بيان عقيدة أبي العلاء المعري والتحقيق في أن القحطاني صاحب النونية غير القحطاني الأندلسي
والمتنبي لا يبعد حاله عن المعري ؛ وقد نبه المحققون أن علماء القرن الماضي أو ما يسمون بأدباء الطليعة كمحمود شاكر وعبد السلام هارون وغيرهم من العلماء المحققين الأفذاذ في طبقتهم وزمانهم ؛ فكلهم قد تأثروا ببيئة زمانهم وكما يقال وقد نقله ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين :(نحن أبناء الزمان ونحن أشبه بزماننا منا إلى آبائنا ) ولكل هذا فقد اغترت تلك الكوكبة من الكبار بأمثال المتنبي والمعري وحاولوا ان يتأولوا لهم صنائعهم ويدفعوا عنهم ما تلبسوا به من فدائح بحجج لا ترتقي إلى القوة التي جوبهت بها أخطاؤهم وكوارثهم ؛ وما ذاك كله إلا لإنتشار ثقافة واسعة النطاق آنذاك ملؤها تمجيد المتنبي شاعرا وأبي العلاء ناثرا وناظما؛ فكانت هذه العقلية حتى لا تكاد تلقى غيرها يوم الناس ذاك ... ولا أدل على ذلك أن يقول القحطاني وقد عاصره وأثنى على قصيدته غير واحد من أهل العلم حتى ضمن ابن القيم منها في نونيته وأشار إليه في موضع آخر بقوله : ولقد شفانا قول شاعرنا الذي ... قال الصواب وجاء بالإحسان إن الذي هو في المصاحف مثبت ... بأنامل الأشياخ والشبان هو قول ربي آيه وحروفه ... ومدادنا والرق مخلوقان وأبيات الشاعر القحطاني هي قوله : إني أقول فأنصتوا لمقالتي ... يا معشر الخلطاء والإخوان إن الذي هو في المصاحف مثبت ... بأنامل الأشياخ والشبان هو قول ربي آيه وحروفه ... ومدادنا والرق مخلوقان كما أن ابن القيم ضمن أبياتا أو أشطارا كثيرة في نونيته أخذها من نونية القحطاني ، وفي ذلك دليل على أنها قصيدة معتمدة معتبرة ، وأنها كانت مشتهرة في زمن ابن القيم رحمه الله واستطرادي هنا في الكلام حول نونية القحطاني وصاحبها مع أني أتكلم عن المعري سببه أن التحقيق العلمي يوصلنا إلى أن صاحب هذه القصيدة السلفية ما يزال مجهولا عندنا فلا نعرف اسمه ولا نسبه غير ما ذكر به من نونيته وأنه ( قحطاني ) . وذلك أن من الناس من ظنه محمد بن صالح الأندلسي القحطاني ؛ مع أن هذا الأخير عند النظر في ترجمته نجد وفاته يوم كان المعري ابن الخمسة عشر سنة على أقل تقدير أو ابن العشرين على أكثر تقدير؟؟؟ فكيف يهجوه ويؤلف فيه مئتي بيت بل أربعمئة بيت ؛ وهل ابن هذي السن يقام له مثل هذي القوائم . فالظاهر أن القحطاني صاحب النونية شخص آخر من علماء أهل السنة وليس ابن صالح رحمه الله ؛ وللتوضيح أكثر أسوق ترجمة ابن صالح الأندلسي : (( قال غنجار، في "تاريخ بخارى": هو محمد بن صالح بن محمد بن السمح المعافري الأندلسي، كان فقيهاً حافظاً، جمع تاريخاً لأهل الأندلس. روى عن محمد بن رفاعة، ومحمد بن الوضاح، و إبراهيم بن القزاز، و الحسن بن سعد، و أحمد بن حزم، و القاسم بن أصبغ، الأندلسيين. وسمع بالشام خثيمة بن سليمان الأطرابلس، وببغداد إسماعيل بن محمد الصفار. ذكره أبو سعد الإدريسي في تاريخ سمرقند و قال: أبو عبد الله الفقيه القحطاني، قدم علينا سمرقند قبل الخمسين و الثلاثمائة، و كتبت بها عن مشايخنا للأندلسيين،سمعناه منه بسمرقند، و كان من أفضل الناس، ومن ثقاتهم، جمع منه الحديث شيئاً لا