فتحي العلي
01-29-2011, 08:09 PM
إِن الْلَّه لا يُغَيِّر مَا بِقَوْم
1- هَذِه آَيَة عَظِيْمَة الْقَدْر الْكَبِيْرَة الْخَطَر، تَدُل عَلَى كَمَال عَدْل الْلَّه وَحِكْمَتِه، حَيْث لا يُغَيِّر مَا بِقَوْم مِن خَيْر إِلَى شَر، وَمِن شَر إِلَى خَيْر، وَمَن رُخَاء إِلَى شِدَّة، وَمَن شِدَّة إِلَى رَخَاء؛ حَتَّى يُغَيِّرُوْا مَا بِأَنْفُسِهِم، فَإِذَا كَانُوْا فِي صَلاح وَرَخَاء وَغَيَّرُوا، غَيَّر الْلَّه عَلَيْهِم بِالْعُقُوْبَات وَالْشَّدَائِد وَالتَّفَرُّق: {وَمَا رَبُّك بِظَلاَم لِلْعَبِيْد} [فُصِّلَت: 46].
وَقَد يُمْهِلُهُم وَيُمْلِي لَهُم وَيَسْتَدْرَجَهُم لَعَلَّهُم يَرْجِعُوْن، ثُم يُؤْخَذُوْن عَلَى حِيْن غِرَّة: {فَلَمَّا نَسُوْا مَا ذُكِّرُوْا بِه فَتَحْنَا عَلَيْهِم أَبْوَاب كُل شَيْء حَتَّى إِذَا فَرِحُوْا بِمَا أُوْتُوْا أَخَذْنَاهُم بَغْتَة فَإِذَا هُم مُبْلِسُوْن} [الأَنْعَام: 44]، وَقَال: {وَلا تَحْسَبَن الْلَّه غَافِلاً عَمَّا يَعْمَل الْظَّالِمُوْن إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُم لِيَوْم تَشْخَص فِيْه الأَبْصَار} [إِبْرَاهِيْم: 42]، وَقَال تَعَالَى: {ذَلِك بِأَن الْلَّه لَم يَك مُغَيِّرا نِعْمَة أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوْا مَا بِأَنْفُسِهِم} [الأَنْفَال: 53].
فَهَذِه الآَيَة تَدُل عَلَى أَنَّهُم كَانُوْا فِي نِعْمَة ثُم غَيِّرُوْا بِالْمَعَاصِي، فَأَزَال الْلَّه عَنْهُم الْخَيْر وَالأَمْن وَالْرَّخَاء وَالنِّعَم.
وَقَد يَكُوْنُوْا فِي شَر وَبَلاء ثُم يَتُوْبُوْن إِلَى الْلَّه وَيَرْجِعُوْن إِلَى مَنْهَج الْلَّه فَيَنْدَمُون وَيَسْتَبِقُون عَلَى الْطَّاعَة فَيُغَيِّر الْلَّه مَا بِهِم مِّن بُؤْس وَشَقَاء وَفَقْر إِلَى رَخَاء وَنِعْمَة وَاجْتِمَاع كَلِمَة.
2- إِن الْمُتَأَمِّل فِي حَال أُمَّة الإِسْلام الْيَوْم وَمَا أَصَابَهَا مِن الْضَّعْف وَالْهَوَان وَمَا سَلَّط عَلَيْهَا مِن الذُّل وَالْصَّغَار لِيَرَى بِعَيْن الْحَقِيقَة الْسَّبَب الْرَّئِيْسِي فِي ذَلِك رُؤْيَة الْعَيْن، يَرَى أُمَّة أَسْرَفْت عَلَى أَنْفُسِهَا كَثِيْرا وَتَمَادَّت فِي طُغْيَانِهَا مُغْتَرَّة بِعَفْو الْلَّه وَنَسِيْت أَن الْلَّه يُمْهِل وَلا يُهْمِل يُرِى أَنَّه لَم يَبْق مِن الْمُحَرَّمَات شَيْء إِلا وَقَد ارْتَكَب وَمَا بَقِي شَيْء مِن الْفَوْاحِش إِلا أُعْلِن بِه: الْرِّبَا فِي كُل مَكَان، وَالْزِّنَا بُيُوْتِه قَد أَعْلَنْت فِي كُل شَارِع، وَأُم الْخَبَائِث صَارَت لَهَا مَصَانِع وَمُتَاجَر، وَارْتَفَع صَوْت الْشُّطَّان وَمِزْمَار مَكَان كَلام الْرَّحْمَن، وَحَكَمْت الْقَوَانِيْن الأَرْضِيَّة وَالدَسَاتِيّر الْوَضْعِيَّة بَدَل مَنْهَج الْلَّه وَرَسُوْلِه، وَأَصْبَح تَعَاوُن مَع أَعْدَاء الأُمَّة جِهَارَا نَهَارا؛ أَبْعَد هَذَا نَرْجُو نَصْرَا وَنَطْمَع فِي عِزَّة وَنَأْمَل تَمْكِيْن.
