منتديات الشعر السلفي بإشراف الشاعر ابي رواحة الموري

منتديات الشعر السلفي بإشراف الشاعر ابي رواحة الموري (http://www.salafi-poetry.com/vb/index.php)
-   القسم العــــــــــــــام (http://www.salafi-poetry.com/vb/forumdisplay.php?f=67)
-   -   الحث على الإجتهاد في العشر الأواخر من رمضان (http://www.salafi-poetry.com/vb/showthread.php?t=2315)

أم جابر السلفية 08-26-2010 02:36 PM

الحث على الإجتهاد في العشر الأواخر من رمضان
 
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته







الحث على الاجتهاد في العشر الأواخر



الحمد لله رب العالمين، أمرَ بالمسارعةِ إلى الخيرات، واغتنامِ الأوقات قبلَ الفوات، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وماله من الأسماء والصفات، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، أوَّلُ سابق الخيرات، -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه وأصحابه ذوي المناقب والكرامات، وسلَّم تسليماً كثيراً.




أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعتبروا بسرعةِ مرور الليالي والأيام، واعلموا أنّها تحسب من آجالكم، وأنها خزائن لأعمالكم، فأودعوا فيها الأعمال ما يسركم عند الحساب، يوم يقال للمحسنين: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)، [الحاقة: 24] ، لا تُودعوا فيها ما يسوؤكم ويُحزِنُكم يوم يقول المفرِّطُ والمضيِّعُ: (يَا لَيْتَنِيقَدَّمْتُلِحَيَاتِي) [الفجر: 24].
واعلموا -عباد الله-، أنكم الآنَ تعيشون في أفضل الأيام من شهر رمضان، فقد استوفيتم العشرين الأوَلَ منه، وها أنتم في العشر الأواخر، فمن كان محسناً من أول الشهر فليستمرَّ على إحسانهِ، وليضاعفْ من اجتهادهِ في هذه العشر المباركة ليزداد خيراً على خير، وليغنم فضيلة هذه الأيام التي تمتاز على الأيام السابقة. ومن كان مفرطاً فيما مضى من الشهر فليستدرك بقيته، وليتُبْ إلى الله من تفريطه وغفلته، لعلَّ الله يغفر له ما سلف ويوفِّقه فيما بقي؛ لأن الأعمال بالخواتيم.
عباد الله، إن هذا الشهر يختلف عن غيره من الشهور، وإن كانت حياة المسلم كلها فرصةً عظيمةً، ودرَّةً نفيسة لا تقدَّرُ بقيمة، لكن هذا الشهر خصَّه الله بفضائل، وشرع فيه أعملاً لا توجد في غيره، فأوجب صيام نهاره، وجعله أحد أركان الإسلام، واختصَّ الصوم لنفسِه من بين سائر الأعمال، فقال: "الصَومُ لي وأنا أجزي به فخَصَّ سبحانه الصيام بميزتين عظميتين:
الأولى: إضافته إلى نفسه حيث قال سبحانه: "الصومُ لي"، وهذه الإضافةُ تقتضي تشريف الصيام.
والثانيةُ: أنه سبحانه هو الذي يتولى جزاءَ الصائم، وذلك يقتضي عِظََمََ ثوابه وكثرتَه كثرةً لا يعلم مقدارها إلا الله.
وشَرَعَ سبحانه في هذا الشهر القيامَ في لياليه بصلاةِ التراويح جماعةً في المساجد، وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أنَّ: "مَن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"، و"أنَّ مَن قام رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه"متفق عليه. وهكذا نرى أنَّ أوقات هذا الشهر مشغولةٌ بالعبادة، فنهاره صيام، وليلةُ قيام، وذلك ليجتمعَ للمؤمن جهادان: جهادٌ لنفسِه بالنهار على الصيام، وجهادٌ لها بالليلِ على القيام. والجهادُ يحتاج إلى صبرٍ، ولهذا سُمِّي هذا الشهر شهر الصبر، وقد قال