يوصف، من مشايخ الأندلس و المغرب و الشام و الحجاز و العراق والجبال و خراسان ما وراء النهر، مات رحمه الله ببخارى في نيف وسبعين وثلاثمائة. ذكره الحاكم أبو عبدالله في التاريخ لنيسابور فقال: محمد بن صالح بن محمد بن سعد بن نزار بن عمر بن ثعلبة القحطاني المعافري الفقيه الأندلسي المالكي، وكان ممن رحل من المغرب إلى المشرق، و إنا اجتمعنا بهمذان، في شوال سنة إحدى وأربعين و ثلاثمائة، فتوجه منها إلى أصبهان و قد كان سمع في بلاده و بمصر من أصحاب يونس بن عبد الأعلى وأبي إبراهيم المزني، و بالحجاز من أبي سعيد بن الإعرابي، وبالشام من خيثمة بن سليمان، و بالجزيرة من أصحاب عليّ بن حرب، وببغداد من إسماعيل الصفار، و رد نيسابور في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين، سمع الكثير، ثم خرج إلى مرون و منها إلى أبي بكر بن حنيف فبقي بها إلى أن توفي رحمه الله ببخارى، في رجب سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة. * و قال أحمد بن المقري التلمساني في نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب .. أبو عبد الله محمد بن صالح القحطاني، المعافري الأندلسي المالكي رحل إلى المشرق فسمع بالشام خيثمة بن سليمان،وبمكّة أبا سعيد ابن الأعرابي، وببغداد إسماعيل بن محمد الصفّار، وسمع بالمغرب بكر ابن حماد التّاهرتي ومحمد بن وضاح وقاسم بن أصبغ، وبمصر جماعة من أصحاب يونس و المزني. روى عنه أبو عبد الله الحاكم وقال: اجتمعنا به بهمذان، مات ببخارى سنة 383، وقيل: سنة ثمان، وقيل: سنة تسع وسبعين )). وهذه ترجمة المعري وما قيل فيه من أئمة الإسلام : ((أبو العلاء : المقصود به الشاعر الأعمى : أبو العلاء المعرِّي ، وهو الذي يُسمّى "رَهِين الْمَحْبَسَين" واسمه ونسبه :أحمد بن عبد الله بن سليمان، التنوخي المعري الشاعرالفيلسوف المولود سنة 363هـ والمتوفى سنة 449 هـ قال الذهبي : وَسَمَّى نَفْسه " رهين المَحْبِسَيْنِ " لِلزُومِه مَنْزِلَه وَلِلعَمَى . قالَ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ : زَنَادقَةُ الإِسْلاَمِ ثَلاَثَةٌ : ابْنُ الرَّاوَنْدِي ، وَأَبُو حَيَّانَ التَّوْحِيْدِيُّ ، وَأَبُو العَلاَءِ المَعَرِيُّ ، وَأَشدُّهُم عَلَى الإِسْلاَم أَبُو حَيَّانَ ، لأَنَّهُمَا صَرَّحَا، وَهُوَ مَجْمَجَ وَلَمْ يُصرِّح . نقله الذهبي في السير . قال الذهبي : وَمِنْ أَرْدَأ تَوَالِيفه (رِسَالَة الغفرَان) فِي مُجَلَّد ، قَدِ احتوت عَلَى مَزْدَكَةٍ وَفرَاغ ، وَ(رِسَالَة المَلاَئِكَة) ، وَرِسَالَة (الطَّير) عَلَى ذَلِكَ الأنموذج . قال الذهبي : وَإِنَّمَا تحدَّثتِ الأَلْسُنُ بِإِسَاءته بِكِتَابه الَّذِي عَارض بِهِ القُرْآن ، وَعنونه بـ(الفصول وَالغَايَات فِي محَاذَاة السُّوْر وَالآيَات) ثم قال الذهبي : أَنشدتنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عليّ كِتَابَةً ، أَخْبَرَنَا فَرْقَدُ الكِنَانِيّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتّ مائَة، أَنشدنَا السِّلَفِيّ ، سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا التبرِيزِي يَقُوْلُ : لَمَّا قَرَأْتُ عَلَى أَبِي العَلاَءِ بِالمَعَرَّة قَوْله : تَنَاقُضٌ مَا لَنَا إِلاَّ السُّكوتُ لَه ُ* وَأَن نَعُوذَ بِمَوْلاَنَا مِنَ النَّارِ يَدٌ بِخَمْسِ مِئٍ مِنْ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ * مَا بِالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبْعِ دِيْنَارِ؟ سَأَلتُهُ ، فَقَالَ : هَذَا كقول الفُقَهَاء : عبَادَة لاَ يُعْقَلُ معنَاهَا. قَالَ كَاتِبهُ : لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ ؛ لقَالَ : تَعَبُّد . وَلَمَّا قَالَ : تَنَاقض . وَلَمَّا أَرْدَفَه بِبَيْتٍ آخَر يَعترِضُ عَلَى رَبّهُ . وَبإِسْنَادِي قَالَ السِّلَفِيّ :إ ِنْ كَانَ قَالَهُ مُعْتَقداً مَعْنَاهُ، فَالنَّارُ مأوَاهُ ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الإِسْلاَمِ نصِيْب . هَذَا إِلَى مَا يُحَكَى عَنْهُ فِي كِتَابِ (الفصول وَالغَايَات) فَقِيْلَ لَهُ : أَيْنَ هَذَا مِنَ القُرْآن ؟ فَقَالَ : لَمْ تَصْقُلْهُ المحَارِيب أَرْبَعِ مائَةِ سَنَةٍ )) . ومن هنا وبمقارنة سنة وفاة القحطاني : 383هـ وسنة ميلاد المعري : 363هـ نعلم أن يوم وفاة القحطاني لا يكاد عمر المعري يزيد عن : العشرين سنة وعلى هذا فابن صالح القحطاني المعروف ليس هو صاحب النونية، لأن هذا الأندلسي كما ترى توفي سنة 383هـ أو 378هـ، بينما صاحب النونية يقول: من قال في القران ما قد قاله ** عبد الجليلوشيعة اللحيان فقد افترى كذبا وأثما واقتدى ** بكلاب كلب معرةالنعمان خالطتهم حينا فلو عاشرتهم ** لضربتهم بصوارمي ولساني تعس العمي أبوالعلاء فانه ** قد كان مجموعا له العميان ولقد نظمت قصيدتين بهجوه ** أبيات كلقصيدة مئتان هنا يظهر أن القحطاني يرد على أبي العلاء المعري الشاعرالمشهور، وأنه نظم في الرد عليه قصيدتين . و قد ذكر ذلك في قصيدته التي مطلعها : يا منزل الآيات والفرقان بيني وبينك حرمة القرآن إشرح به صدري لمعرفة الهدى واعصم به قلبي من الشيطان يسر به أمري وأقض مآربي وأجر به جسدي من النيران واحطط به وزري وأخلص نيتي واشدد به أزري وأصلح شاني واكشف به ضري وحقق توبتي واربح به بيعي بلا خسراني طهر به قلبي وصف سريرتي أجمل به ذكري واعل مكاني واقطع به طمعي وشرف همتي كثر به ورعي واحي جناني أسهر به ليلي وأظم جوارحي أسبل بفيض دموعها أجفاني أمزجه يا رب بلحمي مع دمي واغسل به قلبي من الأضغاني وكما أسلفت : فالقحطاني الذي ترجموا له مات وعمر أبي العلاء بين 15 و 20 سنة!! ومعنبوغه في هذا السن إلا أنه لم يشتهر -في مثل هذه السن- الشهرة التي تجعل العلماءيذمونه بأبيات تتكون من مئات الأبيات!! هذا على فرض أن القحطاني ألف النونية عاموفاته بالضبط!! فالحاصل: أن القحطاني المترجم ليس هو صاحب النونية ويبقىصاحب النونية مجهول العين والحال والحاصل الأهم أن أبا العلاء المعري ذمه أئمة زمانه ونهوعن النظر في كتبه ؛ بل اتهموه على الإسلام ورموه بالزندقة ؛ وبقي متلبسا بتلك القوارف حتى نقل كثيرا منها الإمام الذهبي وغيره من مؤرخي ومحققي الإسلام السلفيين الأثبات . فهل يبقى بعد كل هذا البيان ومع هذي الشهادات من كبار معاصريه ومن جاء بعده بقليل وبأشواط من أئمة الإسلام العدول