أشرف جلال بن أودينة
04-01-2011, 05:04 PM
من جهود العلماء المعاصرين
في الدفاع عن السنة
-الحلقة الأولى:
جهود الشيخ ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله تعالى- في الدفاع عن صحيح مسلم
الحمد لله القائل :"إنا نزلنا الذكرى وإن له لحافظون" والصلاة والسلام على من قائل:"لا يزال الله تعالى يغرس لهذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته"([1] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn1)) صلى الله عليه وعلى آل عترته ومن اهتدى بهديه وذب عن سنته أما بعد:
لما كانت السنة النبوية –زاد الله منارها تشريفا-المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن تبيّن مجمله وتخصّص عمومه وتقيّد مطلقه وتنسخ محكمه وتؤكّد أحكامه بل تقرر أحكاما لم ترد في القرآن .
فقد سعى أعداء الأمة –على مرّ التاريخ ولا يزالون- من زنادقة ملحدين ومن ورث حقدهم من المستشرقين وسائرالمبتدعة الماكرين من خوارج([2] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn2)) وشيعة([3] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn3)) ومعتزلة([4] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn4))وأفراخهم من العقلانيين([5] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn5)) والذين سموا زورا بالقرآنيين([6] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn6))وغيرهم من أهل الرأي. سعوا بشتى الوسائل لمحاربتها والكيد لها سواءا بوضع الأحاديث أو بتأصيل القواعد الباطلة وتجييش الشبه الواهية للتشكيك بالسنة المطهرة بل وانكارها.
لكن كلام الله صدق ووعده حق إذ تكفل بحفظ شرعه ونصرة دينه فقد قيّض الله رجالا ،
هم فرسان هذا الدين وفقهم للرحلة في طلب الحديث وجمعه ،وتدوينه، وتمحيصه، وتدقيقه وشرحه والاستنباط منه ،
فجمعت السنن والمسانيد، وأصلت العلوم كالمصطلح وعلم الجرح والتعديل،
فصار أهل الحديث هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر, وقام جهابذة أهل الشأن-قديما وحديثا([7] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn7)) - أحسن قيام بحراسة السنّة والذب عن حياضها وسلوا السيوف والأسنة لمقارعة أعدائها.
هذا وقد نبتت في زمننا نابتة تطعن في السنة وتهدمها تحت ستار المدح([8] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn8))
تسعى لنسف سنّة رسول الله-صلى الله عليه وسلّم-بدءا بنسف كتاب يعتز به كل مسلم غيور على السنّة , وهذا بالتفريق بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين.
ولما كان الصراع بين السنة والبدعة قائما -حتى يرث الله الأرض ومن عليها- كان ممّن وفقهم الله للتصدي لهذه البدعة ودحرها حتى أدبرت وقد ولّى كيدها في نحرها ,الشيخ العلامة المجاهد الدكتور ربيع بن هادي بن عمير المدخلي-حفظه الله تعالى-.
والشيخ ربيع لا يسأل عن مثله فهو عضو هيئة التدريس ورئيس شعبة السنة بالجامعة الإسلاميــة بالمدينة المنورة سابقاً، وحامل لواء الجرح والتعديل في هذا العصر بشهادة الألباني صاحب الشأن,أثنى عليه العلماء المرضيون([9] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn9))
بل هو والد السلفين الذي يمتحن خواص أهل الحديث بحبه([10] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn10)).
فخاض غمار هذه الحرب وجرد حسام قلمه بالتأليف، فصنف لدحضها كتبا ومقالات منها:
-بين الإمامين الدار قطني ومسلم([11] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn11)).
-الرد المفحم على من اعتدى على صحيح مسلم.
-منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح ودحض شبهات حوله.
-التنكيل بما في توضيح المليباري من الأباطيل.
-من عيب على مسلم إخراج حديثه والإجابة عنه (جزء من كتاب المدخل للحاكم).
و من مقالاته جزاه الله عني الإسلام خيرا في الرد على رأس هذه النابتة:
المليباري يَهدِم مِصْراً ويُعوِّضُ النَّاسَ بَعْرا.ً-
-عقيدة المليباري ومنهجيته الخطيرة في دراسة السنَّة وعلومها.
جملة الشبه المثارة حول صحيح مسلم :
من المطاعن التي وجهت إلى صحيح مسلم تحت ستار المدح:-
1/أن لمسلم منهج علمي يراعيه في ترتيب الاحاديث التي يوردها فما أخَّره مسلم في الباب فإنَّما يخرجه للتنبيه على علَّته إذ ليس هو من الأصول ولا هو من المتابعات.
2/أن مسلما يقدم أقوى الطرق وأصحها فإذا خالف هدا النسق فلسبب يجعله يقدم ما يستحق التأخير ويوخر ما يستحق التقديم,وهي العلة القادحة في زعمهم.
وثمرته انتقاد أحاديث لم يسبق اليها كحديث الأعمش.
3/أنّ مسلما يبين العلل في كتابه بدكر الطرق المعللة خارج الأصول.
4/دعوى أن مسلما يبين العلل من خلال ترتيب أحاديث الباب وعلى هذا فإذا قدَّم ما هو مستحق أن يُؤخره وإذا أخَّر ما هو مستحقٌ أن يُقدِّمه فمعناه أنَّه أدرك فيه شيئاً جعله يتصرَّف كذلك.(ولو تعددت طرقهوبلغ أعلى درجات الصحَّة).
5/بيان العلّة في صحيح مسلم ليس على طريقة كتب العلّة، بأن يقول أثناء الكلام : واختلف على فلان أو خالفه فلان مثلاً، كما هو معروف في كتب العلل لابن أبي حاتم والدارقطني، وغيرهما، بل يكون البيان بذكر وجوه الاختلاف من غير أن يتعرض لقوله : خالفه فلان أو اختلف على فلان مثلاً، وإذا سمعه الحافظ يفهم بأنه اختلاف واضطراب، وإذا سمعه أمثالنا فيعده تعدد الطرق، ومثل هذا البيان كثيرًا ما تجده في التاريخ الكبير، إلا في الموضعين منه.
