
04-19-2010, 02:29 PM
|
 |
مراقب - وفقه الله
|
|
تاريخ التسجيل: Jun 2009
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 793
|
|
بهذا يهدم الإسلام(3) لفضيلة الشيخ عادل منصور أبو العباس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسَلَّمْ وبارك على أشرف الأنبياء والمرسَلين، سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيسرنا في هذه الليلة المباركة إن شاء الله،-ليلة الثلاثاء-الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخِر، لعام واحدٍ وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة النبي-صلى الله عليه وسلم-، أن نستضيف عبر الهاتف فضيلة الشيخ عادل بن منصور، والمُكَنَّى (بأبي العباس)، في الجزء الثالث من محاضرته القيمة، التي عنونها (بهذا يهدم الإسلام)، وذلك ضمن اللقاءات السلفية القطرية، ويسرنا أن نرحب بالأخوة الذين يستمعون إلينا، عبر البث الحي والمباشر من شبكة (سحاب السلفية)-حرسها الله- وزادها توفيقًا، ونشكر للشيخ إتاحة هذه الفرصة، ونسأل الله-عز وجل- أن يجزيه خير الجزاء، وأن ينفعنا بما نسمع، إنه ولي ذلك والقادر عليه، فليتفضل الشيخ مشكورًا مأجورًا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخليله، -محمد بن عبد الله-وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربه وانتهج نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين .
أما بعد:
فحيا الله الأخوة جميعًا، الحاضرين في هذا اللقاء، سواءً بحضور أجسادهم، أو بِاستماعهم عبر وسيلة النقل الإنترنت، وأسأل الله -تبارك وتعالى-أن يجعلنا وإياكم من السالكين طريق العلم، والناهجين نهج سلف هذه الأمة، اعتقادًا وقولًا وعملًا وأخلاقًا وسلوكًا، وأن يزيدنا وإياكم معرفة بهذا الحق واعتزازًا به، وحرصًا على تصديقه إنه وَلِيُ ذلك والقادر عليه، وهو سميع الدعاء.
أيها الأخوة: كما سمعنا في تقدمة أخي، الأخ محمد-حفظه الله تعالى-بِأَنَّ هذا الجزء الثالث مما يندرج تحت ذلكم العنوان، وهو (بهذا يهدم الإسلام)، والحقيقة أنه قد تقدم كثيرٌ مما يمكن أن يذكر الليلة، سواءً مِنِّي فيما سبق من اللقاءات أو من غيري، من مشايخي و من المشايخ الذين شاركوا في مثل هذه اللقاءات، ولكن كما قلت سابقًا في الإعادة إفادة والمكرر أحلى .
وتكرار الموضوع إذا كان ذا أهميةٍ، هَدْيٌ وسُنَّةٌ قُرْآنِيَةٌ وهَدْيٌ نَبَوي، وسَلَكَه سلف هذه الأمة وأئمتها وعلماءها، ولا يزالون كذلك خَلَفُهم يَسلكون ما سَلَكَ سَلَفُهم، من صورة التكرار والطرح في موضوع تحتاج إليه النفوس وتحتاج إليها القلوب، حتى تفهم وتعقل عن الله-عز وجل-مراده، وعن رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-مراده.
وهذا الجزء الثالث: مخصوص بما ورد في الآثار عن جمع من سلف هذه الأمة وعلماءها وزهادها، من الوصية بترك تعظيم وتوقير صاحب البدعة، وبيان أن ذلك هدم للدين، ومضادة للإسلام، ومشاقة لما أمر الله-عز وجل-به ،ورسوله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-من حراسة لهذا الدين،من حراسة هذا الدين، والحفاظ على صفائه ونقائه صافيًا نقيًا رحمةً كما أنزل من عند الله-تبارك وتعالى-، لا يَخْتَلِجُه ولا يُخالِطه ولا يُكَدِّره ولا يُدَنِس صفائه وبياضه ونقاءه، لا فِكرٌ ولا رَأيٌ ولا ذَوْقٌ ولا وَجْدٌ ولا مَلامٌ ولا سياسةٌ ولا غير ذلك، إنما يبقى صافياً نقيًا كما أنزله ربنا-تبارك وتعالى-على قلب رسوله الأمين-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وتلقاه الصحابة الأخيار من فَمِ النبي-صلى الله عليه وسلم-، ومن عمله وسلوكه-عليه الصلاة والسلام-وتطبيقه لما أوحاه إليه ربه.
أيها الأخوة: لماذا الحديث عن هذا الموضوع؟ أعني موضوع (توقير صاحب البدعة)؟.
الحديث أولًا عن هذا الموضوع، تحقيقًا لانتسابنا لمنهج سلفنا الصالح-رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم-، سعيًا في تكميل أنفسنا أن نسير على هذا المنهج، ودعوة غيرنا أن يسيروا عليه.
طريق أصحاب النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، التي يوصي الكتاب والسنة وآثار الصحابة بلزوم هذا الطريق، (يا معشر القراء ! استقيموا ، فقد سبقتم سبقا بعيدا ، وإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا)، كما جاء هذا عن حذيفة بن اليمان في البخاري وغيره، وجاء عن عبد الله بن مسعود وغيره-رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم-.
