التِّبْيَانُ لِغَلَطِ الشَّيْخِ اللُّحَيْدَانِ فِيْ قَوْلِهِ بِحَتْمِيَّةِ الْخُرُوْجِ عَلَى الْحَاكِمِ ذِيْ الْكُفْرَانِ
بسم الله الرّحمن الرّحيم التِّبْيَانُ لِغَلَطِ الشَّيْخِ اللُّحَيْدَانِ فِيْ قَوْلِهِ بِحَتْمِيَّةِ الْخُرُوْجِ عَلَى الْحَاكِمِ ذِيْ الْكُفْرَانِ إذَا أَمِنَ الشَّعْبُ مِنْ الفَنَاءِ وَلَوْ هَلَكَ الثُّلُثُ وَبَقِيَ الثُّلُثَانِ الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلامُ على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وتابعيهم بإحسانٍ وسنّةٍ إلى يوم الدّين. أمّا بعد: فلقد اغترّ كثيرون من الطّلبة بفتاوى الشّيخ صالحٍ اللُّحيدان-سدّده الله-في القتال اللّيبيّ؛ فكنتُ-دائمًا-أُصرّحُ بتغليطه، وأُعلِنُ تخطئتَه. ثُمّ اتّصلَ بي-الآنَ-بعضُ إخواننا السّوريّين؛ يسألون عن فتواه-سدّده الله-في الثّورة السّوريّة؛ فتطلّبتُها؛ فوجدتُ فيها كلامًا يُؤيّدُ الثّورتين اللّيبيّة واليمنيّة!، ووجدتُه يقول-سامحه الله-: ((أرجو الله-جلّ وعلا-أن يُوفِّقَ السُّوريّين إلى أن يجِدُّوا ويجتهدُوا في مقاومة هذه الدّولةِ الفاجرة الخبيثة الخطيرة الـمُلحِدة ولو هَلَكَ مَنْ هَلَك منهم!!! يُرى في مذهب مالكٍ أنّه يجوز قتلُ الثُّلُثِ ليَسْعَدَ الثُّلُثان! فلن يُقتَلَ من سوريا ثُلُثُها-إن شاء الله-؛ ولكن نرجو اللهَ أن يُعاجِلَ الفاجر بعقوبةٍ ماحقة، وأن تتشفّى صُدُورُ الـمُؤمنين هُناك، وأن يكون ذلك سببَ الصّلاح لأهل سوريا عمومًا... نحن نقول أنّ الـمُظاهرات هذي ليست مشروعةً شرعًا؛ لكن لـمّا يكون الملك كافر[كذا!]، أو رئيس الدّولة كافر[كذا!] كهذا-وَلَيْتَهُ كفرٌ بسيط؛ بل هذا كفرٌ شنيع-يُمكن إذا كان يطمع النّاس أن يُزيحوه دون أن يحصُلَ لهم (فناء) فالخُرُوجُ عليه من الأمورِ الحتميّة. أسألُ اللهَ بأسمائه وصفاته أن يُعاجِلَ السُّوريّين بالنّصر والتّمكين، وأن يُريَهُم في أعدائهم في سوريا عجائبَ قُدرَتِه، وأن يُريَنا في الـمُجرمين في كُلّ مكانٍ عجائبَ قُدرَتِه؛ في ليبيا، وأن يُعاجلَ (عليّ عبد الله صالح) بالتّخلّي عن منصبه وعن جميع سُلُطاته، أو أن يُعاجِلوه بالإزالة، وأن يكون مَا بعدَهُ خيرٌ[كذا!] لليمن ولمن يُجاوره ممّا كانت عليه الحال قبله...)). والتّعليق: أوّلاً: خُلاصةُ هذه الفتوى أنّ الخروجَ على الحاكم الكافر حتميٌّ إذا طمِعَ النّاسُ أن يُزيحوه دون أن يحصُلَ لهم فناء؛ ولو هلكَ مَن هلكَ، ولو هلكَ ثُلُثُ الشّعب؛ كما يُرى في مذهب مالك. ثانيًا: ما معنى الفناء؟. قال ابنُ فارسٍ في "معجم مقاييس اللّغة: 4/453": ((فَنِيَ يَفْنَى فَنَاءًا، واللهُ-تعالى-أفناه؛ وذلك إذا انقطع، والله-تعالى-قطعه؛ أي: إذا ذهب به)). وقال ابنُ منظورٍ في "لسان العرب: 7/178": ((الفَنَاءُ: نَقيضُ البقاء)). وقال الفيروزآباديّ في "القاموس الـمُحيط: 1322": ((فَنِيَ؛ كَـــــــرَضِيَ وسَعَى؛ فَنَاءًا: عُدِم)). وقال الرّازيّ في "مختار الصّحاح: 214": ((فَنِيَ الشّيءُ فَنَاءًا: بادَ)). وكلامُ أهلِ اللُّغةِ لا يخرجُ عن هذا؛ فمعنى أنْ يَفنَى الشّعبُ: أن ينقطعوا، ويبيدوا، ويُعدَموا، ويذهبوا؛ فلا يبقى منهم أحد!. وعلى هذا؛ فإنّ معنى ما قاله الشّيخُ اللُّحَيدان-: أنّه لو لكان لا يبقى من الشّعب غيرُ واحدٍ-فقط-ينخرمُ به قيدُ الفناء لكان الخروجُ على الحاكم الكافرِ حتميًّا!. وهذا القولُ خطيرٌ كبيرٌ مُصادمٌ لقواعد الشّريعةِ وتقريرات أئمّة الدّينِ؛ كما سيأتي-إن شاء الله-. ثالثًا: ما عزاهُ الشّيخُ اللّحيدان-سدّده الله-إلى مذهب الإمام مالكٍ-رحمه الله-غلطٌ شنيعٌ!. قال أبو المعالي الجُوينيّ الشّافعيُّ في"غِيَاث الأُمم في التياث الظّلم": ((وممّا يتعيّنُ الاعتناء به الآن، وهو مقصود الفصل: أنّ أبناء الزّمان ذهبوا إلى أنّ مناصب السّلطنة والولاية لا تَسْتَدُّ إلاّ على رأي مالكٍ-رضي الله عنه-، وكان يرى الازدياد على مبالغ الحدود في التّعزيرات، ويُسوِّغ للوالي أن يقتُل في التّعزير، وَنَقَلَ النَّقَلَةُ عنه أنّه قال: للإمام أن يقتل ثُلُثَ الأمّة في استصلاح ثُلثيها))! وقال في "البرهان في أُصول الفقه: 2/721": ((وأفرط الإمامُ=إمامُ دار الهجرة مالك بن أنسٍ في القول بالاستدلال؛ فرُئي يُثبِتُ مصالحَ بعيدةً عن المصالح المألوفة والمعاني المعروفة في الشّريعة، وجرّه ذلك إلى استحداث القتل وأخذ المال بمصالح يقتضيها غالب الظّنّ؛ وإن لم يجد لتلك المصالح مستندًا إلى الأصول)). ثمّ قال (2/275): ((ومالكٌ-رضي الله عنه-التزم مثل هذا في تجويزه لأهل الإيالات القتل في التّهم العظيمة؛ حتّى نقل عنه الثّقات أنه قال: أنا أقتل ثلث الأمّة لاستبقاء ثلثيها))!. وقال ابنُ قُدامةَ المقدسيُّ الحنبليُّ في "روضة النّاظر:150": ((حُكِيَ أنَّ مالكًا قال: يجوز قتلُ الثُّلُثِ من الخلق لاستصلاح الثّلثين)). ولكن! ابنُ قُدامةَ يُمرِّضُ هذا النّقلَ؛ فيقول: ((حُكِيَ))!، والجُوينيّ يعزوه إلى نقلةٍ مُبْهَمِين! والمحقِّقون من أهل المذهب المالكيّ وغيرهم ينفون أن يكون هذا قولاً لمالكٍ أو لأهل مذهبه.. قال محمّد بن أحمد بن محمّد عليش في "مِنَح الجليل شرح مختصر خليل: 7/513-514": ((في "التّوضيح": أبو المعالي: الإمام مالكٌ-رضي الله تعالى عنه-كثيرًا ما يبني مذهبه على المصالح، وقد نُقِلَ عنه قتلُ ثُلُث العامّة لإصلاح الثّلثين. المازريّ: ما حكاه أبو المعالي عن مالكٍ صحيح. زاد الحطّاب بعده عن "شرح المحصول": ما ذكره إمام الحرمين عن مالكٍ لم يوجد في كتب المالكيّة. البُنانيّ=شيخ شيوخنا المحقّق محمّد بن عبد القادر: هذا الكلام لا يجوز أن يُسطّر في الكتب؛ لئلاّ يغترّ به بعض ضعفة الطّلباء، وهذا لا يوافق شيئًا من القواعد الشّرعيّة. الشّهاب القرافيّ: ما نقله إمام الحرمين عن مالكٍ أنكره المالكيّة إنكارًا شديدًا، ولم يوجد في كتبهم. ابن الشّمّاع: ما نقله إمامُ الحرمين لم ينقله أحدٌ من علماء المذهب، ولم يُخبر أنّه رواه نقلته؛ إنّما ألزمه ذلك، وقد اضطرب إمامُ الحرمين في ذكره ذلك عنه؛ كما اتّضح ذلك من كتاب "البرهان". وقول المازريّ ((ما حكاه أبو المعالي صحيح)) راجعٌ لأوّل الكلام؛ وهو: أنّه كثيرًا ما يبني مذهبه على المصالح؛ لا إلى قوله: نُقل عنه قتل الثلث إلخ، أو أنّه حمله على تترّس الكفار ببعض المسلمين. وقوله ((مالكٌ يبني مذهبه على المصالح كثيرًا)) فيه نظرٌ؛ لإنكار المالكيّة ذلك؛ إلاّ على وجهٍ مخصوصٍ حسبما تقرّر في الأصول. ولا يصحّ حمله على الإطلاق والعموم حتّى يجري في الفتن التي تقع بين المسلمين وما يشبهها. وقد أشبع الكلام في هذا شيخُ شيوخنا العلاّمة المحقّق أبو عبد الله سيدي العربيّ الفاسيّ في جوابٍ له طويل؛ وقد نقلتُ منه ما قيّدته أعلاه؛ وهو تنبيهٌ مهمٌّ تنبغي المحافظة عليه؛ لئلاّ يُغترّ بما في "التّوضيح" اهـ. وأمّا تأويل (ز) بأنّ الـمُراد قتلُ ثُلُثِ الـمُفسدين إذا تعيّن طريــــقًا لإصلاح بقيّتهم فغير صحيح، ولا يحلّ القول به؛ فإنّ الشّارع إنّما وضع لإصلاح المفسدين الحدود عند ثبوت موجباتها؛ ومَن لم تُصلحه السُّنَّةُ فلا أصلحه الله تعالى. ومثلُ هذا التّأويل الفاسد هو الّذي يُوقع كثيرًا من الظّلمة المُفسدين في سفك دماء المسلمين؛ نعوذ بالله من شرور الفساد)). وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ في "إنباء الغُمر: 9/107"-بعد سرد وقائع قصّةٍ فيها عصيانُ ناسٍ من العامّة لولاة أمرِهم-: ((فَأَمَرَ السّلطان بجمع الأمراء والقُضاة يومَ الأحد صبيحةَ الرّابع والعشرين؛ فاشْتَوَرُوا؛ فقيل للمالكيّ: إنّ عندهم قولاً بقتل الثّلث لاستصلاح الثُّلث[يقصد: الثّلثين]؛ فأنكر المالكيّ ذلك، وقال: هذا لا يُعرف في المذهب...)). وقال الشّوكانيّ في "إرشاد الفُحُول: 242": ((وقد أنكر جماعةٌ من المالكيّة ما نُسِبَ إلى مالكٍ من القول بها [أي: المصالح الـمُرسَلة]؛ ومنهم القرطبيّ، وقال: ذهب الشّافعيّ ومُعْظَمُ أصحابِ أبي حنيفةَ إلى عَدَمِ الاعتماد عليها؛ وهو مذهب مالك، قال: وقد اجترأ إمام الحرمين