بيان أهمية الفقه الإسلامي للعلامة ابن باز رحمه الله
بيان أهمية الفقه الإسلامي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمدالصادق الأمين ، وعلى آله وأصحابه ، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: فإن معرفة الفقه الإسلامي وأدلة الأحكام ، ومعرفة فقهاء الإسلام الذين يرجع إليهم في هذا الباب - من الأمور المهمة التي ينبغي لأهل العلم العناية بها ، وإيضاحها للناس ؛ لأن الله سبحانه خلق الثقلين لعبادته ، ولا يمكن أن تعرف هذه العبادة إلا بمعرفة الفقه الإسلامي وأدلته ، وأحكام الإسلام وأدلته ، ولايكون ذلك إلا بمعرفة العلماء الذين يعتمد عليهم في هذا الباب من أئمة الحديث والفقه الإسلامي. فالعلماء هم ورثة الأنبياء ، والأنبياء لم يورثوا دينارا ولادرهما وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر ، ومن أسباب السعادة للعبد ، ومن علامات النجاة والفوز أن يفقه في دين الله ، وأن يكون فقيها في الإسلام ، بصيرا بدين الله على ما جاء في كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام . والعلماء قد بين الله شأنهم ورفع قدرهم ، وهم أهل العلم بالله وبشريعته ،والعاملون بما جاء عن الله وعن نبيه عليه الصلاة والسلام ، وهم علماء الهدى ،ومصابيح الدجى ، وهم العالمون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهم الذين قال فيهم جل وعلا:)شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَإِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(وقال فيهم جل وعلا) : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواالْعِلْمَ دَرَجَاتٍ(وقال فيهم سبحانه:)إِنَّمَايَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ(وقد صح عن رسول الله صلى اللهعليه وسلم أنه قال:(من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين )متفق على صحته. فهذا الحديث العظيم يدلنا على فضل الفقه في الدين. والفقه في الدين : هو الفقه فيكتاب الله عز وجل ، والفقه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الفقه في الإسلام ؛ من جهة أصل الشريعة ، ومن جهة أحكام الله التي أمرنا بها ، ومن جهة مانهانا عنه سبحانه وتعالى ، ومن جهة البصيرة بما يجب على العبد من حق الله وحق عباده، ومن جهة خشية الله وتعظيمه ومراقبته ، فإن رأس العلم خشية الله سبحانه وتعالى ،وتعظيم حرماته ، ومراقبته عز وجل فيما يأتي العبد ويذر. فمن فقد خشية الله ومراقبته فلا قيمة لعلمه ، وإنما العلم النافع ، والفقه في الدين الذي هو علامة السعادة هو العلم الذي يؤثر في صاحبه خشية الله ، ويورثه تعظيم حرمات الله ومراقبته، ويدفعه إلى أداء فرائض الله وإلى ترك محارم الله ، وإلى الدعوة إلى الله عز وجل ،وبيان شرعه لعباده ، فمن رزق الفقه في الدين على هذا الوجه فذلك هو الدليل والعلامة على أن الله أراد به خيرا ، ومن حرم ذلك وصار مع الجهلة والضالين عن السبيل ،المعرضين عن الفقه في الدين ، وعن تعلم ما أوجب الله عليه ، وعن البصيرة فيما حرمالله عليه ، فذلك من الدلائل على أن الله لم يرد به خيرا ، وقد وصف الله الكفار بالإعراض عما خلقوا له وعما أنذروا به ؛ تنبيها لنا على أن الواجب على المسلم أن يقبل على دين الله ، وأن يتفقه في دين الله ، وأن يسأل عمل أشكل عليه ، وأن يتبصر ،قال عز وجل :) وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ وقال سبحانه : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ( فمن شأن المؤمن طلب العلم ، والتفقه في الدين ، والتبصر ، والعناية بكتاب الله ، والإقبال عليه وتدبره ، والاستفادة منه ، والعناية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتفقه فيها ، والعمل بها ، وحفظ ما تيسر منها ، فمن أعرض عن هذين الأصلين وغفل عنهما ، فذلك دليل وعلامة على أن الله سبحانه لم يرد به خيرا ، وذلك علامة الهلاك والدمار ، وعلامة فساد القلب وانحرافه عن الهدى ، نسأل الله السلامة والعافية من كلما يغضبه. فجدير بنا معشر المسلمين أن نتفقه في دين