وثمرة هذه الشبه قاعدة خطيرة تقتضي :
-أنَّ كل ما خالف فيه مسلم عادته بتأخير ما كان يقدمه فإن فيه علّة مما يؤدي إلى نسف أبواب من صحيح مسلم.
-تعليل أحاديث صحيحة لم تنتقد من قبل .
-أن صحيح مسلم كتاب علل وليس كتاب صحة.
وكل هذا بالتفريق بين منهج المتقدين والمتأخرين، والحط من جهود المتأخرين وإهدارها.
فهل فهم أحد من العلماء أو قال: إن الإمام مسلماً التزم بيان العلل في صحيحه؟ وهل فهم أحد أو قال إن وسيلة هذا البيان هي ترتيبه للأحاديث على النهج.
قال الشيخ ربيع:([12] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn12))مبينا أنواع الهدم الموجهة إلى صحيح مسلم من المليباري:
الأول : هدمه لباب كامل من صحيح مسلم قائم على عشر طرق صحيحة في غاية من الصحة يتعلق بموضوع عظيم ألا وهو بيان فضل مسجد رسول الله صلى اله عليه وسلّم- مهبط الوحي ومنطلق الفتوحات الإسلامية التي أطاحت بعروش الجبابرة من الأكاسرة والقياصرة وغيرها.
الثاني : هدمه لعلوم الحديث باسم التفريق بين منهج المتقدمين والمتأخرين وتحت ستار الغيرة لمنهج المتقدمين مع الحطِّ الشديد على جهود المتأخرين من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر الهجري والتشويه لهذه الجهود العظيمة.
الثالث : هدمه لجهود المعاصرين في خدمة السنة النبوية بطريقة بهلوانية ومجازفات غوغائية لا ترى لها نظيراً في المجازفات والأكاذيب.
إنَّه هدمٌ لجهود الباحثين والمؤسسات والجامعات التي تُعنى بالسنة النبوية وعلومها وهذا عمل يُزعِجُ المستشرقين وأعداء الإسلام ولا سيما مثل جهود الفحول من أمثال العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني والمحدث أحمد محمد شاكر -رحمهما الله- رَائدَيْ النشاط القوي والاتجاه العظيم إلى خدمة السنة النبوية واللَّذان يعتبران بأعمالهما المجيدة من مجددي الإسلام عقيدة وشريعة في هذا العصر.
جواب الشيخ ربيع-سلمه الله- على الشبه المثارة وإبطاله لها:
قام العلامة المحدث بتفنيد هذه الشبه وإبطالها شارحا ومناقشا للعلل التي نسبت إلى مسلم كما بيّن التزام مسلم بالصحة في كتابه ،بل كشف شبهتهم في التعلق بكلام بعض العلماء .
1-نظرة العلماء إلى صحيح مسلم وآراؤهم في منهجه:
- نقل الشيخ ربيع-حفظه الباري- نظرة العلماء إلى صحيح مسلم وآراؤهم في منهجه([13] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn13)):
على رأسهم الإمام الدارقطني، والإمام أبو مسعود الدمشقي، والإمام أبو علي الجياني،
والحاكم، والبيهقي، وابن الصلاح ،وشيخ الإسلام، والحافظ ابن حجر ،وجميعهم يرى أنّ مسلما التزم الصحة في كتابه .
2- إجماع علماء المسلمين على صحة ما في الصحيحين:
قال الشيخ ربيع:
"أن الأمة تلقت الصحيحين بالقبول والاحتفاء والتكريم، وفائدة هذا التلقي بالقبول يعطي للصحيحين ميزة لا تلحق ولا تنال، ألا وهي إفادة أخبارهما للعلم عند جماهير علماء الأمة المعتبرين.
والقول بأن مسلماً التزم بيان العلل وشرحها وأن هذا الشرح والبيان يتم من خلال الترتيب لأحاديثه ويتم من خلال التقديم والتأخير يناقض ما قدمناه من مواقف العلماء وينافي تلقيهم إياه بالقبول والاحترام والثقة به".
احتج الشيخ ربيع-حفظه الله- على المعتدي على صحيح مسلم على صحة ما في الصحيحين بإجماع علماء المسلمين الذي نقله إمام الحرمين .
و ما نقله الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائييني- رحمه الله – حيث قال: " أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بها عن صاحب الشرع، وإن حصل خلاف في بعضها فذلك خلاف في طرقها ورواتها".
وقول الحميدي في كتاب " الجمع بين الصحيحين " : " لم نجد في الأئمة الماضين - رضي الله عنهم - أجمعين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين الإمامين ". يعني البخاري ومسلماً.
وقول الإمام مجد الدين المبارك بن محمد المشهور بابن الأثير - رحمه الله - في مقدمة كتابه جامع الأصول (1/41).:
" وقيل : إن أول من صنف وبوب الربيع بن صبيح بالبصرة ثم انتشر جمع الحديث وتدوينه وسطره في الأجزاء والكتب وكثر ذلك وعظم نفعه إلى زمن الإمامين أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري - رحمهما الله - فدونا كتابيهما وفعلا ما الله مجازيهما عليه من نصح المسلمين، والاهتمام بأمور الدين، وأثبتا في كتابيهما من الأحاديث ما قطعا بصحته وثبت عندهما نقله "
-كذلك تسمية أبي بكر محمد بن عبدالله الشيباني المعروف بالجوزقي المتوفى سنــة ( 388هـ ) كتابه الجمع بين الصحيحين " الصحيح من الأخبار عن رسول الله المجمع على صحته للإمامين البخاري ومسلم".
وقول أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي ت 444هـ:
أجمع أهل العلم الفقهاء وغيرهم أن رجلا لو حلفبالطلاق أن جميع ما في كتاب البخاري مما روى عن النبي –صلى الله عليه وسلّم-قد صح عنه، ورسول الله –صلى الله عليه وسلّم-قاله لاشك فيه أنه لا يحنث والمرأة بحالها في حبالته".
وقول ابن الصلاح - رحمه الله - : " جميع ما حكم مسلم بصحته في هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته، والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر، وهكذا ما حكم البخاري بصحته في كتابه وذلك لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع".
