|
كاتب الموضوع | أبو عبد الرحمن محمد العكرمي | مشاركات | 5 | المشاهدات | 5640 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الحلقة الأولى " في سيبل إصلاح الأدب " :مشاهير الشعراء و الأدباء , عرضٌ و نقدٌ.
بسم الله الرحمن الرحيم و بعد :
كنت أود إنزال مقدمة هذا البحث مفردة من غير تنبيه لأمر مهم و لكن بحمد ربي ذكرته قبل تنزيلها و هذا الأمر , هو أمر التعاون في هذا البحث فإني أقولها لكم إخواني الفضلاء صراحة بأنني لن أتولى البحث منفرداً أبداً و مانع ذلك ليس الرغبة عن النفع و الانتفاع لا و ربّي بل المانع الأساس هو كثرة المشاغل و الصوارف , خصوصا أن ميدان عملي دنيوي بحت لا علاقة له بالأدب لا من قريب و لا من بعيد و كل ما أبذله هنا إنما هو من قبيل الجهد الزائد , و المقتص بعنوة من وقت عملي الآخر فلأجل هذا أحب من أحبابي الأفاضل و على رأسهم أخي بلال أن يعيننا في ذلك و أقترح أن يتولى هو شخصية و أتولى أنا الثانية و هكذا شخصية شخصية حتى نأتي عليها كلّها و من رأى من نفسه إمكانية إفادتنا من أحبابنا الأعضاء فليتفضل مشكورا مأجورا ملاحظة : لم أذكر شيخنا أبا رواحة ضمن من أطالبهم بالدعم , لأنني أفضل إراحته رفع الله قدره لكثرة مشاغله , و لرغبتي في أن يخصص ذهنه الوقاد الصافي في نقد و نقض - إن لزم- ما نبثه ها هنا و الله ولي التوفيق .
الموضوع الأصلي :
الحلقة الأولى " في سيبل إصلاح الأدب " :مشاهير الشعراء و الأدباء , عرضٌ و نقدٌ.
-||-
المصدر :
منتديات الشعر السلفي
-||-
الكاتب :
أبو عبد الرحمن محمد العكرمي
التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن محمد العكرمي ; 03-30-2011 الساعة 12:20 AM. |
#2
|
|||
|
|||
الحلقة الأولى " في سيبل إصلاح الأدب " :نظرات في أشهر خطباء و شعراء الجاهلية. الحمد لله رافع الذنب و قابل التوب , شديد العقاب , ذي الطول لا إله إلا هو يحي و يميت و هو على كل شيء قدير , و الصلاة و السلام على خير العرب نسباً و حسباً , المصطفى من لدن رب العزة من دون كل البشر , و على آله الطيبين و صحابته الغرّ المحجلين , و على صحبه أجمعين و بعد : فهذه حلقات تنزل تباعاً في منتدى الشعر السلفي , ضمن ما اقترحه الأستاذ أبو عبد الله بلال يونسي –رفع الله قدره – من إحياء الأدب السنّي , و محاربة مظاهر الأدب المنحرف عن جادة الصواب , و كان من ضمن ما يُقْترح في هذا المشروع المبارك بإذن الواحد الأحد , تناول الشخصيات الأدبية المعروفة في تاريخ العرب إلى يوماً هذا , بالتحقيق و التدقيق , إبرازاً لأهل الفضل و السّبق منهم , و كشفاً لأهل الزّيغ و الانحراف منهم , بما يربط شباب الأمة الإسلامية - و السّلفيين منهم خصوصاً – برجالات الأدب و أساطينه الفحول , ممن صفت عقولهم و أفهامهم , فنتج عنهم من الأدب ما يريح النفس و يشرح الصدر , و يطرب الأسماع , هذا مع عدم إهمال أساطين الشعر و الخطابة الجاهليين , و ما أتحفوا العرب به من خلّص أفكارهم , و نفائس أقوالهم –شعراً كانت أو نثراً – إذ همْ الأصل الأصيل , و من بعدهم تبع لهم , مع الإشارة باهتمام بالغٍ إلى الرابط الوثيق , بين أدب أهل السنّة و عقيدتهم , وما ذاك إلا نتاج التزامهم الأدب القرآني و الهدي النبوي , في الحديث و الأشعار , بما يحذو بمريدي الأدب تقفي سبيلهم و السيّر علة منوالهم فتشبهوا بهم إن لم تكونوا مثلهم *** إنّ التشبه بالكرام فلاح و الله الموفق و هو الهادي إلى سواء السبيل. العصر الجاهلي : ديباجة : تعريفه : يعتبر هذا العصر أساس العصور, بل الأساس الذي عرفت به لغة العرب, شعراً و نثراً, و لكون هذا العهد هو الأوّل في تصنيف الأدباء, تميز بميزات و خصائص عديدة و متنوعة نعرض لها هنا بإيجاز, فمنها على سبيل المثال: 1-في الشعر: وجد فيه المكثرون و المقلون و أصحاب المعلقات و المطولات و القصار على إكثارهم, هذا من ناحية الكم. 2-من جهة العفة و التكسب: لم يعرف في ذلك الزمان التكسب بالشعر كما عرف في عهد الخلافات الإسلامية و المماليك و غيرها , بل أقصى ما تجد فيه مدح الشّاعر لقومه و اعتزازه بهم , لما كان بين تلك القبائل من حروب , بخلاف الشعراء المتكسبين فقد يسب بعضهم قومه و يهجوهم لأجل المال. 3-من جهة الديانة: كان خليطاً كغيره , فمنهم من عرفوا بالتعفف و الورع, و منهم المشهورون بالتغزل بالغواني و الجواري , بل و التشبب بالحرائر ممن يعشقون, ومنهم الصابئة و الوثنيون و النصارى و اليهود ...إلخ . 4-من جهة المضمون و التوصيف: كثرة ذكر مظاهر البادية و الصحراء, و الخيل و الجمال, و طرق عدوها و جريها في الحروب, بسبب تشتت العرب في الصحراء, وكرههم لمظاهر الحضارة و التمدن, و حبهم للتجلد و الشدّة, و لما اكتنف تلك المرحلة ([1])من حروب كما هو معروف. 5-من جهة نوعي كلام العرب نثره و شعره: قلة الخطابة لديهم , و خطباؤهم يعدون على الأصابع, مع تميّزهم بالبلاغة و بلوغ الذروة في حسن التعبير بالسهل الموصل للمعنى المراد من غير تكلف , كيف لا و اللغة لغتهمو أشير هنا إلى خطأ من زعم أن شعراء الجاهلية أو خطباءهم لم يكونوا متمرسين في البلاغة و الخيال مفضلاً الشعراء المولدين عليهم في جانب الوصف , و هذا الكلام باطل كلّه , و يكفي في بطلانه أنّ القرآن العظيم المعجز لغة و معنى نزل فيهم –أعني في الجاهليين - و لو كانوا ضعفاء لم يكن لتحدي القرآن لهم معنى , بل يكون ذلك من قبيل التّسلط على الضعيف مع العلم بضعفه , و حاشا لكتاب الله أن يكون كذلك , بل هو القرآن المعجز للقوم الذين أعجزوا من بعدهم لغة و بلاغة و وصفاً و تخييلاً , و أقول جازماً لم يأت بعد عصر الجاهليين و المخضرمين ([2])من يدانيهم أو يقاربهم , بل إني أقول كيف يكون المتلوث بالحضارة و القصور , و المدنِيَةِ الجوفاء أحسن تخييلاً و بلاغة ممن سكن البادية و الصحراء , وصاحَبَ الشمسَ و القمرَ ؟؟. و لنعد إلى ما قصدنا إليه ابتداءً , مع ذكر أعلام كل عصر و تناول ترجمتهم ترجمة وافيةً , لا أعني بالترجمة مجرد ذكر التواريخ ,أو ذكر أشهر ما لديهم , بل أقصد بالترجمة الدراسة المستفيضة لحياة كلّ شاعر ,و نشأته ,و ما غلب على شعره سواءٌ كان الغالب على شعره ذكر الحرب و الخيل و الوصف عموماً , أو الفخر و المدح و الهجاء , أو التشبب و التغزل بلا حياء . ......................................يتبع بإذن الله بذكر رؤوس الطبقة واحداً واحداً بما يتيسر إن شاء الله تعالى. ـــــــــــــــــــ ([1]) أعني بالمرحلة , ما سبق تحديده في زمن امتداد العصر الجاهلي , إلى قبيل البعثة بعقود قليلة. ([2])أدرجت المخضرمين مع الجاهليين لأنهم امتداد زمنيّ طبيعي للجاهليين , فكل مخضرم كان قبل جاهلياً , فلما أدرك الإسلام تخضرم بحكم أنه أدرك النبوة بل منهم من عاش بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم, مع ملاحظة ما قد يظهر من تفاوت بين شاعر و آخر أو خطيب و آخر , فقد يفوق متأخر متقدماً , لكن لا يكون في المتأخرين من يفوق جميع المتقدمين و يتقدم عليهم. التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن محمد العكرمي ; 03-30-2011 الساعة 12:35 AM. |
#3
|
|||
|
|||
شعراء الجاهلية و خطباؤهم: تعتبر هذه الطبقة أم الطبقات , و كثر فيها الشعراء المجيدون , بما حدا ببعض أصحاب التراجم و الطبقات إلى تقسيمها , فمنهم من اقتصر على ثلاث و منهم من زاد فيها إلى العشرة كما فعل محمد بن سلام الجمحي في كتابه طبقات فحول الشعراء ([1]) و سبب وجود طبقات في هذه الطبقة الكبيرة راجع لسببين اثنين فيما أفهم . الأول : كثرة الشعراء , و تقارب مكانة بعضهم من بعض , بما حدا ببعض الأدباء إلى دمج طبقة في أخرى أو التفريق بينهما . الثاني : طول العهد و البعد الزماني إذ أن هذه الطبقة تشمل جميع من توفي قبل بعثة النبي صلى الله عليه و سلم من شعراء العرب و خطبائهم . و لعلنا نقتصر في ذلك على ثلاث , وفق ما ذكر السّيد الهاشمي في كتابه "جواهر الأدب" ([2]) لأنه ركز فيه على أشهر الشعراء و الخطباء , و لأنه يتوافق و مرادنا من هذه الحلقات , و التي تتوافق أساساً مع مبادئ النشر عبر الشابكة , و التي يهدف منها إعطاء تلميحات و خطوط عريضة , لا الاستقراء التّام لجميع أفراد الطبقات. قال السّيد الهاشمي :"و الشعراء الجاهليون يقسمون باعتبار شهرتهم في الشّعر للإجادة أو الكثرة إلى طبقات كثيرة نذكر منها ثلاثاً. 1-الطبقة الأولى : امرؤ القيس , وزهير, و النابغة. 2-الطبقة الثانية : الأعشى , ولبيد , وطرفة. 