|
كاتب الموضوع | بنت العمدة - أم الشيماء | مشاركات | 4 | المشاهدات | 2390 | | | | انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
فوائد تتعلق بالمناسك الحج والعمرة تدعو الحاجة إلى بيانها ومعرفتها
فوائد تتعلق بالمناسك الحج والعمرة تدعو الحاجة إلى بيانها ومعرفتها السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن وأله أما بعد: الفائدة 1: الحج : بفتح الحاء وكسرها ، وهما لغتان ، وقراءتان سبعيتان متواترتان في قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) (قاله الشيخ حمد الحمد في شرح الزاد ملزمةص1). والفتح أشهر(قاله البسام في توضيح الأحكام ج3ص243). وقال بعض أهل العلم : الحج بفتح الهاء هو المصدر ، وبالفتح والكسر هو الاسم منه (انظر الإعلام لابن الملقن ج6ص7 ، وانظر النيل للشوكاني ج4ص777). وذكر ابن الملقن – رحمه الله تعالى- في (الإعلام)ج1ص8،7 عن الخطابي : أن الحج قصد فيه تكرار ، أي : يرجعون إلى الشيء ويختلفون إليه ، وبيت الله عزوجل يرجعون إليه ويتقربون في كل عام ، ولأن الحاج يكون وروده على البيت عند القدوم ، وعند الإفاضة ، وعند الوداع ، وفيه تكرار الطواف. وقال القاضي عياض : الحج أيضا العمل . وقال الخليل-كما في لسان العرب- الحج: كثرة القصد إلى من تعظم. الفائدة 2: كم حجة حجها النبي – صلى الله عليه وسلم -؟ النبي – صلى الله عليه وسلم – حج حجتين قبل الهجرة ، وأما بعد الهجرة فقد حج حجة واحدة بلا خلاف ، وكانت سنة عشر بلا خلاف أيضا .(انظر الزاد لابن القيم ج2ص101 ) والدليل حديث جابر – رضي الله عنه – في جامع الترمذي (أن النبي – صلى الله عليه وسلم – حج ثلاث حجج ، حجتين قبل أن يهاجر ، وحجة بعدما هاجر ومعها عمرة..)صححه الألباني برقم(815). وقال العلامة ابن عثيمين في حديث الخثعمية في شرح البلوغ: ( وهذا الحديث في حجة الوداع ، وحجة الوداع هي الحجة التي حجها النبي – صلى الله عليه وسلم – آخر عمره ، ولم يحج قبلها بعد هجرته ، وهل حج قبل الهجرة ؟ فيه حديث رواه الترمذي بسند فيه نظر ، أنه حج مرتين ، والظاهر أنه حج عدة مرات ، لأن المعروف في السير أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يخرج إلى الموسم – موسم الحج – فيعرض نفسه على القبائل ويدعوهم إلى الله عزوجل)اهـ. الفائدة 3 : من طاف حاملا ولده الذي هو دون سن التمييز وقد أحرم به ، هل يصح طوافهما؟. قال العلامة ابن عثيمين في شرح كتاب الحج من بلوغ المرام في حديث ابن عباس (ألهذا حج؟) : ( فإن كان يطوف لنفسه ونوى عن نفسه وعن وليه ، فقال بعض العلماء : إنه لا يصح الطواف ، ويكون الطواف للمحمول دون الحامل ، وقيل بالعكس للحامل دون المحمول . وقيل لهما جميعا. والصحيح أنه لا يصح إذا كان الصبي لا يعرف النية ، لا يصح أصلا أن ينوي عنه وعن الطفل لأنه لا يمكن أن يقع فعل واحد بنيتين عن شخصين ، لأن الطفل الآن ، وليس منه عمل ، فلا يمكن أن يصح ، أن يكون عمل هذا الولي وهو دورانُه بهذا الطفل عن اثنين بنيتين . أما إذا كان يحسن النية ، فلا بأس أن أقول : انو الطواف ، وأنا أحمله أنوي عن نفسي ، ويكون هذا الطواف صحيحا لأنه الآن نوى أن يطوف ، فإذا نوى أن يطوف ، فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إنما الأعمال بالنيات ) ، وغاية ما فيه أنه كان محمولا من أجل العجز ، وهذا التفصيل هو أقرب ما قيل في هذه المسألة ، أن ينظر إن كان الصبي يعقل النية ، قيل له انو الطواف ، وحمله وليه وطاف به ، ولو كان الولي ينوي الطواف عن نفسه)اهـ. قلت : القول بأن الطواف يكون للمحمول دون الحامل قال به الحنابلة ، وهو أحد قولي الشافعي – رحمه الله تعالى - . والقول بأنه للحامل دون المحمول هو قول هو أحد قولي الشافعي – رحمه الله تعالى - . والقول بأنه لا يصح عن أحد منهما – وهو الذي رجحه العثيمين هنا- قال به أبو حفص العُكْبَرِي في شرحه ، كما ذكر ذلك عنه الموفق في "المغني" قال " لا يجزئ الطواف عن واحد منهما". والقول بأنه يصح للحامل والمحمول هو مذهب الحنفية ، وهو قول في مذهب الإمام أحمد ، واستحسنه الموفق في المغني فقال : (وهذا القول حسن) ، واختاره الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، ورجحه شيخنا حمد الحمد في (شرح الزاد) ، ورجحه الشيخ البسام في توضيح الأحكام ج3 ص 258 وقال : ( .. وأما إذا كان دون