وصايا ومحاذير طيبة / ابن القيم الجوزية
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : (( فَصْلٌ الوصايا الكلية لحفظ الصحة [ مَحَاذِرُ طِبّيّةٌ لِابْنِ مَاسَوَيْهِ ] وَقَدْ رَأَيْتُ أَنّ أَخْتِمَ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ بِفَصْلٍ مُخْتَصَرٍ عَظِيمِ النّفْعِ فِي الْمَحَاذِرِ وَالْوَصَايَا الْكُلّيّةِ النّافِعَةِ لِتَتِمّ مَنْفَعَةُ الْكِتَابِ وَرَأَيْتُ لِابْن ِ مَاسُوَيْهِ فَصْلًا فِي كِتَابِ " الْمَحَاذِيرِ " نَقَلْتُهُ بِلَفْظِهِ قَالَ : مَن أَكَلَ الْبَصَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا , وَكَلِفَ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ افْتَصَدَ فَأَكَلَ مَالِحًا , فَأَصَابَهُ بَهَقٌ أَوْ جَرَبٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ جَمَعَ فِي مَعِدَتِهِ الْبَيْضَ وَالسّمَكَ , فَأَصَابَهُ فَالِجٌ أَوْ لَقْوَةٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ دَخَلَ الْحَمّامَ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ , فَأَصَابَهُ فَالِجٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ جَمَعَ فِي مَعِدَتِهِ اللّبَنَ وَالسّمَكَ , فَأَصَابَهُ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ أَوْ نِقْرِسٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ جَمَعَ فِي مَعِدَتِهِ اللّبَنَ وَالنّبِيذَ , فَأَصَابَهُ بَرَصٌ أَوْ نِقْرِسٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ احْتَلَمَ فَلَمْ يَغْتَسِلْ حَتّى وَطِئَ أَهْلَهُ , فَوَلَدَتْ مَجْنُونًا أَوْ مُخْبَلًا فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ أَكَلَ بَيْضًا مَسْلُوقًا بَارِدًا وَامْتَلَأَ مِنْهُ , فَأَصَابَهُ رَبْوٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ جَامَعَ فَلَمْ يَصْبِرْ حَتّى يَفْرُغَ , فَأَصَابَهُ حَصَاةٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. وَمَنْ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ لَيْلًا , فَأَصَابَهُ لَقْوَةٌ أَوْ أَصَابَهُ دَاءٌ فَلَا يَلُومَنّ إلّا نَفْسَهُ. فَصْلٌ [ مَحَاذِرُ طِبّيّةٌ لِابْنِ بَخْتَيْشُوعَ ] وَقَالَ ابْنُ بَخْتَيْشُوعَ :احْذَرْ أَنْ تَجْمَعَ الْبَيْضَ وَالسّمَكَ فَإِنّهُمَا يُورِثَانِ الْقُولَنْجَ وَالْبَوَاسِيرَ وَوَجَعَ الْأَضْرَاسِ . وَإِدَامَةُ أَكْلِ الْبَيْضِ يُوَلّدُ الْكَلَفَ فِي الْوَجْهِ , وَأَكْلُ الْمُلُوحَةِ وَالسّمَكِ الْمَالِحِ وَالِافْتِصَادُ بَعْدَ الْحَمّامِ يُوَلّدُ الْبَهَقَ وَالْجَرَبَ. إدامةُ أَكْلِ كُلَى الْغَنَمِ , يَعْقِرُ الْمَثَانَةَ. الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ بَعْدَ أَكْلِ السّمَكِ الطّرِيّ , يُوَلّدُ الْفَالِجَ. وَطْءُ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ , يُوَلّدُ الْجُذَامَ. الْجِمَاعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُهْرِيقَ الْمَاءَ عُقَيْبَهُ , يُوَلّدُ الْحَصَاةَ. طُولُ الْمُكْثِ فِي الْمَخْرَجِ , يُوَلّدُ الدّاءَ الدّوِيّ. [ وَصَايَا أبقراط ] قَالَ أبقراط : الْإِقْلَالُ مِنْ الضّارّ خَيْرٌ مِنْ الْإِكْثَارِ مِنْ النّافِعِ . وَقَالَ : اسْتَدِيمُوا الصّحّةَ بِتَرْكِ التّكَاسُلِ عَنْ التّعَبِ وَبِتَرْكِ الِامْتِلَاءِ مِنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ . [وَصَايَا لِلْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ وَغَيْرِه] وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : مَنْ أَرَادَ الصّحّةَ فَلْيُجَوّدْ الْغِذَاءَ , وَلْيَأْكُلْ عَلَى نَقَاءٍ , وَلْيَشْرَبْ عَلَى ظَمَأٍ , وَلْيُقْلِلْ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ , وَيَتَمَدّدْ بَعْدَ الْغَدَاءِ , وَيَتَمَشّ بَعْدَ الْعِشَاءِ , وَلَا يَنَمْ حَتّى يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى الْخَلَاءِ , وَلْيَحْذَرْ دُخُولَ الْحَمّامِ عُقَيْبَ الِامْتِلَاءِ , وَمَرّةً فِي الصّيْفِ خَيْرٌ مِنْ عَشْرٍ فِي الشّتَاءِ , وَأَكْلُ الْقَدِيدِ الْيَابِسِ بِاللّيْل ِ مُعِينٌ عَلَى الْفِنَاءِ , وَمُجَامَعَةُ الْعَجَائِزِ تُهْرِمُ أَعْمَارَ الْأَحْيَاءِ , وَتُسْقِمُ أَبْدَانَ الْأَصِحّاءِ. وَيُرْوَى هَذَا عَنْ عَلِي رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَلَا يَصِحّ عَنْهُ وَإِنّمَا بَعْضُهُ مِنْ كَلَامِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ طَبِيبِ الْعَرَبِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ. وَقَالَ الْحَارِثُ : مَنْ سَرّهُ الْبَقَاءُ - وَلَا بَقَاءَ - فَلْيُبَاكِرْ الْغَدَاءَ , وَلْيُعَجّلْ الْعِشَاءَ , وَلْيُخَفّفْ الرّدَاءَ ’ وَلْيُقْلِلْ غَشَيَانَ النّسَاءِ. وَقَالَ الْحَارِثُ :أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ تَهْدِمُ الْبَدَنَ : الْجِمَاعُ عَلَى الْبِطْنَةِ , وَدُخُولُ الْحَمّامِ عَلَى الِامْتِلَاءِ , وَأَكْلُ الْقَدِيدِ , وَجِمَاعُ الْعَجُوزِ. وَلَمّا احْتَضَرَ الْحَارِثُ اجْتَمَعَ إلَيْهِ النّاسُ فَقَالُوا : مُرْنَا بِأَمْرٍ نَنْتَهِي إلَيْهِ مِنْ بَعْدِك. فَقَالَ : لَا تَتَزَوّجُوا مِنْ النّسَاءِ إلّا شَابّةً , وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ الْفَاكِهَةِ إلّا فِي أَوَانِ نُضْجِهَا , وَلَا يَتَعَالَجَنّ أَحَدُكُمْ مَا احْتَمَلَ بَدَنُهُ الدّاءَ , وَعَلَيْكُمْ بِتَنْظِيفِ الْمَعِدَةِ فِي كُلّ شَهْرٍ , فَإِنّهَا مُذِيبَةٌ لِلْبَلْغَمِ , مُهْلِكَةٌ لِلْمِرّةِ , مُنْبِتَةٌ لِلّحْمِ , وَإِذَا تَغَدّى أَحَدُكُمْ فَلْيَنَمْ عَلَى إثرِ غدائه سَاعة، وإذا تعشَّى فليمشِ أربعين خطوةً. [وَصَايَا لِطَبِيبٍ] وَقَالَ بَعْضُ الْمُلُوكِ لِطَبِيبِهِ : لَعَلّك لَا تَبْقَى لِي فَصِفْ لِي صِفَةً آخُذُهَا عَنْكُ , فَقَالَ : لَا تَنْكِحْ إلّا شَابّةً , وَلَا تَأْكُلْ مِنْ اللّحْمِ إلّا فَتِيّا , وَلَا تَشْرَبْ الدّوَاءَ إلّا مِنْ عِلّةٍ , وَلَا تَأْكُلْ الْفَاكِهَةَ إلّا فِي نُضْجِهَا , وَأَجِدْ مَضْغَ الطّعَامِ , وَإِذَا أَكَلْت نَهَارًا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَنَامَ , وَإِذَا أَكَلْت لَيْلًا فَلَا تَنَمْ حَتّى تَمْشِيَ وَلَوْ خَمْسِينَ خُطْوَةً , وَلَا تَأْكُلَنّ حَتّى تَجُوعَ , وَلَا تَتَكَارَهَنّ عَلَى الْجِمَاعِ , وَلَا تَحْبِسْ الْبَوْلَ , وَخُذْ مِنْ الْحَمّامِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْك , وَلَا تَأْكُلَنّ طَعَامًا وَفِي مَعِدَتِك طَعَامٌ , وَإِيّاكَ أَنْ تَأْكُلَ مَا تَعْجِزُ أَسْنَانُك عَنْ مَضْغِهِ , فَتَعْجِزَ مَعِدَتُك عَنْ هَضْمِهِ , وَعَلَيْك فِي كُلّ أُسْبُوعٍ بِقَيْئَةٍ تُنَقّي جِسْمَك , وَنِعْمَ الْكَنْزُ الدّمُ فِي جَسَدِك , فَلَا تُخْرِجْهُ إلّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ , وَعَلَيْكَ بِدُخُولِ الْحَمّامِ , فَإِنّهُ يُخْرِجُ مِنْ الْأَطْبَاقِ مَا لَا تَصِلُ الْأَدْوِيَةُ إلَى إخْرَاجِهِ. [وَصَايَا لِلشّافِعِيّ] وَقَالَ الشّافِعِيّ : أَرْبَعَةٌ تُقَوّي الْبَدَنَ : أَكْلُ اللّحْمِ , وَشَمّ الطّيبِ , وَكَثْرَةُ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ , وَلُبْسُ الْكَتّانِ. وَأَرْبَعَةٌ تُوهِنُ الْبَدَنَ : كَثْرَةُ الْجِمَاعِ , وَكَثْرَةُ الْهَمّ , وَكَثْرَةُ شُرْبِ الْمَاءِ عَلَى الرّيقِ , وَكَثْرَةُ أَكْلِ الْحَامِضِ. وَأَرْبَعَةٌ تُقَوّي الْبَصَرَ : الْجُلُوسُ حِيَالَ الْكَعْبَةِ , وَالْكُحْلُ عِنْدَ النّوْمِ , وَالنّظَرُ إلَى الْخُضْرَةِ , وَتَنْظِيفُ الْمَجْلِسِ. وَأَرْبَعَةٌ تُوهِنُ الْبَصَرَ : النّظَرُ إلَى الْقَذَرِ , وَإِلَى الْمَصْلُوبِ , وَإِلَى فَرْجِ الْمَرْأَةِ , وَالْقُعُودُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ. وَأَرْبَعَةٌ تَزِيدُ فِي الْجِمَاعِ : أَكْلُ الْعَصَافِيرِ , والإطريفل , وَالْفُسْتُقِ , وَالْخَرّوبِ. وَأَرْبَعَةٌ تَزِيدُ فِي العقل: تَرْكُ الْفُضُولِ مِنْ الْكَلَامِ , وَالسّوَاكُ , وَمُجَالَسَةُ الصّالِحِينَ , وَمُجَالَسَةُ الْعُلَمَاءِ. [ مَحَاذِرُ أَفْلَاطُونَ ] وَقَالَ أَفْلَاطُونُ : خَمْسٌ يُذِبْنَ الْبَدَنَ وَرُبّمَا قَتَلْنَ : قِصَرُ ذَاتِ الْيَدِ , وَفِرَاقُ الْأَحِبّةِ , وَتَجَرّعُ الْمَغَايِظِ , وَرَدّ النّصْحِ , وَضَحِكُ ذَوِي الْجَهْلِ بِالْعُقَلَاءِ. [ مَحَاذِرُ لِطَبِيبِ الْمَأْمُونِ ] وَقَالَ طَبِيبُ الْمَأْمُونِ : عَلَيْك بِخِصَالٍ مَنْ حَفِظَهَا فَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ لَا يَعْتَلّ إلّا عِلّةَ الْمَوْتِ : لَا تَأْكُلْ طَعَامًا وَفِي مَعِدَتِك طَعَامٌ , وَإِيّاكَ أَنْ تَأْكُلَ طَعَامًا يُتْعِبُ أَضْرَاسَك فِي مَضْغِهِ , فَتَعْجِزَ مَعِدَتُك عَنْ هَضْمِهِ , وَإِيّاكَ وَكَثْرَةَ الْجِمَاعِ , فَإِنّهُ يُطْفِئُ نُورَ الْحَيَاةِ , وَإِيّاكَ وَمُجَامَعَةَ الْعَجُوزِ , فَإِنّهُ يُورِثُ مَوْتَ الْفَجْأَةِ , وَإِيّاكَ وَالْفَصْدَ إلّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ , وَعَلَيْك بِالْقَيْءِ فِي الصّيْفِ. [ وَصِيّةٌ لأبقراط ] وَمِنْ جَوَامِعِ كَلِمَاتِ أبقراط قَوْلُهُ : كُلّ كَثِيرٍ فَهُوَ مُعَادٍ لِلطّبِيعَةِ. [ وَصِيّةٌ لِجَالِينُوسَ ] وَقِيلَ لِجَالِينُوسَ :مَا لَك لَا تَمْرَضُ ؟فَقَالَ : لِأَنّي لَمْ أَجْمَعْ بَيْنَ طَعَامَيْنِ رَدِيئَيْنِ , وَلَمْ أُدْخِلْ طَعَامًا عَلَى طَعَامٍ , وَلَمْ أَحْبِسْ فِي الْمَعِدَةِ طَعَامًا تَأَذّيْت بِهِ. فَصْلٌ [أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ تُمْرِضُ الْبَدَنَ ] وَأَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ تُمْرِضُ الْجِسْمَ : الْكَلَامُ الْكَثِيرُ , وَالنّوْمُ الْكَثِيرُ , وَالْأَكْلُ الْكَثِيرُ , وَالْجِمَاعُ الْكَثِيرُ. [مَضَارّ الْكَلَامِ الْكَثِيرِ ] فَالْكَلَامُ الْكَثِير: يُقَلّلُ مُخّ الدّمَاغِ وَيُضْعِفُهُ , وَيُعَجّلُ الشّيْبَ. [مَضَارّ النّوْمِ الْكَثِيرِ ] وَالنّوْمُ الْكَثِيرُ : يُصَفّرُ الْوَجْهَ , وَيُعْمِي الْقَلْبَ , وَيُهَيّجُ الْعَيْنَ , وَيُكْسِلُ عَنْ الْعَمَلِ , وَيُوَلّدُ الرّطُوبَاتِ فِي الْبَدَنِ. [مَضَارّ الْأَكْلِ الْكَثِيرِ ] وَالْأَكْلُ الْكَثِيرُ : يُفْسِدُ فَمَ الْمَعِدَةِ , وَيُضْعِفُ الْجِسْمَ , وَيُوَلّدُ الرّيَاحَ الْغَلِيظَةَ , وَالْأَدْوَاءَ الْعَسِرَةَ. [مَضَارّ الْجِمَاعِ الْكَثِيرِ] وَالْجِمَاعُ الْكَثِيرُ : يَهُدّ الْبُدْنَ , وَيُضْعِفُ الْقُوَى , وَيُجَفّفُ رُطُوبَاتِ الْبَدَنِ , وَيُرْخِي الْعَصَبَ , وَيُورِثُ السّدَدَ , وَيَعُمّ ضَرَرُهُ جَمِيعَ الْبَدَنِ , وَيَخُصّ الدّمَاغَ لِكَثْرَةِ مَا يَتَحَلّلُ بِهِ مِنْ الرّوحِ النّفْسَانِيّ , وَإِضْعَافِهِ أَكْثَرَ مِنْ إضْعَافِ جَمِيعِ الْمُسْتَفْرِغَاتِ , وَيَسْتَفْرِغُ مِنْ جَوْهَرِ الرّوحِ شَيْئًا كَثِيرًا. [ أَنْفَعُ الْجِمَاعِ ] وَأَنْفَعَ مَا يَكُونُ إذَا صَادَفَ شَهْوَةً صَادِقَةً مِنْ صُورَةٍ جَمِيلَةٍ حَدِيثَةِ السّنّ حَلَالًا