****
هل قلت إفكاً – معاذ الله – ذاك إذن = شر وبيل وعند الله أسراري
لكنما ذاك قول الحق أعصره = وبالمرارة يُسـقى كل جبار
أليس بالأمس قد ألقيت رائعتي = عن ابن بازٍ وفي الأمصار أشعاري
وأنه فارق الدنيا وزهرتَها = لكنما الموت في أرواحنا سار
وأن ناصر دين الله قاطبةً = غدا مريضاً بجسم منه منهار
وقد أشرتُ إلى أنْ سوف يتركنا = وها هو اليوم قد ولى عن الدار
****
قالت : صدقتَ فذاك الشعر نعرفه = لكن قوماً هنا من دون أبصار
فقلت : إني سألقي اليوم رائعتي = أرثي بها شيخَ علمٍ شيخَ آثار
وليس شيطان جنٍّ سوف ينفعني = فينفث الشعر في روعي وأطماري
لكنّ تأييد ربي سوف يدفعني = في صف حسان مثل السلسل الجاري
فإن علمت بأن الشعر أنظمه = فليس مني فتلكم مِنَّةُ الباري
****
خنساء لا تذكري صخراً وسيرته = فإن صخراً تولى نَهج كفار
وقد مضى مشركاً فيما يفارقه = والمشركون غداً يُلقون في النار
لكن تعالي إلى مدح الرسول ومن = بكفه النور أعني صاحب الغار
لكن تعالى إلى وصف الرسول ومن = تحتار في وصفه ألوان أشعاري
****
فقد أتانا بدين الله تقدمه = سماحةٌ قابلت مليون جبار
وصار يدعو إلى الرحمن منهجه = هداية أشرقت عن خير أنوار
فشرعه قائمٌ بل إن سنته = مرفوعة الرأس تعلو كل أقطار
ما مات إلا وقد أرسى قواعدَها = في درب أصحابه من كل أنصاري
وقال : عضُّوا عليها في خلافكمُ = وأمسكوها بأنيــابٍ وأظفار
****
وقد توارثها الأجيالُ صافيةً = حتى أتى عصرنا الماضي بأكدار
عصر تناهت إليه كل واقعةٍ = وحادث صار فيه فقد أبرار
ممن لهم نشر هذا الدين في زمنٍ = أضحى مليئاً بأحداثٍ وأقدار
في عقد عشرين حطَّت كل فاجعةٍ = رحالها ، وتولت حين إدبار
في عقد عشرين تبكي العين راضيةً = فدمعها نازلٌ كالغيث مدرار
على شيوخ لهدي المصطفى نشروا = يعلون سنته في كل أمصار
****
فتلكم السند قد ولى محدثها = بديعها مثل نجم آفل سار
وذي المدينة كم تبكي على عَلَمٍ = يُدعى ابن فلاَّتة يسمو بآثار
وذاك جامينا ولى ويسبقه = عفيفنا بعده حماد الأنصاري
وابن الغصون كذا إسماعيل يقدمه = سندينا ، إن تلكم حكمة الباري
خنساء لو كنت في ذا العصر حاضرة = لقلتِ شعراً بدمع منك مكثار
وكيف يرقأ دمع حين ترسله = عينٌ له لهبٌ في القلب كالنار
****
إذا ابن باز بيوم الأمس ندفنه = واليوم ندفن شيخ العصر والدار
فقد تواترت الأنباء قاذفة = أسماعنا بثقيل الأمر قهّار
بأن ناصر هذا الدين قد صعدت = أنفاسه بخروج الروح للباري
وأن ناصر هذا الدين قد ذرفت = له العيون وجفّت عين جبار
فالموت لا يترك الأحباب ثانية = فكم يجيء على صحبٍ وأخيار
****
لو كان يخلد فينا عالم أبداً = لَخُلِّد المصطفى في هذه الدار
لكن هو الموت لا يبقى على أحدٍ = وفي توارده رايات تذكار
يا ناصر الدين هل غادرت ساحتنا = فلست تنظر في أهل وأصهار
وكيف تترك داراً أنت تسكنها = تعيش في ظلها من غير أكدار؟
وكيف تترك دوراً أنت تملؤها = بعلمك الجم فيما ينفع القاري؟
وكيف تترك طلاباً وقد نهلوا = من فيض علمك في تحقيق آثار؟
وكيف تترك جيراناً وقد عرفوا = حسْن الجوار وكنت العون للجار؟
****
يا ناصر الدين إن لم ترض جيرتنا = فقد رضيت بأخرى جيرة الباري
بكت عليك بقاع الأرض قاطبة= وذاب من وجدكم أصلاب أحجار
بكت عليك رياض العلم دامعة = وذات من فقدكم أشياخ أمصاري
