|
كاتب الموضوع | شيماء عبدالله السلفية | مشاركات | 3 | المشاهدات | 4350 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
الوصيـة بالنسـاء للشيخ العثيمين رحمه الله
ـ بـاب الوصيـة بالنسـاء قال الله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) [النساء:19] ، وقال تعالى : ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً )[النساء:129] . الـشـرح قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ : باب الوصية بالنساء ، يعني الوصية على أن يرفق بهن الإنسان وأن يتقي الله فيهن ؛ لأنهن قاصرات يحتجن إلى من يجبرهن ويكلمهن ، كما قال الله تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) [النساء: 34] . ثم استدل المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ بقول الله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) يعني : عاشروا النساء بالمعروف . والمعاشرة : معناها المصاحبة والمعاملة ؛ فيعاملها الإنسان بالمعروف ويصاحبها كذلك . والمعروف: ما عرفه الشرع وأقره واطرد به العرف ، والعبرة بما أقره الشرع ، فإذا أقر الشرع شيئاً فهو المعروف ، وإذا أنكر شيئاً فهو المنكر ولو عرفه الناس . وقال تعالى : ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُم )[النساء: 129] ، وهذا الخطاب لمن كان عنده زوجتان فاكثر ، يبين الله عز وجل أن الإنسان لا يستطيع أن يعدل بين النساء ولو حرص ؛ لأن هناك أشياء تكون بغير اختيار الإنسان ؛ كالمودة والميل وما أشبه ذلك ، مما يكون في القلب . أما ما يكون بالبدن فإنه يمكن العدل فيه ؛ كالعدل في النفقة ، والعدل في المعاملة بأن يقسم لهذه ليلتها وهذه ليلتها، والكسوة ، وغير ذلك فهذا ممكن ، لكن ما في القلب لا يمكن أن يعدل الإنسان فيه ؛ لأنه بغير اختياره. ولهذا قال الله تعالى : ( فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا ) أي تذروا المرأة إذا التي ملتم عنها ( كَالْمُعَلَّقَةِ ) بين السماء والأرض، ليس لها قرار ؛ لأن المرأة إذا رأت أن زوجها مال مع ضرتها تعبت تعباً عظيماً، واشتغل قلبها ، فصارت كالمعلقة بين السماء والأرض ليس لها قرار . ثم قال : ( فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً ) يعني إن تسلكوا سبيل الإصلاح وتقوى الله عز وجل ؛ فإن الله كان غفوراً رحيماً : يعني يغفر لكم ما لا تستطيعونه، ولكنه يؤاخذكم بما تستطيعون. وهاتان الآيتان وغيرهما من نصوص الكتاب والسنة كلها تدل على الرفق بالمرأة وملاحظتها ومعاشرتها بالتي هي أحسن ، وأن الإنسان لا يطلب منها حقه كاملاً ؛ لأنها لا يمكن أن تأتي به على وجه الكمال فليعف وليصفح . * * * ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( استوصوا بالنساء خيراً ؛ فإن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء )) متفق عليه (72) . وفي رواية في (( الصحيحين ))( المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها ، وإن استمتعت بها ، استمتعت وفيها عوج )) (73) . وفي رواية لمسلم : (( إن المرأة خلقت من ضلع ، لن تستقيم لك على طريقة ، فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج ، وإن ذهبت تقيمها كسرتها ، وكسرها طلاقها )) (74) . قوله : (( عوج )) هو بفتح العين والواو . الـشـرح ذكر المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه في معاشرة النساء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( استوصوا بالنساء خيراً )) يعني : اقبلوا هذه الوصية التي أوصيكم بها ، وذلك أن تفعلوا خيراً مع النساء ؛ لأن النساء قاصرات في العقول ، وقاصرات في الدين ، وقاصرات في التفكير ، وقاصرات في جميع شئونهن ، فإنهن خلقن من ضلع . وذلك أن آدم عليه الصلاة والسلام خلقه الله من غير أب ولا أم ، بل خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ، ولما أراد الله تعالى أن يبث من هذه الخليقة ، خلق منه زوجه ، فخلقها من ضلعه الأعوج ، فخلقت من الضلع الأعوج ، والضلع الأعوج إن استمتعت به استمتعت به وفيه العوج ، وإن ذهبت تقيمه انكسر . فهذه المرأة أيضاً إن استمتع بها الإنسان استمتع بها على عوج ، فيرضى بما تيسر ، وإن أراد أن تستقيم فإنها لن تستقيم ، ولن يتمكن من ذلك ، فهي وإن استقامت في دينها فلن تستقيم فيما تقتضيه طبيعتها ، ولا تكون لزوجها على ما يريد في كل شيء ، بل لابد من مخالفة ، ولابد من تقصير ، مع القصور الذي فيها . فهي قاصرة بمقتضى جبلتها وطبيعتها ، ومقصرة أيضاً ، فإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها ، يعني معناه أنك إن حاولت أن تستقيم