ثباتُ الداعي إلى الله ووضوحُه بصفاءِ منهجِه
ثباتُ الداعي إلى الله ووضوحُه بصفاءِ منهجِه الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين كالخوارج المارقين، والمرجئة المفرطين، ودعاة الحزبية الزائغين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فالدين الإسلامي كامل غير منقوص، وسالم من التبديل والتغيير والتحريف، فحُقَّ لأهل السنة أن يشكروا الله على هذه النعمة، وأن يعتزوا بعقيدتهم، ويتمسكوا بها، ويدعوا الناس إليها، ويردوا عنها شطاحات أهل الأهواء، وتلبيسات دعاة الباطل وناقلي الوباء. وحتى يتمكن الداعي إلى الله من نشر الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وينفي عنه شبهات أهل الباطل يجب في حقه أن يكون واضحا في سلوكه وسيره إلى الله، ومتصفا بصفاء المنهج والنقاء قلت:أحوال مقلقة لا تليق بمن يحمل منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، فأردت من خلال هذه الشبكة الطيبة أن أذكر نفسي المقصرة وباقي إخواني الدعاة إلى الله بضرورة صفاء المنهج ونقائه من كل ما يشوبه ويسيء إليه من أقوال وأفعال وأحوال، حتى تستبين سبل المجرمين، ويتضح سبيل الحق. ماهو الصفاء؟ ((الصفاء هو الخلاص من الكدر الذي يجمع الطيب بالخبيث، وسقوط التلون والتردد والتذبذب)) وصدق من قال: كل يوم تتلون **** ترك هذا بك أجمل كيف يتحصل الداعي على صفاء المنهج ووضوح المواقف؟.إذا ارتوى الداعي إلى الله من العلم الصافي، المتلقى من مشكاة النبوة على فهم السلف الأخيار، تهذب سلوكه للسير على طريق العبودية واتضح حاله للموالي والمعادي، وأمارة ذلك التأدبُ بآداب الإسلام، والوقوفُ مع الحق وتحكيمُه ظاهرا وباطنا، والمسيُر معه حيث سار به، والاعتدالُ والاتزانُ في الأقوال والأفعال والأحوال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في القواعد النورانية(ص49ط دار الفتح الشارقة): ( فمتابعة الآثار فيها الاعتدال والائتلاف والتوسط الذي هو أفضل الأمور) وأما والعياذ بالله إذا كان حالُ الداعي الخلطَ في التلقي، والتغذي بكل ما يجد من خبيث أو جيد، والاحتكاك بالمعافى والأجرب، فإن الأمر سيؤول به إلى فساد الحال والطبع، والوقوع في الكدر، والاتصاف بالتلون، وفقدان الصفاء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاقتضاء(1/485ط الرشد) بعد ما بيّـن خطورة التشبه بالمجرمين في أحوالهم وأعيادهم:( ...و الشرائع هي غذاء القلوب وقوتها كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ويرويه مرفوعا((إنّ كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته وإنّ مأدبة الله هي القرآن))[والأثر فيه مقال] ومن شأن الجسد إذا كان جائعا فأخذ من الطعام حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة وتجشم، وربما ضره أكله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته قلَّت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع، فإنه تعظم محبته له، ومنفعته به، ويتم دينه، ويكمل إسلامه، ولذا تجد من أكثر سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه، ومن كثر من السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة، ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم، لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه الاهتمام ونظير هذا كثير)) اهـ وله كلام في ما بقي من الصفحات يكتب بماء الذهب لنفاسته فعلى الطالب باقتنائه. وقال رحمه الله في درء التعارض(1/20) بعد ما بين أن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتم إلا بدفع المعارض العقلي((فإن الغذاء لا ينفعه-أي المريض- مع وجود الأخلاط الفاسدة التي تفسد