الشيخ أبو عبد الحليم محمد عبد الهادي
01-29-2011, 02:13 PM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}
يا أيهاالناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}
{يا أيهاالذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكمومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أما بعد:
إن ما حصل اليوم في بلاد الإسلام كتونس والجزائر من قتل وحرق وتدمير ومظاهرات ومسيرات سببه هو البعد عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأطهار وهذه الفتن والمحن التي تمر بها أمة الإسلام هنا وهناك قد أخبر بها الصادق المصدوق في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال الصالحة فستكون فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا" وقوله صلى الله عليه وسلم: "يتقارب الزمان وينقص العمل ويلقى الشح وتظهر الفتن ويكثر الهرج، قالوا يا رسول الله أيمَ هو؟ قال: القتل، القتل" وقال صلى الله عليه وسلم: "ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي" وفي حديث ابن مسعود: "والماشي فيها خير من الراكب والراكب فيها خير من المجري". "من تشرف لها (أي تطلع لها، بأن يتصدى ويتعرض لها ولا يعرض عنها) تستشرفه (أي تهلكه) فمن وجد منها ملجأ أو معاذا فليعذ به".
إخوتي في الله، هذه المظاهرات والمسيرات والإضراب عن الطعام من البدع ومن محدثات الأمور وهي من عادات الكفار التي ما ينتج من ورائها إلا الفتن والشرور والتعدي على الناس وفيها من الفساد ما الله به عليم، فيها إفساد في الأرض وإهلاك للحرث والنسل والله لا يحب الفساد، قال تعالى: {ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون} وقال تعالى: {كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.
في تونس لا يخفى عليكم إخوتي ما حدث، شاب في ريعان الشباب أحرق نفسه، لماذا يا عباد الله أحرق نفسه؟ وهذه هي الشرارة الأولى التي انقدحت في تونس، حرق نفسه لأنه لم يجد فرصة عمل، لأنه يعاني من البطالة، وهذا لا يجوز، لا يجوز الإقدام على مثل هذا الجرم العظيم مهما كانت الأسباب ومهما كانت الظروف ومهما كانت الدوافع الدنيوية فهو حرام حرام، قال جل وعلا: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} وقال جل وعلا: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما}، فهذا جزاء من قتل غيره، فما بالكم من قتل نفسه وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة" وقال صلى الله عليه وسلم: "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم مترديا فيها خالدا مخلدا أبدا، ومن تحس سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".
وانظروا إخوتي إلى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين، لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير، وعند مسلم: "لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز ولا زيت في يوم واحد مرتين"، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتوي في اليوم من الجوع ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه" (الدقل: رديء التمر ويابسه). (رواه مسلم)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض" وقالت رضي الله عنها: "ما أكل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر" وقالت أيضا رضي الله عنها: "إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فسئلت: ما كان يعيشكم؟ فقالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم فيسقيناه" (رواه البخاري)
وعن أنس رضي الله عنه قال: "رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي بالمدينة فأخذ منه شعيرا" وهذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول: "والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع" وقال ابن سيرين رحمه الله تعالى: "إن كان الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يأتي عليه ثلاثة أيام لا يجد شيئا يأكله فيأخذ الجلدة فيشويها فيأكلها فإذا لم يجد شيئا أخذ حجرا فشد صلبه"
فهل وصل هؤلاء الذين أحرقوا أنفسهم لعدم وجود فرص عمل، أو لأنهم يعانون من البطالة إلى هذه الدرجة التي وصل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام؟ أقول: لا.
واعلموا إخوتي في الله أن الرزق بيد الله وتفضل منه جل وعلا وقد تكفل سبحانه بأرزاق العباد وأمرنا بالسعي وطلب الرزق وأن نطلبه بطاعته جل وعلا لا بمعصيته قال صلى الله عليه وسلم: "إن جبريل ألقى في روعي أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب، فإن استبطئ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله فإن الله لا ينال فضله بمعصيته" أخرجه الحاكم في المستدرك وقال الشيخ الألباني صحيح لغيره، وقال الله جل وعلا: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه} وقال سبحانه: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} وقال سبحانه: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} وقال سبحانه: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا} فنحن لا نعاني إخوتي في الله من قلة الأرزاق وإنما نعاني من فساد الأخلاق، فلما فسدت الأخلاق ضاقت الأرزاق.
