا عليه من فعل أوترك فهو السنة والأمر المعتبر وهو الهدى وليس ثم إلا صواب أوخطأ فكل من خالف السلف الأولين فهو على خطأ وهذا كاف. اهـ ملخصًا
أترون أن هذه الجمعيات عمل بها السلف دائما أوأكثريا أوفي حال من الأحوال ؟
أم لم يكن هناك عمل السلف على هذه الصورة البتة؟
فالحذر الحذر من مخالفة السلف الأولين! فلو كان ثم فضل ما، لكان الأولون أحق به والله تعالى يقول: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾[النساء:115]
ويقول: ﴿ فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾[البقرة:137]
فالأمر بالتعاون البر والتقوى مشروع بالكتاب والسنة والإجماع وعمل السلف، لكن إنشاء التعاون على هذه الصورة والهيئة لا أصل له في كتاب ولا سنة ولا عمل السلف ولا هو معروف فى تواريخ المسلمين.)) أنتهى
ومما يزيد الأمر وضوحا ويرفع اللبس ويكشف زغل القوم إن الجمعيات الدعوية قام مقتضاها في زمن النبي صلىالله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، ولم يقم مانع يمنعها، فإن فعلها بعد النبي صلى الله عليهوسلمصلى الله عليه وسلم من المحدثات
سئل شيخنا والدنا العلامة المحدث الديار اليمنية مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله
((السؤال : لو قال قائل: إن الجمعيات الدعوية قام مقتضاها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقم مانع يمنعها، فإن فعلها بعد النبي صلى الله عليه وسلم من المحدثات، فما صحة هذا القول؟
الجواب : الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن والاه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد .
السؤال الذي قدم سؤال وجيه ،ومن أجل هذا نحن من زمن قديم نقول : إن ترك الجمعيات خير من وجودها ,لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، كانوا أحوج إلى المال منا، بل كانوا أشد حاجة منا، ومع هذا لم ينشئوا جمعية، وعلى هذا فتركها خير من وجودها، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
دع عنك أنها جمعيات تكون سببا للحزبية ، ومن كان معنا ساعدناه ومن لم يكن معنا لم نساعده ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير : « مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى » وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم:« المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا,هذه الجمعيات فرقت شمل المسلمين ، بعض المغفلين يقول : مقبل لا يفرق بين الجماعات والجمعيات ، وهذه الجمعيات لابد أن تكون خاضعة لشؤون الاجتماعية وخاضعة للقوا نين الدولة والعمل الذي يتعلق بالدولة تكون بركته قليلة، إن لم يكن منزوع البركة ، بل الحكومات يعجبهم العمل الميت فيما يتعلق بالإسلام ، وأما ما يتعلق بالتطور والتقدم إلى غير ذلك ، فإذاعتهم تنعى ، وعلى ننصح بترك هذه الجمعيات التي تكون سببا لضياع حق الفقراء ، وذاك الفقير ربما لا يصل إليه شيء كما قيل، ونؤخذ باسمه الدنيا جميعا ، وما من ذلك شيء في يديه ، الذي ينبغي للتجار ننصحهم أن يتولوا توزيع زكواتهم على المحاويج فإنها قد أصبحت سببا للحزبية في كثير من البلاد الإسلامية ، والله المستعان .)) أنتهى
من شريط: الغارة الشديدة على الجمعية الجديدة , سجلت ليلة العاشر من صفر1420 هـ.
منقول من شبكة سحاب
وبهذا يتبين بأن الدعوة إلى إنشاء الجمعيات الحزبية والإنخراط فيهاطريقة محدثة مخالفة طريقة سلف الأمة
قال أبو الحسين الجاوي الإندونيسي في رسالته(الجـمعـيّـات حركة بلا بركة)
((قال الله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أويُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:63]
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء:115]
وقال الإمام البخاري رحمه الله (2697):حدثنا يعقوب حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد».
قال الإمام مسلم رحمه الله (1718) :حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد جميعا عن أبي عامر قال عبد حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري عن سعد بن إبراهيم قال سألت القاسم بن محمد عن رجل له ثلاثة مساكن فأوصى بثلث كل مسكن منها قال يجمع ذلك كله فى مسكن واحد ثم قال أخبرتنى عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ».