التمييز ، والناوي عنه حامله ، فظاهر الحديث إجزاء ذلك ، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يأمر المرأة التي سألته ، (لم يأمرها) أن تطوف له وحده ، ولها وحدها ، ولو كان واجبا لبينه.. )اهـ. قلت: وهذا الأخير هو الراجح لظاهر الحديث ، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يأمرها أن تطوف طوافين منفصلين لها ولوليدها ، ومعلوم في علم الأصول أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز . والله أعلم. الفائدة 4 : من طاف بالبيت وعليه نجس أو محدثا حدثا أكبر أو أصغر هل يصح طوافه أي هل تشترط الطهارة بقسميها : الطهارة من الأحداث والطهارة من الأنجاس في الطواف؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين : الأول : قول جمهور أهل العلم واختاره من المعاصرين العلامة الألباني وغيره : يشترطون ذلك ، فلو طاف جنبا أو غير متوضئ أو عليه نجاسة لم يجزئه ذلك ، واستدلوا بحديث في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنه – قالت : ( أول شيء بدأ به النبي – صلى الله عليه وسلم – حين قدم البيت أن توضأ ثم طاف بالبيت ) ، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم – ( لتأخذوا عني مناسككم)-كما في الصحيح-. واستدلوا أيضا بما رواه النسائي والترمذي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – مرفوعا: (الطواف بالبيت صلاة ، فمن نطق فيه فلينطق بخير).وصححه الألباني – رحمه الله تعالى – في صحيح الجامع وفي منسكه. قالوا : فلما كان الطواف صلاة فيشترط فيه ما يشترط في الصلاة. القول الثاني : مذهب أبي حنيفة وقول في مذهب أحمد ومذهب طائفة من السلف واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، واختاره من المعاصرين العلامة العثيمين وغيره.ذهبوا إلى أن ذلك ليس بشرط ، بل هو مشروع مستحب. وأما ما استدل به أصحاب القول الأول فليس فيه حجة ، أما حديث أم المؤمنين فهو حكاية فعل عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يدل على الوجوب فضلا عن الشرطية ، وإنما غايته أن يدل على الاستحباب كما هو مقرر في علم الأصول. أما قوله : ( لتأخذوا عني مناسككم ) فإن الوضوء خارج عن المناسك ، فأنتم - أي الجمهور - لم توجبوا الاضطباع ولا الرمل ولا غير ذلك مما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في طوافه ، وهما أولى بالإيجاب من الوضوء الخارج عن المناسك . والاضطباع والرمل من سنن الطواف بالإجماع ، فأولى من ذلك الوضوء الخارج عن الطواف. وأما حديث ابن عباس – رضي الله عنه - فإنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً بل هو موقوف على ابن عباس ، قال شيخ الإسلام : ( أهل العلم لا يرفعونه ) . ونحوه عن ابن عمر في النسائي . ولكن هذا الجواب يمكن أن يقال في رده : إنه قول صحابي اشتهر ولا يعلم له مخالف فيكون إجماعاً . والجواب عن ذلك هو: ما ذكره شيخ الإسلام وتلميذه - من أن قول الصحابي هنا - : ( الطواف بالبيت صلاة ) لا يقتضي اشتراط ما ذكرتموه بدليل أن استقبال القبلة ليس بشرط في الطواف ، والحركة الكثيرة المبطلة للصلاة لا يبطل الطواف اتفاقاً ، وبدليل جواز الأكل والشرب فيه ، وبدليل جواز الكلام فيه وغير ذلك مما ينهى عنه في الصلاة . فكل هذه المنهيات والشروط التي في الصلاة ، من استقبال قبلة ونحوها، ليست ثابتة في الطواف بالاتفاق ، فيتعين أن يكون مراد الصحابي أنه في حكم الصلاة في الإقبال على الله عز وجل والتعبد له ، وهذا نظير قول النبي صلى الله عليه وسلم في الماكث ينتظر الصلاة –كما في الصحيحين- هو : ( في صلاة ) ، مع أنه لا يشترط عليه ما يشترط على المصلين وهو مع ذلك في صلاة . أو أن الطواف يجتمع هو والصلاة في كونهما حول البيت ، فكما أن المصلي يتوجه إلى القبلة ، فإن الطائف يتعلق طوافه بالبيت ، وهذا هو الجامع بين الطواف والصلاة ، والمفارقات بينهما كثيرة جداً . وحيث كانت كذلك ، فلا يمكننا أن نلحق ما اشترطه الجمهور والمفارقات على هذه الطريقة وعلى هذه الكثرة . فالراجح : ما اختاره شيخ الإسلام من أن الطهارة من الأحداث والأنجاس ليست شرطاً في الطواف . .(انظر شرح الزاد لشيخنا حمد الحمد ص123ملزمة). يتبع.... الفائدة 5: من مات وعليه حج فرض فهل يحج عنه وليه؟ هذه المسألة وقع فيها خلاف بين أهل العلم : 1- ذهب الحنابلة والشافعية إلى أنه يجب أن يخرج من تركته مالا فيحج عنه ، واستدلوا بحديث ابن عباس – رضي الله عنه - : ( أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت هل أحج عنها ؟ قال : "حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء")اهـ. وقالوا : هذا في النذر ، والفريضة أحق بالأداء من النذر ، فيُحَج عنه سواء كان مفرطا أو غير مفرط ، واستثنوا من بلغ ولم يدرك الحج . 2- وذهب المالكية والأحناف إلى عدم وجوب ذلك ، إلا أن يوصي فيخرج من الثلث . والصحيح هو القول الأول لحديث الباب ، ويقاس عليه الفريضة من باب أولى. (انظر كلام شيخنا حمد الحمد في شرح بلوغ المرام"ملزمة"). الفائدة 6 : أجمعوا على أن الصبي والمملوك إذا بلغ بعد فوات الوقوف في عرفة أنه لا يجزئه عن حج الفريضة ، واختلفوا إذا بلغ الصبي وعتق المملوك قبل فوات الوقوف بعرفة: 1- المشهور في مذهب الحنابلة والشافعية وقال به إسحاق أنه يجزئه عن فريضة الإسلام ، وهذا هو مذهب ابن عباس كما في مصنف ابن أبي شيبة ، ولكنّ الأثر ضعيف لأنّ فيه ليث بن أبي سليم ، لكن روى أبو بكر القطيعي (كتاب المناسك) بسند صحيح عن قتادة وعن عطاء أنهما قالا: (إذا أعتق المملوك ، أو احتلم الغلام عشية عرفة فشهد الموقف أجزأ عنهما),(انظر الإرواء ج4ص159). 2- وذهب الإمام مالك إلى أنه لا يجزئ عنه -أي: عن الفريضة- ، لأنه أحرم بنية النفل فلا يجزئ ذلك عنه ، فلا ينتقل النفل إلى الفرض . فقال أهل القول الأول : إن الإحرام ليس مقصودا بذاته ، وإنما المقصود لذاته هو الأركان كالوقوف بعرفة ، والطواف في العمرة. والحقيقة قول الإمام مالك فيه قوة ، لكن لعل الأظهر هو قول الحنابلة والشافعية ومن وافقهم ، تحصيلا لمصلحة فرضية الحج لهما ، ولمشقة الحج في الغالب. والله أعلم. (انظر " شرح الزاد " لشيخنا حمد الحمد " ، و( المسالك في المناسك ) للكرماني .تحقيق الشيخ الشريم – حفظه الله تعالى - .
يتبع أن شا ء الله تعالى .
الموضوع الأصلي :
فوائد تتعلق بالمناسك الحج والعمرة تدعو الحاجة إلى بيانها ومعرفتها
-||-
المصدر :
منتديات الشعر السلفي
-||-
الكاتب :
بنت العمدة - أم الشيماء
التعديل الأخير تم بواسطة بنت العمدة - أم الشيماء ; 10-25-2010 الساعة 03:50 PM. |
#2
|
|||
|
|||
الفوائد من آداب الحج والعمرة
الفائدة الأولى في آداب الحج والعمرة قال الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (البقرة: 197). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الطواف بالبيت والصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله"(1). فينبغي للعبد أن يقوم بشعائر الحج على سبيل التعظيم والإجلال والمحبة والخضوع لله رب العالمين، فيؤديها بسكينة ووقار واتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وينبغي أن يشغل هذه المشاعر العظيمة بالذكر والتكبير والتسبيح والتحميد والاستغفار؛ لأنه في عبادة من حين أن يشرع في الإحرام حتى يحل منه، فليس الحج نزهة للهو واللعب يتمتع به الإنسان كما شاء من غير حد كما يشاهد بعض الناس يستصحب من آلات اللهو والغناء ما يصده عن ذكر الله ويوقعه في معصية الله، وترى بعض الناس يفرط في اللعب والضحك والاستهزاء بالخلق وغير ذلك من الأعمال المنكرة كأنما شرع الحج للمرح واللعب. ويجب على الحاج وغيره أن يحافظ على ما أوجبه الله عليه من الصلاة جماعة في أوقاتها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وينبغي أن يحرص على نفع المسلمين والإحسان إليهم بالإرشاد والمعونة عند الحاجة، وأن يرحم ضعيفهم خصوصاً في مواضع الرحمة كمواضع الزحام ونحوها، فإن رحمة الخلق جالبة لرحمة الخالق، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء. ويتجنب الرفث والفسوق والعصيان والجدال لغير نصرة الحق أما الجدال من أجل نصرة الحق فهذا واجب في موضعه. ويتجنب الاعتداء على الخلق وإيذاءهم؛ فيتجنب الغيبة والنميمة والسب والشتم والضرب والنظر إلى النساء الأجانب، فإن هذا حرام في الإحرام وخارج الإحرام، فيتأكد تحريمه حال الإحرام. وليتجنب ما يحدثه كثير من الناس من الكلام الذي لا يليق بالمشاعر كقول بعضهم إذا رمى الجمرات رمينا الشيطان، وربما شتم المشعر أو ضربه بنعل ونحوه مما ينافي الخضوع والعبادة ويناقض المقصود برمي الجمار وهو إقامة ذكر الله عز وجل. يتبع أن شا ء الله تعالى .
