|
كاتب الموضوع | أبومالك عمر الطروق | مشاركات | 0 | المشاهدات | 1633 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
#1
|
|||||||||
|
|||||||||
بهجة المنظر لمعاني قول الله عز وجل ﴿ولذكر الله أكبر﴾ للشيخ العلامة يحي الحجوري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]،﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أيها الناس! صدق ربنا عز وجل إذا يقول في كتابه الكريم: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾[الأنعام:92], فكتاب الله فيه بركة عظيمة، رب آية واحدة يغترف منها في علوم كثيرة، أنه كتاب هداية يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾[الإسراء:9], إنه كتاب بشارة ﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا﴾[الكهف:2], إنه كتاب رحمة: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[الشورى:52], ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[يونس:58], هذا الكتاب هو حبل الله المتين: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[آل عمران:103]. أيها الناس! آيات عظيمة في كتاب الله جمعت معاني كثيرة كغيرها من الآيات وهي قول الله عز وجل: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾[العنكبوت:45], وصدر هذه الآية ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾[العنكبوت:45], أمر بتلاوة كتاب الله وعلى ذلك أدلته، وهو يحتاج إلى موضوع خاص، والفقرة الثانية منها ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ﴾[العنكبوت:45], أيضاً هذه الفقرة منها لها أدلتها وهي تحتاج إلى موضوع خاص في قوله: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ﴾[العنكبوت:45], وما يتعلق بإقامة الصلاة من خشوع وطمأنينة، وما يتعلق بذلك من أمور الصلاة وواجباتها وأركانها وأمورها، والفقرة الأخرى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾[العنكبوت:45]. وهذا أيضاً كذلك أن من صلى صلاة صحيحة نهته صلاته عن الفحشاء والمنكر، وإن ما يحصل الخلل، ويتسلط الزلل بسبب ضعف أداء الصلاة كما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما من صلى صلاة صحيحة كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هناك مانع من الموانع من قبولها فإنها تنهاه، بأذن الله عز وجل كما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه، وبعد هذه الفقرة قوله عز وجل: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾[العنكبوت:45], وهذه الفقرة هي موضوع مذاكرتنا في هذا الوقت القصير. فذكر الله أكبر بحيث لو أن الإنسان ذكر ربه عز وجل مهما أكثر من ذكر الله لم يكن ذلك كذكر الله سبحانه وتعالى له مهما بالغ الإنسان أو أدى من ذكر الله فإن الله يذكره أكثر، كما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في عدد من الأحاديث منها عن أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإٍ خير منهم», وقال سبحانه: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني», فهذا دليل على أنك مهما ذكرت ربك عز وجل فذكر الله أعظم، وذكر الله أكبر، وأنك لا يمكن أن توفي عطاء الله سبحانه وتعالى وكرمه ومننه، ذكر الله أكبر مهما حاولت أيها الإنسان في صد في حصول الفلاح والنجاح، وأن تكون سعيداً في هذه الحياة الدنيا، فإن ذكر الله إذا وفقت له أعظم سبيل للفلاح، وليس هناك أكبر من ذكر الله عز وجل، وليس هناك سبيل أوسع من ذكر الله عز وجل للوصول إلى هذا الأمر العظيم، لذا يقول الله سبحانه في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾[الجمعة:9-11], اشتملت هذه الآية على أن ذكر الله عز وجل أعظم باب وأوسع سبيل للفلاح الذي يطلبه البر والفاجر، والمسلم والكافر، كل واحد يطلب الفلاح ولكن منهم من يطلبه من سبله وطرقه، ومنهم من يطلبه من سبل معوجة، وإلا فما من إنسان إلا ويريد أن يفلح ويستريح، ويطمئن، ويهدأ ويبعد عن ما يضره، هذا هو أوسع باب للفلاح أيها الناس، ولذكر الله أكبر: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[الأنفال:45]. وهكذا يرشد ربنا سبحانه وتعالى إلى أنه سبب عظيم من أسباب النصر الذي يطلبه كثير من الناس بقواتهم، وجيوشهم وعَددهم وعُددهم، ويفتخرون من أجله.. إلى غير ما هو معلوم من حال كثير من الدول بل سائر الدول من زمن قديم وحديث، ولا يكون ذلك حقاً إلا بذكر الله، فذكر الله أكبر من قوتهم وأكبر من عددهم