الشاعر أبو رواحة الموري
08-31-2009, 09:02 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
إبلاغ الراقم بأن الحجامة مفطرة للصائم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد :
فهذا مبحث مستل من كتابي (إبلاغ الفهامة بفوائد الحجامة) مع بعض التنقيحات والفوائد المتممات ، رغبت في إتحاف القارئ به ونحن على أبواب شهرالبركات ، راجيا من المولى أن يبلغنا هذا الشهر ونحن على أحسن الحالات ، فأقول وبالله تعالى الثبات :
إن الصائم إذا احتجم متعمداً قاصداً من غير نسيان فسد صومُه ؛لظهور الأدلة وعمل السلف ، ولضعف الأدلة المبيحة للحجامة في حالة الصيام .
ودونك البيان بإيجاز .
-عن ثوبان الهاشمي مولى النبي صلى الله عليه وسلم ، وشداد بن أوس رضي الله عنهما عـن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((أفطر الحاجـم والمحجــوم )) صحيح : أخـرجه أبو داود (رقم 2359–2360 – 2361– 2362 كتاب الصيام باب :في الصائم يحتجم)، وابـن ماجـه (رقم 1680– 1681باب: ما جاء في الحجامة للصائم)،والنسائي في "الكبرى" (2/217 – 218 – 219)، وأحمد (4/122– 123–124)، وعبد الرزاق في"المصنف" (4/409)، ابن أبي شيبة (2/306)، والدارمي (2/25)، وابن حبان (8/302)،البيهقي في "الكبرى" (4/265)، والطحاوي في "شرح المعاني" (2/99)، وغيرهم كثير من طرق عن أبي قلابة به .
قـال البخاري كما في "العلل الكبير" للترمذي (1/362 ط.الأقصى): ((ليس في هذا الباب شيء أصح من حديث شداد بن أوس وثوبان ، فقلنا لـه : كيف!بما فيه من الاضطراب ؟ فقال : كلاهما عندي صحيح ؛ لأن يحي بن أبي كثير روى عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان وعن أبي الأشعث عن شداد بن أوس روى الحديثين جميعاً،وهكذا ذكروا عن علي بن المديني أنه قال: حديث شداد بن أوس وثوبان صحيحان))اهـ
وقال عثمان بن سعيد الدرامي:( قد صح عندي حديث أفطر الحاجم والمحجوم ؛ لحديث ثوبان وشداد بن أوس ، وأقول به ، وسمعت أحمد بن حنبل يقول به ، ويذكر أنه صح عنده حديث ثوبان ) انظر "السنن الكبرى" للبيهقى (4/444 باب: في ذكر بعض ما بلغنا عن حفاظ الحديث في تصحيح هذا الحديث)، وقد ذكر البيهقي رحمه الله في هذا الباب أسماء من صحح حديث أفطر الحاجم والمحجوم ، فاظفر به فإنه مهم .
وجاء الحديث من مسانيد عدة ،فراجع طرقها في الإرواء (4/65 رقم 931) للعلامة ناصر الدين الألباني رحمه الله. وإن كان الشيخ رحمه الله لم يقل به ، بل رآه منسوخا بحديث أبي سعيد الخدري الآتي ذكره ،والذي صححه رحمه الله مرفوعا ، وهو عندنا في هذا المبحث موقوفا على أبي سعيد ، رحم الله العلامة الألباني ، ونفعنا بعلمه آمين.
- وعن أبي العالية قال : دخلت على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة عند المغرب ، فوجدته يأكل تمراً قال: احتجمت ، قال : ألا احتجمت نهاراً ؟ قال : تأمرني أن أهريق دمي وأنا صائم )) أخرجه النسائي في "الكبرى "2/233(رقم 3214 ) وابن أبي شيبة ، وإسناده صحيح إلى أبي موسى ، ولا يصح مرفوعاً كماحقق ذلك الحفاظ ، والبحث لا يتسع لذكر جمّ كلامهم .
- وعن سالم (( أن ابن عمر كان يحتجم وهو صائم ، ثم تركه بعد ، وكان إذا غابت الشمس احتجم )) أخرجه عبد الرزاق(4/211)بإسناد صحيح.
- وجاء عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: ((كان يحتجم وهو صائم ، قال : فبلغه حديث أوس ؛ فكان إذا كان صائماً احتجم بالليل )) ، صحيح أخرجه أحمد كما في "مسائل عبد الله" (ص 182 رقم 683 ط. المكتب الإسلامي ) .
- وأخرج ابن أبي شيبة (2/308)، من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب به ؛ولفظه : ((كان يحتجم وهو صائم ثم تركها بعد ، فكان يحتجم ليلاً )) ، وإسناده صحيح
- وأخرج عبدالرزاق (4/211) ، عن معمر عن أيوب به ، ولفظه ((كان يحتجم وهو صائم ثم تركه ، فكان يصنع المحاجم ، فإذا غربت الشمس أمر أن يشرط ، قال: فلا أدري أكرهه أم شيء بلغه )) ،وإسناد صحيح .
- وأخرج مالك في "الموطأ" (1/298) عن نافعِ به ، ولفظه : (( أنه كان يحتجم وهو صائم، قال : ثم ترك ذلك بعد، فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر )) وإسناده صحيح.
- وعن عبد الله بن أيوب المخزومي قال: (( سمعت روحاً يقول لأبي عبد الله: أدركت الناس بالبصرة منذ خمسين سنة ، إذا دخل شهر رمضان أغلق الحجامون دكاكينهم))ذكره المروزي عن أحمد كما قال شيخ الإسلام في كتابه العظيم "شرح العمدة" (1/434) ،وإسناده إن شاء الله حسن ؛ لأن المخزومي صدوق ، وبقية رجاله ثقات.
قال شيخ الإسلامرحمه الله : (( إنّ الصحابة رضوان الله عليهم عَلِموا أن النهي آخر الأمرين ، كما تقدم عن ابن عمر وغيره ، ولهذا رجعوا عن القول بالاحتجام إلى تركه، وأبو موسى وابن عباس كانا يكرهان الحجامة للصائم ، وهما ممن رويا حجامة النبي صلى الله عليه وسلم وهومحرم، بل عليهما مدار الحدث)) شرح العمدة كتاب الصيام (1/443) .
