السيل الفائض على القرني عائض للشيخ أبي العباس محمد رحيل حفظه الله

[أبو تراب عبدالأعلى بن العلمي]

السيل الفائض على القرني عائض

الحمد لله رب العالمين,والصلاة والسلام على اشرف المرسلين,نبينا محمد وآله الطيبين,و صحابته الغر الميامين,والتابعين بإحسان إلى يوم الدين,أما بعد:
فإن الفتن ما تكاد تطل برأسها حتى ترى دعاة الخروج قد خرجوا من غمد جلود أفاعيهم,وبدؤوا في نفث سمومهم,فإذا وقع فأس كلامهم على رؤوس الكثيرين,وظهرت نتائجه السيئة,قاموا يموهون:{ما أردنا إلا الحسنى} وجِّه كلامنا على غير وجهته,ومن أولائك الدكتور عائض القرني فإنه قد بث كلاما في خصوص ما قام به الشعب التونسي ضد نظامه,في غاية الخطورة وهاهو دونك نأتي به تحذيرا:

تشجيعه للثورات
قال في المقال المنشور في جريدة الشروق يوم:17/صفر1432هـ الموافقل:22/جانفي2011م:{شكرا أيها التونسيون...أسقطتم الصنم,وطردتم الطاغوت}
التعليق:هذا تشجيع على الثورات,وليس هذا من منهج السلف,بل هو من نهج الخوارج.

استدلاله ببيت الشابي على قواعد الجبرية والمعتزلة

قال القرني:{إلى الشعب التونسي العظيم, شعب الثورة و الإستقلال,سلام من أرض الحرمين,من مهد الحرمين والرسالة إلى ثورة عظيمة شهدت لكم عبر العالم,وأحيي انتصاراتكم على الظلم والإستبداد والطغيان,فقد حققتم ما قال شاعركم أبو القاسم الشابي:
إذا الشعب يوما أراد الحياة*****فلا بدَّ أن يستجيب القدرُ
شكرا من الأعماق,ومن كل الضمير,شكرا عبر الهواء والماء,نبعث لكم رسائل الحب,لأنكم أسقطتم الصنم والطاغوت,ونصرتم معالم الإسلام على أرضكم.}
التعليق:لنا وقفات مع كلام الداعية عائض القرني:
الوقفة الأولى:إشادته بالثورة التي قام بها التونسيون ضد حاكمهم,وسماها ثورة عظيمة,مع أنها تندرج عند أهل العلم الراسخين تحت الثورات الخارجية,إذ مبدؤها كان بمسيرات وحكمها في الشرع معروف,فقد سئل العلامة ابن باز عنها هذا السؤال:السؤال: هل المظاهرات الرجالية والنسائية ضد الحكام والولاة تعتبر وسيلة من وسائل الدعوةوهل من يموت فيها يعتبر شهيداً؟
الجواب:لا أرى المظاهرات النسائية والرجاليةمن العلاج ولكني أرى أنها من أسباب الفتن ومن أسباب الشرور...وسئل الشيخ عبدالعزيز الراجحي حفظه الله عن المظاهرات فقال:
(المظاهرات هذه ليست من أعمال المسلمين ،هذه دخيلة ،ما كانت معروفة ........)أهـ،.
ويقولسماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ المفتى العام للمملكةوالرئيس العام لهيئة كبار العلماء عن المظاهرات كما في مجلة الدعوة العدد(1916) ص :
{ماهي إلا فوضوية ومن أناس لديهم فساد تصور وقلة إدراك للمصالح من المفاسد}
ويقول فضيلة العلامة الشيخ صالح اللحيدان حفظه الله في جريدة الرياض العدد (12918):
(أن المظاهرات والمسيرات ليست من الطرق المشروعة ،............
وأن على السلطة أن تمنع مثل هذه الأمور )أهـ،.
ويقول الشيخ أحمد النجمي في كتابه(المورد العذب الزلال)ص (228):تنظيم المسيرات والتظاهرات ،والإسلام لايعترف بهذا الصنيع ولايقره،بل هومحدث،.........)أهـ،.
إذن فما بال عائض القرني يخالف أهل العلم ,ويثني على ثورة تونس.وهل هذا إلا من فساد المنهج.
الوقفة الثانية:قوله{أحيي انتصاراتكم على الظلم والإستبداد والطغيان}.
التعليق:وما يدريك يا فقيه الواقع؟ لا يزال مصيرهم مجهولا,كيف وهم اليوم بلا سلطان,ألم يقل أهل العلم:سلطان غشوم,خير من فتنة تدوم.
وقولك هذا يستغل من طرف الشباب المتحمسين,يخرجون على حكامهم,ثم يقولون قال القرني: [ أحيي انتصاراتكم].أليس هذا دفعا للشعوب في غياهيب الخروج والثورات؟
الوقفة الثالثة:وهي الطامة الكبرى-قوله قد حققتم ما قال شاعركم أبو القاسم الشابي:
إذا الشعب يوما أراد الحياة*****فلا بدَّ أن يستجيب القدرُ
التعليق سبحان الله,أين بصيرتك يا عائض,أليس هذا البيت متضمنا للكفر بالله تعالى,إذ مفاده أن الله عزوجل يجب عليه أن يتبع إرادة الشعب إذا ما اختار الحياة ,واعتقاد هذا كفر صريح.
وبهذه المناسبة أذكر أني سمعت الألباني-رحمة لله تعالى- ذكر في أحد أشرطته أن أحد الدعاة-أو نحو هذا-استدل بهذا البيت أمام جمع من الناس في الحجاز فقال بعض العلماء الحاضرين:إيش هذا الكفر؟ ونقله الألباني مقرا له.ولا أذكر الآن الشريط ولا رقمه,فلعل أحدا يدلنا عليه حتى نوثِّقه.
ولا أدري كيف وقع القرني فيما وقع فيه القدرية النفاة,حيث غلوا في إثبات مشيئة العبد,ونفوا أن يكون لله مشيئة.القضاء والقدر لابن عثيمين{ص 13} .ووقع-أيضا- فيما وقع فيه المعتزلة في قولهم:[يجب على الله أن يفعل الأصلح]. شرح العقيدة الطحاوية[ص 148] ط المكتب الإسلامي.
الوقفة الرابعة:قوله:{ نبعث لكم رسائل الحب,لأنكم أسقطتم الصنم والطاغوت,ونصرتم معالم الإسلام على أرضكم.}
التعليق:هذه النصرة على قاعدة:{الغاية تبرر الوسيلة} الباطلة. أسقطوا الصنم والطاغوت في زعمه,بالمظاهرات والمسيرات,التي مر معنا كلام أهل العلم فيها. وقوله:{نصرتم معالم الإسلام على أرضكم} أين هي نصرة الإسلام,هل حكم في تونس بما أنزل الله؟أم أقيمت الحدود؟.وهل من قام ثائرا من أجل دنياه يعتبر ناصرا للإسلام؟كلا والله.
من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله,كما هو نص الحديث الصحيح.مع مراعاة الضوابط المعلومة عند الفقهاء.

