تحذير المسلمين من طرق الصادين عن حملة العلم والدين
تحذير المسلمين من طرق الصادّين عن حملة العلم والدين عبارة عن خطبة جمعة مفرغة ألقيت بدار الحديث بدماج بتاريخ 26رمضان 1429 هـ , مع إضافة فيها كانت بتاريخ 4 شوال 1429 هـ للشيخ أبي محمد عبد الحميد الحجوري حفظه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [سورة آل عمران آية: 102]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [سورة النساء آية: 1]. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [سورة الأحزاب آية: 70، 71]. أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [سورة الأنعام آية: 134]. عباد الله!! إن الله سبحانه وتعالى خلقنا لطاعته وعبادته، فقال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ [سورة الذاريات آية: 56]، ولمحبته لذلك بعث ﴿رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ﴾ [سورة النساء آية: 165]، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [سورة النحل آية: 36]. وقال عز وجل: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [سورة النساء آية: 36]. وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ﴾ [سورة الإسراء آية: 23] في آيات كثيرات طيبات مباركات، يحثنا ربنا سبحانه وتعالى على عبادته وطاعته، ولمحبته لذلك سبحانه وتعالى ختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي أرسله بالهدى ودين الحق، بالهدى الكامل، وبالدين التام، الذي أخبر الله عز وجل عنه بقوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا﴾ [سورة المائدة آية: 3]. بعث محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالعلمِ النافعِ، المصاحب للعمل الصالح، ولذلك أخبر الله عز وجل: أنه لا نجاة من الخسارة إلا بالأخذ بهذين الشيئين، قال عز وجل: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [سورة العصر آية: 1- 3] حققوا الهدى ودين الحق الذي بعث الله عز وجل به محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ولما جاء رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بالهدى ودين الحق، عاداه من عاداه، وحاربه من حاربه ومقته من مقته، وخذله من خذله، ونصره من نصر، وأعز الله عز وجل بعد ذلك دينه، وأعلى كلمته ومكَّن لأوليائه، وقام أهل السنة والجماعة بهذا الدين خير قيام فقد حققوا التوحيد، في جـميع جوانبه، فهم أحق الناس بتوحيده في جانب الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، يؤمنون بالله عز وجل كما أراد الله عز وجل منهم، لا يكيفون ولا يمثلون، ولا يعطلون ولا يحرفون ولا يشركون ولا ينددون بل هم مستسلمون منقادون، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [سورة البقرة آية: 208]. وحققوا جانب العبادات فهم أحق الناس بتحقيق العبادة كما أراد الله عز وجل منهم وشرع، ففي صيامهم يصومون كصيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يفطرون لفطرته ويتسحرون لسحوره لا يقلدون اليهود ولا النصارى، ولا يتشبهون بهم، وفي صلواتهم كذلك يصلون كما صلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم متمثلين قوله عليه الصلاة والسلام:«صلوا كما رأيتموني أصلي » أخرجه البخاري . وهم أحسن الناس أخلاقًا امتثالًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق»([1]). وهم في جانب المعاملات يحرصون على أن يلازموا طريقة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهم أهل الهدى وأهل الحق ومع ذلك لا غرو أن تجد بين الحين والآخر من يتنكر ومن يعادي هذا الحق فقد عُودي حملته الأولون وهم أفضل وأجل من حملته المتأخرين، عُودي الأنبياء، عودي الأولياء، عودي الصالحون، ومع ذلك ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [سورة النور آية: 55]. ولكن هذا الدين لا يظهر إلا بالتمسك به، والأخذ به، والجمع بين هذين السببين، وهو العلم النافع والعمل الصالح ، قال تعالى ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾ [ سورة التوبة آية : 33]. فينبغي لنا أن نحقق ذلك في أنفسنا وفي مجتمعاتنا ندعو إلى ذلك، وندعو الأمة جميعًا إلى طاعة ربها وامتثال سنة نبينا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، ونكون في دعوتنا لسبيل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – سالكين وبهديه مستمسكين مبشرين ومنذرين ، مطبقين لقول الله تعالى :﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ ﴾ [ سورة النحل آية : 125] ، فإذا طبقنا ذلك رجونا أن نكون ممن قال الله فيهم : ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [ سورة فصلت آية : 33]، وفي قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - :« فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم » ، ألا وإن بين الحين والآخر نسمع من يزهد ومن يطعن ومن يحذِّر من هذه الدعوة المباركة، وَمِن حَملتِها بصورة أو بأخرى، وهذا الأمر ليس بالأمر المستغرب فإن المخالفين قد سلكوا في حرب الحق وأهله سبلاً متفرقة وطرقاً معوجة يقتدي بعضهم ببعض بئس التابع والمتبوع فأول ما يطعنون في الحق الذي تجيء به ، إن استطاعوا أن يصوروا الحق الذي جئت به باطلًا فعلوا ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [سورة المدثر آية: 24، 25]، ﴿قَالُوا مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُفْتَرًى﴾ [سورة القصص آية: 36] ، ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا﴾ [سورة الفرقان آية: 5]. يشوهون الحق، ويظهرونه بصورة الباطل، فإن فشلوا في ذلك جاءوا إلى سبيل آخر وهو ؛ تشويه صاحب الحق، وحامل الحق، والداعي إلى الحق، قال سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [سورة الأعراف آية: 59] هذا نوح عليه السلام يدعو إلى توحيد الله عز وجل، وإلى عبادته، ويخاف على قومه من العذاب الأليم ومن الخزي العظيم في الدنيا والآخرة، ومع ذلك ماذا يفعلون! ما استطاعوا أن يطعنوا في الحق الذي جاء به؛ لأنه يدعوهم إلى التوحيد لكن قالوا: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [سورة الأعراف آية: 60] هذا ضال لا تأخذوا عن الضلال؛ فبين نوح عليه السلام أنه ليس بضال وإنما يدعو إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، فقال عليه السلام: ﴿قَالَ يَا قَوْم لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة الأعراف آية: 61، 62]. وهود عليه السلام: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾ [سورة الأعراف آية: 65، 66]، أنت سفيه، هذا رجل سفيه لا تأخذوا عن السفهاء ، ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا﴾ [سورة الكهف آية: 5] فبين أنه ليس بسفيه. يشوهون حملة الحق حتى لا يقبل منهم فتشويه أهل السنة سنة كفرية ويهودية. نعم يا عباد الله فلا ينبغي أن يشوه حامل الكتاب والسنة، ولا يطعن فيه؛ لأن الطعن فيه طعن في دين الله عز وجل الذي يحمله ويبلغه: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [سورة الذاريات آية: 52، 53]. فإن فشلوا في تشويه الحق وتشويه صاحب الحق، انتقلوا إلى أمر خفي، وهو المكر هذا الداء العضال الذي استغله إبليس اللعين، وقذفه في قلوب أتباعه، يمكرون بالليل والنهار لزعزعة الحق وأهل الحق والمكر بالحق، قال الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾ [سورة النمل آية: 45]، وذكر من شأنهم حتى أنهم تعاهدوا تسعة رهط فيما قال تعالى : ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [سورة النمل آية: 49، 51] هؤلاء قوم ثمود يمكرون بنبيهم لقتله. وأيضًا الكفار - كفار قريش- يمكرون بمحمد -صلى الله عليه وسلم - في حرب الحق الذي جاء به: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ﴾ [سورة الأنفال آية: 30] يسجنوك حتى لا تتكلم مع الناس ولا تدعو الناس ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾. ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾ [سورة سبأ آية: 33] هذا اعتراف من المستضعفين من التابعين لكبرائهم المجرمين الذين يمكرون بدين الله الحق، وبمن جاء به، يعترفون في ذلك اليوم، يريدون أن يحملوا من أوزارهم، ومع ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [سورة المدثر آية: 38]، ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [سورة النحل آية: 25]. نعم يا عباد الله يمكرون في ليليهم، في نهارهم، في سرهم، في جهارهم، ومع ذلك يفضحهم الله، وله الحمد والمنة أنه يمكر بالماكرين ويكيد بالكائدين ،﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [ سورة الأنفال آية :30]، ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ سورة الطارق آية : 15 - 16] . فإن فشلوا في المكر انتقلوا إلى صورة أخرى من صور الصد عن الحق والتزهيد في الحق، وهو الطعن في الموطن الذي يظهر منه هذا الحق فتارة يقولون: هذا بلد بارد، وهذه أرض فيها حرب، وتلك أرض فيها أمراض وأسقام، وهذا القول ليس بالجديد فما ادعَّوه لصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم - : أوهنتهم حمى يثرب، كالذين يقولون: لا تذهبوا إلى يثرب، لا تتبعوا محمد، بلده بلد أسقام وأمراض. نعم يا عباد الله! المهم أن أهل الباطل يسعون جادين للصد عن سبيل الله سبحانه وتعالى، حتى إنهم ينفقون الأموال الكثيرة في الصد عن سبيل الله لكن لن يتحقق لهم مرادهم؛ لأن الله عز وجل يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [سورة الأنفال آية: 36] ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [سورة الأنفال آية: 37] هذا وعْد الله أنه يُُميّز بين الخبيث وبين الطيب، فلا يمكن أن يتحقق للماكرين ولا للطاعنين ولا للصادين عن سبيل الله عز وجل مرادهم، فإنما هي أذية ﴿وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ [سورة الفرقان آية: 20]. ومن صور الصد عن الحق أنهم يطعنون في معيشة حملة الحق، وفيما هم عليه من الخير، ربما لا يستطيعون أن يقولوا: لا تأتوا إلى دماج أو إلى أهل السنة في دماج، وإنما يقولون: إن هؤلاء أناس يجوعون، ما عندهم طعام ما عندهم شراب، وهذه سنة كسروية، قالها للمغيرة بن شعبة أنتم قوم كنتم تأكلون الميتة، وتفعلون، وتفعلون فهل نعطيكم على أن ترجعوا إلى بلدكم؟! صد عن سبيل الله عز وجل، وعن الحق، وعن حملة الحق، ومع ذلك تفشل هذه الوسائل كلها، وإذا لم يستطيعوا هذا ولا ذاك خذَّلُوا، وهذا من وسائل الصد عن الحق، يعرف أحدهم أنك على الحق، وأنك ناصر للحق، وأنك تدعو إلى دين الله الحق، ومع ذلك لا ينصرك، بل ويخذلك، وهذا أيضًا لا يضر شيئًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي وعد الله وهم ظاهرون»([2]). فالمخذّل إنما يظلم نفسه، لأنه تخلف عن واجب أوجبه الله عز وجل عليه، وهو نصرة المؤمنين، ونصرة أولياء الله المتقين، ونصرة أهل الحق وهم مع ذلك لا للحق نصروا ولا للباطل كسروا. ومن وسائل الصد عن الحق التحريش، وهذا سنة شيطانية ففي حديث جابر عند الإمام مسلم «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم»([3])، يحرّش بين المسلمين، ويحرّش بين حملة الدين، ويرسل أولياءه من الإنس والشياطين « يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا» [ سورة الأنعام آية : 6 ] ، ينصب الشيطان عرشه على الماء ثم يبعث أولياءه فيأتي أحدهم فيقول له: ماذا صنعت؟ فيقول: لم أزل به حتى قتل فلانًا، فقول: ما صنعت شيئًا، ما صنعت شيئًا، لم أزل به حتى فعل... ما صنعت شيئًا، ما صنعت شيئًا، لم أزل به حتى طلق امرأته، حرّش بين المرأة وبين زوجها حتى أدى إلى الفرقة، قال: أنت أنت وأجلسه بجانبه؛ أخرجه مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - . فمن باب أولى الذين يحرّشون بين حملة الحق لأن ضررهم أكبر فلعل الشيطان ينصب لهم المكان العالي ويرفعهم. يحرشون بين الطلاب وبين شيخهم وبين عالمهم وبين من يدلهم إلى الخير والرسول -صلى الله عليه وسلم - يقول: «من خبب زوجة امرئ أو مملوكه فليس منا»([4]) فكيف بمن يخبب صاحب الحق عن الحق، فكيف بمن يخبب المستقيمين عن أهل الاستقامة ويزعزهم في دينهم، ويردهم إلى القهقرى، صيدًا لأهل الجمعيات والبدع والحزبيات والخرافات. وأيضًا الزعزعة في وسط الصف، من وسائل الصد عن الحق وهي صفة نفاقية فعلها عبد الله بن أبي وغيره، فكان ربما خرجوا في المعركة، فإذا وصلوا إلى الطريق أوغروا الصدور على النبي صلى الله عليه وسلم ، وبثوا سمومهم وربما أرجعوهم من المعركة. ويتهمون الصالحين بأنهم أذلة ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [سورة المنافقون آية: 8]. ويحذرون من الإنفاق على رسول الله وعلى الصالحين ﴿لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [سورة المنافقون آية: 7]. المهم أن للمعرضين والمخالفين والمناوئين لشرع الله عز وجل ولدينه وللحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، طرقًا كثيرة: يزهدون ويحذرون ويحاربون بها الحق. ومن وسائل محاربة الحق وصد الحق: التحذير من سماع كلام أهل الحق: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [سورة فصلت آية: 26] لا تسمعوا لهم، بل ربما ألهوا المستمعين ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [سورة لقمان آية: 6] . ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [سورة لقمان آية: 7] صد عن سماع الحق، وعن قراءة الحق، وعن التبصر بالحق، وإلهاء حتى بالباطل الذي هو باطل صِرف، يظهر باطله، دعك من الباطل. المهم أنها حرب -والله- على الحق وعلى أهل الحق ولكن الله عز وجل بالمرصاد، ومما أخبر الله عز وجل مما يقع بين المبطلين وأتباعهم، وبين أيضًا أهل الحق والمبطلين الذين يحاولون صدهم أنه قالوا: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ* قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾ [سورة الصافات آية: 27، 28] أهل الباطل يأتون هؤلاء المساكين عن اليمين وعن الشمال يزهدونهم في الحق ويزهدونهم بالخير: ﴿قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ* قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [سورة الصافات آية: 28، 29] تبرءوا منهم، انظر إلى صاحب الباطل حين صدَّك عن الحق وحذرك من الحق ، ما قال: إني والله أتحمل، أنا أتحمل هو بشر، قال: إني قد أضللتك ، وإني زهدتك بالخير؟!! لا، وإنما يقول: أنت ليس معك عادل، ماذا فعلت لك أنا؟ وما الذي صنعته؟! بل أنت السبب في إغواء نفسك، ﴿قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ* قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾. وأيضا يخبر الله عز وجل عن حال المستقيم الذي ما استمع إلى الصاد عن الحق: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [سورة الصافات آية: 27] أي في الجنة ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ* يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ* أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ [سورة الصافات آية: 51- 53] انظر، هذا بقى على الحق الذي عليه، وتمسك بالكتاب والسنة وبحبل الله المتين الذي مَن تمسك به نجا ومن تركه ضل وغوى. وفرح بذلك اليوم وذكرهم بهذا الصاد بهذا الجليس جليس السوء الذي يغرغر غرغرة الزجاجة في جلسائه، هذا لا تسمع لهذا، هذا متشدد، هذا غالي، هذا كذا إلى غير ذلك من الأوصاف الذميمة التي ينفر منها السامع. وأيضًا من وسائل الصد عن الحق التنكر لبعض الحق ومما نرى أكثر في هذه الأيام من التنكر لمنهج الجرح والتعديل الذي هو منهج الله، الذي هو من دين الله، الذي أنزله الله على نبيه، وهو من شريعة الله التي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحدهم يجرح الدجاج، إذا اشترى دجاجة يجرحها ويعدلها من أجل تنبث له (5) ريال أو (10) ريال، وإذا قلت له: هذا مفسد، احذر على دينك منه، هذا حزبي هذا ممتنع، هذا غليل، يتنكر ويتكلم في أعراض الناس، أنت تغتاب، مثلك