المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ...كـلــمـة مُـضـيـئـة... دعوةٌ إلى الاتّباعِ ونَبْذِ التّقليد


عبد الغني بن عيسى الجزائري
05-11-2013, 07:53 PM
بسم الله الرحمن الرحيم







...كـلــمـة مُـضـيـئـة...
دعوةٌ إلى الاتّباعِ ونَبْذِ التّقليد








الحمدُ لله ربّنا المعبود، والشُّكرُ له على مَنِّه وكرمِه غير المحدود.

والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا محمدٍ صاحبِ المقَام المحمود، وعلى آلِه وأصحابِه وإخوانِه ما غرّدَ قمريٌّ وأورَقَ عُود.
أمّا بعـدُ:


فـ: «التقليد معناه في الشَّرع: الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه، وذلك ممنوع في الشريعة.
والاتّباع: ما ثبت عليه حجّة.
... كل من اتّبعت قولهُ من غير أن يجب عليك قبوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلّدهُ، والتقليد في دين الله غير صحيح.
وكل من أوجب عليك الدليلُ اتّباع قوله؛ فأنت متّبعه والاتّباع في الدين مسوَّغ والتقليد ممنوع»(١).
وعليه؛ فـ: «اعلموا -جعلكم الله من وعاة العلم، ورزقكم حلاوة الإدراك والفهم، وجمَّلكم بعزة الاتباع، وجنبكم ذِلّة الابتداع- أنّ الواجب على كلّ مسلم في كلّ مكان وزمان أن يعتقد عقدا يتشربه قلبه وتسكن له نفسه وينشرح له صدره، ويلهج به لسانه، وتَنْبَنِي عليه أعماله، أنّ دين الله تعالى -من عقائد الإيمان، وقواعد الإسلام، وطرائق الإحسان- إنّما هو في القرآن والسنة الثابتة الصَّحيحة وعمل السَّلف الصَّالح من الصَّحابة والتَّابعين وأتباع التَّابعين،وأنّ كلّ ما خرج عن هذه الأصول ولم يحظ لديها بالقبول -قولا كان أو عملا أو عقدا أو احتمالا؛ فإنّه باطل من أصله- مردود على صاحبه كائنا من كان في كلّ زمان ومكان؛ فاحفظوها واعملوا بها تهتدوا وترشدوا إن شاء الله تعالى، فقد تضافرت عليها الأدلة -من الكتاب والسنة-، وأقوال أساطين الملة -من علماء الأمصار، وأئمة الأقطار، وشيوخ الزهد الأخيار- وهي لعمر الحق لا يقبلها إلاّ أهل الدين والإيمان، ولا يردها إلاّ أهل الزيغ والبهتان»(٢).
قلتُ:
وجديرٌ بشباب أهل السنّة أن يتنبَّهوا لِما قد يعتري طريقهم في طلب العلم؛ فيُؤثر على طريقتهم بأن يضعف منهجهم أو يفسح بِتسرّب الاضطراب في صفوفهم؛ لوجود الملجأ والملاذ المُساعد على ذلك؛ ومنه التقليد، «فإن التّقليد لا يورِثُ إلاّ البلادة»(٣)؛ لأنّ «المقلّدَ راضٍ أن يُغبَن عقله»(٤)، و«بدعةُ التّقليد العامِّ الجامد التي أماتت الأفكار، وحالت بين طلاّب العلم وبين السُّنَّة والكتاب، وصيَّرتها في زعم قوم غير محتاج إليهما من نهاية القرن الرابع إلى قيام السَّاعة، لا في فقه ولا استنباط ولا تشريع، استغناءً عنهما زعموا بكتب الفروع من المتون والمختصرات، فأعرض الطلاَّب عن التّفقُّه في الكتاب والسُّنَّة وكتب الأئمَّة، وصارت معانيها الظّاهرة، بَلْهَ الخفية مجهولةً حتَّى عند [بعض] كبار المتصدِّرين»(٥).
ولهذا السبب قال العلامة عبد القادر بن بدران الدمشقي: «ثم جاء من بعدهم ممّن شأنه التقليد الأعمى؛ والتقليد يُبعد عن الحق ويروج الباطل»(٦).
ثم فليُعلَم لِزاماً أنّ هناكَ «فرقٌ بين تقليد العالم في جميع ما قاله، وبين الاستعانة بفهمه، فإن الأوّل يأخذ بقوله من غير نظر في دليل من كتاب ولا سنّة، والاستعانة بفهمه هو الثاني: بمنزلة الدّليل في الطّريق، والخِرِّيت الماهر لابن السّبيل؛ فهو دليلٌ إلى دليل»(٧).
ومِن عَجَب، أن تجدَ في صنف المُقلّدين -ممّن يعيشون بين ظهرانينا- مَن يدندن بعبارة: «لا نُقلِّدُ أحداً» أو بأُخرى: «قوله لا يلزمني!» والمعنى: ترك التقليد جملة وتفصيلا؛ في شتّى العلوم الشرعيّة، وعلم الجرح والتعديل خاصة، وبالأخص عند تطبيقه في الواقع؛ لأنّ دعوتنا قائمة على ضدّه -وهذا حقّ، ولكن ليس كما يتخيّل هذا!- وربّما قد يصل بأصحابها أن يردّوا كلام أهل العلم الأفذاذ القائم على الأدلّة الثابتة في بعض مسائله! وما كان دونه فمن بابٍ أولى بدعوى عدم التَّقليد؛ كي يعيث في الشّرع فسادا كلُّ مَن ملك لِسانا يقول به: أنا على منهج السّلف؟!
وهؤلاء -للأسف الشديد- ما يفتؤون ينتهون من ترويجهم قَوْلَهم؛ حتّى ينقلِبوا على أعقابهم جهلاً من رؤوس التّقليد -بل والتّعصّب!- فعلاً وقولاً وحالاً في كثير أحيان! ويقدحون فيمن لم تقم عليه الأدلّة أصلا -عدا قيل ويُقال!- على مخالفته أو انحرافه؛ بل وإذا طالبتهم بالأدلّة التي استندوا إليها واتّكؤوا عليها في قدحهم في (فُلان): أروني أخطاءَه وما جانب فيه الحق الذي نحن عليه، أم أنّه الهوى والحظوظ النّفسيّة؛ {اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِن قَبلِ هَذَا أَو أَثَارَةٍ مِن عِلمٍ إِن كُنتُم صَادِقِينَ}... لم تجد عندهم سِوى أضغاث الأحلام وقبض الرِّيح، وإن لم تُسلِّم بهذا القدح رُمِيتَ بأنّك لا تقبل خبر الثّقة خاصّة وأنّ هذا الثقة شيخٌ مِن المشايخ وأنت بفعلك هذا مُشكِّكٌ فيه(٨)، وقد عَاينَّاهُم وعانَيْنَاهُم!
أمّا إذا كُنتَ أنت مَن ينتقدُ على مَن شيّخَ (هو) وأَتْبَعَ يُقلّده؛ رأيت هذا جَلِيًّا فيه ليس دونه أدنى ضباب -وهذا في جملة الشّباب- كقولِكَ مثلاً: الشيخ (فلان) عليه مُؤاخذات -عِدّة أو معدودة(٩)- وردّ عليه بخصوصها العالم: (.....)، وطالب العِلم: (.....)... فإن كان لا يعلم هذا -وهذا حال الأغلب!- لَم يُسلِّم بما تقول، وربما اتّهمك بالكذب والافتراء على الطِّرفين(١٠)!
فإن أنت أعطيته ما تُثبِتُ به قولكَ بأدِلّة كالشَّمس؛ وقع الرّجلُ -عندئذ- في الإحراج ولم يبق له إلاّ أن يُفكِّر كيف يخرج مِن هذه الورطة الحقيقيّة بحق؛ فمرّة يقول: هذه مسائل أكبرُ مِنَّا تبقى بين المشايخ والعلماء ولا نتدخَّل، ومرّة: لابُدّ أن الرَّجل قد رجعَ عمّا انتُقِد عليه، ومرّة: ... -قُل ما شئت أو شاء هو؛ فالأمر ظهر-!
يُذكِّرُني هذا بقصّة طريفة، لا بأس أن أُتحِفكَ بها -أخي القارئ-:

«ذُكر عن الحجّاج أنّه خرج يوماً مُتنزِّها فلمّا فَرِغ مِن نُزهته صرف عنه أصحابه وانفرد بنفسِه؛ فإذا هو بشَيخٍ مِن (بَنِي عِجل)؛ فقال له: مِن أين -أيّها الشيخ-؟
قال [الشيخ]: مِن هذه القرية.
قال: كيف تَرَون عُمَّالكم؟
قال: شرُّ عمّال؛ يظلِمون النَّاس ويستحلُّون أموالهم!
قال: فكيف قولُكَ في الحجَّاج؟
قال: ذلك ما وَلِيَ العراق شرٌّ منه؛ قبّحهُ الله وقبّحَ مَن استعمَله!!
قال: أَتعرِفُ مَن أنا؟
قال: لا.
قال: أنا الحجَّاج.
قال: جُعِلتُ فِداكَ!
أَوَ تَعرِفُ مَن أنا؟
قال [الحجَّاجُ]: لا.
قال: أنا (فُلانُ) بنُ (فُلان) مجنونٌ مِن (بَني عِجل)؛ أُصرَعُ في كلَّ يوم مرّتين!
فضحِكَ الحجّاجُ منه، وأمر له بِصِلة»(١١).
المُهم؛ التَّقليد للمشايخ موجودٌ بين الشَّباب في العلم الشرعيِّ عموما، وخاصةً في مسائل الحكم على الأعيان -جرحا وتعديلا- باشتراط شروط جديدة، وفرض قيود لم تُعرَف مِن ولا عَن علمائنا سلفا وخلفا!
خاصة إذا وقع الخِلافُ في شخص بِعَينِهِ؛ بين قادح ومادح، ومُحيل عليه ومحذّر منه، ومتكلّم فيه وساكت عنه... ثم ترى مِن الشباب مَن يقتحِمُ هذا فينزلُ حلبة النّزال وفي يَمينهِ سَيْفُهُ الخشبي، المثلوم بالتّعصّب، المغمود في التقليد! وفي شماله خارطة ميدانيّة (عليها أسماء تعلوها ألقابٌ) مشفوعة بِخطّة فيها وسائل صراعه؛ بقصدِ تحقيق الأمر وبيان الحق، ناسيا أن الحق واحد لا يتعدّد مهما وقع الخلاف ومهما طالت أطرافهُ وجُرّت ذيولُهُ، متناسيا ما به الحقُّ يُعرف وما به يُميَّزُ عن ما سواه.