-التزام مسلم الصحة في جميع كتابه:
قال الشيخ ربيع([14] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn14)) مجيبا على دعوى المليباري لسوء فهمه لمسلم ، أنّ مسلما لم يلتزم الصحة في كتابه:
وأبى الله عليه إلاَّ أن يتربع قمة كتب السنة وأن يكون صنو أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى ألا وهو صحيح البخاري.
ولو طبقنا عليه القاعدة المذكورة لجاء في مؤخرة كتب السنة بل لجاء في مصاف كتب العلل , ويأبى الله ذلك والمؤمنون وعلى رأسهم أئمَّة الحديث والسنة وجبال الحفظ والفهم والدراية الذين تلقوه بالقبول ومنهم من جعله في مستوى صحيح البخاري , ومنهم من يفضله عليه ومنهم من يرى أنَّه التالي للبخاري نظرا لتشدد البخاري في شرطه.
يجب أن نفهم أن الإمام مسلماً قد التزم الصحة في كل مايورده في كتابه الصحيح وقد بذل كل جهد للوفاء بهذا الشرط-وذكر براهين كثيرة على ذلك:
أولاً :
تسميته لهذا الكتاب بالجامع الصحيح لا الجامع المعلل.
ثانيا :
روى مسلم حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- في تعليم الناس الصلاة وذكر فيه زيادة "وإذا قرأ فأنصتوا". فاعترض عليه معترض في إيرادها في صحيحه لأن بعض الناس عللها فدار بينهما حوار انتهى فيه مسلم إلى القول : " ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه " صحيح مسلم ( 1/304 ) نهاية حديث رقم (63).
ثالثا : قال الإمام مسلم -رحمه الله- :( عرضت كتابي هذا المسند على أبي زرعة الرازي ,فكل ما أشار أن له علة تركته وكل ما قال : إنه صحيح وليس له علة أخرجته ) ( صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط ) ص (68).
ومعنى هذا أن الإمام مسلم انتهى به المطاف إلى أن يقدم صحيحه وهو يعتقد أنَّه خال نظيف من العلل هذا ما يعتقده وإن كان قد بقي عليه فيه ما يؤخذ عليه وهو نزر يسير لا يخلو من مثله أعمال البشر غير أن الذي نعتقد أن مسلماً لم يقصد أبدا إلى أحاديث يعلم أن فيها عللا فيوردها في صحيحه ثم يقوم بشرحها وتوضيحها.
رابعا :
أنّ معاصريه من أئمَّة الحديث في عصره قد استقر في أذهانهم أن مسلما قد التزم الصحة في كل ما يورده في كتابه.
وكانوا يُوَجِّهُون إليه اللَّومَ بناء على هذا الأساس : لِمَ رويتَ عن فلان وفلان ولِمَ ولِمَ ؟
فيُسلِّم لهم أنَّه التزم الصحة ويبدي لهم أعذاراً يقنعهم بسلامة وجهة نظره فيسكتون . ( صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط ) ص (97).)
خامساً :
أنَّ الإمام مسلماً قد صرَّح في مقدمة كتابة (1/4) أنَّه لم يؤلف كتابه هذا لخاصة الناس ( أى للمختصين في علم الحديث ) وإنَّما قصد إلى جمع أحاديث صحيحة ليستفيد منها عوام الناس لأنَّه أدرك أن أمثال هؤلاء لا قدرة لهم على تمييز الصحيح من السقيم.
سادساً :
أن الأمة تلقته بالقبول لأنَّه صِنْوُ البخاري في الصحة لا لأنَّه وضع لشرح العلل وبيانها وإلاَّ لكان له شأن آخر وللأمة موقف آخر منه كأن يضعونه في كتب العلل ,وقد ألف الحازمي وابن طاهر في شروط الأئمَّة الخمسة والستة ومنها الصحيحان وأقرَّتهما الأُمَّة على ذلك.
وعلى أساس التزام الصحة وجهت إليه وإلى صحيح البخاري بعض الانتقادات لأنهما أخلا بشرط الصحة في تلك الأحاديث المنتقدة في نظر من يوجه إليهما النقد , كالدارقطني وأبي مسعود الدمشقي وأبي علي الغساني ولو كان مسلم التزم القيام بشرح العلل وبيانها في كتابه لما وجدت شيئا من تلك الانتقادات.
أمَّا تلك الجملة التي تعلق بها الباحث ,فليس لها أي أثر وليس لها أي تطبيق في صحيح مسلم باعتبارها عللا قادحة.
فتحمل هذه الجملة على أحد أمرين:
الأول : أن يريد بها العلل غير القادحة ,وذلك أنَّ بعض المحدِّثين يُطلِقُ اسم العلَّة على ما ليس بقادح
والثاني : أن يكون أعرض عن تطبيق هذه الجملة , والأول أرجح في نظري ولا ثالث لهذين الاحتمالين إلاّ َالتزام بالصحة في كتابه وهو الواقع.
والدليل على ذلك كل ما قدمناه من أقواله ومواقف الناس في صحيحه وضمهم إيَّاه إلى صحيح البخاري.
3-رد شبهة تعلقهم بكلام بعض العلماء:
قاعدة للقاضي عياض والجواب عنها:
ومن الشبه التي اغتر وتعلق بها الملبسون قاعدة للقاضي عياض.
وقد قام الشيخ بإبطال تعلقه بالعلماء في الترتيب المزعوم وغيـره .
قال الشيخ ربيع :
إنّ القاضي عياض كثيراً ما يجاري الدارقطني في انتقاده لمسلم ويقوم بتأييده فيما يبدو له من علل , ومعنى هذا أن القاضي عياضا ينسى ما قرره من أن مسلما التزم بيان العلل وشرحها , ويقع فيما يعتقده أهل الحديث قاطبة متقدموهم ومتأخروهم أن مسلما التزم الصحة في كتابه - وهو الاعتقاد الصواب - ويشارك الدارقطني وغيره من المنتقدين في اعتقاد أن مسلما التزم الصحة لكنه أخلَّ بشرطه في نظرهم بإيراد هذه الأحاديث المعللة في صحيحه ولو كان القاضي عياض ثابتا على رأيه الذي لايؤيده الواقع لرأيناه يقول للمنتقدين :إن مثل هذه التتبعات والانتقادات في غير موضعها لأن مسلما التزم بيان العلل وشرحها وهذه بياناته وتوضيحاته وشروحه.