لك على ما تريد فلا يمكن ذلك ، وحينئذ تسأم منها وتطلقها ، فكسرها طلاقها . وفي هذا توجيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاشرة الإنسان لأهله ، وأنه ينبغي أن يأخذ منهم العفو ما تيسر ، كما قال تعالى : ( خُذِ الْعَفْوَ ) يعني ما عفى وسهل من أخلاق الناس ( وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الأعراف: 199] . ولا يمكن أن تجد امرأة مهما كان الأمر سالمة من العيب مائة بالمائة ، أو مواتية للزوج مائة بالمائة ، ولكن كما أرشد النبي عليه الصلاة والسلام استمتع بها على ما فيها من العوج . وأيضاً إن كرهت منها خلقاً رضيت منها خلقاً آخر ، فقابل هذا بهذا مع الصبر ، وقد قال الله تعالى : ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)[النساء: 19] . ـ وعن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، وذكر الناقة والذي عقرها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا) انبعث لها رجل عزير ، عارم منيع في رهطه)) ثم ذكر النساء ، فوعظ فيهن ، فقال : (( يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من أخر يومه )) ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة وقال : (( لم يضحك أحدكم مما يفعل ؟ )) متفق عليه (75) . (( والعارم )) بالعين المهملة والراء : هو الشرير المفسد . وقوله : (( انبعث )) أي : قام بسرعة . الـشـرح ذكر المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن عبد الله بن زمعة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقته ، وكان عليه الصلاة والسلام خطبه على نوعين : نوع راتب ، ونوع عارض ؛ فالخطب الراتبة كخطب يوم الجمعة ، وخطب العيدين ، والاستسقاء ،والكسوف وما أشبه ذلك ، والخطب العارضة هي التي يكون لها سبب ، فيقوم النبي صلى الله عليه وسلم فيخطب الناس ويعظمهم ويبين لهم؛ وأحياناً يخطب على المنبر ، وأحياناً يخطب قائماً على الأرض ، وأحياناً يخطب على ناقته ، وأحياناً يخطب معتمداً على بعض أصحابه ، حسب ما تقتضيه الحال في وقتها ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام من هديه أنه لا يتكلف ؛ فلا يطلب المعدوم ، ولا يرد الموجود إذا لم يكن في ذلك تقصير في الشرع ، أو تجاوز فيه .فكان صلى الله عليه وسلم يخطب ، وسمعه عبد الله بن زمعة ، ومن جملة ما خطب أنه قال : (( يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد )) يعني يجلدها جلد شخص كأنه لا علاقة بينه وبينها ، وكأنها عنده عبد أسير عانٍ ، وهذا لا يليق ؛ لأن علاقة الرجل مع أهله علاقة خاصة ينبغي أن تكون مبنية على المحبة والألفة والبعد عن الفحشاء : القولية أو الفعلية . أما أن يجلدها كما يجلد العبد ثم في آخر اليوم يضاجعها . كيف تضاجعها في آخر اليوم وتستمتع بها محبة وتلذذاً وشهوة وأنت قد جلدتها جلد العبد ؟ ! فهذا تناقض ، ولهذا عتب النبي عليه الصلاة السلام على هذا العمل ، فإنه لا ينبغي أن يقع هذا الشيء من الإنسان ، وصدق النبي عليه الصلاة والسلام ، فإن هذا لا يليق بالعاقل فضلاً عن المؤمن .ثم تحدث أيضاً عن شيء آخر وهو الضحك من الضرطة ، يعني إذا ضرط الإنسان وخرجت الريح من دبره ولها صوت ضحكوا ، فقال صلى الله عليه وسلم واعظاً لهم في ذلك : (( لم يضحك أحدكم مما يفعل ؟ )) . ألست أنت تضرط كما يضرط هذا الرجل ؟ بلى ، إذا كان كذلك فلماذا تضحك ؟ فالإنسان إنما يضحك ويتعجب من شيء لا يقع منه ، أما ما يقع منه ؛ فإنه لا ينبغي أن يضحك منه ، ولهذا عاتب النبي صلى الله عليه وسلم من يضحكون من الضرطة ؛ لأن هذا شيء يخرج منهم ، وهو عادة عند كثير من الناس . كثير من الناس في بعض الأعراف لا يبالون إذا ضرط أحدهم وإلى جنبه إخوانه ولا يحتشمون من ذلك أبداً ، ويرون أنها من جنس العطاس أو السعال أو ما أشبه ذلك . لكن في بعض االأعراف ينتقدون هذا . لكن كونك تضحك وتخجل صاحبك ، فهذا مما لا ينبغي . وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان لا ينبغي له أن يعيب غيره فيما يفعله هو بنفسه ، إذا كنت لا تعيبه بنفسك فكيف تعيبه بإخوانك ؟ ! وبهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألة شائعة عند العامة ، فإنه من المعلوم أن لحم الإبل إذا أكل منه الإنسان وهو متوضئ انتقض وضوءه ، ووجب عليه أن يتوضأ إذا أراد الصلاة ، سواء أكله نيئاً أو مطبوخاً ، وسواء كان هبراً ، أو كبداً أو مصراناً ، أو كرشاً ، أو قلباً ، أو رئة ، كل ما حملت البعير فإن أكله ناقض للوضوء ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن شيئاً وإنما قال : (( توضئوا من لحوم الإبل )) (76) ، وسئل أنتوضأ من لحوم الإبل فقال : (( نعم )) ، قال : من لحوم الغم فقال : (( إن شئت )) (77) ؛ لحم الغنم لا ينقض الوضوء لحم البقر لا ينقض الوضوء ، لحم الخيل لا ينقض الوضوء ، لكن لحم الإبل ينقض الوضوء ؛ إذا أكلته نيئاً أو مطبوخاً هبراً أو غير هبر ؛ وجب عليك أن تتوضأ . فأما شرب لبنها ، فإن الصحيح أنه ليس بناقض للوضوء ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر العرنيين أن يخرجوا إلى إبل الصدقة ، ويشربوا من أبوالها وألبانها لم يأمرهم بالوضوء ، ولو كان واجباً لأمرهم به ، فإن توضأ فهو أحسن ، أما الوجوب فلا . وكذلك المرق لا يجب الوضوء منه وإن توضأت فهو أحسن ، أما اللحم فلابد ، وكذلك الشحم فلابد من الوضوء منه . يقول بعض الناس : إن السبب أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في وليمة وكان لحمها لحم إبل ، وأنه خرجت ريح من بعض الحاضرين ولا يدري من ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( من أكل لحم إبل فليتوضأ )) فقام جميعهم يتوضئون . وجعلوا هذا السبب في أن الإنسان يتوضأ من لحم الإبل ، وهذا حديث باطل لا أصل له ، وإنما الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من لحم الإبل لحكمة الله يعلمها ، قد نعلمها نحن وقد لا نعلمها ، المهم نحن علينا أن نقول : سمعنا وأطعنا ، أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتوضأ من لحوم الإبل إذا أكلنا منها فسمعاً وطاعة. * * * ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر )) أو قال : (( غيره )) رواه مسلم (78) . وقوله (( يفرك )) هو بفتح الياء وإسكان الفاء وفتح الراء معناه : يبغض ، يقال : فركت المرأة زوجها ، وفركها زوجها ، بكسر الراء ، يفركها بفتحها : أي أبغضها ، والله أعلم . الـشـرح ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر )) . الفرك : يعني البغضاء والعداوة ، يعني لا يعادي المؤمن المؤمنة كزوجته مثلاً لا يعاديها ويبغضها إذا رأى منها ما يكرهه من الأخلاق ، وذلك لأن الإنسان يجب عليه القيام بالعدل ، وأن يراعي المعامل له بما تقتضيه حاله ، والعدل أن يوازن بين السيئات والحسنات ، وينظر أيهما أكثر وأيهما أعظم وقعاً ، فيغلب ما كان أكثر وما كان أشد تأثيراً ؛ هذا هو العدل . ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا )[المائدة:8]، يعني لا يحملكم بغضهم على عدم العدل اعدلوا ولو كنتم تبغضونه ، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر ليخرص عليهم ثمر النخل ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد عامل أهل خيبر حين فتحها على أن يكفوه المئونة ، ويقوموا بإصلاح النخيل والزرع ولهم النصف .فكان يبعث عليهم من يخرص عليهم الثمرة ، فبعث إليهم عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم ، ثم قال لهم : يا معشر اليهود أنتم أبغض الخلق إلى ، قتلتم أنبياء الله عز وجل ، وكذبتم على الله ، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم ، قد خرصت عشرين ألف وسق من تمر ، فإن شئتم فلكم ، وإن أبيتم فلي ، فقالوا : بهذا قامت السَّمَوَاتِ والأرض ))(79) . فالشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يكون الإنسان حاكماً بالعدل والقسط ، فقال : (( لا يفرك مؤمن مؤمنة )) يعني لا يبغضها لأخلاقها ، إن كره منها خلقاً رضي منه خلقاً آخر .إذا أساءت مثلاً في ردها عليك مرة ، لكنها أحسنت إليك مرات ، أساءت ليلة لكنها أحسنت ليالي ، أساءت في معاملة الأولاد مرة ، لكن أحسنت كثيراً . . وهكذا . فأنت إذا أساءت إليك زوجتك لا تنظر إلى الإساءة في الوقت الحاضر ، ولكن انظر إلى الماضي وانظر للمستقبل واحكم بالعدل . وهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة يكون في غيرها أيضاً ممن يكون بينك وبينه معاملة أو صداقة أو ما أشبه ذلك ، إذا أساء إليك يوماً من الدهر فلا تنس إحسانه إليك مرة أخرى وقارن بين هذا وهذا ، وإذا غلب الإحسان على الإساءة ؛ فالحكم للإحسان ، وإن غلبت الإساءة على الإحسان فأنظر إن كان أهلاً للعفو فاعف عنه،وإن عفا وأصلح فأجره على الله ، وإن لم يكن أهلاً للعفو ؛ فخذ بحقك وأنت غير ملوم إذا أخذت بحقك ، لكن انظر للمصلحة . فالحاصل أن الإنسان ينبغي له أن يعامل من بينه وبينهم صلة من زوجته أو صداقة أو معاملة ، في بيع أو شراء أو غيره ، أن يعامله بالعدل إذا كره منه خلقاً أو أساء إليه في معاملة ، أن ينظر للجوانب الأخرى الحسنة حتى يقارن بين هذا وهذا ، فإن هذا هو العدل الذي أمر الله به ورسوله كما قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90] . * * * ـ وعن عمرو بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله تعالى ، وأثني عليه وذكر ووعظ ، ثم قال : (( ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا . ألا إن لكم على نسائكم حقاً ، ولنسائكم عليكم حقاً ؛ فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن )) رواه الترمذي (80) وقال حديث حسن صحيح . . قوله صلى الله عليه وسلم : (( عوان )) أي : أسيرات جمع عانية ، بالعين المهملة ، وهي الأسيرة ، والعاني : الأسير شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة في دخولها تحت حكم الزوج بالأسير . (( والضرب المبرح )) : هو الشاق الشديد . وقوله صلى الله عليه وسلم : (( فلا تبغوا عليهن سبيلا )) أي : لا تطلبوا طريقاً تحتجون به عليهن وتؤذونهن به . والله أعلم . الـشـرح ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما نقله عن عمرو بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع يخطب وكان ذلك في عرفة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قدم مكة يوم الأحد الرابع من ذي الحجة ، وبقي فيها إلى يوم الخميس الثامن من ذي الحجة .وخرج ضحى يوم الخميس إلى منى ، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، فلما طلعت الشمس ،صار إلى عرفة ،فنزل بنمرة وهي مكان معروف قبل عرفة وليست من عرفة ، ثم زالت الشمس وحلت صلاة الظهر ، فأمر أن تُرَحّل له ناقته فرحلت له وركب ، حتى أتى بطن الوادي ـ بطن عرنة ـ وهو شعيب عظيم يحد عرفة من الناحية الغربية إلى الناحية الشمالية ، فنزل ثم خطب الناس صلى الله عليه وسلم خطبة عظيمة بليغة . ثم قال فيها من جملة ما قال ما أوصي به أمته بالنسبة للنساء : ((استوصوا بالنساء خيراً ، فإنما هن عوان عندكم )) العواني جمع عانية وهي الأسيرة ، يعني أن الزوجة عند زوجها بمنزلة الأسير عند من أسره ؛ لأنه يملكها ، وإذا كان يملكها فهي كالأسير عنده ، ثم بين صلى الله عليه وسلم أنه لا حق لنا أن نضربهم إلا إذا أتين بفاحشة مبينة ، والفاحشة هنا عصيان الزوج ، بدليل قوله : ( فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً )[ النساء: 34] ، يعني إن قصرت الزوجة في حق زوجها عليها ؛ فإنه يعظها أولاً ثم يهجرها في المضجع فلا ينام معها ، ثم يضربها ضرباً غير مبرح إن هي استمرت على العصيان .هذه مراتب تأديب المرأة إذا أتت بفاحشة مبينة ، وهي عصيان الزوج فيما يجب له : ( فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) يعني لا تضربوهن ولا تقصروا في حقهن ؛ لأنهن قمن بالواجب .ثم بين صلى الله عليه وسلم الحق الذي لهن والذي عليهن ، فقال (( لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه )) يعني لا يجعلن يدخل عليهن على فراش النوم أو غيره وأنت تكره أن يجلس على فراش بيتك ، وكأن هذا ـ والعلم عند الله ـ ضرب مثل ، والمعنى : أن لا يكرمن أحداً تكرهونه ؛ هذا من المضادة لكم أن يكرمن من تكرهونه بإجلاسه على الفرش أو تقديم الطعام له ، أو ما أشبه ذلك . وأن لا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ، يعني لا يدخلن أحداً البيت وأنت تكره أن يدخل ، حتى لو كانت أمها أو أباها ، فلا يحل لها أن تدخل أمها أو أباها ، أو أختها أو أخاها ، أو عمها أو خالها أو عمتها أو خالتها إلى بيت زوجها إذا كان يكره ذلك . وإنما نبهت على هذا ؛ لأن بعض النساء والعياذ بالله شر ، شر حتى على بنتها ، إذا رأت أن زوجها يحبها أصابتها الغيرة والعياذ بالله ـ وهي الأم ـ ثم حاولت أن تفسد بين البنت وزجها ، فهذه الأم للزوج أن يقول لزوجته لا تدخل بيتي ، له أن يمنعها شرعاً ، وله أن يمنع زوجته من الذهاب إليها ؛ لأنها نمامة تفسد ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا يدخل الجنة قتات )) (81) أي نمام . ثم قال صلى الله عليه وسلم : (( ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف )). فالزوج هو الذي ينفق على زوجته حتى لو كانت غنية ، ولو كانت موظفة ، فليس له حق في وظيفتها ولا في راتبها ، ليس له قرش واحد . كله لها ، وتلزمه بأن ينفق عليها ؛ فإذا قال : كيف أنفق عليك وأنت غنية ، وأنت لك راتب كراتبي ؟ نقول : يلزمك نقول : يلزمك الإنفاق عليها وإن كانت كذلك ، فإن أبيت فللحاكم القاضي أن يفسخ النكاح غصباً من الزوج ، وذلك لأنه ملتزم بنفقتها . والحاصل أن خطبة حجة الوداع خطبة عظيمة قرر فيها النبي صلى اله عليه وسلم شيئاً كثيراً من أصول الدين ومن الحقوق ، حتى قال صلى الله عليه وسلم من جملة ما قال:(( ألا وإن ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي)) كانوا في الجاهلية ـ نسأل الله العافية ـ إذا حل الدين على الفقير قالوا له : إما أن تربي وإما أن تقضي : ((تقضي)) يعني توفينا ، ((تربي)) يعني نزيد عليك الدين حتى يصبح أضعافاً مضاعفة .فقال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حاكماً ومشرعاً : (( إن ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين))يعني تحت رجلي ليس له قائمة ، ثم قال : ((وأول ربا ً أضع ربا العباس بن عبد المطلب ))(82) . الله أكبر ، صراحة عظيمة وعدل قائم في تنفيذ أحكام الله ، (( أول رباً أضع ربا العباس )) ، العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم . لو كان النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أهل الدنيا لجحد ، ولا أخبر الناس أن عمه يرابي ، وأبقى رباه على ما هو عليه ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو غاية الخلق في العدل يقول (( أول رباً أضع ربا العباس بن عبد المطلب )) ، فإنه موضوع كله ، فليس لأحد ممن عليه الربا أن يوفيه ، فهو ساقط كأن لم يكن ؛ ليس للعباس إلا رأس ماله فقط . وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم حينما جاء الناس يشفعون في امرأة من بني مخزوم كانت تستعير المتاع وتجحده ، تستعير المتاع ؛ كالقدر والفرش وغيره ، ثم إنها بعد أن تأخذ هذا المتاع كانت تنكر أنها أخذت شيئاً ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها لأنها سارقة .فأهم قريش شأنها ؛ امرأة من بني مخزوم ـ إحدى قبائل قريش الكبرى ـ فقاموا ليشفعوا لها وقدموا أسامة بن زيد يشفع عند النبي صلى الله عليه وسلم .وأسامة هو ابن عتيق الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ؛ عبد أهدته خديجة للرسول صلى الله عليه وسلم فأعتقه ثم رزق بأسامة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبهما : أسامة وأباه زيداً ، فقالوا لأسامة : اشفع عند الرسول صلى الله عليه وسلم . فلما جاء يشفع أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : (( أتشفع في حد من حدود الله )) . إنكار توبيخ . ثم قام فخطب الناس وقال لهم كلاماً خالداً عظيماً : (( أيها الناس ؛ إنما أهلك من كان قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف ؛ أقاموا عليه الحد )) وهذا جور وظلم فأيهم أحق بالعفو : الضعيف الذي لا يجد ، أو الشريف الكبير ؟ لا شك أن الضعيف أحق بالعفو إن كان هناك تفريق ومحاباة ، ولكن ولله الحمد ليس هنالك تفريق ولا محاباة في إقامة حدود الله . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )) (83) وهي أشرف من المخزومية نسباً وقدراً وديناً ، وهي بلا شك أفضل من المخزومية لأنها سيدة نساء أهل الجنة رضي الله عنها . وقوله صلى الله عليه وسلم : ((وايم الله )) حلف وإن لم يستحلف ؛ لتأكيد هذا الحكم وبيان أهمية (( لو أن فاطمة )) وهي أشرف من هذه المخزومية (( بنت محمد )) أشرف البشر (( سرقت لقطعت يدها )) وهذا العدل غاية في عدل البشر لا يوجد عدل يصدر من أي بشر كان مثل هذا العدل من النبي صلى الله عليه وسلم ليقطع كل الحجج والوساطات والشفاعات ، وهذا يدل على كمال عدله صلى الله عليه وسلم . المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع خطبة عظيمة بين فيها كثيراً من أحكام الإسلام وآدابه ، وقد قام بشرح هذه الخطبة الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن حميد رحمة الله عليه ، رئيس القضاة في هذه المملكة في زمنه شرحها شرحاً موجزاً لكنه مفيد ، فمن أحب فليرجع إليه . * * * ـ وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ، ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : (( أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، لا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت )) حديث حسن رواه أبو داود (84) . وقال : معني (( لا تقبح )) أي : لا تقل قبحك الله . ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، وخياركم خياركم لنسائهم )) رواه الترمذي (85) وقال : حديث حسن صحيح . الـشـرح ذكر المؤلف ـ رحمة الله تعالى ـ فيما نقل عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه ما حق امرأة أحدنا عليه ، والصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فإنما يسألون ليعملوا لا ليعلموا فقط ؛ خلافاً لما عليه كثير من الناس اليوم يسألون ليعلموا ثم لا يعمل إلا قليل منهم ؛ وذلك أن الإنسان إذا علم من شريعة الله ما علم كان حجة له أو عليه . إن عمل به فهو حجة له يوم القيامة ، وإن لم يعمل به ؛ كان حجة عليه يؤاخذ به .