الجوينيّ وجازف فيما نسبه إلى مالكٍ من الإفراط في هذا الأصل؛ وهذا لا يُوجد في كُتُبِ مالكٍ، ولا في شيءٍ من كُتُب أصحابه)). وقال العلاّمةُ الـمُفسِّرُ الأُصوليُّ محمّد الأمين الشّنقيطيّ-رحمه الله-في مُحاضرةٍ بعنوان "المصالح الـمُرْسَلة": ((اعلم-أوّلاً-أنّ بعض العلماء شنّع على مالك بن أنسٍ-رحمه الله-في الأخذ بالمصالح المرسلة تشنيعًا شديدًا؛ كأبي المعالي الجوينيّ ومَنْ وافَقَه ؛فعابوا مالكًا بأنّه يحكُم بضرب الـمُتَّهم ليُقِرَّ بالسّرقة مثلاً، وقالوا: لا شكّ أنّ ترك مُذنبٍ أهون من إهانة بريء، وزعموا أنّه يُجيز قتل ثُلُث الأمّة لإصلاح الثُّلثين، وأنّه يُبيح قطع الأعضاء في التّعزيرات، وقال بعضهم: العمل بالمصالح المرسلة تشريعٌ جديدٌ لعدم استناد المصالح المرسلة إلى نصٍّ خاصٍّ من كتابٍ أو سنّة. وسنذكر-أوّلاً-حجّة مالكٍ المتضمّنة الجواب عمّا قيل عنه، ثمّ نذكر-بعد ذلك-ما يُحتاج إليه من الكلام على المصالح المرسلة، وموقفِ أهل المذاهب وأصحابهم منها. أمّا دعواهم على مالكٍ أنّه يُجيز قتْلَ ثُلُث الأمة لإصلاح الثّلثين، وأنّه يجيز قطع الأعضاء في التّعزيرات فهي دعوى باطلةٌ؛ لم يَقُلْها مالكٌ، ولم يَرْوِها عنه أحدٌ من أصحابه، ولا توجد في شيءٍ من كتب مذهبه؛ كما حقّقه القرافيّ، ومحمّد بن الحسن البنانيّ، وغيرهما، وقد درسنا مذهب مالكٍ زمنًا طويلاً وعرفنا أنّ تلك الدّعوى باطلة)). وحتّى المبتدعُ المعروفُ يُوسُفُ القرضاويُّ فهو-مع شدّة حماسته البدعيّة لهذه الثّورات العربيّة؛ إلاّ أنّه-يقول في "الدّين والسّياسة" تعليقًا على ما قاله الجوينيّ في "الغياثيّ": ((لم يذكر لنا إمام الحرمين-هنا-ولا في كتابه الأصولي الشّهير "البرهان" أين نُقِل هذا عن مالك؛ فلم يذكره في "الموطّأ"، ولم يَرِد في "المدوّنة"، ولا في غيرها من كتب مذهبه، ولم يَنْقُل هذا أحدٌ من العلماء المعروفين الّذين عُنوا بنقل أقوال الأئمّة وفقهاء السّلف؛ مثل: عبد الرّزّاق، وابن أبي شيبة في "مصنّفيهما"، والطّحاويّ والبيهقيّ في كتبهما. وقد أنكر هذا القول علماء المالكيّة بشدّة؛ كما في "منح الجليل شرح مختصر خليل"؛ حيث قال:...))؛ وذكر ما سبق نقله عن عليشٍ المالكيّ. ولا حاجة إلى الإكثار من النّقلِ في إثباتِ براءة الإمامِ مالكٍ-رحمه الله-وأهل مذهبه من نسبة هذا القول الشّنيع إليهم؛ ففيما سبق كفايةٌ؛ فإنّ المالكيّة يتبرّؤون من هذا بشدّةٍ، ويُنكرونه بقوّةٍ، وهو غيرُ موجودٍ في شيءٍ من كتبهم، ولا أسنده إليهم أحدٌ بأدنى إسنادٍ؛ بل هو نقلٌ بلا زمامٍ ولا خطامٍ، ممّن يُشنّعون على الإمام مالكٍ بلا بُرهان؛ فلا تحِلُّ نسبته إليهم؛ لا سيّما وفساده بيّنٌ؛ كما سبق بيانُ المالكيّة لشيءٍ من أوجه فساده وبُطلانه ومُخالفته لقواعد الشّريعة، وسيأتي مزيدٌ من ذلك-إن شاء الله-. وحتّى من نسب هذا القول لمالكٍ-رحمه الله-فإنّهم ينقلونه على سبيل التّشنيع والرّدّ؛ لا على وجه القول به والأخذ؛ كالجوينيّ لـمّا قال في "البرهان": ((...فرُئي يُثبِتُ مصالحَ بعيدةً عن المصالح المألوفة والمعاني المعروفة في الشّريعة))، وردّ على ما نسبه(!) إلى مالكٍ في "البرهان:2/277"؛ فقال: ((تبيّن من نظر الصّحابة-رضي الله عنهم-في مائة سنة، ومن نظر أئمّة التّابعين أنّ ما قال مالكٌ-رضي الله عنه-، وما استشهدنا به لا يُحكم به، ونحن نعلم أنّ الأمد الطّويل لا يخلو عن جريان ما يقتضي مثل ما يعتقده مالك؛ ثمّ لم يجر...)). فلا المالكيّةُ ولا غيرُهم يقولون بهذا القول العجيب الغريب! بل أكادُ أجزِمُ أنّه لا يقول به أحدٌ، ولا ينبغي أن يقول به أحد!!! رابِعًا: لو صحّ(!) النّقلُ عن الإمامِ مالكٍ أو أهل مذهبه في هذا؛ فبابةُ هذا عندهم غير البابة الّتي ساق الشّيخُ اللّحيدان-غفر الله لي وله-مذهبهم المزعوم منها؛ فالمنسوب إلى مالكٍ-رحمه الله-إنّما هو قتلُ الحاكمِ ثُلُثَ الرّعيّة؛ لفسادهم؛ ليَرْدعَ الثُّلُثين ويُصلِحَهم بزوالِ الثُّلُثِ الفاسد؛ لا قتلَ الحاكمِ الكافرِ ثُلُثَ الشّعبِ لِينصَلِحَ الحالُ بزوال هذا الحاكم الفاسد! خامسًا: لو صحّ(!) النّقلُ عن الإمامِ مالكٍ أو أهل مذهبه في هذا؛ فمَن ينْسُبُ هذا إليه-رحمه الله-يجعله مثالاً على قول مالكٍ بالاستدلال؛ الّذي هو الاستصلاح، أو: المصالح الـمُرسَلة. فإذا عرَفنا هذا؛ فإنّ من قواعد الشّريعة الـمُتقرّرة-في هذا الباب-أنّه: إذا تزاحمت مفسدتان دُرئت أعظمهما بارتكاب أدناهما، وأنّ الضّرر لا يُزال بمثله؛ فكيف بأكبر منه؟!.. ولا يُشَكُّ أنّ مفسدة هلاك الشّعب في الخروج على الحاكم الكافر إذا لم يَبْقَ منهم غيرُ واحدٍ أو اثنين أو أكثر أكبرُ بكثيرٍ من مفسدة تسلّط هذا الكافر عليهم بِحُكْمِهِ لهم؛ فلا يُمكن أنْ يُقال بحتميّة الخروج على الحاكم الكافر ولو هلك من هلك ما لم يَفْنَ الشّعب؛ لأنّ هذا القول مُصادمٌ لهذه القواعد الشّرعيّة الـمُقرّرة. قال شيخُ الإسلامِ-رحمه الله-كما في "مجموع الفتاوى:20/57": ((إذا اجتمع محرّمان لا يُمكن تركُ أعظمها إلاّ بفعل أدناهما؛ لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرّمًا في الحقيقة؛ وإن سُمِّيَ ذلك: تركُ واجبٍ، وسُمِّيَ هذا الفعل محرّم باعتبار الإطلاق لا يضرّ، ويُقال في مثل هذا: تركَ الواجب لعذرٍ، وفعَل المحرَّم للمصلحة الرّاجحة، أو للضّرورة، أو لدفع ما هو أحرم)). وقال-رحمه الله- في"المجموع:20/48": ((الشّريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها, وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنّها ترجّح خير الخيرين وشرّ الشّرين, وتحصّل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما, وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما)). وضرب ابنُ القيّم-رحمه الله-في "إعلام الموقّعين: 3/7" لهذه القاعدة أمثلةً؛ منها: ((إذا رأيتَ الفُسّاقَ قد اجتمعوا على لهوٍ ولعب, أو سماع مُكاءٍ وتصديةٍ؛ فإنْ نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد, وإلاّ كان تركهم على ذلك خيرًا من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك؛ فكان ما هم فيه شاغلاً لهم عن ذلك. وكما إذا كان الرّجل مشتغلاً بكتب المجون ونحوها, وخِفْت من نقله عنها انتقالَه إلى كتب البدع والضّلال والسّحرة؛ فدعه وكتبه الأولى, وهذا بابٌ واسع...)). فقتلُ جُلِّ الشّعبِ ما لم يحصُل لهم فناءٌ وإبادةٌ كاملةٌ لإصلاح حالهم بإزالة حاكمهم الكافر نوعٌ من العبث الّذي تتنزّه عنه الشّريعةُ؛ لأنّه وقوعٌ في المفسدة العظمى فرارًا من الصّغرى! وشأنُ الدّماء عند الله-سبحانه-عظيم.. ولـمّا اجتمعَ حول إمام أهل السّنّة أحمد-رحمه الله-مَن يُزيّن له الخروج على خليفة زمانه-وقد فعل بالمسلمين وأئمّة الدّين في محنة الكفر والقول بخلق القرآن ما فعل-كان الإمامُ أحمدُ-رحمه الله-يُغلّظُ الأمرَ في أعينهم؛ قائلاً: الدّماء!الدّماء!الدّماء!. فكيف لو قالوا له: يُقتَلُ الثّلث ويبقى الثّلثان؟!!!. وكيف لو قالوا له: هلك مَن هلك؟!!!. وكيف لو قالوا له: ولو قُتِلَ جُلُّ النّاسِ؛ ما لم يحصُل لهم فناء؟!!!. وكيف لو قالوا له بوجوب ذلك وحتميّته؟!!!. سادسًا: لو قُلنا: إنّ الخروج على الحاكم الكافر واجبٌ حَتْمٌ مُطْلَقًا؛ فإنّه لا يكون كذلك بدون القدرة على الإطاحة به وإزاحته؛ لأنّ (القدرة مناطُ التّكليف)، و((لا يُكلّف اللهُ نفسًا إلاّ وُسعها))، و(الأمرُ إذا ضاق اتّسع)؛ فـ(المشقّةُ تجلِبُ التّيسير)، و((ما جعلنا عليكم في الدّين من حرج)).. وإلاّ؛ فإنّ القولَ بتكليف النّاس بالخروج على الحاكم الكافر ولو هلك مَن هلك ما لم يحصل لهم فناءٌ (تكليفٌ بما لا يُطاقُ) تتنزّه عنه الشّريعة، ولا يقول بمثله علماؤها! سابِعًا: لقد أفتى علماءُ السّلفيّة في (الثّورتين السّوريّة واللّيبيّة) بغير فتوى الشّيخ اللّحيدان-سدّده الله-، وفتاواهم معروفةٌ مشهورةٌ؛ منها ما أرسل إليّ به شيخُنا الإمامُ الرّبيعُ بنُ هادي-حفظه الله-؛ لتبليغه لإخواننا اللّيبيّين؛ أنْ ((الزموا بيوتكم، وراجعوا أحاديث (كتاب الفتن) من "سُنن التّرمذيّ")). ولـمّا سألني إخواننا السّوريّون عن حكم الثّورة السّوريّة على حاكمهم الكافر؛ أجبْتُهم: أنّ مقاتلتهم هذا الحاكمَ النّصيريّ البعثيّ الكافر بصدورهم العارية؛ وهو مُدجّجٌ بأنواع الأسلحة الثّقيلة، وحولَه مَنْ حَوْلَه من ألوف الألوف من النّصيريّة والدّرزيّة والبعثيّة والشّيوعيّة والنّصارى والرّافضة والمنافقين وجهلة الـمُسلمين، وجيوبُه مُثقلةٌ بألوفِ ألوفِ الألوف من الأموالِ الّتي استولى عليها من خزائن الـمُسلمين؛ قلت لهم: إنّ هذا انتحارٌ..!. ولكن! اصبروا، ولْيُهاجِرْ-فَرارًا بدينه-مَن استطاعَ ذلك، ولْيَدْعُ إلى التّوحيد والسّنّة-ولو بسرّيّةٍ-مَن بقيَ منهم؛ حتّى تقوى دعوتهم في الشّعب، ومن ثمّ يستعدّون لمقاتلة هذا الكافر وعصابته؛ كما قال ربّنا-سبحانه-: ((وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رباط الخيل)).. أمّا مُقاتلة هذه الجيوش الجرّارة، وبدون أدنى أدنى أنواع الأسلحة؛ فهذا لا يحلُّ، ولا ينبغي له أن يحلّ! فقال السّوريّون: إنّ النّصيريّة-من الشّعب-صاروا يقتحمون عليهم بُلدانهم وقُراهم ويقتلون مَن يقتلون من المسلمين، وأراد السّائلون أن أسألَ لهم شيخنا الرّبيع-حفظه الله-عن التّصدّي لهؤلاء ومقاومتهم.. فجاء جواب شيخنا-حفظه الله-أنْ: ((اكسِروا قِسيّكم)).. نعم! قال رسول الله-صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-في الفتنة: ((اكسروا قسيّكم، و اقطعوا أوتاركم, والزموا أجواف البيوت, وكونوا فيها كالخير من ابني آدم))؛ رواه التّرمذيّ وغيره من حديث أبي موسى-رضي الله عنه-. ومَن يُفتي بالـمُشاركة في الثّورتين السّوريّة واللّيبيّة ليس بأقوى سلفيّةً من شيخنا الإمام الألبانيّ-رحمه الله-، ولا حاكمُ سوريّا النّصيريّ البعثيّ (بشّارُ) بأكفرَ من أبيه (حافظٍ) الّذي كان في الحكم قبله.. فكيف كانت نظرةُ الألبانيّ (الإمامِ في السّلفيّة) إلى الثّورة على حافظٍ (الإمامِ في الكفر)؟!. كان-رحمه الله-لا يرى الثّورة سبيلاً للإطاحة بهذا الكافر؛ بل يأمُرُ مَن يستطيع الهجرة ممّن لا يقدرُ على إقامة دينه أن يُهاجر، ومَن بقي يقوم بالدّعوة إلى الله إن استطاع؛ عن طريق تصفية الدّين ممّا دخل فيه وليس منه، وتربية النّاس على ذلك.. كان يرى الصّبر؛ حتّى هاجر هو نفسُه-رحمه الله-. يقول-كما في الشّريط رقم: 726؛ من"سلسلة الهدى والنّور"؛ عن حاكم ليبيا القذّافيّ الكافر-: ((فالآن؛ أنت الّذي تذكُرُه في ليبيا أسوأ من بريطانيا وأسوأ من ألمانيا. فهذا السّوء-يعني-يجعل القول بأنّ الهجرة واجبةٌ على مَن لم يتمكّن من إقامة الشّعائر الدّينيّة والدّعوة الإسلاميّة في ليبيا. يكفي أنّ الرّجل[يقصد: القذّافيّ] أعلنَ إلحاده، وأعلن مُحاربته للسّنّة؛ فما بقيَ للمُسلمين في تلك البلاد؟. ما الأمل المنشود الّذي يبتغيه هؤلاء الشّباب؟. هل يستطيعون يومًا ما أن يقلبوا نظامَ الحُكمِ بطريق الدّعوة الّذي هو أحسن؟. أم يأملون أن يُقيموا ثورةً حمراء على هذا الثّائر؟. إن كانت الأولى؛ فهذا يحتاجُ إلى زمنٍ مديدٍ، ويحتاجُ إلى تعاونٍ مع الشّباب المسلم في البلاد الأخرى الّتي فيها ما أقول الحرّيّة الكاملة-مع الأسف-؛ لكن فيها حرّيّةٌ أكثر من تلك البلاد. أمّا إن كانوا يُريدون أن يُخطّطوا-كما يفعل بعض الجماعات-أن يُقيموا ثورةً ويقيموا (انقلاب عسكريّ)[كذا!] على هذا الطّاغية؛ فهُنا يُقال: أوردها سعدٌ وسعدٌ مُشتَمِل===ما هكذا يا سعدُ تُورَدُ الإبل فرسول الله-صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-هاجر من مكّةَ إلى المدينة، وأمر أصحابه بالهجرةِ من مكّةَ إلى المدينة، وقبل ذلك أمرهم بالهجرة إلى الحبشة. لماذا؟. لكي يتنفّسَ الصّحابةُ المؤمنون الصُّعَداء في بلاد الحبشة عند النّجاشيّ، ثمّ بعد ذلك جاءت المرحلةُ الثّانيةُ والأخيرة؛ وهي: الهجرةُ إلى المدينة...)). هذه هي فتوى الألبانيّ في الثّورة اللّيبيّة قبل أن تقوم! وللشّيح العلاّمة مقبلٍ الوادعيّ اليمانيّ-رحمه