ولعدم وجود هذه البيانات والشروح والإيضاحات للعلل القادحة المزعومة لا يسع عياضاً إلاَّ أن يُجاريَ من يعتقد أن مسلماً التزم الصحة في صحيحه لا غير انظر على سبيل المثال إكمال المعلم (1/ ق75 و1) وشرح النووي لصحيح مسلم (2/182) و(بين الإمامين مسلم والدارقطني) (ص 26) حيث جارَى الدارقطنيَّ وأباَ مسعود الدمشقي في نقدهما للإمام مسلم في حديث سعد بن أبي وقاص الذي يقول فيه : ( قسم رسول الله قسماً ,فقلت : يا رسول الله أعط فلانا فإنَّه مؤمن ... ) الحديث حيث رواه مسلم فقال : حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه مرفوعاً.
قال عياض-رحمه الله-: ( قال أبو مسعود الدمشقي هذا الحديث إنما يرويه سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري قال الحميدي وسعيد بن عبد الرحمن ومحمد بن الصباح الجرجرائي كلهم عن سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري بإسناده. وكذلك قال أبوالحسن في كتابه الاستدراكات).
-هذا ما قاله القاضي عياض ونقله عن إمامين تصديا لنقد أحاديث من صحيح مسلم ومن صحيح البخاري معتقدين أنَّ البخاري ومسلماً التزماَ الصِّحَة في كتابيهما وقد أخلاَّ بهذا الالتزام في الأحاديث التي انتقداها ووافقهما القاضي عياض في هذا الالتزام والاستدراك
فلا يجوز الالتفات إلى رأي عياض , فإنَّ الواقع والبراهين تدفع ماذهب إليه.
مع أن هذا العرض لا يعطيك الحقيقة كاملة، فاقرأ الرد عليه، وستقف إن شاء الله منه على مكانة هذه الأحاديث التي انتقدها وعللها وخالف فيها أئمة الحديث الذين صححوها وترى بعده عن مناهج علماء الإسلام المنصفين، والذين تشبعوا بحب السنة واحترامها.
هذا جملة ما أجاب به الشيخ عن الإعتراضات والشبه ،ودونك كتب الشيخ فان فيها ما يسر فوادك ويقر عينك لما فيها من تفصيل لا تجده عند غيره في الدفاع عن ثاني أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل وبيان المغالطات والتناقضات التي وقع فيها المليباري وأذنابه .
هذا وليس لي فيه إلا النقل و التقريب راجيا من الله التوفيق لبيان جهود الجهابذة من أهل الحديث .
وأختم هذه السطور بنقل أمنية عزيزة للشيخ ربيع :
قال –حفظه المولى عز وجل من كيد الحاسدين- :
وإنَّني أتمني من أعماق نفسي أن يتَّجه نوابغ هذه الأمَّة إلى دراسة السُنَّـة وعلوم الحديث. كما كان واقع هذه الأمَّة إبَّان عِزِّها حين كانت الأُمَّة تَعرِفُ مكانـة حديث رسول الله بخلاف عصرنا هذا (!) ؛فإنَّ كثيراً من الأذكياء والنوابغ يتجهون إلى دراسة العلوم العصرية ثم فـي النهاية يضيعون أو يرجع أكثرهم معاول لهدم الإسلام.
وكتب ابن اودينة أشرف جلال إمام مدرس
وأستاذ مادة الحديث بمعهد الشيخ عبد الحميد بن باديس للقراءات بقسنطينة
([1])رواه أحمد و ابن ماجة وحسنه الألباني في سنن ابن ماجة1/ 5 و صحيح الجامع 7569
([2])قال ابن تيمية والخوارج جوزوا على الرسول نفسه أن يجور ويضل في سنته ولم يوجبوا طاعته ولا متابعته,وانما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السنة التي تخالف بزعمهم ظاهر القرآن مجموع الفتاوى 9/83
([3]) بطعنهم في أصحاب رسول الله وتجريحهم ورد حديثهم فلا يقبلون إلا مرويات أهل البيت.
([4]) برد أخبار الآحاد هم وتبعهم بعض الأشاعرة والماتريدية فلا يقبلونها في أمور العقيدة حتى لو ثبتت بطريق صحيح أنظر
([5])فردوا كثيراً من الأحاديث بحجة أن العقل لا يقبلها، ، كأحاديث الصفات
([6])ادعوا نبوة ميراز غلام أحمد القادياني الهندي،أنظر كتاب القاديانية دراسات وتحليل للشيخ إحسان إلهي ظهير - رحمه الله -
([7])منهم المعلمي اليماني ذهبي عصره والشيخ الألباني دارقطني زمنه وإمام المحدثين احمد شاكر ومحدث الجزيرة الورع عبد العزيز بن باز والعلامة الزاهد مقبل الوادعي، وغيرهم من أهل الحديث في كل قطر.
([8])وقد أخذت هده الفتنة أطوارا قبل أن تفرخ في البلدان والجامعات متلبسة بلباس السلفية.
([9])منهم الشيخ عبد العزيز بن باز والعباد واللحيدان أنظر كتاب الثناء البديع من العلماء على الشيخ ربيعل خالد بن ضحوي الظفيري
([10])كما قا ل ذلك الشيخ عبد الوهاب البنا –رحمه الله-
([11])بين الإمامين مسلم والدار قطني " مجلد كبير وهو رسالة الماجستير،وللشيخ تصانيف نافعة منها: النكت على كتاب ابن الصلاح " مطبوع في جزئين وهو رسالة الدكتوراه، منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل، منهج أهل السنة في نقد الرجال و الكتب و الطوائف، وللشيخ كتب أخرى سوى ما ذكر هنا وقد جمع أسماءها ونبذة عنها الأخ خالد بن ضحوي الظفيري في كتابه "ثبت مؤلفات الشيخ ربيع بن هادي المدخلي".
([12]) أنظر المليباري يَهدِم مِصْراً ويُعوِّضُ النَّاسَ بَعْرا.(مقال في الرد على الميليباري).
([13]) أنظر منهج الإمام مسلم(9-19).