وأكبر من أموالهم يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[الأنفال:45], ﴿.. وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[الأنفال:46], دلت هذه الآية على أن ذكر الله حال القتال أنه نصر عظيم وفلاح عظيم، وأنه والله لا يمكن لأمة من الأمم أن تظفر بنصر الله عز وجل إلا إذا لازمت ذكر الله سراً وجهاراً ليلاًَ ونهاراً، وهكذا سار النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه وسائر أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام على ذكر الله، ساروا على ذكر الله في سائر لقاءاتهم للأعداء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تتمنوا لقاء العدو وإذا لقيتموهم فاثبتوا وعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف», وكان النبي صلى الله عليه وسلم ليلة بدر يدعو الله سبحانه وتعالى ويذكره حتى أصبح، ولما أكثر من ذكر الله أتى النصر من عند الله سبحانه وتعالى، وكان يشير إلى مواقع مصارع الكفار ويقول: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾[القمر:45-46], هذا مصرع فلان بن فلان وهذا مصرع فلان بن فلان..الخ. وإبراهيم عليه والصلاة والسلام حين تجمعوا عليه وأرادوا قتله وإحراقه بالنار: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾[الأنبياء:68-69], وكان السبب في ذلك على أنه لجاء إلى ذكر الله عز وجل بعد ما أكرمه الله به: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾[آل عمران:173], قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قيل له: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾[آل عمران:173], ذكر الله أعظم فلاح يقول الله سبحانه: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾[الأعلى:14-17], أن لك أعداء أيها المسلم، أيها العبد! لك أعداء، ولا أعظم ولا أكبر وقاية لك من هؤلاء الأعداء من ذكر الله عز وجل فذكر الله أعظم وقاية لك من أعدائك الظاهرة والباطنة، ومن أعظم أعدائك وهو الشيطان: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾[النحل:98-100], أعظم وقاية لك من الشيطان عن أن يأكل معك أو أن يدخل معك أو أن ينام معك أو أن يعقد على قافيتك.. إلى غير ذلك فقد ثبت عن النبي صلى عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم بيته فقال: بسم الله، قال الشيطان: لا مبيت لكم، فإذا سمى على عشائه قال: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا أتى الإنسان فراشه فقرأ آية الكرسي ونام على ذكر الله فإن الشيطان لا يقربه», كما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رصي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ آية الكرسي حين ينام لا يقربه شيطان حتى يصبح» , أقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وهو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: «يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يقول: نم عليك ليل طويل فارقد فإذا هو قام» أي: إذا لم يقرأ الأذكار من آية الكرسي ونحوها: «فإذا قام فذكر الله انحلت عقدة، فإذا قام فتوضأ انحلت عقدة، فإذا قام فصلى انحلت عقده كلها, فيصبح طيب النفس نشيطاً، فإن لم يفعل أصبح خبث النفس كسلان»، هذا دليل على أن من ذكر الله عز وجل كان ذلك سبباً لطيب نفسه، هذا أعظم باب وأعظم سبيل وأكبر سبيل ذكر الله لتطييب نفسك ولانشراح صدرك، ولنشاطك القلبي والبدني قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد:28], قلوب الناس تجيش بالكبر بالحسد بالإعجاب، بالغرور بالفتن، بالإلتهاف على الدنيا وأنت إذا لازمت ذكر الله كان أكبر وسيلة، وأكبر نفع لك ولقلبك، هذا الدلالة العظيمة، ليس هناك أعظم علاج من هذا العلاج: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾[العنكبوت:45], طمئن قلبك بذكر الله: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه», الملائكة مجالسها مجالس الذكر، مجالس الطمأنينة، مجالس الملائكة، مجالس الطمأنينة، ولا يشقى بهذه المجالس أبداً جليسها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «هم القوم لا يشقى بهم جليسهم», أعظم باب وأوسع باب وأكبر باب تسلكه لطمأنينة قلبك ولانشراح صدرك هو هذا، قال الله عز وجل: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾[الزمر:22-23]. ذكر الله لا شك أنه سبيل وأكبر سبب من الأسباب، من أسباب صلاح أولادك، ذكر الله عز وجل: «أما أن أحدكم إذا أتى أهله فقال: اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإن قدر بينهما ولد لم يضره الشيطان», فانظر! لا يمكن أن تحارب الشيطان بشيء أعظم من ذكر الله عز وجل: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾[العنكبوت:45]. أيها الناس! إن أمر ذكر الله سبحانه وتعالى به خير كثير، وبه درجات رفيعة وهو سبب لقوة الإيمان والبدن، وقوة القلب، ولما أتت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً من شدة ما تجد من الرحى فلم يجد لها النبي صلى الله عليه وسلم خادما أي: لم يجد لها شيء يعطيها أي: خادماً يخدمها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة فقال: «ألا أدلكما على خير لكما من خادم؟ إذا أتيتما مضجعيكما تسبحان الله، وتحمدان وتكبران، تسبحان ثلاثة وثلاثين، وتحمدان ثلاثة وثلاثين، وتكبران الله ثلاثة وثلاثين، ذلك خير لكما من خادم», هذا أمر ملحوظ علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يكن يدعه حتى في يوم صفين، ليلة صفين ما ودعة علي رضي الله عنه؛ وذلك لأنه سبب للقوى، سبب للنشاط، ذكر الله يسير من ميزات ذكر الله وفوائده: أنه يسير، ممكن تقوله وأنت تمشي، وأنت قاعد وأنت على فراشك: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[آل عمران:190-191]. انظر في أي حالة يكتسب الحسنات على سهولة ما يعمله أنه ليسير على من يسره الله عليه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم (يذكر الله على كل أحيانه وأحواله) كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها, ذكر الله دافع للكرب كم من إنسان يضيق صدره يضيق ويبقى في حرب داخلية مع نفسه وربما لا يذوق النوم، وهذا حاصل مع شدة الفتن ربما لا يذوق الطعام، وربما لا يستطيع الكلام يبلغ به الأمر إلى حد الكرب والغم، وعنده أعظم علاج وأكبر علاج وهو ذكر الله عز وجل: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾[الأنبياء:87-88], وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم دعاء الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم». أيها الناس! لقد تهالك الناس على الدنيا وتكالبوا عليها وتقاتلوا عليها وتهاجروا من أجلها إلى ما هو معلوم ومشهور ولكن ذكر الله أكبر من هذا كله ذكر: «الله لأن أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس», هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: «بخ بخ ما أثقلهن في الميزان سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والولد الصالح يتوفى للمرء فيحتسبه», ويقول: «معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة ثلاثة وثلاثون تسبيحة وثلاثة وثلاثون تحميدة وأربع وثلاثون تكبيرة», ما يخيب أبداًَ، ذكر الله أعظم سلاح ووقاية لك من الأعداء، والله لو كان لك آلاف الحرس ما كان مثل ذكر الله عز وجل؛ وذلك لأن الله عز وجل يقول: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾[الرعد:11] أي: بأمر الله، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة، كتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرز من الشيطان من يومه ذلك حتى يمسي وكان كما أعتق أربعة من ولد إسماعيل», وفي لفظ, «أكثر من ذلك , أربعة من ولد إسماعيل». فانظر على حصن حصين يعتبر بذكر الله سبحانه: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾[العنكبوت:45], مهما كان حرسك أبداً لا يكون هذا من ذكر الله ذكر الله جالب لإجابة الدعاء، فأنت بحاجة إلى ربك سبحانه وتعالى أن يجيب دعائك وأن يكرمك بطاعته، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة تدعوا فقال: «ألا أدلكِ على خير من ذلك أو قال: تسبحين الله عشراً تحمدينه عشراً وتكبرينه عشراً ثم تدعين الله عز وجل فإنك إذا فعلت ذلك قال: قد أجبتكِ قد أجبتكِ». انظر وسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعوا ولم يحمد الله ولم يثنِ عليه ولم يصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم, قال: «عجل هذا: إذا دعا أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعوا بما شاء», وهكذا أدعية النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بذكر الله قبل الدعاء فإنه مفتاح الإجابة ذكر الله قبل الدعاء مفتاح الإجابة قال: «فأخر تحت العرش ساجداً فيلهمني من محامده وحسن الثناء عليه، ثم يقال سل تعطه واشفع تشفع، فأقول رب أمتي.. أمتي