نحنُ بَنـُو الأدِلّـة ** نسمـوا كالأهلّــة


نعم!
العبرة -في هذا المقام- بالدليل الجارح المفسَّر والمفصّل؛ حيثُ: «إنّ أهلَ السنةِ لم يقل أحدٌ منهم: إنَّ إجماع الأئمة الأربعة حُجَّة معصومة، ولا قال إنَّ الحقَّ منحصرٌ فيها، وأنَّ ما خرج عنها باطلٌ، بل إذا قال من ليس من أتباع الأئمة كسفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، ومن قبلهم من المجتهدين قولاً يخالف قولَ الأئمة الأربعة ردّ ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله، وكان القول الراجح هو الذي قام عليه الدليل»(١٢).
«ومن فوائد ذلك أن الأقوال التي يراد المقابلة بينها، ومعرفة راجِحِها من مَرجوحِها أن يقطع النّاظرُ والـمُناظرُ النّظرَ عن القائلين، فإنّه ربما كان ذكر القائل مُغتَرًّا عن مخالفته، وتوجب له من الهَيبة أن يَكُفَّ عن قولٍ ينافي ما قالَهُ»(١٣).
ويلزم النَّظر في ما قاله الطّرفان بأدلتهما لِيَحكُم وفق ما يقتضيه الدليل الأصح والأقوى؛ حيثُ «يحكم في الشيئين من عرفهما لا من عرف أحدهما ولم يعرف الآخر»(١٤).
بل «نقول للمقلدين بعبارة أخرى: نحن لا نُنكر مُجرَّدَ التَّقليد،وهذه أرجو أن تكون الفكرة ظاهرة لدينا جميعا، نحن لا نُنكر مبدأ التَّقليد وإنَّما نُنكر التَّدَيُّن بالتَّقليد وجعله مذهبا ودينا لا يُحاد عنه قيد شعرة، هذاالذي ننكره، أما الاتّباع لعالم نَثِقُ بعلمه -سميتموه تقليدا! على الرأس والعين- هذا واجب، ما يُهِمُّنا الآن التسمية (تقليدٌ، أو اتّباع)، نحن نسميه اتّباعا، لماذا؟
للفرق الذي بيننا وبينهم؛ أي إذا ما ظهر لنا خطأ هذا العالم تركناه ونبذنا قوله نبذ النواة، بينما هم يتدينون به على قاعدة المثل العامي: «عنزة ولوطارت»...
فإذن؛ نُنكِر التَّدين بالتَّقليد ولا نُنكرالتَّقليد كضرورة يصير إليها أكبر عالم في الدنيا، أكبر عالم فيالدنيا لا يستطيع أن ينجو من التَّقليد؛ لأننا إذا سألنا عالـما عن مسألة مافيها دقة، لا شك أن هذا العالم حينما يسأل عن مثل هذه المسألة الدقيقة عقلهالباطني يعمل أحسن من الكمبيوتر الذي وصل إليه البشر اليوم، في لحظات مثل البرق يستحضر الآيات والأحاديثالتي تدندن حول ما سُئِل فيخرج بجواب، هذهالصورة السَّريعة التي جالت في ذِهن هذا العالم المسؤول لا يستطيع أن يظهرها علىالشَّاشة مُجَسَّدة واضحة المعالم لجميع الناس حتى العامة؛ فيقتنعون تماما ويتبعونهذا الإمام اتباعًا على بصيرة وبينة... لا! ليس هنا إلا أن يقول العالم (الفلاني) قال كذا ونحن مأمورون باتباعه، ألا تشعرون معي أنه في الإسلام مثلهذه المسائل الدقيقة -ولابد-!
إذن فما واجب العامة: أن يقولوا سألنافلانا فأجابنا بكذا، ونحن نعتقد أنه رجل عالم فاضل...؛ لكن إذابدا لهذا السائل أن هذا جواب خطأ ما يتشبَّث به؛ لأنه ليس مقلدا مُتَدَيِّناً بالتَّقليد كما يفعل جماهير الناس»(١٥).
ولهذا وجبَ التّفطّن في مثل هذه المواطن التي يكون فيها حظُّ النّفسِ قَرِيناً لها أو قَرِيباً مِنها -وقت تفحّص قَولَي الفريقين- من الحيف والجنف لعاطفة قد تستحيل إلى عاصفة؛ «فالواجبُ على المؤمن أن ينصحَ نفسَه، ويتحرَّزَ في هذا غاية التحرُّزِ، وما أشكل منه، فلا يُدخِلُ نفسَه فيه خشيةَ أن يقعَ فيما نُهِيَ عنه مِنَ البُغض المُحرَّمِ، وهاهنا أمرٌ خفيٌّ ينبغي التَّفطُّن له، وهو أنَّ كثيراً من أئمَّةِ الدِّينِ قد يقولُ قولاً مرجوحاً ويكون مجتهداً فيه، مأجوراً على اجتهاده فيه، موضوعاً عنه خطؤه فيهِ، ولا يكونُ المنتصِرُ لمقالته تلك بمنْزلته في هذه الدَّرجة؛ لأنَّه قد لا ينتصِرُ لهذا القولِ إلاَّ لكونِ متبوعه قد قاله، بحيث أنَّه لو قاله غيرُه من أئمَّة الدِّينِ لما قبِلَهُ ولا انتصر له، ولا والى من وافقه، ولا عادى من خالفه، وهو مع هذا يظن أنَّه إنَّما انتصر للحقِّ بمنْزلة متبوعه، وليس كذلك؛ فإنَّ متبوعه إنَّما كان قصدُه الانتصارَ للحقِّ وإنْ أخطأ في اجتهاده، وأمَّا هذا التَّابعُ فقد شابَ انتصارَه لما يظنُّه الحقَّ إرادة علوِّ متبوعه وظهور كلمته، وأنْ لا يُنسَبَ إلى الخطأ، وهذه دسيسةٌ تَقْدَحُ في قصد الانتصار للحقِّ؛ فافهم هذا فإنَّه فَهْمٌ عظيم، والله يهدي مَنْ يشاء إلى صراطٍ مستقيم»(١٦).
