تفصيل القول في هجر أصحاب البدع لفضيلة الشيخ زيد بن محمد المدخلي حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم تفصيل القول في هجر أصحاب البدع لفضيلة الشيخ زيد بن محمد المدخلي حفظه الله هجر أهل البدع ديانة : كما أن من مميزات المنهج السلفي ومقوماته هجر أهل الأهواء والبدع ديانة على أساس ما سبق تدوينه في شأن الولاء والبراء وأن العبد لا يكون على سبيل نجاة ولا وليا إلا إذا كان حبه في الله وبغضه في الله وموالاته في الله ومعاداته في الله .وعليه فإن السلف ـ رحمهم الله ـ يتقربون بهجر أهل البدع تطبيقا لحق الولاء والبراء سواء كانت البدعة حقيقة أو إضافية ، ثم إن هجرهم للمبتدعين والفساق لغرض سام ومصلحة شرعية منها ما تقدم ذكره من الحرص على تطبيق حكم الولاء والبراء ، ومنها لينزجر المبتدعون عندما يشعرون بالجفاء لهم والإعراض عنهم والتحذير من أفعالهم ، ومنها ليعرف الناس عنهم فلا يغتروا بهم فيسقطوا في حمأة البدعة البغيضة وغير ذلك من المقاصد الشرعية المرضية ، ولا شك أن السلف ينطلقون في هجر المبتدعين من نصوص الكتاب والسنة وفعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والوارثين لعلمهم وغيرهم فمن الآيات البينات التي فهم منها سلفنا الصالح وأتباعهم وجوب هجر أهل البدع من أجل تحقيق المصالح الشرعية المرضية : 1 ـ منها قوله تعالى : (( وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا )) [ النساء : 140 ] . قال القرطبي في معنى قوله تعالى : (( فلا تقعدوا معهم )) . ما نصه : " فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم ، والرضا بالكفر كفر ، قال الله عز وجل : (( إنكم إذا مثلهم )) . فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء ، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها ، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية . اهـ . قلت : وإذ قد أتى التحذير من مجالسة أهل المعاصي فإنه من أهل البدع من باب أولى وما ذلك إلا لأن صاحب البدعة أعظم جرما وأشد خطرا من صاحب المعصية بيان ذلك أن صاحب المعصية يلم بها تارة ويقلع عنها أخرى غالبا بينما صاحب البدعة يظل ثابتا عليها لتمكنها من قلبه واستحواذها على عقله وجوارحه . ومن جملة ما قاله القاسمي في تفسيره لهذه الآية :" وروى ابن جريرعن الضحاك أنه قال : دخل في هذه الآية كل محدث في الدين وكل مبتدع إلى يوم القيامة ... إلى أن قال : وفي الإكليل قال ابن الفرس : استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب اجتناب أهل المعاصي والأهواء . اهـ . 2 ـ ومنها قوله تعالى في سورة الأنعام : (( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينّك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين )) [ الأنعام : 68 ] . قال القرطبي ـ رحمه الله ـ :" في هذه الآية رد من كتاب الله عز وجل على من زعم أن الأئمة الذين هم حجج وأتباعهم لهم أن يخالطوا الفاسقين ويصوبوا آراءهم تقية ، وذكر الطبري عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنه أنه قال : لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله . قال ابن العربي : هذا دليل على أن مجالسة أهل الكبائر لا تحل . قال ابن خويد منداد : من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر مؤمنا كان أو كافرا ، وكذلك منع أصحابنا الدخول إلى أرض العدو وكنائسهم والبيع وجالسة الكفار وأهل البدع وألا تعتقد مودتهم ولا يسمع كلامهم ولا مناظرتهم " . اهـ . ثم ذكر ـ رحمه الله ـ آثارا دالة على وجوب هجر المبتدعين عن جملة من السلف منهم أبو عمران النخعي وأيوب السختياني والفضيل بن عياض ـ رحمهم الله ـ . وقال الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الآية ما نصه : " وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتمسح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون كلام الله ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله ويردون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقل الأحوال أن يترك مجالستهم ، وذلك يسير عليه غير عسير ، وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزهه يتلبسون به شبهة يشبهون بها على العامة فيكون في حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر ، وقد شاهدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه ، وبلغت إليه طاقتنا ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرمات ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة فإنه ربما ينفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ماهو من البطلان بأوضح مكان فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه فيعمل بذلك مدة عمره ويلقى الله به معتقدا أنه من الحق وهو ـ والله ـ من أبطل الباطل وأنكر المنكر . اهـ . 