سؤال شرعي بلاغي للتباحث: ما حكم تعمد الاقتباس من الوحيين في النثر و الشعر ؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم على نبينا محمد و آله و صحبه أجمعين و بعد : فكما تعلمون حفظكم الله أن الاقتباس فن من فنون تزويق الكلام و تحسينه نثراً كان الكلام أو شعراً و قد طرق هذا النوع أئمة فحول في كلامهم و تعبيراتهم , كالحريري و السيوطي و غيرهما و كنت مما أحفظه من أجمل صور الإقتباس , ما قاله السيوطي عند أنكر عليه بعض سكان موريتانيا في رحلته إليهم , ما كان يفعله من إملاء الحديث من حفظه بينا كانوا هم إذ ذاك يحرصون كل الحرص على الكتابة و الإملاء من الكتاب لا من الحفظ , و لاموه أيما لوم فقال : لام إملائي الحديث رجال *** سعوا في الضلال سعيا حثيثاً إنما ينكر الامالي قوم *** لا يكادون يفقهون حديثاً غير أنني استشكلت , و أحجمت و خفت الجرأة , وجبنت أيما جبن في هذا الجانب أعني بالجانب تعمد الاقتباس من القرآن و السنة في الشعر خاصة , لما في ذلك من وجوب تقطيع الآيات و الأحاديث - و الأمر فيها أخف - مما دفعني - و أظن غيري أيضاً - للإحجام عن المشاركة في الموضوع الذي فتحه شيخنا أبو رواحة بعنوان : (((دعوة المبدعين الأكياس إلى تدوين بعض صور الاقتباس))) و كيف لا أهاب الأمر و رب العزة يقول : ((و ما علمناه الشعر و ما ينبغي له )) ثم أليس تعمد الاقتباس من القرآن و السنة للشعر خصوصاً , تشبيه للوحيين بالشعر ؟؟ هذا و أنا أعلم اختلاف العلماء في حكمه بيد أنهم شددوا غاية التشديد في الشعر , لما في من الشبهة , و التشبيه و أنا إذ أكتب الذي أكتب , إنما لأجل الانتفاع من إخواننا بما لديهم من فوائد خاصة بهذا الموضوع و لما رأيت من حرص شيخنا الوقور أبي رواحة على تفاعل جميع أعضاء المنتدى مع المواضيع الإبداعية , و حرصه الشديد للدفع بنا إلى تقوية الملكات و تحسين المهارات فلأجل هذا و غيره , أحب من إخواني الأفاضل وضع المسألة أمام الجميع لتبحث و تقرر فتتقرر و من ثمّ نباشر و نستكمل ما كنا فيه و عوداً على بدء و تنصيصاً على أساس البحث أطرح هذا السؤال : هل يجوز تعمد الاقتباس من نصوص الكتاب و السنة للشعر , مع ما يعتري هذا التعمد من بحث و تقطيع للآيات و الأحاديث ؟؟؟. |
قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله – في شرح البلاغة: "وأما إذا كان التضمين في الشعر فهو وإن طابق المعنى المراد فالذي يظهر لي أنه لا يجوز وأنه ممنوع ، لأنه يتحول القرآن شعرًا ، ولأنه يسقط من أعين الناس تعظيمه وتكريمه" |
جزاك الله خيرا أخي العكرمي على حرصك و تحريك للخير، و كنت قد قرات كلاما للسيوطي في كتابه :" تنوير الحوالك " في شرح حديث :" الله أكبر ! خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين "، فألفيته كلاما جيدا، وسأنقله كله لنفاسته. قال :(ص/451):( و هذا الحديثُ أصل في جواز التمثل والاستشهاد بالقرآن والاقتباس، نص عليه ابن عبد البر في " التمهيد" وابن رشيق في " شرح الموطأ " وهما مالكيان، والنووي في " شرح مسلم" كلهم