فالحديث عن هذا الموضوع أولًا نشرًا لمذهب السلف الصالح، فإنه قد تقرر وتضافرت أدلة وأقوال السلف-رضي الله تعالى عنهم-الأدلة الشرعية، والأقوال من الآثار الصحابية والسلفية، على هُجران ومُنابذة أهل الأهواء والبدع، وأن هذا مَحل إجماع لا مَحل نزاع، وأن هذا مَحل ائتلاف لا مَحل اختلاف، بين السلف الصالح-رضي الله تعالى عنهم-كما نقل ذلك البغوي-رحمه الله تعالى-في شرح السنة، ونقله الإمام أبو عثمان الصابوني في اعتقاد السلف أصحاب الحديث، ونقل الإسماعيلي في اعتقاد أهل الحديث، ونقله كذالكم ابن قدامه في آخر اللمعة، وغير ذلك من مصنفات أهل الحديث وأهل السنة، حيث اتفقت كلمتهم وتضافرت أقوالهم واتحدت آثارهم على منابذة أهل البدعة ومجانبتهم، بل وإخزاءهم وإذلالهم وإهانتهم، هكذا عبارة الصابوني-رحمه الله-وإقفاءهم وإبعادهم.
فإذًا الحديث عن هذا المنهج أو عن هذه المسألة، هو في الحقيقة تعليمٌ لأنفسنا وتذكيرٌ لمن نَسِيَ منا، وإقامة للحجة على من خالف في هذا الأمر العظيم، وهو أنه قد تقرر بإجماع السلف-رضي الله عنهم-، انطلاقًا من النصوص الشرعية، ونَظرًا منهم إلى مقاصد الشريعة وأهدافها وإلى رعايتها وصيانتها، حيث اتفقت كلمتهم عل هجران ومنابذة وإقصاء وإذلال أهل الأهواء والبدع.
فمن استقر ذلكم الحق المبين في قلبه، علم يقينًا أن توقير أهل البدع مصادمٌ لذلك الأصل السني ومناقض له، فَالأصل السُني يمشي في طريق، والتعظيم والتوقير لصاحب البدعة يصادم هذا الأصل السُني المتقرر.
ومن أحب أن ينظر إلى كلمات السلف في ذلك مجموعة، فليراجع ما كتبه أخونا الشيخ خالد بن ضحوي الظفيري-حفظه الله-أبو عبد الله، في رسالته (اجماع العلماء على هجر أهل البدع والأهواء)، فهو قد نقل نصوص الأئمة من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين، الذين تخرج كلماتهم من مشكاة واحدة لأن الحق واحد، مع اختلاف أعصارهم وتباين أمصارهم وأقطارهم، إلا أن كلمتهم اتفقت على هذا الأصل العظيم، الذي ضاق به أهل الأهواء ذرعًا، وسعوا في ردمه وهدمه وبث الشبه حوله، وإحداث التصدع والشقوق في هذا الجدار الآمن والحصن الحصين، الذي به تحرس الشريعة وتحمى من كل باطل و من كل دخيل.
إذًا لماذا هذا الموضوع؟
أولًا: لتحقيق سلفيتنا، أن نكون سلفيين صادقين، فنعرف ما كان عليه السلف الصالح، ونسعى جادين مُجاهدين بأنفسنا في تطبيقه .
ثانيًا: لتفشيه وانتشاره وكثرة وقوع الناس فيه من كبير وصغير، من قرون عديدة في توقير صاحب البدعة، من الولاة أو من الرعية أو من غيرهم، يقعون إما جهلًا وإما بتلبيس وبإرشاد ونصح من لا يؤتمن في إرشاده ونصحه، فلما وقع توقير صاحب البدعة وتعظيمه، ظهر الخلل في أهل الإسلام، وانتقل النقص على أهله كما سيأتي.
ثالثًا: وجود من يبث الشبه كما تقدم، ويبث الإشكالات والأراجيف حول هذا الأصل العظيم، ويسعى جادًا وجاهدًا لإذابة الفوارق، بين صاحب السنة وذوي الأهواء والبدع، فيريد أن يجمع بين ما صدق الله به رسوله-صلى الله عليه وسلم-، وفي الوقت نفسه يفرقون بين ما أمر الله به أن يوصل، وذلكم كله من الفساد في الأرض، والله لا يهدي القوم الخاسرين.
فإذًا هذه بعض الأسباب التي نحتاجها إلى طرح هذا الموضوع.
الأمر الذي يلي هذا بارك الله في إخواني أجمعين، ما تقدم في الإشارة إليه في اللقاء السابق، أن هذا اللفظ (من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام)، قد روي مرفوعًا، أي إلى النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فروي من حديث عائشة-رضي الله تعالى عنها-، وروي من حديث ابن عباس ومن حديث غيرهم، وقد استوعب الكلام عليه من حيث الصناعة الحديثية وبيان ضعفه مرفوعًا إلى النبي-صلوات الله وسلامه عليه- كما تقدم في الإشارة.
الإمام الألباني-رحمه الله تعالى- في السلسلة الضعيفة في الجزء الرابع، عند الحديث، للرقم ألف وثمان مائة واثنان وستون، (من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام)، وحكم عليه بأنه ضعيف، أي مرفوعًا إلى النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
أما موقوفًا فقد جاء بألفاظٍ متقاربة مختلفة عن جمع من الأئمة والتابعين، فجاء موقوفًا على من قول إبراهيم بن ميسرة-رحمه الله تعالى-، وجاء كذلك موقوفًا من قول الإمام الأوزاعي-رحمه الله تعالى وجاء عنه بألفاظ، كما رواه الإمام الهروي في ذم الكلام وأهله، ساق بسنده إلى الأوزاعي قال: (من وقر صاحب بدعة فقد أعان على مفارقة الإسلام)، (ومن وقر صاحب بدعة فقد عارض الإسلام بِرَدْ)، لأن الإسلام يأمر برد البدع، (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، واستبقت كلمة السلف على هجران أهل الأهواء وإقصاءهم وإبعادهم وإذلالهم وإخذالهم، والتوقير ينافي ذلك كله ويرد ذلك كله كما تقدم، وساق بسنده أيضًا عن الأوزاعي يقول: ( من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام)، وهذا اللفظ المشهور عن جماعة أيضًا، وأما مرفوعًا فقد تقدمت إشارته إلى انه لا يصح، لا عن عائشة-رضي الله عنها-ولا عن معاذ بن جبل ولا عن ابن عباس ولا عن أبي سعيد الخُدري، وإنما الصحيح في هذا موقوفات والعلم عند الله-سبحانه وتعالى-.