3-الطبقة الثالثة :عنترة , و عروة بن الورد , و النّمر بن تولب, و دريد بن الصمة , و المرقّش الأكبر. و من الأدباء من يقدم بعض هؤلاء على بعض و يزيدون غيرهم عليهم. ([3])اهـ قلت: و لست أدري ما سبب تجاهل بعض شعراء المعلقات كالحارث بن حلّزة اليشكري , و عمرو بن كلثوم , فإنك لا تجد صاحب طبقات فحول الشعراء يذكرهم إلاّ بعد الطبقة الخامسة , و كذلك فعل السيّد الهاشمي باهمالهم , فإن كان معيار التصنيف هو جودة الشّعر , و قوته , كان لزاماً أن يتبوأ أصحاب المعلقات الطبقة الأولى أو الثانية على الأقل , إذا كنا فيهم من الزاهدين!!! و لا ضير أن يكون معهم غيرهم , و كيف لا يحتلون تلك المرتبة و قد أجمعت العرب على قوة شعرهم و فحولتهم , و إلا فما فائدة كونهم من أصحاب المعلقات ؟؟!! . فلذلك أقترح أن تكون حلقاتنا تتناول في أوّل ما تتناول شعراء المعلقات, نتناولهم شاعراً شاعراً , بذكر النقاط التالية : 1-ذكر اسمه و نسبه, و نبذة عن حياته الشّخصية. 2-ذكر طرف من أقوى أشعاره. 3- ذكر ديانته وتنسكه أو عكسه. 4-ذكر ما غلب على شعره , و وصفه. 5- ذكر منزلته بين الشّعراء و أقوال المتأدّبين فيه . 6-ذكر طبعات دواوينه – إن وجدت- والمصادر التي جمعت شعره , و ما صدر عنه من دراسات وبحوث بما يتيسر. 7-خلاصة البحث. هذا و لعلكم تتفقون معي جميعاً , أن رأس الطبقة الأولى و إمامها بلا منازع هو امرؤ القيس . فانتظروا- قريباً بإذن الله -ضمن هذه الحلقة , ما يتعلق به في المشاركة القادمة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ ([1]) قال الخطيب البغدادي في تاريخه ج3ص276(الشاملة) :" محمد بن سلام بن عبيد الله بن سالم أبو عبد الله البصري مولى قدامة بن مظعون الجمحي وهو أخو عبد الرحمن بن سلام كان من أهل الأدب، وصنف كتابا في طبقات الشعراء، وحدث عن: حماد بن سلمة، ومبارك بن فضالة، وزائدة بن أبي الرقاد، وأبي عوانة. وقدم بغداد فأقام بها إلى حين وفاته.اهـ
وقال الذهبي في المغني في الضعفاء ج2ص587(الشاملة): "مُحَمَّد بن سَلام الجُمَحِي أخباري موثق سمع حَمَّاد بن سَلمَة قَالَ أَبُو خَيْثَمَة خُذُوا مِنْهُ الشّعْر فَأَما الحَدِيث فَلَا كَانَ قدريا".اهـ و كانت وفاته في سنة 232هجري. ([2])أنظر ص 254 و ما بعدها من الطبعة الأولى لدار الكتب العلمية. ([3])المصدر السابق. التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن محمد العكرمي ; 03-30-2011 الساعة 03:28 PM. |
#4
|
|||
|
|||
بسم الله الرحمن ارحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال اخي الفاضل الشاعر المناضل أبو عبد الرحمن محمد الهاشمي العكرمي فيما ساق من درر : من جهة نوعي كلام العرب نثره و شعره: قلة الخطابة لديهم , وجوابا عليه قال الفقير إلى مرضاة ربه أبي عبد الله بلال يونسي : أحسن الله إليك أيها الضرغام وزادك من عظيم فضله ولي هاهنا تكملة لما فات مع إذعاني لما نثرت من فوائد ممتعات والحمد لله رب البريات وذلك انك أشرت إلى الخطابة عند الجاهليين وأزيد على قولك أربعة فنون هامة عند الجاهليين فيما يتعلق بالنثر : 1 - القصص العربية بشقيها الخيالية والواقعية ؛ ومدى موافقتها للمفاهيم الشرعية والتصورات العلمية المحققة . 2 - السجع ؛ ومنه ما يسمى سجع الكهان ؛ و علاقتها بالمقامات فيما بعد ؛ وأحكام هذا النوع . 3 - الرسائل والمكاتبات على نذرتها ؛ وأحكامها وأنواعها . 4 - الأمثال العربية وإطلاقاتها وأحكامها . ثم قلتَ أخي الضرغام : و خطباؤهم يعدون على الأصابع, مع تميّزهم بالبلاغة و بلوغ الذروة في حسن التعبير بالسهل الموصل للمعنى المراد من غير تكلف , كيف لا و اللغة لغتهم و أشير هنا إلى خطأ من زعم أن شعراء الجاهلية أو خطباءهم لم يكونوا متمرسين في البلاغة و الخيال مفضلاً الشعراء المولدين عليهم في جانب الوصف , و هذا الكلام باطل كلّه , و يكفي في بطلانه أنّ القرآن العظيم المعجز لغة و معنى نزل فيهم –أعني في الجاهليين - و لو كانوا ضعفاء لم يكن لتحدي القرآن لهم معنى , بل يكون ذلك من قبيل التّسلط على الضعيف مع العلم بضعفه , و حاشا لكتاب الله أن يكون كذلك , بل هو القرآن المعجز للقوم الذين أعجزوا من بعدهم لغة و بلاغة و وصفاً و تخييلاً , و أقول جازماً لم يأت بعد عصر الجاهليين و المخضرمين ([2])من يدانيهم أو يقاربهم , بل إني أقول كيف يكون المتلوث بالحضارة و القصور , و المدنِيَةِ الجوفاء أحسن تخييلاً و بلاغة ممن سكن البادية و الصحراء , وصاحَبَ الشمسَ و القمرَ ؟؟. أقول : فقد سبق ان نقلت