يغتاب، تشويه للمصطلحات العلمية فهكذا يشوهون صورة الحق، تجد الحزبيين وغيرهم من المبتدعة يشوهون الجرح والتعديل بأنه غيبة ونميمة، وهذا ليس بالجديد فقد اتهم ابن معين بأنه مغتاب وبحاث وهو الإمام العظيم الإمام الذي نصر الله به الدين. نعم يا عباد الله ووسائل الصد عن الحق كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، ونختم بهذه الوسيلة الشيطانية اليهودية التي يزهدون فيها من أهل الحق وحملته وهو أن الموصلين يتجهون ويجوبون البلدان يبحثون عن الفتاوى النائية التي تصدر إما من صاحب حسد أو من صاحب هوى أو من مخالف أو طاعن في حملة الدين. فإن الكافرين لما أعياهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهره خيره لحدوا بالحق ما استطاعوا لحدوا وطعنوا فيه ما استطاعوا، مكروا به ما استطاعوا، فعلينا أن نأتيهم من هنا وذهبوا إلى اليهود الذين ظاهرهم العلم في ذلك الأيام، من أهدى نحن (أم محمد) فتوى يستفتون، يريدون التبصر، لكن من يستفتي من؟!! غليل يستفتي غليل، ومعرض يستفتي معرض ومخالف يستفتي مخالف، وماذا ترجو ممن هذا حاله؟! هل ذهبوا يستفتون أبا بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وابن الزبير، يا أبا بكر ما رأيك في طريقة النبي صلى الله عليه وسلم؟ لا، لكن ذهبوا إلى خيبر فأنزل الله في شأنهم، ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا﴾ [سورة النساء آية: 51]. سبحان!! كيف تتغير المفاهيم على أصحابها، أهل الكتاب الذين كانوا قبل ذلك ينتظرون خروج النبي صلى الله عليه وسلم ، يريدون أن يستنصروا به على الأنصار، فلما خرج يفتون بهذه الفتوى لهوى في نفوسهم ولحسد في باطنهم، ولمكر لحملة الدين، ومع ذلك خيبهم الله. نعم يا عباد الله أيضًا من صور الصادين عن الحق من الهزيمة النفسية يحاول المعرضون أن يهزموا الداعي إلى الله نفسيًّا، قال اليهود ﴿مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِي * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [سورة هود آية: 53- 56] فالمعرضون هؤلاء حاولوا هزيمة هود عليه السلام نفسيًّا فقالوا: هذا الكلام الذي تأتي به والذي تدعو إليه ما هو بواضح ولا بيّن، وأيضًا كأنك مجنون أو مسحور أو ممسوس أو مريض، يتهمونه ويريدون أن يهزمونه نفسيًّا، والحق الذي هو عليه والخير الذي هو متمسك به، ويتحداهم أن يمكروا به وأن يكيدوه وأن يدعوا آلهتهم وشركاءهم ولا يؤخروا عن التوكل. نعم، عباد الله، فلا هزيمة للمتقين إلا من نفسه، أي والله لا هزيمة للمتقين إلا من نفسه، إما إذا اعتصم بحبل الله فإنه منصور ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [سورة غافر آية: 51] الله الله يا أهل السنة، تمسكوا بالحق الذي أنتم عليه ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ [سورة آل عمران آية: 103]، وأقبلوا عن الطاعات والعبادات، وعلى التضرع لرب الأرضين والسموات، أن يصرف عنكم الماكرين، وأن ينصر دعوتكم وخيركم، فإن الله عز وجل ناصر دينه ومعلي كلمته والحمد لله. *** الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه والسلام الصادق الأمين. أما بعد: فقد أحببت أن أضيف إلى هذه الخطبة بعضَ ما تيسر من وسائل الصد عن الحق وعن أهل الحق: ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من عباس ابن عباس رضي الله عنه أن وفد عبدالقيس قدموا على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: يا رسول الله جئناك من شقة بعيدة، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، ولا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام فأمرنا بأمر فصل إن نحن عملنا به دخلنا الجنة، نخبر به من وراءنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «آمرك بأربع وأنهاكم عن أربع: أمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا الخمس من المغنم، احفظوهن وأخبروا بهن مَن وراءكم»([5]). وشاهدنا من الحديث أن هؤلاء قالوا: يا رسول الله بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، ولا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام يضيق عليهم الطرقات وتقطع عليهم السبل حتى لا يصلون إلى أهل الحق وإلى دعاة الحق ولا يسمعون منهم ولا يستفيدون منهم فينبغي للمسلمين جميعًا أن يتقوا الله عز وجل، وأن يذللوا الطرق لطلاب العلم من أي بلد كانوا وفي أي قطر كانوا، إن أرادوا الرحلة لطلب العلم أن ييسروا لهم ذلك وييسروا لهم السبل لأن الصد عن سبيل الله عز وجل ليس من سنن المستنيبين، ولا من سنن المسلمين إنما هو من سنن المخالفين المعرضين -والعياذ بالله-. وأيضًا من وسائل وطرق الصادين عن الحق بطر كلام صاحب الحق حتى يشوه وتشوه صورته، وحتى أيضًا يخفى الحق الذي يحمله تشويهًا له ولدعوته وتشويهًا للحق الذي جاء به، ولذلك كان المشركون ربما نزلوا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعض الكلام المبتور وبعض الوقائع المبتورة حتى يشوهون صاحب الحق الداعي إلى الحق. وسنة البطر سنة يهودية، فقد جاء من حديث عبد الله بن عمر عند الإمام البخاري ومسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما جاءه اليهود باليهود واليهودية الَّذَيْن زنيا، قال: «ائتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين»([6])، فجاءوا بالتوراة ووضعوا أيديهم على آية الرجم وأظهروا للنبي صلى الله عليه وسلم ما يريدون إظهاره فما كان من الله عز وجل إلا أن فضحهم على يد بعض الصالحين، وهو عبد الله بن سلام عليه السلام . ومن وسائل أيضًا الصد عن أهل الحق الكذب والتشويه؛ لأن الداعي إلى الله عز وجل قد تغير، وهذا أيضًا ليس بالأمر الجديد وإنما هو سنة غنيمة، تركها السابقون واللاحقون من المخالفين للحق وأهل الحق ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمى الصادق الأمين كان يسمى بالصادق وكان كفار قريش يودونه ويحبونه ويثنون عليه، فلما جاء بالإسلام اتهموه وقالوا بأنه تغير، ساحر، كاهن، مسحور، وأنه كاذب، وأنه ليس بأمين إلى غير ذلك من الوسائل والأكاذيب التي سلكوها بالصد عن دعوته وعن طريقته. ومن ذلك التضييق عليه والجرأة على صاحب الحق والاستهتار بصاحب الحق، يدل على ذلك حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه عند الإمام مسلم أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة جُرَءَاء عليه قومه والنبي صلى الله عليه وسلم مستخفٍ بين أظهرهم يدعو إلى الله وإلى توحيد الله([7]). ومن ذلك أيضًا ضرب أهل الحق إن استطاعوا، فقد جاء من حديث أبي ذر رضي الله عنه عند الإمام مسلم: أنه لما أسلم خرج بين أظهر المشركين ينادي أو يخبر بأنه على توحيد الله عز وجل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فما كان منهم إلا أن ضربوه حتى جاء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وصد عنه، وأخبرهم أنه من قوم تجار، ربما تقطع تجارتهم([8]). وأيضًا جاء في حديث مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بين أظهر القوم فجاء أبو جهل -عليه لعنة الله- ليطأ على رقبة النبي صلى الله عليه وسلم، زعمه، فإذا به يرجع إلى القهقرى فقالوا: ما شأنك: قال: رأيتك أهوالًا وخندقًا وأجنحة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا»، وأنزل الله عز وجل: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ* سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ* كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ [سورة العلق آية: 17- 19]([9]). اترك الصادين عن الحق، عسى أن نخرج هذه الرسالة عجل الله عز وجل ذلك ويسر. اللهم أنت عضدي وأنت نصيري بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل، وكان الداعي والحامل لي على هذه الخطبة التي أرجو من الله بركتَها وخيرَها وبرَّها، وأملي في الله عز وجل أن يجعل فيها البركة؛ لأنها نصرة لدينه وللحق الذي أنزله والذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أنا نسمع في هذه الأيام