قال أبو داود : سألت أحمد عمن احتجم في رمضان ؟
قال: (( يقضي يوما مكانه )) "مسائل الإمام أحمد"برواية أبي داود (ص130 رقم624)، انظر "مسائل الإمام أحمد" برواية عبد الله (ص 181رقم677)
وقال أبو داود : سمعت أحمد ناظره رجل في الحجامة للصائم ، فقال الرجل لأحمد: ثابتٌ عن أنس: كره الحجامة للصائم مخافة الضعف كما في البخاري قال: أحمد رُوي عن أنس : أنهّ احتجم في السراج ، وابن عمر احتجم بالليل وأبو موسى يعني-الأشعري- احتج بهذا في ترك الحجامة ، ولم يحتج فيه بشيء يروى عن النبي صلى الله عليهوسلم"مسائل أحمد" برواية أبي داود ( ص 130 رقم 626) .
وقال بالفطر: إسحاق بن رهويه، وابن المنذر، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وهو قول عطاء، وعبد الرحمن بن مهدي،وكان الحسن ومسروق وابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم ...)) "المغني"(4/350) .
قال شيخ الإسلام؛ مبيناً أن قول من ذهب إلى الإفطار من الصحابة مقدم على قول من نفى الإفطار: ((وكل ما اختلف فيه الصحابة مما يشبه هذا ؛ مثل: اختلافهم في انتقاض الوضوء بمس الذكر ونحوه، فإن المُثبت منهم يجب أن يكون معه علم خَفِيَ على الناس؛ لأن هذا ابتداء شريعة؛ لا يجوز أن يثبت بالقياس، بخلاف النفي؛ فإنه يكفي فيه البراءة الأصلية)) كتاب الصيام من "شرح عمدة الأحكام" (1/438) .
ردود على بعض الواردات
1- من قال أنهما كانـا يغتابان فأفطرا لذلك السبب ؛ لا أنّ الحجامة مفطرة.
قلت: وهذا الوارد لا يثبت ، لأنه لا يعتمد على نص صحيح.
- عن مطرف بن سمرة عن أبيه قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل بين يدي حجام، فذا كفي رمضان وهما يغتابان رجـلاً فقال: ((أفطر الحاجم والمحجوم))ضعيف: أخرجه البيهقيفي "شعب الإيمان" (129/12 رقم 6318 ط. السلفية),من طريق الحسن بن الفضل بن السمع،حدثنا غياث بن كلوب الكوفي حدثنا مطرف بن سمرة بن جندب عن أبيه، قال البيهقي: غياث هذا مجهول، وقال الدارقطني في "الضعفاء" (ص323) في ترجمة غياث :وله نسخة عن مطرف بن سمرة بن جندب، لا يُعرف إلا به، ويروي عنه شريك، انظر موسوعة أقوال الدراقطني في رجال الحديث وعلله (2/513رقم2736-2/653رقم3512)، وقال الذهبي في الميزان في ترجمة غياث(3/336):(ضعفه الدراقطني) .
- عن عبد الله بن عباس : أن رجلين صليا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر، وكانا صائمين ، فلما قَضى رسول الله rقال:((أعيدا وضوءكما (أو قال:صلاتكما) وأمضيا في صومكما، وأعيدا يوماً مكانه)) قالا:لم يا نبي الله؟ قال: ((قد اغتبتما فلاناً)) ضعيف:أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" ( 12/117 رقم 6302 ط. السلفية)،والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (ص 103 رقم210)من طريق المثنى بن بكر، حدثنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس ، وسنده ضعيف جداً ؛ فيه المثنى بن بكر، قال الدارقطني:متروك، وقال البزار:عباد لم يسمع من عكرمة،انظر "اللسان" (رقم6920) "والضعفاء" للعقيلي(رقم 1847) و"تحفة التحصيل" (ص227رقم439)، وقال عنه العلامة الألباني في "الضعيفة" (2/234):(( وما أراه يصح))، وصدق رحمه الله ، فإن علم الحديث كان يسري في أنفاسه .
وأخرج البيهقي في "الكبرى" (4/447 رقم 8303)، من طريق يزيد بن ربيعة ، ثنا أبو الأشعث عن ثوبان قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وهو يحتجم عند الحجام، وهو يقرض رجلاً، فقال رسول الله: (( أفطر ا لحاجم والمحجوم)) .
قلت:قوله ((وهو يقرض رجلاً)) ، باطلة من حديث ثوبان ، قال البيهقي: قوله ((وهو يقرض رجلاً)) لم أكتبه إلا في هذا الحديث ،وغيرُ يزيد رواه عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس دون هذه اللفظة ، وأبو أسماء الراجي رواه عن ثوبان دون هذه اللفظة، والله أعلم، قال الإمام علي بن المديني: حديث باطل،انظر "الفتح" (4/227 كتاب الصيام، باب: الحجامة والقئ للصائم) .
قلت: يزيد بن ربيعة الرحبي الدمشقي، قال البخاري: أحاديثه مناكير، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال النسائي: متروك، انظر "اللسان" (برقم9356) .
وورد من حديث ابن مسعود أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (4/184)، وقال: باطل لا أصل له .
2- أما دعوى النسخ فلا تصح لوجوه كما قال ابن تيمية في "شرح العمدة" كتاب الصيام ، وابن القيم راجع "جامع الفقه" لابن القيم كتاب الصيام.
أحدهما:أن الذي في الحديث أن النبي صلى اللهعليه وسلم : احتجم وهو محرم صائم ولم يبين أن هذا الإحرام كان في حجة الوداع ، فيجوز أن يكون في إحرامه بعمرة الحديبية ، أو إحرامه بعمرة القضية، وكلاهما قبل الفتح ،فيكون احتجامه وهو صائم منسوخاً بقوله بعد ذلك ((أفطر الحاجم والمحجوم)) لا العكس .
الثاني:أن حديث((احتجم وهو محـرم،واحتجم وهـو صائـم ))لا يخالف قـوله((أفطر الحاجم والمحجوم ))؛لأن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهومحرم ، وفي لفظ البخاري((من وجع كان به)) والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن محرماً في رمضان قط ؛لأن إحرامه بعُمَرِه الثلاثة، وبحجة الوداع في ذي القعدة ، فيكون هذاالصوم تطوعاً، ثم كان مريضاً، والمريض يجوز له الفطر، ثم كان مسافراً ،لأنه لم يكن محرماً مقيماً قط ، فإذا كان الفطر جائزاً في هذه الوجوه الثلاثة ، فيكون قد احتجم ،وإن أفطر بالحجامة ، فإنه ليس في الحديث لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنه بقي على صومه ، بل قد أفطر في رمضان لما أصاب أصحابه الجهد ، فلأن يُفطر في مرض أصابه بطريق أولى .