التعديل الأخير تم بواسطة بنت العمدة - أم الشيماء ; 10-25-2010 الساعة 03:57 PM. |
#3
|
|||
|
|||
الفائدة الثانية في محظورات الإحرام محظورات الإحرام هي التي يمنع منها المحرم بحج أو بعمرة بسبب الإحرام وهي ثلاثة أقسام: قسم يحرم على الذكور والإناث، وقسم يحرم على الذكور دون الإناث، وقسم يحرم على الإناث دون الذكور. فأما الذي يحرم على الذكور والإناث فمنه ما يأتي: 1- إزالة الشعر من الرأس بحلق أو غيره وكذلك إزالته من بقية الجسد على المشهور، لكن لو نزل بعينيه شعر يتأذى منه ولم يندفع أذاه إلا بقلعه فله قلعه ولا شيء عليه، ويجوز للمحرم أن يحك رأسه بيده برفق، فإن سقط منه شعر بلا تعمد فلا شيء عليه. 2- تقليم الأظافر من اليدين أو الرجلين إلا إذا انكسر ظفره وتأذى به فلا بأس أن يقص المؤذي منه فقط، ولا شيء عليه. 3- استعمال الطيب بعد الإحرام في الثوب أو البدن أو غيرهما، أما الطيب الذي تطيب به قبل الإحرام فإنه لا يضر بقاؤه بعد الإحرام؛ لأن الممنوع في الإحرام ابتداء الطيب دون استدامته، ولا يجوز للمحرم أن يشرب قهوة فيها زعفران؛ لأن الزعفران من الطيب إلا إذا كان قد ذهب طعمه وريحه بالطبخ ولم يبق إلا مجرد اللون فلا بأس. 4- النظر والمباشرة لشهوة. 5- لبس القفازين وهما (شراب) اليدين. 6- قتل الصيد وهو الحيوان الحلال البري المتوحش مثل الظباء والأرانب والحمام والجراد، فأما صيد البحر فحلال فيجوز للمحرم صيد السمك من البحر، وكذلك يجوز له الحيوان الأهلي كالدجاج. وإذا انفرش الجراد في طريقه ولم يكن طريق غيرها فوطئ شيئاً منه من غير قصد فلا شيء عليه؛ لأنه لم يقصد قتله ولا يمكنه التحرز منه. وإما قطع الشجر فليس حراماً على المحرم؛ لأنه لا تأثير للإحرام فيه، وإنما يحرم على من كان داخل أميال الحرم سواء كان محرماً أو غير محرم، وعلى هذا فيجوز قطع الشجر في عرفة ولا يجوز في منى ومزدلفة؛ لأن عرفة خارج الأميال، ومنى ومزدلفة داخل الأميال. ولو أصاب شجرة وهو يمشي من غير قصد فلا شيء عليه، ولا يحرم قطع الأشجار الميتة. وأما الذي يحرم على الذكور دون الإناث فهو شيئان: 1- لبس المخيط وهو أن يلبس الثياب ونحوها على صفة لباسها في العادة كالقميص (والفنيلة) والسروال ونحوها، فلا يجوز للذكر لبس هذه الأشياء على الوجه المعتاد. أما إذا لبسها على غير الوجه المعتاد فلا بأس بذلك مثل أن يجعل القميص رداء، أو يرتدي بالعباءة جاعلاً أعلاها أسفلها فلا بأس بذلك كله، ولا بأس أن يلبس رداءً مرقعاً أو إزاراً مرقعاً أو موصولاً. و يجوز لبس السبتة وساعة اليد ونظارة العين وعقد ردائه وزره بمشبك ونحوه؛ لأن هذه الأشياء لم يرد فيها منع عن النبي صلى الله عليه وسلم وليست في معنى المنصوص على منعه، بل قد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم فقال: "لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس والخفاف (2)، فإجابته صلى الله عليه وسلم بما لا يلبس عن السؤال عما يلبس دليل على أن كل ما عدا هذه المذكورات فإنه مما يلبسه المحرم، وأجاز صلى الله عليه وسلم للمحرم أن يلبس الخفين إذا عدم النعلين لاحتياجه إلى وقاية رجليه، فمثله نظارات العين لاحتياج لابسها إلى وقاية عينيه، وأجاز الفقهاء على المشهور من المذهب لباس الخاتم للرجل المحرم. ويجوز للمحرم أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار ولا ثمنه، وأن يلبس الخفين إذا لم يجد النعلين ولا ثمنهما لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو يخطب بعرفات: "من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل"(3). 2- تغطية رأسه بملاصق كالعمامة والغترة والطاقية وشبهها، فأما غير المتصل كالخيمة والشمسية وسقف السيارة فلا بأس به؛ لأن المحرم ستر الرأس دون الاستظلال، وفي حديث أم الحصين الأحمسية قال: "حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلته، والآخر رافعاً ثوبه على رأس النبي صلى الله عليه وسلم يظلله من الشمس" وفي رواية: "يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة"، رواه أحمد ومسلم(4)، وهذا كان في يوم العيد قبل التحلل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يرمي الجمار في غير يوم العيد ماشياً لا راكباً. ويجوز للمحرم أن يحمل المتاع على رأسه إذا لم يكن قصده ستر الرأس، ويجوز له أيضاً أن يغوص في الماء ولو تغطى رأسه بالماء. وأما الذي يحرم على النساء دون الذكور فهو النقاب وهو أن تستر وجهها