قال العلامة الشيخ المعلّميُّ -رحمه الله- في هذا الصدد: «واعلم أنّ الله تعالى قد يوقِع بعض المخلصين في شيء مِن الخطأ؛ ابتلاء لغيره، أَيَتّبِعون الحقّ ويَدَعونَ قوله، أم يغترّون بفضله وجلالتِهِ؟ وهو معذور؛ بل مأجورٌ لاجتهاده وقصده الخير، وعدم تقصيره.
ولكن من اتّبعهُ مغترا بعظمتِهِ بدونِ التفات إلى الحُجج الحقيقيّة مِن كتاب الله تعالى وسنّة رسوله -صلى الله عليه وسلّم- فلا يكونُ معذوراً، بل هو على خطر عظيم.
ولما ذهبت أمُّ المؤمنين عائشةُ -رضي الله عنها- إلى البصرة قبل وقعة الجمل، أتبَعها أميرُ المؤمنين عليٌّ -رضي الله عنه- ابنَهُ الحسنَ، وعمّار بنَ ياسر -رضي الله عنهما- لينصحا الناس، فكان مِن كلام عمّار لأهل البصرةَ أن قال: «واللهِ إنّها لزوجة نبيّكم -صلى الله عليه وسلّم- في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بِهَا؛ لِيَعلمَ إيّاهُ تُطيعون أم هي؟».
ومِن أعظم الأمثلة في هذا المعنى: مُطالبةُ فاطمة -رضي الله عنها- بميراثها من أبيها -صلى الله عليه وسلّم-، وهذا ابتلاء عظيم للصدّيق -رضي الله عنه- ثبّتهُ الله -عزّ وجلّ- فيه»(١٧).
قلتُ:
وخير مثال نستشهدُ به هاهنا ما قاله وقرّرهُ الشيخ العلامة ربيع بن هادي -حفظه الله- إجابة على سؤالٍ وُجِّه إليه مِن أحد الشباب، وهو:
السؤال: ... شيخ عندي سؤالين لكنهما خارج المحاضرة التي تطرقتم إليها.
السؤال الأول: هو فيما يخص وقد سبق ذكره من الأخ (الأوّلاني) هذا سؤالي هو: فيما يخص الشيخ المغراوي؛ هنا في بريطانيا بعض الشَّباب السَّلفيين لم يستسيغوا طعنكَ وتحذيركَ من الشَّيخ المغراوي مؤخراً وقالوا إنه فتنة؛ فبما تنصحهم؟
والسؤال الثاني: رأيك فيما يخص الشيخ إبراهيم شقرة؟ وبارك الله فيكم.
فأجاب الشيخ:
«أقول: لا تُكثِروا الأسئلة من هذا النَّوع -الله يجزيكم خيراً، ويبارك فيكم-، لا تُكثِروا من هذه الأسئلة.
نصيحتي لكم أن تدرسوا، إذا تُكُلِّم في شخص، أن تدرسوا عنه، وتأخذوا أقوال النَّاقدين وتفهمونها، وتتأكَّدون من ثُبوتها؛ فإذا تبيَّن لكم ذلك فليحكم الإنسان مِن مُنطلق الوَعي والقناعة لا تقليداً لـ: (هذا) أو (ذاك) ولا تعصُّباً لـ: (هذا) أو (ذاك)، ودعوا الأشخاص -(فلان) و(فلان)-.
هذه خذوها قاعدة وانقلوها لهؤلاء المخالفين ليفهموا الحقيقة فقط ويعرفوا الحق ويخرجوا أنفسهم من زمرة المُتعصِّبين بالباطل، وأنا لا أرضى لأحد أن يَتَعَصَّب لِي أبداً؛ إذا أخطأتُ فَلْيَقُل لي من وقفَ لي على خطأ: أخـطــأتَ(١٨).
بارك الله فيكم، ولا يتعصَّب لأحد -(هذا) أو (ذاك)-، لا يتعصَّب لخطأ ابن تيمية ولا ابن عبد الوهاب ولا لأحمد بن حنبل ولا للشافعي ولا لأحد؛ إنما حماسه للحق واحترامه للحق، ويجب أن يكره الخطأ ويكره الباطل»(١٩).
ثم إذا وُفِّق الطالِبُ وميّز الحق فيما اختُلِفَ فيه، والتزم ما يدين الله به لقيام الأدلّة على ذلك، ونبّه إخوانَهُ إلى المآخذ المُعِلّة لما حكموا به تقليدا؛ قابلوك بمعارضين بحجج داحضة؛ منها الترجيح بجلالة قدر وشهرة اسم من قلدوه إذا ما قورِنتَ به: أأنت كـ: (فلان) العالم في العلم؟!!
قال شيخ الإسلام: «وإذا قيل لهذا المستهدي المسترشد: أنت أعلم أم الإمام الفلاني؛ كانت هذه مُعارضة فاسدة؛ لأنّ الإمام الفلاني قد خالفهُ في هذه المسألة مَن هو نظيره مِن الأئمّة إلى نسبة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وأُبَي، ومعاذ، ونحوهم مِن الأئمّة وغيرهم، فكما أن هؤلاء الصحابة بعضهم لبعض أكفاء في موارد النّزاع، وإذا تنازعوا في شيء ردوا ما تنازعوا في إلى الله والرسول، وإن كان بعضهم قد يكون أعلم في مواضع أخر؛ فكذلك موارد النزاع بين الأئمّة وقد ترك الناسُ قول عمر وابن مسعود في مسألة تيمّم الجُنب، وأخذوا بقول مَن هو دونهما: كأبي موسى الأشعري، وغيره، لما احتجّ بالكتاب والسنّة، وتركوا قول عمر في ديّة الأصابع، وأخذوا بقول معاوية...
وقد كان بعض الناس يُناظر ابنَ عبّاس في المتعة فقال له: قال أبو بكر وعمر؛ فقال ابنُ عباس: يوشِكُ أن تنزّل عليكم حجارة مِن السّماء، أقول قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟!»(٢٠).
قلتُ:
ولا يلزَمُ من شُهرة وعُلُوّ كعب الرجل في العلم أو رسوخه فيه أن يكون الحق حليفه دائما فيما قال به وذهب إليه، وإلاّ لادّعينا العصمةَ لمن بعد النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- وقد دُفِنَت معه، ولو كان ذلك كذلك لكان أحقّ الناس بها أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما، وحاشا لله!-. ولكن يجبُ أن نفهم: أنّ «المفضول قد يختصُّ بأمر، ولا يلزم أن يكون أفضل مِن الفاضل»(٢١)؛ فافهم هذا فإنّهُ جِدُّ مُهمٍّ.
قال العلامة الشيخ ربيع بن هادي -حفظه الله-:
«أوصي نفسي وإيّاكم بالإخلاص لله في كل قول وعمل كما قال الله -تبارك وتعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعبُدُوا اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، والله أمر نَبِيَّهُ بالإخلاص وأمر الأمّة بالإخلاص والنُّصوص في ذلك كثيرة، ولا قيمة لعمل يخلو من الإخلاص: صلاةً، أو صياماً، أو زكاةً، أو حجًّا، أو نصيحةً، أو دعوةً، أو تدريساً، إذا لم يقصد العبد بعمل من هذه الأعمال وجه الله فإن عاقبته الخُسران -والعياذ بالله-.
وأوصيكم بمكارم الأخلاق من: الصِّدق، والوفاء بالوعد، ولين الجانب، والتَّواضع لله رب العالمين ولعباده المؤمنين، والآيات في هذا كثيرة ومنها قول الله -تبارك وتعالى- لأكرم خلقه: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلمُؤمِنِينَ}؛ فأوصيكم بخفض الجناح واللين -بعد الصِدق طبعا والصفات الجليلة التي ألمحت إليها- بالتَّواضع للحقِّ والخضوع له والانقياد له، وترك الصِّفات المُنافية لهذا الأمر؛ فإنَّ عدمَ الانقياد للحقِّ والخضوع له بَلاءٌ عظيمٌ يُؤَدّي إلى هلاك الأشخاص ويَسْرِي هذا الداء وتنعكس آثاره المُدمِّرة على غيره؛ فليُوطِّن كلُّ واحدٍ مِنَّا نفسه على احترام الحقِّ وحبِّه والوقوف إلى جانبه والمُوالاة مِن أجله والمُعاداة مِن أجله، واللهُ يقول في هذا الصَّدد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَو عَلَى أَنْفُسِكُم أَوِ الوَالِدَينِ وَالأَقرَبِينَ}.
وإنَّا -مع الأسف!- نرى كثيراً من المسلمين يفتقدون هذه المنزلة العظيمة؛ فيتَّبِعون أهواءهم ويتعصَّبون لآرائهم ولأشخاص من أهل الأهواء والباطل -والعياذ بالله-، وهذه أمور خطيرة أضرَّت بالإسلام وأضرَّت بشباب الأمّة وفرَّقتهم.
والواجب على المسلمين إنصاف الحق الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- ونصرته بالمال والنَّفس والولد؛ فالحقُّ عندنا أكبر بكثيرٍ وكثير من الأشخاص، والجماعات، والفِرَق، والحُكومات، والأحزاب... وغيرها، الحقُّ أكبر وأَجَل، وما خلق الله السماوات والأرض إلاّ بالحق.
فأوصي الشَّباب باحترام الحقِّ والبحث عنه والوقوف إلى جانبه ولو كان ضد نفسه! ولو كان ضد أبيه وأمّه وعشيرته: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَن حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آَبَاءَهُم أَو أَبنَاءَهُم أَو إِخوَانَهُم أَو عَشِيرَتَهُم أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِنهُ وَيُدخِلُهُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ}.
هذا جزاءُ من يُوَالي لله ويُخَاصم فيه ولا تأخذه العواطف العمياء لأقاربه أو عشيرته أو آبائه أو إخوانه أو ما شاكل ذلك... فافهموا هذه الأمور المنهجيَّة العظيمة التي وضعها الله وشرعها -سبحانه- لعباده -سبحانه وتعالى-؛ وليَزِن المؤمن نفسه بهذه الموازين، وليقِف بينه وبين الله في حال مُناجاته:
هل أنا أُوالي فيك وأُخاصِم فيك، وأدافع وأَذُب عن الحقِّ الذي شرعتَهُ؟ أو أنا أَتـَّبـِع هَوَاي؟... فليدعُ المؤمن بإخلاص وصدق أن يُحبِّبَ إليه الإيمان ويزيِّنَهُ في قلبه، وأن يُكرِّه إليه الكفر والفسوق والعصيان.
أُوصيكم -يا إخوة- بترك التَّعصُّب للأشخاص، والمناهج، والأحزاب، والولاءات الباطلة -ترك الباطل والولاء له-؛ فإنَّ هذا -والله- مزَّق الأمّة، والآن يُمزِّق الشَّباب المُنتمين إلى المنهج السَّلفيِّ! التَّعصُّب لـ: (هذا) أو (ذاك)!!
اجعل مقياسك الحقَّ الذي يقوم عليه الدَّليل والبُرهان؛ فإذا عرفت الحقَّ في أي جانب من الجوانب فَعُضَّ عليه بالنَّواجذ وتشبَّث به، واعلم أنّه أعظم عند الله من الأشخاص والجماعات، وأنّ الله يحبّ من يحبُّ هذا الحقَّ، يُحبُّ مَن ينصرهُ وينصره الله -تبارك وتعالى- ويؤيُّده.