كثيرًا من المشوشين والمعرضين والمخالفين يزهدون من الحق وأهل الحق وخصوصًا التزهيد من الدار السلفية العامرة، القلعة الشامخة الجامعة العظيمة، التي أسسها وبناءها شيخنا ووالدنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى حتى وصلت إلى الذروة في أواخر عهده، ملئت بالمحققين والمصنفين وحفاظ كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والداعين والداعيات والصالحين والصالحات وغير ذلك، ثم خلفه عليها شيخنا يحيى بن علي الحجوري حفظه الله ووفقه وسدده، وما علمناه وما رأيناه إلا ناصحًا مبينًا للحق ورفيقًا بأهله ومحذرًا من الباطل وقامعًا لأهله، فقام عليه المبطلون من كل حدب وصوب، يزهدون ويحذرون ويشوهون ويبطرون الكلام ، وينتقلون من عالم إلى عالم، ومن قطر إلى قطر من أجل تشويهه، ومن أجل التزهيد من الدعوة التي هو عليها. وايمُ الله أني أقول كلمة وأن صادقًا فيها أننا ما رأينا عنده ولا في داره تغييرًا ولا تبديلًا، فهي دار سلفية وقلعة عامرة تعظم ما عظم الله عز وجل، وتحقر ما حقر الله عز وجل، تبين وتدعو إلى طريق المستقيمين السلفيين من الصحابة والتابعين، وتحذر من طريقة الحزبيين المخالفين أصحاب البدع والحزبيات وأصحاب الجمعيات الحزبية المغلفة، فما كان منهم إلا أن قاموا بهذا التشويه، وبهذا البطر ولكن الله عز وجل مظهر لدينه وناصرٌ له وهو ولي ذلك والقادر عليه. وأيضًا من طرق الصد عن الحق وعن حملة العلم والدين هي طريقة الإشاعات التي استخدمها السابقون واللاحقون من المخالفين للطرق القويمة والفطر المستقيمة، فلما بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشاع عنه أنه ساحر وكاهن ومجنون، وأنه معلم يتلقى هذا الدين وهذا القرآن من رجلين أعجميين كانا مَولَين للحضرمي فأنزل الله عز وجل في شأن ذلك: ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [سورة النحل آية: 103]، ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا* قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [سورة الفرقان آية: 5، 6]. والشاهد أنهم طعنوا فيما جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأشاعوا ذلك وأذاعوه كما أشرنا آنفًا أشاعوا الطعن في ذاته بأنه مجنون كما في حديث ابن عباس عند الإمام مسلم أن ضمادًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إني أشفي من هذه الريح، هل لك أن أرقيك لعل الله أن يشفيك على يدي، فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له...، الحديث بمعناه([10]). وأيضًا ربما يشيعونه ما يزهدكم في قوله كما أشاعوا بأنه كذاب وساحر وأنه يأمر بقطيعة الأرحام، فقد جاء كما في حديث عمرو بن عبسة أنه كان يأمر بصلة الأرحام، وكما في حديث أبي سفيان أنه يأمر بصلة الأرحام، ولما قال له ما لك لنطلع إلى ما تدعوا قال: «ادعوا إلى الله والرحم»([11])، وإلى غير ذلك من الإشاعات. وأشاعوا عن الإسلام بأنه دين الوحشية أشاع النصارى واليهود والمخالفون أن الإسلام دين الوحشية، ودين الظلم، ودين يسعى إلى الاستمتاع بالنساء فقط كما أشاعوا عن الإسلام،،، إلى غير ذلك من الإشاعات التي يتناولها المبطلون في كل وقت وحين، فضلا عن حملة العلم والدين ومع ذلك خيبهم الله عز وجل. ورحم الله الإمام ابن باز إذ يقول، وكنا نسمعها كثيرًا من شيخنا مقبل رحمه الله تعالى: لو استطاعوا أن يتهموا العَالِم أو الداعي إلى الله بأنه يأتي أمه لفعلوا، تحذيرًا من دعوته ومن خيره ومن بره. وكما أشاعوا عن الإمام مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى أنه يحرم حلب البقرة، ويحرم على المرأة أن تقطّع الخيار والجزر، وأنه ألف كتابًا بعنوان الصواعق والبوارق في تحريم الأكل بالملاعق،،، إلى غير ذلك من الإشاعات التي يزهدون بها من دعوته ومن خيره وبره، وكما أشاعوا عن العلامة الإمام ابن باز رحمه الله تعالى الإشاعات الكاذبة تحذيرًا من دعوته وخيره وبره، وكما أشاعوا عن الإمام الألباني رحمه الله تعالى، وكما أشاعوا عن الإمام