قال الإمام الترمذي رحمه الله(ج7ص438):حدثنا علي بن حجر حدثنا بقية بن الوليد عن بجير بن سعد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ». قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح.
[والحديث في الصحيح المسند للإمام الوادعي رحمه الله]
قال الإمام أبو داود رحمه الله(ج5ص18):حدثنا محمد بن كثير قال ثنا سفيان قال كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر ح وثنا الربيع بن سليمان المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا حماد بن دليل قال سمعت سفيان الثوري يحدثنا عن النضر ح وثنا هناد بن السري عن قبيصة قال ثنا أبو رجاء عن أبي الصلت وهذا لفظ حديث ابن كثير ومعناهم قال : كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر فكتب: أما بعد أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره (أراد التوسط بين الإفراط والتفريط) واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته وكفوا مؤنته فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أوعبرة فيها فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها ولم يقل ابن كثير " من قد علم " من الخطأ والزلل والحمق والتعمق فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم فإنهم على علم وقفوا وببصر نافذ كفوا ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى وبفضل ما كانوا فيه أولى فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه ولئن قلتم إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم فإنهم هم السابقون فقد تكلموا فيه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي فما دونهم من مقصر وما فوقهم من محسر (حسر الشيء يحسره أي كشفه) وقد قصر قوم دونهم فجفوا وطمح عنهم أقوام فغلوا وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. مختصرًا
قال العلامة الألباني :وهو أثر صحيح.
قال الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث (6):أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، قال: أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي، قال: أخبرني أبي قال،: سمعت الأوزاعي، يقول: عليك بآثار من سلف ، وإن رفضك الناس. وإياك ورأي الرجال، وإن زخرفوه بالقول. فإن الأمر ينجلي ، وأنت على طريق مستقيم.
قلت: وهوأثر صحيح .
وقال ابن أبي خيثمة رحمه الله في كتاب العلم (54) ثنا جرير عن العلاء عن حماد عن إبراهيم قال قال عبد الله اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلالة.
[ قال الألباني رحمه الله : هذا إسناد صحيح]
وفي الصارم المنكي لابن عبدالهادي رحمه الله (ص 471):قال ابن مسعود رضي الله عنه : من كان منكم مسنناً فليستن بمن قد مات ، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه ، فأعرفوا لهم حقهم ، وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ، وبسط هذا له موضع آخر .
وفي الرسالة التدمرية لابن تيمية رحمه الله (ص 96):وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما : يا معشر القراء استقيموا وخذوا طريق من كان قبلكم فو الله لئن اتبعتموهم لقد سبقتم سبها بعيدا ولئن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا.
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 158):
وما أحسن ما قال الشافعي رحمه الله في رسالته هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في فتاواه (ص250):وكل ما لم يكن عليه السلف الصالح فليس من الدين فقد كانوا أحرص على الخير من هؤلاء فلو كان فيه خير لفعلوه وقد قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:3] قال مالك بن أنس: فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا.
