|
كاتب الموضوع | ابنة السّلف | مشاركات | 3 | المشاهدات | 3265 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
تفريغ خُطبة جمعة: (الانتِبَاهُ إلى معيَّةِ اللهِ) لفضيلة الشّيخ الحجوريّ حفظه الله
تفريغ خُطبة جمعةٍ مهمّةٍ لكلّ مسلمٍ في كلّ زمانٍ ومكانٍ """"""""""""""" بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصّلاةُ والسّلامُ على أشرفِ الأنبياءِِ والمرسلينَ؛ أمّا بعدُ: تسجيلاتُ (دارِ الحديثِ السّلفيّةِ) بدَمَّاج؛ يسرُّهَا أن تقدّمَ لكمْ هذِهِ المادّةَ: الاِنتِبَاهُ لِعِظَمِ مَعِيَّةِ اللهِ وهي عبارةٌ عن خُطبةِ جمعةٍ؛ لفضيلةِ شيخِنَا المحدّثِ النّاصحِ الأمينِ: أبي عبدِ الرّحمنِ يَحيَى بنِ عليٍّ الحَجوريِّ ـ حفظهُ اللهُ تعالى ـ سُجّلتْ هذه المادّة في الخامسِ من شهرِ جمادى الأولى؛ لعامِ: ألفٍ وأربعمئةٍ واثنينِ وثلاثينَ من الهجرةِ (5/5/1432هـ) نسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ ينفعَ بها الإسلامَ والمسلمينَ. والآن معَ المادّةِ المذكورةِ: """""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" """""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""" الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وحَدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران/102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النّساء/1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب/70ـ71] أمّا بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كلامُ اللهِ، وخيرَ الهُدَى هُدَى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلِهِ وسلّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ؛ وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النّارِ. أيُّهَا النّاسُ! يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام/59] ومفاتحُ الغيبِ المذكورةِ في هذِهِ الآيةِ هي أوائلُ الغيبِ؛ لا يعلمُهَا إلاّ هُوَ! سواءٌ في ذلكَ: علمُ السّاعةِ، أو غيرُ ذلكَ منَ المفاتِحِ والأوائِلِ. واللهُ عزَّ وجلَّ لا يخفَى عليْهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السّماءِ، {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا} سواءٌ كانتْ هذِهِ الورقةُ منْ أوراقِ الشّجرِ، أو هذِهِ الورقةُ من أوراقِ الزّروعِ، أو على أيِّ حالٍ؛ هذِهِ الورقةُ الّتي تسقطُ يعلمُها اللهُ {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}! {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران/5] وهذا يجعلُكَ أيُّها المؤمنُ مطمئنًّا جدًّا! أنَّ ما كانَ وما يكونُ كلُّهُ بعلمِ اللهِ عزَّ وجلَّ، واللهُ عزَّ وجلَّ لَهُ الحكمةُ البالغةُ، والحجّةُ الدّامغةُ! ويفيدُ هذَا - أيضًا - أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ بكلِّ شيءٍ عليمٌ، وأنَّهُ معَ العباِد بعلمِهِ؛ قالََ اللهُ عزَّ وجلَّ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد/3] وفي الصّحيحِ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال: (اللهمَّ إنّكَ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيءٌ) [1] {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد/3] {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} [الحديد/4] كلُّ ما يلجُ في الأرضِ؛ من صغيرٍ أو كبيرٍ، أو دقيقٍ أو جليلٍ؛ يعلمُهُ {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من نباتٍ أو مياهٍ أو غيرِ ذلكَ {وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد/4] فلا