([14]) أنظر الرد المفحم
في الدفاع عن السنة
-الحلقة الأولى:
جهود الشيخ ربيع بن هادي المدخلي-حفظه الله تعالى- في الدفاع عن صحيح مسلم
الحمد لله القائل :"إنا نزلنا الذكرى وإن له لحافظون" والصلاة والسلام على من قائل:"لا يزال الله تعالى يغرس لهذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته"([1] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn1)) صلى الله عليه وعلى آل عترته ومن اهتدى بهديه وذب عن سنته أما بعد:
لما كانت السنة النبوية –زاد الله منارها تشريفا-المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن تبيّن مجمله وتخصّص عمومه وتقيّد مطلقه وتنسخ محكمه وتؤكّد أحكامه بل تقرر أحكاما لم ترد في القرآن .
فقد سعى أعداء الأمة –على مرّ التاريخ ولا يزالون- من زنادقة ملحدين ومن ورث حقدهم من المستشرقين وسائرالمبتدعة الماكرين من خوارج([2] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn2)) وشيعة([3] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn3)) ومعتزلة([4] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn4))وأفراخهم من العقلانيين([5] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn5)) والذين سموا زورا بالقرآنيين([6] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn6))وغيرهم من أهل الرأي. سعوا بشتى الوسائل لمحاربتها والكيد لها سواءا بوضع الأحاديث أو بتأصيل القواعد الباطلة وتجييش الشبه الواهية للتشكيك بالسنة المطهرة بل وانكارها.
لكن كلام الله صدق ووعده حق إذ تكفل بحفظ شرعه ونصرة دينه فقد قيّض الله رجالا ،
هم فرسان هذا الدين وفقهم للرحلة في طلب الحديث وجمعه ،وتدوينه، وتمحيصه، وتدقيقه وشرحه والاستنباط منه ،
فجمعت السنن والمسانيد، وأصلت العلوم كالمصطلح وعلم الجرح والتعديل،
فصار أهل الحديث هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر, وقام جهابذة أهل الشأن-قديما وحديثا([7] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn7)) - أحسن قيام بحراسة السنّة والذب عن حياضها وسلوا السيوف والأسنة لمقارعة أعدائها.
هذا وقد نبتت في زمننا نابتة تطعن في السنة وتهدمها تحت ستار المدح([8] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn8))
تسعى لنسف سنّة رسول الله-صلى الله عليه وسلّم-بدءا بنسف كتاب يعتز به كل مسلم غيور على السنّة , وهذا بالتفريق بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين.
ولما كان الصراع بين السنة والبدعة قائما -حتى يرث الله الأرض ومن عليها- كان ممّن وفقهم الله للتصدي لهذه البدعة ودحرها حتى أدبرت وقد ولّى كيدها في نحرها ,الشيخ العلامة المجاهد الدكتور ربيع بن هادي بن عمير المدخلي-حفظه الله تعالى-.
والشيخ ربيع لا يسأل عن مثله فهو عضو هيئة التدريس ورئيس شعبة السنة بالجامعة الإسلاميــة بالمدينة المنورة سابقاً، وحامل لواء الجرح والتعديل في هذا العصر بشهادة الألباني صاحب الشأن,أثنى عليه العلماء المرضيون([9] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn9))
بل هو والد السلفين الذي يمتحن خواص أهل الحديث بحبه([10] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn10)).
فخاض غمار هذه الحرب وجرد حسام قلمه بالتأليف، فصنف لدحضها كتبا ومقالات منها:
-بين الإمامين الدار قطني ومسلم([11] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn11)).
-الرد المفحم على من اعتدى على صحيح مسلم.
-منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح ودحض شبهات حوله.
-التنكيل بما في توضيح المليباري من الأباطيل.
-من عيب على مسلم إخراج حديثه والإجابة عنه (جزء من كتاب المدخل للحاكم).
و من مقالاته جزاه الله عني الإسلام خيرا في الرد على رأس هذه النابتة:
المليباري يَهدِم مِصْراً ويُعوِّضُ النَّاسَ بَعْرا.ً-
-عقيدة المليباري ومنهجيته الخطيرة في دراسة السنَّة وعلومها.
جملة الشبه المثارة حول صحيح مسلم :
من المطاعن التي وجهت إلى صحيح مسلم تحت ستار المدح:-
1/أن لمسلم منهج علمي يراعيه في ترتيب الاحاديث التي يوردها فما أخَّره مسلم في الباب فإنَّما يخرجه للتنبيه على علَّته إذ ليس هو من الأصول ولا هو من المتابعات.
2/أن مسلما يقدم أقوى الطرق وأصحها فإذا خالف هدا النسق فلسبب يجعله يقدم ما يستحق التأخير ويوخر ما يستحق التقديم,وهي العلة القادحة في زعمهم.
وثمرته انتقاد أحاديث لم يسبق اليها كحديث الأعمش.
3/أنّ مسلما يبين العلل في كتابه بدكر الطرق المعللة خارج الأصول.
4/دعوى أن مسلما يبين العلل من خلال ترتيب أحاديث الباب وعلى هذا فإذا قدَّم ما هو مستحق أن يُؤخره وإذا أخَّر ما هو مستحقٌ أن يُقدِّمه فمعناه أنَّه أدرك فيه شيئاً جعله يتصرَّف كذلك.(ولو تعددت طرقهوبلغ أعلى درجات الصحَّة).
5/بيان العلّة في صحيح مسلم ليس على طريقة كتب العلّة، بأن يقول أثناء الكلام : واختلف على فلان أو خالفه فلان مثلاً، كما هو معروف في كتب العلل لابن أبي حاتم والدارقطني، وغيرهما، بل يكون البيان بذكر وجوه الاختلاف من غير أن يتعرض لقوله : خالفه فلان أو اختلف على فلان مثلاً، وإذا سمعه الحافظ يفهم بأنه اختلاف واضطراب، وإذا سمعه أمثالنا فيعده تعدد الطرق، ومثل هذا البيان كثيرًا ما تجده في التاريخ الكبير، إلا في الموضعين منه.
وثمرة هذه الشبه قاعدة خطيرة تقتضي :
-أنَّ كل ما خالف فيه مسلم عادته بتأخير ما كان يقدمه فإن فيه علّة مما يؤدي إلى نسف أبواب من صحيح مسلم.
