أَبى المَوتُ إِلّا أَن يَكونَ لِمَن ثَوى *** مِنَ الخَلقِ طُرّاً حَيثُما كانَ لاقِيا
حَسَمتَ المُنى يا مَوتُ حَسماً مُبَرِّحاً *** وَعَلَّتَ يا مَوتُ البُكاءَ البَواكِيا
وَمَزَّقتَنا يا مَوتُ كُلَّ مُمَزَّقٍ *** وَعَرَّفتَنا يا مَوتُ مِنكَ الدَواهِيا
أَلا يا طَويلَ السَهوِ أَصبَحتَ ساهِيا *** وَأَصبَحتَ مُغتَرّاً وَأَصبَحتَ لاكِيا
أَفي كُلِّ يَومٍ نَحنُ نَلقى جَنازَةً *** وَفي كُلِّ يَومٍ نَحنُ نَسمَعُ ناعِيا
وَفي كُلِّ يَومٍ مِنكَ نَرثي لِمُعوِلٍ *** وَفي كُلِّ يَومٍ نَحنُ نُسعِدُ باكِيا
أَلا أَيُّها الباني لِغَيرِ بَلاغِهِ *** أَلا لِخَرابِ الدَهرِ أَصبَحتَ بانِيا
أَلا لِزَوالِ العُمرِ أَصبَحتَ جامِعاً *** وَأَصبَحتَ مُختالاً فَخوراً مُباهِيا
كَأَنَّكَ قَد وَلَّيتَ عَن كُلِّ ما تَرى *** وَخَلَّفتَ مَن خَلَّفتَهُ عَنكَ سالِيا
وقال : من الطويل
أَتَبكي لِهَذا المَوتِ أَم أَنتَ عارِفُ *** بِمَنزِلَةٍ تَبقى وَفيها المَتالِفُ
كَأَنَّكَ قَد غُيِّبتَ في اللَحدِ وَالثَرى *** فَتَلقى كَما لاقى وَفيها السَوالِفُ
أَرى المَوتَ قَد أَفنى القُرونَ الَّتي مَضَت *** فَلَم يَبقَ ذو إِلفٍ وَلَم يَبقَ آلِفُ
كَأَنَّ الفَتى لَم يَغنَ في الناصِ ساعَةً *** إِذا عُصِبَت يَوماً عَلَيهِ اللَفائِفُ
وَقامَت عَلَيهِ عُضبَةٌ يَندُبونَهُ *** فَمُستَعبِرٌ يَبكي وَآخَرُ هاتِفُ
وقال : من الكامل
أَتُطالِعُ الآمالَ مُنتَظِراً وَلا *** تَدري لَعَلَّ المَوتَ أَوَّلُ طالِعِ
وَإِذا اِبنُ آدَمَ حَلَّ في أَكفانِهِ *** حَلَّ اِبنُ أُمِّكَ في المَكانِ الشاسِعِ
وَإِذا الخَطوبُ جَرَت عَلَيكَ بِوَقعِها *** تَرَكَتكَ بَينَ مُفَجَّعِ أَو فاجِعِ
كَم مِن مُنىً مَثُلَت لِقَلبِكَ لَم تَكُن *** إِلّا بِمَنزِلَةِ السَرابِ اللامِعِ
لُذ بِالإِلَهِ مِنَ الرَدى وَطُروقِهِ *** فَتَحُلَّ مِنهُ في المَحَلِّ الواسِعِ
وقال : من الوافر
إِذا لَم تَتَّخِذ لِلمَوتِ زاداً *** وَلَم تَجعَل بِذِكرِ المَوتِ شُغلَك
فَقَد ضَيَّعتَ حَظَّكَ يَومَ تُدعى *** وَأَصلَكَ حينَ تَنسُبُهُ وَفَضلَك
أَراكَ تَغُرُّكَ الشَهَواتُ قِدماً *** وَكَم قَد غَرَّتِ الشَهَواتِ مِثلَك
أَما وَلَتَذهَبَنَّ بِكَ المَنايا *** كَما ذَهَبَت بِمَن قَد كانَ قَبلَك
بَخِلتُ بِما مَلَكتَ فَقِف رُوَيداً *** كَأَنَّكَ قَد وَهَبتَ فَلَم يَجُز لَك
كَأَنَّكَ عَن قَريبٍ بِالمَنايا *** وَقَد شَتَّتنَ بَعدَ الجَمعِ شَملَك
وقال : من المتقارب
أَرى المَوتَ دَيناً لَهُ عِلَّةٌ *** فَتِلكَ الَّتي كُنتَ مِنها تَحيدُ
تَيَقَّظ فَإِنَّكَ في غَفلَةٍ *** يَميدُ بِكَ السُكرُ فيمَن يَميدُ
كَأَنَّكَ لَم تَرَ كَيفَ الفَنا *** وَكيَفَ يَموتُ الغُلامُ الجَليدُ
وَكَيفَ يَموتُ المُسِنُّ الكَبيرُ *** وَكيفَ يَموتُ الصَغيرُ الوَليدُ
وَمَن يَأمَنُ الدَهرَ في وَعدِهِ *** وَلِلدَهرِ في كُلِّ وَعدٍ وَعيدُ
وقال : من الطويل
أَرى المَوتَ لي حَيثُ اعتَمَدتُ كَمينا *** فَأَصبَحتُ مَهموماً هُناكَ حَزينا
سَيُلحِقُني حادي المَنايا بِمَن مَضى *** أَخَذتُ شِمالاً أَو أَخَذتُ يَمينا
يَقينُ الفَتى بِالمَوتِ شَكٌّ وَشَكُّهُ *** يَقينٌ وَلَكِن لا يَراهُ يَقينا
عَلَينا عُيونٌ لِلمُنونِ خَفِيَّةٌ *** تَدِبُّ دَبيباً بِالمَنِيَّةِ فينا
وَما زالَتِ الدُنيا تُقَلِّبُ أَهلَها *** فَتَجعَلُ ذا غَثّا وَذاكَ سَمينا
وقال : من الطويل
أَلا كُلُّ نَفسٍ طالَ في الغَيِّ عُمرُها *** تَموتُ وَإِن كانَت عَنِ المَوتِ حادَتِ
أَلا أَينَ مَن وَلّى بِهِ اللَهوُ وَالصِبا *** وَأَينَ قُرونٌ قَبلُ كانَت فَبادَتِ
كَأَن لَم أَكُن شَيئاً إِذا صِرتُ في الثَرى *** وَصارَ مِهادي رَضرَضاً وَوِسادَتي
وَما مَلجَأٌ لي غَيرَ مَن أَنا عَبدُهُ *** إِلى اللَهِ رَبّي شِقوَتي وَسَعادَتي