كلاما في هذه الحيثية عند مناقشة مسألة الاستدلال بالحديث في اللغة العربية على الرابط التالي : http://www.salafi-poetry.net/vb/showthread.php?t=3138 وهاهي مقتطفات منه على حسب المراد والمناسبة : (( و أما بالنسبة للشواهد فقد ذكر البغدادي رحمه الله في خزانة الأدب التفصيل فيها، و من ذلك أن القرآن بالاتفاق حجة في تقرير قواعد النحو، و السنة فيها خلاف و الراجح حجيتها ببعض الشروط ذكرها أهل العلم، و من الشروط و الله أعلم ألاّ يكون الحديث مرويا بالمعنى، و إن روي بالمعنى فهو حجة بشرط ألاّ يكون راويه خارجا عن عصر الاستشهاد حيث اختلطت الألسن و شابها العجم، و يستثنى من بقي على سليقته عالما بما تحيله الألفاظ من معان على ما كان عليه العرب قبل اختلاط الألسن و عجمتها و شوبها بطنطنة الأعاجم و ذلك أن العلماء ما جمعوا اللغة العربية (أشعار العرب و نشرها) إلا في نهايات عصور الاستشهاد أو بعد انقراض غالب أهلها. فلو طبقنا ما يقوله بعض من ادعى أن السنة لا يستشهد بها لاحتمال روايتها بالمعنى من طبقة متأخرة لعمّ ذلك لغة العرب بأجمعها، و دفعا لهذا كله قرر الفحول من المحققين أن هذا الأمر (أمر الاستشهاد بالحديث) نسبي و ذلك أن من العرب من حافظوا على سليقتهم و لغتهم السامقة(1) لعدم اختلاطهم بالأعاجم و بعدهم عن المدنية الطارئة على بلاد المسلمين لمحافظتهم على ما كان عليه العرب من أمية لا تعرف قراءة و لا كتابة و هي من أبرز الأسباب في اختلاط اللسان العربي بغيره من الألسن، و أيضا ترد هذه الفرية بأن الله عز و جل حفظ كتابه بأن أوكل ذلك لنفسه، و من حفظه كما هو معلوم حفظ أسبابه، و هل اللغة العربية متمثلة في أشعار العرب و نثرها الا سبب في حفظ هذا الكتاب و تيسير فهمه و إعرابه و مثلها السنة النبوية. و قد تشبث بهذا الادعاء بعض المتهوكين من المستشرقين و أذنابهم من الحداثيين و دعاة التجديد الموهوم (الحداثية)، كأمثال مرجليوث و طه حسين و محمد عوامة و الترابي و طه جابر علواني... و غيرهم كثير ( لا كثرهم الله)، فبثوا شبهة ألبسوها رداء الجِدة و لكنها أثيرت قديما كما أسلفنا، فادعوْ ما سبق ذكره في الشعر العربي و مثله في السنة و غيرها من علوم الإسلام، و قد رد عليهم العلماء بما ذكرنا (و هو كاف)، و غيرها من الأوجه التي يغني بعضها عن بعض، و ذلك أن القوم لما عجزوا عن الطعن في كتاب الله ذهبوا إلى أسبابه فأرادوا تقويضها(2) ببعض الألفاظ المزوقة و العبارات المنمقة وجمع شتات الشبهات المحذلقة(3) من هنا و هناك عسى و لعل أن تنطلي أو يغتر بها السوقة ممن ليس لهم في العير و لا لهم في النفير. ------------------------------------------------------------------- (1): الخالصة (2): في حديث الاعتكاف [ فأمَر ببنائِه فَقُوِّضَ ] أي قُلِع وأُزِيلَ . وأراد بالبِناء الخِباءَ (3): التي تُوهم بأنها حق و هي غير ذلك --------------------------------------------------------------------------- -------------------------------------------------------------------------------------------- و مثل صنيعهم هذا صنيع الروافض، فلما عجزوا -و هم ذنب اليهود- عن الطعن في رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم، ذهبوا إلى أصحابه و بوابتهم معاوية و عثمان رضي الله عنهما، فإذا انفتح الباب كان وليجة لهم في الطعن في رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم بل في الدين بأكمله و في ذروته القرآن الكريم، نعم... أوليسوا هم الصحابة حملة هذا الدين و المبلغون عن رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم و الموقعون عن رب العالمين. و سنتطرق في المرة القادمة إلى باقي مراتب الاستشهاد، و كذلك نتطرق إن شاء الله إلى سبل جمع القواعد (الجمع و الاستقراء) من مواطن القطر و شغاف الجبال و أطراف البوادي حيث لازالت السليقة سليمة لم تكدرها شوائب العجمة. انتهى بنا المطاف في المرة السابقة إلى ذكر الراجح في حكم الاستشهاد بالسنة النبوية على القواعد النحوية تقريرا وتحريرا (و التقرير هو استنباط القاعدة أو أصل القاعدة من الحديث، و التحرير هو تمشية فروع القاعدة على ما يوافق الحديث و يتماشى مع أصل القاعدة جنبا إلى جنب .. (( المرتبة الثالثة: الأشعار و أما المرتبة الثالثة من مراتب الاستشهاد