فيشفعه الله عز وجل في أمته», الحديث متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه حديث الشفاعة الطويل. ذكر الله أعظم سبب للرزق الذي يتهالك عليه الناس، فالله سبحانه وتعالى قد أخبر في كتابه بدلالات عظيمة: أن من أراد الرزق يكن ملازماً لذكر الله: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾[العنكبوت:45]. يقول الله عن نبيه هود: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾[هود:52], تريد القوة اذكر الله، مهما أكلت وتغذيت لا يمكن لقوة لإيمانك ولا لجسمك بأذن الله عز وجل إلا أن تلازم ذكر الله وإلا فأجسام المنافقين ضخام وقلوبهم ضعاف، وهم أيضاً في غاية ما وصفهم الله من الخور: ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾[المنافقون:4], نعم قال الله عز وجل عن نبيه نوح: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾[نوح:10-12], أول ما أمرهم بالاستغفار، حثهم على الاستغفار الذي هو مفتاح كل خير على ذكر الله، الذي هو أكبر من أنهم إذا سعوا ليل نهار ما تحصلوا على ما يتحصلون عليه من الدنيا كما يتحصلون عليه بسبب ذكر الله عز وجل. الخطبة الثانية: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: القلوب تصدا والقلوب تمرض، ولا علاج لها إلا ذكر الله، فهو أكبر علاج لها، ربما يوجد بعض الأدوية علاجات لكن ليس هناك فيها نفع للقلوب، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾[الأنعام:122], وفي صحيح البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت», فهذا أعظم وسيلة لحياتك، تريد أن تحيا، تريد أن تسعد هذا أكبر، اكثر من ذكر الله: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:35], ربما هذه الأجور التي تكتسبها بذكر الله عز وجل تنافس بها أصحاب الأموال الطائلة ولا يدركونك بذلك، فيكون ما عندك أكبر مما عندهم بسبب ذكر الله، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن بعض فقراء المهاجرين سمعوا أو علموا أن بعض إخوانهم يتصدقون ويحجون ويعتمرون فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله! سبق أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضل أموالهم ويعتمرون قال: ألا أدلكم على شيء إن أخذتم به تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يأتي أحد بمثل ما جئتم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تسبحون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وتحمدون ثلاثاً وثلاثين وتكبرون ثلاثاً وثلاثين», عمل يسير ومع ذلك يدركون به من ينفق ليل نهار، ويسبقون به كثيراً من أصحاب الثرى والمعتمرين والحجاج والمتصدقين.. وغير ذلك من الصالحين بأموالهم. وثبت عن أبي الدرداء: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إلا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله», ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾[العنكبوت:45], أكبر من هذه الأشياء كلها حتى من ضرب الأعناق مع الكفار، ومن الصدقات بالذهب الكثير والفضة الكثيرة.. إلى غير ما ذُكر في هذا الحديث، تجد ذكر الله عز وجل أعظم من ذلك. يا لها من خسارة يقع فيها من فاته ذكر الله، ويا لها من نعمة يقع فيها من لازم ذكر الله، إن ذكر الله يقظة للقلب وإبعاد للغفلة، قال الله عز وجل: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾[الأعراف:205], دلت هذه الآية على أن من أراد أن يكون يقظاً نابهاً مفرقاً بين الحق والباطل والمحق والمبطل، مفرقاً.. يجعل الله عز وجل له النور: فعليه بذكر الله، فإن الله يجعل له نور، أو قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾[النور:40], نعم. وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من قوم يجلسون مجلساًَ لا يذكر الله فيه إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة», دل هذا الحديث على أن من ذكر الله جنب الخسارة، وأن الله عز وجل قد جعل سبلاً وطرقاً ووسائل لتجنب الفتن والضلالات والخسائر ومن أعظم ذلك، وأوسع باب لذلك وأكبر شيء هو ذكر الله: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾[العنكبوت:45].
الموضوع الأصلي :
بهجة المنظر لمعاني قول الله عز وجل ﴿ولذكر الله أكبر﴾ للشيخ العلامة يحي الحجوري
-||-
المصدر :
منتديات الشعر السلفي
-||-
الكاتب :
أبومالك عمر الطروق
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|
.: عدد زوار المنتدى:.