3 ـ ومنها قوله تعالى : (( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النّار)) [ هود : من الآية 113 ] . قال القرطبي :" الصحيح في معنى هذه الآية أنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم فإن صحبتهم كفر أو معصية إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة . وقد قال حكيم ـ أي : طرفة بن العبد ـ : عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ـ ـ ـ ـ ـ فكل قرين بالمقارن يقتدي اهـ . وغير هذه الآيات في هذا الحكم كثير . ومن السنة من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله . فمن قوله : ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم " . قال الإمام البغوي بعد هذا الحديث ما نصه :" قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة وظهور الأهواء والبدع فيهم ، وحكم بالنجاة لمن اتبع سنته وسنة أصحابه رضي الله عنهم فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلا يتعاطى شيئا من الأهواء والبدع معتقدا أو يتهاون بشيء من السنن أن يهجره ويتبرأ منه حيا وميتا فلا يسلم عليه إذا لقيه ، ولا يجيبه إذا ابتدأ إلى أن يترك بدعته ويراجع الحق ... إلى أن قال ـ رحمه الله ـ : والنهي عن الهجران فوق ثلاث فيما يقع بين الرجلين من التقصير في حقوق الصحبة والعشرة دون ما كان ذلك في حق الدين فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة إلى أن يتوبوا . اهـ . ولما أورد البغوي حديث كعب بن مالك عن قصة تخلفه عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قال على إثره :" وفيه دليل على هجران أهل البدع على التأبيد ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم براءتهم ، وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء المسلمين على هذا ، مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم . اهـ . ومن فعل النبي صلى الله عليه وسلم عدة وقائع منها : أ ـ هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم وهما مرارة بن الربيع وهلال بن أمية الواقفي وجميعهم من الأنصار حيث استمر هجرهم من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وجميع الأصحاب حتى تاب الله عليهم بعد مدة دامت خمسين ليلة . ب ـ وهجر صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ـ رضي الله عنها ـ نحوا من شهرين حينما قالت :" أنا أعطي تلك اليهودية ـ تعني : صفية بنت حيي رضي الله عنها ـ " رواه أبو داود من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ . ج ـ " وهجر صاحب القبة المشرفة بالإعراض عنه حتى هدمها " د ـ " وهجر رجلا كان في يده خاتما من ذهب حتى طرحه وكان هجره له بالإعراض عنه " رواه أحمد وغيره . وهذه النصوص القرآنية والنبوية كلها متفقة على هجر العصاة والمبتدعين بسبب ما اختاروا لأنفسهم من الفسوق والعصيان والضلال . وأما الصحابة الكرام وأتباعهم من خيرة الأانام فإنهم قد تأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب من هجر العصاة المجاهرين وأهل الضلالات المبتدعين ، وإليك غيضا من فيض من الأمثلة التي توضح مواقفهم المشرفة من أهل الجهر بالمعصية وأهل الأهواء والبدع المحدثة : 1 ـ هجر عبد الله بن المغفل رضي الله عنه رجلا يخذف بالحصى بعدما أعلمه تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم للخذف فاستمر . 2 ـ وكان علي ابن أبي طالب رضي الله عنه يعتقل أصحاب النرد غدوة ونحوها وينهى عن السلام عليهم . رواه البخاري في الأدب المفرد . 3 ـ وهجر عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما رجلا رآه يخذف بعدما أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن ذلك وقال له : والله لا أكلمك أبدا . رواه الحاكم . 