وما أكثر ما كان الصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور دينهم ، ففي القرآن مسائل كثير : (يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ) [البقرة: 215] ، ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى )[البقرة: 220]، ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيض )[البقرة: 222]، ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ )[البقرة: 189] ؛ كلها أسئلة يريد بها الصحابة رضي الله عنهم أن يعلموا فيها حكم الله ثم يطبقوه في أنفسهم وفي أهليهم .وهنا سأله معاوية (( ما حق امرأة أحدنا عليه ؟ قال : (( أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت )) يعني لا تخص نفسك بالكسوة دونها ، ولا بالطعام دونها ؛ بل هي شريكة لك يجب عليك أن تنفق عليها كما تنفق على نفسك ، حتى إن كثيراً من العلماء يقول : إذا لم ينفق الرجل على زوجته وطالبت بالفسخ عند القاضي ؛ فللقاضي أن يفسخ النكاح ؛ لأنه قصر بحقها الواجب لها .قال (( ولا تضرب الوجه ولا تقبح )) فلا تضربها إلا لسبب وإذا ضربتها فاجتنب الوجه وليكن ضرباً غير مبرح . وقد سبق لنا أن الإنسان إذا رأى من امرأته نشوزاً وترفعاً عليه ، وأنها لا تقوم بحقه ؛ وعظها أولاً ، ثم هجرها في المضجع ، ثم ضربها ضرباً غير مبرح فإذا حق له أن يضربها لوجود السبب ، فإنه لا يضرب الوجه .وكذلك غير الزوجة لا يضرب على الوجه ، فالابن إذا أخطأ لا يضرب على الوجه ؛ لأن الوجه أشرف ما في الإنسان ، وهو واجهه البدن كله ، فإذا ضرب كان أذل للإنسان مما لو ضرب غير وجهه ، يعني يضرب الرجل على كتفه ، على عضده ، على ظهره ؛ فلا يرى بذلك أنه استدل كما لو ضربته على وجهه ، ولهذا نهي عن ضرب الوجه وعن تقبيح الوجه . قوله : (( لا تقبح )) يعني لا تقل : أنت قبيحة ، أو قبح الله وجهك ، ويشمل النهي عن التقبيح : النهي عن التقبيح الحسي والمعنوي ، فلا يقبحها مثل أن يقول : أنت من قبيلة رديئة ، أو من عائلة سيئة ، أو ما أشبه ذلك . كل هذا من التقبيح الذي نهى الله عنه .قال :(( ولا تهجرها إلا في البيت )) يعني إذا وجد سبب الهجر فلا تهجرها علناً وتظهر للناس أنك هجرتها . اهجرها في البيت ؛ لأنه ربما تهجرها اليوم وتتصالح معها في الغد فتكون حالكما مستورة ، لكن إذا ظهرت حالكما للناس بأن قمت بنشر ذلك والتحدث به كان هذا خطأ ، اهجرها في البيت ، ولا يطلع على هجرك أحد ، حتى إذا اصطلحت معها رجع كل شيء على ما يرام ، دون أن يطلع عليه أحد من الناس . أما الحديث الثاني حديث أبي هريرة رضي الله عنه ؛ فإنه حديث عظيم، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : (( أكمل الناس إيماناً أحسنهم خلقاً )) .الإيمان يتفاوت ويتفاضل كما قال الله تعالى : ( وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانا ) [المدثر: 31] ، وليس الناس في الإيمان سواء ؛ من الناس من يؤمن بالغيب وكأنه يشاهد شهود عيان ، يؤمن بيوم القيامة وكأنه الآن في تلك الساعات ، يؤمن بالجنة وكأنها في تلك الرياض ، يؤمن بالنار وكأنه يراها بعينه ، يؤمن إيماناً حقيقياً مطمئناً لا يخالطه شك . ومن الناس من يعبد الله على حرف ـ نسأل الله العافية ـ كما قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ )[الحج: 11] يعني على طرف ( فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ) يعني إن لم يواجه أحداً يشككه في الدين ، ولم يواجه إلا صلحاء يعينونه ( اطْمَأَنَّ بِه) أي ركن إليه . ( وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة)[الحج: 11] ، إن أصابته فتنة في بدنه ، أو ماله ، أو أهله ؛ انقلب على وجهه واعترض على القضاء والقدر ، وتسخط وهلك والعياذ بالله ( خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ) .فأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، وفي هذا حث عظيم على حسن الخلق مع الله ، وحسن الخلق مع الناس. أما حسن الخلق مع الله ، فأن يرضى الإنسان بشريعته ، وينقاد إليها راضياً ، مطمئناً بها ، مسروراً بها سواء كانت أمر يؤمر به ، أو نهياً ينهى عنه . وأن يرضى الإنسان بقدر الله عز وجل ، ويكون ما قدر الله عليه مما يسوءه كالذي قدر الله عليه مما يسره ، فيقول : يا رب كل شيء من عندك ، فأنا راض بك رباً إن أعطيتني ما يسرني شكرت ، وإن أصابني ما يسوءني صبرت ، فيرضى بالله قضاءً وقدراً ، وأمراً وشرعاً ؛ هذا حسن الخلق مع الله . أما حسن الخلق مع الناس فظاهر ، فكف الأذى وبذل الندى ، والصبر عليهم وعلى أذاهم ، هذا من حسن الخلق مع الناس ؛ أن تعاملهم بهذه المعاملة تكف أذاك عنهم ، وتبذل نداك . الندى يعني العطاء سواء كان مالاً أو جاهاً أو غير ذلك ، وكذلك تصبر على البلاء منهم ، فإذا كنت كذلك ؛ كنت أكمل الناس إيماناً . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي )) (86) هذا خير الناس . هو خيرهم لأهله ؛ فإذا كان فيك خير ؛ فاجعله عند أقرب الناس لك وليكن أول المستفيدين من هذا الخير . وهذا عكس ما يفعله بعض الناس اليوم ، تجده سيئ الخلق مع أهله ، حسن الخلق مع غيرهم ، وهذا خطأ عظيم ؛ أهلك أحق بإحسان الخلق ؛ أحسن الخلق معهم ؛ لأنهم هم الذين معك ليلاً ونهاراً ، سراً وعلانية ، إن أصابك شيء أصيبوا معك ، وإن سررت سروا معك ، وإن حزنت حزنوا معك ، فلتكن معاملتك معهم خيراً من معاملتك مع الأجانب ، فخير الناس خيرهم لأهله . اسأل الله أن يكمل لي وللمسلمين الإيمان ، وأن يجعلنا خير عباد الله في أهلنا ومن لهم حق علينا . * * * ـ وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تضربوا إماء الله )) فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ذئرن النساء على أزواجهن فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون ازواجهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لقد أطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم )) رواه أبو داود (87) بإسناد صحيح . قوله : (( ذئرن )) هو بذال معجمة مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم راء ساكنة ثم نون ، أي : اجترأن ، قوله : (( أطاف )) أي : أحاط . ـ وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة )) رواه مسلم (88) . الـشـرح ذكر رحمه الله تعالى فيما نقله فيما يتعلق بأمر النساء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(( لا تضربوا إماء الله )) يريد بذلك النساء ، فيقال : أمة الله كما يقال عبد الله ، ويقال : إماء الله كما يقال عباد الله ، ومن ذلك الحديث الصحيح : (( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله )) (89) . نهاهم عن ضرب النساء ، فكفوا عن ذلك ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا من الطراز الأول والجيل الأول المفضل , الذين إذا دعوا إلى الله ورسوله قالوا : سمعنا وأطعنا ، فكفوا عن ضرب النساء . والنساء قاصرات عقل وناقصات دين .فلما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ضربهن ، اجترأن على أزواجهن ، كما قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه : يا رسول الله إن النساء ذئرن على أزواجهن ، يعني اجترأن وتعالين على الرجال ، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال عمر ؛ أجاز ضربهن ، فأفرط الرجال في ذلك وجعلوا يضربونهن حتى وإن لم يكن ذلك من حقهم فطافت النساء بآل النبي صلى الله عليه وسلم ، أي ببيوته ، وجعلن يتجمعن حول بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يشكون أزواجهن . فقال النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب الناس يخبرهم بأن هؤلاء الذين يضربون أزواجهن ليسوا بخيارهم ، أي ليسوا بخيار الرجال ، وهذا كقوله : (( خيركم خيركم لأهله )) فدل هذا على أن الإنسان لا يفرط ولا يفرط في ضرب أهله ؛ إن وجد سبباً يقتضي الضرب فلا بأس .وقد بين الله عز وجل مراتب ذلك في كتابه فقال : ( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) [النساء: 34] . المرتبة الثالثة : الضرب ، وإذا ضربوهن فليضربوهن ضرباً غير مبرح . ثم ذكر المؤلف حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة )) فقوله صلى الله عليه وسلم : (( الدنيا متاع )) يعني شيء يتمتع به ، كما يتمتع المسافر بزاده ثم ينتهي ، وخير متاعها المرأة الصالحة ؛ إذا وفق الإنسان لامرأة صالحة في دينها وعقلها فهذا خير متاع الدنيا ؛ لأنها تحفظه في سره وماله وولده .وإذا كانت صالحة في العقل أيضاً ، فإنها تدبر له التدبير الحسن في بيته وفي تربية أولادها ، إن نظر إليها سرته ، وإن غاب عنها حفظته ، وإن وكل إليها لم تخنه ، فهذه المرأة هي خير متاع الدنيا .ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (( تنكح المرأة لأربع : لمالها ، وحسبها ، وجمالها ، ودينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك)) (90) ، يعني عليك بها ، فإنها خير من يتزوجه الإنسان ؛ فذات الدين وإن كانت غير جميلة الصورة ، لكن يجملها خلقها ودينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك . ------------------------- (72) رواه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته ، رقم ( 3331 ) ، ومسلم ، كتاب الرضاع ، باب الوصية بالنساء ، رقم ( 1468 ) [ 60 ] .