وقال أيضا في الموافقات (ج3ص280) :الحذر الحذر من مخالفة الأولين ! فلو كان ثم فضل ما لكان الأولون أحق به والله المستعان.ٍٍٍاهــ
وذلك لأنه لم يثبت عن أحد من السلف لا فى القرون المفضلة ولا من بعدهم قامت دعوته على هذه الطريقة وهم أحرص الناس لهدايتهم وإيصال الخير لهم وأعلم الناس بمصالح هذه الدعوة فلوكانت هذه صالحة لماتركوها مع وجود مقتضاهاوقد قال الإمام مالك: لن يصلح آخرهذه الأمة إلا ما أصلح أولها. فعلم أنها ليست فى صالح الدين ولا الدعوة ولا المجتمع بل فى إفسادها أظهر.)) أنتهى
قوله ص 08 ـ 09 ((أما الآن فلا بد من اصطناع هذهالروابط التي فرضها القانون وجعلها شرطا في الإقدام على بعض الأعمال التيلا غنى للمجتمع المسلم عنها ، ولا تقوم الرابطة بين أفراده كما ينبغي إلابها ،وأنى للمرء أن يحشر مع تلك الرفقة الطيبة إذا لم يكن على طريقها فيالدعوة الى ما دعت اليه ، وهو غير متمكن من ذلك في معظم الأعمال العامة إلابهذه الوسيلةقال تعالى{ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)}[النساء: ٦٩]
كثير من المطالب الشرعية التي تضمنتها نصوص الكتاب والسنة ومثلها في ذلك الأخبار الواردة في صفات المؤمنين كان الفرد المسلم يقوم بها وحده ، ويدعو اليها غيره ويتعاون مع إخوانه على تحقيقها أما في هذا العصر فإن كل ما يفعله الفرد هو أن يقول بلسانه ويحض بكلامه أو يقدم جهدا بمفرده وقد لا يقدر على القول بله الفعل أما أن ينتقل الى ما وراء ذلك من الفعل المؤثر الواسع فلا سبيل له إليه إلا في هيئة يعترف بها أولو الأمر ويسمحون لها بالنشاط.))
فتاوى العلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله
سئل ـ حفظه الله ـ (( زعم بعضهم أن الدعوة السلفية لا يكتب لها الانتشار إلا عن طريق الجمعيات , وعارض آخرون ومن جملة شواهدهم على ذلك ما يحصل بسببها من التفرق بين السلفيين ما تعليقكم على مثل هذه العبارة ؟.
الجواب : والله نقول :
وكل خير في اتباع من سلف ................. وكل شر في ابتداع من خلف
فإن السلف نشروا هذا الدين , وفتحوا الدنيا بالتعاون على البر والتقوى فكانوا يتعاونون في الجهاد بأموالهم وأنفسهم , لكن لا على الطريقة المنظمة المأخوذة عن الغرب , وإنما أنت تقدم نفسك ومالك وهو يقدم نفسه وماله , فالتقى جهدي مع جهدك فتعاونَّا على البر والتقوى , ودفعنا بكلمة الله إلى الأمام , وفتحنا هذا البلد وذلك البلد , وطبعا العلماء بعدهم لما فتح الله هذه الدنيا , فالعلماء رفعوا راية هذا العلم , ونشروه في العالم , هذا يدرس في مسجد , وهذا يدرس في مسجد , وتلتقي الجهود , وينشأ طالب فلان وطالب فلان على منهج واحد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , فتكون النتيجة والآثار و الثمار أفضل من هذه الجمعيات التي عجزت عن تخريج طلاب علم , فضلًا عن علماء وأضرب لكم مثلًا : الشيخ مقبل ـ رحمه الله ـ يعني كان يرفض الجمعيات , ورفض هذه الأساليب , وأنشأ له مركزًا وعلَّم طلابًا , بل خرج منهم علماء وكل واحد راح إلى بلده , وأنشأ مدرسة في بلده , وأخرجوا جيلًا جديدًا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , بينما هذه الجمعيات الآن في مشارق الأرض ومغاربها أخبرني بثمارها كم عالمًا خرجوا , لا شيء بينما هذا الرجل الضعيف الذي لا يملك مالًا ولا و لا ... بإخلاصه وجده , والله أوجد ما عجزت عنه كل هذه الجمعيات , وما عجزت عن عشر معشاره , فإنهم ما استطاعوا أن يخرجوا علماء , ثم غلب عليهم التحزب والولاء والبراء على جمعياتهم وحصل التفرق وكانت من أسباب تمزيق السلفيين في عدد من البلدان , هات لي جمعية الآن ـ إلا جمعية البر إلى الآن هذه الجمعية نسأل الله أن يحفظها , وننصحها أن تجتنب مسالك الجمعيات التي سبقتها ـ فإنها والله أرهقت الإسلام وأرهقت المنهج السلفي , ومزقت أهله وصارت بجبايتها الأموال من جيوب المسلمين تستعين بها على ضرب السلفية هنا وهناك في السودان والصومال في ارتيريا في الباكستان في الهند في أفغانستان ... تجمع هذه الأموال وتضرب بها المنهج السلفي بطرق غاية في المكر , هم يجيدون يضربون , لكن يجيدون كيف يُعلِّمون على منهج السلف الصالح هذا ما فشلوا فيه وعجزت عن النهوض به هذه الجمعيات , فنحن ننصح أن من علمه الله علما أن يأخذ مسجدا ويجمع حوله ناسا من الطيبين الذين يراهم ويعلمهم , أنا أرى لو أني أنا خرجت في المسجد عشرة علماء وأنت خرجت عشرة وهذا عشرة في بلد واحد , خرَّجنا أربعين , خمسينا عالما , والله خير من آلاف الجمعيات ومن آلا ف المعاهد التي تُنشأ هذه الجمعيات .)) أنتهى من (شريط : سلفيتنا أقوى من سلفية الألباني , شبة والرد عليها) منقول من شبكة سحاب
وسئل حفظه الله أيضا:كما هو في (شريط أسئلة شباب عدن في فتنة أبي الحسن.)