تعالى: (إِنَّمَايُوَفَّىالصَّابِرُونَأَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10]؛ فمن جمع هذين الجهادين وصَبَرَ عليهما وُفِّيَ أجْرهُ بغير حساب. أما الذي يتركُ صلاة التراويح تكاسلاً فقد عَطَّلَ الليل مما خُصَّ به ولم يَصْبِر على أحدِ الجهادين، وحرم نفسه من هذا الأجر العظيم. فليتنبه لذلك أناسٌ لا تراهم يصلون التراويح طول الشهر أو في أكثر الليالي، وإن صلوا في بعض الليالي لم يُكملوا ويواصلوا في بقيتها حتى يستوفوا قيام رمضان.
وشَرَعَ سبحانه في هذا الشهر المبارك الإكثار من تلاوة القرآن، قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: 185].
فاختصاص إنزاله في هذا الشهر يقتضي اختصاصه بفضل التلاوة فيه، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يَخُصُّ هذا الشهر بمزيد من تلاوة القرآن؛ ففي "الصحيحين: "أنَّ جبريل -عليه السلام- كان يَلْقى النبي -صلى الله عليه وسلم- كلَّ ليلة من شهر رمضان فيُدارسهُ القرآن؛ فجبريلُ أفضل الملائكة، ومحمد أفضلُ الرسل يتدارسان بينهما أفضل الكتب في هذا الشهر الذي هو أفضل الشهور، مما يدُلُّ على أفضلية التلاوة فيه، على التلاوة في غيره من الشهور، وإن كانت التلاوة مطلوبة في كل وقت وفيها أجر عظيم، لكن أجرها يتضاعف في هذا الشهر أكثر من غيره، كما تدل مدارسة جبريل للنبي -صلى الله عليه وسلم- على استحباب عرض الإنسان حفظَه للقرآن على من هو أحفظ له منه ليستفيد من إتقانه وقراءتِه.
وتلاوة القرآن في رمضان تشمل تلاوته في صلاة التراويح وصلاة التهجد وتلاوته من غير صلاة، وقد كان الصحابة يطيلون القراءة في صلاة التهجد، فكان القارئ منهم يقرأ بالمائتين في الركعة، حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام، وإنما ذكرنا هذا ليقتنع الذين ينفرون من إتمام الصلاة ويستثقلونها، وإذا كان للإمام أن يراعي أحوال المأمومين فليس معنى هذا أنه ينقر الصلاة ويهُذُّ القراءة هذا يخل بها، وإنما المراد التوسط الذي يجمع بين إتقان الصلاة وعدم المشقة على المأمومين، مع القراءة المتقنة التي يستفيد منها المأموم وتؤثر على القلوب، وأن تكون الصلاة معتدلة متساوية من أول الشهر إلى آخره؛ لأن بعض أئمة المساجد يسرع في القراءة ويطيل الصلاة في أول الشهر إلى أن يختم القرآن، فإذا ختمه تساهل بالقيام في بقية ليالي الشهر التي هي من أفضل لياليه، والتي هي ختامه، وبعضهم يسافر في هذه الليالي للعمرة ويترك مسجده، مع أن بقاءه في مسجده وإتقانه لصلاته في كل ليالي الشهر أفضل له من العمرة، وليس المقصود من التراويح والتهجد في رمضان هو ختم القرآن وقراءة الدعاء المعد للختم، وإنما المقصود شغل ليالي هذا الشهر كلها بالقيام، والختمة تابعة وليست مقصودة، فلو لم يختم القرآن مع إتقانه للصلاة في جميع الليالي مع النية الصالحة فأجره تام إن شاء الله، ولو ختم القرآن مع الإخلال بالصلاة والقراءة أو مع ترك بقية الليالي؛ فأجره ناقص بحسب نقص العمل.