فتمثلت في الشعر العربي و كذلك النثر العربي، هذا الأخير لا يذكر غالبا عند ذكر شواهد النحو لغلبة الشعر عليه في روايات العرب و حفظها لكلامها، و ذلك ليسر حفظه و عُلوقه في الدهن دون تكلف أو مجاهدة، و إن كان النثر لا يستهان بالكم الذي وصلَنا منه من أشعار الجاهليين و من بعده ممن يستشهد بكلامهم كخطب قس بن ساعدة و صحابة رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم الكبار كأبي بكر وعمر عثمان و علي رضي الله عنهم و الحسن البصري و غيرهم من بلغاء العرب، و لكن إذا ما قايسنا ما وصلَنا من نثر مع ما وصلَنا من شعر، كان كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود، و بعرض الشعر على النثر يُعلم ناذر الكلام و مشهوره و ما وافق القياس و المسموع من كلام العرب وما خالفه لضرورة الشعر و لوازمه، و ذلك أن الشعر يجوز فيه ما لا يجوز في النثر و هو من كلام العرب المنقول إلينا، فبذلك يجوز لنا ما جاز لهم في شعرهم و ما جاز لهم في نثرهم. و لنتحدث الآن عن المرتبة الثالثة من مراتب الاستشهاد و هو كلام العرب من غير كلام المعصوم، و نركز على ذكر أقسام الشعر و النثر داخل فيها ضمنا لِما أسلفنا من مسألة التغليب. و أول أقسام الشعر: الشعر الجاهلي، و هو حجة باتفاق أهل الفن و لا التفات لمن طعن في عمومه لأنه معصوم باجتماعه و لا ننفي اللحن عن بعض أفراده و الذي قد يكون وجه في لغة العرب و بطونها، و هذا الذي نجد العلماء قد بحثوه و وجهوه و لله الحمد و المنة، فلم يتركوا شاردة و لا واردة إلا أوضحوها، فقطعوا السبيل على المشوشين المتهوكين المتتبعين لشواذ العبارات و التراكيب و ما نذر من الألفاظ و الأساليب و بنوْ في زعمهم بناء حكم عام يشمل جميع مناحي كلام العرب دون استقراء صحيح أو تتبع واضح صريح. و قد انقسم الناس في شأن الشعر الجاهلي و سلامته من اللحن أصنافا ثلاثة: - الصنف الأول: و هم أهل السنة و الجماعة (السلفيون)، ومذهبهم في الشعر الجاهلي هو ما أسلفنا ذكره. - الصنف الثاني: و يمثله المعتزلة (الضلال) و كل من أخذ بقولهم من غفلة المسلمين و مردة الشياطين من المستشرقين و أذنابهم، فادعوْ أن البلاغة في كلام العرب خاضرة و لا فرق بين الجاهلي منها و غيره، و أن القرآن لم يستمد قوته و بلاغته إلا لمّا صرف الله وجوه العرب و ألسنتهم عن محاكاة نظْمه و أساليبه حين كان ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم، فبذلك فبانقطاع زمن الوحي بوفاة الرسول و عصر التحدي قد يوجد من يحاكي في نظْمه و أسلوبه القرآن الكريم لغياب السبب المانع من حصول ذلك أفوله مع تحقيق المراد. و هذا الكلام، النظر اليسير فيه يبين بطلانه، كيف و قد قال الله تعالى: { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } [سورة النساء: الآية 82]. - الصنف الثالث: و هم الأشاعرة و من سار على ركبهم ممن اغتر ببهرجتهم(1) من بني الإسلام و من تبوأ مقعدها و تولوْ كِبرها من المستشرقين المحرفين و أذنابهم المخرفين من بني جلدتنا ممن يزعمون أنهم ينافحون عن الإسلام و هم معاول هدم لا بناء، استنفرهم شيطان الغرب من أعداء الإسلام لحرب الإسلام و أهله و الكيد لهم في لغة دينهم و كتابهم و سنة نبيهم صلى الله عليه و على آله و سلم، ومذهبهم (زعموا) جاء ردا على مسألة الصِرْفَة عند المعتزلة و كانت زلة الفاضل الباقِلاّني في تقويضه لادعاءات القاضي و أصحابه من أساطين المعتزلة حول مسألة الصِرْفَة، فعقد فصلا فكك فيه قصيدة من أبلغ قصائد العرب، هي قصيدة امرؤ القيس، إحدى المعلقات السبع الشهيرات و التي مطلعها (قفا نبكي لذكرى حبيب و موئل)، فبين بزعمه عوَّارها و أوقف على أوهام الشاعر في معانيه و الركاكة في بناء ألفاظه و سجامة(2) الترابط بين عباراته و أساليبه، ثم جعل ذلك منطلقا للطعن في كل كلام العرب و أن الضعف ملازم له فوقع بذلك في شبيه ما حصل مع المعتزلة و ذلك أن كلامه فتح مدخلا للطعن في عصمة كلام العرب بمجموعه، فيكون في رتبة لا تخوِّله أن يرتقي إلى مصّاف التحدي. ----------------------------------------------------------- (1): قيل: البهرجة أن تعدل بالشيء عن الجادة القاصدة إلى غيرها. ---------------------------------------------------------------------------------- --------------------------------------------------------------------------------- و