ابن عثيمين رحمه الله تعالى، . وكانوا يشيعون ويذيعون ويزهدون في شيخنا الإمام ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى، كانوا يشيعون ويذيعون تارة بأنه ليس من أهل العلم ولا من خواصهم، وأخرى بأن العلماء على غير طريقته كالإمام ابن باز وابن عثيمين، وكانوا يشيعون ويذيعون ويزهدون في كتبه وفيما هو من أسباب نصرة دعوته حفظه الله وختم له ولنا بالحسنى، وكذلك كانوا يشيعون ويذيعون عن العلامة المحدث يحيى بن علي الحجوري تزهيدًا من دعوته، ومن خيره، ومن بره، وعن غيرهم من أئمة الهدى ومصابيح الدجى في كل عصر وحين. أذاعوا وأشاعوا عن الإمام ابن تيمية أنه يزهد من الأنبياء وأنه يحتقر النبي صلى الله عليه وسلم، وأشاعوا بين الناس أنه كافر لتلك الأقوال التي يقولوها مع موافقته للحق والسنة. وكما اشاعوا عن الشوكاني وعن ابن الأمير الصنعاني ومحمد بن إبراهيم الوزير، وعن الإمام محمد بن عبد الوهاب النجدي ، اقرأ بآخر عقيدته التي تضمنها كتاب (الأسئلة النجدية) تجد الإشاعات الكثيرات وإلى غير ذلك في كل عصر وحين، يشيعون على أئمة الهدى وعن حملة العلم والدين ما يزهد الناس في قبول أخبارهم ومروياتهم ودعوتهم. ومع ذلك: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [سورة الأنفال آية: 30]. ومع ذلك: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك»([12]). ومع ذلك: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [سورة غافر آية: 51]. ومع ذلك ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [سورة النور آية: 55] . ومع ذلك: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [سورة الصف آية: 8]. والحمد لله رب العالمين وكان الفراغ من تسجيل هذه الإضافة يوم الجمعة الرابع من شهر شوال لعام تسع وعشرين وأربعمائة وألف في تسجيلات دار الحديث السلفية العامرة بدماج رحم الله مؤسسها، وحفظ الله القائم عليها والحمد لله رب العالمين،،، ([1]) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (273)، وأحمد (2/381ح 8939) من حديث أبي هريرة t، وأخرجه الحاكم (2/670) بلفظ: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. والحديث صححه الألباني رحمه الله تعالى ، وصححه الوادعي رحمه الله . ([2]) أخرجه مسلم (3/ 1523ح6881) من حديث المغيرة بن شعبة ، وأخرجه البخاري (3441) بلفظ: «لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون » من حديث المغيرة بن شعبة أيضًا.([3]) أخرجه مسلم (4/2166ح 2812) من حديث جابر رضي الله عنهما. ([4]) أخرجه أحمد (5 / 352 ) من حديث بريدة وهو في الصحيح المسند للعلاّمة الوادعي وصححه الألباني رحمهما الله تعالى. ([5]) أخرجه البخاري (87)، ومسلم (1/46ح 17) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. ([6]) أخرجه البخاري (4280، 7104)، ومسلم (3/1326ح 1699) من حديث عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما. ([7]) أخرجه مسلم (1/569ح 832) من حديث عمرو بن عبسة رضى الله عنه. ([8]) أخرجه مسلم (4/1923ح 2474) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. ([9]) أخرجه مسلم (4/2154ح 2797) من حديث أبي هريرة رضى الله عنه. ([10]) أخرجه مسلم (2/ 593ح 868) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. ([11]) أخرجه مسلم (1/ 569ح 832) من حديث عمرو بن عبسة السلمي رضى الله عنه. ([12]) أخرجه مسلم (6/2714ح 7022) من حديث معاوية t، بلفظ: «لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله ما يضرهم من كذبهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك». ملاحظة/ يمنع طباعة هذه الخطبة المفرغة إلا بعد الرجوع للمؤلف. |
جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة شرفها الله. الساعة الآن: 05:13 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.7.3, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم بشرط الإشارة إلى منتديات الشعر السلفي