ثم اعلموا إخوتي في الله أن الذي أجج نار الفتنة هي هذه التيارات السياسية من علمانية واشتراكية وشيوعية وليبرالية وتيار الإخوان المفلسين الذين زجوا بعوام الناس المساكين في أتون هذه الفتن ليصلوا إلى مبتغاهم ظانين بأن هذه المظاهرات والمسيرات والتفجيرات وإحراق الممتلكات هو الحل للمشاكل التي تعانيها الشعوب، فقد أبعدوا النجعة وضلوا السبيل، وإني لأعجب من ذلك الرجل الذي يسمى راشد الغنوشي التونسي زعيم حركة النهضة الذي يرى حل مشاكل الشعب التونسي في مشاركة جميع الأحزاب السياسية بما فيها الحزب الشيوعي وعدم الإقصاء لأي أحد على أسس الديمقراطية العفنة والحرية الغربية الفاجرة.
وأما صاحب العمامة البيضاء يوسف القرضاوي فقد قال: "أطلب من أهل تونس والمسلمين في الأرض أن يشفعوا عند الله للمنتحر الذي انتحر في تونس" ثم قال: "نحن نعلم أن الانتحار ذنب من الذنوب ومعصية إلا أن هؤلاء الشباب المساكين ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت ولم يجدوا البديل" ونسي المسكين أن البديل هو العود الحميد إلى دين الله جل وعلا والتوبة النصوح وأن نصلح حالنا مع الله فيصلح الله أحوالنا كما قال تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} وقال تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} وقال تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} وكما قال صلى الله عليه وسلم: "إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ"
هذا هو المخرج وهذا هوالسبيل إخوتي في الله، فعلينا أن نتقي الله جل وعلا وأن نعود إلى ديننا الحنيف وأن نحكم شرع الله جل وعلا في كل أعمالنا وأن نطيع ولاة أمورنا في غير معصية الله جل وعلا كما أمر بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم فقال: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يأمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" وقوله: "فلا سمع ولا طاعة" يعني فيما أمر به من المعصية فقط ولا يفهم من ذلك أنه إذا أمر بمعصية فلا يسمع له مطلقا في كل أوامره، بل يسمع له ويطاع مطلقا إلا في المعصية فلا سمع ولا طاعة.
وقال صلى الله عليه وسلم: "اسمع وأطع في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك إلا أن يأمروا بمعصية".
وعلى أهل العلم الذين حملوا أمانة العلم وتبليغه والدعاة إلى الله على بصيرة أن يبينوا للناس التوحيد ويحذروهم من الشرك ومن البدع فإن الكثير من الناس يجهلون حقيقة التوحيد وكثير من الناس اليوم واقعون في الشرك وواقعون في البدع والسبب في ذلك يا عباد الله هو الجهل و كم في الجهل من ضرر، واحذروا من أهل البدع والأهواء والإصغاء إلى أصحاب الأحزاب المفسدة التي تدعو إلى الإفساد والشر وإياكم وبعض القنوات الفضائية كالجزيرة (الخسيرة) وغيرها مما يؤجج الفتن ويضخم هذه الأفعال التي لا يقرها شرع ولا عقل وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان وتواصوا فيما بينكم بالحق والصبر.
كما أنصح ولاة الأمور الذين ولاهم الله جل وعلا زمام الحكم أن يتقوا الله في أنفسهم وفي شعوبهم وأن يحكموا شرع الله كتابا وسنة ويتركوا هذه النظم الوضعية التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي ما أفادتنا وليتها لم تفدنا بل أدت بنا إلى الوراء سائلين الله لنا ولكم التوفيق والسداد في كل ما نأتي وندع كما نسأله جل وعلا أن يحفظنا وإياكم وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}
يا أيهاالناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}
{يا أيهاالذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكمومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أما بعد:
إن ما حصل اليوم في بلاد الإسلام كتونس والجزائر من قتل وحرق وتدمير ومظاهرات ومسيرات سببه هو البعد عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأطهار وهذه الفتن والمحن التي تمر بها أمة الإسلام هنا وهناك قد أخبر بها الصادق المصدوق في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال الصالحة فستكون فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا" وقوله صلى الله عليه وسلم: "يتقارب الزمان وينقص العمل ويلقى الشح وتظهر الفتن ويكثر الهرج، قالوا يا رسول الله أيمَ هو؟ قال: القتل، القتل" وقال صلى الله عليه وسلم: "ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي" وفي حديث ابن مسعود: "والماشي فيها خير من الراكب والراكب فيها خير من المجري". "من تشرف لها (أي تطلع لها، بأن يتصدى ويتعرض لها ولا يعرض عنها) تستشرفه (أي تهلكه) فمن وجد منها ملجأ أو معاذا فليعذ به".
إخوتي في الله، هذه المظاهرات والمسيرات والإضراب عن الطعام من البدع ومن محدثات الأمور وهي من عادات الكفار التي ما ينتج من ورائها إلا الفتن والشرور والتعدي على الناس وفيها من الفساد ما الله به عليم، فيها إفساد في الأرض وإهلاك للحرث والنسل والله لا يحب الفساد، قال تعالى: {ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون} وقال تعالى: {كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.
في تونس لا يخفى عليكم إخوتي ما حدث، شاب في ريعان الشباب أحرق نفسه، لماذا يا عباد الله أحرق نفسه؟ وهذه هي الشرارة الأولى التي انقدحت في تونس، حرق نفسه لأنه لم يجد فرصة عمل، لأنه يعاني من البطالة، وهذا لا يجوز، لا يجوز الإقدام على مثل هذا الجرم العظيم مهما كانت الأسباب ومهما كانت الظروف ومهما كانت الدوافع الدنيوية فهو حرام حرام، قال جل وعلا: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} وقال جل وعلا: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما}، فهذا جزاء من قتل غيره، فما بالكم من قتل نفسه وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة" وقال صلى الله عليه وسلم: "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم مترديا فيها خالدا مخلدا أبدا، ومن تحس سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".
وانظروا إخوتي إلى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين، لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير، وعند مسلم: "لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز ولا زيت في يوم واحد مرتين"، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتوي في اليوم من الجوع ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه" (الدقل: رديء التمر ويابسه). (رواه مسلم)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض" وقالت رضي الله عنها: "ما أكل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر" وقالت أيضا رضي الله عنها: "إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فسئلت: ما كان يعيشكم؟ فقالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم فيسقيناه" (رواه البخاري)
وعن أنس رضي الله عنه قال: "رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي بالمدينة فأخذ منه شعيرا" وهذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول: "والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع" وقال ابن سيرين رحمه الله تعالى: "إن كان الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يأتي عليه ثلاثة أيام لا يجد شيئا يأكله فيأخذ الجلدة فيشويها فيأكلها فإذا لم يجد شيئا أخذ حجرا فشد صلبه"
فهل وصل هؤلاء الذين أحرقوا أنفسهم لعدم وجود فرص عمل، أو لأنهم يعانون من البطالة إلى هذه الدرجة التي وصل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام؟ أقول: لا.
واعلموا إخوتي في الله أن الرزق بيد الله وتفضل منه جل وعلا وقد تكفل سبحانه بأرزاق العباد وأمرنا بالسعي وطلب الرزق وأن نطلبه بطاعته جل وعلا لا بمعصيته قال صلى الله عليه وسلم: "إن جبريل ألقى في روعي أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب، فإن استبطئ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله فإن الله لا ينال فضله بمعصيته" أخرجه الحاكم في المستدرك وقال الشيخ الألباني صحيح لغيره، وقال الله جل وعلا: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه} وقال سبحانه: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} وقال سبحانه: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} وقال سبحانه: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا} فنحن لا نعاني إخوتي في الله من قلة الأرزاق وإنما نعاني من فساد الأخلاق، فلما فسدت الأخلاق ضاقت الأرزاق.