-تعليل أحاديث صحيحة لم تنتقد من قبل .
-أن صحيح مسلم كتاب علل وليس كتاب صحة.
وكل هذا بالتفريق بين منهج المتقدين والمتأخرين، والحط من جهود المتأخرين وإهدارها.
فهل فهم أحد من العلماء أو قال: إن الإمام مسلماً التزم بيان العلل في صحيحه؟ وهل فهم أحد أو قال إن وسيلة هذا البيان هي ترتيبه للأحاديث على النهج.
قال الشيخ ربيع:([12] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn12))مبينا أنواع الهدم الموجهة إلى صحيح مسلم من المليباري:
الأول : هدمه لباب كامل من صحيح مسلم قائم على عشر طرق صحيحة في غاية من الصحة يتعلق بموضوع عظيم ألا وهو بيان فضل مسجد رسول الله صلى اله عليه وسلّم- مهبط الوحي ومنطلق الفتوحات الإسلامية التي أطاحت بعروش الجبابرة من الأكاسرة والقياصرة وغيرها.
الثاني : هدمه لعلوم الحديث باسم التفريق بين منهج المتقدمين والمتأخرين وتحت ستار الغيرة لمنهج المتقدمين مع الحطِّ الشديد على جهود المتأخرين من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر الهجري والتشويه لهذه الجهود العظيمة.
الثالث : هدمه لجهود المعاصرين في خدمة السنة النبوية بطريقة بهلوانية ومجازفات غوغائية لا ترى لها نظيراً في المجازفات والأكاذيب.
إنَّه هدمٌ لجهود الباحثين والمؤسسات والجامعات التي تُعنى بالسنة النبوية وعلومها وهذا عمل يُزعِجُ المستشرقين وأعداء الإسلام ولا سيما مثل جهود الفحول من أمثال العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني والمحدث أحمد محمد شاكر -رحمهما الله- رَائدَيْ النشاط القوي والاتجاه العظيم إلى خدمة السنة النبوية واللَّذان يعتبران بأعمالهما المجيدة من مجددي الإسلام عقيدة وشريعة في هذا العصر.
جواب الشيخ ربيع-سلمه الله- على الشبه المثارة وإبطاله لها:
قام العلامة المحدث بتفنيد هذه الشبه وإبطالها شارحا ومناقشا للعلل التي نسبت إلى مسلم كما بيّن التزام مسلم بالصحة في كتابه ،بل كشف شبهتهم في التعلق بكلام بعض العلماء .
1-نظرة العلماء إلى صحيح مسلم وآراؤهم في منهجه:
- نقل الشيخ ربيع-حفظه الباري- نظرة العلماء إلى صحيح مسلم وآراؤهم في منهجه([13] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn13)):
على رأسهم الإمام الدارقطني، والإمام أبو مسعود الدمشقي، والإمام أبو علي الجياني،
والحاكم، والبيهقي، وابن الصلاح ،وشيخ الإسلام، والحافظ ابن حجر ،وجميعهم يرى أنّ مسلما التزم الصحة في كتابه .
2- إجماع علماء المسلمين على صحة ما في الصحيحين:
قال الشيخ ربيع:
"أن الأمة تلقت الصحيحين بالقبول والاحتفاء والتكريم، وفائدة هذا التلقي بالقبول يعطي للصحيحين ميزة لا تلحق ولا تنال، ألا وهي إفادة أخبارهما للعلم عند جماهير علماء الأمة المعتبرين.
والقول بأن مسلماً التزم بيان العلل وشرحها وأن هذا الشرح والبيان يتم من خلال الترتيب لأحاديثه ويتم من خلال التقديم والتأخير يناقض ما قدمناه من مواقف العلماء وينافي تلقيهم إياه بالقبول والاحترام والثقة به".
احتج الشيخ ربيع-حفظه الله- على المعتدي على صحيح مسلم على صحة ما في الصحيحين بإجماع علماء المسلمين الذي نقله إمام الحرمين .
و ما نقله الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائييني- رحمه الله – حيث قال: " أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بها عن صاحب الشرع، وإن حصل خلاف في بعضها فذلك خلاف في طرقها ورواتها".
وقول الحميدي في كتاب " الجمع بين الصحيحين " : " لم نجد في الأئمة الماضين - رضي الله عنهم - أجمعين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين الإمامين ". يعني البخاري ومسلماً.
وقول الإمام مجد الدين المبارك بن محمد المشهور بابن الأثير - رحمه الله - في مقدمة كتابه جامع الأصول (1/41).:
" وقيل : إن أول من صنف وبوب الربيع بن صبيح بالبصرة ثم انتشر جمع الحديث وتدوينه وسطره في الأجزاء والكتب وكثر ذلك وعظم نفعه إلى زمن الإمامين أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري - رحمهما الله - فدونا كتابيهما وفعلا ما الله مجازيهما عليه من نصح المسلمين، والاهتمام بأمور الدين، وأثبتا في كتابيهما من الأحاديث ما قطعا بصحته وثبت عندهما نقله "
-كذلك تسمية أبي بكر محمد بن عبدالله الشيباني المعروف بالجوزقي المتوفى سنــة ( 388هـ ) كتابه الجمع بين الصحيحين " الصحيح من الأخبار عن رسول الله المجمع على صحته للإمامين البخاري ومسلم".
وقول أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي ت 444هـ:
أجمع أهل العلم الفقهاء وغيرهم أن رجلا لو حلفبالطلاق أن جميع ما في كتاب البخاري مما روى عن النبي –صلى الله عليه وسلّم-قد صح عنه، ورسول الله –صلى الله عليه وسلّم-قاله لاشك فيه أنه لا يحنث والمرأة بحالها في حبالته".
وقول ابن الصلاح - رحمه الله - : " جميع ما حكم مسلم بصحته في هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته، والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر، وهكذا ما حكم البخاري بصحته في كتابه وذلك لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع".