حكمة بالشهادة لمن سقطوا في المظاهرات التونسية

قال عائض القرني:{بالمناسبة فإنني أترحم على الشاب التونسي محمد البوعزيزي,وأسأل الله أن يغفر له,ويتجاوز عنه,’ويدخله جنات النعيم,وأعزي عائلته,وأسر الشهداء,التونسيين الأبطال الذين سقطوا في ثورة الشعب المباركة}
التعليق:فيه ثلاثة مؤاخذات:
1-بالنسبة للترحم على الذي أحرق نفسه أو قتلها,فمن ناحية الجواز لا إشكال في ذلك,لكن يبقى إذا ما كان هذا الترحم يؤدي إلى اغترار الكثيرين بدعاء عائض القرني وترحمه,فيفعلون فعل البوعزيزي ,فهنا يتعين ترك إظهار الترحم,حفظا لشباب المسلمين وزجرا لأمثال البوعزيزي حتى لا يقتلوا أنفسهم.والدليل على ذلك {أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على الذي قتل نفسه }رواه مسلم{978}كتاب الجنائز باب ترك الصلاة على القاتل نفسه.قال العلامة ابن باز رحمه الله:قاتل نفسه أتى جريمة عظيمة فلا يصلي عليه الإمام أو كبار أهل البلد والجماعة, و يصلي عليه غيرهم.أحكام الجنائز د.سعيد بن علي بن وهف القحطاني. [ص272-273].
وصلاة الجنازة إنما هي دعاء وترحم,واستغفار.قال بعضهم :
ويجوز دينا للإمام ومثله ***ترك الصلاة على ذوي العصيان
وكذاك مرجوم وقاتل نفسه***للزجر والتأديب بالهجران.
قال الخطابي :وترك الصلاة عليه معناه العقوبة له وردعا لغيره عن مثل فعله.سبل السلام {470}.
2-حكمه بالشهادة لمن مات في هذه الثورة التي سماها المباركة:الشهادة حكم غيبي لا يجوز أن يحكم لأحد بعينه أنه شهيد إلا من شهد له رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بذلك.ومن تراجم البخاري باب لا يقال فلان شهيد ثم ساق تحته حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:الله أعلم بمن يجاهد في سبيله,واله أعلم بمن يكلم في سبيله} قال الحافظ:أي على سبيل القطع بذلك,إلا إن كان بالوحي,وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال:تقولون في مغازيكم,فلان شهيد,ومات فلان شهيدا ولعله قد يكون قد أوقر راحلته,’ألا لا تقولوا ذلكم,ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد وهو حديث حسن.أخرجه أحمدوسعيدج بن منصور وغيرهما,-ثم قال-فالمراد النهي عن تعيين وصف واحد بعينه بأنه شهيد بل يجوز أن يقال ذلك على طريق الإجمال ا.هـ من فتح الباري [6/68].ط دار إحياء التراث العربي.
قلت :هذا فيمن مات في جهاد شرعي,فكيف بمن مات في فتنة هائجة وكان محرقا لنفسه بيده متعمدا.نسأل الله العافية والسلامة.
فهذا المقال نقدمه لأولئك الذين قالوا إن عائضا القرني قد تاب من أفكار الخروج,كيف وهو لا يزال يبث في هذه السموم,عبر وسائل الإعلام.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أقول لشبابنا :حكموا الشرع لا العاطفة,فإن العواطف عواصف, وبعدها قواصف,ثم تليها نواسف,أعاذنا الله وإياكم من ذلك.والحمد لله رب العالمين.

وكتبه أبو العباس محمد رحيل ليلة الاثنين 20/صفر/1432هـ حامدا ومصليا.

المصدر