(73) رواه البخاري ، كتاب النكاح ، باب الدارة مع النساء ، رقم ( 5184 ) ، ومسلم ، كتاب الرضاع ، باب الوصية بالنساء ، رقم ( 148 ) [ 65 ] . (74) رواه مسام ، كتاب الرضاع ، باب الوصية بالنساء ، رقم ( 1468 ) [ 59 ] . (75) رواه البخاري ، كتاب التفسير ، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس ، رقم ( 4942 ) ، ومسلم ، كتاب الجنة ، باب النار يدخلها الجبارون ، والجنة يدخلها . . . ، رقم ( 2855 ) . (76) رواه أبو داود ، كتاب الطهارة ، باب الوضوء من لحم الإبل ، رقم ( 184 ) ، والترمذي ، كتاب الطهارة ، باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل ، رقم (81) . (77) رواه مسلم ، كتاب الحيض ، باب الوضوء من لحوم الإبل ، رقم ( 360 ) . (78) رواه مسلم ، كتاب الرضاع ، باب الوصية بالنساء ، رقم ( 1469 ) . (79) رواه مسلم ، كتاب الرضاع ، باب الوصية بالنساء ، رقم ( 1469 ) . (80) رواه الترمذي ، كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها ، رقم ( 1163 ) ، وابن ماجه ، كتاب النكاح ، باب حق المرأة على الزوج ، رقم ( 1851 ) . (81) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب ما بكره من النميمة ، رقم ( 6056 ) ، ومسلم ، كتاب الإيمان ، باب غلظ تحريم النميمة ، رقم ( 105 ) . (82) رواه مسلم ، كتاب الحج باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، رقم ( 1218 ) . (83) رواه البخاري ، كتاب الحدود ، باب كراعية الشفاعة في الحد إذا . . . ، رقم ( 6788 ) ، ومسلم ، كتاب الحدود ، باب قطع السارق الشريف وغيره . . . ، رقم ( 1688 ) . (84) رواه أبو داود ، كتاب النكاح ، باب في حق المرأة على زوجها ، رقم ( 2142 ) . (85) رواه الترمذي ، كتاب الرضاع ، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها ، رقم ( 1162 ) ، وأبو داود ، كتاب ، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه . . . ، رقم ( 4682 ) . (86) رواه الترمذي ، كتاب المناقب ، باب فضل لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، رقم ( 3895 ) ، وابن ماجه ، كتاب النكاح ، باب حسن معاشرة النساء ، رقم ( 1977) (87) رواه أبو داود ، كتاب النكاح ، باب في ضرب النساء رقم ( 2146 ) ، وابن ماجه ، كتاب النكاح ، باب ضرب النساء رقم ( 1985 ) . (88) رواه مسلم ، كتاب الرضاع ، باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ، رقم ( 1467 ) . (89) رواه البخاري ، كتاب الجمعة ، باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء ، ومسلم ، كتاب الصلاة ، باب خروج النساء إلى المساجد . . . ، رقم ( 442 ) [ 136 ] . (90) رواه البخاري ، كتاب النكاح ، باب الأكفاء في الدين ، رقم ( 5090 ) ، ومسلم ، كتاب الرضاع ، باب استحباب نكاح ذات الدين ، رقم ( 1446 ) . من موقع الشيخ محمد صالح العثيمين -رحمه الله- المصدر : شبكة اتباع خير العباد العلمية
الموضوع الأصلي :
الوصيـة بالنسـاء للشيخ العثيمين رحمه الله
-||-
المصدر :
منتديات الشعر السلفي
-||-
الكاتب :
شيماء عبدالله السلفية
|
#2
|
|||
|
|||
يرفع رفع الله قدركم
والله يبارك في جهودكم |
#3
|
|||
|
|||
..........
التعديل الأخير تم بواسطة أم عبدالرزاق ; 03-06-2013 الساعة 12:13 AM. |
#4
|
|||
|
|||
جزاكِ الله خير الجزاء
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . وجعله في ميزان حسناتك ورحم الله الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين وعلينا أن نقبل هذه الوصية التي أوصيكم بها ، وذلك أن تفعلوا خيراً مع النساء ؛ لأن النساء قاصرات في العقول ، وقاصرات في الدين ، وقاصرات في التفكير ، وقاصرات في جميع شئونهن ، بسبب إنهن خلقن من ضلع , والله أعلم . نسأل الله لنا ولكم الثبات أخواتي معشر النساء . اللهم أرنا الحق حقاً ورزقنا اتبعه , وأرنا الباطل باطلاً ورزقنا اجتنابه . آآآآآآآآآآآآآ ممممممممممميــــــــــــــــــن
__________________
ولله درّ القائل: إذا لم يكن في السّمع مني تصاون * * * وفي بصري غضّ وفي منطقي صمت فحظي إذن من صومي الجوعُ والظمأ * * * فإن قلتُ إني صُمتُ يوماً فما صُمتُ |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
.: عدد زوار المنتدى:.