بشيء وتفتح لعينيها ما تنظر به، ومن العلماء من قال لا يجوز أن تغطي وجهها لا بنقاب ولا غيره إلا أن يمر الرجال قريباً منها؛ فإنه يلزمها أن تغطي وجهها ولا فدية عليها سواء مسه الغطاء أم لا. وفاعل المحظورات السابقة له ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يفعل المحظور بلا عذر ولا حاجة، فهذا آثم وعليه الفدية. الحالة الثانية: أن يفعل المحظور لحاجة إلى ذلك مثل أن يحتاج إلى لبس القميص لدفع برد يخاف منه الضرر؛ فيجوز أن يفعل ذلك وعليه فديته كما جرى لكعب بن عجرة رضي الله عنه حين حمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر من رأسه على وجهه؛ فرخص له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه ويفدي(5). الحالة الثالثة: أن يفعل المحظور وهو معذور إما جاهلاً أو ناسياً أو نائماً أو مكرهاً فلا إثم عليه ولا فدية لقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (الأحزاب: 5). وقال تعالى:(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة: 286). فقال الله تعالى: قد فعلت. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه(6)"، وهذه نصوص عامة في محظورات الإحرام وغيرها تفيد رفع المؤاخذة عن المعذور بالجهل والنسيان والإكراه، وقال تعالى في خصوص الصيد الذي هو أحد محظورات الإحرام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (المائدة: 95). فقيد وجوب الجزاء بكون القاتل متعمداً، والتعمد وصف مناسب للعقوبة والضمان، فوجب اعتباره تعليق الحكم به، وإن لم يكن متعمداً فلا جزاء عليه ولا إثم. لكن متى زال العذر فعلم الجاهل وتذكر الناسي واستيقظ النائم وزال الإكراه فإنه يجب التخلي عن المحظور فوراً، فإن استمر عليه مع زوال العذر فهو آثم وعليه الفدية، مثال ذلك أن يغطي الذكر رأسه وهو نائم فإنه ما دام نائماً فلا شيء عليه، فإذا استيقظ لزمه كشف رأسه فوراً، فإن استمر في تغطيته مع علمه بوجوب كشفه فعليه الفدية. ومقدار الفدية في المحظورات التي ذكرناها كما يأتي: 1- في إزالة الشعر والظفر والطيب والمباشرة لشهوة ولبس القفازين ولبس الذكر المخيط وتغطية رأسه وانتقاب المرأة الفدية في هذه الأشياء في كل واحد منها إما ذبح شاة، وإما إطعام ستة مساكين، وإما صيام ثلاثة أيام يختار ما يشاء من هذه الأمور الثلاثة، فإن اختار ذبح الشاة فإنه يذبح ذكراً أو أنثى من الضان أو الماعز مما يجزئ في الأضحية، أو ما يقوم مقامه من سبع بدنة أو سبع بقرة، ويفرق جميع اللحم على الفقراء ولا يأكل منه شيئاً، وإن اختار إطعام المساكين فإنه يدفع لكل مسكين نصف صاع مما يطعم من تمر أو بر أو غيرهما، وإن اختار الصيام فإنه يصوم الأيام الثلاثة إن شاء متوالية وإن شاء متفرقة. 2- في جزاء الصيد فإن كان للصيد مثل، خير بين ثلاثة أشياء: إما ذبح المثل وتفريق جميع لحمه على فقراء مكة، وإما أن ينظر كم يساوي هذا المثل ويخرج ما يقابل قيمته طعاماً يفرق على المساكين لكل مسكين نصف صاع، وإما أن يصوم عن طعام كل مسكين يوماً. فإن لم يكن للصيد مثل خير بين شيئين: إما أن ينظر كم قيمة الصيد المقتول ويخرج ما يقابلها طعاماً يفرقه على المساكين لكل مسكين نصف صاع، وإما أن يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً. مثال الذي له مثل من النعم الحمام ومثيلها الشاة فنقول لمن قتل حمامة: أنت بالخيار إن شئت فاذبح شاة، وإن شئت فانظر كم قيمة الشاة وأخرج ما يقابلها من الطعام لفقراء الحرم لكل واحد نصف صاع، وإن شئت فصم عن إطعام كل مسكين يوماً. ومثال الصيد الذي لا مثل له الجراد فنقول لمن قتل جراداً متعمداً: إن شئت فانظر كم قيمة الجراد وأخرج ما يقابلها من الطعام لمساكين الحرم لكل مسكين نصف صاع، وإن شئت فصم عن إطعام كل مسكين يوماً. (1) رواه الترمزى، كتاب الحج رقم 902). (2) رواه البخاري، كتاب الحج رقم (1542) ومسلم، كتاب الحج رقم (1177). (3) رواه البخاري، كتاب جزاء الصيد رقم (1841) ومسلم، كتاب الحج رقم (1178). (4) رواه مسلم، كتاب الحج رقم (1298) وأحمد (6/402). (5) رواه البخاري، كتاب المحصر رقم (1814 وما بعده) ومسلم، كتاب الحج رقم (1201). (6) ابن ماجة كتاب الطلاق رقم (2043). منقول من مكتبة الشيخ العلامة :محمد بن صالح العثيمين رحمة الله تعالى رحمة واسعة. يتبع أن شا ء الله تعالى . |
#4
|
|||
|
|||
الفائدة الثالثة في إحرام الصغير