قال البخاري بعد ما أورد حديث عبد الله بن عباس:((أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم)) وقال غيره:لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم محرماً في رمضان إنما خرج في ذي القعدة، واعتمر أربع عمر كلها في ذي القعدة، والمتطوع له أن يحتجم ويفطر،إلا أن يكون فرضاً، ولم يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عليه فرض، وقد قال ثوبان وشداد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أفطر الحاجم والمحجوم) "التاريخ الأوسط" (1/437 تحقيق محمد بن إبراهيم اللحيدان ) .
قال ابن القيم:(( فصل... جواز احتجام الصائم، فإن في صحيح البخاري:((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم )) ، ولكن هل يفطر بذلك أملا ؟ مسألة أخرى ، الصواب : الفطر بالحجامة ؛ لصحته عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم من غير معارض ، وأصح ما يعارض به حديث حجامته وهو صائم ٍٍٍ، ولكن لا يدل على عدم الفطر إلا بعد أربعة أمور:
أحدهما: أن الصوم كان فرضا.
الثاني : أنه كان مقيماً.
الثالث: أنه لم يكن به مرض احتاج معه إلى الحجامة .
الرابع: أن هذاالحديث متأخر عن قوله: ((أفطـر الحاجم والمحجوم)) .
فإذا ثبتت هذه المقدمات الأربع أمكن الاستدلال بفعله صلى الله عليه وسلم على بقاء الصوم مع الحجامة ، وإلا فما المانع أن يكون الصّوم نفلاً يجوز الخروج منه بالحجامة وغيرها، أو من رمضان لكنه في السفر ،أو من رمضان في الحضر لكن دعت الحاجة إليها، كما تدعو حاجة من به مرض إلى الفطر ، أو يكون فرضاً من رمضان في الحضر من غير الحاجة إليها ، لكنّه مُبقَّى على الأصل ، وقوله (( أفطر الحاجم والمحجوم )) ناقل ومتأخر ، فيتعين المصير إليه ، ولاسبيل إلى إثبات واحدة من هذه المقدمات الأربع ، فكيف بإثباتها كلها )) ينظر "زادالمعاد" ( 4/61-62) ..
توضيــح:
قال ابن حزم:صَحَّ حديث (( أفطر الحاجم والمحجوم )) بلا ريب ، لكن وجدنا من حديث أبي سعيد:((رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم))، وإسناده صحيح فوجب الأخذ به ، لأن الرخصة [ إنما تكون بعد العزيمة ]
قلت: لا يصح حديث أبي سعيد مرفوعاً، بل هو قول له لا أكثر، ودون كالبيان بإيجاز.
يروي هذا الحديث أبو المتوكل عن أبي سعيد الخدري ، واختلف عليه :
أولاً: فرواه خالد الحذاء واختلف عليه :
فرواه إسحاق بن يوسف الأزرق عن الثوري عن خالد الحذاء عن أبي المتوكل عن أبي سعيد:(أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الحجامة للصائم ) .
أخرجه النسائي في "الكبرى" (2/237) والترمذى في "العلل" الكبير (1/366 ط.الأقصى)، وابن خزيمة (3/231)، والبزار(1/477 "زوائده" )، والطبرانيفي "الأوسط"(8/10رقم 7797)، والدار قطني في "السنن" (2/182)، وفي "العلل" (11/346س:2330)، والبيهقي في "الكبرى" (4/439)
وخالفه عبيد الله الأشجعي فأوقفه :
فرواه الأشجعي عن الثوري عن خالد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال:((رخص للصائم في الحجامة والقبلة))، أخرجه ابن خزيمة (3/231)، والدارقطني في"السنن"(2/182) وفي "العلل"(11/346) والبيهقي في "الكبرى" (4/440رقم8270)
قلت: وهذا هو الصواب ودونك الإثبات: قال الترمذي في "علله الكبير"(1/367): ((سألت محمداً[ يعني البخاري ]عن هذا الحديث، فقال: حديث إسحاق الأزرق عن سفيان هوخطأ)) اهـ .
-وقال أبو حاتم وأبو زرعة الإمامان الرازيان : وَهِمَ إِسحاقُ في هذا الحديث "علل ابن أبي حاتم" (1/232) .
-قال الترمذي في "العلل الكبير":وحديث أبي المتوكل عن أبي سعيد موقوفاً أصح، هكذا رَوى قتادة وغيرُ واحد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قوله.
- وقال الطبراني في "الأوسط":لم يروه عن سفيان إلا إسحاق .
- وقال البزار:لا نعلم أحداً رفعه إلا إسحاق عن الثوري .
ثانياً: رواه حميد الطويل واختلف عليه .
فرواه المعتمر بن سليمان عن حميد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال: (( رخص النبي صلى الله عليه وسلم في القبلة للصائم ، ورخص في الحجامة ))
أخرجه النسائـي في "الكبرى"(2/236-237)، وابن خزيمة (3/230)وأعلَهُ ، والطبراني في "الأوسط" (3/138رقم 2725)، والبزار في مسنده (1/480"زوائده" )، والدار قطـني في "السنن" (2/182) والبيهــقي في "الكـبرى"4/439
وخالفه جماعة فأوقفوه :
1- إسماعيل بن علية ، عنه به ، ولفظه عن أبي المتوكل: ((أنه سأل أبا سعيد عن الصائم يحتجم ؟ فقال: لا بأس به)) ، أخرجه النسائـي في "الكبرى"(2/237) ، والترمذي في "العلل"(1/368) .
2- بشر بن المفضل عن حميـد بـه، ولفظه عن أبي المتوكل:(( أنه سأل أبا سعيد عن الحجامة للصائم ؟ فقال:لا بأس به ،وعن القبلة للصائم فقال لا بأس به)) ، أخرجه النسائي في "الكبرى" (2/237) .
3- محمد بن أبي عدي عن حميـد به ، ولفظــه عـن أبي المتوكل : ((أنه سأل أبا سعيد عن الصائم يحتجم فقال : لا بأس به)) ، أخرجه النسائى في "الكبرى" (2/237) .
4- أبو بحر البكراوي (ضعيف) عن حميد به، ومتنه عـن أبي سعيد أنه قال في الحجامة : ((إنما كانوا يكرهون ( أو قال: يخافون) الضعف)) ، أخرجه ابن خزيمة (3/232) .
5- حماد بن سلمة عن حميد به ، ولفظه عن أبي سعيد : ((أنه كان لا يـرى بالحجامة للصائم بأساً)) ، أخرجـــه ابــن خزيمــة(3/235) .
6- عبد الله بن المبارك، ذكره الدار قطــني في "العلل" (11/347) .
7- إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري (ثقة) ، ذكره الدارقطني في"العلل" (11/347) .
وهذا هو الصواب بلا ريب ، كما قال محقق كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام، الطالب زائد النشيري ، وجُلّ ما ذكرته في تخريج حديث أبي سعيد استفدته منه ، وأنا لا أعرفه حتى أزكيه ، ولكن عمله في الكتاب يدل على درايته بعلم الحديث والله أعلم .
فرواية معمر عن حميد خطأ، ووهم معمر في رفعه ، وسبحان من لايسهى ولا ينسى ، ودونك البرهان من كلام أهل الصنعة :
1- كلام أبي حاتم وأبي زرعة الرّازيين .
قال ابن أبي حاتم : ((سألت أبي عن حديث رواه معمر عن حميد ... (فذكره مرفوعاً) ، فقالا [يعني أبو زرعة وأبو حاتم] : هذا خطأ، إنما هو عن أبي سعيد قوله ؛رواه قتادة وجماعة من الحفاظ ، عن حميد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قوله))اهـ.
2- كلام ابن خزيمة .
قال الإمام ابن خزيمة : ((هذا خطأ ((والحجامة للصائم)) إنما هومن قول أبي سعيد الخدري ، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أُدّرِج في الخبر، لعل المعتمر حدَّث بهذا حفظاً، فأدرج هذه الكلمة في خبر النبي صلى الله عليه وسلم ، أوقال: قال أبو سعيد : ورخص في الحجامة للصائم فلم يضبط عنه (قال أبو سعيد) ، فأدرج هذاالقول في الخبر)) اهـ.
3-قول الإمام الترمذي.
قال الترمذي : (( وحديث أبي المتوكل عن أبي سعيد موقوفـاً أصح ، هكذا رَوَى قتادة ، وغير واحد عن أبي سعيد قوله )) .
4- وقال البزار: ((لا نعلم بهذا الإسناد إلا عن معتمر))
لكن خالف هؤلاء الأئمة الدارقطني فقال في "العلل" : ((والذين رفعوه ثقات ، وقد زادوا، وزيادة الثقة مقبوله والله أعلم )) .
والذي يظهر من تخريج الحديث وقول الأئمة السابقين ،وما يأتي ذكره أن الموقوف هو المحفوظ :-
1- فقد رواه شعبة عن قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال : ((إنما كرهت الحجامة للصائم مخافة الضعف)) ، أخرجه النسائي في "الكبرى" (2/238) ،وابن خزيمة (3/232) ، والطحاوي في " شرح المعاني "(2/100) .
2-ورواه محمد بن عبد الله الأنصارى ، عن أبي المتوكـل عـن أبي سعيد قال: (( لا بأس بالحجامة للصائم )) ، أخرجه ابن خزيمة (3/235) .
3-ورواه الضحاك بن عثمان عن أبي المتوكل عن أبي سعيد أنه قال في الحجامة : ((إنما كانوا يكرهون (قال :أو قال: يخافون (( الضعـف)). أخرجه ابن خزيمة (3/232) .
4- ورواه سليمان بن الأسود الناجي ، عن أبي المتوكل : ((أن أبا سعيد ...)) ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،أخرجه ابن خزيمة (3/235) ، وانظر ما قاله العلامة الألباني في حاشيته على صحيح بن خزيمة .
تنبيه هام :
ذكر بعض الأفاضل أن رواية الأشجعي عن الثوري عن خالد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال: ((رخص في الحجامة والقبلة)) مع وقفها لفظاً على أبي سعيد؛ إلا أنها لها حكم الرفع، لأنها مثل قول الصحابي : أمرنا بكذا، ونهانا عن كذا.
أقول كما قال المحققون: في هذا نظـر لا يخفـى، ودونك البيان :
1- لعله سقط من المتن لفظه (أنّه) والسياق التام هو عن أبي سعيد ((أنه رخص للصائم في الحجامة والقبلة)) ، والذي ذُكِر يدل عليه ما يلي:
الأول : ما قاله الدار قطني في "العلل" فإنه لما ذكر رواية إسحاق الأزرق عن الثوري مرفوعاً قال: ((ورواه الأشجعي عن الثوري فنحا به نحو الرفع ، وغيرهما يرويه عن الثوري موقوفاً)) .
الثاني: أن عبد الله بن المبارك بَيّن ذلك في روايته عن خالد الحذاء فرواه عن خالد الحذاء عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد : ((أنّه كان لا يرى بالحجامة للصائم بأساً)) ، أخرجه النسائي في"الكبرى"(2/237) ، وابن خزيمة (3/235) .
الثالث: أن الأثر أصله فتوى لأبي سعيدالخدري ، شبيهة بفتوى أنس ، كما رواه الثقات عن حميد الطويل عن أبي المتوكل أنه سأل أبا سعيد : عن الحجامة للصائم ؟ فقال : ((لا بأس به)) ، والأثر مخرجه واحد ، وبعض الرواة رواه بالمعنى.
الرابع : ما قاله ابن خزيمة (3/232) : أنه غير جائز أن يروي أبوسعيد : ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الحجامة للصائم )) ويقول هو : كانوايكرهون ذلك مخافة الضعف ؛ إذ ما قد أباحه صلى الله عليه وسلم إباحة مُطلقا لااستثناء ولا شرطية ؛ فمباح لجميع الخلق ، غير جائز أن يقال : أباح النبي صلى الله عليهوسلم الحجامة للصائم ، وهو مكروه مخافة الضعف ، ولم يستثنِ النبي صلى الله عليه وسلم في إباحتها من يأمن الضعف دون من يخافه ، فإن صح عن أبي سعيد (( أن النبي صلى اللهعليه وسلم رخص في الحجامة للصائم)) ، كان مُؤدى هذا القول أن أبا سعيد كره للصائم مارخص النّبي صلى الله عليه وسلم له فيها، وغير جائز أن يتأول هذا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أن يروا عن النبي صلى الله عليه وسلم رخصة في الشيء ويكرهونه .