ثم اعلموا إخوتي في الله أن الذي أجج نار الفتنة هي هذه التيارات السياسية من علمانية واشتراكية وشيوعية وليبرالية وتيار الإخوان المفلسين الذين زجوا بعوام الناس المساكين في أتون هذه الفتن ليصلوا إلى مبتغاهم ظانين بأن هذه المظاهرات والمسيرات والتفجيرات وإحراق الممتلكات هو الحل للمشاكل التي تعانيها الشعوب، فقد أبعدوا النجعة وضلوا السبيل، وإني لأعجب من ذلك الرجل الذي يسمى راشد الغنوشي التونسي زعيم حركة النهضة الذي يرى حل مشاكل الشعب التونسي في مشاركة جميع الأحزاب السياسية بما فيها الحزب الشيوعي وعدم الإقصاء لأي أحد على أسس الديمقراطية العفنة والحرية الغربية الفاجرة.
وأما صاحب العمامة البيضاء يوسف القرضاوي فقد قال: "أطلب من أهل تونس والمسلمين في الأرض أن يشفعوا عند الله للمنتحر الذي انتحر في تونس" ثم قال: "نحن نعلم أن الانتحار ذنب من الذنوب ومعصية إلا أن هؤلاء الشباب المساكين ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت ولم يجدوا البديل" ونسي المسكين أن البديل هو العود الحميد إلى دين الله جل وعلا والتوبة النصوح وأن نصلح حالنا مع الله فيصلح الله أحوالنا كما قال تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} وقال تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} وقال تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} وكما قال صلى الله عليه وسلم: "إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ"
هذا هو المخرج وهذا هوالسبيل إخوتي في الله، فعلينا أن نتقي الله جل وعلا وأن نعود إلى ديننا الحنيف وأن نحكم شرع الله جل وعلا في كل أعمالنا وأن نطيع ولاة أمورنا في غير معصية الله جل وعلا كما أمر بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم فقال: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يأمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" وقوله: "فلا سمع ولا طاعة" يعني فيما أمر به من المعصية فقط ولا يفهم من ذلك أنه إذا أمر بمعصية فلا يسمع له مطلقا في كل أوامره، بل يسمع له ويطاع مطلقا إلا في المعصية فلا سمع ولا طاعة.
وقال صلى الله عليه وسلم: "اسمع وأطع في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك إلا أن يأمروا بمعصية".
وعلى أهل العلم الذين حملوا أمانة العلم وتبليغه والدعاة إلى الله على بصيرة أن يبينوا للناس التوحيد ويحذروهم من الشرك ومن البدع فإن الكثير من الناس يجهلون حقيقة التوحيد وكثير من الناس اليوم واقعون في الشرك وواقعون في البدع والسبب في ذلك يا عباد الله هو الجهل و كم في الجهل من ضرر، واحذروا من أهل البدع والأهواء والإصغاء إلى أصحاب الأحزاب المفسدة التي تدعو إلى الإفساد والشر وإياكم وبعض القنوات الفضائية كالجزيرة (الخسيرة) وغيرها مما يؤجج الفتن ويضخم هذه الأفعال التي لا يقرها شرع ولا عقل وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان وتواصوا فيما بينكم بالحق والصبر.
كما أنصح ولاة الأمور الذين ولاهم الله جل وعلا زمام الحكم أن يتقوا الله في أنفسهم وفي شعوبهم وأن يحكموا شرع الله كتابا وسنة ويتركوا هذه النظم الوضعية التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي ما أفادتنا وليتها لم تفدنا بل أدت بنا إلى الوراء سائلين الله لنا ولكم التوفيق والسداد في كل ما نأتي وندع كما نسأله جل وعلا أن يحفظنا وإياكم وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.