إخواني:
من علم عظمة الإله زاد وجله ومن خاف نقم ربه حسن عمله فالخوف يستخرج داء البطالة ويشفيه وهو نعم المؤدب للمؤمن ويكفيه ؛ قال الحسن:صحبت أقواماً كانوا لحسناتهم أن تُردَّ عليهم أخوف منكم من سيئاتكم أن تعذبوا بها .
ووصف يوسف بن عبد المحسن فقال: كان إذا أقبل كأنه أقبل من دفن حميمه وإذا جلسكأنه أسير من يضرب عنقه وإذا ذكرت النار فكأنما لم تخلق إلا له .
وكان سميط إذا وصف الخائفون يقول: أتاهم من الله وعيد وفدهم فناموا على خوف وأكلوا على تنغصٍ ؛واعلم أن خوف القوم لو انفرد قتل غير أن نسيم الرجاء يروح أرواحهم وتذكر الإنعام يحيى أشباحهم ؛ ولذلك روى: (لَو وُزِنَ خَوفُ المؤمن ورجَاؤه لاعتدلا) .
فالخوف للنفس سائق والرجاء لها قائد إن ونت على قائدها حثها سائقها وإن أبت علىسائقها حركها قائدها مزيح الرجاء يسكن حر الخوف وسيف الخوف يقطع سيف - سوف - وإن تفكر في الإنعام شكر وأصبح للهم قد هجر وإن نظر في الذنوب حذر وبات جوف الليل يعتذر وأنشد:
أَظلَت عَلينا مِنكَ يوماً سَحابةً أَضَاءَت لَنا برقاً وأَمطَرتنا فَلاغيمَها فيائسٌ طامعٌ ولا غَيثَها باقي فيروى عطاشها
منقول من كتاب المواعظ لابن الجوزى