أَبْعَد هَذَا نَسْتَغْرِب مَا أَصَابَنَا مِن الذُّل عَلَى أَيْدِي أَعْدَائِنَا مِن شِرَار الْخَلْق مِن الْيَهُوْد وَالْصَّلِيبِيّيْن وَأَعْوَانَهُم مِن الْمُنَافِقِيْن وَالْمَارِقِيْن.
3- إِن الْتَّنْفِيْر لا يَكُوْن بِمَا يَرُوْج لَه أَعْدَاء الأُمَّة مِن تَوَارُث وَانْقِلابَات وَحُرُوْب دَاخِلِيَّة وَفُتِن طَائِفِيَّة، فَإِن هَذِه السُّبُل لَيْسَت فِي سَبِيِل الْلَّه فِي شَيْء.
وَهَذِه الْمَنَاهِج الْثَّوْرِيَّة وَالْطَّرْق الانْقْلابِيّة أَثَارَهَا خَطِيْرَة وَمَا تُنْتِجُه أَسْوَأ مِمَّا تَسْعَى إِلَى تَغْيِيْرِه، إِنَّهَا تَسْعَى إِلَى تَغْيِيْر الْجُوع وَالْفَقْر وَالْظُّلْم السِّيَاسِي وَالاجْتِمَاعِي فَتُثْمِر الْقَتْل وَالْسَّلَب وَهَتْك الأَعْرَاض وَضِعْف الْأُمَّة وَتَدْمِير مُقَدَّرَاتِهَا وَثَرَوَاتِهَا.
إِن الَّذِي يَحْصُد ثِمَار هَذِه الثَّوْرَات وَهَذِه الانْقِلابَات هُم الْجُبَنَاء، وَالعُمَلاَء، وَالْمُنْدَسِّين؛ فِالثَوْرَات يُشْعِلُهَا الأَحْرَار، وَيَمُوْت مِن أَجْلِهَا الأَبْطَال، وَيَجْنِي ثِمَارِهَا الْعُمَلاء، وَالْمُنَافِقِيْن، وَهَكَذَا تَعُوْد الأَوْضَاع إِلَى أَسْوَأ مِمَّا كَانَت عَلَيْه، وَإِن فُرِح الْنَّاس بِالْنَّشْوَة أَيَّامَا مَّعْدُوْدَات وَأَشْهَر معلوّمَات، اقْرَؤُوْا الْتَّارِيْخ، وَاسْتَقْرَؤُوا الْوَاقِع فَهَذِه الثَّوْرَات الْشَّعْبِيَّة وَتِلْك الانْقِلابَات الْعَسْكَرِيَّة مُنْذ سُقُوْط دَوْلَة الْخِلاَفَة إِلَى يَوْم الْنَّاس هَذَا مَا أَفْرَزَت إِلاَ أَنْظِمَة شُمُوْلِيَّة، وَأَحْزَاب دِيكْتَاتَّورِيّة، وَأَجْهِزِة بُوْلِيْسيَّة قَمْعِيَّة، مَا أَثْمَرَت إِلاَ ضَيَاع الْدِّيْن وَتَفْرِيْق الْمُسْلِمِيْن، وَالْمُتَاجَرَة بِالْمُقَدَّسَات فِي فِلِسْطِيْن.
وَكُلَّمَا جَاءَت أُمَّة لَّعَنَت أُخْتَهَا وَأَظْهَرْت مَفَاسِدِهَا وَنُشِرَت فَضَائِحِهَا وَمَخَازيهَا الَّتِي أَزْكَمَت الْأُنُوف.