((قال السائل شيخنا مقبل رحمه الله تعالى أصل الدعوة السلفية في اليمن على العفة، وقد ألف لهم رسالة «ذم المسألة»، السؤال: بعض الدعاة ربما يسأل الناس أموالهم من أجل الدعوة، فما ضابط سؤال الناس من أجل الدعوة؟
فأجاب حفظه الله:على كل حال رحم الله الشيخ مقبل ونسأل الله أن يخلفه بخير في اليمن وفي غيرها، فإن هذا الرجل ذكرنا بزهد السلف، وبورعهم، وبعزتهم، وبشرفهم، وبإبائهم، وبشجاعتهم في قول الحق رحمه الله، وجلل مصاب الدعوة السلفية في اليمن جبرهم فيه وخلف عليهم بخير، نسأل الله أن يبارك في تلاميذه، وأن يجعل منهم من أمثاله الكثير، فإنه والله كان مثلًا في الزهد والورع، والاستهانة للدنيا، ولقد كان رجلًا بصيرًا حين كان يرفض المال ويحذر من السؤال، حتى إني أتذكر أنه شن الغارة على من يجمع المال باسمه، فما أنزهه وبارك الله فيه.
وليس بالضروري أن يتصدى الناس للسؤال باسم الدعوة فلم يفعل السلف مثل هذا، وأحمد بن حنبل رحمه الله هل كان يمد يده للأموال من أجل الدعوة؟! كان يرفض الأموال، ولقد ضرب أروع الأمثلة في الشرف والإباء حين شد الرحال إلى عبدالرزاق شد الرحال من العراق إلى صنعاء، ثم في طريقه هو ورفيقه يحيى بن معين حَجَّا، فوجدا عبدالرزاق في مكة المكرمة، فقال ابن معين لأحمد: هذا عبدالرزاق قد ساقه الله إلينا فلا نرحل، قال أحمد: لقد نويت الرحلة إلى صنعاء فلا أرجع، ثم سافر إلى صنعاء ونفد ماله رحمه الله، وعرف هذا أصدقاؤه، فقاموا يعرضون عليه المساعدة بالمال؛ فيرفضها ويحمل؛ جعل نفسه حمالًا يحمل الأثقال على ظهره لأهل الإبل البدو المساكين وهو إمام رحمه الله، رأى أن الحمل والعمل والأكل من ذات اليد أفضل آلاف المرات من أن يأخذ من الناس، لأن اليد العليا هي المعطية، واليد السفلى هي الآخذة، وأحمد لا يريد أن تكون يده سفلى رضي الله عنه، فأنا أنصح العلماء وطلاب العلم أن يعيدوا لنا سيرة شرف السلف، ويدركوا أن التهالك على المال من أخطر الأخطار على الدعوة السلفية، وبرهان ذلك أن الفتنة الآن تشتعل بسبب المال حينما –بارك الله فيكم- مد بعض الناس يده إلى هذه الجمعية وإلى تلك، فنعوذ بالله من فتنة المال، إنها والله فتنة؛ والله لعدد قليل من الطلاب يتخرجون من مسجد وهم أعفاء نبلاء شرفاء خير من ملايين الملايين من طلاب المال والمتهالكين على الدنيا، فنحن نوصي الشباب السلفي والعلماء منهم أن يعيدوا لنا سيرة السلف، كما رفعوا راية السنة فليرفعوا أيضًا راية العزة والشرف والزهد والورع والتنزه عن الركض وراء الدنيا، ووالله ما آذى الدعوة السلفية في اليمن إلا إفشاء المال واللهث وراءه فأدى إلى هذه الفتنة الآن، وكان للمال إسهامًا شديدًا في تأجيج نيران الفتن، ألا فليتوبوا إلى الله، وليعودوا إلى الله، وليتآخوا، نوصيهم بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر على كل مشاكل الحياة ﴿ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين﴾ ووالله إن السلف ما أوصلوا هذه الدعوة إلينا غضة طرية بالأموال والمراكب، وإنما أوصلوها بزهدهم وورعهم ونزاهتهم رضوان الله عليهم، فنوصي السلفيين في كل مكان وفي اليمن خاصة اليمن الذي رفع الله فيها راية السنة: أن يحافظوا على هذه الدعوة ولو جاءهم المال ليفسد بينهم فعليهم أن يركلوه بأرجلهم، ويمضوا في طريقهم أعزاء شرفاء ينشرون دعوة الله شريفة نظيفة))أنتهى