وكذلك يقول محمد بن مسلم الطائفي -رحمه الله-: (بلغنا أنه من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام)، وهكذا جاء عن جمع ولم يُسَمَّوْا ، عن أبي حنيفة اليمامي عن بعض أهل العلم، قال: (من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام).
والآثار في هذا كذلك عن الفضيل بن عياض كما تقدم معكم، ورواه كذلك الهروي في ذم الكلام، ورواه البربهاري في شرح السنة، أنه قال-رحمه الله تعالى-: (من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام).
وقد جاء عن إبراهيم بن أدهم-رحمه الله تعالى-كما في المصدر السابق كذلك أعني-ذم الكلام وأهله-للهروي-رحمه الله-أنه قال: (من صاحَبَ صاحِبَ بدعة فقد أعان على هدم الإسلام)، وهذا تفسيرٌ أو ذكرٌ من إبراهيم بن أدهم-رحمه الله-الزاهد للمعروف، ذكر فعلٍ من الأفعال وهو السلام على أهل الأهواء وتعظيمهم، أن ذلك من التوقير الذي به يهدم الإسلام، ومن تتبع الآثار عن السلف الواردة في ذلك، وجد أشياء كثيرة لا محالة.
ومن ذلك أيضًا ممن روي عنه هذا أبو إسحاق الهمداني-رحمه الله-حيث يقول كما رواه الآجري في الشريعة، يقول-رحمه الله تعالى-: (من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام).
فهؤلاء جمع من علماء هذه الأمة وسلفها، يَنُصون على أن توقير صاحب البدعة وتعظيمه، ومنهم من خصص وذكر أدنى شيء يتساهل فيه كثير من الناس كالمصافحة مثلًا، فكيف لو رأوا ما عليه حالنا اليوم، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن تأمل هذه الآثار وتأمل واقع السلفيين في العالم كله، تبين له كذب تلكم الدعايات التي تبث على السلفيين بأنهم غُلاة، وأن عندهم غلوًا، وفي الحقيقة إن الذي يصف السلفيين اليوم الصادقين بأن عندهم غلوًا، بمنابذتهم أهل البدعة ومجانبتهم أهل الأهواء والبدع، إن حكمه هذا ينسحب على السلف الصالح، الذين كانوا أشد تمسكًا وأشد غيرةً وأشد إذلالًا لأهل الأهواء والبدع، من السلفيين الموجودين في هذا العصر، فنشكو ضَعفنا وتَقصيرنا إلى الله-سبحانه وتعالى-طالبين أن يغفر لنا تقصيرنا وسيئاتنا.
ومن التوقير لأهل البدع والأهواء له صور، لا بأس أن أشير إلى بعضها إشارة سريعة بما ييسره الله-سبحانه وتعالى-، فمن توقيرهم(**) وزيارتهم تعظيمًا وإجلالًا، ولهذا جاء في بعض الآثار (من مشى إلى صاحب بدعة زائرًا ليعظمه، فقد أعان على هدم الإسلام)، فإن تعظيمه وإكرامه بالزيارة وقصده بالزيارة، مع بقاءه على بدعته وضلالته ومعاندته للحق وأهله واجتهاده في نشر باطله، ذلك من تعظيمه.
ومن ذلكم الدراسة على أهل الأهواء والبدع، فأي تعظيم يصل إلى أن تجلس بين يديه، حاملًا قرطاسك وقلمك وكتابك، مناديًا له ومكنيًا له بكنيته والكنية من التعظيم، خاضعًا بين يديه تتلقى عليه العلوم والمعارف، والحقيقة أنه قد دخل شر كثير بسبب الأخذ عن أهل الأهواء والبدع والدراسة عليهم، وسبب ذلك نوعًا من النُفرة من إخوانه أهل السنة لمن كان شعرهم الأخذ عن أهل الأهواء، وقربه ذلكم الصنيع إلى أهل الأهواء وحببهم إليه.
ولا يزال الشيطان يتلطف به ويستدرجه شيئًا فشيئًا، فيقبح له أخلاق أهل السنة وطريقتهم، ويحسن له أخلاق أهل البدعة وسبلهم، ولا يزال الشيطان يتدرج به ويمشي به خطوةً خطوة، كما تعود طفلها الصغير الذي بدأ يحبوا ويمشي خطوةً خطوة، فالشيطان يربي شره في الناس بهذه الطريقة شيئًا فشيئًا، حتى يستسهل أن يفارق أهل السنة بجسده ويلزم أهل البدعة بجسده، فمن فاء أوشك ذلك على أن يفارقهم، وأن يزايلهم عقيدةً وقلبًا كما فارقهم بدنًا وحالا.