ومما شرعه الله في هذا الشهر المبارك زيادة الاجتهاد في العشر الأواخر منه؛ لأنها ليالي الإعتاق من النار لمن استحقوا دخول النار إذا تابوا من ذنوبهم واجتهدوا في هذه الليالي التي كان اجتهاد النبي -صلى الله عليه وسلم- يتزايد فيها، فكان يحييها بالتهجد والقيام، وكان يعتكف في المساجد للتفرغ لعبادة في هذه الليالي والأيام؛ ففي الاجتهاد فيها اقتداءٌ بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وعملُ بقوله تعالى: (لَقَدْكَانَلَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِأُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَاللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21]، أي: العمل في هذه الليلة خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقيامها إنما يحصل يقيناً بالقيام في كل ليالي الشهر، ولا سِيَّما ليالي العشر الأواخر؛ فهي أرجى لتحريها وآكد لموافقتها؛ فهي لم تحدد في ليلة معينة من الشهر؛ لأن الله سبحانه أخفاها لأجل أن يكثر اجتهاد العباد في تحريها ويقوموا ليالي الشهر كلها لطلبها؛ فتحصل لهم كثرة العمل وكثرة الأجر، وليتميز المجد من الكسلان؛ فاجتهدوا رحمكم الله في هذه العشر التي هي ختام الشهر وأيام الإعتاق من النار، كما في حديث: "إنه شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار".
فالمسلم الذي وفقه الله للعمل في هذه الشهر ومرت عليه مواسم الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وقام ليلة القدر إيماناً واحتسابا حري أن يفوز بكل خيرات هذا الشهر ونفحاته، فينال الدرجات العالية، بما أسلفه في الأيام الخالية. ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال يعملها فيها: منها إحياء لياليها بالتهجد والقيام. ومنها أنه كان يوقظ أهله للصلاة وكل صغير وكبير يطيق الصلاة. وهذا شيء أهمله اليوم كثير من الناس مع أهلهم وأولادهم فيتركونهم يسهرون على اللعب واللهو يسرحون في الشوارع أو يجلسون في البيوت يشاهدون الأفلام والمسلسلات، ويستمعون الأغاني والمزامير طيلة ليالي رمضان، فلا يستفيدون منه إلا الآثام، وإذا جاء النهار ناموا حتى عن أداء فرائض الصلوات؛ لأنهم تربوا على عدم احترام رمضان، وهذا نتيجة إهمال أوليائهم، فبئست التربية وبئست الولاية، وسيسألهم الله يوم القيامة عن إهمال رعيتهم، وإضاعة مسؤوليتهم. قال -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
ومن الأعمال التي كان -صلى الله عليه وسلم- يختص بها العشر الأواخر: الاعتكاف، وهو لزوم المسجد للعبادة وعدم الخروج منه إلا لحاجة ضرورية، ثم يرجع إليه. كان -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في هذه العشر قاطعاً لأشغاله، وتفريغاً لباله، وتخليا لمناجاة ربه وذكره ودعائه؛ فاجتهدوا رحمكم الله - في هذه العشر التي هي ختام الشهر، والتي هي أرجى ما يكون لموافقة ليلة القدر، وأكثروا من الجلوس في المساجد للذكر وتلاوة القرآن إذا لم تتمكنوا من الاعتكاف: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران: 133-136].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



( من كتاب الخطب المنبرية، لمعالي الشيخ الدكتور صالح الفوزان ـــ حفظه الله ــ / ج2)









بنت العمدة - أم الشيماء 08-26-2010 04:19 PM

بورك فيكِ أخيتي الحبيبة أم جابر على هذا الموضوع المميز
وجزاكِ الله جيراً
اللهم إنك عفواً تحب العفو فعفو عنا


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة شرفها الله. الساعة الآن: 03:01 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.7.3, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم بشرط الإشارة إلى منتديات الشعر السلفي

Security byi.s.s.w