4- إِن الْسَّبِيل الْمُنِيْر إِلَى إِحْدَاث الْتَّغْيِيْر إِلَى الْخَيْر وَإِصْلاَح الْخَلَل، وَمُعَالَجَة الْعِلَل أَن نَفْهَم هَذِه الآيَة فَهْمَا كَمَا أَرَادَه الْلَّه وَرَسُوْلُه:
أ- ذِكْر الْلَّه سُبْحَانَه الْتَّغْيِيْر فِي هَذِه الآيَة مَرَّتَيْن.
- إِن الْلَّه لاَ يُغَيِّر مَا بِقَوْم.
- حَتَّى يُغَيِّرُوْا مَا بِأَنْفُسِهِم.
ب- فِي الْمَرَّة الأُوْلَى نُسِب الْتَّغْيِيْر إِلَى نَفْسِه الْكَرِيْمَة، وَذَاتَه الْمُقَدَّسَة.
وَفِي الْمَرَّة الْثَّانِيَة: أَسْنَدَه إِلَى الْنَّاس.
ث- الْتَّغْيِيْر الَّذِي أَسْنَدَه الَلّه إِلَى نَفْسِه، هُو مَا أَصَاب الْنَّاس وَمَا حَل بِهِم، وَمَا وَقَع بِسَاحَتِهِم.
وَالْتَّغْيِيْر الَّذِي أَسْنَدَه إِلَى الْنَّاس، هُو مَا بِأَنْفُسِهِم.
ث- إِذَا أَرَاد الْنَّاس أَن يُغَيِّر الَلّه مَا بِهِم مِّن ذَل وَفَقْر وَجَدْب وَفُتِن، فَلْيُغَيَرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم مِن مَعَاصِي وَبِدَع وَشَرَّك وَإِتْبَاع لِسُبُل الْمُجْرِمِيْن.
ج- لَكِن الْنَّاظِر فِي وَاقِع الْنَّاس يَرَى أَن الْنَّاس انْشَغِلوُا بِتَغْيِيْر مَا بِهِم وَنَسُوْا أَنْفُسَهُم، فَلَم يَظْفَرُوْا بِشَيْء وَلَم يَعُوْدُوْا بِخُفَّي حُنَيْن.
5- إِن الْإِسْلاَم لاَ يَدْعُو أَتْبَاعَه إِلَى الْعَجْز، وَلاَ الْجُبْن، وَلاَ الْخَوْر، وَلاَ السُّكُوْت عَن الْظُّلْم، وَلاَ مُدَاهَنَة الْظَّالِمِيْن وَالْجِرِّي فِي رِكَاب الْمُنَافِقِيْن، وَلَكِن بَالدَّعْوَة إِلَى الْلَّه عَلَى بَصِيْرَة، وَبِالأَمْر بِالْمَعْرُوْف، وَالْنَّهُي عَن الْمُنْكَر، وَبَنْشُر الْتَّوْحِيْد، وَنَصَر الْسُّنَّة، وَالْحِرْص عَلَى مَنْهَج الْصَّحَابَة –رَضِي الْلَّه عَنْهُم-، عِنْدَهَا تُمَكِّن الأُمَّة لِلْدِّيِن فِي قُلُوْبِهِا وَحَيّاتِهَا، يُمْكِن الْلَّه لَهُم دِيَنَهُم فِي الأَرْض.
عِنْدَمَا تُقِيْم الأُمَّة دَوْلَة الإِسْلام فِي قُلُوْبِهِا، وَحَيّاتِهَا، وَبُيُوَتَهَا، يُقِيْمُهَا الْلَّه لَهَا عَلَى أَرْضِهَا وَيَحْفَظَهَا فِي وَاقَعَهَا.
عِنَدَمّا تَنْصُر الأُمَّة رَبِّهَا وَرَسُوْلُهَا، يَنْصُرُهُا الَلّه عَلَى أَعْدَائِهَا وَأَعْوَانِهِم.
