وهذا لا يعني السّكوت عن أهل البدع و الأهواء, ولكن ننذرُهُم جملَةً وكذالك نصرعُهُم , فنحنُ بإذن الله نمشي في طريق السنة وإذا وُقِّفْنا من مبتدعٍ نصفَعُهُ ونَمُرُّ.
وإنَّ الشيخ جلَّ منزِلَةً أن يشتَغِلَ بهؤلاء السَّفَلَة –إذْ هذا من واجبنا نحنُ- وما القدحُ فيه بضائره ولا منقصٌ من قدره ,وقد قيل:
من كان فوق محَلِّ الشمس موضعُهُ *** فليس يرفعه شيء ولا يضع
إنَّ السلاح جميع الناس تحمله *** وليس كلُّ ذوات المخلب السَّبُعُ
إنَّ الذي سمك السماء بنى له *** بيتاً دعائمه أعَزُّ وأطوَلُ
بيتاً بناه له المليك وما بنى *** حكم السَّماء فإنّه لا ينقلُ
وهبني قلتُ هذا الصُّبح ليلٌ ... أيعمى العالمُونَ عن الضّياءِ؟
لهذا أُخيَّ تجنَّبْ مُجالسة هؤلاء الطَّاعنين والسماع للَغْوِهِم ورَفَثِهِم واعمل بقول القائل :
لا تسمعنّ الخَنَا إن كنت ذا رَشَدٍ *** فالأذْن نَقَّالَةٌ والقَلبُ حَفّاظُ
وصُن سمعاك عن لغو وعن رفث *** قد تدخل الناس في النيران ألفاظُ
ولا تلتفت لسابِّ أهل السنَّة والجماعةِ فهو والله ظالمٌ مبينٌ وسيكون له موقف معهم يوم القيامة,
أما والله إن الظلم لؤم *** وما زال المسيءُ هو الظلوم
إلى ديَّان يوم الدين نمضي*** وعند الله تجتمع الخصوم
ستعلم في المعاد إذا التقينا***غداً عند الإله من الملوم
وإنّ هذه القصيدة مجرّد إنذار وما خفيَ أعظم
وأزْرَقُ الفَجْرِ يَأتي قَبلَ أبيَضِهِ *** وَأوّلُ الغَيثِ مطرٌّ، ثمّ يَنسَكِبُ
, فبعون الله لنذيقنَّهم أمَرَّ من الحنظل والعلقم وأشدّ من القتَاد وأحرَّ من الجمر , كلَّ من طعن في السنَّة وأهلها من قريبٍ أو بعيد, وما أجرنا إلاّ على الله , والله المستعان, وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وبإذن الله لن يكون إلاّ كما قال ابن القيم:
لأجاهدنَّ عداك ما أبقيتني *** ولأجعلن قتالهم ديداني
ولأفضحنَّهم على رؤوس الملا *** ولأفرين أديمهم بلساني
ولأكشفنَّ سرائر خفيت على *** ضعفاء خلقك منهمُ ببيان
**إنذار الطَّاعِن السَّخِيف في عِرضِ رَبِيعِ السُّنَّةِ العَفِيف**
يا طَالباً عِلمَ الشَّريعَة لاَهــِجاَ *** اِجْهَدْ ولا تَرْضَ البَلادَةَ منـْهَجا (01)
سَاعٍ أخَيَّ إلى الحِجَاز مُشَــمِّراً *** عن سَاعدٍ للجِدِّ, مـكَّةَ وَالِجاَ
فبِهَا رَبِيعُ القَلبِ يَشفِي عِلْــمُهُ *** من يَشْتَكي دَاءَ الجهالَةِ مُحْرَجاَ
فهو المُجدّدُ دونَ رَيْبٍ ديــنَنَا *** وهو المُرَبي والمُفَــقَّهُ للحِجَا (02)
وهو الذي قَهَر الضَّلاَلة حَـافِظًا *** دينَ النَبِيِّ المُصْطَفَى أن يُبْعجا (03)
فدَعِ السَّمَاعَ لقولِ مَخْذُولٍ بَذِي *** خِبٍّ ذليلٍ بالسَّـفَاهَةِ أُسْرِجا
فشِرَارُ خَلقِ الله طُرّاً فاســِقٌ *** جَمَعَ الرَّذائِلَ بالخَـبائِثِ دُجِّجا (04)
وتراه يَقْذِفُ عرضَ شَيخٍ طَاهرٍ *** قدْ كان عِلْمُهُ للكُرُوبِ مُفَرِّجَا
ما كُنتُ أعلَم للسَّفاهةِ مَنْـطِقاً *** حتّى سَمِعتُـه بالشَّتائم شَاحِجَا (05)
فمِثَالُه فينا إذا أنصَفْتُه *** بَغلٌ عليلٌ بالفَلاَة تَحَشـــْرَجَا (06)
قد غَصَّ من أكل القتاد عشيّةً *** والقوم بانوا للخـِيَامِ, وأدْلََـجا
ما في البريّة من يسُوقُهُ للحِمَى *** كلاّ ومن يَسْقـِيه مَاءاً رَجْـرَجَا
فشَحِيجُهُ لا كالشَّحيجِ بَشَاعَةً *** بل صَارَ من خَرْقِ القَتَادِ مُلََجْلَجَا (07)