والله ربنا-تبارك وتعالى-الرءوف الرحيم بنا، قد حذرنا من خطوات الشيطان وقال: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌإِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِمَا لَا تَعْلَمُونَ)، فالله-عز وجل-نهانا عن إتباع خطواته، وإن هذا الأمر لمن خطواته، فإن اعترض معترض أو استشكلَ مُستَشكِلٌ قاصدٌ للحق مريدٌ للهدى، فقال: كيف نجمع بين كلامك هذا وبين الأخذ بالرواية عن أهل الأهواء والبدع، أن في يوجد بكثرة في مصنفات والكتب المسندة؟.
فالجواب على ذلك: أن تتفهموا يا رعاكم الله جملة من الأمور،
الأمر الأول: أن هدي السلف الأول في أواخر عهد الصحابة، إنما كان عدم الأخذ مطلقًا من أهل الأهواء، وذلك لقلة أهل الأهواء وكثرة أهل السنة الناقلين للحديث، وإخزاءً لأهل الأهواء وظهور نور النبوة، وقيام الخلفاء بمطاردة أهل الأهواء ومتابعتهم كالدولة الأموية.
ويشهد لهذا القول أن هذا الأمر كان في أول العهد على هذا المنع التام لذلك، ما رواه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن محمد بن سيرين-رحمه الله-قال: ( كانوا لا يسألون عن الإسناد وصحته) فلما كانوا لا يسألون عن الإسناد، (فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم فينظر إلى حديث أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم)، (**) كانوا الإشارة إلى السبعين الموجودين والصحابة-رضي الله عنهم-قبل ذلك لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، إذً تغير الحال، قالوا، انظر إلى هذا ضمير الجمع، قالوا: (سموا لنا رجالكم فينظر إلى حديث أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم).
فعلى هذا النهج وعلى هذا الهدي مضى أواخر الصحابة الذين أدركوا تلكم البدع وقمعوها بالسنة، وهجروا أهلها وأخزوهم وأذلوهم، وكان الصدر الأول من التابعين كذلك، لقلة أهل الأهواء وذُلهم وعدم دخولهم في رواية الحديث وحمل عِلم الإسلام، واستغناءهم برواة الحديث من الصحابة والتابعين الثقات الأثبات من أهل السنة.
ثم لما اتسعت رقعة الإسلام وكثر الداخلون فيه، وتوسع ظلمات البدع وبدء النور يخف شيئًا فشيئًا، وزاحمت البدعة بظلمتها السنة ونورها، عند ذلكم تصدر لرواية الحديث وألفاظ النبي-صلى الله عليه وسلم-أناس تلبسوا بالبدع، فوقف العلماء أمامهم ثلاثة مواقف،
الموقف الأول: من استمر على رد حديثهم مطلقًا، إخزاءً لهم وإذلالًا لهم وهجرانًا وقمعًا، اعلاءً للسنة وأهلها.
والموقف الثاني: رأى أن الأمر يتعلق بالصدق، فإذا كان هذا الذي يحمل الحديث النبوي صادق، ونحن بحاجة إلى أن نحفظ حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وأن نجمع أحاديثه، لو ظُهِرت مفسدة بدعته بالذهاب إليه، وأخذ الرواية أمام المصلحة العظمى في حفظ حديث رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فقالوا ما دام صادقًا لا يكذب، فإن مثل هذا تؤخذ عنه الرواية.
الموقف الثالث: وتوسط قسم ثالث فقال: وإن كان داعية، فمثل هذا في الذهاب إليه وأخذ العلم عنه رفع له، وتغريرًا للمسلمين به، وزيادة له على أن يستمر في باطله وضلاله، فإذًا يترك الأخذ عمن كان هذا شأنه، ردعًا وإخمادًا له ولبدعته، ويؤخذ عمن كان خاملًا، لا يذكر هذه البدعة ولا يدعوا إليها وإن كان في نفسه يعتقدها، هذا الأمر الأول كما سمعتم.
الأمر الثاني: أن هذه الحالة حالة اضطرار، ولهذا تجدون في بعض كتب الرجال كجرح وتعديل ابن أبي حاتم، يقول في جروحاته في بعض الرواة: (ثم اضطر إلى أخذ حديثه أخيرًا)، اليوم ما هي الضرورة التي تدفع هؤلاء إلى أن يأخذوا عن أهل الأهواء والبدع وأن يعكفوا بين أيديهم؟.
الأمر الثالث: أن أولئك الأئمة مع هذه التشديدات التي سبقت، إنما أخذوا من أهل الأهواء ومن تلبس بالبدعة والضلالة، إنما أخذوا روايتهم فقط عن حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ولم يأخذوا رأيهم.
وأما أنت يا أخي إذا جلست اليوم وفي هذه العصور أمام وبين يدي أهل الأهواء والبدع، فإنما تأخذ منهم رأيًا لا تأخذ رواية، لا يحدثونك بحديث رسول الله من أنفسهم إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-، إنما يشرحون ويستنبطون ويعلقون ويفيدون، ويبثون عقائدهم في شروحهم وفي كلماتهم، ها هو الفرق بَيِّن والبون شاسع، بين ما كان يأخذه السلف، وما بين ما يأخذونه اليوم العاكفون أو الذين للأسف يرتمون في دروس أهل الأهواء، ولا شك أن ذلك من توقيرهم.
ولقد سئل شيخنا العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله-، ولعل بعضكم قد وقف على مثل هذا الجواب، عن دراسة علوم الآلة فقط، حددنا اللغة العربية فقط على رجل من أهل البدع، وكان الشيخ يشدد جدًا في الدراسة على أهل البدع، يقول: (حتى ولا اللغة العربية، لأن تبقى جاهلًا في اللغة العربية خيرٌ من أن تدرس على مبتدع).
