|
كاتب الموضوع | عبد الغني بن عيسى الجزائري | مشاركات | 2 | المشاهدات | 2154 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
آفة القُرب كَسُمِّ العَقرب؛ سلاحُ كل جاهل مُتعالم !
بسم الله الرحمن الرحيم آفةُ القُربِ كَسُمِّ العَقْرَبِ سلاحُ كل جاهل مُتعالم ! -حنانيكم حنانيكم يا من كان هذا خُلُقهُ!- الحمد لله الإله المعبود حقاً ذي الجلال والكبرياء، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد بن عبد الله الهاشمي سيّد ولد آدم وعلى آله وأصحابه وإخوانه. أمّا بعدُ: فقد عاينتُ أمراً من الأمورِ وعلى إثرهِ عانيتُ مرارة غربة أهل السنّة والجماعة هذه الأيّام. والمشكلةُ ليست في الغربةِ ذاتِها -إذ هي سِمَةُ أهل السنّة-؛ ولكن لمّا كانت بين أهل السنّة أنفسِهم اشتدّ الخطبُ، وتجلّى الخطرُ للخرط... ولك أن تعجب يا صاحِبي!! كانت الحادثة في ليلة من ليالِ شهرٍ قريب من اللحظة الآنيّة، عندما عزمتُ زيارة واحد من مشايخنا الأفاضل -حفظهم الله أجمعين- بُغية الظّفر بإجاباتٍ على جمعٍ من أسئلة شرعيّة، وقد كان. ولكن... بينما أنا أسألُ -وكنتُ أنهيتُ قراءتها على الشيخ، ولم يبقَ سِوى الأخير فيما أذكر- حتّى جاء شابٌّ حضرَ اللقاء؛ فسلّمَ وجعلَ يطلُبُ الشيخَ في أمرٍ خاصٍّ على انفرادٍ؛ فتَنَحَّيتُ أنا جانِباً ليجِدَ ذاك الشّابُ راحتَهُ فيما يُريدُ الشيخَ من أجلهِ... لحظاتٌ فقط... حتّى قال الشيخ لي: تفضَّل(١)... فتقدّمتُ لأقِفَ معهُما، وأخذتُ أسمعُ ما يقولُهُ ذاك الأخُ الشّاب؛ فوجدتُ ما وجدتُ من: رفعِ الصّوتِ بين يدي الشيخ، وحركات تخلُّ بسمتِ المسلِمِ الطالب لجوابٍ عن سؤالهِ فضلا عن طالب العلم، ومُقاطعة الشيخ مرات -بقوله في كلّ مرّة: «أعذرني على المقاطعة» ويستمرُّ؛ فليتَهُ لم يعتذر أصلاً!-، وقوله للشيخ: «لو كلّمكَ (فلان)؛ فانصحهُ» -بلهجةٍ لا تليق ومُتكلّمه، كأنّهُ مع صديق له! ليس شيخا يُقرُّ هو بفضله-. مع هذا كلّهِ؛ يقول مردّداً في كلامِهِ وكلّ مرّة: «يا شيخ... يا شيخ... شيخنا...» وهذا ما ترك زلاّتهُ السابقة والمتتالية تُغطّى؛ بل تُطوى بترداده هذه الكلمة الأخيرة، وهي: «يا شيخ» والتي فصلت بينهُ والشيخ، وجعلت الفارقَ واضِحاً. ومِن ثمَّ أنهى الأخُ ما جاء من أجلهِ؛ والشيخ صابِرٌ فيما أحسُّ به، خاصّة وأنّ الوقت الذي أخذهُ المتكلّمُ طويلٌ، والحكمةُ تقتضي الاختصار والاكتفاءُ بما فيه أهمّيّة... فقلتُ في نفسي: ما أصبر الشيخ، وما أحلمهُ...!! وبادرتُ بآخر ما عندي -مما تخلّف من أسئلتي الأُولى- لأنهي، وكان الأخ ينتظرني على مَقرُبة، ثم طلبني بأن أرافقهُ في الطريق بعد انصراف الشيخ وانصرافي من عنده؛ ففعلتُ. وأثناء مشيِنا إذا بنا بشابٍّ ينتظر من أرافِقُ في جانب الشارع -وهذا بعلمه، وأنا لم أكُن أعلم-(٢)؛ فترافق ثلاثتُنا، وأثناء الطريق راح يُكلّمُ صديقهُ الذي لم يحضر اللقاء عمَّا قالَهُ للشيخ، وهو يقول دائما: «قلتُ (للشيخ): كذا... وكذا...». و«قلتُ (للشيخ فلان): كَيت... وكيت...». وتابع يسرُدُ لهُ ما ما كنتُ سمعتُهُ منه قبلُ؛ فكان من بين ما سألهُ صديقهُ -مُقاطِعاً إيّاه-: يعني سألتَ أخانا (فُلانا) -يعني: الشيخ!