فَكُنْ مِن حزب الله(٢٢)، لا من حزب ذاك -(فلان) أو (فلان)- مهما بلغ من المنزلة، كُنْ مِن حزب الله -عزّ وجل- الذين ألمحنا إليهم في الآيات التي تلوناها -من آخر سورة المجادلة-.
وأوصيكم -يا إخوة- بالصَّبر على بعضكم بعضاً، ولين الجانب وتواضع بعضكم لبعض: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}؛ فأسأل الله أن يُـثبِّتنا وإياكم على الحقِّ، وأن يجعل حُبَّنا له ولأوليائه -من الملائكة والنَّبيين والصِّدِّيقين والشُّهداء وعلماء الحقِّ والسُّنَّة-، وأن يُبَغِّضَ إلَيْنا الكفر والفسوق والعصيان والبدع والضَّلالات، وأن يحول بيننا وبينها -سبحانه وتعالى-، وأن يُثَـبِّتنا وإيَّاكم على السُّنَّة، وأن يُجنِّبنا وإيَّاكم الفتن ما ظهر منها وما بطن»(٢٣).
وفي الأخير، بَقِيَ أن «أنصح(٢٤) المتصدِّرين للتَّربية والتَّعليم أن يُرَبُّوا تلاميذهم على هذا المنهج، وعلى محبّة كلّ سلفيٍّ في مشارق الأرض ومغاربها، وألاَّ يتعصَّب لشيخه أبداً؛ لا يجوز التَّعصُّب لطائفة ولا لشخص؛ إلاَّ لشخص محمّد -صلى الله عليه وسلم-، ولا لطائفة إلاَّ لأصحاب محمّد -صلى الله عليه وسلم-.
الرَّسول يُتعصَّب لشخصه لأنَّ الحقَّ يدور معه أينما دار، والصَّحابة يُتعصَّب لهم لأنّهم يدورون مع الحق أينما دار... وإذا دُرْتَ مع الحقّ فستجده عند أهل السُّنَّة إذا اجتمعت كلمتهم وتخلَّصوا من الأهواء(٢٥).
فأنصحُ الشَّباب بالتَّآخي؛ لا فرق بين أهل الرِّياض، ولا أهل المدينة، ولا أهل كراتشي، ولا أهل دهلي، ولا أهل أمريكا؛ كلّهم يكونون إخوة في الله -تبارك وتعالى- يربطهم رابط الإسلام الحق.
وأنصح المُرَبِّين والمتصدِّرين لتربية الشَّباب السَّلفيِّ -أينما كانوا- أن يُرَبُّوا شبابهم على هذه الرُّوح الطَّـيِّبة البعيدة عن التَّعصُّب والتَّكتُّل... في المدينة ما تجد طُلاّب (فلان) وطُلاَّب (فلان)؛ كلّهم شيء واحد، في مكّة كذلك، في الجنوب كذلك -ما تجد هذا-، لكن هذه الظَّاهرة موجودة في الرِّياض وموجودة -يمكن- في أماكن أخرى!! هذه الظَّاهرة يجب القضاء عليها.
السَّلفِيُّون -شُيُوخاً وطُلاّباً- كلُّهم إخوة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحُمّى والسّهر(٢٦)، هذا الذي يريده الله لنا.
إذا أخطأ شيخُك وانتقدهُ شيخٌ آخر (والحقُّ مع هذا الشَّيخ الآخر)؛ كُنْ مع هذا الآخر وانصح شيخَك(٢٧)؛ لا تتعصَّب -لا يجوز لك أن تتعصَّب له- إن تعصَّبتَ له يُشبّهه شيخ الإسلام هذا... بالتّتار، تعصُّبات جاهلية هذه!! الإسلام والمنهج السَّلفي بريءٌ منها.
ونحن على هذا نُربّي، ونبرأ إلى الله من تربية تُخالفُ هذه التَّربية التي ارتضاها الله لنا وشرعها لنا.
لو أخطأ ابن باز وابن تيميّة ونقده أَحَدٌ بحقٍّ فلا تغضب، انتقَدَه بعلم وبِحُجَّة ويُريد وجه الله -عزّ وجل-؛ لا تَقُل: هذا -والله- يتكلَّم عن ابن باز وابن تيميَّة -إذا كان بحقٍّ وبأدب واحترام-! لأنَّ الهدفَ ربطُ النَّاس بِمَنهج الله، ولا نربطهم بأخطاء البشر -كائنا من كان- حتّى لو أخطأ صحابي ما نقبل خطأه...
والشَّافعي ردّ على شيخه مالك، مع أنّه ما كان أحد يحترم مَالِكًا مثل الشَّافعي، ويقول: «إذا ذُكِر العُلماء فمالك هو النَّجم الثَّاقب»، ومع ذلك ينتقده.
واللَّيث ينتقد مالكاً ويُرسل له وهو يُحبُّه ويُجِلُّه -بارك الله فيكم-، وهكذا كانوا يتبادلون النَّصائح»(٢٨).
هذا، «وسيوافق قولي [أو مقالي] هذا من الناس ثلاثة:
رجلٌ منقادٌ(٢٩) سمع قوماً يقولون،فقال كما قالوا، فهو لا يرعوي ولا يرجع؛ لأنه لم يعتقد الأمر بنظر فيرجع عنه بِنَظَر(٣٠).
ورجلٌ تطمحبه عزَّة الرياسة، وطاعة الإخوان، وحبُّ الشهرة، فليس يردُّ عزّته، ولايثني عنانه إلاّ الذي خلقه إن شاء؛ لأنّ في رجوعه إقراره بالغلط،واعترافُهُ بالجهل، وتأبى عليهالأَنَفَة.
وفي ذلك -أيضاً- تشتُّت جمعٍ، وانقطاعُ نظامٍ، واختلافُ إخوانٍ عَقَدَتْهُم له النِّحلة، والنفوسُ لا تطيب بذلك إلا مَن عصمه الله ونجّاه.
ورجلٌ مسترشدٌ يريد الله بعلمه، لا تأخذه في الله لومةَ لائم، ولا تدخلهمِنْ مُفارقِ وحشة، ولا تلْفِتُهُ عن الحقّ أنَفَة، فإلى هذا القول قصدنا، وإياه أردنا»(٣١).