الصغير الذي لم يبلغ لا يجب عليه الحج، لكن لو حج فله أجر الحج ويعيده إذا بلغ، وينبغي لمن يتولى أمره من أب أو أم أو غيرهما أن يحرم به وثواب النسك يكون للصبي ولوليه أجر على ذلك لما في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة رفعت صبياً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال" "نعم ولك أجر". وإذا كان الصبي مميزاً وهو الذي يفهم ما يقال له فإنه ينوي الإحرام بنفسه فيقول له وليه: أنو الإحرام بكذا، ويأمره أن يفعل ما يقدر عليه من أعمال الحج مثل الوقوف بعرفة والمبيت بمنى ومزدلفة، وأما ما يعجز عن فعله كرمي الجمار فإن وليه ينوب عنه فيه أو غيره بإذنه إلا الطواف والسعي فإنه إذا عجز عنهما يحمل ويقال له: أنو الطواف أو السعي. وفي هذه الحال يجوز لحامله أن ينوي الطواف والسعي عن نفسه أيضاً والصبي عن نفسه فيحصل الطواف والسعي للجميع؛ لأن كلا منهما حصل منه نية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"(1). وإذا كان الصبي غير مميز فإن وليه ينوي له الإحرام ويرمي عنه ويحضره مشاعر الحج وعرفة ومزدلفة ومنى يطوف ويسعى به، ولا يصح في هذه الحال أن ينوي الطواف والسعي لنفسه وهو يطوف ويسعى بالصبي؛ لأن الصبي هنا لم يحصل منه نية ولا عمل وإنما النية من حامله فلا يصح عمل واحد بنيتين لشخصين بخلاف ما إذا كان الصبي مميز لأنه حصل منه نية والأعمال بالنيات، هذا ما ظهر لي، وعليه فيطوف الولي ويسعى أولاً عن نفسه، ثم يطوف ويسعى بالصبي أو يسلمه إلى ثقة يطوف ويسعى به. وإحكام إحرام الصغير كأحكام إحرام الكبير؛ لأن النبي صلى لله عليه وسلم أثبت أن له حجاً فإذا ثبت الحج ثبتت أحكامه ولوازمه، وعلى هذا فإذا كان الصغير ذكراً جنب ما يجتنبه الرجل الكبير، وإن كانت أنثى جنبت ما تجتنبه المرأة الكبيرة، لكن عند الصغير بمنزلة خطأ الكبير، فإذا فعل بنفسه شيئاً من محظورات الإحرام فلا فدية عليه ولا على وليه. الفائدة الرابعة في الاستنابة في الحج إذا وجب الحج على شخص فإن كان قادراً على الحج بنفسه وجب عليه أن يحج، وإن كان عاجزاً عن الحج بنفسه فإن كان يرجو زوال عجزه كمريض يرجو الشفاء فإنه يؤخر الحج حتى يستطيع، فإن مات قبل ذلك حج عنه من تركته ولا إثم عليه. وإن كان الذي وجب عليه الحج عاجزاً عجزاً لا يرجو زواله كالكبير والمريض الميؤوس منه ومن لا يستطيع الركوب فإنه يوكل من يحج عنه؛ لما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما "أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم، وذلك في حجة الوداع". ويجوز أن يكون الرجل وكيلاً عن المرأة والمرأة عن الرجل. وإذا كان الوكيل قد وجب عليه الحج ولم يحج عن نفسه فإنه لا يحج عن غيره بل يبدأ بنفسه أولاً لحديث ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة"، رواه أبو داود وابن ماجة(2"). والأولى أن يصرح الوكيل بذكر موكله فيقول: لبيك عن فلان، وإن كانت أنثى قال: لبيك عن أم فلان أو عن بنت فلان، وإن نوى بقلبه ولم يذكر الاسم فلا بأس، وإن نسي اسم الموكل نوى بقلبه عمن وكله وإن لم يستحضر اسمه والله تعالى يعلمه ولا يخفى عليه. ويجب على الوكيل أن يتقي الله تعالى ويحرص على تكميل النسك لأنه مؤتمن على ذلك، فيحرص على فعل ما يجب وترك ما يحرم، ويكمل ما استطاع من المكملات للنسك ومسنوناته. ________________________________________ (1) رواه البخاري، كتاب بدء الوحي رقم (1) ومسلم، كتاب الجهاد رقم (1907). (1) رواه أبو داود، كتاب المناسك رقم (1811) وابن ماجة، كتاب المناسك رقم (2903). منقول من مكتبة الشيخ العلامة :محمد بن صالح العثيمين رحمة الله تعالى رحمة واسعة. يتبع أن شا ء الله تعالى . |
#5
|
|||
|
|||
الفائدة الخامسة : الأضحية المقصود بالأضاحي هو نفع الفقراء بلحمها؛ ولذلك نجدهم في هذه المناسبة يبثّون أوراقًا يحثّون الناس على أن يأخذوا منهم الأضاحي ليضحّوها في أفغانستان أو في غيرها من البلاد الفقيرة ولا أظن هؤلاء إلا يريدون الخير ولكنهم أرادوا الخير فاجتهدوا فأخطؤوا في اجتهادهم، والذي ينبغي للإنسان الذي يريد الخير أن يجعل إرادته مبنيّة على قواعد الشريعة حتى لا يَضِلّ ولا يُضِلّ .