-التزام مسلم الصحة في جميع كتابه:
قال الشيخ ربيع([14] (http://www.salafi-poetry.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=68#_ftn14)) مجيبا على دعوى المليباري لسوء فهمه لمسلم ، أنّ مسلما لم يلتزم الصحة في كتابه:
وأبى الله عليه إلاَّ أن يتربع قمة كتب السنة وأن يكون صنو أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى ألا وهو صحيح البخاري.
ولو طبقنا عليه القاعدة المذكورة لجاء في مؤخرة كتب السنة بل لجاء في مصاف كتب العلل , ويأبى الله ذلك والمؤمنون وعلى رأسهم أئمَّة الحديث والسنة وجبال الحفظ والفهم والدراية الذين تلقوه بالقبول ومنهم من جعله في مستوى صحيح البخاري , ومنهم من يفضله عليه ومنهم من يرى أنَّه التالي للبخاري نظرا لتشدد البخاري في شرطه.
يجب أن نفهم أن الإمام مسلماً قد التزم الصحة في كل مايورده في كتابه الصحيح وقد بذل كل جهد للوفاء بهذا الشرط-وذكر براهين كثيرة على ذلك:
أولاً :
تسميته لهذا الكتاب بالجامع الصحيح لا الجامع المعلل.
ثانيا :
روى مسلم حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- في تعليم الناس الصلاة وذكر فيه زيادة "وإذا قرأ فأنصتوا". فاعترض عليه معترض في إيرادها في صحيحه لأن بعض الناس عللها فدار بينهما حوار انتهى فيه مسلم إلى القول : " ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه " صحيح مسلم ( 1/304 ) نهاية حديث رقم (63).
ثالثا : قال الإمام مسلم -رحمه الله- :( عرضت كتابي هذا المسند على أبي زرعة الرازي ,فكل ما أشار أن له علة تركته وكل ما قال : إنه صحيح وليس له علة أخرجته ) ( صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط ) ص (68).
ومعنى هذا أن الإمام مسلم انتهى به المطاف إلى أن يقدم صحيحه وهو يعتقد أنَّه خال نظيف من العلل هذا ما يعتقده وإن كان قد بقي عليه فيه ما يؤخذ عليه وهو نزر يسير لا يخلو من مثله أعمال البشر غير أن الذي نعتقد أن مسلماً لم يقصد أبدا إلى أحاديث يعلم أن فيها عللا فيوردها في صحيحه ثم يقوم بشرحها وتوضيحها.
رابعا :
أنّ معاصريه من أئمَّة الحديث في عصره قد استقر في أذهانهم أن مسلما قد التزم الصحة في كل ما يورده في كتابه.
وكانوا يُوَجِّهُون إليه اللَّومَ بناء على هذا الأساس : لِمَ رويتَ عن فلان وفلان ولِمَ ولِمَ ؟
فيُسلِّم لهم أنَّه التزم الصحة ويبدي لهم أعذاراً يقنعهم بسلامة وجهة نظره فيسكتون . ( صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط ) ص (97).)
خامساً :
أنَّ الإمام مسلماً قد صرَّح في مقدمة كتابة (1/4) أنَّه لم يؤلف كتابه هذا لخاصة الناس ( أى للمختصين في علم الحديث ) وإنَّما قصد إلى جمع أحاديث صحيحة ليستفيد منها عوام الناس لأنَّه أدرك أن أمثال هؤلاء لا قدرة لهم على تمييز الصحيح من السقيم.
سادساً :
أن الأمة تلقته بالقبول لأنَّه صِنْوُ البخاري في الصحة لا لأنَّه وضع لشرح العلل وبيانها وإلاَّ لكان له شأن آخر وللأمة موقف آخر منه كأن يضعونه في كتب العلل ,وقد ألف الحازمي وابن طاهر في شروط الأئمَّة الخمسة والستة ومنها الصحيحان وأقرَّتهما الأُمَّة على ذلك.
وعلى أساس التزام الصحة وجهت إليه وإلى صحيح البخاري بعض الانتقادات لأنهما أخلا بشرط الصحة في تلك الأحاديث المنتقدة في نظر من يوجه إليهما النقد , كالدارقطني وأبي مسعود الدمشقي وأبي علي الغساني ولو كان مسلم التزم القيام بشرح العلل وبيانها في كتابه لما وجدت شيئا من تلك الانتقادات.
أمَّا تلك الجملة التي تعلق بها الباحث ,فليس لها أي أثر وليس لها أي تطبيق في صحيح مسلم باعتبارها عللا قادحة.
فتحمل هذه الجملة على أحد أمرين:
الأول : أن يريد بها العلل غير القادحة ,وذلك أنَّ بعض المحدِّثين يُطلِقُ اسم العلَّة على ما ليس بقادح
والثاني : أن يكون أعرض عن تطبيق هذه الجملة , والأول أرجح في نظري ولا ثالث لهذين الاحتمالين إلاّ َالتزام بالصحة في كتابه وهو الواقع.
والدليل على ذلك كل ما قدمناه من أقواله ومواقف الناس في صحيحه وضمهم إيَّاه إلى صحيح البخاري.
3-رد شبهة تعلقهم بكلام بعض العلماء:
قاعدة للقاضي عياض والجواب عنها:
ومن الشبه التي اغتر وتعلق بها الملبسون قاعدة للقاضي عياض.
وقد قام الشيخ بإبطال تعلقه بالعلماء في الترتيب المزعوم وغيـره .
قال الشيخ ربيع :
إنّ القاضي عياض كثيراً ما يجاري الدارقطني في انتقاده لمسلم ويقوم بتأييده فيما يبدو له من علل , ومعنى هذا أن القاضي عياضا ينسى ما قرره من أن مسلما التزم بيان العلل وشرحها , ويقع فيما يعتقده أهل الحديث قاطبة متقدموهم ومتأخروهم أن مسلما التزم الصحة في كتابه - وهو الاعتقاد الصواب - ويشارك الدارقطني وغيره من المنتقدين في اعتقاد أن مسلما التزم الصحة لكنه أخلَّ بشرطه في نظرهم بإيراد هذه الأحاديث المعللة في صحيحه ولو كان القاضي عياض ثابتا على رأيه الذي لايؤيده الواقع لرأيناه يقول للمنتقدين :إن مثل هذه التتبعات والانتقادات في غير موضعها لأن مسلما التزم بيان العلل وشرحها وهذه بياناته وتوضيحاته وشروحه.