وآخر دعوانا أن الحمد لله، وصلوات ربّي على نبيّنا مُحمّد سيد ولد آدم، وآله وأصحابه وإخوانه إلى يوم القيامة.


وكتبَ -مُذكّرا إخوانَهُ-:

عبد الغـني الجـزائري

-عفا الله عنه وغفر ذنبه-
يوم السبت ٩ جمادى الثانية ١٤٣٤هـ
٢٠ أبريل ٢٠١٣م








______الحاشية__________

(١) «إعلام الموقعين» لابن القيم (٢/١٨١).

(٢) «آثار ابن باديس»(٣/٢٢٢).
(٣) قاله شيخ الإسلام ابنُ تيمية في «منهاج السنة النبوية» (٥/٣٨١).
(٤) قاله ابنُ حزم الظاهري في «مداواة النفوس».
وحتّى يتّضح الأمرُ للقارئ أكثر أنبّه بأنّه ليس كل المُقلّدين مذمومين، وأنا أريد بكلامي المذموم منهم والمنبوذعند علمائنا أتباع السّلف.
قال العلامة الألباني -رحمه الله- [من مادة صوتية مفرّغة -أنقلها عن واسطة-]:
«وإن كان لا يفقه من العلم شيئا يسأل: «يجوز أو لا يجوز؟!» ثم يقول: «ما الدليل؟!» وهو ليس في المستوى العلمي أن يفهم الدليل! إذا قلت له: «هذا حديث صحيح» يقول لي: «ما الدليل في صحته؟».
روح اطلب كتب المصطلح... سنين ثم بعدين تعال اسأل ما الدليل على صحة هذا الحديث. لذلك فالتقليد قسمان:
* تقليد لابد منه، وهذا لا ينجو منه كبار العلماء.
* والقسم الآخر: اتخاذالتقليد دينا يخالف به ما قال الله وما قال رسول الله -كما يفعل متعصبة المذاهب-».
(٥)«آثار ابن باديس» (٥/٣٨).
(٦) «المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» (ص ٤٩٥).
(٧) قاله الأمير الصنعاني في «إرشاد النقاد» (ص ١٠٦).

(٨) هذا المسلك فيه الشّبه القوي بمسلك «الحداديّة» الجُناة؛ وذلك لتفريقهم بين الرُّواة والمنحرفين من المشايخ والدُّعاة غير المذكورين في كتب (الجرح والتعديل)؛ حيث قالوا بذكر سبب الجرح في النوع الأوّل دون الثاني، كون الأوّل منصوصٌ عليه في الكتب، أمّا الأخير فيُذكر فيه التبديع، والتحذير، والإسقاط... من غير ذكر السّبب، وما على السّائلِ إلاّ أن يُقلِّدَ الحكمَ مِن المُجيب -أي: المسؤول- والشّكُّ في الحكم يقدحُ فيه ويلحِقَهُ بالمنحرف ذاك!! فأيُّ غلوٍّ هذا -يا صاحِبِي-...؟! كلُّ هذا برّرُوهُ بدعاوى كاسِدة؛ وأنّه من قبيل الفتوى!
قلتُ: ونحن نبرأ من هذا التقليد الصّرف الذي لا يورث إلاّ البلادة والعصبيّة والبُعد عن الحق!
ودونك ما جاء في «رسالة الهدى» نظم العلامة محمد سعيد سفر المدني (ص ١٢-١٣) التّالي؛ فتأمّله -رعاك الله-:


«وقـــولهم: لا يعملُ المُقلِّدُ ** إلاّ بقــول مَن لـه يُقلِّـدُ
فرض عليه واجـــبٌ محتّمُ ** يحــرم إن خالفـه ويأثـم
قولٌ عجيبٌ لم يقلهُ منصف ** إلاّ الذي مِن شأنه التّعسّف
لسنا بأمـورين أن نُقلّدا ** إلاّ النّبي المصطفى محمدا
فقــدّم الدليـل باتّسـاع ** بالذكر والســنة والإجماع
أمّا ســؤالُنا لأهـل الذّكـر ** فذاك فيمــا عنه لسنا ندري
إن كنتُم لا تعلمـون ظــاهر ** في دفعه، لا يُفـلح المكـابر».


(٩) انتبِه: المَأخذُ إن جرّدتَهُ عن صاحبه وعرضتَه على أحد هذا الصنف؛ جرّمَه ومَن وقع فيه -فعلا وفاعلا-، ولكن بمجرّد ذكر اسمِ المُآخَذِ تبدأ الاعتذارات في صَوبِه تنزل -إن لم أُبالغ- كالقطر! رجاء الخروج مِن «الورطة!».
لِمَ -يا تُرى-؟! إنّه التقليد.
(١٠) انظر كيف لا يأخذ بقولك دون دليل -وأنت عنده: الثقة الثقة- ويُلزِمُك أن تُسلّم له بدونه؛ إنّه الكيل بمكيالين!!
(١١) فرّغتُه مِن قرص «نزهة الخاطر -قصص بلاغية-».
وما جاء في سياق هذه القصّة فكثير، انظر كتاب «الأذكياء» لابن الجوزي، وكلّها تُروى عن الحجَّاج.
(١٢)«منهاج السنة» (٣/٤١٢).

(١٣) قاله العلاّمةُ عبدُ الرحمنِ بن سعدي في «المناظرات الفقهية».
(١٤)«مداواة النفوس».

(١٥) قاله العلامة الألباني في «سلسلة الهدى والنور» (شريط ٣٣١).
(١٦)قاله الحافظ ابن رجب في شرح (الحديث ٣٥) من «جامع العلوم والحكم».
(١٧) «رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله» (ص ١٥٢-١٥٣) -نقلا عن واسطة-.
(١٨) الله أكبر! كذا يكون الرّجال وإلاّ فلا.