4 ـ وهجر عبد الله ابن مسعود رجلا رآه يضحك في جنازة فقال : والله لا أكلمك أبدا . رواه أحمد في الزهد . هذا وكم من الآثار قد جاءت عن السلف في الترغيب في الرد على أهل البدع والأهواء وفي هجرهم حتى يفيئوا إلى أـمر الله كما جاءت آثار أخرى تحذر من الركون إليهم ومن مجالستهم ومودتهم والسكوت عن بدعهم المحدثة وهذه بعض الأمثلة : قال ابن مسعود رضي الله عنه :" إياكم وما يحدث الناس من البدع فإن الدين لا يذهب من القلوب بمرة ولكن الشيطان يحدث له بدعا حتى يخرج الإيمان من قلبه ن ويوشك أن يدع الناس ما الزمهم الله من فرضه في الصلاة والصيام والحلال والحرام ويتكلمون في ربهم عز وجل فمن أدرك ذلك الزمان فليهرب . قيل : يا أبا عبد الرحمن فإلى أين ؟ قال : إلى لا أين . قال : يهرب بقلبه ودينه لا يجالس أحدا من أهل البدع " . وقال الفضيل بن عياض : " من جلس مع صاحب بدعة فاحذره ، ومن جلس مع صاحب البدعة لم يعط الحكمة وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد ، آكل عند اليهودي والنصراني أحب إليّ من أن آكل عند صاحب بدعة . وقال رحمه الله : من أتاه رجل فشاوره فدله على مبتدع فقد غش الإسلام ، واحذروا الدخول على أصحاب البدع فإنهم يصدون عن الحق . وقال : " لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة " . وقال : " إن لله ملائكة يطلبون حلق الذكر فانظر مع من يكون مجلسك ، لا يكون مع صاحب بدعة فإن الله لا ينظر إليهم ، وعلامة النفاق أن يقوم الرجل ويقعد مع صاحب بدعة . وقال :" أدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة وينهون عن أصحاب البدع . وقال الحسن البصري :" ثلاثة ليست لهم حرمة في الغيبة أحدهم صاحب بدعة الغالي ببدعته . وقال سفيان الثوري : " من أصغى بأذنه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة الله ووكل إليها ـ يعني : إلى البدع ـ . وقال ابن المبارك :" وإياك أن تجالس صاحب بدعة ". وقال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :" ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة ، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين ، حتى قيل لأحمد بن حنبل : الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع . فقال : إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه ، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل ، فبين أن هذا نفع عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ، ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين ، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب ، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء . اهـ . وكتب أسد بن موسى ـ أسد السنة ـ إلى أسد بن الفرات رسالة طويلة قال فيها : " اعلم يا أخي أن ما حملني من الكتاب إليك إلا ذكر أهل بلدك من صالح ما اعطاك الله من إنصافك الناس وحسن حالك مما أظهرت من السنة وعيبك لأهل البدع وكثرة ذكرك لهم وطعنك عليهم فقمعهم الله بك وشد بك ظهر أهل السنة وقواك عليهم بإظهار عيبهم والطعن عليهم فأذلهم الله بيدك وصاروا ببدعتهم مستترين فأبشر يا أخي بثواب ذلك واعتد به من أفضل حسناتك من الصلاة والقيام والجهاد ، وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله تعالى ، وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... إلى أن قال : وإياك أن يكون لك من أهل البدع أخ أو جليس أو صاحب فإنه جاء في الأثر : من جالس صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه ، ومن مشى إلى صاحب بدعة فقد مشى في هدم الإسلام ." اهـ . وقال أبو قلابة : " لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالهم أو يلبسوا عليكم ما تعرفون . قال أيوب : كان والله من الفقهاء وذوي الألباب " . وروى حماد بن زيد عن أيوب قال : دخل على محمد بن سيرين يوما رجل فقال :" يا أبا بكر ، أقرأ عليك آية من كتاب الله لا أزيد على أن أقرأها ثم أخرج . فوضع ابن سيرين أصبعيه في أذنيه ثم قال : أحرّج عليك إن كنت مسلما لما خرجت من بيتي . قال : فقال : يا أبا بكر لا أزيد على أن أقرأ ثم أخرج . فقال بإزاره يشده عليه وتهيأ للقيام قال : فأقبلنا على الرجل فقلنا : قد حرج عليك إلا خرجت . فقلنا : يا أبا بكر ما عليك لو قرأ عليك آية ثم خرج . قال : إني والله لو ظننت أن قلبي يثبت على ما هو عليه ما بليت أن يقرأ ولكن خفت أن يلقي في قلبي شيئا أجهد أن أخرجه من قلبي فلا أستطيع . وجاء عن عبد الله بن القاسم