ولعدم وجود هذه البيانات والشروح والإيضاحات للعلل القادحة المزعومة لا يسع عياضاً إلاَّ أن يُجاريَ من يعتقد أن مسلماً التزم الصحة في صحيحه لا غير انظر على سبيل المثال إكمال المعلم (1/ ق75 و1) وشرح النووي لصحيح مسلم (2/182) و(بين الإمامين مسلم والدارقطني) (ص 26) حيث جارَى الدارقطنيَّ وأباَ مسعود الدمشقي في نقدهما للإمام مسلم في حديث سعد بن أبي وقاص الذي يقول فيه : ( قسم رسول الله قسماً ,فقلت : يا رسول الله أعط فلانا فإنَّه مؤمن ... ) الحديث حيث رواه مسلم فقال : حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه مرفوعاً.
قال عياض-رحمه الله-: ( قال أبو مسعود الدمشقي هذا الحديث إنما يرويه سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري قال الحميدي وسعيد بن عبد الرحمن ومحمد بن الصباح الجرجرائي كلهم عن سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري بإسناده. وكذلك قال أبوالحسن في كتابه الاستدراكات).
-هذا ما قاله القاضي عياض ونقله عن إمامين تصديا لنقد أحاديث من صحيح مسلم ومن صحيح البخاري معتقدين أنَّ البخاري ومسلماً التزماَ الصِّحَة في كتابيهما وقد أخلاَّ بهذا الالتزام في الأحاديث التي انتقداها ووافقهما القاضي عياض في هذا الالتزام والاستدراك
فلا يجوز الالتفات إلى رأي عياض , فإنَّ الواقع والبراهين تدفع ماذهب إليه.
مع أن هذا العرض لا يعطيك الحقيقة كاملة، فاقرأ الرد عليه، وستقف إن شاء الله منه على مكانة هذه الأحاديث التي انتقدها وعللها وخالف فيها أئمة الحديث الذين صححوها وترى بعده عن مناهج علماء الإسلام المنصفين، والذين تشبعوا بحب السنة واحترامها.
هذا جملة ما أجاب به الشيخ عن الإعتراضات والشبه ،ودونك كتب الشيخ فان فيها ما يسر فوادك ويقر عينك لما فيها من تفصيل لا تجده عند غيره في الدفاع عن ثاني أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل وبيان المغالطات والتناقضات التي وقع فيها المليباري وأذنابه .
هذا وليس لي فيه إلا النقل و التقريب راجيا من الله التوفيق لبيان جهود الجهابذة من أهل الحديث .
وأختم هذه السطور بنقل أمنية عزيزة للشيخ ربيع :
قال –حفظه المولى عز وجل من كيد الحاسدين- :
وإنَّني أتمني من أعماق نفسي أن يتَّجه نوابغ هذه الأمَّة إلى دراسة السُنَّـة وعلوم الحديث. كما كان واقع هذه الأمَّة إبَّان عِزِّها حين كانت الأُمَّة تَعرِفُ مكانـة حديث رسول الله بخلاف عصرنا هذا (!) ؛فإنَّ كثيراً من الأذكياء والنوابغ يتجهون إلى دراسة العلوم العصرية ثم فـي النهاية يضيعون أو يرجع أكثرهم معاول لهدم الإسلام.
وكتب ابن اودينة أشرف جلال إمام مدرس
وأستاذ مادة الحديث بمعهد الشيخ عبد الحميد بن باديس للقراءات بقسنطينة
([1])رواه أحمد و ابن ماجة وحسنه الألباني في سنن ابن ماجة1/ 5 و صحيح الجامع 7569
([2])قال ابن تيمية والخوارج جوزوا على الرسول نفسه أن يجور ويضل في سنته ولم يوجبوا طاعته ولا متابعته,وانما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السنة التي تخالف بزعمهم ظاهر القرآن مجموع الفتاوى 9/83
([3]) بطعنهم في أصحاب رسول الله وتجريحهم ورد حديثهم فلا يقبلون إلا مرويات أهل البيت.
([4]) برد أخبار الآحاد هم وتبعهم بعض الأشاعرة والماتريدية فلا يقبلونها في أمور العقيدة حتى لو ثبتت بطريق صحيح أنظر
([5])فردوا كثيراً من الأحاديث بحجة أن العقل لا يقبلها، ، كأحاديث الصفات
([6])ادعوا نبوة ميراز غلام أحمد القادياني الهندي،أنظر كتاب القاديانية دراسات وتحليل للشيخ إحسان إلهي ظهير - رحمه الله -
([7])منهم المعلمي اليماني ذهبي عصره والشيخ الألباني دارقطني زمنه وإمام المحدثين احمد شاكر ومحدث الجزيرة الورع عبد العزيز بن باز والعلامة الزاهد مقبل الوادعي، وغيرهم من أهل الحديث في كل قطر.
([8])وقد أخذت هده الفتنة أطوارا قبل أن تفرخ في البلدان والجامعات متلبسة بلباس السلفية.
([9])منهم الشيخ عبد العزيز بن باز والعباد واللحيدان أنظر كتاب الثناء البديع من العلماء على الشيخ ربيعل خالد بن ضحوي الظفيري
([10])كما قا ل ذلك الشيخ عبد الوهاب البنا –رحمه الله-
([11])بين الإمامين مسلم والدار قطني " مجلد كبير وهو رسالة الماجستير،وللشيخ تصانيف نافعة منها: النكت على كتاب ابن الصلاح " مطبوع في جزئين وهو رسالة الدكتوراه، منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل، منهج أهل السنة في نقد الرجال و الكتب و الطوائف، وللشيخ كتب أخرى سوى ما ذكر هنا وقد جمع أسماءها ونبذة عنها الأخ خالد بن ضحوي الظفيري في كتابه "ثبت مؤلفات الشيخ ربيع بن هادي المدخلي".
([12]) أنظر المليباري يَهدِم مِصْراً ويُعوِّضُ النَّاسَ بَعْرا.(مقال في الرد على الميليباري).
([13]) أنظر منهج الإمام مسلم(9-19).
([14]) أنظر الرد المفحم