يستطيعُ الإنسانُ أنْ يفرَّ مِنْ علمِ اللهِ سبحانَهُ وتعالَى ومعيّتِهِ أينمَا كانَ! {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد/19] ولهذا فإنَّ اللهَ سبحانَهُ {لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران/5 ـ 6] {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك/14] هذِهِ معيّةُ اللهِ؛ فوجبَ على المسلمِ أنْ يستحضرَ ذلكَ في كلِّ شؤونِهِ أنَّ اللهَ معَهُ؛ فإذا أرادَ أنْ يعصيَ اللهَ يعلمُ أنَّ اللهَ معَهُ، وإذا أنابَهُ خطْبٌ يعلمُ أنَّ اللهَ معَهُ. • • • والمعيّةُ الخاصّةُ للمؤمنينَ هيَ الّتي في مثلِ قولِ اللهِ سبحانَهُ وتعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى}{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}{قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى}{قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه/43_44_45_46] (لَا تَخَافَا)؛ فمنْ كانَ اللهُ عزَّ وجلَّ معه؛ لا يخافُ! اللهُ قالَ لنبيَّيْهِ: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه/46] فاللهُ يسمعُ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة/1] قالتْ عائشةُ: (سبحانَ منْ وسعَ سمعُهُ كلَّ شيءٍ! واللهِ إنّي لفي الحجرةِ وما سمعتُ محاورتَهَا للنبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ، وسَمعَهُاللهُ من فوقِ سبعِ سمواتٍ)! [2]؛ فتأمّلْ مثلَ هذِهِ الأدلّةِ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}! يفيدُكَ ذلكَ قوةَ إيمانٍ، يفيدُكَ ذلكَ قوةَ توكّلٍ، يفيدُكَ ذلكَ ثقةً وإقبالاً علَى اللهِ سبحانَهُ وتعالَى! معيّةُ اللهِ الخاصّةُ هيَ في مثلِ قولِ اللهُ عزَّ وجلَّ: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة/40]؛ ومعنَى ذلكَ أنَّ منْ كانَ اللهُ عزَّ وجلَّ معَهُ؛ لا يحزنُ؛ لا يحزنُ! معيّةُ اللهِ عزَّ وجلَّ الخاصّةُ؛ في مثلِ قولِ اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران/139] ما دمتمْ مؤمنينَ فاللهُ معكمْ وأنتمُ الأعلونَ! وفي الآيةِ الأخرَى في سورةِ محمّدٍ:{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمّد/35] فما دامَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى معكَ أيّها المسلمُ؛ فهذَا أعظمُ ما تحترزُ بِهِ منْ أعدائِكِ، ومن سائِرِ الشّرورِ. • • • وما دامَ الأمرُ كذلكَ؛ فإنّنا نلاحظُ الآنَ حرصَ النّاسِ الشّديدِ على: معيّةِ النّاسِ مع الناسِ! حرصٌ شديدٌ على مستوَى التّهالكِ والاستقطابِ والمحاولةِ: فلانٌ معنَا وفلانٌ ليسَ معَ كذا! فلانٌ معنا وليسَ مع الجهةِ الفلانيةِ! مع تغافلٍ شديدٍ عن أهمّ المعيّةِ؛ وهيَ: معيّةُ اللهِ سبحانَهُ وتعالَى! فيه تغافلٌ من جوانبَ شتَّى: حرصٌ على معيّةِ النّاسِ معَ النّاسِ؛ بعضُ النّاسِ معَ بعضِ النّاسِ! وتغافلٌ عنْ معيّةِ اللهِ سبحانَه وتعالَى! وتأمّلْ حديثَ ابنِ عباسٍ الثّابتِ عند التّرمذيّ وغيره؛ في فضلِ معيّةِ اللهِ عزَّ وجلَّ: أنَّ النبيَّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ قالَ: (يَا غُلامُ احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ؛ احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ؛ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمّةَ لَوْ اجْتَمَعَوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ لَنْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَإنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ؛ رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ)[3] هذِهِ هيَ المعيّةُ الحقيقيّةُ؛ احرصْ عليهَا؛ أنَّ اللهَ إنْ كانَ معكَ مهما كَثُرَ العددُ من النّاسِ؛ بلِ الأمّةُ كلُّها لوِ اجتمعتْ ما تضرُّكَ، وإنْ لم يكنِ اللهُ عزَّ وجلَّ معكَ لوِ اجتمعِ الأمةُ كلُّها على أنْ ينفعوكَ ما ينفعونَكَ! الأمّةُ خلقٌ من خلقِ اللهِ يسيّرُهَا كيفَ يشاءُ سبحانَهُ وتعالَى. {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[يونس/22] يأخذُ بنواصيهَا؛ {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[هود/56] هذا الّذي جعلَ النّاسَ يتعجّبونَ، في سائرِ البلدانِ؛ وهوَ: المسابقةُ إلى معيّةِ بعضِ النّاسِ معَ بعضِ النّاسِ! والتّغافلِ عن معيّةِ اللهِ عزَّ وجلَّ المتحصِّلةِ؛ المتحصِّلةِ بتقوَى اللهِ؛ فمنْ حقّقَ تقَوى اللهِ اكتسبَ أعظمَ معيّةٍ على وجهِ البريِّةِ، وفي الدّنيا وفي الآخرةِ! كما يقولُ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا} هذا تأكيد، يعني: تأكّدْ واعلمْ! هذِهِ عقيدةٌ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَْ}[البقرة/194] هذا شّيءٌ محقّقٌ؛ فإن كنتَ لا تبغي، وتلازمُ تقوَى اللهِ؛ اعلمْ أنَّ اللهَ معكَ، وأنَّ اللهَ مؤيّدُكَ وناصرُكَ! قالَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[التوبة/36] • • • فمعيّةُ اللهِ أعظمُ معيّةٍ؛ تُتَحصَّلُ بتقوَى اللهِ سبحانَهُ وتعالَى في السّرِّ والعلنِ؛ حيثُ تَجعلُ بينكَ وبينَ اللهِ وقايةً من عذابِهِ؛ فتلازمُ طاعتَهُ؛ معيّةُ اللهِ؛ هذِهِ المعيّةُ العظيمةُ تُتَحصَّلُ: بالصّبرِ والصّلاةِ، والاستعانةِ باللهِ، وبطاعتِهِ على طاعتِهِ. قالَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة/153] فاستعنْ بالصّبرِ، واستعنْ بالصّلاةِ، وبالعبادةِ، وبطاعةِ اللهِ على طاعةِ اللهِ، وجانبْ أنّكَ تُعانُ؛ هذا ليسَ إليكَ! اللهُ قالَ لنبيَّيْهِ أمامَ فرعونَ وجبروتَ فرعونَ: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}[طه/46] ونبيُّ اللهِ يقولُ: لا تخفْ إنّ اللهَ معَنَا. يا رسولَ اللهِ لو نظرَ أحدُهُم إلى قدميْهِ – والمشركونَ على الغارِ واقفونَ ينظرُ إليهم أبو بكرٍ- يا رسولَ اللهِ لو نظرَ أحدُهُم إلى قدميْهِ لأبصرَنَا! قالَ: لا تخفْ إنَّ اللهَ معَنَا[4] هذِهِ جانبُ المعيّةُ ليس إليكَ؛ أنتَ إليك جانبُ إحسان العملِ؛ فإنْ أنتَ أحسنتَ عملكَ فاللهُ يتولاّكَ بولايتِهِ ويكونُ معكَ! قالَ ربُّ العزّةِ سبحانَهُ وتعالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}[النحل/126] {وَاصْبِرْ} هكذا يقولُ لنبيِّهِ، واللهُ قادرٌ علَى أن ينصرَهُ في لمحةِ بصرٍ؛ ولكن سنّةُ اللهِ في خلقِهِ: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} أي بعونٍ منَ اللهِ سبحانَهُ وتعالَى؛ وهكذا من أجلِ اللهِ {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أيْ على المشركينَ، وعلى ما يحصلُ منهم من عداءٍ وفتنةٍ وشركٍ، وعبادةِ غيرِ الله؛ ولا تحزنْ عليهم؛ {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}[النحل/127] هذا المكرُ هوَ يعلمُهُ، ورسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يعلمُهُ، والصّحابةُ يعلمونَهُ؛ ويحصلُ للنبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الضّيقُ من ذلكَ المكرِ الشّركيِّ! واللهُ يقولُ: {وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النحل/127ـ128] أَحسِنْ عملَكَ، وأصلحْ فيما بينكَ وبينَ اللهِ؛ هذا الجانبُ إذا أصلحتَهُ - جانبُ معيّةِ اللهِ سبحانَهُ وتعالَى - هوَ الّذي يتولاّهَا {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد/35]. • • • روَى أحمدُ في مسندِهِ بسندٍ صحيحٍ أنَّ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ - من حديثِ أنسٍ- أنَّ النبيَّ صلّى الله عليهِ وسلَّمَ قالَ - فيما يروِي عن ربِّهِ عزَّ وجلَّ -: (قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي)[5] هذا الجانبُ من إحسانِ العملِ؛ جانبُ أنّكَ تدعو اللهَ، وتطيعُ اللهَ، واللهُ معكَ إذا أنتَ دعوتَهُ! والدّعاءُ - هنا - يشملُ: (دعاءَ المسألةِ ودعاءَ العبادةِ)؛ هذِهِ معيّةُ اللهِ (وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي)؛ فأكثِرْ من الدّعاءِ للهِ سبحانَهُ؛ تستفِدْ معيّةَ اللهِ! ولهذا كانَ الدّعاءُ عندَ أنبياءِ اللهِ، ورسلِِ اللهِ، وسائرِ المؤمنينَ؛ يُعتبرُ أعظمُ سلاحٍ. ذلكَ الحديثُ الّذي فيهِ: (الدّعاءُ سلاحُ المؤمنِ)؛ حديثٌ ضعيفٌ؛ ولكنْ عندَ أنْ تقارنَ الأدلّةَ تعلمُ أنّهُ ليسَ للمؤمنينَ تعلّقٌ إلاَّ بربِّ العالمينَ سبحانَهُ وتعالَى. الكثرةُ غيرُ مجديةٍ، وربَّ كثرةٍ تُعجِبُ صاحبَهَا؛ يهلكُ بها! فقد ثبتَ عندَ أحمدَ؛ صحَّ عندَ أحمدَ في مسندِهِ عن صهيبٍ رضيَ اللهُ عنهُ؛ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلّمَ كان إذا صلَّى همسَ بشفتيْهِ؛ فقالَ: (أفَطِنتُمْ لي؟) قالوا: نعمْ يا رسولَ اللهِ! قالَ: (ذكرتُ نبيًّا من الأنبياءِ؛ كانَ له قومُ كثيرٌ فقالَ: من يكافِئُ هؤلاءِ؟) أوْ: من يقاومُ هؤلاءِ؟ - وفي لفظٍ للحديثِ: (أعجبَهُ قومَهُ) أي: كثرةَ قومِهِ – (فقالَ اللهُ عزَّ وجلَّ لَهُ: اخترْ لقومِكَ إحدَى ثلاثٍ: إمَّا الموتُ، وإمَّا الجوعُ، وإمَّا أن يُسلَّطُ عليهم عدوٌّ من غيرِهِمْ)؛ فقامَ إلى صلاتِه - وكانَ إذا نابَهُمْ أمرٌ قامُوا إلى صلاتِهِمْ - فقالَ: (أمَّا الجوعُ فلا، وأمَّا أن يُسلَّطَ عليهمْ عدوٌّ من غيرِهِمْ فلا؛ ولكنِ الموتُ)! قالَ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: (فماتَ في ثلاثةِ أيّامٍ سبعونَ ألفًا! فهمسِيَ الّذي ترونَ أنّي أقولُ: اللهمَّ بكَ أصولُ، وبكَ أحاولُ، وبكَ أقاتلُ، لا حولَ ولا قوّةَ إلاّ بكَ) [6] واللهِ هذا حديثٌ عظيمٌ جدًّا، ويحتاجُ إلى تأمّلٍ جدًّا، وعقيدةٍ راسخةٍ صحيحةٍ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلّمَ. الكثرةُ غيرُ مجديةٍ! فربّمَا إذا كَثُرَ قومُكَ، وأعجبَكَ قومُكَ صارُوا نكدًا عليكَ! {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة/25] إنّمَا الّذي هو ينفعُ فعلاً محَقّقًا متيَقَّنًا هي: معيّةُ اللهِ سبحانَهُ وتعالَى! {وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}[محمد/35] • • • احرصْ على معيّةِ اللهِ سبحانَهُ وتعالَى بالعملِ الصّالحِ، وبدعائِهِ كما في هذا الحديثِ: (وأنَا معَهُ إذا دَعانِي). وقد ثبتَ من حديثِ أنسٍ رضيَ اللهُ عنهُ؛ أنّ النبيَّ صلَّى عليهِ وسلّمَ كانَ إذا دعا لقومٍ فأبلغَ في الدّعاءِ يقولُ: (جعلَ اللهُ عليكم صلاةَ قومٍ أبرارٍ، يقومونَ الليلَ ويصومونَ النّهارَ، ليسوا بأثمةٍ ولا فجّارٍ)[7] فبقدرِ ما تطيعُ اللهَ عزَّ وجلَّ يكونُ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى معكَ {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[النّمل/62] الّذي يتذكّرُ هو القليلُ! ضعُفتْ عقائدُ النّاسِ؛ وضعُفَ الإيمانُ، وضعُفتِ التّقوَى، وصارَ النّاسُ يتهالَكونَ ويتدافعونَ على أشياءَ وهميّةٍ سطحيّةٍ، وأعرضُوا عن كثيرٍ من الحقائقِ العلميّةِ والعقيدةِ الصّحيحةِ الإلهيّةِ! وإنّها واللهِ لمصيبةٌ وبليّةٌ! • • • أيّها النّاسُ إنّ معيّةَ اللهِ سبحانَهُ وتعالَى تُكتسبُ بطاعتِهِ؛ يقولُ سبحانَهُ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}[النساء/69] فإذا كنتَ معَ اللهِ كانَ اللهُ معكَ، وجعلكَ مع المؤمنينَ، وهيّأَ لكَ سبُلَ الخيرِ وهداهُ (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، ولاَ يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ؛ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، ولئِنْْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ).[8] هكذا يقولُ ربُّ العزّةِ سبحانَهُ وتعالَى؛ فاحرصْ أن يكونَ اللهُ عزَّ وجلَّ معكَ؛ فإنّهُ سبحانَهُ وتعالََى لا إلهَ غيرُهُ، ولا ربَّ سواهُ {بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الملك/1] {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران/26] • • • الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وحَدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلّمَ تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد: احفظْ أيّها المسلمُ مثلَ هذا الحديثِ القدسيّ؛ عنْ ربِّ العزّةِ سبحانَهُ وتعالَى: عن أنسٍ رضيَ اللهُ عنْهُ؛ أنّ النبيَّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ قالَ: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي)؛ أخرجَهُ أحمدُ في مسندِهِ بسندٍ صحيحٍ، واجعلْ مثلَ هذِهِ الأدلّةِ نصبَ عينيْكَ، لا يشغلْكَ الشّيطانُ بالخوفِ، ولا يشغلْكَ الشّيطانُ بالوساوسِ{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[البقرة/268] {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران/175] ولا يشغلْكَ - أيضًا - بوساوسِ الفقرِ، ولا بوساوسِ الأذَى والشدّةِ، وما إلى ذلكَ ممّا تتوقّعُهُ. واللهُ سبحانَهُ وتعالَى عندَ ظنِّ عبدِهِ المؤمنِ بِهِ. واعلمْ أنّ هذا السّببَ العظيمَ أمَرَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى بهِ؛ فلازِمْهُ. ومن أعظمِ أسبابِ ذلكَ: الاستجابةُ للهِ؛ قالَ اللهُ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة/186] إذا أردتَ الرّشدَ لنفسِكِ؛ فإنّكَ من جنسِ عملكِ تُجازَى! استجبْ للهِ يجبْكِ، واستقمْ على طاعَةِ اللهِ - أيضًا – تُعانُ وتُجابُ. قالَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى - لما دعَا موسى على فرعونَ – قال: {رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} أيْ أنّ هذا الإمدادَ لهمْ يا ربِّ يستعينُونَ بِهِ على إضلالِ النّاسِ عن سبيلكَ {رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}{قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[يونس/ 88_89] لأنّهُ هو وأخوهُ في سياقِ الدّعاءِ {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} لازِمِ الإجابة؛ يعني: أسبابَ الإجابةِ عندَ أوقاتِهَا. قال النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: (أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِيه في الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ) حريٌّ وجديرٌ معنى ذلك (فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ).[9] وقالَ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: (فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عبدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ شيئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إيَّاهُ).