قوله ص10 ـ 11((لقد تمكن المسلمون حين نظموا أعمالهم في هيآت معتمدة أن يكون لهم محاكمشرعية في دول كافرة ، فهذه مملكة بريطانيا تسمح للمسلمين بإقامة عشراتالمحاكم الشرعية في ترابها ، ويتعدى اختصاص تلك المحاكم الأحوال الشخصيةالى غيرها، فيتحاكم إليها من شاء من المسلمين في تلك البلاد ، وليس من شكأن غرض الإنجليز من هذا وغيره ليس خدمة للإسلام ورعاية أحكامه ، وقد خدمتهذه الدولة اقتصادها بإقامة مصارف يقال إنها غير ربوية لتستقطب أموالالمسلمين فتتمكن من مراقبة حركتها والتعرف على مصادرها وتدمجها فيالاستثمارات وقد ينضم الى ذلك كسب الأصوات في الانتخابات فلم لا تفعل ذلككثير من حكومات المسلمين في أرض الإسلام ؟ ولم لا يسعى في تحقيق هذا الأمرمع أنه من الأمور العظيمة الأهيمة وقد ذكرت شيئا من هذا في كتابي عنالحزبية "واني لأتوقع لهذه الجمعيات فيأوطان المسلمين خاصة ووطنهم عامة ، متى كان لها ثقل علمي واجتماعي وقادهاأهل البصيرة الشرعية والاستقامة والأناة والتدرج أن يؤدي وجودها إن شاءالله الى تحقيق شيئ من هذا فتعود بعض أحكام الشرع للحياة العامة، وإلا فكيف يعجز المسلمين في ديار الإسلام عن تحقيق ما حققه المسلمون في ديار الكفر ؟ .))
أقول
ـإني لأعجب من إفتخار بن حنفية ببريطانيا وتشييد بهاوبحكومتها ورفعها على بلده ، بل أدهى من ذلك تنقيص للولاة أمره والطعن فيهم بطريقة مكرة خفية
بقوله ص 12 (( فكيف يكون الحال بعد أن غاب عن حياة المسلمين الحاكم الذي يقيم شرع الله ويصلح الدنيا بالدين في هذه الحال يأتي دور جماعة المسلمين كما كان العلماء يسمونها من قبل ويعطونها الصلاحية التي للإمام في غيبته أما اليوم فيجب أن تنشأ لتمارس بعض تلك الصلاحية مع وجوده لأنه تخلى عنها فالسعي في تأسيسها واجب لتقيم من الإصلاح ما تيسر))
ونسي أو تناسى مسكين قوله عزوجل﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾.البقرة 120
قال العلامة المفسر عبد الرحمن السعدي رحمه الله في كتابه التفسير عند التفسير هذه الأية ((يخبر تعالى رسوله، أنه لا يرضى منه اليهود ولا النصارى، إلا باتباعه دينهم، لأنهم دعاة إلى الدين الذي هم عليه، ويزعمون أنه الهدى)) أنتهى
وقال الله تعالى ﴿فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾ القلم 08 ـ09
قال الشيخ الهمام السعدي رحمه الله