انظروا إلى هذا الموقف الصارم منه-رحمه الله تعالى-، قال لأن في ذهابك للدراسة عليه مفسدتين:
المفسدة الأولى: أن الناس يغترون بك فيذهبون إليه، لمَّا يرونك ذاهبًا وغاديًا إليه، إذًا هذا هو توقيره! الناس يرونك تذهب وتأتي إليه فيقولون هذا رجل من أهل العلم، وما يأتيه فلان ويأتيه فلان والناس تزدحم على بابه وعلى حلقته وعلى درسه، إذًا هذا عالم، ووضع له القبول وهذا رجل صاحب دين وصاحب علم، فيأتون ويأخذون منه فيقعون في ضلالاته.
المفسدة الثانية: هي متعلقة به هو، إذ لما يراك قادمًا إليه دارسًا عليه يزداد تمسكًا ببدعته، ويقول: انظروا إلى هذا! يحذركم مما أنا عليه ويظن أنه على عقيدة تخالفني، وهو محتاج إلى ما عندي من العلم، فمتى يرجع العالم إلى عقيدة طالبه؟.
هذا ما ذكره شيخنا-رحمه الله-الشيخ ابن عثيمين.
وأزيد عليه ذلك : أن المفسدة تعود عليك أنت، أما مع كثرة ترددك عليه، يحسن لك الشيطان خلقه وصَمته وسَمته وهَيئته، وطريقته في التدريس وشرحه وفوائده، حتى يحببه إليك فلا تستطيع بعد ذلك أن تفارقه فتحب ما هو عليه.
ولقد قَدِمَ رجل عل بعض أهل الأهواء، كأنه عمر بن عبيد إن لم في حفظي، فدخل عليه رجلٌ كان يرى أن عمرًا كان من أهل الضلال وأهل الزيغ وأهل الانحراف، فلما جالسه المرة الأولى والمرة الثانية وخرج يقول: ( هل دين الله إلا ما عليه عمر بن عبيد!)، إذًا من توقيرهم الدراسة عليهم والأخذ عنهم، وإنما أطلت في هذه المسألة نوع إطالة ما تقدم، نظرًا في وجود بارك الله فيكم من يشبه في هذا الأمر برواية أهل الحديث.
ولا شك إخوتي في الله، أن النبي-صلى الله عليه وسلم-كما تعلمون، قد لعن الذي يؤوي صاحب البدعة، فقال: ( من آوى محدث فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).
قال الشاطبي في الاعتصام: ( فإن الإيواء يجامع التوقير)، إذً توقير أهل البدع من كبائر الذنوب، لأن الإيواء والتوقير يجتمعان في ذلك، قال: ( فإن الإيواء يجامع التوقير ووجه ذلك ظاهرٌ، لأن المشي إليه والتوقير له تعظيم له لأجل بدعته، وقد علمنا أن الشرع يأمر بزجره وإهانته وإذلاله، بما هو أشد من هذا كالضرب والقتل، وهذا يقصد تعزيره من قبل ولاة الأمور)، يقصد الشاطبي تعزيره من قبل ولاة الأمور بالضرب والمنع والقتل،(فصار توقيره صدودًا عن العمل بشرع الإسلام، وإقبالًا على ما يضاده وينافيه، والإسلام لا ينهدم ، إلا بترك العمل والعمل بما ينافيه، وأيضًا فإن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم،
إحداهما : التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس، وأن ما هو عليه خير مما هو عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى إتباعه على بدعته دون إتباع أهل السنة على بدعتهم.
والثانية: أنه إذا وقر من أجل بدعته صار ذلك كالحادي، يعني المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء)، انتهى كلام الشاطبي-رحمه الله-، وقد تقدم ولكني قد أحببت أن أعيده على مسامع إخواني حفظهم الله تعالى، ونفعنا وإياهم بكلامه وكلام رسوله-صلى الله عليه وسلم-وهدي سلف هذه الأمة.
كذلكم أيها الأخوة في الله، من صور التوقير بعد ذكر التدريس:
تولية أهل الأهواء والبدع: توليتهم المناصب وتوليتهم الوظائف، وتوليتهم خصوصًا المناصب الدينية والتعليمية، فإن في تولية أهل البدع المناصب الدينية والمناصب التعليمية، توقير وتعظيم وفي ذلك أيضًا مفسدة، وفي هذا يقول الشيخ العلامة شيخ شيوخنا العلامة حمود بن عبد الله التويجري-رحمه الله تعالى- أحد السيوف المسلولة على أهل الأهواء والبدع في هذا العصر-رحمه الله،
يقول بعد أن ساق جملة من الآثار في الهجران والبعد والمجانبة لأهل الأهواء، يقول-رحمه الله-: ( وكلام السلف ومن بعدهم من أئمة الخلف، في هجر أهل البدع ومن يميل إليهم كثيرًا جدًا، وفيما ذكرت وهنا كفاية إن شاء الله تعالى)، يقصد كتابه تحفة الأخوان فيما ورد في المولاة والمعاداة والحب والبغض والهجران. قال: ( ومع هذا فقد أبى أهل العقل المعيشي) هكذا يسميهم، الملاطفون المهادنون لأهل الأهواء، قال: ( فقد أبى أهل العقل المعيشي، إلا أن يخالفوا ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها، فتراهم يبالغون في توقير أهل البدع وتعظيمهم، ويحرصون على مؤاخاتهم، ومُصاحبتهم ودعوتهم إلى منازلهم، والدخول عليهم في بيوتهم ومُؤاكَلَتِهم ومشاربتهم، والأنس بهم والانبساط معهم، وتوليتهم للأعمال من تعليم وغيره)، وهذا محل شاهدي من نقل هذا الكلام.
قال: ( وتوليتهم الأعمال من تعليم وغيره، لا فرق عندهم بينهم وبين أهل السنة)، أعوذ بالله من الخذلان وعمى البصيرة، وقد صار تقريب أهل البدع وتوليتهم في وظائف التعليم والوثوق بهم في ذلك، سببًا في إفساد عقائد كثير من المتعلمين وأخلاقهم، ذكرهم أيضًا (بترك المأمورات و في ارتكاب المنهيات) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، انتهى كلام الشيخ حمود-رحمه الله تعالى-رحمة واسعة وغفر له.
إذًا لَفي توليتهم المناصب، وخصوصًا المناصب الدينية والتعليمية، بل إن في ذلك إضاعة للأمانة، وهذا الذي أخبر به النبي-صلى الله عليه وسلم-كما في صحيح البخاري، من حديث أبي هريرة لما كان النبي-صلى الله عليه وسلم-جالسًا مع أصحابه، فدخل رجلٌ أعرابي فقال: (يا رسول الله متى الساعة؟) فاستمر النبي-صلى الله عليه وسلم-في حديثه، فقال بعض الناس: (سمع ما قال فَكَرِهَ ما قال)، وقال بعض الناس: (النبي لم يسمع ما قال)، فلما قضى حديثه قال-صلى الله عليه وسلم-: (أين أراه السائل عن الساعة؟)، قال: (ها أنا يا رسول الله)، قال: (فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)، قال: (كيف إضاعتها؟)، قال: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).
وإن من بديع فقه الإمام البخاري وحسن تصنيفه ودقة فهمه، أنه أودع هذا الحديث ووضعه في كتاب العلم من صحيحه، وفي ذلك إشارة إلى أن أعظم الأمر، هو أمر العلم الديني الشرعي، علم الإفتاء وعلم الدعوة والإرشاد والتعليم، فهذا أعظم المناصب وأعظم الأمر، فإذا وُسِّدَ إلى غير أهله فذلك من أشراط الساعة.
ولهذا أيضًا جاء في الأحاديث الكثيرة، وهذا يلحق بما تقدم، من أن الأخذ عن أهل الأهواء والبدع من توقيرهم والدراسة عليهم، ما جاء في الحديث الصحيح، أن النبي-عليه الصلاة والسلام قال: (إن من أشراط الساعة أخذ العلم عن الأصاغر)، وقد فسر (الأصاغر) عبد الله بن المبارك وجماعة غيره معه.
بأن الأصاغر هم: أهل الأهواء البدع، فإذا كان الأمر كذلك، فإن في أخذ العلم عنهم مع كونه من توقيرهم، فإن ذلك من أشراط الساعة، نسأل الله العافية و السلامة.
فإذًا توقيرهم بأي نوع من أنواع التوقير، بيع كتبهم وأشرطتهم ونشرها، بث حلقاتهم في قنوات الوسائل الإعلامية الحديثة-مقروءة مسموعة مرئية-، بث ونقل أشياء من كتبهم في هذه المواقع وفي هذه الصفحات الإلكترونية، كل هذا يدخل في توقيرهم، والوقت قد أزف أن ينتهي كما يقال.
وقد وجه شيخنا العلامة الفقيه الأديب الأريب، الشيخ زيد بن محمد بن هادي المدخلي-حفظه الله-ووسع عليه في طاعته، رسالة هامة في آخر كتابه: (الإرهاب وآثاره السيئة على الأفراد والأمم)، فله ملحق في آخره وطبع هذا الملحق مفردًا، وننصح الأخوان بالإطلاع عليه،.
فإنه بعث رسالة قال: (نداء مفتوح يا أهل المكتبات العامة والخاصة، من الفقير إلى عفو ربه زيد بن محمد بن هادي المدخلي، إلى إخوتي الكرام في الإحسان والإيمان والإسلام، أعني أصحاب المكتبات التجارية والحكومية والمنزلية في بلادنا السلفية، وفق الله الجميع لطاعته والسعي في رضاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
أما بعد:
فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو, ثم أذكر نفسي وإياكم والذكري تنفع المؤمنين أذكركم بما تعملون من أنه يجب على المكلفين حفظ خمسة أشياء هي: الدين, والعقل, والعرض, والدم, والمال, وأولى الناس بحفظ هذه الأشياء أمة الإسلام عموماً وطلاب العلم خصوصاً.
وإذا كان الأمر كذلك فإنه يوجد في عصرنا الحاضر كتب ونشرات وأشرطة في المكتبات التي أشرت إليها آنفاً, هذه الكتب معظمها في المكتبات التجارية تباع وتشرى).
ثم مثل بجماعة من أصحاب هذه الكتب كثيرة أسماءهم، قال: (وذلك ككتب سيد قطب ومحمد قطب ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي وأبو الأعلى المودودي وحسن البنا وعمر التلمساني وحسن الترابي السوداني وعبد الرحمن بن عبد الخالق).
ثم ذكر جماعة إلى أن قال-حفظه الله-: (وتلامذة البنا وآل قطب وأمثالهم من كل قائد أو زعيم أو صاحب انتماء إلى فرقة من الفرق التي ناهضت المنهج السلفي في كثير أو قليل من أبواب العلم والعمل عبر زمن هذا العصر، ذلك أن مؤلفات وأشرطة ونشرات هؤلاء المدونة أسماؤهم فيها والمقبول وفيها المردود, وفيها الغث وفيها السمين).