وكتبه
أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري
إبلاغ الراقم بأن الحجامة مفطرة للصائم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد :
فهذا مبحث مستل من كتابي (إبلاغ الفهامة بفوائد الحجامة) مع بعض التنقيحات والفوائد المتممات ، رغبت في إتحاف القارئ به ونحن على أبواب شهرالبركات ، راجيا من المولى أن يبلغنا هذا الشهر ونحن على أحسن الحالات ، فأقول وبالله تعالى الثبات :
إن الصائم إذا احتجم متعمداً قاصداً من غير نسيان فسد صومُه ؛لظهور الأدلة وعمل السلف ، ولضعف الأدلة المبيحة للحجامة في حالة الصيام .
ودونك البيان بإيجاز .
-عن ثوبان الهاشمي مولى النبي صلى الله عليه وسلم ، وشداد بن أوس رضي الله عنهما عـن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((أفطر الحاجـم والمحجــوم )) صحيح : أخـرجه أبو داود (رقم 2359–2360 – 2361– 2362 كتاب الصيام باب :في الصائم يحتجم)، وابـن ماجـه (رقم 1680– 1681باب: ما جاء في الحجامة للصائم)،والنسائي في "الكبرى" (2/217 – 218 – 219)، وأحمد (4/122– 123–124)، وعبد الرزاق في"المصنف" (4/409)، ابن أبي شيبة (2/306)، والدارمي (2/25)، وابن حبان (8/302)،البيهقي في "الكبرى" (4/265)، والطحاوي في "شرح المعاني" (2/99)، وغيرهم كثير من طرق عن أبي قلابة به .
قـال البخاري كما في "العلل الكبير" للترمذي (1/362 ط.الأقصى): ((ليس في هذا الباب شيء أصح من حديث شداد بن أوس وثوبان ، فقلنا لـه : كيف!بما فيه من الاضطراب ؟ فقال : كلاهما عندي صحيح ؛ لأن يحي بن أبي كثير روى عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان وعن أبي الأشعث عن شداد بن أوس روى الحديثين جميعاً،وهكذا ذكروا عن علي بن المديني أنه قال: حديث شداد بن أوس وثوبان صحيحان))اهـ
وقال عثمان بن سعيد الدرامي:( قد صح عندي حديث أفطر الحاجم والمحجوم ؛ لحديث ثوبان وشداد بن أوس ، وأقول به ، وسمعت أحمد بن حنبل يقول به ، ويذكر أنه صح عنده حديث ثوبان ) انظر "السنن الكبرى" للبيهقى (4/444 باب: في ذكر بعض ما بلغنا عن حفاظ الحديث في تصحيح هذا الحديث)، وقد ذكر البيهقي رحمه الله في هذا الباب أسماء من صحح حديث أفطر الحاجم والمحجوم ، فاظفر به فإنه مهم .
وجاء الحديث من مسانيد عدة ،فراجع طرقها في الإرواء (4/65 رقم 931) للعلامة ناصر الدين الألباني رحمه الله. وإن كان الشيخ رحمه الله لم يقل به ، بل رآه منسوخا بحديث أبي سعيد الخدري الآتي ذكره ،والذي صححه رحمه الله مرفوعا ، وهو عندنا في هذا المبحث موقوفا على أبي سعيد ، رحم الله العلامة الألباني ، ونفعنا بعلمه آمين.
- وعن أبي العالية قال : دخلت على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة عند المغرب ، فوجدته يأكل تمراً قال: احتجمت ، قال : ألا احتجمت نهاراً ؟ قال : تأمرني أن أهريق دمي وأنا صائم )) أخرجه النسائي في "الكبرى "2/233(رقم 3214 ) وابن أبي شيبة ، وإسناده صحيح إلى أبي موسى ، ولا يصح مرفوعاً كماحقق ذلك الحفاظ ، والبحث لا يتسع لذكر جمّ كلامهم .
- وعن سالم (( أن ابن عمر كان يحتجم وهو صائم ، ثم تركه بعد ، وكان إذا غابت الشمس احتجم )) أخرجه عبد الرزاق(4/211)بإسناد صحيح.
- وجاء عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: ((كان يحتجم وهو صائم ، قال : فبلغه حديث أوس ؛ فكان إذا كان صائماً احتجم بالليل )) ، صحيح أخرجه أحمد كما في "مسائل عبد الله" (ص 182 رقم 683 ط. المكتب الإسلامي ) .
- وأخرج ابن أبي شيبة (2/308)، من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب به ؛ولفظه : ((كان يحتجم وهو صائم ثم تركها بعد ، فكان يحتجم ليلاً )) ، وإسناده صحيح
- وأخرج عبدالرزاق (4/211) ، عن معمر عن أيوب به ، ولفظه ((كان يحتجم وهو صائم ثم تركه ، فكان يصنع المحاجم ، فإذا غربت الشمس أمر أن يشرط ، قال: فلا أدري أكرهه أم شيء بلغه )) ،وإسناد صحيح .
- وأخرج مالك في "الموطأ" (1/298) عن نافعِ به ، ولفظه : (( أنه كان يحتجم وهو صائم، قال : ثم ترك ذلك بعد، فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر )) وإسناده صحيح.
- وعن عبد الله بن أيوب المخزومي قال: (( سمعت روحاً يقول لأبي عبد الله: أدركت الناس بالبصرة منذ خمسين سنة ، إذا دخل شهر رمضان أغلق الحجامون دكاكينهم))ذكره المروزي عن أحمد كما قال شيخ الإسلام في كتابه العظيم "شرح العمدة" (1/434) ،وإسناده إن شاء الله حسن ؛ لأن المخزومي صدوق ، وبقية رجاله ثقات.
قال شيخ الإسلامرحمه الله : (( إنّ الصحابة رضوان الله عليهم عَلِموا أن النهي آخر الأمرين ، كما تقدم عن ابن عمر وغيره ، ولهذا رجعوا عن القول بالاحتجام إلى تركه، وأبو موسى وابن عباس كانا يكرهان الحجامة للصائم ، وهما ممن رويا حجامة النبي صلى الله عليه وسلم وهومحرم، بل عليهما مدار الحدث)) شرح العمدة كتاب الصيام (1/443) .