للاستماع اضغط هنا
http://www.xn----vmcfbbl6df4kvacccm.com/sound.php?action=mhadrat_show&id=265&n=0 (http://www.xn----vmcfbbl6df4kvacccm.com/sound.php?action=mhadrat_show&id=265&n=0)
1- هَذِه آَيَة عَظِيْمَة الْقَدْر الْكَبِيْرَة الْخَطَر، تَدُل عَلَى كَمَال عَدْل الْلَّه وَحِكْمَتِه، حَيْث لا يُغَيِّر مَا بِقَوْم مِن خَيْر إِلَى شَر، وَمِن شَر إِلَى خَيْر، وَمَن رُخَاء إِلَى شِدَّة، وَمَن شِدَّة إِلَى رَخَاء؛ حَتَّى يُغَيِّرُوْا مَا بِأَنْفُسِهِم، فَإِذَا كَانُوْا فِي صَلاح وَرَخَاء وَغَيَّرُوا، غَيَّر الْلَّه عَلَيْهِم بِالْعُقُوْبَات وَالْشَّدَائِد وَالتَّفَرُّق: {وَمَا رَبُّك بِظَلاَم لِلْعَبِيْد} [فُصِّلَت: 46].
وَقَد يُمْهِلُهُم وَيُمْلِي لَهُم وَيَسْتَدْرَجَهُم لَعَلَّهُم يَرْجِعُوْن، ثُم يُؤْخَذُوْن عَلَى حِيْن غِرَّة: {فَلَمَّا نَسُوْا مَا ذُكِّرُوْا بِه فَتَحْنَا عَلَيْهِم أَبْوَاب كُل شَيْء حَتَّى إِذَا فَرِحُوْا بِمَا أُوْتُوْا أَخَذْنَاهُم بَغْتَة فَإِذَا هُم مُبْلِسُوْن} [الأَنْعَام: 44]، وَقَال: {وَلا تَحْسَبَن الْلَّه غَافِلاً عَمَّا يَعْمَل الْظَّالِمُوْن إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُم لِيَوْم تَشْخَص فِيْه الأَبْصَار} [إِبْرَاهِيْم: 42]، وَقَال تَعَالَى: {ذَلِك بِأَن الْلَّه لَم يَك مُغَيِّرا نِعْمَة أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوْا مَا بِأَنْفُسِهِم} [الأَنْفَال: 53].
فَهَذِه الآَيَة تَدُل عَلَى أَنَّهُم كَانُوْا فِي نِعْمَة ثُم غَيِّرُوْا بِالْمَعَاصِي، فَأَزَال الْلَّه عَنْهُم الْخَيْر وَالأَمْن وَالْرَّخَاء وَالنِّعَم.
وَقَد يَكُوْنُوْا فِي شَر وَبَلاء ثُم يَتُوْبُوْن إِلَى الْلَّه وَيَرْجِعُوْن إِلَى مَنْهَج الْلَّه فَيَنْدَمُون وَيَسْتَبِقُون عَلَى الْطَّاعَة فَيُغَيِّر الْلَّه مَا بِهِم مِّن بُؤْس وَشَقَاء وَفَقْر إِلَى رَخَاء وَنِعْمَة وَاجْتِمَاع كَلِمَة.
2- إِن الْمُتَأَمِّل فِي حَال أُمَّة الإِسْلام الْيَوْم وَمَا أَصَابَهَا مِن الْضَّعْف وَالْهَوَان وَمَا سَلَّط عَلَيْهَا مِن الذُّل وَالْصَّغَار لِيَرَى بِعَيْن الْحَقِيقَة الْسَّبَب الْرَّئِيْسِي فِي ذَلِك رُؤْيَة الْعَيْن، يَرَى أُمَّة أَسْرَفْت عَلَى أَنْفُسِهَا كَثِيْرا وَتَمَادَّت فِي طُغْيَانِهَا مُغْتَرَّة بِعَفْو الْلَّه وَنَسِيْت أَن الْلَّه يُمْهِل وَلا يُهْمِل يُرِى أَنَّه لَم يَبْق مِن الْمُحَرَّمَات شَيْء إِلا وَقَد ارْتَكَب وَمَا بَقِي شَيْء مِن الْفَوْاحِش إِلا أُعْلِن بِه: الْرِّبَا فِي كُل مَكَان، وَالْزِّنَا بُيُوْتِه قَد أَعْلَنْت فِي كُل شَارِع، وَأُم الْخَبَائِث صَارَت لَهَا مَصَانِع وَمُتَاجَر، وَارْتَفَع صَوْت الْشُّطَّان وَمِزْمَار مَكَان كَلام الْرَّحْمَن، وَحَكَمْت الْقَوَانِيْن الأَرْضِيَّة وَالدَسَاتِيّر الْوَضْعِيَّة بَدَل مَنْهَج الْلَّه وَرَسُوْلِه، وَأَصْبَح تَعَاوُن مَع أَعْدَاء الأُمَّة جِهَارَا نَهَارا؛ أَبْعَد هَذَا نَرْجُو نَصْرَا وَنَطْمَع فِي عِزَّة وَنَأْمَل تَمْكِيْن.