مَعَ سِنّ الشّبُوبِيّةِ , وَحَرَارَةِ الْمِزَاجِ وَرُطُوبَتِهِ , وَبُعْدِ الْعَهْدِ بِهِ وَخَلَاءِ الْقَلْبِ مِنْ الشّوَاغِلِ النّفْسَانِيّةِ , وَلَمْ يُفَرّطْ فِيهِ , وَلَمْ يُقَارِنْهُ مَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ مَعَهُ مِنْ امْتِلَاءٍ مُفْرِطٍ , أَوْ خَوَاءٍ , أَوْ اسْتِفْرَاغٍ , أَوْ رِيَاضَةٍ تَامّةٍ , أَوْ حَرّ مُفْرِطٍ , أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطٍ , فَإِذَا رَاعَى فِيهِ هَذِهِ الْأُمُورَ الْعَشْرَةَ , انْتَفَعَ بِهِ جِدّا , وَأَيّهَا فَقَدَ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ الضّرَرِ بِحَسَبِهِ , وَإِنْ فُقِدَتْ كُلّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا فَهُوَ الْهَلَاكُ الْمُعَجّلُ . فَصْلٌ [الْحِمْيَةُ ] [وَصَايَا جَالِينُوسَ ] وَالْحِمْيَةُ الْمُفْرِطَةُ فِي الصّحّةِ , كَالتّخْلِيطِ فِي الْمَرَضِ , وَالْحِمْيَةُ الْمُعْتَدِلَةُ نَافِعَةٌ , وَقَالَ جَالِينُوسُ لِأَصْحَابِهِ : اجْتَنِبُوا ثَلَاثًا , وَعَلَيْكُمْ بِأَرْبَعٍ , وَلَا حَاجَةَ بِكُمْ إلَى طَبِيبٍ : اجْتَنِبُوا الْغُبَارَ , وَالدّخَانَ , وَالنّتْنَ , وَعَلَيْك بِالدّسَمِ , وَالطّيبِ , وَالْحَلْوَى , وَالْحَمّامِ , وَلَا تَأْكُلُوا فَوْقَ شِبَعِكُمْ , وَلَا تَتَخَلّلُوا بالباذروج وَالرّيْحَانِ , وَلَا تَأْكُلُوا الْجَوْزَ عِنْدَ الْمَسَاءِ , وَلَا يَنَمْ مَنْ بِهِ زُكْمَةٌ عَلَى قَفَاهُ , وَلَا يَأْكُلْ مَنْ بِهِ غَمّ حَامِضًا , وَلَا يُسْرِعْ الْمَشْيَ مَنْ افْتَصَدَ , فَإِنّهُ مُخَاطَرَةُ الْمَوْتِ , وَلَا يَتَقَيّأُ مَنْ تُؤْلِمُهُ عَيْنُهُ , وَلَا تَأْكُلُوا فِي الصّيْفِ لَحْمًا كَثِيرًا , وَلَا يَنَمْ صَاحِبُ الْحُمّى الْبَارِدَةِ فِي الشّمْسِ , وَلَا تَقْرُبُوا الْبَاذِنْجَانَ الْعَتِيقَ الْمُبَزّرَ , وَمَنْ شَرِبَ كُلّ يَوْمٍ فِي الشّتَاءِ قَدَحاً مِن مَاءٍ حَارّ , أَمِنَ مِنْ الْأَعْلَالِ , وَمَنْ دَلّكَ جِسْمَهُ فِي الْحَمّامِ بِقُشُورِ الرّمّانِ أَمِنَ مِنْ الْجَرَبِ وَالْحَكّةِ , وَمَنْ أَكَلَ خَمْسَ سَوْسَنَاتٍ مَعَ قَلِيلٍ مَصْطَكَا رُومِيّ , وَعُودٍ خَامٍ , وَمِسْكٍ , بَقِيَ طُولَ عُمْرِهِ لَا تَضْعُفَ مَعِدَتُهُ وَلَا تَفْسُدُ , وَمَنْ أَكَلَ بِزْرَ الْبِطّيخِ مَعَ السّكّرِ , نَظّفَ الْحَصَى مِنْ مَعِدَتِهِ , وَزَالَتْ عَنْهُ حُرْقَةُ الْبَوْلِ. فَصْلٌ [ وَصَايَا عَامّةٌ ] أَرْبَعَةٌ تَهْدِمُ الْبَدَنَ : الْهَمّ , وَالْحُزْنُ , وَالْجُوعُ , وَالسّهَرُ. وَأَرْبَعَةٌ تُفْرِحُ : النّظَرُ إلَى الْخُضْرَةِ , وَإِلَى الْمَاءِ الْجَارِي , وَالْمَحْبُوبِ , وَالثّمَارِ. وَأَرْبَعَةٌ تُظْلِمُ الْبَصَرَ : الْمَشْيُ حَافِيًا , وَالتّصَبّحُ وَالتّمَسّي بِوَجْهِ الْبَغِيضِ وَالثّقِيلِ وَالْعَدُوّ , وَكَثْرَةُ الْبُكَاءِ , وَكَثْرَةُ النّظَرِ فِي الْخَطّ الدّقِيقِ. وَأَرْبَعَةٌ تُقَوّي الْجِسْمَ : لُبْسُ الثّوْبِ النّاعِمِ , وَدُخُولُ الْحَمّامِ الْمُعْتَدِلُ , وَأَكْلُ الطّعَامِ الْحُلْوِ وَالدّسِمِ , وَشَمّ الرّوَائِحِ الطّيّبَةِ. وَأَرْبَعَةٌ تُيَبّسُ الْوَجْهَ وَتُذْهِبُ مَاءَهُ وَبَهْجَتَهُ وَطَلَاوَتَهُ : الْكَذِبُ , وَالْوَقَاحَةُ , وَكَثْرَةُ السّؤَالِ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ , وَكَثْرَةُ الْفُجُورِ. وَأَرْبَعَةٌ تَزِيدُ فِي مَاءِ الْوَجْهِ وَبَهْجَتِهِ : الْمُرُوءَةُ , وَالْوَفَاءُ , وَالْكَرَمُ , وَالتّقْوَى. وَأَرْبَعَةٌ تَجْلِبُ الْبَغْضَاءَ وَالْمَقْتَ : الْكِبْرُ , وَالْحَسَدُ , وَالْكَذِبُ , وَالنّمِيمَةُ. وَأَرْبَعَةٌ تَجْلِبُ الرّزْقَ : قِيَامُ اللّيْلِ , وَكَثْرَةُ الِاسْتِغْفَارِ بِالْأَسْحَارِ , وَتَعَاهُدُ الصّدَقَةِ , وَالذّكْرُ أَوّلَ النّهَارِ وَآخِرَهُ. وَأَرْبَعَةٌ تَمْنَعُ الرّزْقَ : نَوْمُ الصّبْحَةِ , وَقِلّةُ الصّلَاةِ , وَالْكَسَلُ , وَالْخِيَانَةُ. وَأَرْبَعَةٌ تَضُرّ بِالْفَهْمِ وَالذّهْنِ : إدْمَانُ أَكْلِ الْحَامِضِ وَالْفَوَاكِهِ , وَالنّوْمُ عَلَى الْقَفَا , وَالْهَمّ , وَالْغَمّ. وأربعةٌ تَزيدُ فِي الفهم : فراغُ القلب ، وقِلَّةُ التملِّي من الطعام والشراب ، وحُسنُ تدبير الغذاء بالأشياء الحُلوة والدَّسِمة ، وإخراجُ الفَضلات المُثْقِلَةِ للبدن. وَمِمّا يَضُرّ بِالْعَقْلِ : إدْمَانُ أَكْلِ الْبَصَلِ , وَالْبَاقِلّا , وَالزّيْتُونِ , وَالْبَاذِنْجَانِ , وَكَثْرَةُ الْجِمَاعِ , وَالْوَحْدَةُ , وَالْأَفْكَارُ , وَالسّكّرُ , وَكَثْرَةُ الضّحِكِ , وَالْغَمّ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ النّظَرِ : قُطِعَتْ فِي ثَلَاثِ مَجَالِسَ فَلَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ عِلّةً إلّا أَنّي أَكْثَرْتُ مِنْ أَكْلِ الْبَاذِنْجَانِ فِي أَحَدِ تِلْكَ الْأَيّامِ , وَمِنْ الزّيْتُونِ فِي الْآخَرِ , وَمِنْ الْبَاقِلّا فِي الثّالِثِ.))اهـ من كتابه زاد المعاد.نهاية المجلد الرابع |
جزاك الله خيرا أخي السيد
على هذه المواضيع المميزة والاختيارات الموفقة واقتناص هذه الفوائد الطبية المفيدة ورحم ابن القيم الذي ضرب في كل علم بسهم غير طائش |
آمين وجزاك الله خيرا وبارك فيك شاعرنا ونسأل من الله الإخلاص في القول والعمل |
جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة شرفها الله. الساعة الآن: 10:22 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.7.3, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم بشرط الإشارة إلى منتديات الشعر السلفي