[10] قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة/16_17] حينَ تجافتْ جنوبُهُم في اللّيلِ، وقامُوا اللّيلَ، ودعوُا اللهَ؛ استجابَ اللهُ دعاءَهُم، وأعطاهُمْ أعظَمَ مطلبٍ؛ وهوَ الجنّةُ! لازِمْ دعاءُ اللهِ سبحانَهُ وتعالَى؛ فهوَ سلاحُ الأنبياءِ، وسلاحُ المؤمنينَ، وهذا هو سببُ معيّةِ اللهِ، ودفاعِ اللهِ عن العبدِ؛ أن يكونَ معَهُ إذا دعاهُ (وأنَا معَهُ إذا دَعانِي). نوحٌ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ لبثَ في قومِهِ ألفَ سنةٍ إلاّ خمسينَ عامًا؛ وهو يدعوهُمْ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وفي هذِهِ الفترةِ كلِّها يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[هود/40] فدعَا عليهم: {قالَ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}{إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}[نوح/26_27_28] أي: هلاكًا؛ استجابَ اللهُ دعوتَهُ. واستجابَ اللهُ دعوةَ موسى عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ، واستجابَ اللهُ دعوةَ ذي النّونِ؛ وهو في لُجَجِ البحارِ؛ ومع ذلكَ اللهُ معَهُ يناجِي ربَّهُ، ويهتفُ لربِّهِ قالَ اللهُ: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي: أن لن نضيّقَ عليه {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء/87] قالَ اللهُ: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}[الأنبياء/88] هذا وعدُ اللهِ، وكلًّ من دعَا اللهَ كانَ اللهُ عزَّ وجلَّ معَهُ؛ كنْ معَ اللهِ يكونُ اللهُ عزَّ وجلَّ معكَ {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}[البقرة:186]{قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا}[يونس/89] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة/186] نبيُّ اللهِ إبراهيم عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ أتى بزوجتِهِ وبولدِهَا إسماعيلَ إلى جانبِ البيتِ، وكانَ آنذاكَ رابيةً؛ فوضعَهَا في دوحةٍ بجانب ِالبيتِ عند زمزمَ، ولم يكنْ هناكَ ماءٌ ولا أنيسٌ، ثمّ ولّى وذهبَ؛ فلمّا ذهبَ قالتْ: يا إبراهيمُ! أتتركُنَا بهذا الوادِي وليس فيه أنيسٌ ولا شيءٌ ولا ماءٌ؟! ثم نادتْهُ المرّةَ الثّانيةَ فلم يجبْها؛ قالتْ: آلله أمركَ بذلكَ؟ فأشارَ إليهَا أنْ نعمْ؛ فقالتْ: إذًا لا يضيّعُنَا اللهُ! إذًا لا يضيّعُنَا اللهُ! فلمّا تجاوزَ عنها قليلاً؛ قال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} ما في شيء؛ وادٍ قاحلٌ {عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}[إبراهيم/37]، ورزقهُمُ اللهُ الماءَ، وجعلَ الولدُ يتلبّطُ جوعًا حينَ فنيَ ما عندها من التّمرِ والماءِ، وهي تصعدُ إلى الصّفَا وتنزلُ إلى المروةِ؛ تنظرُ هل هناكَ أحدٌ يُغيثُ هذا الغلامَ! فنزلَ جبريلُ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ، وحفرَ بجنحِهِ في الأرضِ، وخرجَتْ زمزم، وجعلتْ تشربُ وتُرضعُ ولدَهَا! ويقولُ - قال في الحديث -: إنَّ هذا المكانَ بيتٌ يعمرُهُ إبراهيمُ وولدُهُ؛ لن يضيّعَ اللهُ أهلَهُ[11]. فلن يضيّعَ اللهُ أهلَهُ، ولن يضيّعَ اللهُ من كانَ معَهُ {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل/128] ولهذا كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ إذا أوصَى إنسانًا يوصيهِ من ضمنِ وصايَاهُ بهذا الّذي هو سببُ معيّة اللهِ. قالَ لمعاذٍ _- ذلكَ الشّابُّ الصّحابيُّ الجليلُ عليه رضوانُ اللهِ -: (يَا مُعَاذُ وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ؛ فأُوصِيكَ أن لا تدَعْ دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ أنْ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ). [12] فإذا أحسنَ الإنسانُ فيما بينَهُ وبينَ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ كانَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى معَهُ. • • • نتواصَى بتقوَى اللهِ، نتواصَى بالتّمسّكِ بالسُّنّةِ، نتواصَى بتحقيقِ توحيدِ اللهِ سبحانَهُ وتعالَى؛ كلُّ ذلكَ من أسبابِ معيّةِ اللهِ للعبدِ، كلُّ ذلكَ من أسبابِ رضَا اللهِ عنِ العبدِ. وإيّاكُمْ عبادَ اللهِ والإعراضَ عنْ ذكرِ اللهِ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}[طه/124] هذا الضّنكُ الّذي عندَ العبادِ الآن والشّدّةُ والفتنةُ كلُّها واللهِ بسببِ إعراضِ النّاسِ عن ذكرِ اللهِ، أو عن شيءٍ منه {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}{قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا}{قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}{وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}[طه/124_125_126_127] نسألُ اللهَ السّلامةَ والعافيةَ، وأن يدفعَ عنَّا وعنْ دعوتِنَا وعنِ الإسلامِ والمسلمينَ كلَّ سوءٍ ومكروهٍ. والحمدُ للهِ. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ [1] ـ صحيح مسلم [2] ـ رواه بنحوه النّسائيّ وابن ماجه، وفي رواية النّسائيّ: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ؛ لَقَدْ جَاءَتْ خَوْلَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو زَوْجَهَا؛ فَكَانَ يَخْفَى عَلَيَّ كَلَامُهَا؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا}. وقد صحّحها الإمام الألباني رحمه الله. [3] ـ ورواية التّرمذيّ: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ). [4] ـ وفي رواية عند البخاري: عنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا؛ فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا! [5] ـ والرواية في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. [6] ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة/ 1061 [7] ـ سلسلة الأحاديث الصّحيحة/ 1810 [8] ـ وهو في صحيح البخاري: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) [9] ـ رواه مسلم وغيره. [10] ـ واللّفظ عند البخاري: (فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ) الحديث. [11] ـ والرواية كاملة في صحيح البخاري. [12] ـ انظر صحيح الترغيب والترهيب/1596. (يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فَقَالَ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ). ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, فرّغتْها: ابنةُ السّلفِ - بتصرّف يسير -
نفعَهَا اللهُ والقرّاءَ بها.
الموضوع الأصلي :
تفريغ خُطبة جمعة: (الانتِبَاهُ إلى معيَّةِ اللهِ) لفضيلة الشّيخ الحجوريّ حفظه الله
-||-
المصدر :
منتديات الشعر السلفي
-||-
الكاتب :
ابنة السّلف
التعديل الأخير تم بواسطة ابنة السّلف ; 04-17-2011 الساعة 01:13 AM. |
#2
|
|||
|
|||
|
#3
|
|||
|
|||
بارك الله فيكِ على هذا الجهد المبارك والاهتمام الواضح في محبة العلم وأهله ومزيداً من العطاء اختنا الفاضلة وحفظ الله الشيخ الحجوري على ما يبذل من العلم والدعوة والحمد الله
|
#4
|
|||
|
|||
زادكِ الله رفعة...ما قدّمتُ جهدًا يُذكر
أعاننا الله جميعًا وسمع الله دعواتك الطّيّبة. التعديل الأخير تم بواسطة ابنة السّلف ; 04-22-2011 الساعة 02:45 AM. سبب آخر: تعديل كلمة |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
.: عدد زوار المنتدى:.