أَبْعَد هَذَا نَسْتَغْرِب مَا أَصَابَنَا مِن الذُّل عَلَى أَيْدِي أَعْدَائِنَا مِن شِرَار الْخَلْق مِن الْيَهُوْد وَالْصَّلِيبِيّيْن وَأَعْوَانَهُم مِن الْمُنَافِقِيْن وَالْمَارِقِيْن.
3- إِن الْتَّنْفِيْر لا يَكُوْن بِمَا يَرُوْج لَه أَعْدَاء الأُمَّة مِن تَوَارُث وَانْقِلابَات وَحُرُوْب دَاخِلِيَّة وَفُتِن طَائِفِيَّة، فَإِن هَذِه السُّبُل لَيْسَت فِي سَبِيِل الْلَّه فِي شَيْء.
وَهَذِه الْمَنَاهِج الْثَّوْرِيَّة وَالْطَّرْق الانْقْلابِيّة أَثَارَهَا خَطِيْرَة وَمَا تُنْتِجُه أَسْوَأ مِمَّا تَسْعَى إِلَى تَغْيِيْرِه، إِنَّهَا تَسْعَى إِلَى تَغْيِيْر الْجُوع وَالْفَقْر وَالْظُّلْم السِّيَاسِي وَالاجْتِمَاعِي فَتُثْمِر الْقَتْل وَالْسَّلَب وَهَتْك الأَعْرَاض وَضِعْف الْأُمَّة وَتَدْمِير مُقَدَّرَاتِهَا وَثَرَوَاتِهَا.
إِن الَّذِي يَحْصُد ثِمَار هَذِه الثَّوْرَات وَهَذِه الانْقِلابَات هُم الْجُبَنَاء، وَالعُمَلاَء، وَالْمُنْدَسِّين؛ فِالثَوْرَات يُشْعِلُهَا الأَحْرَار، وَيَمُوْت مِن أَجْلِهَا الأَبْطَال، وَيَجْنِي ثِمَارِهَا الْعُمَلاء، وَالْمُنَافِقِيْن، وَهَكَذَا تَعُوْد الأَوْضَاع إِلَى أَسْوَأ مِمَّا كَانَت عَلَيْه، وَإِن فُرِح الْنَّاس بِالْنَّشْوَة أَيَّامَا مَّعْدُوْدَات وَأَشْهَر معلوّمَات، اقْرَؤُوْا الْتَّارِيْخ، وَاسْتَقْرَؤُوا الْوَاقِع فَهَذِه الثَّوْرَات الْشَّعْبِيَّة وَتِلْك الانْقِلابَات الْعَسْكَرِيَّة مُنْذ سُقُوْط دَوْلَة الْخِلاَفَة إِلَى يَوْم الْنَّاس هَذَا مَا أَفْرَزَت إِلاَ أَنْظِمَة شُمُوْلِيَّة، وَأَحْزَاب دِيكْتَاتَّورِيّة، وَأَجْهِزِة بُوْلِيْسيَّة قَمْعِيَّة، مَا أَثْمَرَت إِلاَ ضَيَاع الْدِّيْن وَتَفْرِيْق الْمُسْلِمِيْن، وَالْمُتَاجَرَة بِالْمُقَدَّسَات فِي فِلِسْطِيْن.
وَكُلَّمَا جَاءَت أُمَّة لَّعَنَت أُخْتَهَا وَأَظْهَرْت مَفَاسِدِهَا وَنُشِرَت فَضَائِحِهَا وَمَخَازيهَا الَّتِي أَزْكَمَت الْأُنُوف.