أنه قال : " ما كان عبد على هوى فتركه إلا آل إلى ما هو شر منه . قال سودة ـ الراوي عنه ـ : فذكرت ذلك لبعض أصحابنا فقال : تصديقه في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم :" يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يرجعون حتى يرجع السهم إلى فوقه " . وجاء عن حماد بن زيد عن أيوب قال :" كان رجل يرى رأيا فرجع عنه فأتيت محمدا فرحا بذلك فأخبرته فقلت : أشعرت أن فلانا ترك رأيه الذي كان يرى . فقال : انظروا إلى ما يتحول إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله :" يمرقون من الإسلام لا يعودون إليه ." وقال الأوزاعي :" كان بعض أهل العلم يقولون : لا يقبل الله من ذي بدعة صلاة ولا صدقة ولا صيام ولا جهاد ولا صرفا ولا عدلا وكان أسلافكم تشتد عليهم ألسنتهم وتشمئز منهم قلوبهم ويحذرون الناس بدعتهم ." وجاء عن الحسن البصري قوله :" من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث : إما أن يكون فتنة لغيره ، وإما أن يقع في قلبه شيء فيزل به فيدخله الله النار ، وإما أن يقول : والله ما أبالي ما تكلموه ، وإني واثق بنفسي فمن أمن الله على دينه طرفة عين سلبه إياه . " هذه أمثلة من مواقف السلف الكرام تجاه أهل الفسق والفجور والأهواء والبدع وهي كما أسلفت غيض من فيض ولغير من ذكرت من السلف مواقف كثيرة كهذه وما ذلك إلا لما تميز به منهجهم المؤسس على القاعدة الأصيلة " الحب في الله والبغض في الله " نعم إنهم يفعلون ذلك لئلا يكون منهم إيواء لصاحب البدعة والفسق والهوى أو تقدير أو تحصل منهم تغطية على سوء أعمالهم فينشأ عن ذلك مفاسد عظيمة تسخط الله العلي القدير . قال : الشاطبي ـ رحمه الله ـ في هذا المقام :" إن الإيواء يجامع التوقير ، ووجه ذلك ظاهر لأن المشي إليه والتوقير له تعظيم لأجل بدعته وقد علمنا أن الشرع يأمر بزجره وإهانته وإذلاله بما هو أشد من هذا كالضرب والقتل فصار توقيره صدودا عن العمل بشرع الإسلام ، وإقبالا على ما يضاده وينافيه ، والإسلام لا ينهدم إلا بترك العمل به والعمل بما ينافيه . وأيضا فإن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان بالهدم على الإسلام : إحداهما : التفات العامة والجهال إلى ذلك التوقير فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس وأن ما هو عليه أفضل مما عليه غيره فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السنة على سنتهم . الثانية : أنه إذا وقر من أجل بدعته صار ذلك كالحافز المحرض له على إنشاء الإبتداع في كل شيء ، وعلى كل حال فتحيا البدع وتموت السنن وهو هدم الإسلام بعينه " . اهـ . قلت : يا لله ما أخطر البدع في دين الله ، وما أعظمها في نفوس السلف وإن دقت في أعين الناس ، واسمع معي أيها الناصح لنفسه هذه القصة : قال أبو مصعب صاحب الإمام مالك ـ رحمهما الله تعالى ـ : قدم علينا ابن مهدي ـ يعني : المدينة ـ فصلى ووضع رداءه بين يدي الصف فلما سلم الإمام رمقه الناس بأبصارهم ، ورمقوا مالكا وكان قد صلى خلف الإمام فلما سلم قال : من هاهنا من الحرس ؟ فجاءه نفسان فقال : خذا صاحب هذا الثوب فاحبساه . فحبس فقيل له : إنه ابن مهدي . فوجه إليه ، وقال له : أما خفت الله واتقيته أن وضعت ثوبك بين يديك في الصف وشغلت المصلين بالنظر إليه وأحدثت في مسجدنا شيئا ما كنا نعرفه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" من أحدث في مسجدنا حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " . فبكى ابن مهدي وآلى على نفسه أن لا يفعل ذلك أبدا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره ، وهذا غاية في التوقي في ترك إحداث ما لم يكن خوفا من تلك اللعنة فما ظنك بما سوى وضع الثوب " . اهـ . المصدر : الأجوبة السديدة على الأسئلة الرشيدة لفضيلة الشيخ زيد بن محمد المدخلي حفظه الله ـ [ ج : ( 1 ـ 3 ) ـ ص : 500 ] . |
بارك الله فيك أخي الجريفي وفي جهودك وتقبل مروري
|
وفيك بارك الله أخي أباروحة شاعر سلفي
|
بارك الله فيكم وأحسن إليكم وحفظ الله فضيلة الشيخ العلامة زيد المدخلي ونفع بعلمه الإسلام والمسلمين
|
جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة شرفها الله. الساعة الآن: 07:27 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.7.3, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم بشرط الإشارة إلى منتديات الشعر السلفي