قال أبو داود : سألت أحمد عمن احتجم في رمضان ؟
قال: (( يقضي يوما مكانه )) "مسائل الإمام أحمد"برواية أبي داود (ص130 رقم624)، انظر "مسائل الإمام أحمد" برواية عبد الله (ص 181رقم677)
وقال أبو داود : سمعت أحمد ناظره رجل في الحجامة للصائم ، فقال الرجل لأحمد: ثابتٌ عن أنس: كره الحجامة للصائم مخافة الضعف كما في البخاري قال: أحمد رُوي عن أنس : أنهّ احتجم في السراج ، وابن عمر احتجم بالليل وأبو موسى يعني-الأشعري- احتج بهذا في ترك الحجامة ، ولم يحتج فيه بشيء يروى عن النبي صلى الله عليهوسلم"مسائل أحمد" برواية أبي داود ( ص 130 رقم 626) .
وقال بالفطر: إسحاق بن رهويه، وابن المنذر، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وهو قول عطاء، وعبد الرحمن بن مهدي،وكان الحسن ومسروق وابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم ...)) "المغني"(4/350) .
قال شيخ الإسلام؛ مبيناً أن قول من ذهب إلى الإفطار من الصحابة مقدم على قول من نفى الإفطار: ((وكل ما اختلف فيه الصحابة مما يشبه هذا ؛ مثل: اختلافهم في انتقاض الوضوء بمس الذكر ونحوه، فإن المُثبت منهم يجب أن يكون معه علم خَفِيَ على الناس؛ لأن هذا ابتداء شريعة؛ لا يجوز أن يثبت بالقياس، بخلاف النفي؛ فإنه يكفي فيه البراءة الأصلية)) كتاب الصيام من "شرح عمدة الأحكام" (1/438) .
ردود على بعض الواردات
1- من قال أنهما كانـا يغتابان فأفطرا لذلك السبب ؛ لا أنّ الحجامة مفطرة.
قلت: وهذا الوارد لا يثبت ، لأنه لا يعتمد على نص صحيح.
- عن مطرف بن سمرة عن أبيه قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل بين يدي حجام، فذا كفي رمضان وهما يغتابان رجـلاً فقال: ((أفطر الحاجم والمحجوم))ضعيف: أخرجه البيهقيفي "شعب الإيمان" (129/12 رقم 6318 ط. السلفية),من طريق الحسن بن الفضل بن السمع،حدثنا غياث بن كلوب الكوفي حدثنا مطرف بن سمرة بن جندب عن أبيه، قال البيهقي: غياث هذا مجهول، وقال الدارقطني في "الضعفاء" (ص323) في ترجمة غياث :وله نسخة عن مطرف بن سمرة بن جندب، لا يُعرف إلا به، ويروي عنه شريك، انظر موسوعة أقوال الدراقطني في رجال الحديث وعلله (2/513رقم2736-2/653رقم3512)، وقال الذهبي في الميزان في ترجمة غياث(3/336):(ضعفه الدراقطني) .
- عن عبد الله بن عباس : أن رجلين صليا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر، وكانا صائمين ، فلما قَضى رسول الله rقال:((أعيدا وضوءكما (أو قال:صلاتكما) وأمضيا في صومكما، وأعيدا يوماً مكانه)) قالا:لم يا نبي الله؟ قال: ((قد اغتبتما فلاناً)) ضعيف:أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" ( 12/117 رقم 6302 ط. السلفية)،والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (ص 103 رقم210)من طريق المثنى بن بكر، حدثنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس ، وسنده ضعيف جداً ؛ فيه المثنى بن بكر، قال الدارقطني:متروك، وقال البزار:عباد لم يسمع من عكرمة،انظر "اللسان" (رقم6920) "والضعفاء" للعقيلي(رقم 1847) و"تحفة التحصيل" (ص227رقم439)، وقال عنه العلامة الألباني في "الضعيفة" (2/234):(( وما أراه يصح))، وصدق رحمه الله ، فإن علم الحديث كان يسري في أنفاسه .
وأخرج البيهقي في "الكبرى" (4/447 رقم 8303)، من طريق يزيد بن ربيعة ، ثنا أبو الأشعث عن ثوبان قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وهو يحتجم عند الحجام، وهو يقرض رجلاً، فقال رسول الله: (( أفطر ا لحاجم والمحجوم)) .
قلت:قوله ((وهو يقرض رجلاً)) ، باطلة من حديث ثوبان ، قال البيهقي: قوله ((وهو يقرض رجلاً)) لم أكتبه إلا في هذا الحديث ،وغيرُ يزيد رواه عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس دون هذه اللفظة ، وأبو أسماء الراجي رواه عن ثوبان دون هذه اللفظة، والله أعلم، قال الإمام علي بن المديني: حديث باطل،انظر "الفتح" (4/227 كتاب الصيام، باب: الحجامة والقئ للصائم) .
قلت: يزيد بن ربيعة الرحبي الدمشقي، قال البخاري: أحاديثه مناكير، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال النسائي: متروك، انظر "اللسان" (برقم9356) .
وورد من حديث ابن مسعود أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (4/184)، وقال: باطل لا أصل له .
2- أما دعوى النسخ فلا تصح لوجوه كما قال ابن تيمية في "شرح العمدة" كتاب الصيام ، وابن القيم راجع "جامع الفقه" لابن القيم كتاب الصيام.
أحدهما:أن الذي في الحديث أن النبي صلى اللهعليه وسلم : احتجم وهو محرم صائم ولم يبين أن هذا الإحرام كان في حجة الوداع ، فيجوز أن يكون في إحرامه بعمرة الحديبية ، أو إحرامه بعمرة القضية، وكلاهما قبل الفتح ،فيكون احتجامه وهو صائم منسوخاً بقوله بعد ذلك ((أفطر الحاجم والمحجوم)) لا العكس .
الثاني:أن حديث((احتجم وهو محـرم،واحتجم وهـو صائـم ))لا يخالف قـوله((أفطر الحاجم والمحجوم ))؛لأن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهومحرم ، وفي لفظ البخاري((من وجع كان به)) والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن محرماً في رمضان قط ؛لأن إحرامه بعُمَرِه الثلاثة، وبحجة الوداع في ذي القعدة ، فيكون هذاالصوم تطوعاً، ثم كان مريضاً، والمريض يجوز له الفطر، ثم كان مسافراً ،لأنه لم يكن محرماً مقيماً قط ، فإذا كان الفطر جائزاً في هذه الوجوه الثلاثة ، فيكون قد احتجم ،وإن أفطر بالحجامة ، فإنه ليس في الحديث لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنه بقي على صومه ، بل قد أفطر في رمضان لما أصاب أصحابه الجهد ، فلأن يُفطر في مرض أصابه بطريق أولى .