عند شرح هذا الحديث، ولا أعلم بين المسلمين خلافا في جوازه في النثر في غير المجون و الخلاعة وهزل الفساق وشربة الخمر واللاطة ونحو ذلك، وقد نص على جوازه أئمة مذهبنا بأسرهم، واستعملوه في الخطب والرسائل والمقامات وسائر أنواع الإنشاء، ونقلوا استعماله عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابنه الحسن وعبد الله بن مسعود وغيرهم من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم ؟. و أوردوا فيه عدة أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعمله. قال النووي في " شرح مسلم ":" في هذا الحديث جواز الاستشهاد في مثل هذا السياق بالقرآن في الأمور المحققة، وقد جاء لهذا نظائر كثيرة كما ورد في حديث فتح مكة أنه - صلى الله عليه وسلم جعل يطعن في الأصنام ويقول :" جاء الحق و ما يُبدئُ الباطلُ وما يُعيد، جاء الحق و زهق الباطل"، وإنما يُكره ضرب الأمثال من القرآن في المرح ولغو الحديث " انتهى. ونص النووي أيضا على جوازه في كتاب " التبيان "، واستشهد بقول الأصحاب كافة في الصلاة إذا نطق المصلي في الصلاة بنظم القرآن بقصد التفهيم ك: {* يا يَحْيى خُذِ الكِتابَ بِقُوّة*}،و {* ادْخُلوها بِسلام*}، ونحو ذلك إن قصد معه قراءة لم تبطل و إلا بطُلت، و ألّف قديما في جواز المسألة الإمام أبو عُبيد القاسم بن سلام كتابا ذكر فيه جميع ما وقع للصحابة والتابعين من ذلك أورده بالأسانيد المتصلة إليهم، ومن المُتأخّرين: الشيخ داود الشاذلي الباخلي من المالكية كُراسة قال فيها:" لا خلاف بين أئمة المذهبين المالكية والشافعية في جوازه"، و نقله صريحا عن القاضي أبي بكر الباقلاني، والقاضي عياض وقال :" كفى بهما حجة ". قال:" غير أنهم كرهوه في الشعر خاصة ". قلت: و قد روى الخطيب البغدادي وغيره بالإسناد عن مالك بن أنس أنه كان يستعمله، وهذه أكبر حجة على من يزعم أن مذهب مالك تحريمه، والعمدة في نفي الخلاف في مذهبه على الشيخ داود فإنه نقله وهو أعرف بمذهبه، و أما مذهبنا فأنا أعرف أن ائمته مجمعون على جوازه، والأحاديث الصحيحة والآثار عن الصحابة والتابعين تشهد لهم فمن نسب إلى مذهبنا تحريمه فقد فسر وأبان على أنه أجهل الجاهلينـ وقد ألفت في ذلك كتابا سميته :" رفع الإلباس وكشف الالتباس في ضرب المثل من القرآن والاقتباس" ) اه كلامه بطوله وحروفه. و الرسالة المذكورة مطبوعة ضمن كتاب :" الحاوي للفتاوي "، ولو كان بحوزتي لنقلتها لك هنا.و في كتاب "الإتقان" للسيوطي أيضا فصل في الاقتباس. هذا ما عندي، وأرجو من أدبائنا الفضلاء أن يثروا البحث، ويفيدونا بما فتح الله. أخوكم : أبو أسامة محمد الميلي الحريري |
قد قمت بتحميل الكتاب "الحاوي" مصورا، و الرسالة في 25 صفحة في المجلد الأول (ص/ 259-284). وقد قرأت مواضع منها وتبدو شافية. و هذا رابط "الحاوي": |
اقتباس:
شكرا لك أبا أسامة على فائدتك المنقولة الطيبة بيد أنك حدت عن أصل السؤال و أساسه فأعد قراءته بارك الله فيك فإن نقلك السابق لا غبار عليه و لكن سؤالي كان عن تقصد و تعمد تقطيع الآيات و الأحاديث لأجل تضمينها في بيت شعري , لا في قول نثري. |
