درر من تفسير ابن عثيمين-رحمه الله تعالى-{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ}
بسم الله الرحمن الرحيم درر من تفسير ابن عثيمين-رحمه الله تعالى-{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} قال العلامة محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله تعالى- ثم قال الله تعالى: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران: 26] . الخطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم، ومناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الذين أوتوا نصيباً من الكتاب إذا دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم تولوا، يريدون أن تكون السيادة لهم، لا لغيرهم. فأمر الله نبيه أن يبتهل إلى الله بهذا الدعاء المتضمن قدرة الله على نقل النبوة التي يَتْبعُها المُلك من بني إسرائيل إلى العرب. فقال: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ}: { اللَّهُمَّ} : أصلها (يا الله)، منادى حذفت منه ياء النداء، وعوض عنها الميم، ولهذا لا يجمع بينهما إلا في حال الشذوذ. كما قال ابن مالك: وشذ يا اللهم في قريض ـ أي في النظم ـ وقوله: {مَالِكَ الْمُلْكِ} . مالك: اسم فاعل، والملك: يحتمل أن يكون بمعنى المملوك؛ أي: مالك المملوكات كلها. ويحتمل أن يكون المراد به: التدبير؛ أي مالك تدبير الخلائق كلها. والأمران ثابتان لله عزّ وجل، فهو مالك المملوكات كلها بأعيانها، وهو مالك التصرف فيها، لا يشاركه في ذلك أحد، هو الذي يدبر الأمر ويملك المأمور، وقوله: {مَالِكَ الْمُلْكِ} قيل: إنه بدل من الله، ولكنه نصب لأنه مضاف، والبدل: يكون على نية إعادة العامل. وقيل: إنها منادى حذف منه حرف النداء. {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ}، والأصح أن {تُؤْتِي} هذه جملة استئنافية لبيان كيف يكون ملك الله عزّ وجل لهذا المملوك فقال: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} ، وقال: {تُؤْتِي} أي: تعطي، ولم يقل: تُمَلِّك؛ لأن ما يكون للعبد من الملك إنما هو من إعطاء الله تعالى إياه، وتسليطه عليه، ولهذا لا يتصرف المالك من المخلوقين فيما ملك، إلا على حسب الشريعة التي شرعها الله عزّ وجل. وقوله: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} : الفعل تؤتي من الأفعال التي تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، ومفعوله الأول: الملك، ومفعوله الثاني: مَنْ تشاء. وكل شيء له سبب إما شرعي، وإما كوني؛ لأن هذا مقتضى حكمة الله سبحانه وتعالى، وإذا كان كذلك فإن إتيان الله الملك لمن يشاء مقيد بسببه، فلا بد أن يكون له سبب. فالملك قد يكون مستقلاً عن الرسالة، وقد يكون تابعاً للرسالة. فإذا كان مبنياً على الشريعة صار تابعاً للرسالة، وإذا كان غير مبنيٍّ على الشريعة كان مستقلاً. قال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} [البقرة: 258] . فهذا ملك مستقل عن الرسالة؛ لأن الذي حاج إبراهيم كافر. وأما قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها» [(74)]. فالمراد بذلك هنا: ملك تابع للرسالة. والمشيئة هنا ككثير من الآيات معلقة بالحكمة. وقوله: {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ}: قوله: {وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ}: يحتمل وجهين: الوجه الأول: نزع بعد ثبوت. والوجه الثاني: نزع بمعنى المنع. فعلى الأول: يكون فيه إشارة إلى أن الله تعالى يملك من شاء من خلقه، ثم ينزع عنه الملك. وكم من مَلِكٍ مَلَكَ ثم زال ملكه، إما بالغلبة له، أو بموته أو بغير ذلك. ويحتمل أن تكون بمعنى المنع؛ أي: تُمَلِّك من شئت، ولا تُمَلِّك من شئت. وكلا المعنيين صحيح. وقوله: {وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} : والإعزاز هنا: يعني التقوية، أي: تجعله عزيزاً قوياً غالباً على غيره، وكذلك تذل من تشاء. وهذا عام، قد يعز الله الإنسان بدينه وعلمه وإيمانه، وإن لم يكن ملكاً، وقد يعزه بملكه. وكذلك في الذل قد يذله بالمعصية، وبالغلبة؛ فالذل بالمعصية في مقابل العز بالإيمان، والذل بالغلبة في مقابل العز بالملك، والذين يعزهم الله هم من ذكرهم الله بقوله: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8] . فالله يعز الرسل وأتباعهم، كما قال الله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لأََغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [المجادلة: 21] . ومن أسباب العزة: الإيمان، سواء كان الإنسان ملكاً أم غير ملك. ومن أسباب العزة: الاستعداد والحذر والحزم والقوة والنشاط. ومن أسباب الذل: أن يُعجب الإنسان بنفسه، وأن يتعرض لما لا يمكنه دفعه. ولهذا جاء في الأثر: «لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه» قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: «يتعرض من البلاء لما لا يطيق» [(75)]. ـ[74] أخرجه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، رقم (2889). ـ[75] أخرجه أحمد، رقم (22934). والترمذي، كتاب الفتن، رقم (2254)، وقال عنه: هذا حديث حسن غريب. وابن ماجه، كتاب الفتن، باب قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}}، رقم (4016). |
جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة شرفها الله. الساعة الآن: 09:37 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.7.3, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم بشرط الإشارة إلى منتديات الشعر السلفي