إن الدين الإسلامي ليس مبنيًّا على العاطفة وليس مبنيًّا على الهوى، ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾[المؤمنون: 71] . إن الدين الإسلامي مبنيٌّ على قواعد عظيمة متينة وهي ما جاء في كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن هذه الدعوة بل هذه الدعاية إنه يحصل بها فوات مقصود كبير في الأضاحي؛ لذلك فإني أنصح إخواني المسلمين ألا يقبلوا هذه الدعاية ولا يبعثوا بدراهمهم ليُشترى بها أضاحي في أفغانستان أو في غيرها بل يضحّون بأنفسهم في بلادهم، وإذا أرادوا التبرّع لهذه البلاد فإن باب التبرّع واسع وباب التبرّع مفتوح لهم أن يتبرّعوا بِما شاؤوا، أما الشعائر الدينية فإنه يجب أن تكون محترمة معظّمة . أيها المسلمون، إن نقل الأضاحي إلى خارج البلاد يفوت به مصالح كثيرة: الأولى: أنه يفوت به إظهار شعيرة من شعائر الله وهي الأضاحي فتُصبح البلاد معطّلة من هذه الشعيرة في بعض البيوت وربما أدى ذلك إلى التوسّع فتعطّلت كثير من البيوت من هذه الشعيرة، ومن المعلوم أن الأضاحي من شعائر الله وليس المقصود منها مجرّد الانتفاع باللحم، قال الله عزَّ وجل: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾[الحج: 37]، وفرَّق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الأضحية واللحم فقال: «مَن صلَّى صلاتنا ونسَكَ نسكنا فقد أصاب النسك، ومَن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم، فقال رجل: يا رسول الله، نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تلك شاة لحم»(9)، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«مَنْ ذبح بعد الصلاة فقد تَمّ نسكه وأصاب سنَّة المسلمين»(10)، فتأمّل كيف قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وأصاب سنّة المسلمين»؛ ليتبيّن لك أن هذه طريقة المسلمين أن يضحّوا وأن الأضاحي شعيرة من شعائر الإسلام . وفي هذه الآية وهذا الحديث دليل واضح على أنه ليس المقصود من الأضاحي مجرّد الانتفاع باللحم؛ إذ لو كان الأمر كذلك لم يكن فرق بين المذبوح قبل الصلاة وبعدها، ويدل لذلك أيضًا أن الأضحية خُصَّت بنوع معيّن من البهائم وهي الإبل والبقر والغنم وقُيِّدت بشروط معيَّنة: كبلوغ السن، والسلامة من العيوب وكونها في أيام النحر، ولو كان المقصود مجرّد الانتفاع باللحم لأجزأت بكل بهيمة حلال كالدجاج والظباء ولأجزأت بالصغير من الأنعام ولأجزأت بالعضو من البهيمة . فالأضاحي - أيها المسلمون - لها شأن كبير في الإسلام ولهذا جُعل لها حرمات، فمَن أراد أن يضحّي «فإنه لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته شيئًا»(11)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك، ولو كان المقصود بها مجرّد التصدّق باللحم لم تكن لها هذه الحرمة؛ لأن الإنسان إذا أراد أن يتصدّق ولو بالملايين من الغنم والإبل والبقر فإنه لا يحرم عليه أن يأخذ شيئًا من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته . إذنْ: فالأضحية عبادة مقصودة بذاتها . وإنني أقف عند هذه النقطة لأُبيّن حكم ذلك، فإذا كان الإنسان يريد أن يضحّي فإنه لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته - يعني: جِلْده - شيئًا، وأما أهل البيت المضحّى عنهم فإن لهم أن يأخذوا من ذلك ما شاؤوا في الحدود الشرعية ولا يُنهون عن الأخذ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى مَنْ يضحي؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يضحي عنه وعن أهل بيته ولم يُنقل أنه كان ينهى أهل بيته أن يأخذوا شيئًا من ذلك . الثانية: أعني من المصالح التي تفوت إذا نُقلت الأضاحي إلى خارج البلاد: مصلحة مباشرة المضحّي ذبح أضحيته؛ فإن السنّة أن يذبح المضحي أضحيته بنفسه تقرّبًا إلى الله واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان يذبح أضحيته بنفسه، وقد قال أهل العلم: إذا كان المضحّي لا يُحسن الذبح بنفسه فلْيحضر الذبح . الثالثة: من المصالح التي تفوت بنقل الأضاحي إلى خارج البلاد: شعورُ المضحي بالتعبّد لله تعالى بالذبح نفسه؛ فإن الذبح نفسه عبادة عظيمة قَرَنَها الله - عزَّ وجل - بالصلاة في قوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾[الكوثر: 2]، وفي قوله: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162]، فأين التعبّد للإنسان الذي أخرج أضحيته عن بلاده ولم يشهدها ولم يباشرها بنفسه ؟ أين التعبّد الذي يحصل للقلب إذا كانت أضحيتك تُذبح في المشرق أو في المغرب ؟ الرابعة: من المصالح التي تفوت بنقل الأضاحي إلى خارج البلاد: مصلحة ذكْر المضحي اسم الله على أضحيته، وقد أمر الله - عزَّ وجل - بذكر اسمه عليها فقال:﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج: 36]، وقال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا﴾[الحج: 34]، وفي هذا دليل على أن ذبح الأضحية وذكْر اسم الله عليها عبادة مقصودة بذاتها وأنها من توحيد الله وتمام الاستسلام له، وربما كان هذا المقصود أعظم بكثير من مجرّد انتفاع الفقير بها . ومن المعلوم أن مَنْ نقلها إلى خارج البلاد لم يحصل له هذا الشعور العظيم الذي به تمام التوحيد والاستسلام لله عزَّ وجل . الخامسة: من المصالح التي تفوت بنقل الأضاحي إلى خارج البلاد: مصلحة الأكل من الأضحية؛ فإن المضحّي مأمور بالأكل من أضحيته إما وجوبًا وإما استحبابًا على خلاف في ذلك بين العلماء، بل إن الله - عزَّ وجل - قدَّم الأكل منها على إطعام الفقير فقال تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: 28]، وقال تعالى: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾[الحج: 36]، ومن المعلوم أن نقْلَها إلى خارج البلاد يؤدّي إلى عدم الأكل منها فيكون الناقل لها مخالفًا لأمر الله ويكون آثِمًا على قول مَن قال بوجوب الأكل منها من أهل العلم . وإذا كانت الأضاحي وصايا فإن نقْلها قد يفوت به مصلحة سادسة وهي: مقصود الموصين؛ لأن الموصين لم يكن في بالِهم حين أوصوا بالأضاحي إلا أن تتمتّع ذريتهم وأقاربهم بهذه الأضاحي وأن يباشروا بأنفسهم تنفيذها، ولم يخطر ببالِهم أبدًا أن أضاحيهم ستنقل إلى بلاد أخرى قريبة أو بعيدة فيكون في نقل أضاحي الوصايا مخالفة لِمَا يظهر من مقصود الموصين، ومع فوات هذه المصالح بنقل الأضاحي إلى خارج البلاد فإن فيه مفسدة قد تكون كبيرة جدًّا لدى الناظر المتأمّل ألا وهي: أن الناس ينظرون إلى العبادات الماليّة نظرةً اقتصادية محضة أو نظرةً تعبّديّة قاصرة بحيث يشعر أنه استفاد منها مجرّد الإحسان إلى الغير مع أن الفائدة الكبرى من هذه العبادات المالية هي التعبّد لله وابتغاء مرضاته والتقرّب إليه بحيث يشعر الإنسان أنه بهذا الفعل متعبّد لله متقرّب إليه لا مجرّد أنه مُحسن إلى أخيه ونافع له؛ لأن العبادات المالية المتعدّية للغير لها جهتان: جهة تعبّدٍ لله تعالى، وجهة إحسانٍ إلى الغير، والجهة الأولى أعظم وأحق بالمراعاة من الجهة الثانية . إذنْ: فَنَقْلُ الأضاحي إلى أفغانستان أو إلى غيرها من البلاد المحتاجة تفوت به ست مصالح، يفوت به: إظهار شعيرة الأضحية، ويفوت به: ذبح المضحي أضحيته بنفسه أو حضوره ذبحها، ويفوت به: شعور المضحي بالتعبّد لله بالذبح نفسه، ويفوت به: ذكْر المضحي اسم الله على أضحيته، ويفوت به: الأكل من الأضحية الذي قدّمه الله على إطعام الفقير وقال بعض العلماء بوجوبه، ويفوت به: إن كانت الأضحية وصيّة ما يظهر من مقصود الموصين، وبالإضافة إلى فوات هذه المصالح يحصل به مفسدة نظر الناس إلى العبادات المالية المتعدية للغير نظرةً اقتصادية محضة وهذا بلا شك يُخِلُّ بجانب التعبّد . فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزَّ وجل، وألا نُقدم على أمر إلا إذا وزناه بميزان الكتاب والسنّة؛ حتى نكون بذلك على بصيرة من الله وعلى بيّنة وبرهان . وإني أقول أخيرًا كما قلت أولاً: لا تبذلوا دراهم لتضحّوا في أفغانستان ولا غيرها ولكن ضحّوا في بلادكم وعلى مشهد من أهليكم، ضحّوا لأنفسكم ولأهليكم، أما أفغانستان وغيرها من البلاد الأخرى المحتاجة إلى معونتكم فإني أحثّكم على معونتهم بقدر ما تستطيعون، فالمعونة شيءٌ والعبادات شيءٌ آخر، والأضحية عبادة لا ينبغي للإنسان أن يُخِلَّ بها . أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم مِمَّن يعبد الله على بصيرة، ومِمَّن يدعو إليه على بصيرة . اللهم أرِنا الحق حقًّا وارزقنا اتّباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم وفّقنا لِمَا تحب وترضى؛ إنك جوادٌ كريم . عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾[النحل: 90-91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزِدْكُم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾[العنكبوت: 45] . منقول من مكتبة الشيخ العلامة :محمد بن صالح العثيمين رحمة الله تعالى رحمة واسعة.
__________________
ولله درّ القائل: إذا لم يكن في السّمع مني تصاون * * * وفي بصري غضّ وفي منطقي صمت فحظي إذن من صومي الجوعُ والظمأ * * * فإن قلتُ إني صُمتُ يوماً فما صُمتُ التعديل الأخير تم بواسطة بنت العمدة - أم الشيماء ; 10-13-2012 الساعة 06:01 PM. |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
.: عدد زوار المنتدى:.