فالحق مادام هو غاية الشيخ -وكل المسلمُ في الأصل-؛ فلا تضجُّر إذا ما قُوبِل بتّصويب لخطئه أو تخطئة لما يظنّه صوابا، وهو أحب إليه مِمّن يُداهنُه أو يُهادِنه لدُنيا زائلة -لا محالة-، قال الإمام محمد بن عبد الوهّاب النجدي كما في «فقه الائتلاف» (ص ١٠٧) -نقلا عن واسطة-: «وأنا أشهد الله وملائكته وأشهدكم على دين الله ورسوله أنّي مُتّبع لأهل العلم، ما غاب عنّي مِن الحق وأخطأتُ فيه؛ فبيِّنوا لي. وأنا أشهد الله أنّي أقبِّل على الرّأس والعين، والرّجوع إلى الحق خيرٌ مِن التّمادي في الباطل».
وهاك مِثالا تطبيقيا لشيخنا ووالدنا المحدث (الرّبيع) على هذا الغرار؛ قال -كما في مقاله «قبول النصح والانقياد للحقمن الواجبات العظيمة على المسلمين جميعاً»-:
«فقد اطلعت على ما نشرته بعض الشبكات العنكبوتية من كلام نسب إلي وهوأني قلت في إحدى محاضراتي:«إذا تبرأ منك رسول الله على لسان ربنا (!)»... ثمقلت: «كيف ما نخاف يا إخوتاه ونختار هذا التفرق ونعيش عليه قروناً وأحقاباً...»؛ أستغفر الله من هذه الكلمة القبيحة الباطلةمئات المرات، وأطلبُ حذفها من كل شريط توجد فيه، وأشدد فيذلك على كل من يملك شريطاً توجد فيه هذه الكلمة أن يقوم بحذفها.
وأقول: إن هذا الكلام قبيح وباطل، وتعالىالله عنه وتنـزه عنه؛ فهو تعالى منزه عن مشابهة المخلوقين... وهذه الكلمة البغيضة إليَّ التي صدرت منِّي خلال محاضرة أدعو فيها إلى هذا المنهج وأدعو من خالفه إلى الرجوع إليه. وهذه الكلمة القبيحة إنما كانت مني فلتة لسان ولو نبهني إنسان في اللحظة التي قلتها فيها لرفضتها ولتبرأت منها، وما يَحِقُّ لأحد اطلع عليها أن يسكت عنها... وقبول النصح واتباع الحق من أوجب الواجبات على المسلمين جميعاً -من أي مصدر كان-، ولا يجوز للمسلم أن يستصغر الناصح أو يحتقره مهما كان شأنه.
وأعوذ بالله أن أرد نصيحة أو أدافع عن خطأ أو باطل صدر مني؛ فإن هذا الأسلوب المنكر إنما هو من طرقأهل الفساد والكبر والعناد... وأعوذ بالله من هذه الصفات القبيحة».
(١٩) شريط «خطورة الكذب وآثاره السّيئة وموقف الإسلام منه».
(٢٠) «الفتاوى الكبرى» له (٥/١٢٦).
(٢١) «منهاج السنة» (٧/٧٨).
(٢٢) حزب الله؛ الذين قال الله -تبارك وتعالى- عنهم: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، وقال: {... أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. وليس المقصود حزب الله الرَّافضي اللُّبناني؛ الخبيث.
(٢٣) فرّغتُه مِن شريط «الألباني إمام».
(٢٤) الناصح -دائما- هو: صاحب الفضيلة الشيخ ربيع بن هادي -حفظه الله-.
(٢٥) كأنّ الشيخ يُريد قول شيخ الإسلام ابن تيميّة في كتابه «منهاج السنة» (٥/٢٦٢): «فإنّ الهدى يدور مع الرسول حيث دار، ويدور مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا».
(٢٦) قلتُ: وهذا معنى ما خرّجه البخاري (٦٠١١)، ومسلم (٢٥٨٦)، وأحمد (٤/٢٧٠) عن النُّعمان بن بشير -رضي الله عنه-؛ قوله -صلى الله عليه وسلّم-: «... إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسَّهر والحمى».
(٢٧) تأمّل هذه الجملة؛ ما أنفسها! فالخطأ من (شيخِكَ) -أيّها الشّاب- لا يُسوِّغ لك أن تزيد أنت خطأ آخراً -قد تُضيفه له-، ومادام الحق مع الشيخ الآخر؛ يلزمك أن تكُون مع هذا الآخر وانصح (شيخك) ليرجع للحق كما رجعتَ.
وعليه؛ فـ: «مَن أَراد أَن يَعْرفَ خَطَأَ مُعَلِّمِه؛ فَلْيَجْلِسْ إِلَىغَيرِه».[كتاب «أخبار الشيوخ وأخلاقهم» للمَروذِيّ (ص ١٩٥) -عن أَيُّوبَ-].
قال الإمام الذهبي في كتابه «الميزان» (١/٥١٣): «ولو حابَيتُ أحدا لحابَيت أبا عليٍّ؛ لِمكان علوِّ روايتي في القراءات عنه».
وأبو عليٍّ هو: الأهوازي؛ شيخُ الإمام الذهبي!
(٢٨)فرّغته من شريط «شرح كتاب الإيمان -من صحيح البخاري-»؛ المسجّل شهر رجب من سنة ١٤٢٦هـ -بالرياض-.
(٢٩) في المطبوع:«رجُلاً مُنقاداً»، ويليه «رجُلاً تطمحُ»، ثم «رجُلاً مُسترشداً» -بالنّصبِ-؛ والصواب ما أثبتُّه أعلاهُ -بالرّفع-، والله أعلم.
(٣٠)قال من اعتنى بطبع الكتاب في الحاشية -مُعلقا-: «وهذا هو حال المقلّد الذي يُقلّدُ دينَهُ الرّجال ويُعرض عن الكتاب والسنّة».
(٣١)قاله أبو محمد عبد الله بن مسلم (ابن قتيبة) في «الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة» (ص ٢٠-٢١).