((يقول الله تعالى، لنبيه صلى الله عليه وسلم: { فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ } الذين كذبوك وعاندوا الحق، فإنهم ليسوا أهلا لأن يطاعوا، لأنهم لا يأمرون إلا بما يوافق أهواءهم، وهم لا يريدون إلا الباطل، فالمطيع لهم مقدم على ما يضره، وهذا عام في كل مكذب، وفي كل طاعة ناشئة عن التكذيب، وإن كان السياق في شيء خاص، وهو أن المشركين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسكت عن عيب آلهتهم ودينهم، ويسكتوا عنه، ولهذا قال: { وَدُّوا } أي: المشركون { لَوْ تُدْهِنُ } أي: توافقهم على بعض ما هم عليه، إما بالقول أو الفعل أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه، { فَيُدْهِنُونَ } ولكن اصدع بأمر الله، وأظهر دين الإسلام، فإن تمام إظهاره، بنقض ما يضاده، وعيب ما يناقضه.)) أنتهى
فأين بن حنفية من هذا التوجيه والتحذير من رب العالمين ‼
وزيادة على هذا ذهب يموه ويدلس أمر الجماعات والجمعيات الحزبية الموجودة في بلاد الكفرومن بينها الموجودة في البريطانيا وصورها في صورة المحاكم الشرعية ، أين صدق الحديث والأمانة يا هذا ‼؟
نقول ما رأينا هذا الأسلوب الماكر في أبرز الدعاة إلى الجماعات والجمعيات الحزبية في زماننا هذا، ألا وهو عبد الرحمن عبد الخالق، وقد ألف فيها ومع ذلك كان صريح في دعوته إليها ومن ذلك قوله في كتابه (الشورى في ظل نظام الحكم الإسلامي ص32 ـ 33 ) :
(( وأما حكم التعدد للجماعات الإسلامية فالحق أنه راجع لطبيعة الجماعات وأعمالها وظروف المجتمعات التي تعيش فيها فالمصلحة الشرعية تحتم أحيانا التعدد في المجتمع الواحد وتحتم أحيانا التوحد والاجتماع وتجيزه أحيانا أخرى ويحدد هذا النظر الشرعي الصحيح المبني على دراسة وافية للنصوص الشرعية وطبيعة المجتمعات والدعوات القائمة والمهمات المنوطة بها . . . حدثني الشيخ داود أحمد فيصل الداعية المسلم في نيويورك وصاحب جماعة الدعوة إلى الإسلام هناك قال :
في نيويورك وحدها أكثر من أربعين جماعة تدعوا إلى الإسلام ، ولكن كل جماعة تدعوا إلى إسلام غير إسلام الجماعة الأخرى ، فمن يقول بجواز التعدد إذا كان علىهذا النحو من الفساد والبلبلة والصد عن سبيل الله))[6])
فرد عليه شيخنا ووالدنا قامع البدعة وناصر السنة المجاهد حامل اللواء الجرح والتعديل ذهبي زمانه ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في كتابه (جماعة واحدة لا جماعات ص 65 ـ 66)
((أقول :هذه الطوام وهذا العدد كله في مدينة واحدة فكم يبلغ أعداد الجماعات في باقي المدن الأمريكية وكندا وأمريكا الجنوبية وفي دول أوروبا: بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا وقارة استراليا ولا يبتعد أن يكون واقعها وأحوالها في هذه المدن مثل واقع الجماعات في نيويورك .
أقول لعبدالرحمن : ألا ترى أن أيدي وخطط أمريكا وسائر الدول الصليبية العدوة اللدود من وراء هذا الكم الهائل من الجماعات وأنها تشجع وتمول وتدرب هذه الجماعات على مصارعة بعضهم البعض ولعن بعضهم بعضا ولعل بعضهم يلعن دين البعض الآخر ويشوهه ؟!