الله-كلامٌ-أيضًا-في الثّورتين السّوريّة واللّيبيّة قبل وقوعهما بزمنٍ مديدٍ؛ يقول-رحمه الله-: ((نحنُ لا ندعو إلى الثّورات ولا الانقلابات. فوالله؛ ما نحبّ أن تقومَ ثورةٌ في العراق؛ لأنّها ستُسفَكُ دماءُ المُسلمين، ولا نحبّ أن تقومَ ثورةٌ في ليبيا؛ لأنّ الدّائرة ستكون على رؤوس المساكين، وكذلك لا نحبّ أن تقومَ ثورةٌ في سوريّا؛ لأنّ الدّائرة ستكون على المسلمين)). وفتاوى سائر علمائنا لا تخرج عن هذا؛ فالله يتولاّهم ويُحسنُ إليهم. ثامنًا: قد علمنا كُفر حاكم سوريّا وكفر حاكم ليبيا.. فهل حاكم اليمن كافرٌ-أيضًا-حتّى يدعوَ الشّيخ اللّحيدان-سامحه الله-أن يُعاجِلَه الثّائرون اليمنيّون بالإزالة؟!!. تاسعًا: الشّيخُ اللّحيدان-سدّده الله-لا يُجيزُ الـمُظاهرات والخروج على غير الحاكم الكافر، وهذا يتناقض مع موقفه من الثّورة اليمنيّة.. ونقول-أيضًا-: إنّ هذا يعني أنّ سبب منع الشّيخ اللّحيدان-سدّده الله-للـمُظاهرات أنّها خروجٌ على الحاكم-فقط!-؛ فلمّا كان يوجب الخروج على الحاكم الكافر ولو هلك مَنْ هلك فإنّه لم يمنعها! وهذا غلط! فإنّ تحريم الـمُظاهرات ليس لكونها خروجًا على الحاكم-فقط-؛ بل لأنّها-أيضًا-طريقةُ الكفّار الّذين نُهينا عن التّشبّه بهم، ولأنّ فيها من الفساد في الأرض ما لا يخفى؛ من الاختلاط، والغناء، والموسيقى، والتّفريط في الصّلوات، وتكشّف العورات، وإهدار الأموال، والأوقات، وتكسير الممتلكات العامّة والخاصّة..، وغير ذلك. وعاشرًا وأخيرًا: فإنّ العلماء لم يزالوا يقرّرون أنّ للخروج على الحاكم الكافر شرطين اثنين: أوّلهما: أن يكون كفره بواحًا عندنا فيه من الله بُرهان. وثانيهما: أن يكونوا قادرين على الإطاحة به؛ بدون الوقوع في مفسدةٍ أكبر من مفسدة تولّيه.. وفتاواهم وتقريراتُهم في هذا كثيرةٌ-جدًّا جدًّا-؛ فلذلك أخّرتُ سردَ بعضها إلى آخر هذه الـمُناقشة. ولقد اعتنى بهذه الفتاوى كثيرٌ من إخواننا من طلبة العلم؛ فجمعوها في مؤلّفاتهم وكتاباتهم؛ وقد انتقيتُ منها ما يلي: قال شيخُ الإسلامِ ابنُ بازٍ-رحمه الله-في "الفتاوى:9/203": ((قال عبادة بن الصّامت-رضي الله عنه-: ((بايعنا رسول الله-صلّى الله عليه وسلّم-على السّمع والطّاعة في منشطنا ومكرَهنا وعُسْرِنا ويُسْرِنا وأَثَرةٍ علينا، وأن لا نُنازع الأمر أهله، وقال: إلاّ أنْ تَرَوا كُفْرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان)). فهذا يدلّ على أنّه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور, ولا الخروج عليهم، إلاّ أنْ يَرَوا كُفْرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان; وما ذاك إلاّ لأنّ الخروج على ولاة الأمور يُسبّب فسادًا كبيرًا وشرًّا عظيمًا؛ فيختلّ به الأمن, وتضيع الحقوق, ولا يتيسّر ردع الظّالم, ولا نصر المظلوم, وتختلّ السُّبل ولا تأمن؛ فيترتّب على الخروج على ولاة الأمور فسادٌ عظيمٌ وشرٌّ كثير. إلاّ إذا رأى المسلمون كُفْرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان؛ فلا بأس أن يخرجوا على هذا السّلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة. أمّا إذا لم يكن عندهم قدرةٌ فلا يخرجوا, أو كان الخروج يسبّب شرًّا أكثر؛ فليس لهم الخروج; رعايةً للمصالح العامّة. والقاعدة الشّرعيّة الـمُجمع عليها: (أنّه لا يجوز إزالة الشّر بما هو أشرّ منه؛ بل يجب درء الشّر بما يزيله أو يخفّفه)؛ أمّا درء الشّرّ بشرٍّ أكثر فلا يجـوز بإجماع المسلمين. فإذا كانت هذه الطّائفة الّتي تُريد إزالة هذا السّلطان الّذي فعل كُفْرًا بواحًا: عندها قدرةٌ تُزيله بها, وتضع إمامًا صالحًا طيّبًا؛ من دون أن يترتّب على هذا فسادٌ كبيرٌ على المسلمين, وشرٌّ أعظم من شرّ هذا السّلطان؛ فلا بأس. أمّا إذا كان الخروج يترتّب عليه فسادٌ كبير, واختلالُ الأمن, وظُلْمُ النّاس, واغتيالُ من لا يستحقّ الاغتيال...