الله ، وأن نتعلم مايجب علينا ، وأن نحرص على العناية بكتاب الله ؛ تدبرا ، وتعقلا ، وتلاوة ، واستفادة، وعملا بذلك ، وأن نعني بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام حفظا وعملا وتفقها فيها ، وأن نعني أيضا بالسؤال عما أشكل علمنا ، فالإنسان يسأل عما أشكل عليه ،ويسأل من هو أعلم منه ليستفيد؛ عملا بقول الله سبحانه:)فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ( وعليه أن يحضر حلقات العلم ؛ ليستفيد ويتذاكر مع إخوانه الذين يرجو أن يكون عندهم علم حتى يستفيد من علمهم ، وحتى يضم ما لديهم من العلوم النافعة إلى ما لديه من العلم ، فيحصل له بذلك خير كثير ويحصل له بذلك الفقه في الدين ، ويحصل له بذلك البعد عن صفات المعرضين والغافلين ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من يردالله به خيرا يفقهه في الدين ) وبما ذكرنا يعرف المؤمن فضل فقهاء الإسلام ، وأنهم قد أوتوا خيرا كثيرا ، وقد فازوا بحظ عظيم من أسباب السعادة وطرق الهداية ؛ لأنالعلم النافع من أسباب الهداية ، ومن حرم العلم حرم خيرا كثيرا ، ومن رزق العلم النافع فقد رزق أسباب السعادة ، إذا عمل بذلك واتقى الله في ذلك. وعلى رأس العلماء بعد الرسل أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ،فإنهم هم الفقهاء على الكمال ، الذين تلقوا العلم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتفقهوا في كتاب ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام ، ونقلوا ذلك إلى من بعدهم غضا طريا ، تفقهوا وعملوا ، ونقلوا العلم إلى من بعدهم من التابعين ، نقلوا كتاب الله إلى من بعدهم لفظا وتفسيرا وقراءة . إلى غير ذلك. ونقلوا إلى من بعدهم أيضا ما بينه لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام من معنى كلام الله عز وجل ،ونقلوا أيضا لمن بعدهم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي سمعوها منه ، والتي رأوها منه عليه الصلاة والسلام ، والتي أقرهم عليها ، نقلوها إلى من بعدهم بغاية الأمانة والصدق ، نقلوها إلى الأمة بواسطة الثقات من التابعين ، حتى نقلت إلينا بالطرق المحفوظة الثابتة التي لا يتطرق إليها الشك ، نقلها الثقات عن الثقات ،والثقات عن الثقات ، حتى وصلت إلى هذا القرن وما بعد. وهذا من إقامة الحجة من الله عز وجل على عباده ، فإن نقل العلم من طرق الثقات عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم عن الصحابة إلى من بعدهم؛ إقامة للحجة ، وإيضاح للمحجة ، ودعوة إلى الحق ،وتحذير من الباطل ، وتبصير للعباد بما خلقوا له من عبادة الله وطاعته جل وعلا. وبهذا يعلم أن لهم من الحق على من بعدهم : الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة والرضا ، والحرص على الاستفادة من علومهم ، وما جمعوه وألفوه من العلوم النافعة ، فإنهم سبقوا إلى خير عظيم ، وإلى علم جم ، سبقوا إلى الفقه في كتاب الله ، وإلى الفقه في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ونقلوا إلينا ما وصل إليهم من علم بالله ، وبكتابه ، وبسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. فوجب علينا أن نعرف لهم قدرهم ، وأن نشكرهم على علمهم العظيم ، وعلى ماقاموا به من حفظ رسالة الله وتفقيه الناس في دين الله ، وأن نستعين بما دونوه ،وخلفوه من الكتب المفيدة والعلوم النافعة ، حتى نعرف بذلك معاني كلام الله ، ومعاني كلام رسوله عليه الصلاة والسلام. وإن من أعظم الفائدة ، ومن أكبر الخيرالذي نقلوه إلينا أن حفظوا علينا سنة نبينا عليه الصلاة والسلام ، ونقلوها إلينا طرية غضة سليمة محفوظة ، وفيها تفسير كتاب الله ، وفيها بيان ما أجمل في كتاب الله، وفيها بيان الأحكام التي جاء بها الوحي الثاني إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الوحي من الله له إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو السنة المطهرة ، فإنالله جل وعلا أعطى نبيه صلى الله عليه وسلم القرآن ومثله معه ، كما قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام:(ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) فعلى أهل العلم أن ينقلوا ما جاءت به السنة ، وأن يوضحوا ذلك للناس ،وأن يرشدوهم إلى معاني كلام ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام ، في الخطب والمواعظ والدروس وحلقات العلم ، وغير هذا من أسباب التوجيه والتعليم والإرشاد . ولهذا ارتحل العلماء إلى الأمصار ، واتصلوا بالعلماء في كل قطر ؛ للفائدة والعلم ، ففي عهد الصحابة سافر بعض الصحابة من المدينة إلى مصر والشام ، وإلى العراق واليمن ، وإلى غير ذلك ؛ للفائدة ولنقل العلم ، فتجد الصحابة رضي الله عنهم-وهم أفضل الناس بعد الأنبياء - ينتقلون من بلاد إلى بلاد ؛ ليسألوا عن سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتتهم ولم يحفظوها ، فبلغهم ذلك عن صحابي آخر فيسافرأحدهم إليه؛ ليسمع ذلك منه ، ولينتفع بذلك ، ولينقله إلى غيره من إخوانه في الله التابعين لهم بإحسان. ثم جاء العلماء بعدهم من التابعين ، هكذا فعلوا ،ارتحلوا في العلم ، وساروا في طلب العلم ، وتبصروا في دين الله ، وتفقهوا على الصحابة وسألوهم - رضي الله عنهم وأرضاهم - عما أشكل عليهم ، وعملوا بذلك ، ثم نقلوا ذلك إلى من بعدهم من أتباع التابعين رواية ودراية ، ثم هكذا أتباع التابعين نقلوه لمن بعدهم ، ثم ألفوا كتبا عظيمة في الحديث والتفسير واللغة العربية... وغير هذا من أنواع العلوم الشرعية ، حتى بصروا الناس ، وحتى أرشدوا إلى الطريق السوي ، وحتى علموهم القواعد الشرعية التي بها يعرف كتاب الله ، وبها تعلم معانيه ،وبها تحفظ السنة ، وبها تعلم معانيها. وبذلك يحصل العمل بكتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على بصيرة وعلى هدى وعلى نور ، فجزاهم الله عن ذلك خيرا وضاعف لهم الأجور ، وضاعف لهم الحسنات ، ونفعنا بعلومهم جميعا ، وأعاذنا جميعا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. ومما يتعلق بهذا حضورحلقات العلم ؛ لأنها من طريقة أهل العلم ، وفي الحديث الصحيح:(إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قيل يا رسول الله وما هي رياض الجنة ؟قال حلَق الذكر)وقال عليه الصلاة والسلام:(من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة)وقال عز وجل:)فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ( فهذه أشياء مهمة تتعلق بالفقه والفقهاء ، وبطلب العلم في المساجد ، وبالرحلة إلى البلدان التي فيها العلماء المعروفون بالاستقامة ، كل هذا من أسباب تحصيل العلم ،ومن الطرق التي توصل إليه ، وصاحبها يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة فإذا سأل أهل العلم ، أو سافر إليهم في بلادهم ، أو زارهم في بيوتهم وفي المساجد فقد سلك طريقا يلتمس فيه علما.وذكر أهل العلم : أن من الطرق المعينة على حفظ العلم كتابته ، والعناية بحفظه ، كما فعل سلفنا الصالح رحمهم الله ومن بعدهم من أهل العلم ، كل هذا من وسائل تحصيل العلم، ومن الطرق الموصلة إليه. كما أن الرحلة والانتقال من بلد إلى بلد ، ومن مسجد إلى مسجد ، ومن حلقة إلى حلقة ، ومن بيت عالم إلى بيت عالم؛ لطلب العلم ،وللتفقه في الدين ، كل ذلك أنواع وطرق من طرق تحصيل العلم ، وهي داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم : من سلك طريقا يلتمس فيه علما الحديث. والله ولي التوفيق.وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وآله وصحبه . المصدر : كلمة ألقاها سماحته في المسجد الجامع الكبير بالرياض بتاريخ 27/1400هـ وسبق أن نشرت في كتاب سماحته ( مجموع فتاوى ومقالات متنوعة) الجزء التاسع ص128 – 141. |
بارك الله فيكم و رحم الله العلامة ابن باز و أسكنه فسيح جناته
|
وأنتم بارك الله فيكم وأشكركم عل المرور المبارك
|
جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة شرفها الله. الساعة الآن: 10:25 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.7.3, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم بشرط الإشارة إلى منتديات الشعر السلفي