قال البخاري بعد ما أورد حديث عبد الله بن عباس:((أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم)) وقال غيره:لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم محرماً في رمضان إنما خرج في ذي القعدة، واعتمر أربع عمر كلها في ذي القعدة، والمتطوع له أن يحتجم ويفطر،إلا أن يكون فرضاً، ولم يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عليه فرض، وقد قال ثوبان وشداد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أفطر الحاجم والمحجوم) "التاريخ الأوسط" (1/437 تحقيق محمد بن إبراهيم اللحيدان ) .
قال ابن القيم:(( فصل... جواز احتجام الصائم، فإن في صحيح البخاري:((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم )) ، ولكن هل يفطر بذلك أملا ؟ مسألة أخرى ، الصواب : الفطر بالحجامة ؛ لصحته عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم من غير معارض ، وأصح ما يعارض به حديث حجامته وهو صائم ٍٍٍ، ولكن لا يدل على عدم الفطر إلا بعد أربعة أمور:
أحدهما: أن الصوم كان فرضا.
الثاني : أنه كان مقيماً.
الثالث: أنه لم يكن به مرض احتاج معه إلى الحجامة .
الرابع: أن هذاالحديث متأخر عن قوله: ((أفطـر الحاجم والمحجوم)) .
فإذا ثبتت هذه المقدمات الأربع أمكن الاستدلال بفعله صلى الله عليه وسلم على بقاء الصوم مع الحجامة ، وإلا فما المانع أن يكون الصّوم نفلاً يجوز الخروج منه بالحجامة وغيرها، أو من رمضان لكنه في السفر ،أو من رمضان في الحضر لكن دعت الحاجة إليها، كما تدعو حاجة من به مرض إلى الفطر ، أو يكون فرضاً من رمضان في الحضر من غير الحاجة إليها ، لكنّه مُبقَّى على الأصل ، وقوله (( أفطر الحاجم والمحجوم )) ناقل ومتأخر ، فيتعين المصير إليه ، ولاسبيل إلى إثبات واحدة من هذه المقدمات الأربع ، فكيف بإثباتها كلها )) ينظر "زادالمعاد" ( 4/61-62) ..
توضيــح:
قال ابن حزم:صَحَّ حديث (( أفطر الحاجم والمحجوم )) بلا ريب ، لكن وجدنا من حديث أبي سعيد:((رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم))، وإسناده صحيح فوجب الأخذ به ، لأن الرخصة [ إنما تكون بعد العزيمة ]
قلت: لا يصح حديث أبي سعيد مرفوعاً، بل هو قول له لا أكثر، ودون كالبيان بإيجاز.
يروي هذا الحديث أبو المتوكل عن أبي سعيد الخدري ، واختلف عليه :
أولاً: فرواه خالد الحذاء واختلف عليه :
فرواه إسحاق بن يوسف الأزرق عن الثوري عن خالد الحذاء عن أبي المتوكل عن أبي سعيد:(أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الحجامة للصائم ) .
أخرجه النسائي في "الكبرى" (2/237) والترمذى في "العلل" الكبير (1/366 ط.الأقصى)، وابن خزيمة (3/231)، والبزار(1/477 "زوائده" )، والطبرانيفي "الأوسط"(8/10رقم 7797)، والدار قطني في "السنن" (2/182)، وفي "العلل" (11/346س:2330)، والبيهقي في "الكبرى" (4/439)
وخالفه عبيد الله الأشجعي فأوقفه :
فرواه الأشجعي عن الثوري عن خالد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال:((رخص للصائم في الحجامة والقبلة))، أخرجه ابن خزيمة (3/231)، والدارقطني في"السنن"(2/182) وفي "العلل"(11/346) والبيهقي في "الكبرى" (4/440رقم8270)
قلت: وهذا هو الصواب ودونك الإثبات: قال الترمذي في "علله الكبير"(1/367): ((سألت محمداً[ يعني البخاري ]عن هذا الحديث، فقال: حديث إسحاق الأزرق عن سفيان هوخطأ)) اهـ .
-وقال أبو حاتم وأبو زرعة الإمامان الرازيان : وَهِمَ إِسحاقُ في هذا الحديث "علل ابن أبي حاتم" (1/232) .
-قال الترمذي في "العلل الكبير":وحديث أبي المتوكل عن أبي سعيد موقوفاً أصح، هكذا رَوى قتادة وغيرُ واحد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قوله.
- وقال الطبراني في "الأوسط":لم يروه عن سفيان إلا إسحاق .
- وقال البزار:لا نعلم أحداً رفعه إلا إسحاق عن الثوري .
ثانياً: رواه حميد الطويل واختلف عليه .
فرواه المعتمر بن سليمان عن حميد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال: (( رخص النبي صلى الله عليه وسلم في القبلة للصائم ، ورخص في الحجامة ))
أخرجه النسائـي في "الكبرى"(2/236-237)، وابن خزيمة (3/230)وأعلَهُ ، والطبراني في "الأوسط" (3/138رقم 2725)، والبزار في مسنده (1/480"زوائده" )، والدار قطـني في "السنن" (2/182) والبيهــقي في "الكـبرى"4/439
وخالفه جماعة فأوقفوه :
1- إسماعيل بن علية ، عنه به ، ولفظه عن أبي المتوكل: ((أنه سأل أبا سعيد عن الصائم يحتجم ؟ فقال: لا بأس به)) ، أخرجه النسائـي في "الكبرى"(2/237) ، والترمذي في "العلل"(1/368) .
2- بشر بن المفضل عن حميـد بـه، ولفظه عن أبي المتوكل:(( أنه سأل أبا سعيد عن الحجامة للصائم ؟ فقال:لا بأس به ،وعن القبلة للصائم فقال لا بأس به)) ، أخرجه النسائي في "الكبرى" (2/237) .
3- محمد بن أبي عدي عن حميـد به ، ولفظــه عـن أبي المتوكل : ((أنه سأل أبا سعيد عن الصائم يحتجم فقال : لا بأس به)) ، أخرجه النسائى في "الكبرى" (2/237) .
4- أبو بحر البكراوي (ضعيف) عن حميد به، ومتنه عـن أبي سعيد أنه قال في الحجامة : ((إنما كانوا يكرهون ( أو قال: يخافون) الضعف)) ، أخرجه ابن خزيمة (3/232) .