|
شكرا لك أخي الوقور أبا زياد لكن تعجبت من قولك : وأمَّا التفريقُ بين ما يكون منه في الشعر, وما يكون في النثر, وهذا الذي تستشكِلُه, فإنِّي - بعدما بحثتُ في المسألة - لم أجِد من العلماء من يقولُ بتحريمه في الشعر وجوازه في النثر, فالذي يقول بالتحريم يجعلُه في الكلام مُطلقا شعرا كان أو نثرا, والذي يقول بالإباحة كذلك, وقد يكرهونه في الشعر خاصَّة.اهـ و لا أظنك حررت المسألة جيداً و الله أعلم فكلام العلامة العثيمين - و هو من العلماء بلا شك عندنا جميعاً - نص فيه على التفريق بين الشعر و النثر , و أباح العلامة العثيمين رحمه الله الاقتباس في النثر خاصة. و كذلك ما نقلته عن المالكية , مما نقل في تنوير الحوالك و غيره فقد نصّ جماعة منهم على تحريمه مطلقاً , و منهم من كرهه في الشعر خاصة لعلة الانتقاص بالمشابهة في تقطيع الآيات كما الأبيات بل إن المحرمين للاقتباس من القرآن و السنة في الشعر خاصة ردوا حجج السيوطي الكثيرة التي أوردها لأجل تصحيح قوله بإباحة الاقتباس مطلقاً بكون جميع أدلة الإباحة أتت نثراً لا شعراً . و العجب يزيد ممن يزعم أنه لا فرق بين النثر و الشعر !! كلا و الله إن الفرق بينهما لشاسع كبير و كفى بعلة تشبيه القرآن و السنة بالشعر في ردع من قد تسول له نفسه خوض هذا الميدان أقول كل هذا لأعود بك و بإخواننا أخي الفاضل أبا زياد إلى الحيثية و الجزئية التي نصصت عليها في سؤالي , و التي تأثر كل التأثير في الجواب ألا و هي مسألة التعمد و التقصد , فقد يعفى عن المرء إذا أتى معه الاقتباس من غير قصد فتوافق لكثرة قرآءته للقرآن أن جرى على لسانه اقتباس في بيت قاله أما أنه يتعمد التقطيع و وزن قول رب العزة , و ما يعتري ذلك من تحريف لكلام الله ففيه كل الحرج و الله المستعان !! و لا تتعجب أخي , ألست حين تقطع الآية التي هي من قول الله تجد أنه لا بد لك من فصل جزء كلمة عما سبقها و لحقها لتتم تفعيلة , أو تجبر زحافاً ؟؟ !!! ثم الأدهى و الأمر و الأعظم ما قد يقع في النفس من الضيق عند شدة الاشتغال بالبحث عن آية أو حديث متوافق مع وزن شعري فبينا أنت تبحث , تقع في نفسك آية حوت معنى موافقا لما في نفسك فتلج في البحور و تخرج , وتتكلف لها أيما تكلف لتدرجها في بيتك بدعوى الاقتباس فمرة تضعها في الصدر , فالعجز , فإن استعصى جعلتها بينهما , بل قد تحذف بعض الآية ليستقيم لك الوزن, هذا إذا استقام لك الأمر و حصل مرادك أما إذا لم توفق , فإنك تجد في نفسك الحرج و الضيق لعدم توافق كلام الله مع شعرك و الله المستعان أليس هذا كله مدعاة للورع كأقل تقدير ؟؟؟. |
أخي أبا عبد الرحمن ما أنا بأعظم بك فرحاً يوم أن سجلت بالمنتدى قديماً مني بك الآن , بعد أن أظهرتَ إحجامك عن المشاركة في موضوع الاقتباس تعمدا . الأمر الذي كنت قد شعرتُ به من خلال عدم مشاركتك أنت وإخوانك في هذا الموضوع . وسبب ذلك في تصوري هو جليل ورعك ونزاهة نفسك أن تخوض في غمار بحر لم تعرف له ساحلا , خوفا أن يكون هناك أدني مساس بجناب شرعنا المطهر . وهذا هو سر فرحي وإعجابي , ولا ريب فمن أوتي الورع حُفِظ له دينُه . وازداد إعجابي حينما رأيتك تفرد هذا الموضوع بالبحث والتدقيق مناشدا إخوانَك إثراءَهم له , بل ووضعتَ يدك على الجرح , حينما سألت عن حكم من يتعمد ذلك ,الأمر الذي كان في نفسي,عندما كنت أبحث عن آيات أو أحاديث تصلح أن تكون أمثلة في هذا الباب , واهديك مقدماً أني من خلال مطالعاتي في فصول هذا الموضوع والنظر في كلام العلماء عنه أني لم أجد من تعرض للكلام على حكم المتعمد للاقتباس الشعري من الوحيين . ولكن تعرضوا للاقتباس الحاصل منهما عموما , يمكن تلخيص ذلك فيما يلي :
وقد نقل أخونا الأستاذ رحيل وفقه الله كلاما ماتعا في هذه المسالة للجمعية السعودية عن اللغة العربية في مقال نفيس , http://www.salafi-poetry.net/vb/showthread.php?t=1410 أقتطف منه ما رأيت أنه مناسب للتفصيل في هذه المسألة : اقتباس:
كما أشكر لإخواني إثراءهم لهذا الموضوع الهام |
شُكرا لك أخي العكرمي تعليقُك وتنبيهُك
وبارك الله فيك وزادك الله حرصا وأمَّا قول الشيخ ابن عثيمين فلم أر فيه الكلام عن النثر, وبعد إعادة قراءة كلامه رحمه الله فهمتُ أنه تكلم عنه, إذ قال ((وأما التضمين في الشعر...)). ونسأل الله تعالى أن يرزقنا الورع في جميع شؤوننا اللهم آمين |
شُكرا لك أخي الطيّب الوقور أبا زياد السكيكدي السلفي و أظنك تعلم و أعلم و نعلم جميعاً أن الكلام أمران : شعر أو نثر أما و قد تعرض العلامة العثيمين رحمه الله لتحريم الاقتباس في الشعر , فمابقي لنا إلا النثر فكلامه رحمه الله ليس مشعراً بل واضح حاسم و أعود بك و بشيخنا الحبيب أبي رواحة الأديب إلى أول البحث , هذا بعد أن أشيد بشيخنا الحبيب حسن لفظه و جميل تعبيرهو نزاهته و تحريه الحق ,و ما عزوفي و بعض إخواني إلا كما ذكرت رفع الله قدرك بل إن أفضالك علينا كثيرة و هذا الموضوع من جملتها , كيف لا و أنت الذي تحفز و تدعو و تنصح و توجه , و أقول إعادة و إلحاحاً : ما حكم المتعمّد للاقتباس , الوالج في التّقطيع للكلام الدّافع للوسواس , الوازن له بإفلاس مريداً له مشابهة لكلام النّاس , من شعراء الجاهلية و بني العباس .؟؟؟ ثم أخبرني بصدق أيها الطيب المقتبس ما شعورك و أنت تحاول إرغام الآيات , لسوقها كالأبيات ؟؟؟ و ما شعورك بعد أن تستعصي عليك آية فتأبى الأوزان الشعرية !!!!؟؟؟ ألا تجد بهذا القلب ضيقاً!!!!؟؟؟ ألا يكون هذا الضيق وبالاً عليك أيها المقتبس السّلفي !!!!؟؟؟ أليس في هذا تنقص لكلام الله تعالى !!!!؟؟؟ أليست العلماء تدفع فرية الشعر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم !!!!؟؟؟ و ما ذاك إلا لعدم توافق وحي ربّ النّاس بكلام من يوسوس له الخناس . |
جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة شرفها الله. الساعة الآن: 06:31 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.7.3, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم بشرط الإشارة إلى منتديات الشعر السلفي