أفرأيت أن لو رأت هذه الدول الكافرة أن المسلمين الموجودين في بلدانهم على دين الإسلام الحق وأن هذا الدين يجمعهم وهم حريصون على الاجتماع عليه وعلى أن يكونوا أمة واحدة أكانت هذه الدول تحتضنهم في بلدانها وتعطي لهم حرية الدعوة الصحيحة إلى التوحيد الحق والعبادات الصحيحة والعقائد الصحيحة والجهاد الإسلامي الصحيح ؟! كلا ثم كلا بل ستطاردهم من بلدانها وستغلق أبواب الهجرة إليها في وجوههم لأنهم يرون أن معنى هذا العمل إنما هو الانتحار والسعي لأنفسهم في الهلاك والدمار .
أما هذا التعدد الذي يرعونه في ديارهم ويغذونه بأموالهم وخططهم ومكرهم ودهائهم الذي يوهمون به هذه الجماعات ذات المناهج والعقائد المتعددة اللابسة لباس الإسلام ـ كما يقول فيصل ـ بأن بلادهم بلاد الحرية وأنهم يعيشون فيها أحراراً فإنما هو لصالحهم ولتحقيق مصالحهم وأهدافهم وغاياتهم التي تضمن لهم سحق الإسلام وإذلال أهله واستعبادهم عن طريق هذا التفرق والتمزق الذي نجحوا فيه غاية النجاح على قاعدتهم (فرِّق تَسُد) وكان في هذا الواقع السئ ما يوقف عبدالرحمن عن غلوائه في الدعوة إلى تعدد الجماعات ، وما يوقف هجومه على السلفيين الداعين لأمة الإسلام أن تكون أمة واحدة ذات عقيدة واحدة ومنهج واحد ، ولكنه مع الأسف استمر في هذا المضمار بعد علمه فلا حول ولا قوة إلا باللَّـه .)) أنتهى
تنبيه: يلاحظ من العابدين في رسالته هذه أنه يدعو إلى قراءة الكتب التالية
1ـ كتاب منهج السلف الصالح في ترجيح المصالح لعلي حسن الحلبي
2ـ كتاب هل الحزبية وسيلة إلى الحكم بما أنزل الله من تأليفه
3ـ كتاب العجالة في شرح الرسالة من تأليفه
4ـ كتاب المخرج من تحريف المنهج من تأليفه
ولا يخفى على من اطلع على هذه الكتب ووقف على حقيقة أمرها علم أنها تحوي في طياتها البلايا والطامات والخزعبلات والتأصيلات البدعية و التقعيدات الفاسدة الهدامة لأصول السنة السلفية ، فحذاري ، حذاري ياأهل الإسلام من الدعاة الحزبية، فالقوم لهم حيل وأساليب وطرق خفية فتنبهوا لذلك
(1) الجـمعـيّـات حركة بلا بركة /تقديم شيخنا العلامة أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله ورعاه. /تأليف أبي الحسين الجاوي الإندونيسي
علق على بعضها أبو تراب الجاوي دار الحديث بدماج
(2) تنبيهٌ وتحذيرٌ حول رسالة «الجمعيات من وسائل الدعوة إلى الله»
لكاتبها: بن حنفية العابدين سحاب
(3)قال الشيخ الألباني في الهامش : الحق أن حجج الله تعالى التي سماها بينات هي مكشوفة واضحة لا خفاء بها و إنما تحفى على من في قلبه كن و في أذنيه وقر و على بصره غشاوة من هواه و أخلاقه و ما اعتاد . م ع
(4) كما هو في مقدمة الرسالة من ص 3إلى ص 8 ط مكتبة الرشاد للطباعة والنشر والتوزيع ـ الجزائر
([5])قاله الشيخ في الهامش: القائم على منهج الكتاب والسنة وما عليه المسلمون قديماً وحديثاً .
(6) قال الشيخ في الهامش: لا يحصل التعدد إلا بسبب الاختلاف في الاعتقاد أو الاختلاف في المطامع والأهداف، وهذا هو واقع ما يسمى بالجماعات الإسلامية اليوم .
وأما إذا صلحت العقيدة وسلم الهدف فإنه لا يحصل تعدد ولا اختلاف كما هي حال سلف هذه الأمة وإن حصل اختلاف في المسائل الفقهية الاجتهادية فإنه لا يوجب العداوة والبغضاء
.............يتبع إن شاء الله