إلى أن أطال في نصيحته، فقال-حفظه الله-: ( وأخيرًا: فما خطابي هذا إلا همسة بل صرخة في آذان قلوب الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه من أهل المكتبات التجارية الذين امتلأت مكتباتهم بكتب القادة الحركيين وتلاميذهم، إن عليهم أن يصفوا مكتباتهم من كتب أولئك ويملئوا رفوفها بكتب علم الكتاب والسنة وما أخذ منهما منهج السلف, ذلك أتقى وأبقى, ورزق الله محدود ومكتوب وخيره ما جاء من وجوه الحلال, بل وما جاء من وجوه الحلال فلا يأمن صاحبه سؤال الله فيه.
فما بالك يا أخي بما أخذه من وراء بضاعة فيها غش للمسلمين والمسلمات،كبيع كتب أولئك المؤلفين وكتب الذين دونت أسماءهم سابقاً, وحذرت منهم سابقاً ولاحقاً, كما حذر منهم ومن كتبهم علماء ربانيون ناصحون وذلك بعد اطلاعهم على خطر ما في كتبهم, ويوم تصفى المكتبات المذكورات منها, وتوضع كتب العلماء السلفيين في محلها بديلاً منها وما أجمل البديل الصافي حينما يحل محل ما خلط بكدر)، إلى آخر كلامه-حفظه الله-.
فهذا كله حفظكم الله تعالى، يعتبر من التوقير ويعتبر بالحقيقة من الدعوة ، من توقيرهم بل من الدعوة لهم أهل الأهواء والبدع الثناء عليهم ومدحهم، وفي ذلك تغرير في المسلمين، تغرير المسلمين والعامة رجالًا ونساءً في ذلك.
وقد سئل الإمام شيخ الإسلام في هذا العصر عبد العزيز بن عبد الله بن باز-رحمه الله تعالى-، وأنا على جناح سفر كما تعلمون، لا يحضرني كثير من المراجع التي كنت أحب أن تكون بين يديَّ لأنقل لأخواني بعض ما يفيد في هذا الموضوع، لكن في ذهني أيضًا هذه الفتوى لسماحته-رحمه الله تعالى-، في شرحه لفضل الإسلام للشيخ محمد بن عبد الوهاب، فإنه سئل عن من يمدح أهل الأهواء والبدع ويثني عليهم، هل هو منهم؟، فقال-رحمه الله-: (هذا داعٍ إليهم، هذا يدعوا إليهم والواجب ترك الثناء عليهم) أو نحو ذلك، فتوى له بنحو ثلاثة أسطر، ما أحفظ منها إلا هذا الجزء الذي ذكرته لكم.
فإن الثناء على أهل الأهواء، ولعل بعض إخواننا إن شاء الله منكم وممن يسمع، سواءً في المجلس في قطر، وفقني الله وإياكم وحرسنا الله وإياكم من الفتن والشرور، أو من يسمع عبر (شبكة سحاب)، لعله أن يأتي بهذا الكلام كاملًا للشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-، ويضعه إما في محله من كلامي، وإما أن يضعه مفردًا حتى يطلع عليه الناس، ويعرفوا تحذيرات هؤلاء العلماء من أهل الهواء والبدع.
توقيرهم له صور كثيرة، وإن أحببت وأنا مترددًا أن أختم بهذه القصة، وأن تنظروا ذلك الفعل الذي اجتهد فيه الإمام الدارقطني-رحمه الله-أين هو من الأفعال اليوم؟.
اليوم يسعى للتحالف مع أهل الأهواء والبدع في مؤتمرات وبيانات ومحاور ولقاءات، يدعى لها مئات ممن يسمى بعلماء العالم الإسلامي والمفكرين، وكلهم يقررون أن يتآخوا مع الروافض ومع المتصوفة وأصحاب وحدة الوجود، ومع الأشاعرة ومع الجهمية ومع المعتزلة، وينابذون المنهج السلفي الصحيح.
والمتابع منكم لا يخفى عليه كثير من ذلكم الظلام والضلال، الذي يبث الآن باسم الإسلام وباسم الوسطية وباسم الاعتدال وباسم حرب الإرهاب، وباسم كذا وكذا.
وما أعجب هؤلاء القوم، يوم يمس جناب النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، من قبل الرسام في هولندا في بعض هذه الدول، تحت ستار الدفاع عن النبي-صلى الله عليه وسلم-تبرز الدعوة إلى وحدة الأديان، وإلى احترام جميع المقدسات، هكذا يقولون!!، وطالب أئمة مساجد عظيمة مقدسة في قلوب المسلمين، إلى أن تستصدر قرارات أممية من الأمم المتحدة، تُجَرِّم وتُحَرِّم وتمنع المساس بالمقدسات والديانات، إذا ما يقدسون الروافض والبوذيون والمجوس والهندوس، كل مُقَدَّسٍ يقدسه فئات من أهل الأرض، لا يجوز أن يمس ويجب أن يستصدر قرار يجنب المساس بذلك.
إن هذا القرار سَيُجَرم الكتاب والسنة، إن هذا القرار سَيُجَرم الأنبياء والمرسلين، إن هذا القرار سيجرم الصحابة والتابعين وخلفاء الإسلام الذين اعتزوا بدينهم ورفعوا رايته، فتحت ستار الدفاع عن النبي-صلى الله عليه وسلم-غُذِيَ كثير من العقول للأسف الشديد ودخلت وانطلت في الصحف والجرائد في أماكن شتى من العالم الإسلامي، وفي البرامج المسموعة والمقروءة، كل ذلك أدخل لوحدة الأديان، واحترام الأديان، واحترام المقدسات كلها، كانوا يحصرونها بالأديان السماوية،كما ويعبرون في التعبير بالأديان تحقب (الدين واحد والشرائع شتى)، لكن توسعوا بعد ذلك إلى كل مقدسٍ، أمة تعبد فئران وتقدسها لا تمس، أمة تقدس الأضرحة والقبور لا تمس، أمة تقدس بوذا لا تمس، إذًا كل مقدسات لا يعترض لها وهكذا الباطل.