يا ناصر الدين شعري لا يطاوعني = فشخصكم فوق ما تبديه أشعاري
****
محدث العصر أنّى لي بوصفكمُ؟ = حزت الفضائل في سر وإظهار
أنت الإمام الذي سارت بسيرته = أجيالنا حينما فضتم بأنوار
كم بدعةٍ يا إمام العصر كنتَ لها = سداً منيعاً فصارت وسط أغوار
كم منهجٍ فاسد صيَّرتَ قامته = قصيرةً فاكتوى من ردك الناري
يا ناصر الدين من يبكيك رائعةً = أهل الهوى؟ لا وربي الخالق الباري
****
فليس يبكيك إلا تابعٌ سلفاً = ونَهجه يُستقى من خير مختار
كم شاعر صيَّر الأبيات سلسلةً = في حب ليلى وتمجيد لشطَّار
ولم تحرِّك وفاة الشيخ حافظةً = لديه بل أظهرت أحقاد مكار
يا ناصر الدين عذراً إن قسى قلمي = فذي الحقيقة دقت جَرْس إنذار
إن لم نسخِّر وميض الحرف رائعةً = نرثي لكم فلتلكم وصمة العار
****
ففي الحجاز ونجد كل فاجعةٍ = وكنت فاجعةً في كل أمصاري
سل الجزائر سل ربات أخدرها = تُنبئك عن حزنِها من داخل الدار
فتلك فتواك يا شيخي مدونةٌ = بخط كل فتاةٍ ذات إسوار
ويسمع اليمن المحبوب فاجعتي = فيحتسي أكؤساً من فقد أخيار
كذاك في الشام أعلامٌ قلوبُهمُ = تفطَّرت حين لبيتم ندا الباري
هذا سليمٌ يواري اليوم دمعته = والحزن في قلبه قد صار كالنار
****
وانظر إلى شقرةٍ ضاعت بلاغته = وكم تلعثم عند الحادث الجاري
وذاك مشهور قد سالت مدامعه = فقداً لشيخٍ عظيم القدر مهصار
أما عليٌّ فلا تنظر لساحته = فإنَّها ساحة من دون أشجار
يا راحلين إلى عمَّان دونكمُ = هذا القريض يريكم بعض أخباري
يا راحلين إلى عمّان دونكمُ = قلبي يتوق إلى بستان أبرار
إني لأكتب شعري حين أكتبه = وكتمة الصدر كم تؤذي بأشعاري
****
كم كنت أرجو لقاء الشيخ أبصره = أرى محيَّاه بدراً في السما ساري
كم كنت أرجو سماع الشيخ يطربني = بصوته عبر تحقيق وآثار
لكنما في المنايا كل قاطعة = لذي الرغائب أو عن نيل أوطاري
يا ناصر الدين إن فارقت دوحتنا = فقد تركتَ علوماً تتحف القاري
قد كنت في الأرض للتعليم جامعة = بشطّها صار يرسو كل بحَّار
تهفو إليك قلوب الخلق طامعةً = بعلمكم فاستقوا من نَهرك الجاري
****
من للسلاسل يذكي نشر طيِّبها؟ = إلا ابن نوحٍ بعلم منه معطار
ومن سيروي غليلاً عند نَهمته؟ = إلا ابن نوحٍ ويعطي دون إقتار
ومن يرد دعاة الغي إن نعقوا؟ = إلا ابن نوحٍ بسيف منه بتار
وكيف يسطيع خصمٌ في مناقشةٍ = نقاش ذالك الهِزَبْر العاقر الضار
****
كم باحث ناقدٍ في الشيخ خطته = ونقده لا يساوي عشر معشار
يسير خلف ذوي الأهواء مجتهداً = وباعه لا يساوي شبر مغوار
يرميه زوراً بذا الإرجاء في سفه = ونَهجــه خارجي نَهج جزار
لكن أولو الفضل قد شادوا برتبته = وأنه شامةٌ في كل أقطار
مضى ابن نوح إلى الرحمن سيرته = محمودةٌ ، وجبين الخصم كالفار
مضى إلى الله يرجو كل مغفرة = من عالمٍ سرَّه للذنب غفار
فرحمة الله تغشى روحه أبداً = يعلو بها منزلاً في دار أبرار
****
فإن غدت شمسه في الكون آفلةً = فقد بدت ههنا شمس بأمصاري
فذلك الوادعي يمضي بسيرته = يقفو هنا نهجه في نقد آثار
يا وادعيُّ عيون الناس قد شخصت = إلى علومك في حضْر وأسفار
يبغون رِفدَك في التعليم فاتجهت = قلوبهم ترتوي من نبعك الجاري
أبقاك ربي لهذا الدين جامعةً = مبارك الوقت في جسْم وأعمار
والختْم صلى إله الكون ما طلعت = شمس الضحى أو توارت خلف أستار
على نبي الهدى والتابعين له = والمقتدين به في خير مضمار