الغذاء...)) قلت: وكل طالب علم اعتاد مجالسة أهل الباطل والاحتكاك بهم، والاختلاط بالعوام على الدوام مع مجاراتهم على سلوكهم النازل، والخوف من الرد على المنحرفين لكسب جانب من أتباعهم وأنصارهم، والاعتداد بالنفس ورفعها إلى مقام المرجعية الشرعية مع خوائها والأخلاط التي تحملها، ولّد فيه التلون والكدر والتنقل من حال إلى حال. بعض ثمار صفاء المنهج المتلقى من الكتاب وصحيح السنة على فهم السلف. -إن صفاء المنهج يصحح همة طالب العلم، ومتى صحت الهمة علت وارتفعت، فإن سقوط الهمة ودناءتها من علتها وسقمها، وإلا فهي كالنار تطلب الصعود والارتفاع ما لم تمنع كما قال ابن قيم رحمه الله. - وصفاء المنهج يولد في طالب العلم رجولة فيدور مع الحق حيث دار، ومواقف مشرفة عند الفتن والإحن، فلا يخذل أهل السنة في أحلك المواقف. ولا يناصر المبطل لحاجة في النفس، بل تراه ثابتا كالجبل الأشم. - وصفاء المنهج يرفع صاحبه إلى مقام التمكن، وهو ظفر العبد بنفسه، والإستقرار على الحق، فكم من طالب علم تائه من كثرة أخلاطه، ضائع بين الشواغل والغفلات، تائه مع أهل البطالات. والحمد لله رب العالمين. وكتبه أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي |
الثلاثية الصدق والصفاء والإنصاف في الخلاف زينة الداعية إلى الله ما أحوجنا إلى الصدق في الدعوة إلى الله، فإن التلون والتلاعب ريبة الحمد لله رب العالمين، الذي أحصى كل شيء عددا وعلما، ولا يحيط خلقه بشيء من علمه إلا بما شاء، خضعت له تعالى الرقاب، وتضعضعت له الصعاب، أحمده عدد خلقه وكلماته، وملء أرضه وسمواته، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن الدعوة إلى الله تعالى من أشرف الأعمال، وأسمى المهام، وهي وضيفة الأنبياء والرسل، ومن اقتفى أثرهم من الجن والبشر، وهي تنبني على أصلين اثنين عظيمين. أولا: الدعوة إلى الله بإخلاص، ثانيا: إذن من الشارع في ربط الخلق بالخالق؛ قال تعالى: ((يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا)) وتأمل في قوله تعالى: ((وداعيا إلى الله)) ومعنى ذلك من دعا الناس وربطهم بحزب أو طريقة، أو جمعهم حول فرقة محدثة، وجعل الولاء والبراء عليها فقد خالف هذا الأصل العظيم، وحري أن يقع في معرة الشرك والعياذ بالله، أما معنى قوله تعالى: ((وداعيا إلى الله بإذنه))، فالمراد من الآية الإذن من الشرع في ربط الناس بالحق الثابت، فمن زعم أنه مخلص في دعوته إلا أنه اجتهد في إيجاد سبل وطرق يربط بها الخلق بالخالق كما هو شأن الفرقة المعاصرة، فمن كان هذا حاله فهو واقع في البدعة المنكرة، ومن هذه المقدمة نخلص بهذه القاعدة والتي هي من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية: (من دعا إلى غير الله فقد أشرك ومن دعا إلى الله بغير إذن منه فقد ابتدع) فإذا حقق الداعي إلى الله الأصلين العظيمين من ربط الخلق بالخالق عن طريق الشرع، وجب في حقه أن يكون متصفا بالصدق الذي هو سيف الله في أرضه، الذي ما وضع على شيء إلا بتره، ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه، والصدق في الدعوة إلى الله روح الأعمال، ومحك الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، وهو أساس الدعوة وعمودها، وهو فسطاط المتقين وساحة المجاهدين، وقد أخبر الله تعالى أنه يوم القيامة لا ينفع العبد ولا ينجيه من عذابه إلا صدقه مع ربه جل جلاله قال تعالى: ((هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم. لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم)) طرحت هذا الموضوع الهام وإن كان سبقني إلى زبر فصوله علماء كرام، لما رأيته من بعض المتصدرين للدعوة إلى الله، وأخص بالذكر من كان معنا على الخط