كما هو معلوم أن الضعيف لا عبرة بعجزه عن مجابهة من هو أقوى منه، و معنى ذلك أن الأقوى ليست له مَزية على من هو أضعف منه إلا كعرض ضعيف على أضعف، فكان هذا الكلام مدخلا لشر وبيل و هو أن القرآن ليس له قوة مستمدة من داخله، بل هي قوة مستمدة من الخارج و التي يعبر عنها بالقوة النسبية و التي تخالف الكمال المطلق و القوة المطلقة، و هذا الذي ترده أصول الإسلام و نصوص الوحيين المحكمة كقوله تعالى: { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت:42]. و بهذا تبين لنا و تجلى بوضوح أصل عظيم وهو أن أهل السنة لا يغترون بردود أهل الباطل على بعضهم البعض، و ذلك لقلة السلامة في أساليب الاحتجاج لديهم لاعتمادهم الغالب أو الكلي على العقل الخالص (كما يزعمون)، و الحقيقة أن اعتمادهم هو على كلام الفلاسفة الملاحدة أصول المَناطِقة الزنادقة من سفهوا أنفسهم و انتكبوا عن طريق الهدى و سبل الوحي إلى مدلهمّات(1) الشعب، اذ العقل الصريح الخالص من أدران الشك و الجهل الملازمة للشبهة و الشهوة ليس له إلا موافقة النصوص الصحيحة كما هو معلوم مشاهد. و مما سبق نعلم وسطية أهل السنة في تقرير مسائل الدين من معتقد و أحكام و أخلاق، فهم لا يعتقدون العصمة لأفراد العرب المستشهد بكلامهم بل يعتقدون العصمة لعمومهم في الجملة، فقد يهمون في صياغة بعض التراكيب في الدلالة على بعض المعاني، و من أذناب الأشاعرة في هذه المسألة: مرجليوث المستشرق النصراني و طه حسين المتهوِّك و سفلة من اغتر بفهمه و أشاد باختلاقه و تمويهه، و قد جعل عصارة نتنه و زبالة فكره في كتاب سمّاه (محاضرات في الشعر الجاهلي)، و قد صدى لتخريفه و بان عن جهله و فادح تخرسه أئمة أفداد و على رأسهم الإمام العلامة محمد الخضر حسين في كتابه العَلََم (نقضُ كتابٍ في الشعر الجاهلي). القسم الثاني: شعر المخضرمين و نثرهم، و نقول فيه ما قلنا في الشعر الجاهلي. القسم الثالث: شعر الاسلامين، و الراجح فيه الاستشهاد بغالبه مع عدم الاستشهاد ببعضه و الذي نبه العلماء على عُجمة قائله أو تلبُّسِه باللحن بسبب الاختلاط بالأعاجم و ما شاب اللسان العربي آنذاك من طنطنة(2) الفرنجة(3) الطماطم(4). -------------------------------------------------------------------------------------------------- (1): يقال ليلة مدلهمة مظلمة وفلاة مدلهمة لا أعلام فيها (2): كثرة الكلام (3): الكفار من أهل الكتاب والمشركين (4): رجلٌ طِمْطِمٌ بالكسر، أي في لسانه عُجمة لا يفصح. ومنه قول الشاعر: حَزِقٌ يمانيةٌ لأعْجَمَ طِمْطِمِ ----------------------------------------------------------------------------------- -------------------------------------------------------------------------------------------- القسم الرابع: شعر المولَّدين، و الراجح الصحيح في شأنه أن غالبه ليس بحجة إلا نذر منه و الناذر لا حكم له، فالشاذ يحفظ و لا يقاس عليه، فلا يعمم و لا يؤخذ مطية للاستشهاد بغيره من شعر المولدين. و الذي نخلص إليه أن ما سبق تفصيله أغلبه يرجع إلى أمور نسبية، و لا أدل على ذلك أن نجد بعد انقراض عصر الاستشهاد أو قريبا من انقراض آخر الأقسام (قسم المولدين) أمثال الشافعي المطَّلبي الهاشمي القرشي، و الذي عُدَّ كلامه في كتبه حجة في لسان العرب و أنه مما يستشهد به في تقرير قواعد اللغة العربية بما يقرب من الاتفاق بين أهل الشأن على هذا الأمر، و مثله الإمام الطبري(1) و الذي اتفق العلماء على أن تفسيره خِلْوٌ عن اللحن في اللغة العربية، وكما هو معلوم أن الطبري متوفى في مطلع القرن الرابع الهجري، ونفس الحال مع غيرهما من بلغاء العرب. و تحديد الحقبة التي يمتد فيها شعر المولدين هو إلى أيام الناس هذه و إلى أن يشاء الله من وجود البلغاء ممن لم تفسد فطرهم محافظين على سليقتهم العربية، و إن كان تقرير القواعد قد انتهى مع مطلع القرن الرابع فيكون بذلك ما نذر من كلام البلغاء في القرن الثالث و ما بعده مما يؤنس به و تحرر به القواعد و توجه على ضوئه بعض الشواهد دون أن يرتقي إلى رتبة الاستشهاد به و جعله حاكما على غيره. و فوق كل هذا كلام الله و كلام رسوله صلى الله عليه و على آله و سلم خير شاهد و أعدل حكم، و قد أسلفنا بيان هذا الأصل العظيم فليُراجع. )) . يتبع بإذن الله .... التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله بلال يونسي ; 04-01-2011 الساعة 09:04 AM. |