إلى غير هذا من الفساد العظيم؛ فهذا لا يجوز؛ بل يجب الصّبر, والسّمع والطّاعة في المعروف, ومُناصحة ولاة الأمور, والدّعوة لهم بالخير, والاجتهاد في تخفيف الشّرّ وتقليله وتكثير الخير. هذا هو الطّريق السّويّ الّذي يجب أن يُسلَك; لأنّ في ذلك مصالحَ للمسلمين عامّةً, ولأنّ في ذلك تقليلَ الشّرّ وتكثير الخير, ولأنّ في ذلك حفظَ الأمن وسلامةَ المسلمين من شرٍّ أكثر)). وقال شيخُنا الإمامُ العلاّمةُ ابنُ عُثيمين-رحمه الله-في "لقاء الباب المفتوح: 129/5": ((وإذا فرضنا-على التّقدير البعيد-أنّ وليّ الأمر كافر؛ فهل يعني ذلك أن نوغر صدور النّاس عليه حتّى يحصل التّمرّد، والفوضى، والقتال؟!. لا؛ هذا غلط!، ولا شكّ في ذلك؛ فالمصلحة الّتي يريدها هذا لا يمكن أن تحصل بهذا الطّريق؛ بل يحصل بذلك مفاسد عظيمة؛ لأنّه-مثلاً-إذا قام طائفةٌ من النّاس على وليّ الأمر في البلاد، وعند وليّ الأمر من القوّة والسّلطة ما ليس عند هؤلاء؛ ما الّذي يكون؟. هل تغلبُ هذه الفئةُ القليلة؟!. لا تغلب؛ بل بالعكس؛ يحصل الشّرّ والفوضى والفساد، ولا تستقيم الأمور. والإنسان يجب أن ينظر: أولاً: بعين الشّرع؛ ولا ينظر-أيضًا-إلى الشّرع بعينٍ عوراء؛ إلى النّصوص من جهةٍ دون الجهة الأخرى؛ بل يجمع بين النّصوص. ثانياً: ينظر-أيضًا-بعين العقل والحكمة؛ ما الّذي يترتّب على هذا الشّيء؟. لذلك؛ نحن نرى أنّ مثل هذا المسلك مسلكٌ خاطئ-جدًّا-وخطير، ولا يجوز للإنسان أن يُؤيّد من سلكه؛ بل يرفض هذا رفضًا باتًّا. ونحن لا نتكلّم على حكومةٍ بعينها؛ لكن نتكلّم على سبيل العموم)). وقال-رحمه الله-في "لقاء الباب المفتوح:95/12"-أيضًا-: ((إذا قهر الوليّ وسيطر وصارت له السّلطة فهذا هو تمام البيعة؛ لا يجوز الخروج عليه؛ إلا في حالةٍ واحدةٍ استثناها النّبيّ-عليه الصّلاة والسّلام-؛فقال: ((إلاّ أنْ تَرَوا كُفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان))؛ فقال: 1-((إلاّ أن تروا))؛ والرّؤية: إمّا بالعين أو بالقلب؛ الرّؤيةُ بالعين بصريّة، وبالقلب علميّة؛ بمعنى: أنّنا لا نعمل بالظّنّ أو بالتّقديرات أو بالاحتمالات؛ بل لا بدّ أن نعلم علم اليقين. 2-وأن نرى كفرًا لا فسوقًا؛ يعني-مثلاً-: الحاكم لو كان أفسق عباد الله؛ عنده شرب خمر، وغيره من المحرّمات، وهو فاسقٌ؛ لكنْ لم يخرج من الإسلام؛ فإنّه لا يجوز الخروج عليه وإن فسق؛ لأنّ مفسدة الخروج عليه أعظم بكثيرٍ من مفسدة معصيته الّتي هي خاصّةٌ به. الثّالث: قال: ((بواحًا))؛ البواح يعني: الصّريح، والأرض البواح: هي الواسعة الّتي ليس فيها شجرٌ ولا مَدَرٌ ولا جبل؛ بل هي واضحةٌ للرّؤية؛ لا بدّ أن يكون الكُفر بواحًا ظاهرًا ما يشكّ فيه أحد؛ مثل: أن يدعو إلى نبذ الشّريعة، أو أن يدعو إلى ترك الصّلاة، وما أشبه ذلك من الكفر الواضح الّذي لا يحتمل التّأويل. فأمّا ما يحتمل التّأويل فإنّه لا يجوز الخروج عليه؛ حتّى وإن كُنّا نرى نحنُ أنّه كُفْرٌ وبعضُ النّاس يرى أنّه ليس بكفر؛ فإنّنا لا يجوز لنا الخروج عليه؛ لأنّ هذا ليس بواحًا. الرّابع: ((عـــندنا فيه من الله برهان))...فإن لم يكن عندنا برهــــــانٌ؛ أي: دليلٌ واضح؛ ليس مجرّد اجتهادٍ أو قياس؛ بل هو بيّنٌ واضحٌ أنّه كفر؛ حينئذٍ يجوز الخروج. ولكن؛ هل معنى جواز الخروج أنّه جائزٌ بكلّ حال، أو واجبٌ على كل حال؟!. الجواب: لا؛ لا بدّ من قدرةٍ على منابذة هذا الوالي الّذي رأينا فيه الكفر البواح. أمّا أن نخرج عليه بسكاكين المطبخ، وعواميل البقر، ولديه دبّاباتٌ وصواريخ؛ فهذا (سَفَهٌ في العقل، وضلالٌ في الدّين)؛ لأنّ الله لم يُوجب الجهاد على المسلمين حين كانوا ضُعفاء في مكّة؛ ما قال: اخرجوا على قريشٍ؛ وهم عندهم، ولو شاؤوا لاغتالوا كُبَراءهم وقتلوهم؛ لكنّه لم يأمرهم بهذا، ولم يأذن لهم به. لماذا؟!. لعدم القدرة. وإذا كانت الواجباتُ الشّرعيّةُ الّتي لله-عزّ وجلّ-تسقط بالعجز؛ فكيف هذا الّذي سيكون فيه دماء؟!. يعني: ليس إزالة الحاكم بالأمر الهيّن، أو مجرّد ريشةٍ تنفخها وتروح!