المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أعظم الأسباب المعينة على نجاح الدعوة


أبومالك عمر الطروق
02-01-2012, 10:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبيينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :

«الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه«.

الرفق واللين من أعظم الأسباب المعينة على نجاح الدعوات ونصرها وقبولها؛ لأنه سبيل الأنبياء والصالحين كما تقدم في خطاباتهم مع قومهم وصبرهم عليهم، وقد قال الله عز وجل لنبيه المصطفى وخليله المجتبى ورسوله المقتفى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾[آل عمران:159].
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: قال الحسن: هذا خلق محمد ﷺ، بعثه الله به، وهذه الآية الكريمة شبيهة بقوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:128].
وأعلم أن الرفق هو اللطف ولين الجانب، وهو ضد العنف، واللين ضد الخشونة.
والداعي إلى الله عز وجل يحتاج إلى الرفق واللين في قوله، وفعله، وعدم التشديد على الناس، قال ﷺ: «من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير«.
أخرجه الترمذي (213)، وقال: حديث حسن صحيح.
وأخرج مسلم (1828) من حديث عائشة رضي الله عنها قوله ﷺ: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه«.
وكم من الدعاة إلى الله عز وجل حرموا الرفق في دعوتهم فما نجحوا وما أفلحوا، وهذا يدل عليه حديث النبي ﷺ: «ومن يحرم الرفق يحرم الخير« أخرجه مسلم (2592) من حديث جرير رضي الله عنه.
وإذا أراد الله عز وجل بعبد من عباده خيرًا أدخل عليه الرفق في أقواله وأفعاله، قال ﷺ: «يا عائشة ارفقي فإن الله عز وجل إذا أراد بأهل بيت خيرًا أدخل عليهم الرفق« أخرجه أحمد (6/104) من حديث عائشة رضي الله عنها وهو في «الصحيحة« (523).
فمن هذه الأحاديث يتبين لنا وجوب العمل بهذه الوسيلة لما فيها من جلب الخير للمسلمين جميعًا، وهي طريقة النبي الأعظم ﷺ.
أخرج الإمام أحمد في مسند (5/256): عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا: مَهْ مَهْ فَقَالَ: ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.
وهو في «الصحيح المسند« لشيخنا الوادعي (500).
فانظر وفقك الله عز وجل كيف انتفع هذا الشاب ببركة الدعوة النبوية المصاحبة بالرفق واللين، ومع المخالف الرفق نافع أيضًا.
كما في حديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري (6030)، ومسلم (2165) أن اليهود جاءوا إلى رسول الله ﷺ فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقال: «وعليكم«، فقالت عائشة: وعليكم السام واللعنة، وفي رواية: والذم، فقال رسول الله ﷺ: «مه يا عائشة فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش« هذه رواية مسلم.
وفي رواية البخاري مهلًا: «يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله«.
وجاء من حديث أنس رضي الله عنه عند الإمام مسلم (285) قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله ﷺ إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله ﷺ: مه مه، قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تزرموه دعوه«، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله ﷺ دعاه فقال: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن«، قال: فأمر رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه.
وجاء من حديث معاوية بن الحكم السلمي عند مسلم (537) قال: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ: وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاللهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ«.
وحياة رسول الله ﷺ ودعوته كانت قائمة على الرفق واللين، إلا إذا انتهكت المحارم، فإنه يغضب لله عز وجل كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
ومن بركات الرفق:
أنه:
1- محبوب إلى الله عز وجل كما تقدم.
2- أنه خلق ممدوح.
3- أنه يثمر محبة الناس ويجلبها.
4- دليل على فقه الرجل وحكمته.


من كتاب الوسائل الجلية فى نصرة الدعوة السلفية لشيخنا الفاضل عبد الحميد الحجورى الزعكري