#5
|
|||
|
|||
و قال أخونا العكرمي الشاعر :
و لا ضير أن يكون معهم غيرهم , و كيف لا يحتلون تلك المرتبة و قد أجمعت العرب على قوة شعرهم و فحولتهم , و إلا فما فائدة كونهم من أصحاب المعلقات ؟؟!! . وجوابا عليه قال أخوه أبو عبد الله بلال يونسي : فما ضابط الفحولة عند نقاد الشعر ؛ وما علاقة معناها اللغوي بالمعنى الاصطلاحي ؛ و ما طرق تقسيم كل ناقد لطبقاته ؛ وما مدى نجاعة كل تقسيم وأيها أقرب للدلالة على المراد المطلوب في جودة الشعر ؛ وهذا كمقدمة لوضع الضابط الصحيح الموزون بميزان الشرع في الوصول إلى ميزات الشعر والشاعر الذان ينبغي تقديمهما ومن ثمة الحكم على صاحب الشعر بالفحولة من عدمه ... وقبل أن أختم ؛ وفي النية رجوع إلى الموضوع بإذن الله ؛ أذكر مجملا لما يظن ميزانا للفحولة : 1 - أن يبز أقرانه بالهجاء .. 2 - أن يبز أقرانه بالمعارضة ؛ وقيل أن لها تعلقا بوقعة كانت بين امريء القيس وعلقمة الفحل حيث عارض امرؤ القيس علقمة فبزه علقمة ؛ فلما تحاكما إلى زوج امريء القيس انتصرت لعلقمة عليه ؛ فطلقها لما علم أنها غلبت على علقمة لا على شعره - أي كما ادعى امريء القيس - فتزوجها علقمة ؛ فسمي من حينها فحلا ؛ أي فات بفحولته أن بز امريء عن زوجه ؛ ثم سارت في كل من بز بالمعارضة ولو لم يأخذ زوجة أو مالا . وعلقمة هذا قد سبق لي معه جولة ؛ وذلك حين دللت على أن شعر مالك بن الريب حجة في اللغة على الرابط التالي : http://www.salafi-poetry.net/vb/showthread.php?t=80 وأنقل هنا ما جاء هناك تثرية للموضوع وتنفيسا وتثمينا : ( خامسا: هل يصلح شعره في الشواهد - أي شعر مالك بن الريب - رحمه الله ؟؟ الجواب : ظاهر من سياق ما فات من قصة مالك بن الريب .. ومعنى ذلك أنه إسلامي ؛ وممن تحفظ أشعارهم ؛ ويستشهد بها على الغريب والنحو .. وزد على ذلك أن كثيرا من علماء اللغة استشهدوا بشعره وخرجوا له في كتبهم النحوية واللغوية ؛ وعلى رأسهم إمام النحو سيبويه في الكتاب ؛ وذلك تحت : " هذا باب ( أو ) " : حين قال : ( تقول أيهم تضرب أو تقتل ؛ تعمل أحدهما ؛ ومن يأتيك أو يحدثك أو يكرمك ؛ لا يكون ههنا إلا : أو ؛ من قبل أنك إنما تستفهم عن الاسم المفعول وإنما حاجتك إلى صاحبك أن يقول : فلانٌ ؛ وعلى هذا الحد يجري : ما ومتى وكيف وكم وأين ؛ وتقول : هل عندك شعيرٌ أو برٌ أو تمرٌ وهل تأتينا أو تحدثنا ؛ لا يكون إلا ذلك ؛ وذاك أن هل ليست بمنزلة ألف الاستفهام ؛ لأنك إذا قلت هل تضرب زيداً فلا يكون أن تدعي أن الضرب واقعٌ ؛ وقد تقول أتضرب زيداً وأنت تدعي أن الضرب واقعٌ ؛ ومما يدلك على أن ألف الاستفهام ليست بمنزلة هل ؛ أنك تقول للرجل أطرباً ؟ وأنت تعلم أنه قد طرب ؛ لتوبخه وتقرره ؛ ولا تقول هذا بعد هل ؛ وإن شئت قلت: هل تأتيني أم تحدثني ؛ وهل عندك برٌ أو شعيرٌ ؛ على كلامين و؛ كذلك سائر حروف الاستفهام التي ذكرنا ؛ وعلى هذا قالوا هل تأتينا أم هل تحدثنا : قال زفر بن الحارث : ( أبا مالِكٍ هل لُمَتْنَي مذ حَضَضتَني *** على القتل أم هل لامني لك لائمُ ) وكذلك سمعناه من العرب ؛ فأما الذين قالوا : أم هل لامني لك لائم ؛ فإنما قالوه على أنه أدركه الظن بعد ما مضى صدر حديثه ؛ وأما الذين قالوا: أو هل ؛ فإنهم جعلوه كلاماً واحداً ؛ وتقول ما أدري هل تأتينا أو تحدثنا وليت شعري هل تأتينا أو تحدثنا ؛ فهل ههنا بمنزلتها في الاستفهام إذا قلت: هل تأتينا ؛ وإنما أدخلت هل ههنا لأنك إنما تقول : أعلمني كما أردت ذلك حين قلت : هل تأتينا أو تحدثنا ؛ فجرى هذا مجرى قوله عز وجل : "هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون " وقال زهير : ( ألا لَيْتَ شِعْري هل يَرى الناسُ ما أرَى *** من الأمرِ أو يَبْدُو لهم ما بداليا) وقال مالك بن الريب: ( ألا لَيْتَ شَعْري هل تغَيَّرِت الرَّحَا *** رَحَا الحَزْنِ أو أضْحَتْ بفَلْجٍ كما هِيَا ) فهذا سمعناه ممن ينشده من بني عمه ؛ وقال أناسٌ أم أضحت ؛ على كلامين كما قال علقمة بن عبدة: (هل ما علمتَ وما استُودِعْتَ مَكْتومُ *** أم حَبْلُها إذ نَأَتْك اليومَ مصْرومُ) ( أم هل كبيرٌ بَكى لم يَقْضِ عَبْرتَه *** إثْرَ الأَحِبْةِ يومَ البَينِ مَشْكومُ ) والشاهد مما نقلته عن الكتاب أن سيبويه-رحمه الله – حشر مالكا بين فحلين هما زهير وعلقمة بن عبدة الذي قال فيه ابن حجر ونقله عنه صاحب الخزانة – والنقل عن ابن حجر متعمد وذلك لإثراء الموضوع وتثقيف القاريء أكثر ؛ فتارة نذكر كتب الأدب ؛ وتارة نخرج إلى كتب التاريخ والرجال والحديث ؛ وهكذا ؛ وليس عجزا عن الإتيان بترجمة علقمة من كتب الفحولة وغيرها من كتب الاختصاص - : ((وقد أورد ابن حجر في الإصابة ابنه في المخضرمين فيمن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره قال : علي بن علقمة بن عبدة التميمي ولد علقمة : الشاعر المشهور الذي يعرف بعلقمة الفحل وكان من شعراء الجاهلية من أقران امرئ القيس ... ) . 3 - أن يخوض في فنون عدة ولا يقتصر على فن واحد و من أدنى هذي الفنون الرثاء أو التشبيب بالنساء ؛ وقد مثلوا في الباب بذي الرمة ومن على شاكلته ورتبته ؛ ومن ذلك ما رواه المرزباني في موشحه أن : ( ذا الرمة وقف ينشد قصيدته التي يقول فيها: إذا ارفضّ أطراف السياط وهللت *** جروم المطايا عذبتهن صيدح فاجتمع الناس يسمعون، وذلك بالمربد، فمر الفرزدق فوقف يستمع، وذو الرمة ينظر إليه حتى فرغ، فقال: كيف تسمع يا أبا فراس؟ قال: ما أحسن ما قلت! قال: فما لي لا أعد مع الفحول؟ قال: قصّر بك عن ذاك بكاؤك في الدمن، ونعتك أبوال العظاء والبقر، وإيثارك وصف ناقتك وديمومتك ) . وقد نقل أيضا : ( كان ذو الرمة صاحب تشبيب بالنساء، وأوصاف، وبكاء على الديار، فإذا صار إلى المدح والهجاء أكدى ولم يصنع شيئاً ) وقد نقل المعتزلي رأس الضلالة عمرو بن بحر في بيانه مراتب الشعراء عند العارفين بالفن : ( الشعراء عندهم أربع طبقات، فأولهم الفحل الخنذيذ، والخنذيذ هو التام.. ودون الفحل الخنذيذ الشاعر المفلق، ودون ذلك الشاعر فقط، والرابع الشعرور ). 4 - أن تتو فر فيه أربعة شروط حاصلها : - الإكثار من الشعر حتى تصل قصائده غلى حد معين . - الجودة في الشعر مع المعرفة بالدلالات اللفظية والمعاني . - أن يعرف بالشعر لا يشتغل بسواه ؛ وهذا ما دفع الشافعي أن يقول فيما نسب إليه -والله أعلم بصحته- : ولولا الشعر بالعلماء يزري *** لكنت اليوم أشعر من لبيد أي مخافة أن يعرف بالشعر أكثر من العلم ؛ وفيه لطائف قد كنت تذاكرت حولها مع شيخنا أبي رواحة لعل الله ييسر تنزيلها على هذا المتصفح بإذن الله . - أن يكون جاهليا ؛ وقد اشتهر بهذا القيد الأصمعي -رحمه الله- ؛ وخالفه من جاء بعده ؛ وممن خالفه ابن قتيبة والذي بنى جانبا كبيرا من كتابه الشعر والشعراء على الانتصار للمتأخر من الشعراء وأن من المتأخرينن ما بزت أشعاره أشعار المتقدمين . و أختم هذه اللفتات بما عساه مؤيد لما نحن بصدده من نصرةللأدب السلفي إن شاء الله ؛ وهو قول الأصمعي لما سئل عن شعر شماخ فنعته بالفحولة ؛ فسئل عن أخيه مزرد فقال فيه : (ليس بدون الشماخ، ولكنه أفسد شعره بما يهجو الناس ) ؛ فراقب حكم الأصمعي السلفي وتسليطه النقد على الجانب الأخلاقي الأدبي تعلم مصداق ما نوهت إليه من إعادة النظر في غالب من يسمونهم فحولا ..؟؟ ثم هل كلام الأصمعي هنا يعم الجاهلي وغير الجاهلي من الإسلاميين ؛ أم هو فقط في حق طائفة دون أخرى ؛ وذلك أن قدامة بن جعفر في كتابه ( نقد الشعر ) فرق بين الجاهلي وأن شعره يؤخذ رغم فحشه ولا يضر في فحولته ؛ ... وقد سبق أن عملت تعليقة على كلام قدامة ؛ ولم تسنح فرصة لبثه هنا ؛ ولعل الله ييسر ذلك بعونه ومنه وفضله وتوفيقه جل وعلا .. يتبع بإذن الله ... التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله بلال يونسي ; 04-01-2011 الساعة 10:14 AM. |
#6
|
|||
|
|||
بارك الله فيك أخانا العكرمي وجزاك خيرا على هذا الموضوع,وجعله في ميزان حسناتك.
وشكر الله لأخينا الأديب بلال إثراءه للموضوع,ولما كان مرهف الحس ,جاءت مشاركاته طويلة,لأنه يتجاوب مع المواضيع تجاوبا عميقا,فيأتي بدرر وغرر,لايتسنى لي ولأمثالي الإطلاع عليها كلها لطولها,وهذا لكثرة مشاغلنا ولهذا فأني قد أرشده إلى اختصار مشاركاته,أو تقسيمها على حليقات حتي تقرأ وإنني بصراحة أحب قراءتها فلما أرى طولها أحجم ولعل شيخنا أبا رواحة مثلي في هذا الأمر لكثرة أشغاله.وفق الله أخانا بلال لما يحبه ويرضاه |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
.: عدد زوار المنتدى:.