5- حماد بن سلمة عن حميد به ، ولفظه عن أبي سعيد : ((أنه كان لا يـرى بالحجامة للصائم بأساً)) ، أخرجـــه ابــن خزيمــة(3/235) .
6- عبد الله بن المبارك، ذكره الدار قطــني في "العلل" (11/347) .
7- إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري (ثقة) ، ذكره الدارقطني في"العلل" (11/347) .
وهذا هو الصواب بلا ريب ، كما قال محقق كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الإسلام، الطالب زائد النشيري ، وجُلّ ما ذكرته في تخريج حديث أبي سعيد استفدته منه ، وأنا لا أعرفه حتى أزكيه ، ولكن عمله في الكتاب يدل على درايته بعلم الحديث والله أعلم .
فرواية معمر عن حميد خطأ، ووهم معمر في رفعه ، وسبحان من لايسهى ولا ينسى ، ودونك البرهان من كلام أهل الصنعة :
1- كلام أبي حاتم وأبي زرعة الرّازيين .
قال ابن أبي حاتم : ((سألت أبي عن حديث رواه معمر عن حميد ... (فذكره مرفوعاً) ، فقالا [يعني أبو زرعة وأبو حاتم] : هذا خطأ، إنما هو عن أبي سعيد قوله ؛رواه قتادة وجماعة من الحفاظ ، عن حميد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قوله))اهـ.
2- كلام ابن خزيمة .
قال الإمام ابن خزيمة : ((هذا خطأ ((والحجامة للصائم)) إنما هومن قول أبي سعيد الخدري ، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أُدّرِج في الخبر، لعل المعتمر حدَّث بهذا حفظاً، فأدرج هذه الكلمة في خبر النبي صلى الله عليه وسلم ، أوقال: قال أبو سعيد : ورخص في الحجامة للصائم فلم يضبط عنه (قال أبو سعيد) ، فأدرج هذاالقول في الخبر)) اهـ.
3-قول الإمام الترمذي.
قال الترمذي : (( وحديث أبي المتوكل عن أبي سعيد موقوفـاً أصح ، هكذا رَوَى قتادة ، وغير واحد عن أبي سعيد قوله )) .
4- وقال البزار: ((لا نعلم بهذا الإسناد إلا عن معتمر))
لكن خالف هؤلاء الأئمة الدارقطني فقال في "العلل" : ((والذين رفعوه ثقات ، وقد زادوا، وزيادة الثقة مقبوله والله أعلم )) .
والذي يظهر من تخريج الحديث وقول الأئمة السابقين ،وما يأتي ذكره أن الموقوف هو المحفوظ :-
1- فقد رواه شعبة عن قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال : ((إنما كرهت الحجامة للصائم مخافة الضعف)) ، أخرجه النسائي في "الكبرى" (2/238) ،وابن خزيمة (3/232) ، والطحاوي في " شرح المعاني "(2/100) .
2-ورواه محمد بن عبد الله الأنصارى ، عن أبي المتوكـل عـن أبي سعيد قال: (( لا بأس بالحجامة للصائم )) ، أخرجه ابن خزيمة (3/235) .
3-ورواه الضحاك بن عثمان عن أبي المتوكل عن أبي سعيد أنه قال في الحجامة : ((إنما كانوا يكرهون (قال :أو قال: يخافون (( الضعـف)). أخرجه ابن خزيمة (3/232) .
4- ورواه سليمان بن الأسود الناجي ، عن أبي المتوكل : ((أن أبا سعيد ...)) ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،أخرجه ابن خزيمة (3/235) ، وانظر ما قاله العلامة الألباني في حاشيته على صحيح بن خزيمة .
تنبيه هام :
ذكر بعض الأفاضل أن رواية الأشجعي عن الثوري عن خالد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال: ((رخص في الحجامة والقبلة)) مع وقفها لفظاً على أبي سعيد؛ إلا أنها لها حكم الرفع، لأنها مثل قول الصحابي : أمرنا بكذا، ونهانا عن كذا.
أقول كما قال المحققون: في هذا نظـر لا يخفـى، ودونك البيان :
1- لعله سقط من المتن لفظه (أنّه) والسياق التام هو عن أبي سعيد ((أنه رخص للصائم في الحجامة والقبلة)) ، والذي ذُكِر يدل عليه ما يلي:
الأول : ما قاله الدار قطني في "العلل" فإنه لما ذكر رواية إسحاق الأزرق عن الثوري مرفوعاً قال: ((ورواه الأشجعي عن الثوري فنحا به نحو الرفع ، وغيرهما يرويه عن الثوري موقوفاً)) .
الثاني: أن عبد الله بن المبارك بَيّن ذلك في روايته عن خالد الحذاء فرواه عن خالد الحذاء عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد : ((أنّه كان لا يرى بالحجامة للصائم بأساً)) ، أخرجه النسائي في"الكبرى"(2/237) ، وابن خزيمة (3/235) .
الثالث: أن الأثر أصله فتوى لأبي سعيدالخدري ، شبيهة بفتوى أنس ، كما رواه الثقات عن حميد الطويل عن أبي المتوكل أنه سأل أبا سعيد : عن الحجامة للصائم ؟ فقال : ((لا بأس به)) ، والأثر مخرجه واحد ، وبعض الرواة رواه بالمعنى.
الرابع : ما قاله ابن خزيمة (3/232) : أنه غير جائز أن يروي أبوسعيد : ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الحجامة للصائم )) ويقول هو : كانوايكرهون ذلك مخافة الضعف ؛ إذ ما قد أباحه صلى الله عليه وسلم إباحة مُطلقا لااستثناء ولا شرطية ؛ فمباح لجميع الخلق ، غير جائز أن يقال : أباح النبي صلى الله عليهوسلم الحجامة للصائم ، وهو مكروه مخافة الضعف ، ولم يستثنِ النبي صلى الله عليه وسلم في إباحتها من يأمن الضعف دون من يخافه ، فإن صح عن أبي سعيد (( أن النبي صلى اللهعليه وسلم رخص في الحجامة للصائم)) ، كان مُؤدى هذا القول أن أبا سعيد كره للصائم مارخص النّبي صلى الله عليه وسلم له فيها، وغير جائز أن يتأول هذا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أن يروا عن النبي صلى الله عليه وسلم رخصة في الشيء ويكرهونه .
وكتبه
أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري