حديث عظيم ، توسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى بربوبيته
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حديث عظيم ، توسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى بربوبيته للشيخ العلامة محمد بن صالح آلعثيمين - رحمه الله - وقوله صلى الله عليه وسلم : " اللهم رب السماوات السبع والأرض ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك م شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها . أنت الأول ؛ فليس قبلك شيء، وأنت الآخر؛ فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر؛ فليس فوقك شيء، وأنت الباطن؛ فليس دونك شيء؛ اقض عني الدين، وأغنني من الفقر". رواه مسلم(1) (1)هذا الحديث[180] : في إثبات العلو وصفات أخرى: *وهو حديث عظيم ، توسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى بربوبيته في قوله:" اللهم رب السماوات السبع والأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء" ، وهذا من باب التعميم بعد التخصيص في قوله:" ورب كل شيء" وهذا التعميم بعد التخصيص؛ لئلا يتوهم واهم اختصاص الحكم بما خصص به. وانظر إلى قوله تعالى : (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ )(النمل: من الآية91) حيث قال : (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) ؛ حتى لا يظن ظان أنه ليس رباً إلا لهذه البلدة. *" فالق الحب والنوى": حب الزرع. و "النوى" : نوى الغرس؛ فالأشجار التي تخرج: إما زروع أصلها النوى؛ فما للأشجار يسمى نوى، وما للزروع يسمى حباً ؛ ( فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى)(الأنعام: من الآية95). هذا الحب والنوى اليابس الذي لا ينمو ولا يزيد ، يفلقه الرب عز وجل؛ أي: يفتحه حتى تخرج منه الأشجار والزروع ، ولا يستطيع أحد أن يفعل ذلك؛ مهما بلغ الناس في القدرة؛ ما استطاعوا أن يفلقوا حبة واحدة أبداً! والنوى كذلك الذي كالحجر؛ لا ينمو، ولا يزيد ؛ يفلقه الله عز وجل، وينفرج، ثم تكون منه الغريسة التي تنمو، ولا أحد يستطيع ذلك ؛ إلا الذي فلقها سبحانه وتعالى. ولما ذكر الآية الكونية العظيمة؛ ذكر الآيات الشرعية، وهي: قوله:" منزل التوراة والإنجيل والقرآن" : وهذه أعظم كتب أنزلها الله عز وجل، وبدأها على الترتيب الزمني: التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، والفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم . وفي هذا نص صريح على أن التوراة منزلة كما جاء في القرآن: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ )(المائدة: من الآية44) ، وقال في أول سورة آل عمران: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ) (3) (مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ )(آل عمران: 3-4). قوله:" أعوذ بك من شر نفسي": أعتصم بالله من شر نفسي. إذاً ؛ في نفسك شر؛ (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوء)(يوسف: من الآية53) لكن النفس نفسان: 1- نفس مطمئنة طيبة تأمر بالخير. 2- نفس شريرة أمارة بالسوء. والنفس اللوامة؛ هل هي ثالثة، أو وصف للثنتين السابقتين؟! فيه خلاف: بعضهم يقول: أنها نفس ثالثة. وبعضهم يقول : هي وصف للثنتين السابقتين؛ فالمطمئنة تلومك والأمارة بالسوء تلومك؛ فيكون قوله تعالى : (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (القيامة:2)؛ يشمل النفسين جميعاً. فالمطمئنة تلومك على التقصير في الواجب؛ إذا أهملت واجباً؛ لامتك، وإذا فعلت محرماً ؛ لامتك. والأمارة بالعكس ؛ إذا فعلت الخير؛ لامتك وتلومك إذا فوت ما تأمرك به من السوء. إذاً؛ صارت اللوَّامة على القول الراجح وصفاً لنفسين معاً. وقوله هنا:" أعوذ بك من شر نفسي": المراد بها النفس الأمارة بالسوء. قوله:" ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها": الدابة : كل ما يدب على الأرض، حتى الذي يمشي على بطنه داخل في هذا الحديث؛ كقوله تعالى : (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ )(النور: من الآية45) ، وقوله: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا )(هود: من الآية6) . وإن كانت الدابة تطلق في العرف على ذوات الأربع، ففي عرف أخص تطلق على الحمار فقط، لكنها في مثل هذا الحديث يراد بها كل ما يدب على الأرض، وما يدب على الأرض فيه شرور، أما بعضه فشر محض بالنسبة لذاته، وأما بعضه ففيه خير وفيه شر، وحتى الذي فيه خير ؛ لا يسلم من الشر. *قوله :" أنت آخذ بناصيتها " : مقدم الرأس، وإنما نص على الناصية؛ لأنه هو المقدم ، وهو الذي يمسك به لقيادة البعير وشبهه وقيل : خص ذلك؛ لأن المخ الذي فيه التصور والتلقي يكون في مقدمة الرأس ، والعلم عند الله. *قوله:" أنت الأول؛ فليس قبلك شيء": هذا تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم لقوله :" الأول" والأول من أسماء الله. وقد ذكرنا عند تفسير الآية أن أهل الفلسفة يسمون الله : القديم، وذكرنا أن القديم ليس من أسماء الله الحسنى، وأنه لا يجوز أن يسمى به، لكن يجوز أن يخبر به عنه، وباب الخبر أوسع من باب التسمية؛ لأن القديم ليس من الأسماء الحسنى، والقديم فيه نقص؛ لأن القدم قد يكون قدماً نسبياً ؛ ألم تر إلى قوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (يّـس:39)، والعرجون القديم حادث، لكنه قديم بالنسبة لما بعده. *قوله:" " وأنت الظاهر ؛ فليس فوقك شيء": الظاهر من الظهور، وهو العلو؛ كما قال تعالى : (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً) (الكهف:97)؛( يَظْهَرُوهُ) ؛ أي : يعلو عليه. وأما من قال : الظاهر بآياته؛ فهذا خطأ؛ لأنه لا أحد أعلم بتفسير كلام الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال:" الظاهر ؛ فليس فوقك شيء": بل هو فوق كل شيء سبحانه. قوله:" وأنت الباطن؛ فليس دونك شيء": المعنى : ليس دون الله شيء؛ لا أحد يدبر دون الله ، ولا أحد ينفرد بشيء دون الله، ولا أحد يخفى على الله ؛ كل شيء؛ فالله محيط به ، ولهذا قال:" ليس دونك شيء" يعني : لا يحول دونك شيء، ولا يمنع دونك شيء، ولا ينفع ذا الجد منك الجد... وهكذا. قوله:" اقض عني الدين": الدين: ما يستحق على الإنسان من مال أو حق؛ اشتريت منك حاجة، ولم أنقدك الثمن؛ فهذا يسمى ديناً، وإن كان غير مؤجل. قوله:" أغنني من الفقر": الفقر: خلو ذات اليد، ولا شك أن الفقر فيه إيلام للنفس ، والدين فيه ذل؛ والمدين ذليل للدائن، والفقير معوز ربما يجره الفقر إلى أمر محرم. ألم يأتكم نبأ الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، فتوسل كل واحد منهم بصالح عمله، وكان لأحدهم ابنة عم أعجبته، وكان يراودها عن نفسه، ولكنها كان تأبى ذلك، فألمت به سنة من السنين، واحتاجت ، وجاءت إليه تطلب منه أن يعينها، فأبى عليها إلا أن تمكنه من نفسه ، من أجل ضرورتها ؛ وافقت على هذا، فما جلس منها مجلس الرجل من امرأته؛ قالت له: يا هذا! اتق الله! ولا تفض الخاتم إلا بحقه! وأثرت هذه الكلمة في الرجل عندما كانت نابعة من القلب، فقام عنها. قال: فقمت عنها وهي أحب الناس إلي. لكن ذكرته هذه الموعظة الكريمة؛ فأقلع[181]. فانظر إلى الفقر ؛ فإن هذه المرأة أرادت أن تبيع عرضها بسبب الفقر. إذاً ؛ قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" أغنني من الفقر" : سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يغنيه من الفقر؛ لأن الفقر له آفات عظيمة. *وفي هذا الحديث أسماء وصفات: - فمن الأسماء: الأول، والآخر، والظاهر ، والباطن. - ومن الصفات: الأولية والآخرية، وفيهما الإحاطة الزمانية. والظاهرية والباطنية، وفيهما الإحاطة المكانية. ومنها : العلو، وعموم ربوبيته، وتمام قدرته. ومنها: كما رحمته وحكمته بإنزال الكتب؛ لتحكم بين الناس وتهديهم صراط الله. *ومن غير الأسماء والصفات: التوسل إلى الله بصفات الله، والتحذير من شر النفوس، وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضى الله دينه ويغنيه من الفقر، وبيان ضعف الحديث الذي فيه سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يحييه ربه مسكينا[182]. وفيه من الفوائد المسلكية : التحذير من شر النفس، وتعظيم شأن الدين، وأن يحرص على تلافي الدين بقدر الإمكان، ويقتصد في ماله طلباً وتصرفاً؛ لأنه إذا اقتصد في ذلك ؛ سلم غالباً من الفقر والدين. |
|
جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة شرفها الله. الساعة الآن: 03:03 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.7.3, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم بشرط الإشارة إلى منتديات الشعر السلفي