بل من أئمة الحديث ؛ فهم أهل الشأن وأدرى وأحرى أن تكون أحكامهم في الرجال أصوب وأقرب إلى كبد الحقيقة ؛ بل هي الحق الذي لا مفر منه ؛ فهم أهل الجرح والتعديل والناس عليهم في ذا الباب عيال .. فهل تترك أحكام من هذا شأنهم من العلم والرسوخ والمعاصرة أو القرب من زمن المعري ؛ لنعدل إلى أحكام أناس جاءوا في قرون متأخرة عن زمن المعري بما يقارب العقد من القرون من جيل الأستاذ محمود شاكر وإخوانه من أبناء ذاك الزمان ؟؟؟؟ ونحن وإن كنا نسلم للأستاذ محمود شاكر وإخوانه من تلك الكوكبة التي سطعت في أواسط القرن الماضي ؛ في كثير من المناحي الأدبية والشرعية ؛ وأخص منها ما يعلق بجانب تحقيق التراث الإسلامي ؛ إلا أننا لا نترك حكم الأقرب والأعلم وأهل الاختصاص ممن عايشوا أو دانو زمن أبي العلاء ممن لم يتخلفوا عنه بأكثر من ثلاثة قرون من طبقة الذهبي وهو أولهم ؛ أو عايشوه من أمثال القحطاني صاحب النونية ؛ والسِّلفي أبي طاهر الذي توفي في حدود 577 هـ وقد قارب المئة من عمره الحافل فيكون مولده في حدود 774 هـ أي بعد وفاة المعري بحوالي ثلاتين سنة ؛ وابن الجوزي (510هـ / 592 هـ) وبذا يكون مولده بعد موت المعري بحوالي ستين سنة ؛ ... وغيرهم كثير ممن تكلموا فيه جرحا وثلبا بل منهم من كفره فضلا عن التفسيق والرمي بالشعوبية والزندقة من طرف علماء الحديث والتاريخ الموثوقين ؛ وقد اخترت في هذي العجالة بعض من ساق لهم الذهبي في ترجمة المعري .. فهل بعد هذا البيان من تلك الثلة من الأئمة نعمد إلى أحكام أدباء جاءوا بعد وفاة المعري بعشر قرون فنجعلها سلما للحقيقة ؛ بلى والله ما كان بناء الحكم على الرجال غير شهادات العدول وأخبار الثقات ؛ وهاهي كما هو مبين مذكورة وما أوفرها في إدانة المعري واتهامه على الإسلام ولغته وأهله والله المستعان وكتب أخوكم في ذات الإله أبو عبد الله بلال يونسي السلفي السكيكدي |
أحسنت أحسنت أيها الأديب السلفي
بورك فيك و رحم الله والديك و لقد أعجبتني إشارتك اللّطيفة الذكية حين تقول : فالقحطاني الذي ترجموا له مات وعمر أبي العلاء بين 15 و 20 سنة!! ومعنبوغه في هذا السن إلا أنه لم يشتهر -في مثل هذه السن- الشهرة التي تجعل العلماءيذمونه بأبيات تتكون من مئات الأبيات!! هذا على فرض أن القحطاني ألف النونية عاموفاته بالضبط!!.اهـ و لو أنك جعلت هذا البحث اللطيف في موضوع خاص لكان أحسن. أخيراً أقول : شكرا لك مرة ثانية , و لقد كنتُ قبلُ ممنْ يُؤَيَّدُ و لو لست اليوم حتى في عداد المؤَيِدين نسأل الله أن لا يحرمنا أمثالك . |
بارك الله فيكم على حسن ظنكم بأخيكم
|
اللهم بارك؛ اللهم بارك؛ اللهم بارك؛ ما أروع هذا المقال؛ جزاك الله خيراً يا أخي الحبيب بلال. وأسأل الله أن يزيدك من فضله؛ ونرجو المزيد من هذا العطاء الهادف. محبك ضياء |
بارك الله فيك أخي الفاضل أبا أحمد على مرورك الكريم وزادك من عظيم فضله
آمين آمين |
جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة شرفها الله. الساعة الآن: 08:24 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.7.3, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم بشرط الإشارة إلى منتديات الشعر السلفي