4- إِن الْسَّبِيل الْمُنِيْر إِلَى إِحْدَاث الْتَّغْيِيْر إِلَى الْخَيْر وَإِصْلاَح الْخَلَل، وَمُعَالَجَة الْعِلَل أَن نَفْهَم هَذِه الآيَة فَهْمَا كَمَا أَرَادَه الْلَّه وَرَسُوْلُه:
أ- ذِكْر الْلَّه سُبْحَانَه الْتَّغْيِيْر فِي هَذِه الآيَة مَرَّتَيْن.
- إِن الْلَّه لاَ يُغَيِّر مَا بِقَوْم.
- حَتَّى يُغَيِّرُوْا مَا بِأَنْفُسِهِم.
ب- فِي الْمَرَّة الأُوْلَى نُسِب الْتَّغْيِيْر إِلَى نَفْسِه الْكَرِيْمَة، وَذَاتَه الْمُقَدَّسَة.
وَفِي الْمَرَّة الْثَّانِيَة: أَسْنَدَه إِلَى الْنَّاس.
ث- الْتَّغْيِيْر الَّذِي أَسْنَدَه الَلّه إِلَى نَفْسِه، هُو مَا أَصَاب الْنَّاس وَمَا حَل بِهِم، وَمَا وَقَع بِسَاحَتِهِم.
وَالْتَّغْيِيْر الَّذِي أَسْنَدَه إِلَى الْنَّاس، هُو مَا بِأَنْفُسِهِم.
ث- إِذَا أَرَاد الْنَّاس أَن يُغَيِّر الَلّه مَا بِهِم مِّن ذَل وَفَقْر وَجَدْب وَفُتِن، فَلْيُغَيَرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم مِن مَعَاصِي وَبِدَع وَشَرَّك وَإِتْبَاع لِسُبُل الْمُجْرِمِيْن.
ج- لَكِن الْنَّاظِر فِي وَاقِع الْنَّاس يَرَى أَن الْنَّاس انْشَغِلوُا بِتَغْيِيْر مَا بِهِم وَنَسُوْا أَنْفُسَهُم، فَلَم يَظْفَرُوْا بِشَيْء وَلَم يَعُوْدُوْا بِخُفَّي حُنَيْن.
5- إِن الْإِسْلاَم لاَ يَدْعُو أَتْبَاعَه إِلَى الْعَجْز، وَلاَ الْجُبْن، وَلاَ الْخَوْر، وَلاَ السُّكُوْت عَن الْظُّلْم، وَلاَ مُدَاهَنَة الْظَّالِمِيْن وَالْجِرِّي فِي رِكَاب الْمُنَافِقِيْن، وَلَكِن بَالدَّعْوَة إِلَى الْلَّه عَلَى بَصِيْرَة، وَبِالأَمْر بِالْمَعْرُوْف، وَالْنَّهُي عَن الْمُنْكَر، وَبَنْشُر الْتَّوْحِيْد، وَنَصَر الْسُّنَّة، وَالْحِرْص عَلَى مَنْهَج الْصَّحَابَة –رَضِي الْلَّه عَنْهُم-، عِنْدَهَا تُمَكِّن الأُمَّة لِلْدِّيِن فِي قُلُوْبِهِا وَحَيّاتِهَا، يُمْكِن الْلَّه لَهُم دِيَنَهُم فِي الأَرْض.
عِنْدَمَا تُقِيْم الأُمَّة دَوْلَة الإِسْلام فِي قُلُوْبِهِا، وَحَيّاتِهَا، وَبُيُوَتَهَا، يُقِيْمُهَا الْلَّه لَهَا عَلَى أَرْضِهَا وَيَحْفَظَهَا فِي وَاقَعَهَا.
عِنَدَمّا تَنْصُر الأُمَّة رَبِّهَا وَرَسُوْلُهَا، يَنْصُرُهُا الَلّه عَلَى أَعْدَائِهَا وَأَعْوَانِهِم.
للاستماع اضغط هنا
http://www.xn----vmcfbbl6df4kvacccm.com/sound.php?action=mhadrat_show&id=265&n=0 (http://www.xn----vmcfbbl6df4kvacccm.com/sound.php?action=mhadrat_show&id=265&n=0)