فالقوم بَاتُوا في النَّعِيمِ وأصْبحُوا *** والبَغْلُ جَرَّاءَ التَلَجْلُجِ ضَـبَّجَا (08)
يا من يَقُولُ عن الكَرِيمِ غِـوَايَةً *** أدِّبْ لِسَـانَك قبلَ بَتْرِه بالهِجَا
فالشَّيخُ حَوْلَهُ عُصْبَةٌ لا تَنـْثَنِي *** عن رَدّ شِعرٍ في المَزَابلِ أُدْرِجَـا(09)
إلاّ تَكُفَّ عن الطِّعَانِ بِعِرْضـِهِ *** يُصْبِحْ لسَانِي صَارِمًا مُتََهــَيِّجَا
يَهْوِي عَليك بكلِّ لَفْظٍ فَاضِحٍ *** فَيَرَى الضَّرِيرُ عَوَارَ عِرْضِكَ بالدُّجى
وأهُمُ أَرْكَبُ للهِـجَاءِ جَوَادَهُ *** عَالِيـهِ سِـرْجٌ بالقَبَاحَةِ دُبِّجــَا
مُتَنَكِّبًا قَوْسَ الفَضِيـحَةِ حَامِلاً *** رُمْحَ الوَضَاعَةِ بالتَّهَــتّكِ تُوِّجَا
ومُقَوَّماً بِكنــانَةٍ عربــيَّةٍ *** اَلسَّهمُ فيها بالقَرِيضِ توّهــجا
وكأنّهاَ غيْـمٌ مَهولٌ مُرْعــدٌ *** وَيْلٌ لقــَوْمٍ إنْ تَهَاطَلَ مُدْلِجَا
في كلّ سَهَْمٍ بيتُ شِعـْرٍ لاذِعٍ *** من صُـنْع نَابِغَةِ الزَّمَانِ المُرْتَجَا
لأُغِيرَ في لَيْلٍ بَهِـيمٍ أسْحــَمٍ *** بقَصَائِدٍ خُلِطَـتْ بِجَمْرٍ أُجِّجَا
فيراك شَيْخــِي كالذَّلِيلِ مُعَفَّرًا *** بتُرَابِ عَارِكَ في المَحَافِلِ مُحْرَجا
تَمشِي وعِرْضُكَ ثَوْبُهُ مُتَمــَزِّقٌ *** من وَقْعِ شِعْرِي بالعُيُوبِ تَضَرَّجَا
فأنا الّذِي أَعْيَا الكُــمَاةَ قَرِيضُهُ *** وإذا لَقِيتُ فَصِيحَ قَومٍ أَنْبَجاَ (10)
يُخْبِرْكَ مَنْ شَهِدَ المَجَالِسَ أنَّنِي *** أُلْقِي البَيَانَ بِوَجْهِ خَصْمِي مُنْضَجا
وإذا سَألْتَ النَّاسَ قَالُوا شَاعرٌ *** كالبَازِ ليسَ لصَــيْدِهِ من مُلْتَجا
يا بغلُ اَمْسِكْ عن سِبَابِ رَبِيعِنَا *** كَيْمَا تَصُونَ العِرْضَ أن يَتَفَلَّجَا (11)
تَرِبَتْ يَدَاكَ وَكُنتَ نَذْلًا جَاهلاً *** ورُزِقْتَ من طَعْنٍ بِشَيْخِي الفَالِجا (12)
ما ضَرَّ شَمْسًا أن بَصَقْتَ بوَجْهِهَا***وتَرَى بُصَاقَكَ نَحْوَ وَجْهِكَ أَحْنََجَا(13)
أَدْعُوا الإلَه بأَنْ تَكُونَ قَصِيـدَتِي *** سَمًّا زُعَافاً , قُبْحَ صَوَْتِـكَ عَالَجَا
شِعرِي نَذِيرُكَ يا سَفِيهُ وإن تَعُدْ *** تَلْقَ الفَرَزدَقَ ذا الفَصَاحَةِ والحِجَا
وتَرَ بِدَلْوِي كُلّ عَيْبٍ صُـنْتَهُ *** في عُمْقِ زَوْرَاءِ السَّرِيرَةِ مُخْرَجَا (14)
إنّ المُحِبَ إذا أُهِــينَ حَبِيبُهُ *** ثَارَتْ عَوَاصِــفُهُ كَبَحْرٍ هُـيِّجَا
ــــــــــــــــــــــــــ
(*): الحِلْقِدُ: السيّئ الخُلقِ – الثقيلُ الروح.
(01)لَهِجَ: كفَرِحَ,أغرى به , فثابر عليه.
(02):الحِجَا: العقل.
(03):بَعَجَهُ: شَقَّهُ
(04):طُراًّ: أي جميعاً.
(05):شَحَجَ: شحيج البغل صوته.
(06):تحَشْرَجَ: التحشرجُ ترَدُّدُ صوت الحمار في حلقه.
(07):مُلَجْلَجاَ: التلجْلُجُ الترَدّد في الكَلاَم.
(08):ضَبَّجَ: ألقى بنفسِهِ على الأرض من كَلَلٍ أو ضرب.
(09): اقصد بالمَزَابلِ: المنتديات التي نُشر فيها سبُّ الشَّيخ والمجالس التي انتُقِصَ فيها وما أكثرها!.
(10):أنْبَجَ: خلَطَ في كلامه.
(11):تفلّجَ: تَشَقَّقَ.
(12): النَّذْلُ والنَّذيلُ : الخَسيسُ من الناس والمُحْتَقَرُ في جميع أحْوالِهُِ والفَالِجُ: مرضٌ, استرخاء أحد شِقّيْ البَدن لانصِبابِ خَلْطٍ بلغُمي تنسدُّ منه مسالك الروح.
(13):أحْنَجَ: مَالَ.
(14):الزََّوْرَاءُ: البِئْرُ البَعِيدَة.
انظر: القاموس المُحيط , والصِّحاح
تَمَّتْ يوم:
«04 جمادى الآخرة، 1432هـ»