-! فتعجّبتُ بدايةً ثمّ رميتُ بدهشتي هاته -وبسرعة- أنّى رمَت رحلها أمُّ قَشعَمِ... فإذا بالأخ الأوّلِ يقولُ -مُجيباً عن سؤال صاحبه-: نعم سألتُ الأخَ (فلاناً!) –أي: الشيخ!-... فقلتُ في نفسي حينها: أمّا هذه فلا... لن أرمِ بها كالأولى! أتعلمون ما وجهُ الاستنكار يا إخوة؟! ربّما القارئُ لا يَلحَظُ سببَ استهجاني هذا؟... ربما!! ولكن -أُخَي- هناك أسئلةٌ تُفسّرُ هذا: ·لِمَ كانَ مجيء الشابِّ لهذا الشيخ بالذّات؛ فيفتح معه موضوعا ويسأله من دون كلّ الناس؟! ·لِمَ طلبَهُ بادئ الأمر على انفراد دوني؟ ·لِمَ كانَ يُكثِرُ قولَهُ مُخاطِبا إيّاه: «يا شيخ... يا شيخ... شيخنا...»؟! الجواب على الأسئلة أعلاه: لأنّهُ يرى الشيخَ شيخٌ. أليس كذلك؟ بلى؛ وهو كذلك. طيّب؛ لِم صارَ هذا الشيخُ بعدَ لحظات يسيرات من لقائه به أخاً وليس شيخاً؟!! وكأنّهُ من أقرانه؛ مع أنّ هذا شابٌّ، والشيخ في سنِّ والدهِ. ربما يقولُ قائلٌ: هو الأخُ في الإسلام، حتّى وإن كان عالما لا يُشقُّ لهُ غُبارٌ؛ فما بالُكَ بمن دونَهُ! قلتُ: ولا يُنكرُ هذه الحقيقة عاقِلٌ؛ نعم. غير أنّ طرقة نُطقِها وكيفيّة استعمالها ضمن الكلام لا تليق بالطرفين؛ سواء الأخوين -وأخصّ الأوّل عن الثاني- أو الشيخ! ... ثمّ ذهبت أيّام وجاءت أُخرى؛ حتّى صدرت من نفسه كلمة لا تُرقعُ إلاّ باعتذارٍ -لا أقولُ: للشيخ؛ بل لأهل السنة- وإصلاح على وزن الخطأ في المُقابل! أتعلمونَ ما قال؟ قال: «... أتحدّاه»!! -يريدُ بها الشيخَ-! أرأيتم لماذا كان استنكاري -بادئ الأمر- وإن لم أُبدِهِ له؟!! ثمّ؛ كيف يتحدّاهُ، وبأيّ شيء يكونُ منه التحدّي، ولماذا... هل الشيخُ قال باطِلاً من القولِ؛ أو خالفَ الحقّ في شيء دعاهُ أن يتحدّاه؟ الجواب: لا، وألفُ لا... غايةُ ما في الأمر أنّ ذاك الشيخ وجّهَ كلام العلاّمة ابن عثيمين -رحمه الله- في مسألة لم يفهمها ذاك الشابُّ؛ فأقرَّ هذا ممّن دونَهُ سِنّاً وقَدْراً وعلماً... -وهو العبدُ المُذنبُ-، ولم يَقْبَلْهَا لمّا جاءت من الشيخِ بعدُ! وبعدَ مُضيِّ أيّامٍ قليلة معدودة، دخل صاحِبُنا الشاب مع أحد الإخوة في نقاش حول المسألة المُشار إليها آنفاً؛ فلم يرض بقوله ولا بقول الشيخ عند نقله له... فقال: «... أتحدّاه»!! -يريدُ الشيخَ دائماً-! أُبشّركم أنّهُ لن يستطيع أن يتحدّى -في الحقيقة- صاحبهُ الذي يُناقشهُ؛ فضلا على أن يتحدّى شيخا من الشيوخ. كل هذا نابعٌ من عدم معرفة قدر النّفسِ وقدرتها العلمية، والتشبع بما لم تُعطَ أو يُعطَ -فكلاهما يصِحُّ-، والتّعالم الصّارخ، والقُربُّ -وهو الشاهد-! قال السّلفُ -رحمهم الله-: «آفة العلم القربُ». أُفسّرِها بهاته الآفة الخطيرة، التي لا تغرز أنيابها إلاّ في جسم حُرِمَ غذاءه «العلم»، وإذا كان هذا قد حصل؛ فلا مناص حينها من اتّخاذ غذاء بديل وهو: «التّعالم»! لِيَرى نفسهُ والشيخ سواء مع الفُروق التي لا تكفي الصفحة والصفحتان في سردها، فَيجرؤ على «التّحدي» -ولو بقوله-؛ فعَجَباً! ولمّا كانَ القُربُ هو آفة لمن لم يعرف قدرهُ وقدر شيخه ومايزال على ذلك؛ فيكونُ من قبيل: «كلّما كثُرَ اللمسُ؛ قلّ الحسُّ»... كان القُربُ هو غنيمة لمن عرف (قدره=جهلهُ) وأبغضهُ، وعرف العلم وأهلهُ وأحبّه وأحبّهم لِحَملِهم لهُ... ***** مشايِخُنا -حفظهم الله- صاروا إلى ما هم عليه، لمّا ساروا العشرات من السنين على طريق العلم يطلُبونَهُ؛ فأنفقوا على تحصيله سنوات الطّفولة العذبة، وأيّام زهرة الشباب اليافعة؛ مزاحمة بالرّكب مجالس أهل العلم وحِلَقهم... ولما كان هذا هكذا؛ فهل جزاءُ الإحسان إلاّ الإحسان؟! أليس حقيقا بنا أن نعرف قدرنا ولهم قدرهم؟! أليس حقيقا بنا أن نحترمهم لما حملوا في صدورهم وعلى متن قلوبهم من قرآن وسُنّة وفقه بهما؟! أليس حقيقا أن نستفيد منهم؛ لنرفع الجهل عنّا؛ فنعرف الحقّ وحقيقة ديننا؟! أليس حقيقا أن ندعوَ لهم بظهر الغيب أن يجعلهم مفاتيحَ خَيرٍ، ويُثبّتهم، ويزيدهم عِلماً، وحِلماً علينا؟! بلى؛ والله إنّهُ لَحَقيقٌ بنا كل ذلك. قال رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلّم-: «ليس منـا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويعرف لعالمنا»(٣) يعني: حقه. «أي شباب الإسلام؛ حملة الأمانة ومُستودع الآمال، وبُناة المستقبل ولائع العهد الجديد، خُذوها فصيحة صريحة لا تتستّر بجلباب ولا تَتَوَارى بحجاب: إنّ علّتكم الَّتي أعيَت الأطبّاء، واستعصت على حكمة الحكماء، هي مِنْ ضَعفِ أخلاقكم ووهن عزائمكم، فَدَاووا الأخلاق بالقرآن تصلح وتَسْتَقِم، وأسوا العزائم بالقرآن تَقو وتشتدَّ»(٤). وخيرُ الهديِّ هديُ محمّدٍ -من كان خُلُقُهُ القرآن الذي زكّاهُ فيه ربّهُ، وكما قالت عنه عائشة تصفُهُ- صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانهِ. أخوكم عبد الغني بن ميلود الجزائري -عفا الله عنه- بعد فجرِ يوم الجمعة ١٣ ذي الحجّة ١٤٣١ هـ ١٩ نوفمبر ٢٠١٠ م _________________
(١) يعني: الأمر لا يحتاج هذا الإنفراد... كَون الكلام جِدُّ عادي ولا طائل من جعله كما بدا أوّلا!! (٢) لأنني -أصلا- لم أتّفق مع أخينا في زيارة الشيخ ولم أرافقهُ؛ وإنّما كان اللقاء بالشيخ جمعنا قَدراً، وما جاء بعدهُ لم يكُن على ترتيبٍ منّي؛ هذا القصدُ ليس إلاّ. (٣) أنظر «المسند» (٥/٣٢٣)، و«الحاكم» (١/١٢٢). (٤) مِمّا قالهُ الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في «تصدير نشرة جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين».
الموضوع الأصلي :
آفة القُرب كَسُمِّ العَقرب؛ سلاحُ كل جاهل مُتعالم !
-||-
المصدر :
منتديات الشعر السلفي
-||-
الكاتب :
عبد الغني بن عيسى الجزائري
|
#3
|
|||
|
|||
بوركت و بورك قلمك و تبوأت من الجنّة مقعداً
و رفع الله قدرك و قدر والديك و رحمك الله و والديك في دنياك و أخراك كلام حقّ , و ملاحظات في الصميم , و لو أنّ جميع إخواننا بهذا الأدب الدقيق الذي لأخي عبد الغني لكنّا خيراً مما نحن عليه واصل بمشاركاتك المتميزة و أقوالك و عباراتك الممتعة فلا فض فوك و لا برّ من يجفوك |
الكلمات الدلالية (Tags) |
عبد الغني الجزائري |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
.: عدد زوار المنتدى:.