؛ لا بدّ من قتالٍ منك وقتالٍ منه، وإذا قُتِل فله أعوان؛ فالمسألة ليست بالأمر الهيّن حتى نقول بكل سهولة: نُزيل الحاكم ونقضي عليه وينتهي كلّ شيء! فلا بدّ من القدرة. والقدرة-الآن-ليست بأيدي الشّعوب فيما أعلم، والعلم عند الله-عزّ وجلّ-، ليس في أيدي الشّعوب قُدرةٌ على إزالة مثل هؤلاء القوم الّذين نرى فيهم كُفْرًا بواحًا)). وقالَ الشّيخُ صالحٌ الفوزان-حفظه الله-في الفتوى(15872): ((...وأمّا التّعامل مع الحاكم الكافر؛ فهذا يختلف باختلاف الأحوال: فإن كان في المسلمين قوَّةٌ، وفيهم استطاعةٌ لمقاتلته وتنحيته عن الحكم وإيجاد حاكمٍ مسلم؛ فإنّه يجب عليهم ذلك، وهذا من الجهاد في سبيل الله. أمّا إذا كانوا لا يستطيعون إزالته؛ فلا يجوز لهم أن يَتَحَرَّشوا بالظَّلمة الكفرة؛ لأنَّ هذا يعود على المسلمين بالضَّرر والإبادة، والنّبيّ-صلّى الله عليه وسلّم-عاش في مكّة ثلاثة عشرة سنةٍ بعد البعثة، والولاية للكفَّار، ومع من أسلم من أصحابه، ولم يُنازلوا الكفَّار،؛ بل كانوا مَنهيِّين عن قتال الكفَّار في هذه الحقبة، ولم يُؤمَر بالقتال إلا بعدما هاجر-صلّى الله عليه وسلّم-، وصار له دولةٌ وجماعةٌ يستطيع بهم أن يُقاتل الكفَّار. هذا هو منهج الإسلام: إذا كان المسلمون تحت ولايةٍ كافرةٍ ولا يستطيعون إزالتها؛ فإنّهم يتمسَّكون بإسلامهم وبعقيدتهم، ويدعون إلى الله، ولكن لا يُخاطرون بأنفسهم ويغامرون في مجابهة الكفّار؛ لأنّ ذلك يعود عليهم بالإبادة والقضاء على الدّعوة. أمّا إذا كان لهم قوّةٌ يستطيعون بها الجهاد؛ فإنّهم يجاهدون في سبيل الله على الضّوابط المعروفة)). وفتاوى العلماء في هذا كثيرةٌ؛ لا تخرجُ عمّا سبق؛ انسجامًا مع قواعد الشّريعة؛ فإنّ (مَنْ تعجّلَ الشّيءَ قبل أوانه عُوقِبَ بحرمانه). وخلافُ هذا فتاوى حماسيّةٌ غيرُ علميّةٌ؛ لا يجوز أن يُفرَحَ بها! وختامًا: فإنّ شأنَ الدّماءِ عظيم، ولقد كان السّلف يتدافعون الفُتيا فيما هو أقلّ من هذا بكثيرٍ، ولا ينبغي للإنسان أن يجترئ على الدّماء والإفتاء بها، والتّحريض عليها.. واللهَ أسألُ أن يُصلحَ أحوالَ الـمُسلمين، وأن يحقنَ دماءهم، وأن يُغيّر أوضاعهم، وأن يُصلح ولاة أمورهم، وأن يمحقَ الكافرَ ممّن تسلّط عليهم، وأن يغفر لنا، وللشّيخ اللّحيدان، وأن يوفّقه الله-سبحانه-للتّراجع عن فتواه. والله-تعالى-أعلم. والحمدُ للهِ ربّ العالمين. وكتب: خادمُ السّلفيّين أبو عبد الرّحمن الأثريّ معاذُ بنُ يُوسُفَ الشّمّريّ -أعانه مولاه- في: الأردن؛ إربد؛ 17-جمادى الأولى-1432هـ. منقول من منتديات سحاب السلفية |
الشيخ ربيع ينهى عن نشر فتوى الشيخ اللحيدان حفظه الله نقله الشيخ مرعي المباركي
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الشيخ ربيع ينهى عن نشر فتوى الشيخ اللحيدان حفظه الله نقله ......... تعقيبا على كلمة الشيخ معاذ الشمري : حمل من هذا الرابط : ( المعذرة فقد كنت أظن أن التسجيل الصوتي للشيخ ربيع المدخلي ؛ ولما تبين أنه ليس له فقد حذفته ؛ حتى أقف على حال مرعي المباركي ؛ إذ لم أعرفه من هو ؟؟؛ والله المستعان ) ولا تنسونا من دعائكم أخوكم : بلال يونسي السكيكدي |
جزاك الله خيرا أخي الغالي بلال
لاتنسانا أنت أيضا في دعائك خاصة في هذا الشهر محبك في الله : أبو عبد الرحمن أسامة الجزائري |
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله وجزى الله الشيخ العلامة اللحيدان كل خير فهذا : http://www.salafi-poetry.net/vb/images/icons/beyan.gif العلامه اللحيدان يوضح فتواه بشأن سوريا وليبيا واليمن فليفرح السلفيون .... انظر الرابط : http://www.salafi-poetry.net/vb/showthread.php?t=3241 والحمد لله رب العالمين أخوكم : أبو عبد الله بلال |
بارك الله في أخينا وحبيبنا بلال وجزاه عنا خيرا
|
جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة شرفها الله. الساعة الآن: 03:12 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.7.3, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم بشرط الإشارة إلى منتديات الشعر السلفي