فصل وأما تسميته رقية الزنا
فهو اسم موافق لمسماه ولفظ مطابق لمعناه فليس في رقى الزنا أنجع منه وهذه التسمية معروفة عن الفضيل بن عياض.
قال ابن أبي الدنيا :أخبرنا الحسين بن عبدالرحمن قال :قال فضيل بن عياض :الغناء رقية الزنا.
قال :وأخبرنا إبراهيم بن محمد المروزي عن أبي عثمان الليثي قال :قال يزيد بن الوليد :يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا.
قال : وأخبرني محمد بن الفضل الأزدي قال : نزل الحطيئة برجل من العرب ومعه ابنته مليكة فلما جنه الليل سمع غناء فقال لصاحب المنزل : كف هذا عني فقال : وما تكره من ذلك فقال : إن الغناء رائد من رادة الفجور ولا أحب أن تسمعه هذه يعني ابنته فإن كففته والإ خرجت عنك.
ثم ذكر عن خالد بن عبدالرحمن قال : كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك فسمع غناء من الليل فأرسل إليهم بكرة فجىء بهم فقال : إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة وإن الفحل ليهدر فتضبع له الناقة وإن التيس لينب فتستحرم له العنز وأن الرجل ليتغنى فتشتاق إليه المرأة ثم قال : اخصوهم فقال عمر بن عبد العزيز : هذه مثلة ولا تحل فخل سبيلهم.
قال : وأخبرنا الحسين بن عبدالرحمن قال : قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : جاور الحطيئة قوما من بني كلب فمشى ذو الدين منهم بعضهم إلى بعض وقالوا : يا قوم إنكم قد رميتم بداهية هذا الرجل شاعر والشاعر يظن فيحقق ولا يستأني فيتثبت ولا يأخذ الفضل فيعفو فأتوه وهو في فناء خبائه فقالوا : يا أبا مليكة إنه قد عظم حقك علينا بتخطيك القبائل إلينا وقد أتيناك لنسألك عما تحب فنأتيه وعما تكره فنزدجر عنه فقال : جنبوني ندي مجلسكم ولا تسمعوني أغاني شبيبتكم فإن الغناء رقية الزنا.
فإذا كان هذا الشاعر المفتوق اللسان الذي هابت العرب هجاءه خاف عاقبة الغناء وأن تصل رقيته إلى حرمته فما الظن بغيره ولا ريب أن كل غيور يجنعب أهله سماع الغناء كما يجنبهن أسباب الريب ومن طرق أهله إلى سماع رقية الزنى فهم أعلم بالإثم الذي يستحقه.
ومن الأمر المعلوم عند القوم : أن المرأة إذا استصعبت على الرجل اجتهد أن يسمعها صوت الغناء فحينئذ تعطي الليان.
وهذا لأن المرأة سريعة الانفعال للأصوات جدا فإذا كان الصوت بالغناء صار انفعالها من وجهين : من جهة الصوت ومن جهة معناه ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لانجشة حادية : (( يا أنجشة رويدك رفقا بالقوارير )) يعني النساء.
فأما إذا اجتمع إلى هذه الرقية الدف والشبابة والرقص بالتخنث والتكسر فلو حبلت المرأة من غناء لحبلت من هذا الغناء.
فلعمر الله كم من حرة صارت بالغناء من البغايا وكم من حر أصبح به عبدا للصبيان أو الصبايا وكم من غيور تبدل به اسما قبيحا بين البرايا وكم من ذي غنى وثروة أصبح بسببه على الأرض بعد المطارف والحشايا وكم من معافى تعرض له فأمسى , وقد حلت به أنواع البلايا وكم أهدى للمشغوف به من أشجان وأحزان فلم يجد بدا من قبول تلك الهدايا وكم جرع من غصة وأزال من نعمة وجلب من نقمة وذلك منه من إحدى العطايا وكم خبأ لأهله من آلام منتظرة وغموم متوقعة وهموم مستقبلة.
فسل ذا خبرة ينبيك عنه *** لتعلم كم خبايا في الزوايا
وحاذر إن شغفت به سهاما *** مريشة بأهداب المنايا
إذا ما خالطت قلبا كئيبا *** تمزق بين أطباق الرزايا
ويصبح بعد أن قد كان حرا *** عفيف الفرج : عبدا للصبايا
ويعطي من به يغني غناء *** وذلك منه من شر العطايا
يتبع الأدلة على بقية الأسماء