واليوم تعود القصة من جديد، وأبطال القصة الماضية، هم أصحاب القصة الحاضرة، المفكر الإسلامي فلان، وهيئة فلآنية، وعلماء العالم الإسلامي الفلاني، والجماعة الإسلامية الفلانية، والأسماء لا تخفاكم.
فماذا تحت ستار الإرهاب والشكوة من وطأته، بدلًا أن يرشدوا الولاة وينصحوا لولاة أمور المسلمين وفقهم الله، وأن يرشدوا المسلمين إلى منابع الإرهاب الحقيقية والتكفير، وأن يرشدوا إلى المدارس وإلى الدعاة الذين غَزَوا الشباب بالفكر الإرهابي التكفيري بدلًا من ذلك، تحت ستار وغطاء حرب الإرهاب يدعون إلى تبييض الفوارق وجمع المذاهب الإسلامية الثمانية، الأربعة الفقهية مع الجعفرية مع الزيدية مع الإباضية مع كل هذا وأنهم متفقون على أصول الدين، وإنما اختلافهم في الفروع إلى غير ذلك من الكلام الباطل، نسأل الله العافية والسلامة.
فهكذا يفلحون أو تحدث لهم قضية، ثم يستغلون تلك القضية لمحاربة أصول الإسلام ومصادمة شريعة الإسلام ومحاربة أصول السنة.
فالأمر في الحقيقة، يقول: ولكن أقول لكم أين هذه الدعايات كلها، من صنيع صنعه الإمام الدارقطني مجتهدًا، لعله كان يتألف الباقلاني أو لا يدري عن بعض أقاويله، قابل الباقلاني أبو بكر محمد بن الطيب الأشعري ، فسلم وقبل بين عينيه، ولما مشى سأله أبو ذر الهروي تلميذه: من هذا يا إمام الذي تصنع به هذا الصنيع، تُقَبِلُه وتُعَظِمه؟ قال: هذا فلان بن فلان أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني، الذي يذب عن الإسلام ويرد على الفلاسفة والمعتزلة، قال أبو ذر الهروي فلزمته، هذا لما سُئِلَ عن الأشعرية فأخذ منه الأشعرية، ثم إن أبا ذر الهروي جلس في مكة وصار آخر المغرب الإسلامي يفدون إليه، فأخذوا عنه المذهب الأشعري.
ووقف له وتصدى(**) أبو نصر-رحمه الله-وجرت بنهم أمور وأمور تراجعونها في كتب التراجم والسير، وتعارض العقل والنقل وغيرها من الكتب، لكن شاهدي هذا الفعل العارض، وانظروا دفع التلميذ إلى أن ترك شيخه الإمام الحافظ السُني السلفي الأثري الكبير، الذي قل أن يكون له نظير في علل الحديث وألف المؤلفات المفردة في العقيدة السلفية، ألف كتاب (النزول) ألف كتاب (الرؤيا) ألف (المفردات في العقيدة السلفية)، الحافظ الجامع للعلوم-رحمه الله-، ولكن هذا الفعل إن ثبت ثبوت هذه القصة، وأنا بعيد أهل بها.
فنقول هذا الفعل لا لعله لا يدري بأشعريته لعله تألفه، فانظروا كيف جر هذا الأمر، فهذا الصنيع من هذا الإمام السلفي الكبير، فكيف اليوم بما يدعى إلى تعظيم أهل الأهواء عبر الوسائل وعبر القنوات وعبر الإذاعات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أستغفر الله أولًا ثم أعتذر لأخواني جزآهم الله خيرًا الذين تكلفوا وتجشبوا أن يسمعوا هذه الكلمات المعادة على أسماعهم، ولكني أرجوا أن أنال أجر الإعادة والتذكير، وأسأل الله العلي القدير سبحانه أن يكلأنا وإياكم برعايته وحفظه، وأعتذر منكم إخوتي في الله إذ وضع المسافر غير وضع المقيم، لعلي أكتفي بهذا القدر-حفظكم الله-.
جزا الله الشيخ عادل بن منصور خير الجزاء على ما قدم وأفاد، ونسأل الله عز وجل أن يجعل هذا في موازين حسناته، وشكر له مرة أخرى تكبد هذا العناء بإلقاء هذه المحاضرة وهو على سفر، ونسأل الله عز وجل أن يبارك فيه وفي عمره وفي عمله.
تم بحمد الله
قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد
الأربعاء الموافق: التاسع والعشرين من شهر ربيع الآخر لعام 1431 للهجرة النبوية الشريفة
*سئل الشيخ - رحمه الله - هذا السؤال عند شرحه لكتاب فضل الإسلامعند نهاية شرحهلـ( باب ما جاء أن البدعة أشد من الكبائر )
وهذا نص
السؤال والجواب :
سئل الشيخ – رحمه الله - :
الذي يثني على أهل البدعويمدحهم هل يلحقبهم؟
فأجاب سماحته:نعم ما فيه شك من أثنى عليهم ومدحهموهو داع إليهم،
هو من دعاتهم نسأل الله العافية.اهـ .
لسماع المادة الصوتية:
من هنا
للتحميل في ملف منسق:
من هنا
|