أم جابر السلفية
10-10-2009, 06:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيــــــم
تفسيـر آية الـكـرســـي للعلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قوله تعالى (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) هذه الآية أعظم آية في كتاب الله كما سأل النبي _ صلى الله عليه وسلم _ أبي كعب وقال : أي آية أعظم في كتاب الله ؟ قال: آية الكرسي فضرب على صدره وقال: ليهنك العلم يا أبا منذر
ولهذا من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح.
يقول الله –عز و جل- (الله) ولله علم خاص بالذات العليّة لا تطلق على غيره لا في الجاهلية ولا في الإسلام فالله هو رب العالمين وهو هنا محط الخبر.
قوله تعالى:( لا إله إلا هو) إله بمعنى مألوه والمألوه بمعنى المعبود حباً و تعظيماً والآلهة المعبودة في الأرض هي في السماء كالملائكة كلها لا تستحق العبادة الذي يستحق العبادة هو الله رب العالمين و(إله) اسم (لا) و (لا) هنا نافية للجنس فـ (لا إله) نفي عام محض شامل لجميع أفراده وقوله( إلا هو) بدل من خبر (لا) المحذوف لأن التقدير (لا إله حق إلا هو) .
وقوله(الحي القيوم) هذان اسمان من أسمائه وهما جامعان لكمال الأوصاف والأفعال فكمال الأوصاف في (الحي) والأفعال في(القيوم) لأن معنى الحي ذو الحياة الكاملة ويدل على ذلك (أل) المفيدة للاستغراق وكمال الحياة من حيث الوجود و العدم ومن حيث الكمال والنقص فإذا نظرنا إلى حياة الإنسان وجدناها ناقصة، ولهذا قال بعض السلف: ينبغي للإنسان أن يصل لأن هذا هو
وجه الكمال ليس وجه الكمال أن تفنى الخليقة فقط بل وجه الكمال لله أن تفنى الخليقة ويبقى الله –عز وجل- ، وقوله (القيوم) أصل القيوم من القيام وهي صيغة مبالغة ومعنى القيوم القائم بنفسه والقائم على غيره.
وقوله (لا تأخذه سنة ولا نوم) لم يقل لا ينام بل قال (لا تأخذه) حتى يشمل الأخذ بالغلبة والأخذ بالاختيار لأن النوم صفة نقص فهو نقص من حيث الكمال الذاتي ونقص من حيث الكمال المتعلق بالغير، والنوم نقص من حيث الكمال الذاتي لأن الإنسان الذي ينام معناه أن بدنه يتعب فيحتاج إلى نوم يستريح به مما مضى ويستجد به النشاط لم يستقبل ولهذا فإن أهل الجنة لا ينامون لكمال حياتهم وأبدانهم ولا يلحقهم مرض ولا نحوه، وكان النبي –صلى الله عليه وسلم
يقول عند المنام : ((إن أمسكت نفسي فاغفر لها و ارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ عبادك الصالحين ))، فالحاصل أن الله -سبحانه و تعالى- لا يمكن أن ينام قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ))
وكلمة لا ينبغي في القرآن والسنة معناه الشيء الممتنع غاية الامتناع، وقوله ( لا تأخذه سنة ولا نوم) من الصفات السلبية والقاعدة في أسماء الله وصفاته أنه لا يوجد في صفات الله صفة سلبية محضة بل إنما تذكر لكمال ضدها فلكمال حياته وكمال قيوميته لا تأخذه سنة ولا نوم.
ثم قال الله –سبحانه وتعالى – في الجملة الثالثة (له ما في السماوات وما في الأرض) وعبر بـ (ما) ليشمل الأعيان و الأحوال إذاً له ما في السماوات خلقاً و ملكاً وتدبيراً وإذا كان له ما في السماوات وما في الأرض فالواجب أن نخضع له لأننا عبيده و العبد يجب أن يخضع لمالكه وسيده سبحانه وتعالى ، وكذلك يجب أن
نصبر لقضائه لأننا ملكه وما كان ملكاً لله –عز و جل – فله أن يتصرف فيه كما يشاء ، وقوله ( له ما في السماوات وما في الأرض ) السماوات جمعت والأرض أفردت لكنها بمعنى الجمع لأن المراد بها الجنس .
ثم قال في الجملة الرابعة: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) (من) اسم استفهام مبتدأ و(ذا) ملغاة و (الذي) اسم موصول خبر والمراد بالاستفهام هنا النفي بدليل الإثبات بعده حيث قال (إلا بإذنه) ومتى جاء النفي بصيغة الاستفهام فهو مشرب معنى التحدي، وقوله (يشفع) الشفاعة في اللغة: جعل الفرد شفعاً وفي الاصطلاح
: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة، فشفاعة النبي –صلى الله عليه وسلم- في أهل الموقف بعدما يلحقهم من الهم و الغم مالا يطيقون لدفع مضرة وشفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة لجلب منفعة، (إلا بإذنه) الكوني حتى أعظم الناس عند الله محمد –صلى الله عليه وسلم- لا يشفع إلا بإذن الله ولا أحد أعظم عند الله من الرسول –صلى الله عليه وسلم- ومع هذا لا يشفع إلا بإذن الله لكمال سلطانه –جل و علا- ولكمال هيبته، وتجد الملك إذا كان ذا هيبة في رعيته لا أحد يستطيع أن يتكلم في مجلسه وهو حاضر لقوة سلطانه، و على هذا فشرط الشفاعة ثلاثة: إذن الله –تعالى- بها ورضاه عن الشافع و رضاه عن المشفوع له
ثم قال عز و جل في الجملة السادسة (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) والعلم عند الأصوليين إدراك الشيء إدراكاً جازماً مطابقاً، فعدم الإدراك جهل والإدراك على وجه لا جزم فيه شك والإدراك على وجه جازم غير مطابق جهل مركب،و الله –عز وجل- يعلم الأشياء علماً تاماً شاملاً بها جملة وتفصيلاً، وعلمه ليس كعلم العباد ولذلك قال (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) ما بين أيديهم المستقبل
وما خلفهم الماضي و(ما) من صيغ العموم فهي شاملة لكل شيء سواء كان دقيقاً أو جليلاً وسواء كان من أفعال الله أو أفعال العباد وعلمه ما بين أيديهم يقتضي أنه لا يجهل الماضي وعلمه لما خلفهم يقتضي أنه لا ينسى الماضي.
قال تعالى في الجملة السابعة (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) بين كمال علمه ونقص علمهم وهكذا يقرن بين صفته وبين صفة العباد ليتبين كماله ونقص المخلوق، وعِلم في قوله (عِلمِهِ) مصدر يحتمل أنه على بابه ويحتمل أنه معلوم يعني أنهم لا يحيطون بشيء يعلمونه في نفس الله أو في صفاته إلا بما شاء، فنحن لا نعلم شيئاً من ذات الله أو صفاته إلا بما شاء علمنا فهو الذي أعلمنا أنه استوى على العرش وهو الذي أعلمنا على لسان رسوله أنه ينزل إلى السماء الدنيا، وقوله (بما شاء) (ما) يحتمل أن تكون مصدرية أي إلا بمشيئته ويحتمل أن تكون موصولة أي إلا بالذي شاء فما شاء أن يعلمه الخلق أعلمهم إياه سواء كان ذلك فيما يتعلق بذاته أو صفاته أو أسمائه أو أفعاله أو مخلوقاته التي هي المفعولات أو مشروعاته التي أوحاها الله تعالى إلى رسله.
ثم قال تعالى (وسع كرسيه السماوات و الأرض) وسع بمعنى شمل وأحاط والكرسي: هو موضع قدمي الله –عز و جل- وهو بين يدي العرش كالمقدمة له وقد صح ذلك عن ابن عباس، وبهذا جزم شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم وغيرهما من أهل العلم وأئمة التحقيق، وقد قيل: إن الكرسي هو العرش ولكن ليس بصحيح فإن العرش أوسع وأعظم وأبلغ إحاطة من الكرسي، وقد جاء الحديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( ما السماوات السبع والأرضون بالنسبة للكرسي إلا كحلقة في فلاة من الأرض وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة، وقوله ( السماوات والأرض) هذا يؤيد ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيميه وغيره من المحققين من أن السماوات و الأرض كلها كروية الشكل وليست ممدودة لأنها تمد يوم القيامة، وإذا كان الكرسي قد وسع السماوات والأرض فهو دليل أنه مكور، أما العرش فقد جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أن عرشه على سماواته مثل القبة والقبة غير مكورة لكنها غير مسطحة أيضاً،ثم قال تعالى (ولا يؤده حفظهما) يؤده أي يثقله ويشق عليه (حفظهما) أي حفظ السماوات و الأرض وهذه الصفة سلبية، وما الذي يتطلبه الحفظ حتى نعرف أن هذا النفي لكمال ذلك الشيء؟ فالواجب أن يتطلب الحياة والعلم والقدرة والقوة والرحمة ويمكن صفات أخرى،فالمهم أن هذا النفي يتضمن كمال الله وقدرته وقوته ورحمته.
ثم قال الله تعالى (وهو العلي العظيم)العلي أي العلو المطلق وأما العلو المقيد فإنه يثبت للآدميين، ثم إن علو الله سبحانه وتعالى عند أهل السنة و الجماعة ينقسم إلى علو ذات وعلو صفة،فأما علو الذات: فهو أن عال بذاته فوق كل شيء وكل الأشياء تحته والله عز جل فقها بذاته، فأما عل الصفة:فهو أن الله متصف بالصفات العليا فكل صف اتصف الله بها فهي صف كمال ليس فيها نقص بوجه من الوجوه،و قوله ( العظيم) أي ذو العظمة و العظيم من كل شيء هو الجليل البالغ في الصفات كمالها فالعظيم من كل شيء هو الشيء الذي يكون بالغ الأهمية و بالغ الصفات.
الفوائد:
1. إثبات خمسة أسماء أو ستة لأني المؤلف في شك من أجعل (إله) من الأسماء لأنه نكرة هنا ، وكل اسم منها دال على صفه .
2. إثبات انفراد الله تعالى بالألوهية في قوله (لا إله إلا هو).
3. الرد على المشركين الذين أثبتوا مع الله إلهاً آخر بل آلهة.
4. إثبات صفة الحياة لله –عز وجل- وأنها حياة كاملة لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال ولا توصف بنقص.
أما حياتنا فمسبوقة بعدم ملحوقة بزوال ، ولهذا وصفها الله بأنها الدنيا ، لكن حياة الله كاملة من كل الوجوه لقوله : ( الحيّ ) لأن ( أل ) للإستغراق أي : الجامع لمعاني صفات الحياة الكاملة كأنه يقول : لا حي إلا هو وهو كذلك لا حي حياة كاملة إلا الله عز وجل .
5. إثبات القيومية لله –عز و جل- لقوله ( القيوم ) وهذا الوصف لا يكون للآدمي ، فليس هناك انسان قائم بنفسه ، وليس فيه انسان قائم على غيره لأنه ما من انسان إلا وهو محتاج إلى غيره ، نحن محتاجون إلى العمال والعمال محتاجون إلينا ، ونحن محتاجون إلى النساء و النساء محتاجه إلينا ، ونحن محتاجون إلى الاولاد و الأولاد محتاجة إلينا ، وليس فيه أحد قائم على غيره القيام المطلق / قد أقوم على غيري لكنه قيام محدود ولهذا قال الله تعالى : ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) .
6. تضمنها لاسم الله الأعظم الثابت في قوله (الحي القيوم) وقد ذكر هذان الاسمان في ثلاثة مواضع من القرآن في الزهراوين (البقرة و آل عمران) و في سورة طه.
7. كمال حياة الله و كمال قيوميته بحيث لا يعتريها أدنى نقص لقوله (لا تأخذه سنة ولا نوم)، لأن الكمال قد يطلق بإعتبار الأغلب الأكثر و إن كان عليه النقص من بعض الوجوه ، لكن إذا نفى النقص فمعناه أن الكمال كمال مطلق لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه ، وهنا النفي حصل بقوله ( لا تأخذه سنة ولا نوم )
8. إثبات الصفات السلبية لقوله (لا تأخذه سنة ولا نوم) وقوله (ولا يؤده حفظهما)والصفات السلبية ما نفاه الله عن نفسه وهي متضمنة لثبوت كمال ضده.
9. عموم ملك الله لقوله (له ما في السماوات وما في الأرض).
10. اختصاص الله تعالى بهذا الملك ويؤخذ من تقديم الخبر(له ما في السماوات) .
11. اثبات السماوات والأرض لقوله : ( له ما في السماوات ) و أن السماوات عدد و أما كونها سبعاً أو أقل أو أكثر فمن دليل آخر .
12. كمال سلطان الله لقوله (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) ، وهذا غير عموم الملك فقوة السلطان وتمامه أكمل من عموم الملك .
13. إثبات الشفاعة بإذن الله تعالى لقوله (إلا بإذنه) و إلا لما صح الإستثناء ، فلولا أن الشفاعة ثابتة بإذن الله ما صح الإستثناء .
14. اثبات الإذن وهو الأمر لقوله ( إلا بإذنه ) .
15. إثبات علم الله وأنه عام في الماضي و الحاضر والمستقبل لقوله (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم).
16. الرد على القدرية الغلاة لقوله تعالى : (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) فإثبات عموم العلم يرد عليهم ، لأن القدرية الغلاة أنكروا علم الله بأفعال خلقه إلا إذا وقعت .
17. الرد على الخوارج و المعتزلة في اثبات الشفاعة لأن الخوراج و المعتزلة ينكرون الشفاعة العامة التي تكون للرسول و لغيره ، وهي الشفاعة في أهل المعاصي لأن مذهبهم أن فاعل الكبيرة مخلد في النار إذا مات و لم يتب لكن اختلفوا هل هو كافر أو لا مؤمن ولا كافر ؟.
الخوارج صار عندهم من الشجاعة على الحق لا بالحق أن قالوا : إن فاعل الكبيرة كافر خارج من الاسلام ، و المعتزلة جبنوا عن مخالفة أهل السنة ووعن مخالفة الخوارج وقالوا : سنجلس في أثناء الطريق فنقول : إن فاعل الكبيرة في منزلة بين المنزلتين لا نقول مؤمن ولا نقول كافر ، لكن اتفقوا على أنه مخلد في النار ، ولهذا نفوا الشفاعة ، وعموم الآية يرد على الطائفتين : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) .
18. إن الله لا يحاط به علماً كما لا يحاط به سمعاً ولا بصراً لقوله (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء).
19. إننا لا نعلم شيئاً عن مخلوقاته ولا عن ذاته إلا بما علمنا به لقوله : ( و لا يحيطون بشيء من علمه ) على أحد الوجهين في تفسيرها .
20. تحريم تكييف صفات الله لأن الله ما أعلمنا بكيفية صفاته ، فإذا إدعينا علمها فنحن كاذبون .
21. الرد على المعطلة لقوله (و لا يحيطون بشيء من علمه ) لأنهم يقولون : مثلاً إن الله ليس له يد حقيقية فمقتضى ذلك أنهم أحاطوا بنفي شيء من صفاته ، ولكنهم كذبوا في ذلك ، لأن الله أثبت هذا لنفسه ، فادعائهم أن اليد الحقيقية لا تليق بالله أو الوجه الحقيقي أو العين أو ما أشبه ذلك هذه دعوى باطلة لأننا نقول : إن العلم نوعان : علم إثبات و نفي ، فلا يمكن أن تنفي شيئاً عن شيء إلا بعلم كما لا يمكن أن تثبت شيئاً لشيء إلا بعلم فأنتم إذاً نفيتم حقائق هذه الصفات فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، فمثلاً لم ينفي الله عن نفسه اليد و لا في آية من القرآن ، ولم ينفه رسوله صلى الله عليه وسلم في حديث من الأحاديث ، ولم ينفها السلف الصالح ، وهم يقولون ننفيها .
22. الرد على الممثلة لأنه مادام في الآية رد على المكيفة ففيها رد على الممثلة من باب أولى .
23. إثبات مشيئة الله لقوله (إلا بما شاء).
24. الرد على القدرية المعتزلة ، لأن إحاطة الإنسان بالشيء من صفاته ، وصفاته مخلوقة لله ، وهم يقولون : إن الله تعالى لا يشاء شيئاً مما يتعلق بالإنسان .
25. عظم الكرسي لقوله (وسع كرسيه السماوات والأرض).
26. عظمة خالقه لأن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق.
27. كفر من أنكر السماوات والأرض لأنه يستلزم تكذيب الله ، أما الأرض فلا أظن أحداً ينكرها ، لكن السماء أنكرها من أنكرها وقالوا : ما فوقنا فضاء لا نهاية له و لا حدود ، و إنما سدوم ونجوم وما أشبه ذلك .
و لاشك أنه كافر بالله العظيم ، سواء إعتقده الإنسان بنفسه أو بتقليد من يقلده ممن يعظمهم إذا كان عالماً بما دل عليه الكتاب و السنه .
28. إثبات قوة الله لقوله (ولا يؤده حفظهما).
29. انتفاء المشقة عنه –عز و جل- لقوله (ولا يؤده) ، فهذه صفة سلبية فهي كقوله تعالى : ( وما مسنا من لغوب ) .
30. إثبات ما تتضمنه هذه الجملة ( ولا يؤده حفظهما ) وهي العلم و القدرة والحياة و الرحمة و الحكمة و القوة .
31. أن السماوات و الأرض تحتاج إلى حافظ لقوله : (ولا يؤده حفظهما ) فلولا حفظ الله لفسدتا : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ).
وقوله ( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ) .
وقوله : ( إن الله يمسك السماوات و الأرض أن تزولا ، و لئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده )
32. إثبات علو الله الذاتي و الصفتي لقوله (وهو العلي).
33. الرد على الحلولية و على المعطلة النفات ، فالحلولية قالوا : إنه ليس بعال بل هو في كل مكان ، و المعطلة النفاة ، قالو: لا يوصف بعلو و لا سفل و لا يمين ولا شمال ولا إتصال و لا انفصال
34. التحذير من الطغيان على الغير لقوله : ( وهو العلي العظيم ) ولهذا قال الله في سورة النساء : ( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان علياً كبيراً ) فإذا كنت متعالياً في نفسك فاذكر علو الله عز وجل و إذا كنت عظيماً في نفسك فاذكر عظمة الله .
35. إثبات العظمة لله لقوله (العظيم).
36. إثبات صفة كمال حصلت باجتماع الوصفين وهما العلو و العظمة .
37. يتفرع على أن الملك لله : ألا نتصرف في ملكه إلا بما يرضاه لقوله : ( له ما في السماوات و وما في الأرض ) .
38. أن الحكم الشرعي بين الناس و الفصل بينهم يجب أن يكون مستنداً على حكم الله ، و أن اعتماد الإنسان على حكم المخلوقين و القوانين الوضعية نوع من الإشراك بالله عز وجل .
39. الرضا بقضاء الله عز وجل وقدره لأنك إذا علمت أن الملك لله – عز وجل – قلت: هذا تصرف مالك في ملكه فله أن يفعل ما يشاء ( لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ) ولخذا كان هذا المعنى في تعزية النبي لابنته حيث قال : ( إن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى )
40. عدم إجاب الإنسان بما حصل بفعله لأن هذا من الله و الملك له سبحانه
و الله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
رسالة في تفسير آيةالكرسي للعلامة العثيمين رحمه الله تعالى
تفسيـر آية الـكـرســـي للعلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قوله تعالى (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) هذه الآية أعظم آية في كتاب الله كما سأل النبي _ صلى الله عليه وسلم _ أبي كعب وقال : أي آية أعظم في كتاب الله ؟ قال: آية الكرسي فضرب على صدره وقال: ليهنك العلم يا أبا منذر
ولهذا من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح.
يقول الله –عز و جل- (الله) ولله علم خاص بالذات العليّة لا تطلق على غيره لا في الجاهلية ولا في الإسلام فالله هو رب العالمين وهو هنا محط الخبر.
قوله تعالى:( لا إله إلا هو) إله بمعنى مألوه والمألوه بمعنى المعبود حباً و تعظيماً والآلهة المعبودة في الأرض هي في السماء كالملائكة كلها لا تستحق العبادة الذي يستحق العبادة هو الله رب العالمين و(إله) اسم (لا) و (لا) هنا نافية للجنس فـ (لا إله) نفي عام محض شامل لجميع أفراده وقوله( إلا هو) بدل من خبر (لا) المحذوف لأن التقدير (لا إله حق إلا هو) .
وقوله(الحي القيوم) هذان اسمان من أسمائه وهما جامعان لكمال الأوصاف والأفعال فكمال الأوصاف في (الحي) والأفعال في(القيوم) لأن معنى الحي ذو الحياة الكاملة ويدل على ذلك (أل) المفيدة للاستغراق وكمال الحياة من حيث الوجود و العدم ومن حيث الكمال والنقص فإذا نظرنا إلى حياة الإنسان وجدناها ناقصة، ولهذا قال بعض السلف: ينبغي للإنسان أن يصل لأن هذا هو
وجه الكمال ليس وجه الكمال أن تفنى الخليقة فقط بل وجه الكمال لله أن تفنى الخليقة ويبقى الله –عز وجل- ، وقوله (القيوم) أصل القيوم من القيام وهي صيغة مبالغة ومعنى القيوم القائم بنفسه والقائم على غيره.
وقوله (لا تأخذه سنة ولا نوم) لم يقل لا ينام بل قال (لا تأخذه) حتى يشمل الأخذ بالغلبة والأخذ بالاختيار لأن النوم صفة نقص فهو نقص من حيث الكمال الذاتي ونقص من حيث الكمال المتعلق بالغير، والنوم نقص من حيث الكمال الذاتي لأن الإنسان الذي ينام معناه أن بدنه يتعب فيحتاج إلى نوم يستريح به مما مضى ويستجد به النشاط لم يستقبل ولهذا فإن أهل الجنة لا ينامون لكمال حياتهم وأبدانهم ولا يلحقهم مرض ولا نحوه، وكان النبي –صلى الله عليه وسلم
يقول عند المنام : ((إن أمسكت نفسي فاغفر لها و ارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ عبادك الصالحين ))، فالحاصل أن الله -سبحانه و تعالى- لا يمكن أن ينام قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ))
وكلمة لا ينبغي في القرآن والسنة معناه الشيء الممتنع غاية الامتناع، وقوله ( لا تأخذه سنة ولا نوم) من الصفات السلبية والقاعدة في أسماء الله وصفاته أنه لا يوجد في صفات الله صفة سلبية محضة بل إنما تذكر لكمال ضدها فلكمال حياته وكمال قيوميته لا تأخذه سنة ولا نوم.
ثم قال الله –سبحانه وتعالى – في الجملة الثالثة (له ما في السماوات وما في الأرض) وعبر بـ (ما) ليشمل الأعيان و الأحوال إذاً له ما في السماوات خلقاً و ملكاً وتدبيراً وإذا كان له ما في السماوات وما في الأرض فالواجب أن نخضع له لأننا عبيده و العبد يجب أن يخضع لمالكه وسيده سبحانه وتعالى ، وكذلك يجب أن
نصبر لقضائه لأننا ملكه وما كان ملكاً لله –عز و جل – فله أن يتصرف فيه كما يشاء ، وقوله ( له ما في السماوات وما في الأرض ) السماوات جمعت والأرض أفردت لكنها بمعنى الجمع لأن المراد بها الجنس .
ثم قال في الجملة الرابعة: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) (من) اسم استفهام مبتدأ و(ذا) ملغاة و (الذي) اسم موصول خبر والمراد بالاستفهام هنا النفي بدليل الإثبات بعده حيث قال (إلا بإذنه) ومتى جاء النفي بصيغة الاستفهام فهو مشرب معنى التحدي، وقوله (يشفع) الشفاعة في اللغة: جعل الفرد شفعاً وفي الاصطلاح
: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة، فشفاعة النبي –صلى الله عليه وسلم- في أهل الموقف بعدما يلحقهم من الهم و الغم مالا يطيقون لدفع مضرة وشفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة لجلب منفعة، (إلا بإذنه) الكوني حتى أعظم الناس عند الله محمد –صلى الله عليه وسلم- لا يشفع إلا بإذن الله ولا أحد أعظم عند الله من الرسول –صلى الله عليه وسلم- ومع هذا لا يشفع إلا بإذن الله لكمال سلطانه –جل و علا- ولكمال هيبته، وتجد الملك إذا كان ذا هيبة في رعيته لا أحد يستطيع أن يتكلم في مجلسه وهو حاضر لقوة سلطانه، و على هذا فشرط الشفاعة ثلاثة: إذن الله –تعالى- بها ورضاه عن الشافع و رضاه عن المشفوع له
ثم قال عز و جل في الجملة السادسة (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) والعلم عند الأصوليين إدراك الشيء إدراكاً جازماً مطابقاً، فعدم الإدراك جهل والإدراك على وجه لا جزم فيه شك والإدراك على وجه جازم غير مطابق جهل مركب،و الله –عز وجل- يعلم الأشياء علماً تاماً شاملاً بها جملة وتفصيلاً، وعلمه ليس كعلم العباد ولذلك قال (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) ما بين أيديهم المستقبل
وما خلفهم الماضي و(ما) من صيغ العموم فهي شاملة لكل شيء سواء كان دقيقاً أو جليلاً وسواء كان من أفعال الله أو أفعال العباد وعلمه ما بين أيديهم يقتضي أنه لا يجهل الماضي وعلمه لما خلفهم يقتضي أنه لا ينسى الماضي.
قال تعالى في الجملة السابعة (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) بين كمال علمه ونقص علمهم وهكذا يقرن بين صفته وبين صفة العباد ليتبين كماله ونقص المخلوق، وعِلم في قوله (عِلمِهِ) مصدر يحتمل أنه على بابه ويحتمل أنه معلوم يعني أنهم لا يحيطون بشيء يعلمونه في نفس الله أو في صفاته إلا بما شاء، فنحن لا نعلم شيئاً من ذات الله أو صفاته إلا بما شاء علمنا فهو الذي أعلمنا أنه استوى على العرش وهو الذي أعلمنا على لسان رسوله أنه ينزل إلى السماء الدنيا، وقوله (بما شاء) (ما) يحتمل أن تكون مصدرية أي إلا بمشيئته ويحتمل أن تكون موصولة أي إلا بالذي شاء فما شاء أن يعلمه الخلق أعلمهم إياه سواء كان ذلك فيما يتعلق بذاته أو صفاته أو أسمائه أو أفعاله أو مخلوقاته التي هي المفعولات أو مشروعاته التي أوحاها الله تعالى إلى رسله.
ثم قال تعالى (وسع كرسيه السماوات و الأرض) وسع بمعنى شمل وأحاط والكرسي: هو موضع قدمي الله –عز و جل- وهو بين يدي العرش كالمقدمة له وقد صح ذلك عن ابن عباس، وبهذا جزم شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم وغيرهما من أهل العلم وأئمة التحقيق، وقد قيل: إن الكرسي هو العرش ولكن ليس بصحيح فإن العرش أوسع وأعظم وأبلغ إحاطة من الكرسي، وقد جاء الحديث عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( ما السماوات السبع والأرضون بالنسبة للكرسي إلا كحلقة في فلاة من الأرض وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة، وقوله ( السماوات والأرض) هذا يؤيد ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيميه وغيره من المحققين من أن السماوات و الأرض كلها كروية الشكل وليست ممدودة لأنها تمد يوم القيامة، وإذا كان الكرسي قد وسع السماوات والأرض فهو دليل أنه مكور، أما العرش فقد جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أن عرشه على سماواته مثل القبة والقبة غير مكورة لكنها غير مسطحة أيضاً،ثم قال تعالى (ولا يؤده حفظهما) يؤده أي يثقله ويشق عليه (حفظهما) أي حفظ السماوات و الأرض وهذه الصفة سلبية، وما الذي يتطلبه الحفظ حتى نعرف أن هذا النفي لكمال ذلك الشيء؟ فالواجب أن يتطلب الحياة والعلم والقدرة والقوة والرحمة ويمكن صفات أخرى،فالمهم أن هذا النفي يتضمن كمال الله وقدرته وقوته ورحمته.
ثم قال الله تعالى (وهو العلي العظيم)العلي أي العلو المطلق وأما العلو المقيد فإنه يثبت للآدميين، ثم إن علو الله سبحانه وتعالى عند أهل السنة و الجماعة ينقسم إلى علو ذات وعلو صفة،فأما علو الذات: فهو أن عال بذاته فوق كل شيء وكل الأشياء تحته والله عز جل فقها بذاته، فأما عل الصفة:فهو أن الله متصف بالصفات العليا فكل صف اتصف الله بها فهي صف كمال ليس فيها نقص بوجه من الوجوه،و قوله ( العظيم) أي ذو العظمة و العظيم من كل شيء هو الجليل البالغ في الصفات كمالها فالعظيم من كل شيء هو الشيء الذي يكون بالغ الأهمية و بالغ الصفات.
الفوائد:
1. إثبات خمسة أسماء أو ستة لأني المؤلف في شك من أجعل (إله) من الأسماء لأنه نكرة هنا ، وكل اسم منها دال على صفه .
2. إثبات انفراد الله تعالى بالألوهية في قوله (لا إله إلا هو).
3. الرد على المشركين الذين أثبتوا مع الله إلهاً آخر بل آلهة.
4. إثبات صفة الحياة لله –عز وجل- وأنها حياة كاملة لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال ولا توصف بنقص.
أما حياتنا فمسبوقة بعدم ملحوقة بزوال ، ولهذا وصفها الله بأنها الدنيا ، لكن حياة الله كاملة من كل الوجوه لقوله : ( الحيّ ) لأن ( أل ) للإستغراق أي : الجامع لمعاني صفات الحياة الكاملة كأنه يقول : لا حي إلا هو وهو كذلك لا حي حياة كاملة إلا الله عز وجل .
5. إثبات القيومية لله –عز و جل- لقوله ( القيوم ) وهذا الوصف لا يكون للآدمي ، فليس هناك انسان قائم بنفسه ، وليس فيه انسان قائم على غيره لأنه ما من انسان إلا وهو محتاج إلى غيره ، نحن محتاجون إلى العمال والعمال محتاجون إلينا ، ونحن محتاجون إلى النساء و النساء محتاجه إلينا ، ونحن محتاجون إلى الاولاد و الأولاد محتاجة إلينا ، وليس فيه أحد قائم على غيره القيام المطلق / قد أقوم على غيري لكنه قيام محدود ولهذا قال الله تعالى : ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) .
6. تضمنها لاسم الله الأعظم الثابت في قوله (الحي القيوم) وقد ذكر هذان الاسمان في ثلاثة مواضع من القرآن في الزهراوين (البقرة و آل عمران) و في سورة طه.
7. كمال حياة الله و كمال قيوميته بحيث لا يعتريها أدنى نقص لقوله (لا تأخذه سنة ولا نوم)، لأن الكمال قد يطلق بإعتبار الأغلب الأكثر و إن كان عليه النقص من بعض الوجوه ، لكن إذا نفى النقص فمعناه أن الكمال كمال مطلق لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه ، وهنا النفي حصل بقوله ( لا تأخذه سنة ولا نوم )
8. إثبات الصفات السلبية لقوله (لا تأخذه سنة ولا نوم) وقوله (ولا يؤده حفظهما)والصفات السلبية ما نفاه الله عن نفسه وهي متضمنة لثبوت كمال ضده.
9. عموم ملك الله لقوله (له ما في السماوات وما في الأرض).
10. اختصاص الله تعالى بهذا الملك ويؤخذ من تقديم الخبر(له ما في السماوات) .
11. اثبات السماوات والأرض لقوله : ( له ما في السماوات ) و أن السماوات عدد و أما كونها سبعاً أو أقل أو أكثر فمن دليل آخر .
12. كمال سلطان الله لقوله (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) ، وهذا غير عموم الملك فقوة السلطان وتمامه أكمل من عموم الملك .
13. إثبات الشفاعة بإذن الله تعالى لقوله (إلا بإذنه) و إلا لما صح الإستثناء ، فلولا أن الشفاعة ثابتة بإذن الله ما صح الإستثناء .
14. اثبات الإذن وهو الأمر لقوله ( إلا بإذنه ) .
15. إثبات علم الله وأنه عام في الماضي و الحاضر والمستقبل لقوله (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم).
16. الرد على القدرية الغلاة لقوله تعالى : (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) فإثبات عموم العلم يرد عليهم ، لأن القدرية الغلاة أنكروا علم الله بأفعال خلقه إلا إذا وقعت .
17. الرد على الخوارج و المعتزلة في اثبات الشفاعة لأن الخوراج و المعتزلة ينكرون الشفاعة العامة التي تكون للرسول و لغيره ، وهي الشفاعة في أهل المعاصي لأن مذهبهم أن فاعل الكبيرة مخلد في النار إذا مات و لم يتب لكن اختلفوا هل هو كافر أو لا مؤمن ولا كافر ؟.
الخوارج صار عندهم من الشجاعة على الحق لا بالحق أن قالوا : إن فاعل الكبيرة كافر خارج من الاسلام ، و المعتزلة جبنوا عن مخالفة أهل السنة ووعن مخالفة الخوارج وقالوا : سنجلس في أثناء الطريق فنقول : إن فاعل الكبيرة في منزلة بين المنزلتين لا نقول مؤمن ولا نقول كافر ، لكن اتفقوا على أنه مخلد في النار ، ولهذا نفوا الشفاعة ، وعموم الآية يرد على الطائفتين : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) .
18. إن الله لا يحاط به علماً كما لا يحاط به سمعاً ولا بصراً لقوله (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء).
19. إننا لا نعلم شيئاً عن مخلوقاته ولا عن ذاته إلا بما علمنا به لقوله : ( و لا يحيطون بشيء من علمه ) على أحد الوجهين في تفسيرها .
20. تحريم تكييف صفات الله لأن الله ما أعلمنا بكيفية صفاته ، فإذا إدعينا علمها فنحن كاذبون .
21. الرد على المعطلة لقوله (و لا يحيطون بشيء من علمه ) لأنهم يقولون : مثلاً إن الله ليس له يد حقيقية فمقتضى ذلك أنهم أحاطوا بنفي شيء من صفاته ، ولكنهم كذبوا في ذلك ، لأن الله أثبت هذا لنفسه ، فادعائهم أن اليد الحقيقية لا تليق بالله أو الوجه الحقيقي أو العين أو ما أشبه ذلك هذه دعوى باطلة لأننا نقول : إن العلم نوعان : علم إثبات و نفي ، فلا يمكن أن تنفي شيئاً عن شيء إلا بعلم كما لا يمكن أن تثبت شيئاً لشيء إلا بعلم فأنتم إذاً نفيتم حقائق هذه الصفات فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، فمثلاً لم ينفي الله عن نفسه اليد و لا في آية من القرآن ، ولم ينفه رسوله صلى الله عليه وسلم في حديث من الأحاديث ، ولم ينفها السلف الصالح ، وهم يقولون ننفيها .
22. الرد على الممثلة لأنه مادام في الآية رد على المكيفة ففيها رد على الممثلة من باب أولى .
23. إثبات مشيئة الله لقوله (إلا بما شاء).
24. الرد على القدرية المعتزلة ، لأن إحاطة الإنسان بالشيء من صفاته ، وصفاته مخلوقة لله ، وهم يقولون : إن الله تعالى لا يشاء شيئاً مما يتعلق بالإنسان .
25. عظم الكرسي لقوله (وسع كرسيه السماوات والأرض).
26. عظمة خالقه لأن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق.
27. كفر من أنكر السماوات والأرض لأنه يستلزم تكذيب الله ، أما الأرض فلا أظن أحداً ينكرها ، لكن السماء أنكرها من أنكرها وقالوا : ما فوقنا فضاء لا نهاية له و لا حدود ، و إنما سدوم ونجوم وما أشبه ذلك .
و لاشك أنه كافر بالله العظيم ، سواء إعتقده الإنسان بنفسه أو بتقليد من يقلده ممن يعظمهم إذا كان عالماً بما دل عليه الكتاب و السنه .
28. إثبات قوة الله لقوله (ولا يؤده حفظهما).
29. انتفاء المشقة عنه –عز و جل- لقوله (ولا يؤده) ، فهذه صفة سلبية فهي كقوله تعالى : ( وما مسنا من لغوب ) .
30. إثبات ما تتضمنه هذه الجملة ( ولا يؤده حفظهما ) وهي العلم و القدرة والحياة و الرحمة و الحكمة و القوة .
31. أن السماوات و الأرض تحتاج إلى حافظ لقوله : (ولا يؤده حفظهما ) فلولا حفظ الله لفسدتا : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ).
وقوله ( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ) .
وقوله : ( إن الله يمسك السماوات و الأرض أن تزولا ، و لئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده )
32. إثبات علو الله الذاتي و الصفتي لقوله (وهو العلي).
33. الرد على الحلولية و على المعطلة النفات ، فالحلولية قالوا : إنه ليس بعال بل هو في كل مكان ، و المعطلة النفاة ، قالو: لا يوصف بعلو و لا سفل و لا يمين ولا شمال ولا إتصال و لا انفصال
34. التحذير من الطغيان على الغير لقوله : ( وهو العلي العظيم ) ولهذا قال الله في سورة النساء : ( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان علياً كبيراً ) فإذا كنت متعالياً في نفسك فاذكر علو الله عز وجل و إذا كنت عظيماً في نفسك فاذكر عظمة الله .
35. إثبات العظمة لله لقوله (العظيم).
36. إثبات صفة كمال حصلت باجتماع الوصفين وهما العلو و العظمة .
37. يتفرع على أن الملك لله : ألا نتصرف في ملكه إلا بما يرضاه لقوله : ( له ما في السماوات و وما في الأرض ) .
38. أن الحكم الشرعي بين الناس و الفصل بينهم يجب أن يكون مستنداً على حكم الله ، و أن اعتماد الإنسان على حكم المخلوقين و القوانين الوضعية نوع من الإشراك بالله عز وجل .
39. الرضا بقضاء الله عز وجل وقدره لأنك إذا علمت أن الملك لله – عز وجل – قلت: هذا تصرف مالك في ملكه فله أن يفعل ما يشاء ( لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ) ولخذا كان هذا المعنى في تعزية النبي لابنته حيث قال : ( إن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى )
40. عدم إجاب الإنسان بما حصل بفعله لأن هذا من الله و الملك له سبحانه
و الله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
رسالة في تفسير آيةالكرسي للعلامة العثيمين رحمه الله تعالى