في دولة الإمارات وهم طلاب تخرجوا من الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، أضف إليهم بعض المشاركين في العلوم الشرعية، حين لم يحققوا الصدق في دعوتهم إلى الله، وغلبوا جانب القياس والاجتهاد والمصلحة المزعومة، اضطربت أحوالهم، ولم تستو أفعالهم على الأمر والمتابعة كما يستوي الرأس على الجسد، فاختلى مخرجهم ومدخلهم، وشعروا بالذل والهزيمة، ورموا بأنفسهم في أحضان مجددي العصر من المآربة، يبتغون عندهم العزة والنصرة، ونسوا أن يمتثلوا قوله تعالى: ((وقل ربّ أدخلني مدخل صدق، وأخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا)) وحقيقة الصدق في هذه الأشياء كما قال ابن قيم الجوزية: هو الحق الثابت، المتصل بالله، الموصل إلى الله وهو ما كان به وله، من الأقوال والأعمال. فدخول هؤلاء الطلاب في نصرة أبي الحسن المصري - على خبرتي بهم وعلم- أنهم لم يدخلوا في هذه المعركة نصرة للحق الثابت، سابحين في مرضاته، سائلين الظفر بأسمى المطالب، أقول هذا وأنا أعي ما أقول، بل كان دخولهم من باب خالف تعرف، وطلب الاستقلالية في إصدار الأحكام شبيها بقاعدة الجزأرة عندنا، والتي عبروا عنها بترك التقليد، وكان يقول بعضهم قد أجمعنا!! أن أبا الحسن لم يخطأ، ومن خالف الإجماع استحق العتاب، ورمي بالفتنة والخلاف، وكنت أقول لبعضهم إذا كان إجماع أهل المدينة ليس بحجة فكيف بإجماع شباب لم يتحصرم ساقهم ويقوى عودهم والله المستعان. ولما كان الحال هكذا تركوا الصدق في معاملة من يخالفهم، وجمعوا لضربه والتشريد به قول المعتوهين وناقصات العقل والدين، وترديدات السروريين، وإفرازات الحزبيين،و قيح الصوفيين، حتى اجتمع عندهم كوم من طينة الخبال، وهذا حال من يترك منزلة الصدق في الدعوة إلى الله فغاية سيره ظلم وجرم واعتداء. ولما رأوا في الآونة الأخيرة خزايا المأربي قد طفحت فوق السطح، ولمسوا تلاعبه بالمنهج السلفي وأبنائه، ووجدوا أنفسهم متورطين إلى اليفوخة مع هذا الرجل العنيد المتكبر، صاروا يتململون في قيودهم الفكرية العفنة، ويقولون للسلفيين بصوت منخفض وعلى حياء: نحن لسنا مع المأربي، نحن مع العلماء، يرددون عبارات لا يعرفون معناها ومرماها. أين الصدق يا طلبة العلم، لماذا لا تقروا بالمعصية، وأنكم عفنتم الدعوة في دولة الإمارات بسلوككم المعوج، ونصبتم العداء لإخوانكم السلفيين ووظفتم نفوذكم في إسكات أصواتهم، وإخراج بعضهم، فمهما ذكرتم من تبريرات فلن تغني عنكم شيئا، ما لم تعلنوا توبتكم واعتذاركم من إخوانكم السلفيين الذين آذيتموهم في دينهم ودنياهم، ولا ينفعكم أن تأتوا المشايخ في الحجاز بوجه، وتعترفون أمامهم أنكم تدينون المأربي، وإذا عدتم إلى دياركم أنكرتم ما قلتم، وقلبتم القول وخضتم في الذي نهيتم عنه، ما هكذا يكون الصدق في الدعوة إلى الله، ولا الصدق في التوبة، ولا الصدق في نية الصلح وجمع الكلمة. إن الصادق حقيقة هو الذي قد انجذبت قوى روحه كلها إلى إرادة الله وطلبه والسير إليه، والاستعداد للقائه، والتوبة من زلاته، ومن تكون هذه حاله لا يحتمل سببا يدعوه إلى نقض العهد مع الله بوجه من الوجوه، لاسببا وطنيا، ولا جمعويا!!. وفقنا الله جميعا للتحلي بالصدق في الدعوة إلى الله، فالصدق طمأنينة والكذب ريبة، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. والحمد لله رب العالمين. كتبه أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي |
جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة شرفها الله. الساعة الآن: 02:22 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.7.3, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم بشرط الإشارة إلى منتديات الشعر السلفي